هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
4151 حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، وَأَبُو كُرَيْبٍ ، قَالَا : حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ ، عَنْ هِشَامٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عَائِشَةَ ، قَالَتْ : خَرَجَتْ سَوْدَةُ بَعْدَمَا ضُرِبَ عَلَيْهَا الْحِجَابُ لِتَقْضِيَ حَاجَتَهَا ، وَكَانَتِ امْرَأَةً جَسِيمَةً تَفْرَعُ النِّسَاءَ جِسْمًا ، لَا تَخْفَى عَلَى مَنْ يَعْرِفُهَا ، فَرَآهَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ ، فَقَالَ : يَا سَوْدَةُ ، وَاللَّهِ مَا تَخْفَيْنَ عَلَيْنَا ، فَانْظُرِي كَيْفَ تَخْرُجِينَ ، قَالَتْ : فَانْكَفَأَتْ رَاجِعَةً وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِي ، وَإِنَّهُ لَيَتَعَشَّى وَفِي يَدِهِ عَرْقٌ ، فَدَخَلَتْ فَقَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي خَرَجْتُ ، فَقَالَ لِي عُمَرُ : كَذَا وَكَذَا ، قَالَتْ : فَأُوحِيَ إِلَيْهِ ، ثُمَّ رُفِعَ عَنْهُ وَإِنَّ الْعَرْقَ فِي يَدِهِ مَا وَضَعَهُ ، فَقَالَ : إِنَّهُ قَدْ أُذِنَ لَكُنَّ أَنْ تَخْرُجْنَ لِحَاجَتِكُنَّ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي بَكْرٍ ، يَفْرَعُ النِّسَاءَ جِسْمُهَا ، زَادَ أَبُو بَكْرٍ فِي حَدِيثِهِ : فَقَالَ هِشَامٌ يَعْنِي الْبَرَازَ ، وَحَدَّثَنَاهُ أَبُو كُرَيْبٍ ، حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ ، وَقَالَ : وَكَانَتِ امْرَأَةً يَفْرَعُ النَّاسَ جِسْمُهَا ، قَالَ : وَإِنَّهُ لَيَتَعَشَّى . وحَدَّثَنِيهِ سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ ، عَنْ هِشَامٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
4151 حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، وأبو كريب ، قالا : حدثنا أبو أسامة ، عن هشام ، عن أبيه ، عن عائشة ، قالت : خرجت سودة بعدما ضرب عليها الحجاب لتقضي حاجتها ، وكانت امرأة جسيمة تفرع النساء جسما ، لا تخفى على من يعرفها ، فرآها عمر بن الخطاب ، فقال : يا سودة ، والله ما تخفين علينا ، فانظري كيف تخرجين ، قالت : فانكفأت راجعة ورسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي ، وإنه ليتعشى وفي يده عرق ، فدخلت فقالت : يا رسول الله إني خرجت ، فقال لي عمر : كذا وكذا ، قالت : فأوحي إليه ، ثم رفع عنه وإن العرق في يده ما وضعه ، فقال : إنه قد أذن لكن أن تخرجن لحاجتكن وفي رواية أبي بكر ، يفرع النساء جسمها ، زاد أبو بكر في حديثه : فقال هشام يعني البراز ، وحدثناه أبو كريب ، حدثنا ابن نمير ، حدثنا هشام ، بهذا الإسناد ، وقال : وكانت امرأة يفرع الناس جسمها ، قال : وإنه ليتعشى . وحدثنيه سويد بن سعيد ، حدثنا علي بن مسهر ، عن هشام بهذا الإسناد
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير، 

A'isha reported that Sauda (Allah he pleated with her) went out (in the fields) in order to answer the call of nature even after the time when veil had been prescribed for women. She had been a bulky lady, significant in height amongst the women, and she could not conceal herself from him who had known her. 'Umar b. Khattab saw her and said:

Sauda, by Allah, you cannot conceal from us. Therefore, be careful when you go out. She ('A'isha) said: She turned back. Allah's Messenger (ﷺ) was at that time in my house having his evening meal and there was a bone in his hand. She (Sauda) cline and said: Allah's Messenger. I went out and 'Umar said to me so and so. She ('A'isha) reported: There came the revelation to him and then it was over; the bone was then in his hand and he had not thrown it and he said: Permission has been granted to you that you may go out for your needs.

