هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
1147 حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ، قَالَ : أَخْبَرَنِي عَبْدُ المَلِكِ بْنُ عُمَيْرٍ ، عَنْ قَزَعَةَ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، أَرْبَعًا ، قَالَ : سَمِعْتُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَانَ غَزَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ غَزْوَةً - ح حَدَّثَنَا عَلِيٌّ ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ سَعِيدٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : لاَ تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلاَثَةِ مَسَاجِدَ : المَسْجِدِ الحَرَامِ ، وَمَسْجِدِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَمَسْجِدِ الأَقْصَى
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  وكان غزا مع النبي صلى الله عليه وسلم ثنتي عشرة غزوة ح حدثنا علي ، حدثنا سفيان ، عن الزهري ، عن سعيد ، عن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد : المسجد الحرام ، ومسجد الرسول صلى الله عليه وسلم ، ومسجد الأقصى
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير، 

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : لاَ تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلاَثَةِ مَسَاجِدَ : المَسْجِدِ الحَرَامِ ، وَمَسْجِدِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَمَسْجِدِ الأَقْصَى.

Narrated Quza'a:

I heard Abu Said saying four words. He said, I heard the Prophet (ﷺ) (saying the following narrative). He had participated in twelve holy battles with the Prophet.

Qaza'a rapporte avoir entendu Abu Sa'îd () dire quatre choses: «J'ai entendu du Prophète ()... — il avait participé avec le Prophète () à douze expéditions... (C).

":"ہم سے حفص بن عمر نے بیان کیا ، کہا کہ ہم سے شعبہ نے بیان کیا ، انہوں نے کہا کہ مجھے عبدالملک نے قزعہ سے خبر دی ، انہوں نے کہا کہ میں نے ابوسعید رضی اللہ عنہ سے چار باتیں سنیں اور انہوں نے بتلایا کہمیں نے انہیں نبی کریم صلی اللہ علیہ وسلم سے سنا تھا ، آپ نے نبی کریم صلی اللہ علیہ وسلم کے ساتھ بارہ جہاد کئے تھے ۔

Qaza'a rapporte avoir entendu Abu Sa'îd () dire quatre choses: «J'ai entendu du Prophète ()... — il avait participé avec le Prophète () à douze expéditions... (C).

شاهد كل الشروح المتوفرة للحديث

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [1188] .

     قَوْلُهُ  أَخْبَرَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ هُوَ بن عُمَيْرٍ كَمَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ وَالْأَصِيلِيِّ .

     قَوْلُهُ  عَنْ قَزَعَةَ بِفَتْحِ الْقَافِ وَكَذَا الزَّاي وَحكى بن الْأَثِير سكونها بعْدهَا مهمله هُوَ بن يحيى وَيُقَال بن الْأَسْوَدِ وَسَيَأْتِي بعْدَ خَمْسَةِ أَبْوَابٍ فِي هَذَا الْإِسْنَادِ سَمِعْتُ قَزَعَةَ مَوْلَى زِيَادٍ وَهُوَ هَذَا وَزِيَاد مَوْلَاهُ هُوَ بن أَبِي سُفْيَانَ الْأَمِيرُ الْمَشْهُورُ وَرِوَايَةُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْهُ مِنْ رِوَايَةِ الْأَقْرَانِ لِأَنَّهُمَا مِنْ طَبَقَةٍ وَاحِدَةٍ .

     قَوْلُهُ  سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ أَرْبَعًا أَيْ يَذْكُرُ أَرْبَعًا أَوْ سَمِعْتُ مِنْهُ أَرْبَعًا أَيْ أَرْبَعَ كَلِمَاتٍ .

     قَوْلُهُ  وَكَانَ غَزَا الْقَائِلُ ذَلِكَ هُوَ قَزَعَةُ وَالْمَقُولُ عَنْهُ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ .

     قَوْلُهُ  ثِنْتَيْ عَشْرَةَ غَزْوَةً كَذَا اقْتَصَرَ الْمُؤَلِّفُ عَلَى هَذَا الْقَدْرِ وَلَمْ يَذْكُرْ مِنَ الْمَتْنِ شَيْئًا وَذَكَرَ بَعْدَهُ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي شَدِّ الرِّحَالِ فَظَنَّ الدَّاوُدِيُّ الشَّارِحُ أَنَّ الْبُخَارِيَّ سَاقَ الْإِسْنَادَيْنِ لِهَذَا الْمَتْنِ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ حَدِيثَ أَبِي سَعِيدٍ مُشْتَمِلٌ عَلَى أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ كَمَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ مُقْتَصِرٌ عَلَى شَدِّ الرِّحَالِ فَقَطْ لَكِنْ لَا يُمْنَعُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فِي سِيَاقٍ وَاحِدٍ بِنَاءً عَلَى قَاعِدَةِ الْبُخَارِيِّ فِي إِجَازَةِ اخْتِصَارِ الحَدِيث.

     وَقَالَ  بن رَشِيدٍ لَمَّا كَانَ أَحَدُ الْأَرْبَعِ هُوَ قَوْلَهُ لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ ذَكَرَ صَدْرَ الْحَدِيثِ إِلَى الْموضع الَّذِييَتَلَاقَى فِيهِ افْتِتَاحُ أَبِي هُرَيْرَةَ لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ فَاقْتَطَفَ الْحَدِيثَ وَكَأَنَّهُ قَصَدَ بِذَلِكَ الْإِغْمَاضَ لِيُنَبِّهَ غَيْرَ الْحَافِظِ عَلَى فَائِدَةِ الْحِفْظِ عَلَى أَنَّهُ مَا أَخْلَاهُ عَنِ الْإِيضَاحِ عَنْ قُرْبٍ فَإِنَّهُ سَاقَهُ بِتَمَامِهِ خَامِسَ تَرْجَمَةٍ .

     قَوْلُهُ  وَحَدَّثَنَا على هُوَ بن الْمَدِينِيّ وسُفْيَان هُوَ بن عُيَيْنَة وَسَعِيد هُوَ بن الْمسيب وَوَقَعَ عِنْدَ الْبَيْهَقِيِّ مِنْ وَجْهٌ آخَرُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ قَالَ حَدَّثَنَا بِهِ سُفْيَانُ مَرَّةً بِهَذَا اللَّفْظِ وَكَانَ أَكْثَرَ مَا يُحَدِّثُ بِهِ بِلَفْظِ تُشَدُّ الرِّحَالُ .

     قَوْلُهُ  لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ بِضَمِّ أَوَّلِهِ بِلَفْظِ النَّفْيِ وَالْمُرَادُ النَّهْيُ عَنِ السَّفَرِ إِلَى غَيْرِهَا قَالَ الطِّيبِيُّ هُوَ أَبْلَغُ مِنْ صَرِيحِ النَّهْيِ كَأَنَّهُ قَالَ لَا يَسْتَقِيمُ أَنْ يُقْصَدَ بِالزِّيَارَةِ إِلَّا هَذِهِ الْبِقَاعُ لِاخْتِصَاصِهَا بِمَا اخْتَصَّتْ بِهِ وَالرِّحَالُ بِالْمُهْمَلَةِ جَمْعُ رَحْلٍ وَهُوَ لِلْبَعِيرِ كَالسَّرْجِ لِلْفَرَسِ وَكَنَّى بِشَدِّ الرِّحَالِ عَنِ السَّفَرِ لِأَنَّهُ لَازِمُهُ وَخَرَجَ ذِكْرُهَا مَخْرَجَ الْغَالِبِ فِي رُكُوبِ الْمُسَافِرِ وَإِلَّا فَلَا فَرْقَ بَيْنَ رُكُوبِ الرَّوَاحِلِ وَالْخَيْلِ وَالْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ وَالْمَشْيِ فِي الْمَعْنَى الْمَذْكُورِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ .

     قَوْلُهُ  فِي بَعْضِ طُرُقِهِ إِنَّمَا يُسَافِرُ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ عِمْرَانَ بْنِ أَبِي أَنَسٍ عَنْ سُلَيْمَانَ الْأَغَرِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ .

     قَوْلُهُ  إِلَّا الِاسْتِثْنَاءُ مُفَرَّغٌ وَالتَّقْدِيرُ لَا تُشَدُّ الرِّحَالِ إِلَى مَوْضِعٍ وَلَازَمَهُ مَنْعُ السَّفَرِ إِلَى كُلِّ مَوْضِعٍ غَيْرِهَا لِأَنَّ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ فِي الْمُفَرَّغِ مُقَدَّرٌ بِأَعَمِّ الْعَامِّ لَكِنْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْعُمُومِ هُنَا الْمَوْضِعُ الْمَخْصُوصُ وَهُوَ الْمَسْجِدُ كَمَا سَيَأْتِي .

     قَوْلُهُ  الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَيِ الْمُحَرَّمُ وَهُوَ كَقَوْلِهِمَ الْكِتَابُ بِمَعْنَى الْمَكْتُوبِ وَالْمَسْجِدُ بِالْخَفْضِ عَلَى الْبَدَلِيَّةِ وَيَجُوزُ الرَّفْعُ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ وَالْمُرَادُ بِهِ جَمِيعُ الْحَرَمِ وَقِيلَ يَخْتَصُّ بِالْمَوْضِعِ الَّذِي يُصَلَّى فِيهِ دُونَ الْبُيُوتِ وَغَيْرِهَا مِنْ أَجْزَاءِ الْحَرَمِ قَالَ الطَّبَرِيُّ وَيَتَأَيَّدُ بِقَوْلِهِ مَسْجِدِي هَذَا لِأَنَّ الْإِشَارَةَ فِيهِ إِلَى مَسْجِدِ الْجَمَاعَةِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْمُسْتَثْنَى كَذَلِكَ وَقِيلَ الْمُرَادُ بِهِ الْكَعْبَةُ حَكَاهُ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ وَذَكَرَ أَنَّهُ يَتَأَيَّدُ بِمَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ بِلَفْظِ إِلَّا الْكَعْبَةَ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الَّذِي عِنْدَ النَّسَائِيِّ إِلَّا مَسْجِدَ الْكَعْبَةِ حَتَّى وَلَوْ سَقَطَتْ لَفْظَةُ مَسْجِدٍ لَكَانَتْ مُرَادَةً وَيُؤَيِّدُ الْأَوَّلَ مَا رَوَاهُ الطَّيَالِسِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَطَاءٍ أَنَّهُ قِيلَ لَهُ هَذَا الْفَضْلُ فِي الْمَسْجِدِ وَحْدَهُ أَوْ فِي الْحَرَمِ قَالَ بَلْ فِي الْحَرَمِ لِأَنَّهُ كُلُّهُ مَسْجِدٌ .

     قَوْلُهُ  وَمَسْجِدُ الرَّسُولِ أَيْ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي الْعُدُولِ عَنْ مَسْجِدِي إِشَارَةٌ إِلَى التَّعْظِيمِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ تَصَرُّفِ الرُّوَاةِ وَيُؤَيِّدُهُ .

     قَوْلُهُ  فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْآتِي قَرِيبًا وَمَسْجِدِي .

     قَوْلُهُ  وَمَسْجِدِ الْأَقْصَى أَيْ بَيْتُ الْمَقْدِسِ وَهُوَ مِنْ إِضَافَةِ الْمَوْصُوفِ إِلَى الصِّفَةِ وَقَدْ جَوَّزَهُ الْكُوفِيُّونَ وَاسْتَشْهَدُوا لَهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ وَالْبَصْرِيُّونَ يُؤَوِّلُونَهُ بِإِضْمَارِ الْمَكَانِ أَيِ الَّذِي بِجَانِبِ الْمَكَانِ الْغَرْبِيِّ وَمَسْجِدِ الْمَكَانِ الْأَقْصَى وَنَحْوِ ذَلِكَ وَسُمِّيَ الْأَقْصَى لِبُعْدِهِ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فِي الْمَسَافَةِ وَقِيلَ فِي الزَّمَانِ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ بَيْنَهُمَا أَرْبَعِينَ سَنَةً وَسَيَأْتِي فِي تَرْجَمَةِ إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ مِنْ أَحَادِيثِ الْأَنْبِيَاءِ وَبَيَانُ مَا فِيهِ مِنَ الْإِشْكَالِ وَالْجَوَابُ عَنْهُ.

