71 حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ ، عَنِ ابْنِ عَجْلَانَ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ ، عَنِ ابْنِ مُحَيْرِيزٍ ، عَنْ الصُّنَابِحِيِّ ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ ، أَنَّهُ قَالَ : دَخَلْتُ عَلَيْهِ وَهُوَ فِي الْمَوْتِ ، فَبَكَيْتُ ، فَقَالَ : مَهْلًا ، لِمَ تَبْكِي ؟ فَوَاللَّهِ لَئِنْ اسْتُشْهِدْتُ لَأَشْهَدَنَّ لَكَ ، وَلَئِنْ شُفِّعْتُ لَأَشْفَعَنَّ لَكَ ، وَلَئِنْ اسْتَطَعْتُ لَأَنْفَعَنَّكَ ، ثُمَّ قَالَ : وَاللَّهِ مَا مِنْ حَدِيثٍ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَكُمْ فِيهِ خَيْرٌ إِلَّا حَدَّثْتُكُمُوهُ ، إِلَّا حَدِيثًا وَاحِدًا وَسَوْفَ أُحَدِّثُكُمُوهُ الْيَوْمَ ، وَقَدِ اُحِيطَ بِنَفْسِي ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، يَقُولُ : مَنْ شَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ، حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ النَّارَ |
71 حدثنا قتيبة بن سعيد ، حدثنا ليث ، عن ابن عجلان ، عن محمد بن يحيى بن حبان ، عن ابن محيريز ، عن الصنابحي ، عن عبادة بن الصامت ، أنه قال : دخلت عليه وهو في الموت ، فبكيت ، فقال : مهلا ، لم تبكي ؟ فوالله لئن استشهدت لأشهدن لك ، ولئن شفعت لأشفعن لك ، ولئن استطعت لأنفعنك ، ثم قال : والله ما من حديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم لكم فيه خير إلا حدثتكموه ، إلا حديثا واحدا وسوف أحدثكموه اليوم ، وقد احيط بنفسي ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يقول : من شهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ، حرم الله عليه النار |
It is narrated on the authority of Sunabihi that he went to Ubada b. Samit when he was about to die. I burst into tears. Upon this he said to me:
Allow me some time (so that I may talk with you). Why do you weep? By Allah, if I am asked to bear witness, I would certainly testify for you (that you are a believer). Should I be asked to intercede, I would certainly intercede for you, and if I have the power, I would certainly do good to you, and then observed: By Allah, never did I hear anything from the Messenger of Allah (ﷺ) which could have been a source of benefit to you and then not conveyed it to you except this single hadith. That I intend to narrate to you today, since I am going to breathe my last. I heard the Messenger of Allah (ﷺ) say: He who testifies that there is no god but Allah and that Muhammad is the messenger of Allah, Allah would prohibit the fire of Hell for him.
شاهد كل الشروح المتوفرة للحديث
[29] قوله ( عن بنعجلان عن محمد بن يحيى بن حيان عن بن مُحَيْرِيزٍ عَنِ الصُّنَابِحِيِّ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ دَخَلْتُ عَلَيْهِ وَهُوَ فِي الْمَوْتِ فَبَكَيْتُ فَقَالَ مَهْلًا) أَمَّا بن عَجْلَانَ بِفَتْحِ الْعَيْنِ فَهُوَ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَجْلَانَ الْمَدَنِيُّ مَوْلَى فَاطِمَةَ بِنْتِ الْوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ كَانَ عَابِدًا فَقِيهًا وَكَانَ لَهُ حَلْقَةٌ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ يُفْتِي وَهُوَ تَابِعِيٌّ أَدْرَكَ أَنَسًا وَأَبَا الطُّفَيْلِ قَالَهُ أَبُو نُعَيْمٍ رَوَى عَنْ أَنَسٍ وَالتَّابِعِينَ وَمِنْ طُرَفِ أَخْبَارِهِ أَنَّهُ حَمَلَتْ بِهِ أُمُّهُ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِ سِنِينَ وَقَدْ قَالَ الْحَاكِمُ أَبُو أَحْمَدَ فِي كِتَابِ الْكُنَى مُحَمَّدُ بْنُ عَجْلَانَ يُعَدُّ فِي التَّابِعِينَ لَيْسَ هُوَ بِالْحَافِظِ عِنْدَهُ وَوَثَّقَهُ غَيْرُهُ وَقَدْ ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ هُنَا مُتَابَعَةً قِيلَ إِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ لَهُ فِي الْأُصُولِ شَيْئًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
.
وَأَمَّا حَبَّانُ فَبِفَتْحِ الْحَاءِ وَبِالْمُوَحَّدَةِ وَمُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى هَذَا تَابِعِيٌّ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وأما بن مُحَيْرِيزٍ فَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَيْرِيزٍ بْنِ جُنَادَةَ بْنِ وَهْبٍ الْقُرَشِيُّ الْجُمَحِيُّ مِنْ أَنْفَسِهمُ الْمَكِّيُّ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ التَّابِعِيُّ الْجَلِيلُ سَمِعَ جَمَاعَةً مِنَ الصَّحَابَةِ مِنْهُمْ عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ وَأَبُو مَحْذُورَةَ وَأَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ وَغَيْرُهُمْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ سَكَنَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ من كان مقتديا فليقتد بمثل بن مُحَيْرِيزٍ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَكُنْ لِيُضِلَّ أمة فيها مثل بن مُحَيْرِيزٍ.
وَقَالَ رَجَاءُ بْنُ حَيْوَةَ بَعْدَ مَوْتِ بن محيريز والله ان كنت لأعد بقاء بن مُحَيْرِيزٍ أَمَانًا لِأَهْلِ الْأَرْضِ.
.
وَأَمَّا الصُّنَابِحِيُّ بِضَمِّ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ فَهُوَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنِ عُسَيْلَةَ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَتَيْنِ الْمُرَادِيُّ وَالصُّنَابِحُ بَطْنٌ مِنْ مُرَادٍ وَهُوَ تَابِعِيٌّ جَلِيلٌ رَحَلَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُبِضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي الطَّرِيقِ وَهُوَ بِالْجُحْفَةِ قَبْلَ أن يصل بخمس ليال أوست فَسَمِعَ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ وَخَلَائِقَ مِنَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ وَقَدْ يُشْتَبَهُ عَلَى غير المشتغل بالحديث الصنابحى هذا بالصنابح بن الْأَعْسَرِ الصَّحَابِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْإِسْنَادَ فِيهِ لَطِيفَةٌ مُسْتَطْرَفَةٌ مِنْ لَطَائِفِ الْإِسْنَادِ وَهِيَ أَنَّهُ اجْتَمَعَ فِيهِ أَرْبَعَةُ تَابِعِيِّونَ يَرْوِي بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ بن عجلان وبن حبان وبن مُحَيْرِيزٍ وَالصُّنَابِحِيُّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
.
وَأَمَّا .
قَوْلُهُ ( عَنِ الصُّنَابِحِيِّ عَنْ عُبَادَةَ أَنَّهُ قَالَ دَخَلْتُ عَلَيْهِ) فَهَذَا كَثِيرٌ يَقَعُ مِثْلُهُ وَفِيهِ صَنْعَةٌ حَسَنَةٌ وَتَقْدِيرُهُ عَنِ الصُّنَابِحِيِّ أَنَّهُ حَدَّثَ عَنْ عُبَادَةَ بِحَدِيثٍ قَالَ فِيهِ دَخَلْتُ عَلَيْهِ وَمِثْلُهُمَا سَيَأْتِي قَرِيبًا فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ فِي حديث ثلاثة يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ قَالَ مُسْلِمٌ رَحِمَهُ اللَّهُ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى قَالَ أَنَا هُشَيْمٌ عَنْ صَالِحِ بْنِ صَالِحٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ رَأَيْتُ رَجُلًا سَأَلَ الشَّعْبِيَّ فَقَالَ يَا أَبَا عَمْرٍو إِنَّ مِنْ قِبَلِنَا مِنْ أَهْلِ خُرَاسَانَ نَاسٌ يَقُولُونَ كَذَا فَقَالَ الشَّعْبِيُّ حَدَّثَنِي أَبُو بُرْدَةَ عَنْ أَبِيهِ فَهَذَا الْحَدِيثُ مِنَ النَّوْعِ الَّذِي نَحْنُ فِيهِ فَتَقْدِيرُهُ قَالَ هُشَيْمٌ حَدَّثَنِي صَالِحٌ عَنِ الشَّعْبِيِّ بِحَدِيثٍ قَالَ فِيهِ صَالِحٌ رَأَيْتُ رَجُلًا سَأَلَ الشَّعْبِيَّ وَنَظَائِرُ هَذَا كَثِيرَةٌ سَنُنَبِّهُ عَلَى كَثِيرٍ مِنْهَا فِي مَوَاضِعِهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَولُهُ ( مَهْلًا) هُوَ بِإِسْكَانِ الْهَاءِ وَمَعْنَاهُ أَنْظِرْنِي قَالَ الْجَوْهَرِيُّ يُقَالُ مَهْلًا يَا رَجُلُ بِالسُّكُونِ وَكَذَلِكَ لِلِاثْنَيْنِ وَالْجَمْعِ وَالْمُؤَنَّثِ وَهِيَ مُوَحَّدَةٌ بِمَعْنَى أَمْهِلْ فَإِذَا قِيلَ لَكَ مَهْلًا قُلْتَ لَا مَهْلَ وَاللَّهِ وَلَا تَقُلْ لَا مَهْلًا وَتَقُولُ مَا مَهْلُ وَاللَّهِ بِمُغْنِيَةٍ عَنْكَ شَيْئًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
قَوْلُهُ ( مَا مِنْ حَدِيثٍ لَكُمْ فِيهِ خَيْرٌ إِلَّا وَقَدْ حَدَّثْتُكُمُوهُ) قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ كَتَمَ مَا خَشِيَ الضَّرَرَ فِيهِ وَالْفِتْنَةَ مِمَّا لَا يَحْتَمِلُهُ عَقْلُ كُلِّ وَاحِدٍ وَذَلِكَ فِيمَا لَيْسَ تَحْتَهُ عَمَلٌ وَلَا فِيهِ حَدٌّ مِنْ حُدُودِ الشَّرِيعَةِ قَالَ وَمِثْلُ هَذَا عَنِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ كَثِيرٌ فِي تَرْكِ الْحَدِيثِ بِمَا لَيْسَ تَحْتَهُ عَمَلٌ وَلَا تَدْعُو إِلَيْهِ ضَرُورَةٌ أَوْ لَا تَحْمِلُهُ عُقُولُ الْعَامَّةِ أَوْ خُشِيَتْ مَضَرَّتُهُ عَلَى قَائِلِهِ أَوْ سَامِعِهِ لَا سِيَّمَا مَا يَتَعَلَّقُ بِأَخْبَارِ الْمُنَافِقِينَ وَالْإِمَارَةِ وَتَعْيِينِ قَوْمٍ وُصِفُوا بِأَوْصَافٍ غَيْرِ مُسْتَحْسَنَةٍ وَذَمِّ آخَرِينَ وَلَعْنِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
قَوْلُهُ ( وَقَدْ أُحِيطَ بِنَفْسِي) مَعْنَاهُ قَرُبْتُ مِنَ الْمَوْتِ وَأَيِسْتُ مِنَ النَّجَاةِ وَالْحَيَاةِ قَالَ صَاحِبُ التَّحْرِيرِ أَصْلُ الْكَلِمَةِ فِي الرَّجُلِ يَجْتَمِعُ عَلَيْهِ أَعْدَاؤُهُ فَيَقْصِدُونَهُ فَيَأْخُذُونَ عَلَيْهِ جَمِيعَ الْجَوَانِبِ بِحَيْثُ لَا يَبْقَى لَهُ فِي الْخَلَاصِ مَطْمَعٌ فَيُقَالُ أَحَاطُوا بِهِ أَيْ أَطَافُوا بِهِ مِنْجوانبه ومقصوده رب مَوْتِي وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
قَوْلُهُ ( هَدَّابُ بْنُ خَالِدٍ) هُوَ بِفَتْحِ الْهَاءِ وَتَشْدِيدِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَآخِرُهُ بَاءٌ مُوَحَّدَةٌ وَيُقَالُ هُدْبَةُ بِضَمِّ الْهَاءِ وَإِسْكَانِ الدَّالِ وَقَدْ ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي مَوَاضِعَ مِنَ الْكِتَابِ يَقُولُ فِي بَعْضِهَا هُدْبَةُ وَفِي بَعْضِهَا هَدَّابٌ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ أَحَدَهُمَا اسْمٌ وَالْآخَرُ لَقَبٌ ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي الِاسْمِ مِنْهُمَا فَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْغَسَّانِيُّ وَأَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ الطَّبَسِيُّ وَصَاحِبُ الْمَطَالِعِ وَالْحَافِظُ عَبْدِ الْغَنِيِّ الْمَقْدِسِيُّ الْمُتَأَخِّرُ هُدْبَةُ هُوَ الِاسْمُ وَهَدَّابٌ لَقَبٌ.