شرح الحديث من فـــتح المــــنعم

: : هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،   

عن عائشة رضي الله عنها قالت: خرجت سودة بعد ما ضرب عليها الحجاب لتقضي حاجتها، وكانت امرأة جسيمة تفرع النساء جسماً لا تخفى على من يعرفها.
فرآها عمر بن الخطاب فقال: يا سودة، والله ما تخفين علينا، فانظري كيف تخرجين.
قالت: فانكفأت راجعة ورسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي، وإنه ليتعشى وفي يده عرق.
فدخلت، فقالت: يا رسول الله، إني خرجت فقال لي عمر كذا وكذا.
قالت: فأوحي إليه، ثم رفع عنه، وإن العرق في يده ما وضعه.
فقال: إنه قد أذن لكن أن تخرجن لحاجتكن.
وفي رواية أبي بكر: يفرع النساء جسمها.
زاد أبو بكر في حديثه، فقال هشام: يعني البراز.


المعنى العام

لم يكن عند العرب، ولا عند أهل المدينة زمن الهجرة كنف في بيوتهم، يقضون فيها حاجتهم البشرية، بل كانوا يستنكفون أن يقع شيء من ذلك في بيوتهم، فكانوا يقضون حاجتهم في الصحراء، خارج المدينة، وكان النساء الحرائر العفيفات لا يخرجن لذلك إلا في الليل، وكانت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الأمر كغيرهن من النساء.

كما كانت المرأة العربية تختلط بالرجال الأجانب، ولا تحتجب عنهم، وتتعامل معهم، وتجلس معهم، وتحادثهم، وتأكل معهم، ويأكلون معها، وما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليشرع أمراً حتى يأتيه الوحي بذلك، حدث ذات يوم أن كان صلى الله عليه وسلم يأكل مع عائشة.
فمر بهما عمر رضي الله عنه فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ليأكل معهما من إناء واحد، فجلس، فأصابت إصبعه إصبع عائشة رضي الله عنها، فقال: أوه.
لو أطاع فيكن ما رأتكن عين، ثم قال: يا رسول الله يدخل عليك البر والفاجر، فلو أمرت أمهات المؤمنين بالحجاب؟ وكرر عمر هذا الرجاء، ولم يكن رسول الله ليفعل من عنده شيئاً لم ينزل به الوحي، حتى كانت ليلة زواجه صلى الله عليه وسلم بأم المؤمنين زينب بنت جحش، بنت عمته صلى الله عليه وسلم، وكانت تحت زيد بن حارثة، الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم قد نبناه، فكان يدعى زيد بن محمد، فلما أبطل الله التبني، وقال { { ادعوهم لآبائهم } } [الأحزاب: 5] أصبح يدعى زيد بن حارثة، وزوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ابنة عمته زينب بنت جحش، وأراد الله تعالى أن يؤكد بطلان التبني، وأن التبني لا يترتب عليه بنوة شرعية، فقضى جل جلاله أن يتزوج محمد صلى الله عليه وسلم بنت عمته، زينب بنت جحش، بعد أن طلقها زيد بن حارثة، في الوقت الذي لا يحل لرجل أن يتزوج امرأة كانت زوجة لابنه الحقيقي في حال من الأحوال، وتأكيداً لهذا المعنى أقام صلى الله عليه وسلم الولائم في ليلة زواجه بزينب، إقامة لم يسبق له أن أقامها في أية زوجة من قبل، أولم باللحم والخبز والفتيت، ودعا من يعرف ومن لا يعرف، يجيء قوم فيأكلون ويخرجون، ثم يجيء قوم، فيأكلون ويخرجون، حتى زاد عددهم على الثلاثمائة آكل، وحتى قال الداعي إلى الطعام، وهو أنس رضي الله عنه: دعوت حتى ما أجد أحداً.