     وَقَالَ  الزَّمَخْشَرِيُّ سُمِّيَ الْأَقْصَى لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ حِينَئِذٍ وَرَاءَهُ مَسْجِدٌ وَقِيلَ لِبُعْدِهِ عَنِ الْأَقْذَارِ وَالْخَبَثِ وَقِيلَ هُوَ أَقْصَى بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ لِأَنَّهُ بَعِيدٌ مِنْ مَكَّةَ وَبَيْتُ الْمَقْدِسِ أَبْعَدُ مِنْهُ وَلِبَيْتِ الْمَقْدِسِ عِدَّةُ أَسْمَاءَ تَقْرُبُ مِنَ الْعِشْرِينَ مِنْهَا إِيلِيَاءُ بِالْمَدِّ وَالْقَصْرِ وبحذف الْيَاء الأولى وَعَن بن عَبَّاسٍ إِدْخَالُ الْأَلِفِ وَاللَّامِ عَلَى هَذَا الثَّالِثِ وَبَيْتُ الْمَقْدِسِ بِسُكُونِ الْقَافِ وَبِفَتْحِهَا مَعَ التَّشْدِيدِ وَالْقُدْسُ بِغَيْرِ مِيمٍ مَعَ ضَمِّ الْقَافِ وَسُكُونِ الدَّالِ وَبِضَمِّهَا أَيْضًا وَشَلَّمُ بِالْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ وَبِالْمُهْمَلَةِ وَشَلَامُ بِمُعْجَمَةٍ وَسَلِمُ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ اللَّامِ الْخَفِيفَةِ وَأُورِي سَلِمَ بِسُكُونِ الْوَاوِ وَبكَسْرِ الرَّاءِ بَعْدَهَا تَحْتَانِيَّةٌ سَاكِنَةٌ قَالَ الْأَعْشَىوَقَدْ طُفْتُ لِلْمَالِ آفَاقَهُ دِمَشْقَ فَحِمْصَ فَأُورِي سَلِمَ وَمِنْ أَسْمَائِهِ كُورَةُ وَبَيْتُ أَيْلٍ وَصِهْيُونُ وَمِصْرُوثُ آخِرُهُ مُثَلَّثَةٌ وَكُورْشِيلَا وَبَابُوسُ بِمُوَحَّدَتَيْنِ وَمُعْجَمَةُ وَقَدْ تَتَبَّعَ أَكْثَرُ هَذِهِ الْأَسْمَاءِ الْحُسَيْنُ بْنُ خَالَوَيْهِ اللُّغَوِيُّ فِي كِتَابِ لَيْسَ وَسَيَأْتِي مَا يَتَعَلَّقُ بِمَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ فِي كِتَابِ الْحَجِّ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ فَضِيلَةُ هَذِهِ الْمَسَاجِدِ وَمَزِيَّتُهَا عَلَى غَيْرِهَا لِكَوْنِهَا مَسَاجِدَ الْأَنْبِيَاءِ وَلِأَنَّ الْأَوَّلَ قِبْلَةُ النَّاسِ وَإِلَيْهِ حَجُّهُمْ وَالثَّانِي كَانَ قِبْلَةَ الْأُمَمِ السالفه وَالثَّالِث أسس علىالتقوى وَاخْتُلِفَ فِي شَدِّ الرِّحَالِ إِلَى غَيْرِهَا كَالذَّهَابِ إِلَى زِيَارَةِ الصَّالِحِينَ أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا وَإِلَى الْمَوَاضِعِ الْفَاضِلَةِ لِقَصْدِ التَّبَرُّكِ بِهَا وَالصَّلَاةِ فِيهَا فَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ يَحْرُمُ شَدُّ الرِّحَالِ إِلَى غَيْرِهَا عَمَلًا بِظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيثِ وَأَشَارَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ إِلَى اخْتِيَارِهِ وَبِهِ قَالَ عِيَاضٌ وَطَائِفَةٌ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ مِنْ إِنْكَارِ بَصْرَةَ الْغِفَارِيِّ عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ خُرُوجَهُ إِلَى الطُّورِ.

     وَقَالَ  لَهُ لَوْ أَدْرَكْتُكَ قَبْلَ أَنْ تَخْرُجَ مَا خَرَجْتُ وَاسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ يَرَى حَمْلَ الْحَدِيثِ عَلَى عُمُومِهِ وَوَافَقَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ وَالصَّحِيحُ عِنْدَ إِمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرِهِ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ وَأَجَابُوا عَنِ الْحَدِيثِ بِأَجْوِبَةٍ مِنْهَا أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ الْفَضِيلَةَ التَّامَّةَ إِنَّمَا هِيَ فِي شَدِّ الرِّحَالِ إِلَى هَذِهِ الْمَسَاجِدِ بِخِلَافِ غَيْرِهَا فَإِنَّهُ جَائِزٌ وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ سَيَأْتِي ذِكْرُهَا بِلَفْظِ لَا يَنْبَغِي لِلْمَطِيِّ أَنْ تَعْمَلَ وَهُوَ لَفْظٌ ظَاهِرٌ فِي غَيْرِ التَّحْرِيمِ وَمِنْهَا أَنَّ النَّهْيَ مَخْصُوصٌ بِمَنْ نَذَرَ عَلَى نَفْسِهِ الصَّلَاةَ فِي مَسْجِدٍ مِنْ سَائِرِ الْمَسَاجِدِ غَيْرِ الثَّلَاثَةِ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ قَالَه بن بَطَّالٍ.

     وَقَالَ  الْخَطَّابِيُّ اللَّفْظُ لَفْظُ الْخَبَرِ وَمَعْنَاهُ الْإِيجَابُ فِيمَا يَنْذِرُهُ الْإِنْسَانُ مِنَ الصَّلَاةِ فِي الْبِقَاعِ الَّتِي يُتَبَرَّكُ بِهَا أَيْ لَا يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ غَيْرَ هَذِهِ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ وَمِنْهَا أَنَّ الْمُرَادَ حُكْمُ الْمَسَاجِدِ فَقَطْ وَأَنَّهُ لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَى مَسْجِدٍ مِنَ الْمَسَاجِدِ لِلصَّلَاةِ فِيهِ غَيْرَ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ.

.
وَأَمَّا قَصْدُ غَيْرِ الْمَسَاجِدِ لِزِيَارَةِ صَالِحٍ أَوْ قَرِيبٍ أَوْ صَاحِبٍ أَوْ طَلَبِ عِلْمٍ أَوْ تِجَارَةٍ أَوْ نُزْهَةٍ فَلَا يَدْخُلُ فِي النَّهْيِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا رَوَى أَحْمَدُ مِنْ طَرِيقِ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ وَذُكِرَتْ عِنْدَهُ الصَّلَاةُ فِي الطُّورِ فَقَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَنْبَغِي لِلْمُصَلِّي أَنْ يَشُدَّ رِحَالَهُ إِلَى مَسْجِدٍ تُبْتَغَى فِيهِ الصَّلَاةُ غَيْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى وَمَسْجِدِي وَشَهْرٌ حَسَنُ الْحَدِيثِ وَإِنْ كَانَ فِيهِ بَعْضُ الضَّعْفِ وَمِنْهَا أَنَّ الْمُرَادَ قَصْدُهَا بِالِاعْتِكَافِ فِيمَا حَكَاهُ الْخَطَّابِيُّ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ أَنَّهُ قَالَ لَا يُعْتَكَفُ فِي غَيْرِهَا وَهُوَ أَخَصُّ مِنَ الَّذِي قَبْلَهُ وَلَمْ أَرَ عَلَيْهِ دَلِيلًا وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ مَنْ نَذَرَ إِتْيَانَ أَحَدِ هَذِهِ الْمَسَاجِدِ لَزِمَهُ ذَلِكَ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَالشَّافِعِيُّ وَالْبُوَيْطِيُّ وَاخْتَارَهُ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ.

     وَقَالَ  أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَجِبُ مُطْلَقًا.

     وَقَالَ  الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ يَجِبُ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ لِتَعَلُّقِ النُّسُكِ بِهِ بِخِلَافِ الْمَسْجِدَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ وَهَذَا هُوَ الْمَنْصُور لأَصْحَاب الشَّافِعِي.

     وَقَالَ  بن الْمُنْذِرِ يَجِبُ إِلَى الْحَرَمَيْنِ.

.
وَأَمَّا الْأَقْصَى فَلَا وَاسْتَأْنَسَ بِحَدِيثِ جَابِرٍ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنِّي نَذَرْتُ إِنْ فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكَ مَكَّةَ أَنْ أُصَلِّيَ فِي بَيت الْمُقَدّس قَالَ صل هَا هُنَا.

     وَقَالَ  بن التِّينِ الْحُجَّةُ عَلَى الشَّافِعِيِّ أَنَّ أَعْمَالَ الْمَطِيِّ إِلَى مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى وَالصَّلَاةِ فِيهِمَا قُرْبَةٌ فَوَجَبَ أَنْ يُلْزَمَ بِالنَّذْرِ كَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ انْتَهَى وَفِيمَا يَلْزَمُ مَنْ نَذَرَ إِتْيَانَ هَذِهِ الْمَسَاجِدِ تَفْصِيلٌ وَخِلَافٌ يَطُولُ ذِكْرُهُ مَحَلُّهُ كُتُبُ الْفُرُوعِ وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ مَنْ نَذَرَ إِتْيَانَ غَيْرِ هَذِهِ الْمَسَاجِدِالثَّلَاثَةِ لِصَلَاةٍ أَوْ غَيْرِهَا لَمْ يَلْزَمْهُ غَيْرُهَا لِأَنَّهَا لَا فَضْلَ لِبَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ فَتَكْفِي صَلَاتُهُ فِي أَيِّ مَسْجِدٍ كَانَ قَالَ النَّوَوِيُّ لَا اخْتِلَافَ فِي ذَلِكَ إِلَّا مَا رُوِيَ عَنِ اللَّيْثِ أَنَّهُ قَالَ يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ وَعَنِ الْحَنَابِلَةِ رِوَايَةً يَلْزَمُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ وَلَا يَنْعَقِدُ نَذْرُهُ وَعَنِ الْمَالِكِيَّةِ رِوَايَةً إِنْ تَعَلَّقَتْ بِهِ عِبَادَةٌ تَخْتَصُّ بِهِ كَرِبَاطٍ لَزِمَ وَإِلَّا فَلَا وَذُكِرَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ الْمَالِكِيِّ أَنَّهُ يَلْزَمُ فِي مَسْجِدِ قُبَاءٍ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأْتِيهِ كُلَّ سَبْتٍ كَمَا سَيَأْتِي قَالَ الْكِرْمَانِيُّ وَقَعَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي عَصْرِنَا فِي الْبِلَادِ الشَّامِيَّةِ مُنَاظَرَاتٌ كَثِيرَةٌ وَصُنِّفَ فِيهَا رَسَائِلُ مِنَ الطَّرَفَيْنِ.

.

قُلْتُ يُشِيرُ إِلَى مَا رَدَّ بِهِ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ عَلَى الشَّيْخِ تَقِيِّ الدّين بن تَيْمِيَةَ وَمَا انْتَصَرَ بِهِ الْحَافِظُ شَمْسُ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ الْهَادِي وَغَيْرُهُ لِابْنِ تَيْمِيَةَ وَهِيَ مشهوره فِي بِلَادنَا وَالْحَاصِل إِنَّهُم الزموا بن تيميه بِتَحْرِيم شدّ الرحل إِلَى زِيَارَةِ قَبْرِ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنْكَرْنَا صُورَةَ ذَلِكَ وَفِي شَرْحِ ذَلِكَ مِنَ الطَّرَفَيْنِ طُولٌ وَهِيَ مِنْ ابشع الْمسَائِل المنقوله عَن بن تَيْمِيَةَ وَمِنْ جُمْلَةِ مَا اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى دَفْعِ مَا ادَّعَاهُ غَيْرُهُ مِنَ الْإِجْمَاعِ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ زِيَارَةِ قَبْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا نُقِلَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يَقُولَ زُرْتُ قَبْرَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ أَجَابَ عَنْهُ الْمُحَقِّقُونَ مِنْ أَصْحَابِهِ بِأَنَّهُ كَرِهَ اللَّفْظَ أَدَبًا لَا أَصْلَ الزِّيَارَةِ فَإِنَّهَا مِنْ أَفْضَلِ الْأَعْمَالِ وَأَجَلِّ الْقُرُبَاتِ الْمُوَصِّلَةِ إِلَى ذِي الْجَلَالِ وَأنَّ مَشْرُوعِيَّتَهَا مَحَلُّ إِجْمَاعٍ بِلَا نِزَاعٍ وَاللَّهُ الْهَادِي إِلَى الصَّوَابِ قَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ .

     قَوْلُهُ  إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ مَحْذُوفٌ فَإِمَّا أَنْ يُقَدِّرَ عَامًّا فَيَصِيرَ لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَى مَكَانٍ فِي أَيِّ أَمْرٍ كَانَ إِلَّا إِلَى الثَّلَاثَةِ أَوْ أَخَصَّ مِنْ ذَلِكَ لَا سَبِيلَ إِلَى الْأَوَّلِ لِإِفْضَائِهِ إِلَى سَدِّ بَابِ السَّفَرِ لِلتِّجَارَةِ وَصِلَةِ الرَّحِمِ وَطَلَبِ الْعِلْمِ وَغَيْرِهَا فَتَعَيَّنَ الثَّانِي وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَدَّرَ مَا هُوَ أَكْثَرُ مُنَاسَبَةً وَهُوَ لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَى مَسْجِدٍ لِلصَّلَاةِ فِيهِ إِلَّا إِلَى الثَّلَاثَةِ فَيَبْطُلُ بِذَلِكَ قَوْلُ مَنْ مَنَعَ شَدَّ الرِّحَالِ إِلَى زِيَارَةِ الْقَبْرِ الشَّرِيفِ وَغَيْرِهِ مِنْ قُبُورِ الصَّالِحِينَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

     وَقَالَ  السُّبْكِيُّ الْكَبِيرُ لَيْسَ فِي الْأَرْضِ بُقْعَةٌ لَهَا فَضْلٌ لِذَاتِهَا حَتَّى تُشَدَّ الرِّحَالُ إِلَيْهَا غير الْبِلَاد الثَّلَاثَهْ ومرادى بِالْفَضْلِ مَا شَهِدَ الشَّرْعُ بِاعْتِبَارِهِ وَرَتَّبَ عَلَيْهِ حُكْمًا شَرْعِيًّا.