وَقَالَ غَيْرُهُمْ هَدَّابٌ اسْمٌ وهدبة لقب واختار الشيح أَبُو عَمْرٍو هَذَا وَأَنْكَرَ الْأَوَّلَ.
وَقَالَ أَبُو الْفَضْلِ الْفَلَكِيُّ الْحَافِظُ إِنَّهُ كَانَ يَغْضَبُ إِذَا قِيلَ لَهُ هُدْبَةُ وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ فَقَالَ هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ وَلَمْ يَذْكُرْهُ هَدَّابًا فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ اخْتَارَ أَنَّ هُدْبَةَ هُوَ الِاسْمُ وَالْبُخَارِيُّ أَعْرَفُ مِنْ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ شَيْخُ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ رَحِمَهُمُ اللَّهُ أَجْمَعِينَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
قَوْلُهُ ( كُنْتُ رِدْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ إِلَّا مُؤْخِرَةُ الرَّحْلِ فَقَالَ يَا مُعَاذُ بْنَ جَبَلٍ.
.
قُلْتُ لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ ثُمَّ سَارَ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ يَا مُعَاذُ بْنَ جَبَلٍ.
.
قُلْتُ لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ ثُمَّ سَارَ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ يَا مُعَاذُ بْنَ جَبَلٍ.
.
قُلْتُ لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ إِلَى آخِرِ الْحَدِيثِ) أَمَّا .
قَوْلُهُ رِدْفَ فَهُوَ بِكَسْرِ الرَّاءِ وَإِسْكَانِ الدَّالِ هَذِهِ الرِّوَايَةُ الْمَشْهُورَةُ الَّتِي ضَبَطَهَا مُعْظَمُ الرُّوَاةِ وَحَكَى الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ أَبَا عَلِيٍّ الطَّبَرِيَّ الْفَقِيهَ الشَّافِعِيَّ أَحَدَ رُوَاةِ الْكِتَابِ ضَبَطَهُ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَكَسْرِ الدَّالِ وَالرِّدْفُ وَالرَّدِيفُ هُوَ الرَّاكِبُ خَلْفَ الرَّاكِبِ يُقَالُ مِنْهُ رَدِفْتُهُ أَرْدَفُهُ بِكَسْرِ الدَّالِ فِي الْمَاضِي وَفَتْحِهَا فِي الْمُضَارِعِ إِذَا رَكِبْتُ خَلْفَهُ وَأَرْدَفْتُهُ أَنَا وَأَصْلُهُ مِنْ رُكُوبِهِ عَلَى الرِّدْفِ وَهُوَ الْعَجُزُ قَالَ الْقَاضِي وَلَا وَجْهَ لِرِوَايَةِ الطَّبَرِيِّ إِلَّا أَنْ يَكُونَ فَعِلَ هُنَا اسْمُ فَاعِلٍ مِثْلَ عَجِلَ وَزَمِنَ إِنْ صَحَّتْ رِوَايَةُ الطَّبَرِيِّ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ .
قَوْلُهُ لَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ إِلَّا مُؤْخِرَةُ الرَّحْلِ أَرَادَ الْمُبَالَغَةَ فِي شِدَّةِ قُرْبِهِ لِيَكُونَأَوْقَعَ فِي نَفْسِ سَامِعِهِ لِكَوْنِهِ أَضْبَطَ.
.
وَأَمَّا مُؤْخِرَةُ الرَّحْلِ فَبِضَمِّ الْمِيمِ بَعْدَهُ هَمْزَةٌ سَاكِنَةٌ ثُمَّ خَاءٌ مَكْسُورَةٌ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَفِيهِ لغة أخرى مؤخرة بفتح الْهَمْزَةِ وَالْخَاءِ الْمُشَدَّدَةِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ الله أنكر بن قُتَيْبَةَ فَتْحَ الْخَاءِ.
وَقَالَ ثَابِتٌ مُؤَخَّرَةُ الرَّحْلِ وَمُقَدَّمَتُهُ بِفَتْحِهِمَا وَيُقَالُ آخِرَةُ الرَّحْلِ بِهَمْزَةٍ مَمْدُودَةٍ وَهَذِهِ أَفْصَحُ وَأَشْهَرُ وَقَدْ جَمَعَ الْجَوْهَرِيُّ فِي صِحَاحِهِ فِيهَا سِتَّ لُغَاتٍ فَقَالَ فِي قَادِمَتَيِ الرَّحْلِ سِتُّ لُغَاتٍ مُقْدِمٌ وَمُقْدِمَةٌ بِكَسْرِ الدَّالِ مُخَفَّفَةٌ وَمُقَدَّمٌ وَمُقَدَّمَةٌ بِفَتْحِ الدَّالِ مُشَدَّدَةً وَقَادِمٌ وَقَادِمَةٌ قَالَ وَكَذَلِكَ هَذِهِ اللُّغَاتُ كُلُّهَا فِي آخِرَةِ الرَّحْلِ وَهِيَ الْعُودُ الَّذِي يَكُونُ خَلْفِ الرَّاكِبِ وَيَجُوزُ فِي يَا مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ وَجْهَانِ لِأَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ أَشْهُرُهُمَا وَأَرْجَحُهُمَا فَتْحُ مُعَاذَ والثانى ضمه ولا خلاف فى نصب بن وَقَولُهُ لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ فِي مَعْنَى لَبَّيْكَ أَقْوَالٌ نُشِيرُ هُنَا إِلَى بَعْضِهَا وَسَيَأْتِي إِيضَاحُهَا فِي كِتَابِ الْحَجِّ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَالْأَظْهَرُ أَنَّ مَعْنَاهَا إِجَابَةً لَكَ بَعْدَ إِجَابَةٍ لِلتَّأْكِيدِ وَقِيلَ مَعْنَاهُ قُرْبًا مِنْكَ وَطَاعَةً لَكَ وَقِيلَ أَنَا مُقِيمٌ عَلَى طَاعَتِكَ وَقِيلَ مَحَبَّتِي لَكَ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ وَمَعْنَى سَعْدَيْكَ أَيْ سَاعَدْتُ طَاعَتَكَ مُسَاعَدَةً بَعْدَ مُسَاعَدَةٍ.
.
وَأَمَّا تَكْرِيرُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِدَاءَ مُعَاذٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَلِتَأْكِيدِ الِاهْتِمَامِ بِمَا يُخْبِرُهُ وَلِيَكْمُلَ تَنَبُّهُ مُعَاذٍ فِيمَا يَسْمَعُهُ وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا تَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ أَعَادَهَا ثَلَاثًا لِهَذَا الْمَعْنَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( هَلْ تَدْرِي مَا حَقُّ اللَّهِ عَلَى الْعِبَادِ وَهَلْ تَدْرِي مَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى) قَالَ صَاحِبُ التَّحْرِيرِ.
.
اعْلَمْ أَنَّ الْحَقَّ كُلُّ مَوْجُودٍ مُتَحَقِّقٌ أَوْ مَا سَيُوجَدُ لَا مَحَالَةَ وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هُوَ الْحَقُّ الْمَوْجُودُ الْأَزَلِيُّ الْبَاقِي الْأَبَدِيُّ وَالْمَوْتُ وَالسَّاعَةُ وَالْجَنَّةُ وَالنَّارُ حَقٌّ لِأَنَّهَا وَاقِعَةٌ لَا مَحَالَةَ وَإِذَا قِيلَ لِلْكَلَامِ الصِّدْقُ حَقٌّ فَمَعْنَاهُ أَنَّ الشَّيْءَ الْمُخْبَرُ عَنْهُ بذلك الخبر واقع متحقق لاتردد فِيهِ وَكَذَلِكَ الْحَقُّ الْمُسْتَحَقُّ عَلَى الْعَبْدِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ فِيهِ تَرَدُّدٌ وَتَحَيُّرٌ فَحَقُّ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الْعِبَادِ مَعْنَاهُ مَا يَسْتَحِقُّهُ عَلَيْهِمْ مُتَحَتِّمًا عَلَيْهِمْ وَحَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى مَعْنَاهُ أَنَّهُ مُتَحَقِّقٌ لَا مَحَالَةَ هَذَا كَلَامُ صَاحِبِ التَّحْرِيرِ.
وَقَالَ غَيْرُهُ إِنَّمَا قَالَ حَقُّهُمْ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى عَلَى جِهَةِ الْمُقَابَلَةِ لِحَقِّهِ عَلَيْهِمْ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ نَحْوِ قَوْلِ الرَّجُلِ لِصَاحِبِهِ حَقُّكَ وَاجِبٌ عَلَيَّ أَيْ مُتَأَكِّدٌ قيامىبِهِ وَمِنْهُ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يَغْتَسِلَ فِي كُلِّ سَبْعَةِ أَيَّامٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
.
وَأَمَّا .
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا) فَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَاخِرِ الْبَابِ الْأَوَّلِ مِنْ كِتَابِ الْإِيمَانِ بَيَانُهُ وَوَجْهُ الْجَمْعِ بَيْنَ هَذَيْنِ اللَّفْظَيْنِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
قَوْلُهُ ( كُنْتُ رِدْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى حِمَارٍ يُقَالُ لَهُ عُفَيْرٌ) بِعَيْنٍ مُهْمَلَةٍ مَضْمُومَةٍ ثُمَّ فَاءٍ مَفْتُوحَةٍ هَذَا هُوَ الصَّوَابُ فِي الرِّوَايَةِ وَفِي الْأُصُولِ الْمُعْتَمَدَةِ وَفِي كُتُبِ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِذَلِكَ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَوْلُ الْقَاضِي عِيَاضٍ رَحِمَهُ اللَّهُ إِنَّهُ بَغَيْنٍ مُعْجَمَةٍ مَتْرُوكٌ قَالَ الشَّيْخُ وَهُوَ الْحِمَارُ الَّذِي كَانَ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِيلَ إِنَّهُ مَاتَ فِي حِجَّةِ الْوَدَاعِ قَالَ وَهَذَا الْحَدِيثُ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ هَذَا فِي مَرَّةٍ أُخْرَى غَيْرِ الْمَرَّةِ الْمُتَقَدِّمَةِ فِي الْحَدِيثِ السَّابِقِ فَإِنَّ مُؤْخِرَةَ الرَّحْلِ تَخْتَصُّ بِالْإِبِلِ وَلَا تَكُونُ عَلَى حِمَارٍ.
.
قُلْتُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَا قَضِيَّةً وَاحِدَةً وَأَرَادَ بِالْحَدِيثِ الْأَوَّلِ قَدْرَ مُؤْخِرَةِ الرَّحْلِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
قَوْلُهُ ( عَنْ أَبِي حَصِينٍ) هُوَ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَكَسْرِ الصَّادِ وَاسْمُهُ عَاصِمٌ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي أَوَّلِ مُقَدِّمَةِ الْكِتَابِ.