خرج الآكلون إلا جماعة منهم، جلسوا بعد الأكل يتحدثون، وقد رفعت الموائد، وزينب العروس جالسة في جانب من جوانب البيت، وفي زاوية من زواياه، وكانت امرأة قد أعطيت جمالاً، فتهيأ صلى الله عليه وسلم للقيام، كأنه يريد القيام، واستحيا صلى الله عليه وسلم أن يأمرهم بالخروج، واكتفى بالإشارة هذه ليفطنوا لمراده فيقوموا بقيامه، فلم يفطنوا، فقام، فخرج، فخرجوا بخروجه إلا ثلاثة، ألهاهم الحديث، فاستمروا بعد خروجه من البيت جالسين.
مر رسول الله صلى الله عليه وسلم ببعض بيوت أزواجه، مر ببيت عائشة، فسلم عليها، وسلمت عليه، وهنأته بزوجته الجديدة، ثم رجع إلى البيت، فوجدهم، يريد أن يقوموا من غير أن يواجههم الأمر بخروجهم، فأفاق واحد منهم من غفلة، فخرج، وبقي اثنان، فخرج صلى الله عليه وسلم ثانية إلى بيوت أزواجه سودة، وحفصة، وأم سلمة، يسلم عليهن، ويسلمن عليه، ويهنئنه، ووصل صلى الله عليه وسلم إلى منزله، فوجد الرجلين مازالا جالسين، فرجع، فلما رأياه رجع خرجا، ولم يعلم بخروجهما، حتى لحقه أنس رضي الله عنه، فأخبره أنهما خرجا.

في تلك اللحظات نزلت آية الثقلاء، أو آية الحجاب { { يا أيها الذين ءامنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين إناه } } [الأحزاب: 53] أي غير منتظرين نضجه { { ولكن إذا دعيتم فادخلوا فإذا طعمتم فانتشروا ولا مستأنسين لحديث إن ذلكم كان يؤذي النبي فيستحيي منكم والله لا يستحيي من الحق وإذا سألتموهن متاعاً فاسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن } } [الأحزاب: 53] فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بيته، وهو يتلو هذه الآية، وأنس يمشي من ورائه، فلما دخل صلى الله عليه وسلم أرخى ستراً على أم المؤمنين زينب، فلم يدخل عليها أنس، كما كان يدخل من قبل، ومن هذه الساعة حرم على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أن يكشفن شيئاً من أجسامهن، حتى الوجه والكفين، أمام الرجال الأجانب، لكن ماذا يفعلن عند الخروج، وهو ضرورة؟ لقد تلففت سودة رضي الله عنها في ثيابها تلففاً كاملاً، لا يبدو منها شيء، وخرجت لقضاء حاجتها ليلاً بعد العشاء، خرجت إلى مكان قضاء الحاجة، وكانت طويلة جسيمة لا تختلط بغيرها من النساء عند من يعرفها، ورآها عمر وهي في طريقها، فناداها: يا سودة، قد عرفناك، فلا ينبغي أن تخرجي، يرجو عمر بذلك أن ترجع، وأن يفرض عليها وعلى أمهات المؤمنين الحجاب الكامل، فلا يخرجن أبداًَ، يرجو بذلك أن ترجع وتشكو لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما حصل، فينزل الوحي ثانية بمنع خروجهن، بعد أن نزل بستر أجسامهن، أو لعله فهم من آية الحجاب { { وإذا سألتموهن متاعاً فاسألوهن من وراء حجاب } } [الأحزاب: 53] أنها تلزمهن بستر شخوصهن، فلا يخرجن إلا في صندوق أو هودج مثلاً، فأراد أن يؤكد رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الفهم، ورجعت سودة تحكي لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما حصل، تعلم أنه صلى الله عليه وسلم في بيت عائشة، لكن الأمر لا يقبل الانتظار، كيف تقضي حاجتها إذن لو منعت من الخروج؟ ودخلت عليه في بيت عائشة، وكان يتعشى، ممسكاً في يده قطعة عظم، عليها بقايا لحم، ينهش منه، تكلمت، وتوقف صلى الله عليه وسلم عن الأكل، وفي الحال بدا عليه أعراض نزول الوحي، ولم يلبث إلا قليلاً حتى سري عنه، ومازالت العظمة بلحمها في يده، فقال لسودة والكلام لأزواجه صلى الله عليه وسلم جميعهن قال: أذن الله لكن أن تخرجن لقضاء حاجتكن، كما خرجت سودة، ولا حرج عليها، ولا يحل لعمر ولا لغيره أن يعترض عليكن إذا خرجتن.

وهكذا قرر الإسلام حماية أزواج النبي صلى الله عليه وسلم حماية لا حرج فيها ولا مشقة، وحال بينهن وبين المغالاة التي كان يطلبها عمر رضي الله عنه وعن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أمهات المؤمنين.