.
وَأَمَّا غَيْرُهَا مِنَ الْبِلَادِ فَلَا تُشَدُّ إِلَيْهَا لِذَاتِهَا بَلْ لِزِيَارَةٍ أَوْ جِهَادٍ أَوْ عِلْمٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ مِنَ الْمَنْدُوبَاتِ أَوِ الْمُبَاحَاتِ قَالَ وَقَدِ الْتَبَسَ ذَلِكَ عَلَى بَعْضِهِمْ فَزَعَمَ أَنَّ شَدَّ الرِّحَالِ إِلَى الزِّيَارَةِ لِمَنْ فِي غَيْرِ الثَّلَاثَةِ دَاخِلٌ فِي الْمَنْعِ وَهُوَ خَطَأٌ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ إِنَّمَا يَكُونُ مِنْ جِنْسِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ فَمَعْنَى الْحَدِيثِ لَا تُشَدُّ الرِّحَالِ إِلَى مَسْجِدٍ مِنَ الْمَسَاجِدِ أَوْ إِلَى مَكَانٍ مِنَ الْأَمْكِنَةِ لِأَجْلِ ذَلِكَ الْمَكَانِ إِلَّا إِلَى الثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورَةِ وَشَدُّ الرِّحَالِ إِلَى زِيَارَةٍ أَوْ طَلَبِ عِلْمٍ لَيْسَ إِلَى الْمَكَانِ بَلْ إِلَى مَنْ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [1188] حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ أَخْبَرَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عُمَيْرٍ عَنْ قَزَعَةَ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ -رضي الله عنه- أَرْبَعًا قَالَ سَمِعْتُ مِنَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَكَانَ غَزَا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثِنْتَىْ عَشْرَةَ غَزْوَةً.
وبه قال: ( حدّثنا حفص بن عمر) بضم العين، ابن الحرث بن سخبرة، بفتح المهملة وسكون المعجمة وفتح الموحدة، الأزدي النمري، بفتح النون والميم، الحوضي البصري المتوفى سنة خمس وعشرين ومائتين، قال: ( حدّثنا شعبة) بن الحجاج الواسطي ( قال: أخبرني) بالإفراد ( عبد الملك) زاد أبو ذر، والأصيلي: ابن عمير، بالتصغير، القبطي، قاضي الكوفة بعد الشعبي، المتوفى سنة ست وثلاثين ومائة، وله مائة سنة وثلاث سنين ( عن قزعة) بالقاف والزاي والعين المفتوحات، وقد تسكن الزاى، ابن يحيى، ويقال: ابن الأسود البصري، مولى زياد ( قال: سمعت أبا سعيد) سعد بن مالك الأنصاري الخدري، ( رضي الله عنه، قال) : ( أربعًا) هي الآتية قريبًا في باب: مسجد بيت المقدس.
كما قاله ابن رشيد، وهي: لا تسافر المرأة يومين إلا ومعها زوجها أو ذو محرم، ولا صوم في يومين: الفطر والأضحى، ولا صلاة بعد صلاتين، بعد: الصبح حتى تطلع الشمس، وبعد العصر حتى تغرب، ولا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد.
( قال: سمعت من النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ، قال قزعة: ( وكان) أبو سعيد ( غزا مع النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثنتي عشرة غزوة) .
كذا اقتصر المؤلّف على هذا القدر لقصد الإغماض، لينبّه غير الحافظ على فائدة الحفظ، كما نبّه عليه ابن رشيد.
وفي هذا السند: التحديث والإخبار بالإفراد والسماع والقول، وفيه: رواية تابعي عن تابعي عن صحابيّ، وأخرج حديثه المؤلّف في: الصلاة ببيت المقدس، والحج، والصوم.
ومسلم في: المناسك، والترمذي في: الصلاة، والنسائي في: الصوم، وابن ماجة فيه، وفي: الصلاة.
( ح) للتحويل من سند إلى آخر، كما مر.
1189 - حَدَّثَنَا عَلِيٌّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلاَّ إِلَى ثَلاَثَةِ مَسَاجِدَ: الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَمَسْجِدِ الرَّسُولِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمَسْجِدِ الأَقْصَى».
قال المؤلّف ( حدّثنا) ولأبي ذر، وابن عساكر: وحدّثنا ( علي) هو: ابن المديني ( قال: حدّثنا سفيان) بن عيينة ( عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب ( عن سعيد) بكسر العين هو: ابن المسيب ( عن أبي هريرة، رضي الله عنه) ، وليس هذان السندان للمتن التالي، لأن حديث أبي سعيد اشتمل على أربعة أشياء، كما مر.
ومتن أبي هريرة هذا، اقتصر على شد الرحال فقط، حيث روى ( عن النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قال) : ( لا تشدّ الرحال) بضم المثناة الفوقية وفتح المعجمة.
والرحال بالمهملة، جمع: رحل للبعير، كالسرج للفرس.
وهو أصغر من القتب وشده كناية عن السفر، لأنه لازم له.
والتعبير بشدها خرج مخرج الغالب في ركوبها للمسافر، فلا فرق بين ركوب الرواحل وغيرها، والمشي في هذا المعنى، ويدل لذلك قوله في بعض طرقه: "إنما يسافر ...
" أخرجه مسلم، والنفي هنا بمعنى النهي، أي: لا تشدّ الرحال إلى مسجد للصلاة فيه.
( إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام) بمكة بخفض دال المسجد بدل من ثلاثة أو بالرفع خبر مبتدأ محذوف، أي: هي: المسجد الحرام والتاليان، عطف عليه.
والمراد هنا بالمسجد الحرام أرض الحرم كلها، قيل لعطاء، فيما رواه الطيالسي: هذا الفضل في المسجد وحدهأو في الحرم، قال: بل في الحرم؛ لأنه كله مسجد.
( ومسجد الرسول) محمد ( -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بطيبة عبر به دون مسجدى، للتعظيم أو هو من تصرف الرواة.
وروى أحمد بإسناد رواته الصحيح، من حديث أنس رفعه: "من صلّى في مسجدي أربعين صلاة لا تفوته صلاة، كتبت له براءة من النار، وبراءة من العذاب، وبراءة من النفاق".
( ومسجد الأقصى) : بيت المقدس، وهو من إضافة الموصوف إلى الصفة عند الكوفيين، والبصريون يؤولونه بإضمار المكان أي و: مسجد المكان الأقصى.
وسمي به لبعده عن مسجد مكة في المسافة، أو لأنه لم يكن وراءه مسجد.
وقد بطل بما مر من التقدير: بلا تشد الرحال إلى مسجد للصلاة فيه، المعتضد بحديث أبي سعيد، المروي في مسند أحمد، بإسناد حسن مرفوعًا: لا ينبغى للمطي أن تشد رحاله إلى مسجد تبتغى فيه الصلاة، غير المسجد الحرام، والأقصى ومسجدي.
هذا قول ابن تيمية.
حيث منع من زيارة النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وهو من أبشع المسائل المنقولة عنه.
وقد أجاب عنه المحققون من أصحابه أنه كره اللفظ أدبًا، لا أصل الزيارة، فإنها من أفضل الأعمال، وأجل القرب الموصلة إلى ذي الجلال، وأن مشروعيتها محل إجماع بلا نزاع.
اهـ.
فشد الرحال للزيارة أو نحوها: كطلب علم ليس إلى المكان، بل إلى من فيه، وقد التبس ذلك على بعضهم، كما قاله المحقق التقي السبكي، فزعم أن شد الرحال إلى الزيارة في غير الثلاثة داخل في المنع، وهو خطأ، لأن الاستثناء كما مر إنما يكون من جنس المستثنى منه، كما إذا قلت ما رأيت إلا زيدًا كان تقديره: ما رأيت رجلاً واحدًا إلا زيدًا، لا، ما رأيت شيئًا أو حيوانًا إلا زيدًا.
وقد استدلّ بالحديث على أن من نذر إتيان أحد هذه المساجد، لزمه ذلك.
وبه قال مالك، وأحمد والشافعي في البويطي، واختاره، أبو إسحاق المروزي.
وقال أبو حنيفة: لا يجب مطلقًا.
وقال الشافعي في الأم: يجب في المسجد الحرام لتعلق النسك به، بخلاف المسجدين الآخرين.
وهذا هو المنصوص لأصحابه.
واستدلّ به أيضًا على أن من نذر إتيان غير هذه الثلاثة، لصلاة أو غيرها لا يلزمه، لأنه لا فضل لبعضها على بعض، فتكفي صلاته في أي مسجد كان.
قال النووي: لا اختلاف فيه إلا ما روي عن الليث أنه قال: يجب الوفاء به، وعن الحنابلة رواية: أنه يلزمه كفارة يمين، ولا ينعقد نذره.
وعن المالكية رواية: أنه إن تعلقت به عبادة تختص به كرباط.
وإلاّ فلا.
وذكر عن محمد بن مسلمة، أنه يلزم في مسجد قباء لأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يأتيه كل سبت.
فإن قلت: ما المطابقة بين الترجمة والحديث.
أجيب: بأنه من التعبير بالرحلة إلى المساجد، لأن المراد بالرحلة إليها، قصد الصلاة فيها لأن لفظ: المساجد، يشعر بالصلاة.
وفي هذا السند الثاني: التحديث والعنعنة والقول، ورواية تابعي عن تابعي عن صحابي.
وأخرج حديثه هذا: مسلم وأبو داود في الحج، والنسائي في الصلاة.

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  ( قَولُهُ بَابُ فَضْلِ الصَّلَاةِ فِي مَسْجِدِ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ)
ثَبَتَ فِي نُسْخَةِ الصَّغَانِيِّ الْبَسْمَلَةُ قَبْلَ الْبَاب قَالَ بن رَشِيدٍ لَمْ يَقُلْ فِي التَّرْجَمَةِ وَبَيْتِ الْمَقْدِسِ وَإِنْ كَانَ مَجْمُوعًا إِلَيْهِمَا فِي الْحَدِيثِ لِكَوْنِهِ أَفْرَدَهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِتَرْجَمَةٍ قَالَ وَتَرْجَمَ بِفَضْلِ الصَّلَاةِ وَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ ذِكْرُ الصَّلَاةِ لِيُبَيِّنَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالرِّحْلَةِ إِلَى الْمَسَاجِدِ قَصْدُ الصَّلَاةِ فِيهَا لِأَنَّ لَفْظَ الْمَسَاجِدِ مُشْعِرٌ بِالصَّلَاةِ انْتَهَى وَظَاهِرُ إِيرَادِ الْمُصَنِّفِ لِهَذِهِ التَّرْجَمَةِ فِي أَبْوَابِ التَّطَوُّعِ يُشْعِرُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالصَّلَاةِ فِي التَّرْجَمَةِ صَلَاةُ النَّافِلَةِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ بِهَا مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ فَيَدْخُلُ النَّافِلَةُ وَهَذَا أَوْجَهُ وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ فِي حَدِيثِ الْبَابِ وَذَهَبَ الطَّحَاوِيُّ إِلَى أَنَّ التَّفْضِيلَ مُخْتَصٌّ بِصَلَاةِ الْفَرِيضَةِ كَمَا سَيَأْتِي

[ قــ :1147 ... غــ :1188] .

     قَوْلُهُ  أَخْبَرَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ هُوَ بن عُمَيْرٍ كَمَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ وَالْأَصِيلِيِّ .

     قَوْلُهُ  عَنْ قَزَعَةَ بِفَتْحِ الْقَافِ وَكَذَا الزَّاي وَحكى بن الْأَثِير سكونها بعْدهَا مهمله هُوَ بن يحيى وَيُقَال بن الْأَسْوَدِ وَسَيَأْتِي بعْدَ خَمْسَةِ أَبْوَابٍ فِي هَذَا الْإِسْنَادِ سَمِعْتُ قَزَعَةَ مَوْلَى زِيَادٍ وَهُوَ هَذَا وَزِيَاد مَوْلَاهُ هُوَ بن أَبِي سُفْيَانَ الْأَمِيرُ الْمَشْهُورُ وَرِوَايَةُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْهُ مِنْ رِوَايَةِ الْأَقْرَانِ لِأَنَّهُمَا مِنْ طَبَقَةٍ وَاحِدَةٍ .