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ محمد بن مثنى وبن بَشَّارٍ ( أَنْ يُعْبَدَ اللَّهُ وَلَا يُشْرَكَ بِهِ شَيْءٌ) هَكَذَا ضَبَطْنَاهُ يُعْبَدُ بِضَمِّ الْمُثَنَّاةِ تَحْتُ وَشَيْءٌ بِالرَّفْعِ وَهَذَا ظَاهِرٌ.
وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرٍو رَحِمَهُ اللَّهُ وَوَقَعَ فِي الْأُصُولِ شَيْئًا بِالنَّصْبِ وَهُوَ صَحِيحٌ عَلَى التَّرَدُّدِ فِي قَوْلِهِ يُعْبَدَ اللَّهُ وَلَا يُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا بَيْنَ وُجُوهٍ ثَلَاثَةٍ أَحَدُهَا يَعْبُدَ اللَّهَ بِفَتْحِ الْيَاءِ الَّتِي هِيَ لِلْمُذَكَّرِ الْغَائِبِ أَيْ يَعْبُدَ الْعَبْدُ اللَّهَ وَلَا يُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا قَالَ وَهَذَا الْوَجْهُ أَوْجَهُ الْوُجُوهِ وَالثَّانِي تَعْبُدَ بِفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ فَوْقُ لِلْمُخَاطَبِ عَلَى التَّخْصِيصِ لِمُعَاذٍ لِكَوْنِهِ الْمُخَاطَبَ وَالتَّنْبِيهُ عَلَى غَيْرِهِ وَالثَّالِثُ يُعْبَدَ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَيَكُونُ شَيْئًا كِنَايَةً عَنِ الْمَصْدَرِ لَا عَنِ الْمَفْعُولِ بِهِ أَيْ لَا يُشْرَكَ بِهِ إِشْرَاكًا وَيَكُونُ الْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ هُوَ الْقَائِمُ مَقَامَ الْفَاعِلِ قَالَ وَإِذَا لَمْ تُعَيِّنُ الرِّوَايَةُ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الْوُجُوهِ فَحَقٌّ عَلَى مَنْ يَرْوِي هَذَا الْحَدِيثَ مِنَّا أَنْ يَنْطِقَ بِهَا كُلِّهَا وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ لِيَكُونَ آتِيًا بِمَا هُوَ الْمَقُولُ مِنْهَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ جَزْمًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ هَذَا آخِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ وَمَا ذَكَرْنَاهُ أَوَّلًا صَحِيحٌ فِي الرِّوَايَةِ وَالْمَعْنَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
قَوْلُهُ ( نَحْوَ حَدِيثِهِمْ) يَعْنِي أَنَّ الْقَاسِمَ بْنَ زَكَرِيَّا شَيْخَ مُسْلِمٍ فِي الرِّوَايَةِ الرَّابِعَةِ رَوَاهُ نَحْوَ رِوَايَةِ شُيُوخِ مُسْلِمٍ الْأَرْبَعَةِ الْمَذْكُورِينَ فِي الرِّوَايَاتِ الثَّلَاثِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَهُمْ هَدَّابٌ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ مثنى وبن بَشَّارٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ و.
قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ الْقَاسِمِ هَذِهِ ( حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ حَدَّثَنَا حُسَيْنٌ عَنْ زَائِدَةَ) هَكَذَا هُوَ فِي الْأُصُولِ كُلِّهَا حُسَيْنٌ بِالسِّينِ وَهُوَ الصَّوَابُ.
وَقَالَ الْقَاضِيعِيَاضٌ وَقَعَ فِي بَعْضِ الْأُصُولِ حَصِينٌ بِالصَّادِ وَهُوَ غَلَطٌ وَهُوَ حُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ الْجُعْفِيُّ وَقَدْ تَكَرَّرَتْ رِوَايَتُهُ عَنْ زَائِدَةَ فِي الْكِتَابِ وَلَا يُعْرَفُ حَصِينٌ بِالصَّادِ عَنْ زَائِدَةَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
قَوْلُهُ ( حَدَّثَنِي أَبُو كَثِيرٍ) هُوَ بِالْمُثَلَّثَةِ واسمه يزيد بالزاى بن عبد الرحمن بن أذينة ويقال بن غفيلة بضم الغين المعجمة وبالفاء ويقال بن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُذَيْنَةَ قَالَ أَبُو عَوَانَةَ الاسفراينى فِي مُسْنَدِهِ غُفَيْلَةُ أَصَحُّ مِنْ أُذَيْنَةَ .
قَوْلُهُ ( كُنَّا قُعُودًا حَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَنَا أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي نَفَرٍ) قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ يُقَالُ قَعَدْنَا حَوْلَهُ وَحَوْلَيْهِ وَحَوَالَيْهِ وَحَوَالَهُ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَاللَّامِ فِي جَمِيعِهِمَا أَيْ عَلَى جَوَانِبِهِ قَالُوا وَلَا يُقَالُ حَوَالِيهِ بِكَسْرِ اللَّامِ.
.
وَأَمَّا .
قَوْلُهُ وَمَعَنَا أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ فَهُوَ مِنْ فَصِيحِ الْكَلَامِ وَحُسْنِ الْإِخْبَارِ فَإِنَّهُمْ إِذَا أَرَادُوا الْإِخْبَارَ عَنْ جَمَاعَةٍ فَاسْتَكْثَرُوا أَنْ يَذْكُرُوا جَمِيعَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ ذَكَرُوا أَشْرَافَهُمْ أَوْ بَعْضَ أَشْرَافِهِمْ ثُمَّ قَالُوا وَغَيْرُهُمْ.
.
وَأَمَّا .
قَوْلُهُ مَعَنَا بِفَتْحِ الْعَيْنِ هَذِهِ اللُّغَةُ الْمَشْهُورَةُ وَيَجُوزُ تَسْكِينُهَا فِي لُغَةٍ حَكَاهَا صَاحِبُ الْمُحْكَمِ وَالْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَهِيَ لِلْمُصَاحَبَةِ قَالَ صَاحِبُ الْمُحْكَمِ مَعَ اسْمٌ مَعْنَاهُ الصُّحْبَةُ وَكَذَلِكَ مَعْ بِإِسْكَانِ الْعَيْنِ غَيْرَ أَنَّ الْمُحَرَّكَةَ تَكُونُ اسْمًا وَحَرْفًا وَالسَّاكِنَةُ لَا تَكُونُ إِلَّا حَرْفًا قَالَ اللِّحْيَانِيُّ قَالَ الْكِسَائِيُّ رَبِيعَةُ وَغَنْمٌ يُسَكِّنُونَ فَيَقُولُونَ مَعْكُمْ وَمَعْنَا فَإِذَا جَاءَتِ الْأَلِفُ وَاللَّامُ أَوْ أَلِفُ الْوَصْلِ اخْتَلَفُوا فَبَعْضُهُمْ يَفْتَحُ الْعَيْنِ وَبَعْضُهُمْ يَكْسِرُهَا فَيَقُولُونَ مَعَ الْقَوْمِ وَمَعَ ابْنِكِ وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ مَعِ الْقَوْمِ وَمَعِ ابْنِكَ أَمَّا مَنْ فَتَحَ فَبَنَاهُ عَلَى قَوْلِكَ كُنَّا مَعًا وَنَحْنُ مَعًا فَلَمَّا جَعَلَهَا حَرْفًا وَأَخْرَجَهَا عَنْ الِاسْمِ حَذَفَ الْأَلِفَ وَتَرَكَ الْعَيْنَ عَلَى فَتْحَتِهَا وَهَذِهِ لُغَةُ عَامَّةِ الْعَرَبِ.
.
وَأَمَّا مَنْ سَكَّنَ ثُمَّ كَسَرَ عِنْدَ أَلِفِ الْوَصْلِ فَأَخْرَجَهُ مخرج الأدوات مثل هل وبل فَقَالَ مَعِ الْقَوْمِ كَقَوْلِكَ هَلِ الْقَوْمُ وَبَلِ الْقَوْمُ وَهَذِهِ الْأَحْرُفُ الَّتِي ذَكَرْتُهَا فِي مَعَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هَذَا مَوْضِعَهَا فَلَا ضَرَرَ فِي التَّنْبِيهِ عَلَيْهَا لِكَثْرَةِ تَرْدَادِهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
قَوْلُهُ ( فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِنَا) .
وَقَالَ بَعْدَهُ كُنْتَ بَيْنَ أَظْهُرِنَا هَكَذَا هُوَ فِي الْمَوْضِعَيْنِ أَظْهُرِنَا.
وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ وَوَقَعَ الثَّانِي فِي بَعْضِ الْأُصُولِ ظَهْرَيْنَاوَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ يُقَالُ نَحْنُ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ وَظَهْرَيْكُمْ وَظَهْرَانَيْكُمْ بِفَتْحِ النُّونِ أَيْ بَيْنَكُمْ .
قَوْلُهُ ( وَخَشِينَا أَنْ يُقْتَطَعُ دُونَنَا) أَيْ يُصَابَ بِمَكْرُوهٍ مِنْ عَدُوٍّ إِمَّا بِأَسْرٍ وَإِمَّا بِغَيْرِهِ .
قَوْلُهُ ( وَفَزِعْنَا وَقُمْنَا فَكُنْتُ أَوَّلَ مَنْ فَزِعَ) قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ الْفَزَعُ يَكُونُ بِمَعْنَى الرَّوْعُ وَبِمَعْنَى الْهُبُوبِ لِلشَّيْءِ وَالِاهْتِمَامِ بِهِ وَبِمَعْنَى الْإِغَاثَةِ قَالَ فَتَصِحُّ هَذِهِ الْمَعَانِي الثَّلَاثَةُ أَيْ ذُعِرْنَا لِاحْتِبَاسِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنَّا أَلَا تَرَاهُ كَيْفَ قَالَ وَخَشِينَا أَنْ يُقْتَطَعَ دُونَنَا وَيَدُلُّ عَلَى الْوَجْهَيْنِ الْآخَرَيْنِ .
قَوْلُهُ فَكُنْتُ أَوَّلَ مَنْ فَزِعَ .
قَوْلُهُ ( حَتَّى أَتَيْتُ حَائِطًا لِلْأَنْصَارِ) أَيْ بُسْتَانًا وَسُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ حَائِطٌ لَا سَقْفَ لَهُ .