     قَوْلُهُ  سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ أَرْبَعًا أَيْ يَذْكُرُ أَرْبَعًا أَوْ سَمِعْتُ مِنْهُ أَرْبَعًا أَيْ أَرْبَعَ كَلِمَاتٍ .

     قَوْلُهُ  وَكَانَ غَزَا الْقَائِلُ ذَلِكَ هُوَ قَزَعَةُ وَالْمَقُولُ عَنْهُ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ .

     قَوْلُهُ  ثِنْتَيْ عَشْرَةَ غَزْوَةً كَذَا اقْتَصَرَ الْمُؤَلِّفُ عَلَى هَذَا الْقَدْرِ وَلَمْ يَذْكُرْ مِنَ الْمَتْنِ شَيْئًا وَذَكَرَ بَعْدَهُ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي شَدِّ الرِّحَالِ فَظَنَّ الدَّاوُدِيُّ الشَّارِحُ أَنَّ الْبُخَارِيَّ سَاقَ الْإِسْنَادَيْنِ لِهَذَا الْمَتْنِ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ حَدِيثَ أَبِي سَعِيدٍ مُشْتَمِلٌ عَلَى أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ كَمَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ مُقْتَصِرٌ عَلَى شَدِّ الرِّحَالِ فَقَطْ لَكِنْ لَا يُمْنَعُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فِي سِيَاقٍ وَاحِدٍ بِنَاءً عَلَى قَاعِدَةِ الْبُخَارِيِّ فِي إِجَازَةِ اخْتِصَارِ الحَدِيث.

     وَقَالَ  بن رَشِيدٍ لَمَّا كَانَ أَحَدُ الْأَرْبَعِ هُوَ قَوْلَهُ لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ ذَكَرَ صَدْرَ الْحَدِيثِ إِلَى الْموضع الَّذِي يَتَلَاقَى فِيهِ افْتِتَاحُ أَبِي هُرَيْرَةَ لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ فَاقْتَطَفَ الْحَدِيثَ وَكَأَنَّهُ قَصَدَ بِذَلِكَ الْإِغْمَاضَ لِيُنَبِّهَ غَيْرَ الْحَافِظِ عَلَى فَائِدَةِ الْحِفْظِ عَلَى أَنَّهُ مَا أَخْلَاهُ عَنِ الْإِيضَاحِ عَنْ قُرْبٍ فَإِنَّهُ سَاقَهُ بِتَمَامِهِ خَامِسَ تَرْجَمَةٍ .

     قَوْلُهُ  وَحَدَّثَنَا على هُوَ بن الْمَدِينِيّ وسُفْيَان هُوَ بن عُيَيْنَة وَسَعِيد هُوَ بن الْمسيب وَوَقَعَ عِنْدَ الْبَيْهَقِيِّ مِنْ وَجْهٌ آخَرُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ قَالَ حَدَّثَنَا بِهِ سُفْيَانُ مَرَّةً بِهَذَا اللَّفْظِ وَكَانَ أَكْثَرَ مَا يُحَدِّثُ بِهِ بِلَفْظِ تُشَدُّ الرِّحَالُ .

     قَوْلُهُ  لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ بِضَمِّ أَوَّلِهِ بِلَفْظِ النَّفْيِ وَالْمُرَادُ النَّهْيُ عَنِ السَّفَرِ إِلَى غَيْرِهَا قَالَ الطِّيبِيُّ هُوَ أَبْلَغُ مِنْ صَرِيحِ النَّهْيِ كَأَنَّهُ قَالَ لَا يَسْتَقِيمُ أَنْ يُقْصَدَ بِالزِّيَارَةِ إِلَّا هَذِهِ الْبِقَاعُ لِاخْتِصَاصِهَا بِمَا اخْتَصَّتْ بِهِ وَالرِّحَالُ بِالْمُهْمَلَةِ جَمْعُ رَحْلٍ وَهُوَ لِلْبَعِيرِ كَالسَّرْجِ لِلْفَرَسِ وَكَنَّى بِشَدِّ الرِّحَالِ عَنِ السَّفَرِ لِأَنَّهُ لَازِمُهُ وَخَرَجَ ذِكْرُهَا مَخْرَجَ الْغَالِبِ فِي رُكُوبِ الْمُسَافِرِ وَإِلَّا فَلَا فَرْقَ بَيْنَ رُكُوبِ الرَّوَاحِلِ وَالْخَيْلِ وَالْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ وَالْمَشْيِ فِي الْمَعْنَى الْمَذْكُورِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ .

     قَوْلُهُ  فِي بَعْضِ طُرُقِهِ إِنَّمَا يُسَافِرُ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ عِمْرَانَ بْنِ أَبِي أَنَسٍ عَنْ سُلَيْمَانَ الْأَغَرِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ .

     قَوْلُهُ  إِلَّا الِاسْتِثْنَاءُ مُفَرَّغٌ وَالتَّقْدِيرُ لَا تُشَدُّ الرِّحَالِ إِلَى مَوْضِعٍ وَلَازَمَهُ مَنْعُ السَّفَرِ إِلَى كُلِّ مَوْضِعٍ غَيْرِهَا لِأَنَّ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ فِي الْمُفَرَّغِ مُقَدَّرٌ بِأَعَمِّ الْعَامِّ لَكِنْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْعُمُومِ هُنَا الْمَوْضِعُ الْمَخْصُوصُ وَهُوَ الْمَسْجِدُ كَمَا سَيَأْتِي .

     قَوْلُهُ  الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَيِ الْمُحَرَّمُ وَهُوَ كَقَوْلِهِمَ الْكِتَابُ بِمَعْنَى الْمَكْتُوبِ وَالْمَسْجِدُ بِالْخَفْضِ عَلَى الْبَدَلِيَّةِ وَيَجُوزُ الرَّفْعُ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ وَالْمُرَادُ بِهِ جَمِيعُ الْحَرَمِ وَقِيلَ يَخْتَصُّ بِالْمَوْضِعِ الَّذِي يُصَلَّى فِيهِ دُونَ الْبُيُوتِ وَغَيْرِهَا مِنْ أَجْزَاءِ الْحَرَمِ قَالَ الطَّبَرِيُّ وَيَتَأَيَّدُ بِقَوْلِهِ مَسْجِدِي هَذَا لِأَنَّ الْإِشَارَةَ فِيهِ إِلَى مَسْجِدِ الْجَمَاعَةِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْمُسْتَثْنَى كَذَلِكَ وَقِيلَ الْمُرَادُ بِهِ الْكَعْبَةُ حَكَاهُ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ وَذَكَرَ أَنَّهُ يَتَأَيَّدُ بِمَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ بِلَفْظِ إِلَّا الْكَعْبَةَ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الَّذِي عِنْدَ النَّسَائِيِّ إِلَّا مَسْجِدَ الْكَعْبَةِ حَتَّى وَلَوْ سَقَطَتْ لَفْظَةُ مَسْجِدٍ لَكَانَتْ مُرَادَةً وَيُؤَيِّدُ الْأَوَّلَ مَا رَوَاهُ الطَّيَالِسِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَطَاءٍ أَنَّهُ قِيلَ لَهُ هَذَا الْفَضْلُ فِي الْمَسْجِدِ وَحْدَهُ أَوْ فِي الْحَرَمِ قَالَ بَلْ فِي الْحَرَمِ لِأَنَّهُ كُلُّهُ مَسْجِدٌ .

     قَوْلُهُ  وَمَسْجِدُ الرَّسُولِ أَيْ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي الْعُدُولِ عَنْ مَسْجِدِي إِشَارَةٌ إِلَى التَّعْظِيمِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ تَصَرُّفِ الرُّوَاةِ وَيُؤَيِّدُهُ .

     قَوْلُهُ  فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْآتِي قَرِيبًا وَمَسْجِدِي .

     قَوْلُهُ  وَمَسْجِدِ الْأَقْصَى أَيْ بَيْتُ الْمَقْدِسِ وَهُوَ مِنْ إِضَافَةِ الْمَوْصُوفِ إِلَى الصِّفَةِ وَقَدْ جَوَّزَهُ الْكُوفِيُّونَ وَاسْتَشْهَدُوا لَهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ وَالْبَصْرِيُّونَ يُؤَوِّلُونَهُ بِإِضْمَارِ الْمَكَانِ أَيِ الَّذِي بِجَانِبِ الْمَكَانِ الْغَرْبِيِّ وَمَسْجِدِ الْمَكَانِ الْأَقْصَى وَنَحْوِ ذَلِكَ وَسُمِّيَ الْأَقْصَى لِبُعْدِهِ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فِي الْمَسَافَةِ وَقِيلَ فِي الزَّمَانِ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ بَيْنَهُمَا أَرْبَعِينَ سَنَةً وَسَيَأْتِي فِي تَرْجَمَةِ إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ مِنْ أَحَادِيثِ الْأَنْبِيَاءِ وَبَيَانُ مَا فِيهِ مِنَ الْإِشْكَالِ وَالْجَوَابُ عَنْهُ.

     وَقَالَ  الزَّمَخْشَرِيُّ سُمِّيَ الْأَقْصَى لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ حِينَئِذٍ وَرَاءَهُ مَسْجِدٌ وَقِيلَ لِبُعْدِهِ عَنِ الْأَقْذَارِ وَالْخَبَثِ وَقِيلَ هُوَ أَقْصَى بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ لِأَنَّهُ بَعِيدٌ مِنْ مَكَّةَ وَبَيْتُ الْمَقْدِسِ أَبْعَدُ مِنْهُ وَلِبَيْتِ الْمَقْدِسِ عِدَّةُ أَسْمَاءَ تَقْرُبُ مِنَ الْعِشْرِينَ مِنْهَا إِيلِيَاءُ بِالْمَدِّ وَالْقَصْرِ وبحذف الْيَاء الأولى وَعَن بن عَبَّاسٍ إِدْخَالُ الْأَلِفِ وَاللَّامِ عَلَى هَذَا الثَّالِثِ وَبَيْتُ الْمَقْدِسِ بِسُكُونِ الْقَافِ وَبِفَتْحِهَا مَعَ التَّشْدِيدِ وَالْقُدْسُ بِغَيْرِ مِيمٍ مَعَ ضَمِّ الْقَافِ وَسُكُونِ الدَّالِ وَبِضَمِّهَا أَيْضًا وَشَلَّمُ بِالْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ وَبِالْمُهْمَلَةِ وَشَلَامُ بِمُعْجَمَةٍ وَسَلِمُ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ اللَّامِ الْخَفِيفَةِ وَأُورِي سَلِمَ بِسُكُونِ الْوَاوِ وَبكَسْرِ الرَّاءِ بَعْدَهَا تَحْتَانِيَّةٌ سَاكِنَةٌ قَالَ الْأَعْشَى وَقَدْ طُفْتُ لِلْمَالِ آفَاقَهُ دِمَشْقَ فَحِمْصَ فَأُورِي سَلِمَ وَمِنْ أَسْمَائِهِ كُورَةُ وَبَيْتُ أَيْلٍ وَصِهْيُونُ وَمِصْرُوثُ آخِرُهُ مُثَلَّثَةٌ وَكُورْشِيلَا وَبَابُوسُ بِمُوَحَّدَتَيْنِ وَمُعْجَمَةُ وَقَدْ تَتَبَّعَ أَكْثَرُ هَذِهِ الْأَسْمَاءِ الْحُسَيْنُ بْنُ خَالَوَيْهِ اللُّغَوِيُّ فِي كِتَابِ لَيْسَ وَسَيَأْتِي مَا يَتَعَلَّقُ بِمَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ فِي كِتَابِ الْحَجِّ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ فَضِيلَةُ هَذِهِ الْمَسَاجِدِ وَمَزِيَّتُهَا عَلَى غَيْرِهَا لِكَوْنِهَا مَسَاجِدَ الْأَنْبِيَاءِ وَلِأَنَّ الْأَوَّلَ قِبْلَةُ النَّاسِ وَإِلَيْهِ حَجُّهُمْ وَالثَّانِي كَانَ قِبْلَةَ الْأُمَمِ السالفه وَالثَّالِث أسس علىالتقوى وَاخْتُلِفَ فِي شَدِّ الرِّحَالِ إِلَى غَيْرِهَا كَالذَّهَابِ إِلَى زِيَارَةِ الصَّالِحِينَ أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا وَإِلَى الْمَوَاضِعِ الْفَاضِلَةِ لِقَصْدِ التَّبَرُّكِ بِهَا وَالصَّلَاةِ فِيهَا فَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ يَحْرُمُ شَدُّ الرِّحَالِ إِلَى غَيْرِهَا عَمَلًا بِظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيثِ وَأَشَارَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ إِلَى اخْتِيَارِهِ وَبِهِ قَالَ عِيَاضٌ وَطَائِفَةٌ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ مِنْ إِنْكَارِ بَصْرَةَ الْغِفَارِيِّ عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ خُرُوجَهُ إِلَى الطُّورِ.

     وَقَالَ  لَهُ لَوْ أَدْرَكْتُكَ قَبْلَ أَنْ تَخْرُجَ مَا خَرَجْتُ وَاسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ يَرَى حَمْلَ الْحَدِيثِ عَلَى عُمُومِهِ وَوَافَقَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ وَالصَّحِيحُ عِنْدَ إِمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرِهِ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ وَأَجَابُوا عَنِ الْحَدِيثِ بِأَجْوِبَةٍ مِنْهَا أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ الْفَضِيلَةَ التَّامَّةَ إِنَّمَا هِيَ فِي شَدِّ الرِّحَالِ إِلَى هَذِهِ الْمَسَاجِدِ بِخِلَافِ غَيْرِهَا فَإِنَّهُ جَائِزٌ وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ سَيَأْتِي ذِكْرُهَا بِلَفْظِ لَا يَنْبَغِي لِلْمَطِيِّ أَنْ تَعْمَلَ وَهُوَ لَفْظٌ ظَاهِرٌ فِي غَيْرِ التَّحْرِيمِ وَمِنْهَا أَنَّ النَّهْيَ مَخْصُوصٌ بِمَنْ نَذَرَ عَلَى نَفْسِهِ الصَّلَاةَ فِي مَسْجِدٍ مِنْ سَائِرِ الْمَسَاجِدِ غَيْرِ الثَّلَاثَةِ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ قَالَه بن بَطَّالٍ.

     وَقَالَ  الْخَطَّابِيُّ اللَّفْظُ لَفْظُ الْخَبَرِ وَمَعْنَاهُ الْإِيجَابُ فِيمَا يَنْذِرُهُ الْإِنْسَانُ مِنَ الصَّلَاةِ فِي الْبِقَاعِ الَّتِي يُتَبَرَّكُ بِهَا أَيْ لَا يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ غَيْرَ هَذِهِ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ وَمِنْهَا أَنَّ الْمُرَادَ حُكْمُ الْمَسَاجِدِ فَقَطْ وَأَنَّهُ لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَى مَسْجِدٍ مِنَ الْمَسَاجِدِ لِلصَّلَاةِ فِيهِ غَيْرَ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ.

.
وَأَمَّا قَصْدُ غَيْرِ الْمَسَاجِدِ لِزِيَارَةِ صَالِحٍ أَوْ قَرِيبٍ أَوْ صَاحِبٍ أَوْ طَلَبِ عِلْمٍ أَوْ تِجَارَةٍ أَوْ نُزْهَةٍ فَلَا يَدْخُلُ فِي النَّهْيِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا رَوَى أَحْمَدُ مِنْ طَرِيقِ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ وَذُكِرَتْ عِنْدَهُ الصَّلَاةُ فِي الطُّورِ فَقَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَنْبَغِي لِلْمُصَلِّي أَنْ يَشُدَّ رِحَالَهُ إِلَى مَسْجِدٍ تُبْتَغَى فِيهِ الصَّلَاةُ غَيْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى وَمَسْجِدِي وَشَهْرٌ حَسَنُ الْحَدِيثِ وَإِنْ كَانَ فِيهِ بَعْضُ الضَّعْفِ وَمِنْهَا أَنَّ الْمُرَادَ قَصْدُهَا بِالِاعْتِكَافِ فِيمَا حَكَاهُ الْخَطَّابِيُّ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ أَنَّهُ قَالَ لَا يُعْتَكَفُ فِي غَيْرِهَا وَهُوَ أَخَصُّ مِنَ الَّذِي قَبْلَهُ وَلَمْ أَرَ عَلَيْهِ دَلِيلًا وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ مَنْ نَذَرَ إِتْيَانَ أَحَدِ هَذِهِ الْمَسَاجِدِ لَزِمَهُ ذَلِكَ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَالشَّافِعِيُّ وَالْبُوَيْطِيُّ وَاخْتَارَهُ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ.

     وَقَالَ  أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَجِبُ مُطْلَقًا.

     وَقَالَ  الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ يَجِبُ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ لِتَعَلُّقِ النُّسُكِ بِهِ بِخِلَافِ الْمَسْجِدَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ وَهَذَا هُوَ الْمَنْصُور لأَصْحَاب الشَّافِعِي.

     وَقَالَ  بن الْمُنْذِرِ يَجِبُ إِلَى الْحَرَمَيْنِ.

.
وَأَمَّا الْأَقْصَى فَلَا وَاسْتَأْنَسَ بِحَدِيثِ جَابِرٍ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنِّي نَذَرْتُ إِنْ فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكَ مَكَّةَ أَنْ أُصَلِّيَ فِي بَيت الْمُقَدّس قَالَ صل هَا هُنَا.

     وَقَالَ  بن التِّينِ الْحُجَّةُ عَلَى الشَّافِعِيِّ أَنَّ أَعْمَالَ الْمَطِيِّ إِلَى مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى وَالصَّلَاةِ فِيهِمَا قُرْبَةٌ فَوَجَبَ أَنْ يُلْزَمَ بِالنَّذْرِ كَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ انْتَهَى وَفِيمَا يَلْزَمُ مَنْ نَذَرَ إِتْيَانَ هَذِهِ الْمَسَاجِدِ تَفْصِيلٌ وَخِلَافٌ يَطُولُ ذِكْرُهُ مَحَلُّهُ كُتُبُ الْفُرُوعِ وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ مَنْ نَذَرَ إِتْيَانَ غَيْرِ هَذِهِ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ لِصَلَاةٍ أَوْ غَيْرِهَا لَمْ يَلْزَمْهُ غَيْرُهَا لِأَنَّهَا لَا فَضْلَ لِبَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ فَتَكْفِي صَلَاتُهُ فِي أَيِّ مَسْجِدٍ كَانَ قَالَ النَّوَوِيُّ لَا اخْتِلَافَ فِي ذَلِكَ إِلَّا مَا رُوِيَ عَنِ اللَّيْثِ أَنَّهُ قَالَ يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ وَعَنِ الْحَنَابِلَةِ رِوَايَةً يَلْزَمُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ وَلَا يَنْعَقِدُ نَذْرُهُ وَعَنِ الْمَالِكِيَّةِ رِوَايَةً إِنْ تَعَلَّقَتْ بِهِ عِبَادَةٌ تَخْتَصُّ بِهِ كَرِبَاطٍ لَزِمَ وَإِلَّا فَلَا وَذُكِرَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ الْمَالِكِيِّ أَنَّهُ يَلْزَمُ فِي مَسْجِدِ قُبَاءٍ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأْتِيهِ كُلَّ سَبْتٍ كَمَا سَيَأْتِي قَالَ الْكِرْمَانِيُّ وَقَعَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي عَصْرِنَا فِي الْبِلَادِ الشَّامِيَّةِ مُنَاظَرَاتٌ كَثِيرَةٌ وَصُنِّفَ فِيهَا رَسَائِلُ مِنَ الطَّرَفَيْنِ.

.

قُلْتُ يُشِيرُ إِلَى مَا رَدَّ بِهِ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ عَلَى الشَّيْخِ تَقِيِّ الدّين بن تَيْمِيَةَ وَمَا انْتَصَرَ بِهِ الْحَافِظُ شَمْسُ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ الْهَادِي وَغَيْرُهُ لِابْنِ تَيْمِيَةَ وَهِيَ مشهوره فِي بِلَادنَا وَالْحَاصِل إِنَّهُم الزموا بن تيميه بِتَحْرِيم شدّ الرحل إِلَى زِيَارَةِ قَبْرِ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنْكَرْنَا صُورَةَ ذَلِكَ وَفِي شَرْحِ ذَلِكَ مِنَ الطَّرَفَيْنِ طُولٌ وَهِيَ مِنْ ابشع الْمسَائِل المنقوله عَن بن تَيْمِيَةَ وَمِنْ جُمْلَةِ مَا اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى دَفْعِ مَا ادَّعَاهُ غَيْرُهُ مِنَ الْإِجْمَاعِ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ زِيَارَةِ قَبْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا نُقِلَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يَقُولَ زُرْتُ قَبْرَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ أَجَابَ عَنْهُ الْمُحَقِّقُونَ مِنْ أَصْحَابِهِ بِأَنَّهُ كَرِهَ اللَّفْظَ أَدَبًا لَا أَصْلَ الزِّيَارَةِ فَإِنَّهَا مِنْ أَفْضَلِ الْأَعْمَالِ وَأَجَلِّ الْقُرُبَاتِ الْمُوَصِّلَةِ إِلَى ذِي الْجَلَالِ وَأنَّ مَشْرُوعِيَّتَهَا مَحَلُّ إِجْمَاعٍ بِلَا نِزَاعٍ وَاللَّهُ الْهَادِي إِلَى الصَّوَابِ قَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ .

     قَوْلُهُ  إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ مَحْذُوفٌ فَإِمَّا أَنْ يُقَدِّرَ عَامًّا فَيَصِيرَ لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَى مَكَانٍ فِي أَيِّ أَمْرٍ كَانَ إِلَّا إِلَى الثَّلَاثَةِ أَوْ أَخَصَّ مِنْ ذَلِكَ لَا سَبِيلَ إِلَى الْأَوَّلِ لِإِفْضَائِهِ إِلَى سَدِّ بَابِ السَّفَرِ لِلتِّجَارَةِ وَصِلَةِ الرَّحِمِ وَطَلَبِ الْعِلْمِ وَغَيْرِهَا فَتَعَيَّنَ الثَّانِي وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَدَّرَ مَا هُوَ أَكْثَرُ مُنَاسَبَةً وَهُوَ لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَى مَسْجِدٍ لِلصَّلَاةِ فِيهِ إِلَّا إِلَى الثَّلَاثَةِ فَيَبْطُلُ بِذَلِكَ قَوْلُ مَنْ مَنَعَ شَدَّ الرِّحَالِ إِلَى زِيَارَةِ الْقَبْرِ الشَّرِيفِ وَغَيْرِهِ مِنْ قُبُورِ الصَّالِحِينَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

     وَقَالَ  السُّبْكِيُّ الْكَبِيرُ لَيْسَ فِي الْأَرْضِ بُقْعَةٌ لَهَا فَضْلٌ لِذَاتِهَا حَتَّى تُشَدَّ الرِّحَالُ إِلَيْهَا غير الْبِلَاد الثَّلَاثَهْ ومرادى بِالْفَضْلِ مَا شَهِدَ الشَّرْعُ بِاعْتِبَارِهِ وَرَتَّبَ عَلَيْهِ حُكْمًا شَرْعِيًّا.

.
وَأَمَّا غَيْرُهَا مِنَ الْبِلَادِ فَلَا تُشَدُّ إِلَيْهَا لِذَاتِهَا بَلْ لِزِيَارَةٍ أَوْ جِهَادٍ أَوْ عِلْمٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ مِنَ الْمَنْدُوبَاتِ أَوِ الْمُبَاحَاتِ قَالَ وَقَدِ الْتَبَسَ ذَلِكَ عَلَى بَعْضِهِمْ فَزَعَمَ أَنَّ شَدَّ الرِّحَالِ إِلَى الزِّيَارَةِ لِمَنْ فِي غَيْرِ الثَّلَاثَةِ دَاخِلٌ فِي الْمَنْعِ وَهُوَ خَطَأٌ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ إِنَّمَا يَكُونُ مِنْ جِنْسِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ فَمَعْنَى الْحَدِيثِ لَا تُشَدُّ الرِّحَالِ إِلَى مَسْجِدٍ مِنَ الْمَسَاجِدِ أَوْ إِلَى مَكَانٍ مِنَ الْأَمْكِنَةِ لِأَجْلِ ذَلِكَ الْمَكَانِ إِلَّا إِلَى الثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورَةِ وَشَدُّ الرِّحَالِ إِلَى زِيَارَةٍ أَوْ طَلَبِ عِلْمٍ لَيْسَ إِلَى الْمَكَانِ بَلْ إِلَى مَنْ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  كتاب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة
( بسم الله الرحمن الرحيم) كذا ثبتت البسملة في نسخة الضعاني، وهي لأبي ذر في اليونينية مما صحح عليه.

باب فَضْلِ الصَّلاَةِ فِي مَسْجِدِ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ
( باب فضل الصلاة) مطلقًا، أو المكتوبة فقط ( في مسجد مكة و) مسجد ( المدينة) .


[ قــ :1147 ... غــ : 1188 ]
- حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ أَخْبَرَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عُمَيْرٍ عَنْ قَزَعَةَ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ -رضي الله عنه- أَرْبَعًا قَالَ سَمِعْتُ مِنَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَكَانَ غَزَا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثِنْتَىْ عَشْرَةَ غَزْوَةً.

وبه قال: ( حدّثنا حفص بن عمر) بضم العين، ابن الحرث بن سخبرة، بفتح المهملة وسكون المعجمة وفتح الموحدة، الأزدي النمري، بفتح النون والميم، الحوضي البصري المتوفى سنة خمس وعشرين ومائتين، قال: ( حدّثنا شعبة) بن الحجاج الواسطي ( قال: أخبرني) بالإفراد ( عبد الملك) زاد أبو ذر، والأصيلي: ابن عمير، بالتصغير، القبطي، قاضي الكوفة بعد الشعبي، المتوفى سنة ست وثلاثين ومائة، وله مائة سنة وثلاث سنين ( عن قزعة) بالقاف والزاي والعين المفتوحات، وقد تسكن الزاى، ابن يحيى، ويقال: ابن الأسود البصري، مولى زياد ( قال: سمعت أبا سعيد) سعد بن مالك الأنصاري الخدري، ( رضي الله عنه، قال) :
( أربعًا) هي الآتية قريبًا في باب: مسجد بيت المقدس.