قَوْلُهُ ( فَإِذَا رَبِيعٌ يَدْخُلُ فِي جَوْفِ حَائِطٍ مِنْ بِئْرٍ خَارِجَةٍ وَالرَّبِيعُ الْجَدْوَلُ) أَمَّا الرَّبِيعُ فَبِفَتْحِ الراء على لفظ الربيع الفصل المعروف والجدول بِفَتْحِ الْجِيمِ وَهُوَ النَّهَرُ الصَّغِيرُ وَجَمْعُ الرَّبِيعِ أَرْبِعَاءُ كَنَبِيٍّ وَأَنْبِيَاءٍ وَقَولُهُ بِئْرٍ خَارِجَةٍ هَكَذَا ضَبَطْنَاهُ بِالتَّنْوِينِ فِي بِئْرٍ وَفِي خَارِجَةٍ عَلَى أَنَّ خَارِجَةٍ صِفَةٌ لِبِئْرٍ وَكَذَا نَقَلَهُ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ عَنِ الْأَصْلِ الَّذِي هُوَ بِخَطِّ الْحَافِظِ أَبِي عَامِرٍ الْعَبْدَرِيِّ وَالْأَصْلُ الْمَأْخُوذُ عَنِ الْجُلُودِيِّ وَذَكَرَ الْحَافِظُ أَبُو مُوسَى الْأَصْبَهَانِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ رُوِيَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا هَذَا وَالثَّانِي مِنْ بِئْرٍ خَارِجَهُ بِتَنْوِينِ بِئْرٍ وَبِهَاءٍ فِي آخِرِ خَارِجَهُ مَضْمُومَةٌ وَهِيَ هَاءُ ضَمِيرِ الْحَائِطِ أَيِ الْبِئْرِ فِي مَوْضِعٍ خَارِجٍ عَنِ الْحَائِطِ وَالثَّالِثُ مِنْ بِئْرِ خَارِجَةَ بِإِضَافَةِ بِئْرٍ إِلَى خَارِجَةَ آخِرَهُ تَاءُ التَّأْنِيثِ وَهُوَ اسْمُ رَجُلٍ وَالْوَجْهُ الْأَوَّلُ هُوَ الْمَشْهُورُ الظَّاهِرُ وَخَالَفَ هَذَا صَاحِبُ التَّحْرِيرِ فَقَالَ الصَّحِيحُ هُوَ الْوَجْهُ الثَّالِثُ قَالَ وَالْأَوَّلُ تَصْحِيفٌ قَالَ وَالْبِئْرُ يَعْنُونَ بِهَا الْبُسْتَانَ قَالَ وَكَثِيرًا مَا يَفْعَلُونَ هَذَا فَيُسَمُّونَ الْبَسَاتِينَ بِالْآبَارِ الَّتِي فِيهَا يَقُولُونَ بِئْرُ أَرِيسٍ وَبِئْرُ بُضَاعَةَ وَبِئْرُ حَاءٍ وَكُلُّهَا بَسَاتِينُ هَذَا كَلَامُ صَاحِبِ التَّحْرِيرِ وَأَكْثَرُهُ أَوْ كُلُّهُ لَا يُوَافَقُ عَلَيْهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَالْبِئْرُ مُؤَنَّثَةٌ مَهْمُوزَةٌ يَجُوزُ تَخْفِيفُ هَمْزَتِهَا وَهِيَ مُشْتَقَّةٌ مِنْ بَأَرْتُ أَيْ حَفَرْتُ وَجَمْعُهَا فِي الْقِلَّةِ أَبْؤُرٌ وَأَبْآرٌ بِهَمْزَةٍ بَعْدَ الْبَاءِ فِيهِمَا وَمِنَ الْعَرَبِ مَنْ يَقْلِبُالْهَمْزَةَ فِي أَبْآرٍ وَيَنْقُلُ فَيَقُولُ آبَارٌ وَجَمْعُهَا فِي الْكَثْرَةِ بِئَارٌ بِكَسْرِ الْبَاءِ بَعْدَهَا هَمْزَةٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
قَوْلُهُ ( فَاحْتَفَزْتُ كَمَا يَحْتَفِزُ الثَّعْلَبُ) هَذَا قَدْ رُوِيَ عَلَى وَجْهَيْنِ رُوِيَ بِالزَّايِ وَرُوِيَ بِالرَّاءِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَوَاهُ عَامَّةُ شُيُوخِنَا بِالرَّاءِ عَنِ الْعَبْدَرِيِّ وَغَيْرِهِ قَالَ وَسَمِعْنَا عَنِ الْأَسَدِيِّ عَنْ أَبِي اللَّيْثِ الشَّاشِيِّ عَنْ عَبْدِ الْغَافِرِ الْفَارِسِيِّ عَنِ الْجُلُودِيِّ بِالزَّايِ وَهُوَ الصواب ومعناه نضاممت لِيَسَعَنِي الْمَدْخَلُ وَكَذَا قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرٍو إِنَّهُ بِالزَّايِ فِي الْأَصْلِ الَّذِي بِخَطِّ أَبِي عَامِرٍ الْعَبْدَرِيِّ وَفِي الْأَصْلِ الْمَأْخُوذِ عَنِ الْجُلُودِيِّ وَإِنَّهَا رِوَايَةُ الْأَكْثَرِينَ وَإِنَّ رِوَايَةَ الزَّايِ أَقْرَبُ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى وَيَدُلُّ عَلَيْهِ تَشْبِيهُهُ بِفِعْلِ الثَّعْلَبِ وَهُوَ تَضَامُّهُ فِي الْمَضَايِقِ.
.
وَأَمَّا صَاحِبُ التَّحْرِيرِ فَأَنْكَرَ الزَّايَ وَخَطَّأَ رُوَاتَهَا وَاخْتَارَ الرَّاءَ وَلَيْسَ اخْتِيَارُهُ بِمُخْتَارٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
قَوْلُهُ ( فَدَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ فَقُلْتُ نَعَمْ) مَعْنَاهُ أَنْتَ أَبُو هُرَيْرَةَ .
قَوْلُهُ ( فَقَالَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ وَأَعْطَانِي نَعْلَيْهِ.
وَقَالَ اذْهَبْ بِنَعْلَيَّ هَاتَيْنِ) فِي هَذَا الْكَلَامِ فَائِدَةٌ لَطِيفَةٌ فَإِنَّهُ أَعَادَ لَفْظَةَ قَالَ وَإِنَّمَا أَعَادَهَا لِطُولِ الْكَلَامِ وَحُصُولِ الْفَصْلِ بِقَوْلِهِ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ وَأَعْطَانِي نَعْلَيْهِ وَهَذَا حَسَنٌ وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ بَلْ جَاءَ أَيْضًا فِي كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ ما عرفوا كفروا به قَالَ الْإِمَامُ أَبُو الْحَسَنِ الْوَاحِدِيُّ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ .
قَوْلُهُ تَعَالَى فَلَمَّا جَاءَهُمْ تَكْرِيرٌ لِلْأَوَّلِ لِطُولِ الْكَلَامِ قَالَ وَمِثْلُهُ .
قَوْلُهُ تَعَالَى أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا أنكم مخرجون أَعَادَ أَنَّكُمْ لِطُولِ الْكَلَامِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
.
وَأَمَّا إِعْطَاؤُهُ النَّعْلَيْنِ فَلِتَكُونَ عَلَامَةً ظَاهِرَةً مَعْلُومَةً عِنْدَهُمْ يَعْرِفُونَ بِهَا أَنَّهُ لَقِيَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَكُونَ أَوْقَعَ فِي نُفُوسِهِمْ لِمَا يُخْبِرُهُمْ بِهِ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا يُنْكَرُ كَوْنُ مِثْلِ هَذَا يُفِيدُ تَأْكِيدًا وَإِنْ كَانَ خَبَرُهُ مَقْبُولًا مِنْ غَيْرِ هَذَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ( فَمَنْ لَقِيتَ مِنْ وَرَاءِ هَذَا الْحَائِطِ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُسْتَيْقِنًا بِهَا قَلْبُهُ فَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ) مَعْنَاهُ أَخْبِرْهُمْ أَنَّ مَنْ كَانَتْ هَذِهِ صِفَتَهُ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَإِلَّا فَأَبُو هُرَيْرَةَ لَا يَعْلَمُ اسْتِيقَانَ قُلُوبِهِمْ وَفِي هَذَا دَلَالَةٌ ظَاهِرَةٌ لِمَذْهَبِ أَهْلِ الْحَقِّ أَنَّهُ لَا يَنْفَعُ اعْتِقَادُ التَّوْحِيدِ دُونَ النُّطْقِ وَلَا النُّطْقَ دُونَ الِاعْتِقَادِ بَلْ لَا بُدَّ مِنَ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا وَقَدْ تَقَدَّمَ إِيضَاحُهُ فِي أَوَّلِ الْبَابِ وَذِكْرُ الْقَلْبِ هُنَا لِلتَّأْكِيدِ وَنَفْيِ توهم المجاز وإلا فَالِاسْتِيقَانُ لَا يَكُونُ إِلَّا بِالْقَلْبِ .
قَوْلُهُ ( فَقَالَ ماهاتان النَّعْلَانِ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ فَقُلْتُ هَاتَيْنِ نَعْلَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَنِي بِهِمَا) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ الْأُصُولِ فَقُلْتُ هَاتَيْنِ نَعْلَا بِنَصْبِ هَاتَيْنِ وَرَفْعِ نَعْلَا وَهُوَ صَحِيحٌ مَعْنَاهُ فَقُلْتُ يَعْنِي هَاتَيْنِ هُمَا نَعْلَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَصَبَ هَاتَيْنِ بِإِضْمَارِ يَعْنِي وَحَذَفَ هُمَا الَّتِي هِيَ الْمُبْتَدَأُ لِلْعِلْمِ بِهِ.
.
وَأَمَّا .
قَوْلُهُ بَعَثَنِي بِهِمَا فَهَكَذَا ضَبَطْنَاهُ بِهِمَا عَلَى التَّثْنِيَةِ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَوَقَعَ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأُصُولِ أَوْ أَكْثَرِهَا بِهَا مِنْ غَيْرِ مِيمٍ وَهُوَ صَحِيحٌ أَيْضًا وَيَكُونُ الضَّمِيرُ عَائِدًا إِلَى الْعَلَامَةِ فَإِنَّ النَّعْلَيْنِ كَانَتَا عَلَامَةً وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
قَوْلُهُ ( فَضَرَبَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بَيْنَ ثَدْيَيَّ فَخَرَرْتُ لِاسْتِي فَقَالَ ارْجِعْ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ) أَمَّا .
قَوْلُهُ ثَدْيَيَّ فَتَثْنِيَةُ ثَدْيٍ بِفَتْحِ الثَّاءِ وَهُوَ مُذَكَّرٌ وَقَدْ يُؤَنَّثُ فِي لُغَةٍ قَلِيلَةٍ وَاخْتَلَفُوا فِي اخْتِصَاصِهِ بِالْمَرْأَةِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ يَكُونُ لِلرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ هُوَ لِلْمَرْأَةِ خَاصَّةً فَيَكُونُ إِطْلَاقُهُ فِي الرَّجُلِ مَجَازًا وَاسْتِعَارَةً وَقَدْ كَثُرَ إِطْلَاقُهُ فِي الْأَحَادِيثِ لِلرَّجُلِ وَسَأَزِيدُهُ إِيضَاحًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي بَابِ غِلَظِ تَحْرِيمِ قَتْلِ الْإِنْسَانِ نَفْسَهُ.
.
وَأَمَّا .
قَوْلُهُ لِاسْتِي فَهُوَ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ الدُّبُرِ وَالْمُسْتَحَبُّ فِي مِثْلِ هَذَا الْكِنَايَةُ عَنْ قَبِيحِ الْأَسْمَاءِ وَاسْتِعْمَالِ الْمَجَازِ وَالْأَلْفَاظِ الَّتِي تُحَصِّلُ الْغَرَضَ وَلَا يَكُونُ فِي صُورَتِهَا مَا يُسْتَحْيَا مِنَ التَّصْرِيحِ بِحَقِيقَةِ لَفْظِهِ وَبِهَذَا الْأَدَبِ جَاءَ الْقُرْآنُالْعَزِيزُ وَالسُّنَنُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ من الغائط فاعتزلوا النساء فى المحيض وَقَدْ يَسْتَعْمِلُونَ صَرِيحَ الِاسْمِ لِمَصْلَحَةٍ رَاجِحَةٍ وَهِيَ إِزَالَةُ اللَّبْسِ أَوِ الِاشْتِرَاكُ أَوْ نَفْيِ الْمَجَازِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي وَكَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنِكْتَهَا وَكَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَدْبَرَ الشَّيْطَانُ وَلَهُ ضُرَاطٌ وَكَقَوْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْحَدَثُ فُسَاءٌ أَوْ ضُرَاطٌ وَنَظَائِرُ ذَلِكَ كَثِيرَةٌ وَاسْتِعْمَالُ أَبِي هُرَيْرَةَ هُنَا لَفْظُ الِاسْتِ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
.