كما قاله ابن رشيد، وهي: لا تسافر المرأة يومين إلا ومعها زوجها أو ذو محرم، ولا صوم في يومين: الفطر والأضحى، ولا صلاة بعد صلاتين، بعد: الصبح حتى تطلع الشمس، وبعد العصر حتى تغرب، ولا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد.


( قال: سمعت من النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ، قال قزعة: ( وكان) أبو سعيد ( غزا مع النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثنتي عشرة غزوة) .

كذا اقتصر المؤلّف على هذا القدر لقصد الإغماض، لينبّه غير الحافظ على فائدة الحفظ، كما نبّه عليه ابن رشيد.

وفي هذا السند: التحديث والإخبار بالإفراد والسماع والقول، وفيه: رواية تابعي عن تابعي عن صحابيّ، وأخرج حديثه المؤلّف في: الصلاة ببيت المقدس، والحج، والصوم.
ومسلم في: المناسك، والترمذي في: الصلاة، والنسائي في: الصوم، وابن ماجة فيه، وفي: الصلاة.

( ح) للتحويل من سند إلى آخر، كما مر.

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
[ قــ :1147 ... غــ : 1189 ]
- حَدَّثَنَا عَلِيٌّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلاَّ إِلَى ثَلاَثَةِ مَسَاجِدَ: الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَمَسْجِدِ الرَّسُولِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمَسْجِدِ الأَقْصَى».

قال المؤلّف ( حدّثنا) ولأبي ذر، وابن عساكر: وحدّثنا ( علي) هو: ابن المديني ( قال: حدّثنا سفيان) بن عيينة ( عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب ( عن سعيد) بكسر العين هو: ابن المسيب ( عن أبي هريرة، رضي الله عنه) ، وليس هذان السندان للمتن التالي، لأن حديث أبي سعيد اشتمل على أربعة أشياء، كما مر.
ومتن أبي هريرة هذا، اقتصر على شد الرحال فقط، حيث روى ( عن النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قال) :
( لا تشدّ الرحال) بضم المثناة الفوقية وفتح المعجمة.

والرحال بالمهملة، جمع: رحل للبعير، كالسرج للفرس.
وهو أصغر من القتب وشده كناية عن السفر، لأنه لازم له.

والتعبير بشدها خرج مخرج الغالب في ركوبها للمسافر، فلا فرق بين ركوب الرواحل وغيرها، والمشي في هذا المعنى، ويدل لذلك قوله في بعض طرقه: "إنما يسافر ... " أخرجه مسلم، والنفي هنا بمعنى النهي، أي: لا تشدّ الرحال إلى مسجد للصلاة فيه.

( إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام) بمكة بخفض دال المسجد بدل من ثلاثة أو بالرفع خبر مبتدأ محذوف، أي: هي: المسجد الحرام والتاليان، عطف عليه.

والمراد هنا بالمسجد الحرام أرض الحرم كلها، قيل لعطاء، فيما رواه الطيالسي: هذا الفضل في المسجد وحده أو في الحرم، قال: بل في الحرم؛ لأنه كله مسجد.


( ومسجد الرسول) محمد ( -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بطيبة عبر به دون مسجدى، للتعظيم أو هو من تصرف الرواة.

وروى أحمد بإسناد رواته الصحيح، من حديث أنس رفعه: "من صلّى في مسجدي أربعين صلاة لا تفوته صلاة، كتبت له براءة من النار، وبراءة من العذاب، وبراءة من النفاق".

( ومسجد الأقصى) : بيت المقدس، وهو من إضافة الموصوف إلى الصفة عند الكوفيين، والبصريون يؤولونه بإضمار المكان أي و: مسجد المكان الأقصى.
وسمي به لبعده عن مسجد مكة في المسافة، أو لأنه لم يكن وراءه مسجد.

وقد بطل بما مر من التقدير: بلا تشد الرحال إلى مسجد للصلاة فيه، المعتضد بحديث أبي سعيد، المروي في مسند أحمد، بإسناد حسن مرفوعًا: لا ينبغى للمطي أن تشد رحاله إلى مسجد تبتغى فيه الصلاة، غير المسجد الحرام، والأقصى ومسجدي.

هذا قول ابن تيمية.
حيث منع من زيارة النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وهو من أبشع المسائل المنقولة عنه.

وقد أجاب عنه المحققون من أصحابه أنه كره اللفظ أدبًا، لا أصل الزيارة، فإنها من أفضل الأعمال، وأجل القرب الموصلة إلى ذي الجلال، وأن مشروعيتها محل إجماع بلا نزاع.
اهـ.

فشد الرحال للزيارة أو نحوها: كطلب علم ليس إلى المكان، بل إلى من فيه، وقد التبس ذلك على بعضهم، كما قاله المحقق التقي السبكي، فزعم أن شد الرحال إلى الزيارة في غير الثلاثة داخل في المنع، وهو خطأ، لأن الاستثناء كما مر إنما يكون من جنس المستثنى منه، كما إذا قلت ما رأيت إلا زيدًا كان تقديره: ما رأيت رجلاً واحدًا إلا زيدًا، لا، ما رأيت شيئًا أو حيوانًا إلا زيدًا.

وقد استدلّ بالحديث على أن من نذر إتيان أحد هذه المساجد، لزمه ذلك.
وبه قال مالك، وأحمد والشافعي في البويطي، واختاره، أبو إسحاق المروزي.
وقال أبو حنيفة: لا يجب مطلقًا.
وقال الشافعي في الأم: يجب في المسجد الحرام لتعلق النسك به، بخلاف المسجدين الآخرين.
وهذا هو المنصوص لأصحابه.
واستدلّ به أيضًا على أن من نذر إتيان غير هذه الثلاثة، لصلاة أو غيرها لا يلزمه، لأنه لا فضل لبعضها على بعض، فتكفي صلاته في أي مسجد كان.

قال النووي: لا اختلاف فيه إلا ما روي عن الليث أنه قال: يجب الوفاء به، وعن الحنابلة رواية: أنه يلزمه كفارة يمين، ولا ينعقد نذره.

وعن المالكية رواية: أنه إن تعلقت به عبادة تختص به كرباط.
وإلاّ فلا.

وذكر عن محمد بن مسلمة، أنه يلزم في مسجد قباء لأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يأتيه كل سبت.


فإن قلت: ما المطابقة بين الترجمة والحديث.

أجيب: بأنه من التعبير بالرحلة إلى المساجد، لأن المراد بالرحلة إليها، قصد الصلاة فيها لأن لفظ: المساجد، يشعر بالصلاة.

وفي هذا السند الثاني: التحديث والعنعنة والقول، ورواية تابعي عن تابعي عن صحابي.

وأخرج حديثه هذا: مسلم وأبو داود في الحج، والنسائي في الصلاة.

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  ( بابُُ فضل الصَّلَاة فِي مَسْجِد مَكَّة وَالْمَدينَة)
فِي بعض النّسخ قبل ذكر الْبابُُ ذكر التَّسْمِيَة أَي هَذَا بابُُ فِي بَيَان فضل الصَّلَاة فِي مَسْجِد مَكَّة وَمَسْجِد الْمَدِينَة على ساكنها أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام وَإِنَّمَا لم يذكر فِي التَّرْجَمَة بَيت الْمُقَدّس وَإِن كَانَ مَذْكُورا مَعَهُمَا لكَونه أفرده بعد ذَلِك بترجمة أُخْرَى ( فَإِن قلت) لَيْسَ فِي الحَدِيث لفظ الصَّلَاة ( قلت) المُرَاد من الرحلة إِلَى الْمَسَاجِد قصد الصَّلَاة فِيهَا ( فَإِن قلت) ذكر الصَّلَاة مُطلقَة ( قلت) المُرَاد صَلَاة النَّافِلَة ظَاهرا وَإِن كَانَ يحْتَمل أَعم من ذَلِك وَفِيه خلاف يَأْتِي بَيَانه

[ قــ :1147 ... غــ :1188]
- ( حَدثنَا حَفْص بن عمر قَالَ حَدثنَا شُعْبَة قَالَ أَخْبرنِي عبد الْملك عَن قزعة قَالَ سَمِعت أَبَا سعيد رَضِي الله عَنهُ أَرْبعا قَالَ سَمِعت من النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَكَانَ غزا مَعَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ثِنْتَيْ عشرَة غَزْوَة ح حَدثنَا عَليّ قَالَ حَدثنَا سُفْيَان عَن الزُّهْرِيّ عَن سعيد عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ لَا تشد الرّحال إِلَّا إِلَى ثَلَاثَة مَسَاجِد الْمَسْجِد الْحَرَام وَمَسْجِد الرَّسُول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَمَسْجِد الْأَقْصَى) هَذَانِ إسنادان الأول لحَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ.
وَالثَّانِي لحَدِيث أبي هُرَيْرَة وَلكنه لم يتم متن حَدِيث أبي سعيد وَاقْتصر على قَوْله " كَانَ غزا مَعَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ثِنْتَيْ عشرَة غَزْوَة " وَسَيذكر تَمَامه بعد أَرْبَعَة أَبْوَاب فِي بابُُ مَسْجِد بَيت الْمُقَدّس وَتَمَامه مُشْتَمل على أَرْبَعَة أَحْكَام.
الأول فِي منع الْمَرْأَة عَن السّفر بِدُونِ الزَّوْج أَو الْمحرم وَالثَّانِي فِي منع صَوْم يومي الْعِيدَيْنِ.
وَالثَّالِث فِي منع الصَّلَاة بعد الصُّبْح حَتَّى تطلع الشَّمْس وَبعد الْعَصْر حَتَّى تغرب.
وَالرَّابِع فِي منع شدّ الرّحال إِلَّا إِلَى ثَلَاثَة مَسَاجِد وَحَدِيث أبي هُرَيْرَة مُشْتَمل على الحكم الرَّابِع فَقَط وَلما كَانَ الحديثان مشتركين فِي هَذَا اقْتصر فِي حَدِيث أبي سعيد على مَا ذكره طلبا للاختصار وَقيل كَأَنَّهُ قصد بذلك الإغماض لينبه غير الْحَافِظ على فَائِدَة الْحِفْظ وَظن الدَّاودِيّ أَنه سَاق الإسنادين لمتن حَدِيث أبي هُرَيْرَة وَلَيْسَ كَذَلِك لاشتمال حَدِيث أبي سعيد على الْأَشْيَاء الْمَذْكُورَة ثمَّ وَجه مُطَابقَة حَدِيث أبي هُرَيْرَة للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة لَا يُقَال لَيْسَ فِيهِ لفظ الصَّلَاة لأَنا قد ذكرنَا عَن قريب أَن المُرَاد من الرحلة إِلَى الْمَسَاجِد الْمَذْكُورَة قصد الصَّلَاة وَأما وَجه مُطَابقَة حَدِيث أبي سعيد للتَّرْجَمَة من حَيْثُ أَنه مُشْتَرك لحَدِيث أبي هُرَيْرَة فِي الحكم الرَّابِع كَمَا ذَكرْنَاهُ وَإِن لم يذكرهُ هَهُنَا مَعَ أَنه مَا أخلاه عَن الذّكر على مَا سَيَأْتِي إِن شَاءَ الله تَعَالَى ( ذكر رجال الإسنادين) وهم عشرَة.
الأول حَفْص بن عمر بن الْحَارِث النمري.
الثَّانِي شُعْبَة بن الْحجَّاج.
الثَّالِث عبد الْملك بن عُمَيْر بِضَم الْعين مصغر عمر الْمَعْرُوف بالقبطي مر فِي بابُُ أهل الْعلم أولى بِالْإِمَامَةِ وَإِنَّمَا قيل لَهُ القبطي لِأَنَّهُ كَانَ لَهُ فرس سَابق يعرف بالقبطي فنسب إِلَيْهِ وَكَانَ على قَضَاء الْكُوفَة بعد الشّعبِيّ مَاتَ سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وَمِائَة وَله من الْعُمر يَوْم مَاتَ مائَة سنة وَثَلَاث سِنِين.
الرَّابِع قزعة بِالْقَافِ وَالزَّاي وَالْعين الْمُهْملَة كلهَا مَفْتُوحَة وَقيل بِسُكُون الزَّاي ابْن يحيى وَقيل ابْن الْأسود مولى زِيَاد يكنى أَبَا العادية.
الْخَامِس أَبُو سعيد الْخُدْرِيّ واسْمه سعيد بن مَالك الْأنْصَارِيّ.
السَّادِس عَليّ بن الْمَدِينِيّ وَقد تكَرر ذكره.
السَّابِع سُفْيَان بن عُيَيْنَة.
الثَّامِن مُحَمَّد بن مُسلم بن شهَاب الزُّهْرِيّ.
التَّاسِع سعيد بن الْمسيب.
الْعَاشِر أَبُو هُرَيْرَة ( ذكر لطائف الْإِسْنَاد الأول) فِيهِ التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين وَفِيه الْإِخْبَار بِصِيغَة الْإِفْرَاد فِي مَوضِع وَاحِد وَفِيه السماع فِي موضِعين وَفِيه القَوْل فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع وَفِيه أَن شَيْخه بَصرِي وَهُوَ من أَفْرَاده وَشعْبَة واسطي وَعبد الْملك كُوفِي وَرِوَايَته عَن قزعة من رِوَايَة الأقران لِأَنَّهُمَا من طبقَة وَاحِدَة وقزعة بَصرِي وَفِيه رِوَايَة التَّابِعِيّ عَن التَّابِعِيّ عَن الصَّحَابِيّ ( ذكر لطائف الْإِسْنَاد الثَّانِي) فِيهِ التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين وَفِيه العنعنة فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع وَفِيه القَوْل فِي موضِعين وَفِيه أَن السفيان مكي وَالزهْرِيّ وَسَعِيد بن الْمسيب مدنيان وَفِيه رِوَايَة التَّابِعِيّ عَن التَّابِعِيّ عَن الصَّحَابِيّ ( ذكر تعدد مَوضِع الحَدِيث الأول وَمن أخرجه غَيره) أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الصَّلَاة بِبَيْت الْمُقَدّس عَن أبي الْوَلِيد وَفِي الْحَج عَن سُلَيْمَان بن حَرْب وَفِي الصَّوْم عَن حجاج بن منهال ثَلَاثَتهمْ عَن شُعْبَة عَن عبد الْملك وَأخرجه مُسلم فِي الْمَنَاسِك عَن أبي غَسَّان وَمُحَمّد بن بشار كِلَاهُمَا عَن معَاذ بن هِشَام وَعَن مُحَمَّد بن الْمثنى وَعَن عُثْمَان بن أبي شيبَة وَعَن قُتَيْبَة وَعُثْمَان كِلَاهُمَا عَن جرير وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الصَّلَاة عَن ابْن أبي عمر وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الصَّوْم عَن مُحَمَّد بن الْمثنى وَعَن عبيد الله بن سعيد وَعَن عمرَان بن مُوسَى وَعَن مُحَمَّد بن قدامَة وَأخرجه ابْن مَاجَه عَن أبي بكر بن أبي شيبَة فِي الصَّوْم بالقصة الثَّانِيَة وَفِي الصَّلَاة بالقصة الثَّالِثَة وَأخرج الْقِصَّة الرَّابِعَة عَن أبي سعيد وَعبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم.
( ذكر من أخرج الحَدِيث الثَّانِي غَيره) أخرجه مُسلم فِي الْحَج عَن عَمْرو النَّاقِد وَزُهَيْر بن حَرْب وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن مُسَدّد وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الصَّلَاة عَن مُحَمَّد بن مَنْصُور الْمَكِّيّ ( ذكر من روى عَنهُ فِي هَذَا الْبابُُ) فِيهِ عَن بصرة بن أبي بصرة رَوَاهُ ابْن حبَان عَنهُ سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول " لَا يعْمل الْمطِي إِلَّا إِلَى ثَلَاثَة مَسَاجِد إِلَى الْمَسْجِد الْحَرَام ومسجدي هَذَا وَإِلَى مَسْجِد إيلياء أَو بَيت الْمُقَدّس " يشك أَيهمَا قَالَ وَعَن أبي بصرة أَيْضا رَوَاهُ أَحْمد وَالْبَزَّار فِي مسنديهما وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير والأوسط من رِوَايَة عمر بن عبد الرَّحْمَن بن الْحَارِث بن هِشَام أَنه قَالَ لَقِي أَبُو بصرة الْغِفَارِيّ أَبَا هُرَيْرَة وَهُوَ جَاءَ من الطّور فَقَالَ من أَيْن أَقبلت قَالَ من الطّور صليت فِيهِ قَالَ لَو أَدْرَكتك قبل أَن ترتحل مَا ارتحلت إِنِّي سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول " لَا تشدوا الرّحال إِلَّا إِلَى ثَلَاثَة مَسَاجِد " الحَدِيث وَرِجَال إِسْنَاده ثِقَات قَالَ الذَّهَبِيّ بصرة بن أبي بصرة الْغِفَارِيّ هُوَ وَأَبوهُ صحابيان نزلا مصر وَاسم أبي بصرة حميل وَقيل حميل بن بصرة ( قلت) حميل بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة وَقيل بِفَتْحِهَا وَالْأول هُوَ الْأَصَح وَعَن عبد الله بن عَمْرو مثله رَوَاهُ ابْن مَاجَه وَعَن أبي هُرَيْرَة أَيْضا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط عَنهُ يرفعهُ " لَا تشد الرّحال إِلَّا إِلَى ثَلَاثَة مَسَاجِد مَسْجِد الْخيف وَمَسْجِد الْحَرَام ومسجدي هَذَا ".

     وَقَالَ  لم يذكر مَسْجِد الْخيف فِي شدّ الرّحال إِلَّا فِي هَذَا الحَدِيث قَالَ صَاحب التَّلْوِيح وَهُوَ لعمري سَنَد جيد لَوْلَا قَول البُخَارِيّ لَا يُتَابع خَيْثَم فِي ذكر مَسْجِد الْخيف وَلَا يعرف لَهُ سَماع من أبي هُرَيْرَة ( قلت) خَيْثَم هُوَ ابْن مَرْوَان ذكره ابْن حبَان فِي الثِّقَات وَهُوَ الَّذِي روى هَذَا الحَدِيث عَن أبي هُرَيْرَة وَعَن جَابر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ رَوَاهُ أَحْمد عَنهُ عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنه قَالَ " خير مَا ركبت إِلَيْهِ الرَّوَاحِل مَسْجِدي هَذَا وَالْبَيْت الْعَتِيق " وَعَن أبي الْجَعْد الضمرِي روى حَدِيثه الْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير والأوسط من رِوَايَة أبي عُبَيْدَة بن سُفْيَان عَن أبي الْجَعْد الضمرِي قَالَ قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " لَا تشد الرّحال إِلَّا إِلَى ثَلَاثَة مَسَاجِد " الحَدِيث وَإِسْنَاده صَحِيح.

     وَقَالَ  الذَّهَبِيّ أَبُو الْجَعْد الضمرِي اسْمه الأذرع وَيُقَال عَمْرو وَعَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أخرج حَدِيثه الْبَزَّار من رِوَايَة أبي الْعَالِيَة عَن ابْن عمر عَن عمر أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ " لَا تشد الرّحال إِلَّا إِلَى ثَلَاثَة مَسَاجِد " الحَدِيث وَفِي كتاب الْعلم الْمَشْهُور لأبي الْخطاب روى حَدِيث مَوْضُوع رَوَاهُ مُحَمَّد بن خَالِد الجندي عَن الْمثنى بن الصَّباح مَجْهُول عَن مَتْرُوك عَن عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده يرفعهُ " لَا تعْمل الرّحال إِلَّا إِلَى أَرْبَعَة مَسَاجِد الْمَسْجِد الْحَرَام ومسجدي هَذَا وَالْمَسْجِد الْأَقْصَى وَإِلَى مَسْجِد الْجند " ( ذكر معنى حَدِيث أبي هُرَيْرَة) قَوْله " لَا تشد الرّحال " على صِيغَة الْمَجْهُول بِلَفْظ النَّفْي بِمَعْنى النَّهْي بِمَعْنى لَا تشدوا الرّحال ونكتة الْعُدُول عَن النَّهْي إِلَى النَّفْي لإِظْهَار الرَّغْبَة فِي وُقُوعه أَو لحمل السَّامع على التّرْك أبلغ حمل بألطف وَجه.

     وَقَالَ  الطَّبَرِيّ النَّفْي أبلغ من صَرِيح النَّهْي كَأَنَّهُ قَالَ لَا يَسْتَقِيم أَن يقْصد بالزيارة إِلَّا هَذِه الْبِقَاع لاختصاصها بِمَا اخْتصّت بِهِ وَوَقع فِي رِوَايَة لمُسلم " تشد الرّحال إِلَى ثَلَاثَة مَسَاجِد " فَذكره من غير حصر وَلَيْسَ فِي هَذِه الرِّوَايَة منع شدّ الرحل لغَيْرهَا إِلَّا على القَوْل بحجية مَفْهُوم الْعدَد وَالْجُمْهُور على أَنه لَيْسَ بِحجَّة ثمَّ التَّعْبِير بشد الرّحال خرج مخرج الْغَالِب فِي ركُوب الْمُسَافِر وَكَذَلِكَ قَوْله فِي بعض الرِّوَايَات " لَا يعْمل الْمطِي " وَإِلَّا فَلَا فرق بَين ركُوب الرَّوَاحِل وَالْخَيْل وَالْبِغَال وَالْحمير وَالْمَشْي فِي هَذَا الْمَعْنى وَيدل عَلَيْهِ قَوْله فِي بعض طرقه فِي الصَّحِيح " إِنَّمَا يُسَافر إِلَى ثَلَاثَة مَسَاجِد " والرحال بِالْحَاء الْمُهْملَة جمع رَحل وَهُوَ للبعير كالسرج للْفرس وَهُوَ أَصْغَر من القتب وَشد الرحل كِنَايَة عَن السّفر لِأَنَّهُ لَازم للسَّفر وَالِاسْتِثْنَاء مفرغ فتقدير الْكَلَام لَا تشد الرّحال إِلَى مَوضِع أَو مَكَان فَإِن قيل فعلى هَذَا يلْزم أَن لَا يجوز السّفر إِلَى مَكَان غير الْمُسْتَثْنى حَتَّى لَا يجوز السّفر لزيارة إِبْرَاهِيم الْخَلِيل صلوَات الله تَعَالَى وَسَلَامه عَلَيْهِ وَنَحْوه لِأَن الْمُسْتَثْنى مِنْهُ فِي المفرغ لَا بُد أَن يقدر أَعم الْعَام وَأجِيب بِأَن المُرَاد بأعم الْعَام مَا يُنَاسب الْمُسْتَثْنى نوعا ووصفا كَمَا إِذا قلت مَا رَأَيْت إِلَّا زيدا كَانَ تَقْدِيره مَا رَأَيْت رجلا أَو أحدا إِلَّا زيدا لَا مَا رَأَيْت شَيْئا أَو حَيَوَانا إِلَّا زيدا فههنا تَقْدِيره لَا تشد إِلَى مَسْجِد إِلَّا إِلَى ثَلَاثَة قَوْله " الْمَسْجِد الْحَرَام " أَي الْمحرم.

     وَقَالَ  بَعضهم هُوَ كَقَوْلِهِم الْكتاب بِمَعْنى الْمَكْتُوب ( قلت) هَذَا الْقيَاس غير صَحِيح لِأَن الْكتاب على وزن فعال بِكَسْر الْفَاء وَالْحرَام فعال بِالْفَتْح فَكيف يُقَاس عَلَيْهِ وَإِنَّمَا الْحَرَام اسْم للشَّيْء الْمحرم وَفِي إِعْرَاب الْمَسْجِد وَجْهَان الأول بِالْجَرِّ على أَنه بدل من الثَّلَاثَة وَالثَّانِي بِالرَّفْع على أَنه خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف تَقْدِيره هِيَ الْمَسْجِد الْحَرَام وَمَسْجِد الرَّسُول وَمَسْجِد الْأَقْصَى.

     وَقَالَ  بَعضهم وَيجوز الرّفْع على الِاسْتِئْنَاف ( قلت) الِاسْتِئْنَاف فِي الْحَقِيقَة جَوَاب سُؤال مُقَدّر وَلَئِن سلمنَا لَهُ ذَلِك فيؤول الْأَمر فِي الْحَقِيقَة إِلَى أَن يكون الرّفْع فِيهِ على أَنه خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف كَمَا ذَكرْنَاهُ قَوْله " وَمَسْجِد الرَّسُول " الْألف وَاللَّام فِيهِ للْعهد عَن سيدنَا مُحَمَّد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ( فَإِن قلت) مَا نُكْتَة الْعُدُول عَن قَوْله " ومسجدي " بِالْإِضَافَة إِلَيْهِ ( قلت) الْإِشَارَة إِلَى التَّعْظِيم على أَنه يجوز أَن يكون هَذَا من تصرف بعض الروَاة وَالدَّلِيل عَلَيْهِ قَوْله فِي حَدِيث أبي سعيد " ومسجدي " وَسَيَأْتِي عَن قريب قَوْله " وَمَسْجِد الْأَقْصَى " بِإِضَافَة الْمَوْصُوف إِلَى الصّفة وَفِيه خلاف فجوزه الْكُوفِيُّونَ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى { وَمَا كنت بِجَانِب الغربي} وأوله البصريون بإضمار الْمَكَان أَي بِجَانِب الْمَكَان الغربي وَمَسْجِد الْبَلَد الْحَرَام وَمَسْجِد الْمَكَان الْأَقْصَى وَسمي الْمَسْجِد الْأَقْصَى لبعده عَن الْمَسْجِد الْحَرَام إِمَّا فِي الْمسَافَة أَو فِي الزَّمَان وَقد ورد فِي الحَدِيث أَنه كَانَ بَينهمَا أَرْبَعُونَ سنة ( وَقد اسْتشْكل) من حَيْثُ أَن بَين آدم وَدَاوُد عَلَيْهِمَا الصَّلَاة وَالسَّلَام أَضْعَاف ذَلِك من الزَّمن ( وَأجِيب) بِأَن الْمَلَائِكَة وضعتهما أَولا وَبَينهمَا فِي الْوَضع أَرْبَعُونَ سنة وَأَن دَاوُد وَسليمَان عَلَيْهِمَا الصَّلَاة وَالسَّلَام جددا بُنيان الْمَسْجِد الْأَقْصَى كَمَا جدد إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بِنَاء الْبَيْت الْحَرَام.