وَأَمَّا دَفْعُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَهُ فَلَمْ يَقْصِدْ بِهِ سُقُوطَهُ وَإِيذَاءَهُ بَلْ قَصَدَ رَدَّهُ عَمَّا هُوَ عَلَيْهِ وَضَرَبَ بِيَدِهِ فِي صَدْرِهِ لِيَكُونَ أَبْلَغَ فِي زَجْرِهِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ مِنَ الْعُلَمَاءِ رَحِمَهُمُ اللَّهُ وَلَيْسَ فِعْلُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَمُرَاجَعَتُهُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعْتِرَاضًا عَلَيْهِ وَرَدًّا لِأَمْرِهِ إِذْ لَيْسَ فيما بعث به أبا هريرة غير تطيب قُلُوبِ الْأُمَّةِ وَبُشْرَاهُمْ فَرَأَى عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ كَتْمَ هَذَا أَصْلَحُ لَهُمْ وَأَحْرَى أَنْ لَا يَتَّكِلُوا وَأَنَّهُ أَعْوَدُ عَلَيْهِمْ بِالْخَيْرِ مِنْ مُعَجَّلِ هَذِهِ الْبُشْرَى فَلَمَّا عَرَضَهُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَوَّبَهُ فِيهِ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ الْإِمَامَ وَالْكَبِيرَ مُطْلَقًا إِذَا رَأَى شَيْئًا وَرَأَى بَعْضُ أَتْبَاعِهِ خِلَافَهُ أَنَّهُ يَنْبَغِي لِلتَّابِعِ أَنْ يَعْرِضَهُ عَلَى الْمَتْبُوعِ لِيَنْظُرَ فِيهِ فَإِنْ ظَهَرَ لَهُ أَنَّ مَا قَالَهُ التَّابِعُ هُوَ الصَّوَابُ رَجَعَ إِلَيْهِ وَإِلَّا بَيَّنَ لِلتَّابِعِ جَوَابَ الشُّبْهَةِ الَّتِي عَرَضَتْ لَهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
قَوْلُهُ ( فَأَجْهَشْتُ بُكَاءً وَرَكِبَنِي عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَإِذَا هُوَ عَلَى أَثَرِي) أَمَّا .
قَوْلُهُ أَجْهَشْتُ فَهُوَ بِالْجِيمِ وَالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَالْهَمْزَةِ وَالْهَاءِ مَفْتُوحَتَانِ هَكَذَا وَقَعَ فِي الْأُصُولِ الَّتِي رَأَيْنَاهَا وَرَأَيْتُ فِي كِتَابِ الْقَاضِي عِيَاضٍ رَحِمَهُ اللَّهُ فَجَهَشْتُ بِحَذْفِ الْأَلِفِ وَهُمَا صَحِيحَانِ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ يُقَالُ جهشت جهشا وجهرشا وَأَجْهَشْتُ إِجْهَاشًا قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ وَهُوَ أَنْ يَفْزَعَ الْإِنْسَانُ إِلَى غَيْرِهِ وَهُوَ متغير الوجه متهىء لِلْبُكَاءِ وَلَمَّا يَبْكِ بَعْدُ قَالَ الطَّبَرِيُّ هُوَ الفزعوَالِاسْتِغَاثَةُ.
وَقَالَ أَبُو زَيْدٍ جَهَشْتُ لِلْبُكَاءِ وَالْحُزْنِ وَالشَّوْقِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
.
وَأَمَّا .
قَوْلُهُ بُكَاءً فَهُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى الْمَفْعُولِ لَهُ وَقَدْ جَاءَ فِي رواية للبكاء والبكا يُمَدُّ وَيُقْصَرُ لُغَتَانِ.
.
وَأَمَّا .
قَوْلُهُ وَرَكِبَنِي عُمَرُ فَمَعْنَاهُ تَبِعَنِي وَمَشَى خَلْفِي فِي الْحَالِ بِلَا مُهْلَةٍ.
.
وَأَمَّا .
قَوْلُهُ عَلَى أَثَرِي فَفِيهِ لُغَتَانِ فَصِيحَتَانِ مَشْهُورَتَانِ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَإِسْكَانِ الثَّاءِ وَبِفَتْحِهِمَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
قَوْلُهُ ( بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي) مَعْنَاهُ أَنْتَ مُفَدًّى أَوْ أَفْدِيكَ بِأَبِي وَأُمِّي وَاعْلَمْ أَنَّ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ هَذَا مُشْتَمِلٌ عَلَى فَوَائِدَ كَثِيرَةٍ تَقَدَّمَ فِي أَثْنَاءِ الْكَلَامِ مِنْهُ جُمَلٌ فَفِيهِ جُلُوسُ الْعَالِمِ لِأَصْحَابِهِ وَلِغَيْرِهِمْ مِنَ الْمُسْتَفْتِينَ وَغَيْرِهِمْ يُعَلِّمهُمْ وَيُفِيدُهُمْ وَيُفْتِيهِمْ وَفِيهِ مَا قَدَّمْنَاهُ أَنَّهُ إِذَا أَرَادَ ذِكْرَ جَمَاعَةٍ كَثِيرَةٍ فَاقْتَصَرَ عَلَى ذِكْرِ بَعْضِهِمْ ذَكَرَ أَشْرَافَهُمْ أَوْ بَعْضَ أَشْرَافِهِمْ ثُمَّ قَالَ وَغَيْرَهُمْ وَفِيهِ بَيَانُ مَا كَانَتِ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ عَلَيْهِ مِنَ الْقِيَامِ بِحُقُوقِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِكْرَامِهِ وَالشَّفَقَةِ عَلَيْهِ وَالِانْزِعَاجِ الْبَالِغِ لِمَا يُطْرِقُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِيهِ اهْتِمَامُ الْأَتْبَاعِ بِحُقُوقِ مَتْبُوعِهِمْ وَالِاعْتِنَاءِ بِتَحْصِيلِ مَصَالِحِهِ وَدَفْعِ الْمَفَاسِدِ عَنْهُ وَفِيهِ جَوَازُ دُخُولِ الْإِنْسَانِ ملك غيره بغير اذنه اذا علم أنه يرضى ذَلِكَ لِمَوَدَّةٍ بَيْنَهُمَا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ فَإِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ دَخَلَ الْحَائِطَ وَأَقَرَّهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ذَلِكَ وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ أَنْكَرَ عَلَيْهِ وَهَذَا غَيْرُ مُخْتَصٍّ بِدُخُولِ الْأَرْضِ بَلْ يَجُوزُ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِأَدَوَاتِهِ وَأَكْلِ طَعَامِهِ وَالْحَمْلِ مِنْ طَعَامِهِ إِلَى بَيْتِهِ وَرُكُوبِ دَابَّتِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنَ التَّصَرُّفِ الَّذِي يُعْلَمَ أَنَّهُ لَا يَشُقُّ عَلَى صَاحِبِهِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ جَمَاهِيرُ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ مِنَ الْعُلَمَاءِ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ وَصَرَّحَ بِهِ أَصْحَابُنَا قَالَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَتَجَاوَزُ الطَّعَامَ وَأَشْبَاهَهُ إِلَى الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَأَشْبَاهِهِمَا وَفِي ثُبُوتِ الْإِجْمَاعِ فِي حَقِّ مَنْ يَقْطَعُ بِطِيبِ قَلْبِ صَاحِبهِ بِذَلِكَ نَظَرٌ وَلَعَلَّ هَذَا يَكُونُ فِي الدَّرَاهِمِ الْكَثِيرَةِ الَّتِي يُشَكُّ أَوْ قَدْ يُشَكُّ فِي رِضَاهُ بِهَا فَإِنَّهُمُ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ إِذَا تَشَكَّكَ لَا يَجُوزُ التَّصَرُّفُ مُطْلَقًا فِيمَا تَشَكَّكَ فِي رِضَاهُ بِهِ ثُمَّ دَلِيلُ الْجَوَازِ فِي الْبَابِالْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَفِعْلُ وَقَوْلُ أَعْيَانِ الْأُمَّةِ فَالْكِتَابُ .
قَوْلُهُ تَعَالَى لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أو بيوت آبائكم إِلَى .
قَوْلُهُ تَعَالَى أَوْ صَدِيقِكُمْ وَالسُّنَّةُ هَذَا الْحَدِيثُ وَأَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ مَعْرُوفَةٌ بِنَحْوِهِ وَأَفْعَالُ السَّلَفِ وَأَقْوَالُهُمْ فِي هَذَا أَكْثَرَ مِنْ أَنْ تُحْصَى وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَفِيهِ إِرْسَالُ الْإِمَامِ وَالْمَتْبُوعِ إِلَى أَتْبَاعِهِ بِعَلَامَةٍ يَعْرِفُونَهَا لِيَزْدَادُوا بِهَا طُمَأْنِينَةً وَفِيهِ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنَ الدَّلَالَةِ لِمَذْهَبِ أَهْلِ الْحَقِّ أَنَّ الْإِيمَانَ الْمُنْجِيَ مِنَ الْخُلُودِ فِي النَّارِ لَا بُدَّ فِيهِ مِنَ الِاعْتِقَادِ وَالنُّطْقِ وَفِيهِ جَوَازُ إِمْسَاكِ بَعْضِ الْعُلُومِ الَّتِي لَا حاجة اليها للمصلحة أوخوف الْمَفْسَدَةِ وَفِيهِ إِشَارَةُ بَعْضِ الْأَتْبَاعِ عَلَى الْمَتْبُوعِ بِمَا يَرَاهُ مَصْلَحَةً وَمُوَافَقَةُ الْمَتْبُوعِ لَهُ إِذَا رَآهُ مَصْلَحَةً وَرُجُوعُهُ عَمَّا أَمَرَ بِهِ بِسَبَبِهِ وَفِيهِ جَوَازُ قَوْلِ الرَّجُلِ لِلْآخَرِ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَدْ كَرِهَهُ بَعْضُ السَّلَفِ.
وَقَالَ لَا يُفْدَى بِمُسْلِمٍ وَالْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ تَدُلُّ عَلَى جَوَازِهِ سَوَاءٌ كَانَ الْمُفَدَّى بِهِ مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا حَيًّا كَانَ أَوْ مَيِّتًا وَفِيهِ غَيْرُ ذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُ مُسْلِمٍ رَحِمَهُ اللَّهُ ( حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ أَخْبَرَنِي مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ قَتَادَةَ حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) هَذَا الْإِسْنَادُ كُلُّهُ بَصْرِيُّونَ إِلَّا إِسْحَاقَ فَإِنَّهُ نَيْسَابُورِيٌّ فَيَكُونُ الْإِسْنَادُ بَيْنِي وَبَيْنَ مُعَاذِ بْنِ هِشَامٍ نَيْسَابُورِيَّيْنِ وَبَاقِيهِ بَصْرِيُّونَ .
قَوْلُهُ ( فَأَخْبَرَ بِهَا مُعَاذٌ عِنْدَ مَوْتِهِ تَأَثُّمًا) هُوَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَضَمِّ الْمُثَلَّثَةِ الْمُشَدَّدَةِ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ تَأَثَّمَ الرَّجُلُ إِذَا فَعَلَ فِعْلًا يَخْرُجُ بِهِ مِنَ الْإِثْمِ وَتَحَرَّجَ أَزَالَ عَنْهُ الْحَرَجَ وَتَحَنَّثَ أَزَالَ عَنْهُ الْحِنْثَ وَمَعْنَى تَأَثُّمِ مُعَاذٌ أَنَّهُ كَانَ يَحْفَظُ عِلْمًا يَخَافُ فَوَاتَهُ وَذَهَابَهُ بِمَوْتِهِ فَخَشِيَ أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ كَتَمَ عِلْمًا وممن لميَمْتَثِلْ أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تَبْلِيغِ سُنَّتِهِ فَيَكُونُ آثِمًا فَاحْتَاطَ وَأَخْبَرَ بِهَذِهِ السُّنَّةِ مَخَافَةً مِنَ الْإِثْمِ وَعَلِمَ أن النبى صلى الله عليه وسلم ولم لَمْ يَنْهَهُ عَنِ الْإِخْبَارِ بِهَا نَهْيَ تَحْرِيمٍ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ لَعَلَّ مُعَاذًا لَمْ يَفْهَمْ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّهْيَ لَكِنْ كَسَرَ عَزْمَهُ عَمَّا عَرَضَ لَهُ مِنْ بُشْرَاهُمْ بِدَلِيلِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَنْ لَقِيتَ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُسْتَيْقِنًا قَلْبُهُ فَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ قَالَ أَوْ يَكُونُ مَعْنَاهُ بَلَغَهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي هُرَيْرَةَ وَخَافَ أَنْ يَكْتُمَ عِلْمًا عَلِمَهُ فَيَأْثَمَ أَوْ يَكُونَ حَمَلَ النَّهْيَ عَلَى إِذَاعَتِهِ وَهَذَا الْوَجْهُ ظَاهِرٌ وَقَدِ اخْتَارَهُ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ رَحِمَهُ اللَّهُ فَقَالَ مَنَعَهُ مِنَ التَّبْشِيرِ الْعَامِّ خَوْفًا مِنْ أَنْ يَسْمَعَ ذَلِكَ مَنْ لَا خِبْرَةَ لَهُ وَلَا عِلْمَ فَيَغْتَرَّ وَيَتَّكِلَ وَأَخْبَرَ بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْخُصُوصِ مَنْ أَمِنَ عَلَيْهِ الِاغْتِرَارَ وَالِاتِّكَالَ مِنْ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ فَإِنَّهُ أَخْبَرَ بِهِ مُعَاذًا فَسَلَكَ مُعَاذٌ هَذَا الْمَسْلَكِ فَأَخْبَرَ بِهِ مِنَ الْخَاصَّةِ مَنْ رَآهُ أَهْلًا لِذَلِكَ قَالَ.
.
وَأَمَّا أَمْرُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ بِالتَّبْشِيرِ فَهُوَ مِنْ تَغَيُّرِ الِاجْتِهَادِ وَقَدْ كَانَ الِاجْتِهَادُ جَائِزًا لَهُ وَوَاقِعًا مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ وَلَهُ مَزِيَّةٌ عَلَى سَائِرِ الْمُجْتَهِدِينَ بِأَنَّهُ لَا يُقَرُّ عَلَى الْخَطَأِ فِي اجْتِهَادِهِ وَمَنْ نَفَى ذَلِكَ.
وَقَالَ لَا يَجُوزُ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقَوْلُ فِي الْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ إِلَّا عَنْ وَحْيٍ فَلَيْسَ يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ قَدْ نَزَلَ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ مُخَاطَبَتِهِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَحْيٌ بِمَا أَجَابَهُ بِهِ نَاسِخٌ لِوَحْيٍ سَبَقَ بِمَا قَالَهُ أَوَّلًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا كَلَامُ الشَّيْخِ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ وَهِيَ اجْتِهَادُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا تَفْصِيلٌ مَعْرُوفٌ فَأَمَّا أُمُورُ الدُّنْيَا فَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ عَلَى جَوَازِ اجْتِهَادِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا وَوُقُوعُهُ مِنْهُ.
.
وَأَمَّا أَحْكَامُ الدِّينِ فَقَالَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ بِجَوَازِ الِاجْتِهَادِ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّهُ إِذَا جَازَ لِغَيْرِهِ فَلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْلَى.
وَقَالَ جَمَاعَةٌ لَا يَجُوزُ لَهُ لِقُدْرَتِهِ عَلَى الْيَقِينِ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ كَانَ يَجُوزُ فِي الْحُرُوبِ دُونَ غَيْرِهَا وَتَوَقَّفَ فِي كُلِّ ذَلِكَ آخَرُونَ ثُمَّ الْجُمْهُورُ الَّذِينَ جَوَّزُوهُ اخْتَلَفُوا فِي وُقُوعِهِ فَقَالَ الْأَكْثَرُونَ مِنْهُمْ وُجِدَ ذَلِكَ.
وَقَالَ آخَرُونَ لَمْ يُوجَدْ وَتَوَقَّفَ آخَرُونَ ثُمَّ الْأَكْثَرُونَ الَّذِينَ قَالُوا بِالْجَوَازِ وَالْوُقُوعِ اخْتَلَفُوا هَلْ كَانَ الْخَطَأُ جَائِزًا عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَهَبَ الْمُحَقِّقُونَ إِلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ جَائِزًا عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَهَبَ كَثِيرُونَ إِلَى جَوَازِهِ وَلَكِنْ لَا يُقَرُّ عَلَيْهِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ وَلَيْسَ هَذَا مَوْضِعَ اسْتِقْصَاءِ هَذَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَوْلُهُ ( حَدَّثَنَا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ) هُوَ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَضَمِّ الرَّاءِ وَبِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَهُوَ غَيْرُ مَصْرُوفٍ لِلْعُجْمَةِ وَالْعَلَمِيَّةِ قَالَ صَاحِبُ كِتَابِ الْعَيْنِ فروخ اسم بن لِإِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ أَبُو الْعَجَمِ وَكَذَا نَقَلَ صَاحِبُ الْمَطَالِعِ وَغَيْرُهُ أن فروخ بن لِإِبْرَاهِيمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَّهُ أَبُو الْعَجَمِ وَقَدْ نَصَّ جَمَاعَةٌ مِنَ الْأَئِمَّةِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَنْصَرِفُ لِمَا ذَكَرْنَاهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
قَوْلُهُ ( حَدَّثَنِي ثَابِتٌ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضى الله عنه قال حدثنى محمود بن الربيع عن عتبان بن مَالِكٍ قَالَ قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ فَلَقِيتُ عِتْبَانَ فَقُلْتُ حَدِيثٌ بَلَغَنِي عَنْكَ) هَذَا اللَّفْظُ شَبِيهٌ بِمَا تَقَدَّمَ فِي هَذَا الْبَابِ مِنْ قَوْلِهِ عَنِ بن مُحَيْرِيزٍ عَنِ الصُّنَابِحِيِّ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَدْ قَدَّمْنَا بَيَانَهُ وَاضِحًا وَتَقْرِيرُ هَذَا الَّذِي نَحْنُ فِيهِ حَدَّثَنِي مَحْمُودُ بْنُ الرَّبِيعِ عَنْ عِتْبَانَ بِحَدِيثٍ قَالَ فِيهِ مَحْمُودٌ قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ فَلَقِيتُ عِتْبَانَ وَفِي هَذَا الْإِسْنَادِ لَطِيفَتَانِ مِنْ لَطَائِفِهِ إِحْدَاهُمَا أَنَّهُ اجْتَمَعَ فِيهِ ثَلَاثَةٌ صَحَابِيُّونَ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ وَهُمْ أَنَسٌ وَمَحْمُودٌ وَعِتْبَانُ وَالثَّانِيَةُ أَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ الْأَكَابِرِ عَنِ الْأَصَاغِرِ فَإِنَّ أَنَسًا أَكْبَرُ مِنْ مَحْمُودٍ سِنًّا وَعِلْمًا وَمَرْتَبَةً رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ وَقَدْ قَالَ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ حَدَّثَنِي عِتْبَانُ بْنُ مَالِكٍ وَهَذَا لَا يُخَالِفُ الْأَوَّلَ فَإِنَّ أَنَسًا سَمِعَهُ أَوَّلًا مِنْ مَحْمُودٍ عَنْ عِتْبَانَ ثُمَّ اجْتَمَعَ أَنَسٌ بِعِتْبَانَ فَسَمِعَهُ مِنْهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وعتبان بِكَسْرِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَبَعْدَهَا تَاءٌ مُثَنَّاةٌ مِنْ فَوْقُ سَاكِنَةٍ ثُمَّ بَاءٍ مُوَحَّدَةٍ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ كَسْرِ الْعَيْنِ هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ الَّذِي لَمْ يَذْكُرِ الْجُمْهُورُ سِوَاهُ.
وَقَالَ صَاحِبُ المطالع وقد ضبطناه من طريق بن سَهْلٍ بِالضَّمِّ أَيْضًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
قَوْلُهُ ( أَصَابَنِي فِي بَصَرِي بَعْضُ الشَّيْءِ) .
وَقَالَ فِيالرِّوَايَةِ الْأُخْرَى عَمِيَ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ بِبَعْضِ الشَّيْءِ الْعَمَى وَهُوَ ذَهَابُ الْبَصَرِ جَمِيعُهُ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ ضَعْفَ الْبَصَرِ وَذَهَابَ مُعْظَمِهِ وَسَمَّاهُ عَمًى فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى لِقُرْبِهِ مِنْهُ وَمُشَارَكَتِهِ إِيَّاهُ فِي فَوَاتِ بَعْضِ مَا كَانَ حَاصِلًا فِي حَالِ السَّلَامَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
قَوْلُهُ ( ثُمَّ أَسْنَدُوا عُظْمَ ذَلِكَ وَكُبْرَهُ إِلَى مَالِكِ بْنِ دُخْشُمٍ) أَمَّا عُظْمَ فَهُوَ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَإِسْكَانِ الظَّاءِ أَيْ مُعْظَمَهُ.
.
وَأَمَّا كُبْرَهُ فَبِضَمِّ الْكَافِ وَكَسْرِهَا لُغَتَانِ فَصِيحَتَانِ مَشْهُورَتَانِ وَذَكَرهُمَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ لَكِنْهُمْ رَجَّحُوا الضم وقرىء قَوْلُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ بِكَسْرِ الْكَافِ وَضَمِّهَا الْكَسْرُ قِرَاءَةُ الْقُرَّاءِ السَّبْعَةِ وَالضَّمُّ فِي الشَّوَاذِّ قَالَ الْإِمَامُ أَبُو إِسْحَاقَ الثَّعْلَبِيُّ الْمُفَسِّرُ رَحِمَهُ اللَّهُ قِرَاءَةُ الْعَامَّةِ بِالْكَسْرِ وَقِرَاءَةُ حُمَيْدٍ الْأَعْرَجِ وَيَعْقُوبَ الْحَضْرَمِيِّ بِالضَّمِّ قَالَ أبوعمرو بن العلاء هو خطأ وقال الْكِسَائِيُّ هُمَا لُغَتَانِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَمَعْنَى قَوْلِهِ أَسْنَدُوا عُظْمَ ذَلِكَ وَكُبْرَهُ أَنَّهُمْ تَحَدَّثُوا وَذَكَرُوا شَأْنَ الْمُنَافِقِينَ وَأَفْعَالَهُمُ الْقَبِيحَةَ وَمَا يَلْقَوْنَ مِنْهُمْ وَنَسَبُوا مُعْظَمَ ذَلِكَ إِلَى مَالِكٍ.
.
وَأَمَّا .
قَوْلُهُ بن دُخْشُمٍ فَهُوَ بِضَمِّ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَإِسْكَانِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَضَمِّ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَبَعْدَهَا مِيمٌ هَكَذَا ضَبَطْنَاهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأَوْلَى وَضَبَطْنَاهُ فِي الثَّانِيَةِ بِزِيَادَةِ يَاءٍ بَعْدَ الْخَاءِ عَلَى التَّصْغِيرِ وَهَكَذَا هُوَ فِي مُعْظَمِ الْأُصُولِ وَفِي بَعْضِهَا فِي الثَّانِيَةِ مُكَبَّرٌ أَيْضًا ثُمَّ إِنَّهُ فِي الْأُولَى بِغَيْرِ أَلِفٍ وَلَامٍ وَفِي الثَّانِيَةِ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ رُوِّينَاهُ دُخْشُمٌ مكبرا ودخشيم مُصَغَّرًا قَالَ وَرُوِّينَاهُ فِي غَيْرِ مُسْلِمٍ بِالنُّونِ بدل الميم مكبرا ومصغرا قال الشيخ أبوعمرو بن الصلاح ويقال أيضا بن الدخشن بِكَسْرِ الدَّالِ وَالشِّينِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَاعْلَمْ أَنَّ مَالِكَ بْنَ دُخْشُمٍ هَذَا مِنَ الْأَنْصَارِ ذَكَرَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ اخْتِلَافًا بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فِي شُهُودِهِ الْعَقَبَةَ قَالَ وَلَمْ يَخْتَلِفُوا أَنَّهُ شَهِدَ بَدْرًا وَمَا بَعْدَهَا مِنَ الْمَشَاهِدِ قَالَ وَلَا يَصِحُّ عَنْهُ النِّفَاقُ فَقَدْ ظَهَرَ مِنْ حُسْنِ إِسْلَامِهِ مَا يَمْنَعُ مِنِ اتِّهَامِهِ هَذَا كَلَامُ أَبِي عُمَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ.