     وَقَالَ  الزَّمَخْشَرِيّ الْمَسْجِد الْأَقْصَى بَيت الْمُقَدّس لِأَنَّهُ لم يكن حِينَئِذٍ وَرَاءه مَسْجِد وَقيل هُوَ أقْصَى بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَسْجِد الْمَدِينَة لِأَنَّهُ بعيد من مَكَّة وَبَيت الْمُقَدّس أبعد مِنْهُ وَقيل لِأَنَّهُ أقْصَى مَوضِع من الأَرْض ارتفاعا وقربا إِلَى السَّمَاء يُقَال قصى الْمَكَان يقصو قصوا بعد فَهُوَ قصي وَيُقَال فلَان بِالْمَكَانِ الْأَقْصَى والناحية القصوى ( ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ) فِيهِ فَضِيلَة هَذِه الْمَسَاجِد ومزيتها على غَيرهَا لكَونهَا مَسَاجِد الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام لِأَن الْمَسْجِد الْحَرَام قبْلَة النَّاس وَإِلَيْهِ حجهم وَمَسْجِد الرَّسُول أسس على التَّقْوَى وَالْمَسْجِد الْأَقْصَى كَانَ قبْلَة الْأُمَم السالفة.
وَفِيه أَن الرّحال لَا تشد إِلَى غير هَذِه الثَّلَاثَة لَكِن اخْتلفُوا على أَي وَجه فَقَالَ النَّوَوِيّ مَعْنَاهُ لَا فَضِيلَة فِي شدّ الرّحال إِلَى مَسْجِد مَا غير هَذِه الثَّلَاثَة وَنَقله عَن جُمْهُور الْعلمَاء.

     وَقَالَ  ابْن بطال هَذَا الحَدِيث إِنَّمَا هُوَ عِنْد الْعلمَاء فِيمَن نذر على نَفسه الصَّلَاة فِي مَسْجِد من سَائِر الْمَسَاجِد غير الثَّلَاثَة الْمَذْكُورَة قَالَ مَالك رَحمَه الله من نذر صَلَاة فِي مَسْجِد لَا يصل إِلَيْهِ إِلَّا براحلة فَإِنَّهُ يُصَلِّي فِي بَلَده إِلَّا أَن ينذر ذَلِك فِي مَسْجِد مَكَّة أَو الْمَدِينَة أَو بَيت الْمُقَدّس فَعَلَيهِ السّير إِلَيْهَا.

     وَقَالَ  ابْن بطال وَأما من أَرَادَ الصَّلَاة فِي مَسَاجِد الصَّالِحين والتبرك بهَا مُتَطَوعا بذلك فمباح إِن قَصدهَا بأعمال الْمطِي وَغَيره وَلَا يتَوَجَّه إِلَيْهِ الَّذِي فِي هَذَا الحَدِيث وَقيل من نذر إتْيَان غير هَذِه الْمَسَاجِد الثَّلَاثَة للصَّلَاة أَو غَيرهَا لم يلْزمه ذَلِك لِأَنَّهَا لَا فضل لبعضها على بعض فَيَكْفِي صلَاته فِي أَي مَسْجِد كَانَ قَالَ النَّوَوِيّ لَا اخْتِلَاف فِي ذَلِك إِلَّا مَا رُوِيَ عَن اللَّيْث أَنه قَالَ يجب الْوَفَاء بِهِ وَعَن الْحَنَابِلَة رِوَايَة يلْزمه كَفَّارَة يَمِين وَلَا ينْعَقد نَذره وَعَن الْمَالِكِيَّة رِوَايَة إِن تعلّقت بِهِ عبَادَة تخْتَص بِهِ كرباط لزم وَإِلَّا فَلَا وَذكر عَن مُحَمَّد بن مسلمة الْمَالِكِي أَنه فِي مَسْجِد قبَاء لِأَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ يَأْتِيهِ كل سبت وَاسْتدلَّ قوم بِهَذَا الحَدِيث أَعنِي حَدِيث الْبابُُ على أَن من نذر إتْيَان أحد هَذِه الْمَسَاجِد لزمَه ذَلِك وَبِه قَالَ مَالك وَأحمد وَالشَّافِعِيّ فِي الْبُوَيْطِيّ وَاخْتَارَهُ أَبُو إِسْحَق الْمروزِي.

     وَقَالَ  أَبُو حنيفَة لَا يجب مُطلقًا.

     وَقَالَ  الشَّافِعِي فِي الْأُم يجب فِي الْمَسْجِد الْحَرَام لتَعلق النّسك بِهِ بِخِلَاف المسجدين الآخرين.

     وَقَالَ  ابْن الْمُنْذر يجب إِلَى الْحَرَمَيْنِ وَأما الْأَقْصَى فَلَا واستأنس بِحَدِيث جَابر " أَن رجلا قَالَ للنَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِنِّي نذرت إِن فتح الله عَلَيْك مَكَّة أَن أُصَلِّي فِي بَيت الْمُقَدّس قَالَ صل هَهُنَا ".

     وَقَالَ  ابْن التِّين الْحجَّة على الشَّافِعِي إِن أَعمال الْمطِي إِلَى مَسْجِد الْمَدِينَة وَالْمَسْجِد الْأَقْصَى وَالصَّلَاة فيهمَا قربَة فَوَجَبَ أَن يلْزم بِالنذرِ كالمسجد الْحَرَام.

     وَقَالَ  الْغَزالِيّ عِنْد ذكر إتْيَان الْمَسَاجِد فَلَو قَالَ آتِي مَسْجِد الْخيف فَهُوَ كمسجد الْحَرَام لِأَنَّهُ من الْحرم وَكَذَلِكَ أَجزَاء سَائِر الْحرم قَالَ وَلَو قَالَ آتِي مَكَّة لم يلْزمه شَيْء إِلَّا إِذا قصد الْحَج.

     وَقَالَ  شَيخنَا زين الدّين لَا وَجه لتفرقته بَين مَكَّة وَسَائِر أَجزَاء الْحرم فَإِنَّهَا من أَجزَاء الْحرم لَا جرم أَن الرَّافِعِيّ تعقبه فَقَالَ وَلَو قَالَ أَمْشِي إِلَى الْحرم أَو إِلَى الْمَسْجِد الْحَرَام أَو إِلَى مَكَّة أَو ذكر بقْعَة أُخْرَى من بقاع الْحرم كالصفا والمروة وَمَسْجِد الْخيف وَمنى والمزدلفة ومقام إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وقبة زَمْزَم وَغَيرهَا فَهُوَ كَمَا لَو قَالَ إِلَى بَيت الله الْحَرَام حَتَّى لَو قَالَ آتِي دَار أبي جهل أَو دَار الخيزران كَانَ الحكم كَذَلِك لشمُول حُرْمَة الْحرم لَهُ بتنفير الصَّيْد وَغَيره وَعَن أبي حنيفَة أَنه لَا يلْزم الْمَشْي إِلَّا أَن يَقُول إِلَى بَيت الله الْحَرَام أَو قَالَ مَكَّة أَو إِلَى الْكَعْبَة أَو إِلَى مقَام إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَحكى الرَّافِعِيّ عَن القَاضِي ابْن كج أَنه قَالَ إِذا نذر أَن يزور قبر النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فعندي أَنه يلْزمه الْوَفَاء وَجها وَاحِدًا قَالَ وَلَو نذر أَن يزور قبر غَيره فَفِيهِ وَجْهَان عِنْدِي.

     وَقَالَ  القَاضِي عِيَاض وَأَبُو مُحَمَّد الْجُوَيْنِيّ من الشَّافِعِيَّة أَنه يحرم شدّ الرّحال إِلَى غير الْمَسَاجِد الثَّلَاثَة لمقْتَضى النَّهْي.

     وَقَالَ  النَّوَوِيّ وَهُوَ غلط وَالصَّحِيح عِنْد أَصْحَابنَا وَهُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ إِمَام الْحَرَمَيْنِ والمحققون أَنه لَا يحرم وَلَا يكره.

     وَقَالَ  الْخطابِيّ لَا تشد لَفظه خبر وَمَعْنَاهُ الْإِيجَاب فِيمَا نَذره الْإِنْسَان من الصَّلَاة فِي الْبِقَاع الَّتِي يتبرك بهَا أَي لَا يلْزم الْوَفَاء بِشَيْء من ذَلِك حَتَّى يشد الرحل لَهُ وَيقطع الْمسَافَة إِلَيْهِ غير هَذِه الثَّلَاثَة الَّتِي هِيَ مَسَاجِد الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام فَأَما إِذا نذر الصَّلَاة فِي غَيرهَا من الْبِقَاع فَإِن لَهُ الْخِيَار فِي أَن يَأْتِيهَا أَو يُصليهَا فِي مَوْضِعه لَا يرحل إِلَيْهَا قَالَ والشد إِلَى الْمَسْجِد الْحَرَام فرض لِلْحَجِّ وَالْعمْرَة وَكَانَ تشد الرّحال إِلَى مَسْجِد رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي حَيَاته لِلْهِجْرَةِ وَكَانَت وَاجِبَة على الْكِفَايَة وَأما إِلَى بَيت الْمُقَدّس فَإِنَّمَا هُوَ فَضِيلَة واستحبابُ وَأول بَعضهم معنى الحَدِيث على وَجه آخر وَهُوَ أَن لَا يرحل فِي الِاعْتِكَاف إِلَّا إِلَى هَذِه الثَّلَاثَة فقد ذهب بعض السّلف إِلَى أَن الِاعْتِكَاف لَا يَصح إِلَّا فِيهَا دون سَائِر الْمَسَاجِد.

     وَقَالَ  شَيخنَا زين الدّين من أحسن محامل هَذَا الحَدِيث أَن المُرَاد مِنْهُ حكم الْمَسَاجِد فَقَط وَأَنه لَا يشد الرحل إِلَى مَسْجِد من الْمَسَاجِد غير هَذِه الثَّلَاثَة فَأَما قصد غير الْمَسَاجِد من الرحلة فِي طلب الْعلم وَفِي التِّجَارَة والتنزه وزيارة الصَّالِحين والمشاهد وزيارة الإخوان وَنَحْو ذَلِك فَلَيْسَ دَاخِلا فِي النَّهْي وَقد ورد ذَلِك مُصَرحًا بِهِ فِي بعض طرق الحَدِيث فِي مُسْند أَحْمد حَدثنَا هَاشم حَدثنَا عبد الحميد حَدثنِي شهر سَمِعت أَبَا سعيد الْخُدْرِيّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَذكر عِنْده صَلَاة فِي الطّور فَقَالَ قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " لَا يَنْبَغِي للمطي أَن يشد رحاله إِلَى مَسْجِد يَبْتَغِي فِيهِ الصَّلَاة غير الْمَسْجِد الْحَرَام وَالْمَسْجِد الْأَقْصَى ومسجدي هَذَا " وَإِسْنَاده حسن وَشهر بن حَوْشَب وَثَّقَهُ جمَاعَة من الْأَئِمَّة وَفِيه الْمَذْكُور الْمَسْجِد الْحَرَام وَلَكِن المُرَاد جَمِيع الْحرم وَقيل يخْتَص بالموضع الَّذِي يصلى فِيهِ دون الْبيُوت وَغَيرهَا من أَجزَاء الْحرم.

     وَقَالَ  الطَّبَرِيّ ويتأيد بقوله " مَسْجِدي هَذَا " لِأَن الْإِشَارَة فِيهِ إِلَى مَسْجِد الْجَمَاعَة فَيَنْبَغِي أَن يكون الْمُسْتَثْنى كَذَلِك وَقيل المُرَاد بِهِ الْكَعْبَة ويتأيد بِمَا رَوَاهُ النَّسَائِيّ بِلَفْظ " إِلَّا الْكَعْبَة " ورد بِأَن الَّذِي عِنْد النَّسَائِيّ " إِلَّا مَسْجِد الْكَعْبَة " حَتَّى لَو كَانَت لَفْظَة مَسْجِد غير مَذْكُورَة لكَانَتْ مُرَادة