.
قُلْتُ وَقَدْ نَصَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى إِيمَانِهِ بَاطِنًا وَبَرَاءَتِهِ مِنَ النِّفَاقِ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَلَا تَرَاهُ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللَّهِ تَعَالَى فَهَذِهِ شَهَادَةٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ بِأَنَّهُقَالَهَا مُصَدِّقًا بِهَا مُعْتَقِدًا صِدْقَهَا مُتَقَرِّبًا بِهَا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَشَهِدَ لَهُ فِي شَهَادَتِهِ لِأَهْلِ بَدْرٍ بِمَا هُوَ مَعْرُوفٌ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُشَكَّ فِي صِدْقِ إِيمَانِهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَفِي هَذِهِ الزِّيَادَةِ رَدٌّ عَلَى غُلَاةِ الْمُرْجِئَةِ الْقَائِلِينَ بِأَنَّهُ يَكْفِي فِي الْإِيمَانِ النُّطْقُ مِنْ غَيْرِ اعْتِقَادٍ فَإِنَّهُمْ تَعَلَّقُوا بِمِثْلِ هَذَا الْحَدِيثِ وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ تَدْمَغُهُمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
قَوْلُهُ ( وَدُّوا أَنَّهُ دَعَا عَلَيْهِ فَهَلَكَ وَوَدُّوا أَنَّهُ أصابه شر) هكذا هُوَ فِي بَعْضِ الْأُصُولِ شَرٌّ وَفِي بَعْضِهَا بِشَرٍّ بِزِيَادَةِ الْبَاءِ الْجَارَّةِ وَفِي بَعْضِهَا شَيْءٌ وَكُلُّهُ صَحِيحٌ وَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ تَمَنِّي هَلَاكِ أَهْلِ النِّفَاقِ وَالشِّقَاقِ وَوُقُوعِ الْمَكْرُوهِ بِهِمْ .
قَوْلُهُ ( فَخُطَّ لِي مَسْجِدًا) أَيْ أَعْلِمْ لِي عَلَى مَوْضِعٍ لِأَتَّخِذَهُ مَسْجِدًا أَيْ مَوْضِعًا أَجْعَلُ صَلَاتِي فِيهِ مُتَبَرِّكًا بِآثَارِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنْوَاعٌ مِنَ الْعِلْمِ تَقَدَّمَ كثير منها ففيه التَّبَرُّكِ بِآثَارِ الصَّالِحِينَ وَفِيهِ زِيَارَةُ الْعُلَمَاءِ وَالْفُضَلَاءِ وَالْكُبَرَاءِ أَتْبَاعِهِمْ وَتَبْرِيكِهِمْ إِيَّاهُمْ وَفِيهِ جَوَازُ اسْتِدْعَاءِ الْمَفْضُولِ لِلْفَاضِلِ لِمَصْلَحَةٍ تَعْرِضُ وَفِيهِ جَوَازُ الْجَمَاعَةِ فِي صَلَاةِ النَّافِلَةِ وَفِيهِ أَنَّ السُّنَّةَ فِي نَوَافِلِ النَّهَارِ رَكْعَتَانِ كَاللَّيْلِ وَفِيهِ جَوَازُ الْكَلَامِ والتحدث بحضرة المصلين مالم يشغلهم ويدخل عليهم لبسا فِي صَلَاتِهِمْ أَوْ نَحْوِهِ وَفِيهِ جَوَازُ إِمَامَةِ الزَّائِرِ الْمَزُورِ بِرِضَاهُ وَفِيهِ ذِكْرُ مَنْ يُتَّهَمُ بِرِيبَةٍ أَوْ نَحْوِهَا لِلْأَئِمَّةِ وَغَيْرِهِمْ لِيُتَحَرَّزَ مِنْهُ وَفِيهِ جَوَازُ كِتَابَةِ الْحَدِيثِ وَغَيْرِهِ مِنَ الْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ لِقَوْلِ أَنَسٍ لِابْنِهِ اكْتُبْهُ بَلْ هِيَ مُسْتَحَبَّةٌ وَجَاءَ فِي الْحَدِيثِ النَّهْيُ عَنْ كَتْبِ الْحَدِيثِ وَجَاءَ الْإِذْنُ فِيهِ فَقِيلَ كَانَ النَّهْيُ لمن خيفاتِّكَالُهُ عَلَى الْكِتَابِ وَتَفْرِيطُهُ فِي الْحِفْظِ مَعَ تَمَكُّنِهِ مِنْهُ وَالْإِذْنُ لِمَنْ لَا يَتَمَكَّنُ مِنَ الْحِفْظِ وَقِيلَ كَانَ النَّهْيُ أَوَّلًا لَمَّا خِيفَ اخْتِلَاطُهُ بِالْقُرْآنِ وَالْإِذْنُ بَعْدَهُ لَمَّا أُمِنَ مِنْ ذَلِكَ وَكَانَ بَيْنَ السَّلَفِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ خِلَافٌ فِي جَوَازِ كِتَابَةِ الْحَدِيثِ ثُمَّ أَجْمَعَتِ الْأُمَّةُ عَلَى جَوَازِهَا وَاسْتِحْبَابِهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَفِيهِ الْبُدَاءَةُ بِالْأَهَمِّ فَالْأَهَمِّ فَإِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ عِتْبَانَ هَذَا بَدَأَ أَوَّلَ قُدُومِهِ بِالصَّلَاةِ ثُمَّ أَكَلَ وَفِي حَدِيثِ زِيَارَتِهِ لِأُمِّ سُلَيْمٍ بَدَأَ بِالْأَكْلِ ثُمَّ صَلَّى لِأَنَّ الْمُهِمَّ فِي حَدِيثِ عِتْبَانَ هُوَ الصَّلَاةُ فَإِنَّهُ دَعَاهُ لَهَا وَفِي حَدِيثِ أُمِّ سُلَيْمٍ دَعَتْهُ لِلطَّعَامِ فَفِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْحَدِيثِينَ بَدَأَ بِمَا دُعِيَ إِلَيْهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَفِيهِ جَوَازُ اسْتِتْبَاعِ الْإِمَامِ وَالْعَالِمِ أَصْحَابَهُ لِزِيَارَةٍ أَوْ ضِيَافَةٍ أَوْ نَحْوِهَا وَفِيهِ غَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا قَدَّمْنَاهُ وَمَا حَذَفْنَاهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَلَهُ الْحَمْدُ والنعمة والفضل والمنة وبه التوفيق والعصمةوالله أعلم
[29] بن عجلَان بِفَتْح الْعين عَن مُحَمَّد بن يحيى بن حبَان بِفَتْح الْحَاء وبالموحدة عَن بن محيريز عَن الصنَابحِي هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَة تابعيون روى بَعضهم عَن بعض فِي هَذَا الْإِسْنَاد بن عجلَان وَمن فَوْقه عَن عبَادَة بن الصَّامِت أَنه قَالَ دخلت عَلَيْهِ قَالَ النَّوَوِيّ سَاقِطَة لقب ثمَّ اخْتلفُوا أَيهمَا اللقب فَقَالَ جمَاعَة هداب وَعَلِيهِ البُخَارِيّ.
وَقَالَ آخَرُونَ هدبة وَاخْتَارَهُ بن الصّلاح ردف بِكَسْر الرَّاء وَإِسْكَان الدَّال وَهُوَ الرَّاكِب خلف الرَّاكِب وَمثله الرديف وَأَصله من ركُوبه على الردف وَهُوَ الْعَجز مؤخرة الرحل بِضَم الْمِيم وَسُكُون الْهمزَة وَكسر الْخَاء الْمُعْجَمَة أفْصح من فتح الْهمزَة وَالْخَاء الْمُشَدّدَة وأفصح مِنْهُمَا آخِرَة بِهَمْزَة ممدودة وَهُوَ الْعود الَّذِي يكون خلف الرَّاكِب يَا معَاذ بن جبل بِنصب بن لَا غير وَفِي معَاذ النصب وَالضَّم لبيْك الْأَشْهر أَن مَعْنَاهُ إِجَابَة لَك بعد إِجَابَة وَقيل قربا مِنْك وَإجَابَة وَقيل قربا مِنْك وَطَاعَة وَقيل أَنا مُقيم على طَاعَتك من ألب بِالْمَكَانِ إِذا أَقَامَ بِهِ وَلَزِمَه وألب لُغَة فِيهِ ونصبه على الْمصدر وَبني على معنى التَّأْكِيد أَي إلبابا بك بعد الْبَاب وَإِقَامَة بعد إِقَامَة وَسَعْديك قَالَ فِي الصِّحَاح أَي إسعاد لَك بعد إسعاد والإسعاد الْإِعَانَة هَل تَدْرِي مَا حق الله على الْعباد قَالَ صَاحب التَّحْرِير الْحق كل مَوْجُود يتَحَقَّق أَو مَا سيوجد لَا محَالة فَالله هُوَ الْحق الْمَوْجُود الأزلي وَالْمَوْت والساعة وَالنَّار حق لِأَنَّهَا وَاقعَة لَا محَالة وَالْكَلَام الصدْق حق بِمَعْنى أَن الشَّيْء الْمخبر عَنهُ بذلك الْخَبَر حق وَاقع مُتَحَقق لَا تردد فِيهِ وَكَذَلِكَ الْحق الْمُسْتَحق على الْغَيْر من غير أَن يكون فِيهِ تردد فَمَعْنَى حق الله على الْعباد مَا يسْتَحقّهُ عَلَيْهِم وَمعنى حق الْعباد على الله أَنه مُتَحَقق لَا محَالة.
وَقَالَ غَيره إِنَّمَا يُقَال حَقهم على الله على جِهَة الْمُقَابلَة لحقه عَلَيْهِم ثمَّ قَالَ النَّوَوِيّ وَيجوز أَن يكون نَحْو قَول الرجل لصَاحبه حَقك وَاجِب عَليّ أَي متأكد قيامي بِهِ وَمِنْه حَدِيث حق على كل مُسلم أَن يغْتَسل فِي كل سَبْعَة أَيَّام على حمَار يُقَال لَهُ عفير هُوَ بِعَين مُهْملَة مَضْمُومَة وَفَاء مَفْتُوحَة وَأَخْطَأ من أعجم الْعين قَالَ بن الصّلاح وَلَعَلَّ هَذِه قَضِيَّة غير الْمرة الْمُتَقَدّمَة فِي الحَدِيث السَّابِق فَإِن مؤخرة الرحل يخْتَص بِالْإِبِلِ وَلَا يكون على حمَار قَالَ النَّوَوِيّ يحْتَمل أَن يَكُونَا قَضِيَّة وَاحِدَة وَأَرَادَ بِالْحَدِيثِ الأول قدر مؤخرة الرحل أَن يعبد الله وَلَا يُشْرك بِهِ شَيْء قَالَ النَّوَوِيّ هَكَذَا ضبطناه بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول فيهمَا وَشَيْء بِالرَّفْع.
وَقَالَ بن الصّلاح وَوَقع فِي الْأُصُول شَيْئا بِالنّصب وَهُوَ صَحِيح على أَن يعبد الله بِالْيَاءِ التَّحْتِيَّة الْمَفْتُوحَة أَي يعبد العَبْد الله وَلَا يُشْرك بِهِ شَيْئا أَو بالفوقية الْمَفْتُوحَة خطابا لِمعَاذ أَو بالتحتية المضمومة وشيئا كِنَايَة عَن الْمصدر لَا على الْمَفْعُول بِهِ أَي لَا تشرك بِهِ إشراكا وَبِه هُوَ النَّائِب عَن الْفَاعِل قَالَ وَإِذا لم يعين الروَاة شَيْئا من هَذِه الْوُجُوه فَحق على من يرْوى هَذَا الحَدِيث منا أَن ينْطق بهَا كلهَا وَاحِدًا بعد وَاحِد ليَكُون اتبَاعا لما هُوَ الْمَقُول فِيهَا فِي نفس الْأَمر جزما حُسَيْن عَن زَائِدَة هَذَا هُوَ الصَّوَاب حُسَيْن بِالسِّين هُوَ بن عَليّ الْجعْفِيّ وَفِي بعض الْأُصُول حُصَيْن بالصَّاد قَالَ عِيَاض وَهُوَ غلط نَحْو حَدِيثهمْ أَي أَن حَدِيث الْقَاسِم شيخ مُسلم فِي الرِّوَايَة الْأَخِيرَة نَحْو حَدِيث شُيُوخ مُسلم الْأَرْبَعَة الْمَذْكُورين فِي الرِّوَايَات الْمُتَقَدّمَة هداب وَابْن أبي شيبَة وَابْن الْمثنى وَابْن بشار
[ سـ
:71 ... بـ
:29]
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا لَيْثٌ عَنْ ابْنِ عَجْلَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ عَنْ ابْنِ مُحَيْرِيزٍ عَنْ الصُّنَابِحِيِّ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ أَنَّهُ قَالَ دَخَلْتُ عَلَيْهِ وَهُوَ فِي الْمَوْتِ فَبَكَيْتُ فَقَالَ مَهْلًا لِمَ تَبْكِي فَوَاللَّهِ لَئِنْ اسْتُشْهِدْتُ لَأَشْهَدَنَّ لَكَ وَلَئِنْ شُفِّعْتُ لَأَشْفَعَنَّ لَكَ وَلَئِنْ اسْتَطَعْتُ لَأَنْفَعَنَّكَ ثُمَّ قَالَ وَاللَّهِ مَا مِنْ حَدِيثٍ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَكُمْ فِيهِ خَيْرٌ إِلَّا حَدَّثْتُكُمُوهُ إِلَّا حَدِيثًا وَاحِدًا وَسَوْفَ أُحَدِّثُكُمُوهُ الْيَوْمَ وَقَدْ أُحِيطَ بِنَفْسِي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَنْ شَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ النَّارَ
قَوْلُهُ : ( عَنِ ابْنِ عَجْلَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ عَنِ ابْنِ مُحَيْرِيزٍ عَنِ الصُّنَابِحِيِّ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ : دَخَلْتُ عَلَيْهِ وَهُوَ فِي الْمَوْتِ فَبَكَيْتُ فَقَالَ : مَهْلًا ) أَمَّا ( ابْنُ عَجْلَانَ ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ فَهُوَ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَجْلَانَ الْمَدَنِيُّ مَوْلَى فَاطِمَةَ بِنْتِ الْوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ كَانَ عَابِدًا فَقِيهًا وَكَانَ لَهُ حَلْقَةٌ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَانَ يُفْتِي .
وَهُوَ تَابِعِيٌّ أَدْرَكَ أَنَسًا وَأَبَا الطُّفَيْلِ .
قَالَهُ أَبُو نُعَيْمٍ رَوَى عَنْ أَنَسٍ وَالتَّابِعِينَ .
وَمِنْ طُرَفِ أَخْبَارِهِ أَنَّهُ حَمَلَتْ بِهِ أُمُّهُ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِ سِنِينَ .
وَقَدْ قَالَ الْحَاكِمُ أَبُو أَحْمَدَ فِي كِتَابِ الْكُنَى : مُحَمَّدُ بْنُ عَجْلَانَ يُعَدُّ فِي التَّابِعِينَ لَيْسَ هُوَ بِالْحَافِظِ عِنْدَهُ .
وَوَثَّقَهُ غَيْرُهُ .
وَقَدْ ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ هُنَا مُتَابَعَةً .
قِيلَ إِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ لَهُ فِي الْأُصُولِ شَيْئًا .
وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
وَأَمَّا ( حَبَّانُ ) فَبِفَتْحِ الْحَاءِ وَبِالْمُوَحَّدَةِ .
وَمُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى هَذَا تَابِعِيٌّ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - .
وَأَمَّا ( ابْنُ مُحَيْرِيزٍ ) فَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَيْرِيزٍ بْنِ جُنَادَةَ بْنِ وَهْبٍ الْقُرَشِيُّ الْجُمَحِيُّ مِنْ أَنْفَسِهمُ الْمَكِّيُّ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ التَّابِعِيُّ الْجَلِيلُ .
سَمِعَ جَمَاعَةً مِنَ الصَّحَابَةِ مِنْهُمْ عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ وَأَبُو مَحْذُورَةَ وَأَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ وَغَيْرُهُمْ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - .
سَكَنَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ .
قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ : مَنْ كَانَ مُقْتَدِيًا فَلْيَقْتَدِ بِمِثْلِ ابْنِ مُحَيْرِيزٍ ; فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَكُنْ لِيُضِلَّ أُمَّةً فِيهَا مِثْلُ ابْنِ مُحَيْرِيزٍ ..
وَقَالَ رَجَاءُ بْنُ حَيْوَةَ بَعْدَ مَوْتِ ابْنِ مُحَيْرِيزٍ : وَاللَّهِ إِنْ كُنْتُ لَأُعِدُّ بَقَاءَ ابْنِ مُحَيْرِيزٍ أَمَانًا لِأَهْلِ الْأَرْضِ .
وَأَمَّا ( الصُّنَابِحِيُّ ) بِضَمِّ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ فَهُوَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنِ عُسَيْلَةَ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَتَيْنِ الْمُرَادِيُّ .
وَالصُّنَابِحُ بَطْنٌ مِنْ مُرَادٍ وَهُوَ تَابِعِيٌّ جَلِيلٌ رَحَلَ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقُبِضَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ فِي الطَّرِيقِ وَهُوَ بِالْجُحْفَةِ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ بِخَمْسِ لَيَالٍ أَوْ سِتٍّ .
فَسَمِعَ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ وَخَلَائِقَ مِنَ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ .
وَقَدْ يُشْتَبَهُ عَلَى غَيْرِ الْمُشْتَغِلِ بِالْحَدِيثِ الصُّنَابِحِيُّ هَذَا بِالصُّنَابِحِ ابْنِ الْأَعْسَرِ الصَّحَابِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْإِسْنَادَ فِيهِ لَطِيفَةٌ مُسْتَطْرَفَةٌ مِنْ لَطَائِفِ الْإِسْنَادِ وَهِيَ أَنَّهُ اجْتَمَعَ فِيهِ أَرْبَعَةٌ تَابِعِيُّونَ يَرْوِي بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ : ابْنُ عَجْلَانَ ، وَابْنُ حَبَّانَ ، وَابْنُ مُحَيْرِيزٍ ، وَالصُّنَابِحِيُّ .
وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
وَأَمَّا قَوْلُهُ : ( عَنِ الصُّنَابِحِيِّ عَنْ عُبَادَةَ أَنَّهُ قَالَ دَخَلْتُ عَلَيْهِ ) فَهَذَا كَثِيرٌ يَقَعُ مِثْلُهُ وَفِيهِ صَنْعَةٌ حَسَنَةٌ وَتَقْدِيرُهُ عَنِ الصُّنَابِحِيِّ أَنَّهُ حَدَّثَ عَنْ عُبَادَةَ بِحَدِيثٍ قَالَ فِيهِ : دَخَلْتُ عَلَيْهِ وَمِثْلُهُ مَا سَيَأْتِي قَرِيبًا فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ فِي حَدِيثِ " ثَلَاثٌ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ " قَالَ مُسْلِمٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - : حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى قَالَ : أَنَا هُشَيْمٌ عَنْ صَالِحِ بْنِ صَالِحٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ : رَأَيْتُ رَجُلًا سَأَلَ الشَّعْبِيَّ فَقَالَ يَا أَبَا عَمْرٍو إِنَّ مِنْ قِبَلِنَا مِنْ أَهْلِ خُرَاسَانَ نَاسٌ يَقُولُونَ كَذَا ، فَقَالَ الشَّعْبِيُّ حَدَّثَنِي أَبُو بُرْدَةَ عَنْ أَبِيهِ .
فَهَذَا الْحَدِيثُ مِنَ النَّوْعِ الَّذِي نَحْنُ فِيهِ فَتَقْدِيرُهُ قَالَ هُشَيْمٌ حَدَّثَنِي صَالِحٌ عَنِ الشَّعْبِيِّ بِحَدِيثٍ قَالَ فِيهِ صَالِحٌ : رَأَيْتُ رَجُلًا سَأَلَ الشَّعْبِيَّ .
وَنَظَائِرُ هَذَا كَثِيرَةٌ سَنُنَبِّهُ عَلَى كَثِيرٍ مِنْهَا فِي مَوَاضِعِهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .
وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
وَقَوْلُهُ : ( مَهْلًا ) هُوَ بِإِسْكَانِ الْهَاءِ وَمَعْنَاهُ أَنْظِرْنِي .
قَالَ الْجَوْهَرِيُّ : يُقَالُ مَهْلًا يَا رَجُلُ بِالسُّكُونِ وَكَذَلِكَ لِلِاثْنَيْنِ وَالْجَمْعِ وَالْمُؤَنَّثِ وَهِيَ مُوَحَّدَةٌ بِمَعْنَى أَمْهِلْ .
فَإِذَا قِيلَ لَكَ مَهْلًا قُلْتَ : لَا مَهْلَ وَاللَّهِ .
وَلَا تَقُلْ : لَا مَهْلًا .
وَتَقُولُ : مَا مَهْلُ وَاللَّهِ بِمُغْنِيَةٍ عَنْكَ شَيْئًا .
وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
قَوْلُهُ : ( مَا مِنْ حَدِيثٍ لَكُمْ فِيهِ خَيْرٌ إِلَّا وَقَدْ حَدَّثْتُكُمُوهُ ) قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - : فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ كَتَمَ مَا خَشِيَ الضَّرَرَ فِيهِ وَالْفِتْنَةَ مِمَّا لَا يَحْتَمِلُهُ عَقْلُ كُلِّ وَاحِدٍ ، وَذَلِكَ فِيمَا لَيْسَ تَحْتَهُ عَمَلٌ ، وَلَا فِيهِ حَدٌّ مِنْ حُدُودِ الشَّرِيعَةِ .
قَالَ : وَمِثْلُ هَذَا عَنِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - كَثِيرٌ فِي تَرْكِ الْحَدِيثِ بِمَا لَيْسَ تَحْتَهُ عَمَلٌ ، وَلَا تَدْعُو إِلَيْهِ ضَرُورَةٌ ، أَوْ لَا تَحْمِلُهُ عُقُولُ الْعَامَّةِ ، أَوْ خُشِيَتْ مَضَرَّتُهُ عَلَى قَائِلِهِ أَوْ سَامِعِهِ لَا سِيَّمَا مَا يَتَعَلَّقُ بِأَخْبَارِ الْمُنَافِقِينَ وَالْإِمَارَةِ وَتَعْيِينِ قَوْمٍ وُصِفُوا بِأَوْصَافٍ غَيْرِ مُسْتَحْسَنَةٍ وَذَمِّ آخَرِينَ وَلَعْنِهِمْ .
وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
قَوْلُهُ : ( وَقَدْ أُحِيطَ بِنَفْسِي ) مَعْنَاهُ قَرُبْتُ مِنَ الْمَوْتِ وَأَيِسْتُ مِنَ النَّجَاةِ وَالْحَيَاةِ .
قَالَ صَاحِبُ ( التَّحْرِيرِ ) أَصْلُ الْكَلِمَةِ فِي الرَّجُلِ يَجْتَمِعُ عَلَيْهِ أَعْدَاؤُهُ فَيَقْصِدُونَهُ فَيَأْخُذُونَ عَلَيْهِ جَمِيعَ الْجَوَانِبِ بِحَيْثُ لَا يَبْقَى لَهُ فِي الْخَلَاصِ مَطْمَعٌ فَيُقَالُ أَحَاطُوا بِهِ أَيْ أَطَافُوا بِهِ مِنْ جَوَانِبِهِ وَمَقْصُودُهُ قَرُبَ مَوْتِي وَاللَّهُ أَعْلَمُ .