المباحث العربية

( خرجت سودة بعد ما ضرب عليها الحجاب) في الرواية الثانية فخرجت سودة بنت زمعة، زوج النبي صلى الله عليه وسلم، ليلة من الليالي عشاء أي بعد ما ضرب الحجاب على أمهات المؤمنين سنة خمس من الهجرة على أصح الأقوال، ليلة زواج رسول الله صلى الله عليه وسلم بأم المؤمنين زينب بنت جحش وأم المؤمنين سودة بنت زمعة، كانت زوجة لابن عم لها، اسمه السكران بن عمرو فتوفي عنها، وتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة قبل الهجرة، وبعد موت خديجة، وأسنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووهبت ليلتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم لعائشة، تبتغي بذلك مرضاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتوفيت في آخر زمان عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

( لتقضي حاجتها) التي يقضيها الناس، وهي التبرز والتغوط، ولم يكن لهم كنف يقضون فيها حاجتهم، بل كان النساء الحرائر يخرجن ليلاً إلى الصحراء، فيقضين حاجتهن، ويرجعن، وفي الرواية الثانية أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم كن يخرجن بالليل إذا تبرزن -أي إذا أردن التبرز، ففيه مجاز المشارفة- إلى المناصع أي يخرجن إلى المناصع، كغيرهن من النساء، والمناصع بفتح الميم والصاد المكسورة، جمع منصع، والمناصع مواضع خارج المدينة، وصف المنصع في الرواية بأنه صعيد أفيح أي أرض متسعة ومكان واسع، ويقال له: البراز، بفتح الباء، أي المكان البارز الظاهر الخالي من المباني والشجر، أما البراز بكسر الباء فهو الغائط، أي المواد المطرودة من الأمعاء عند التبرز.

( وكانت امرأة جسيمة تفرع النساء جسماً) جسيمة عظيمة الجسم، وفي الرواية الثانية وكانت امرأة طويلة أي وعريضة، وتفرع بفتح التاء والراء، بينهما فاء ساكنة، أي تطول النساء فتكون أطول منهن، والفارع المرتفع العالي، وفي ملحق الرواية يفرع النساء جسمها وفي الملحق الثاني وكانت امرأة يفرع الناس جسمها.

( لا تخفى على من يعرفها) يعني لا تخفى إذا كانت متلففة في ثيابها ومرطها، في ظلمة الليل ونحوها، لا تخفى على من سبقت له معرفة طولها، لانفرادها بذلك.

( فرآها عمر بن الخطاب، فقال: يا سودة والله ما تخفين علينا) في الرواية الثانية كان عمر بن الخطاب يقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم: احجب نساءك، فلم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل، فخرجت سودة بنت زمعة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ليلة من الليالي عشاء، وكانت امرأة طويلة، فناداها عمر: ألا قد عرفناك يا سودة، حرصاً على أن ينزل الحجاب.
قالت عائشة: فأنزل الله آية الحجاب.

حاصل القصة أن عمر رضي الله عنه كان حريصاً على أن يحجب النبي صلى الله عليه وسلم نساءه، فقد كن يخرجن لابسات كالنساء، ويقابلن الرجال كغيرهن من النساء، بل وأكلت عائشة مع النبي صلى الله عليه وسلم، فمر عليهما عمر، فدعاه صلى الله عليه وسلم ليأكل معهما من إناء واحد، فلمست إصبعه إصبعها، فقال: أوه.
لو أطاع فيكن ما رأتكن عين، وأخذ يقول للرسول صلى الله عليه وسلم: احجب نساءك، حتى نزلت آية الحجاب { { وإذا سألتموهن متاعاً فاسألوهن من وراء حجاب } } [الأحزاب: 53] فكن إذا خرجن تلففن، بحيث لا يرى من أجسامهن شيء، وخرجت سودة، فأراد عمر إحراجها، لئلا تخرج ثانية، وكان حريصاً على حجاب كامل، يمنع خروج أزواج النبي صلى الله عليه وسلم من بيوتهن، فناداها، فرجعت، فأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم، فنزل الوحي، يبيح لهن الخروج لحاجتهن، ففي الرواية الثانية تقديم وتأخير، وترتيبها: أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم كن يخرجن بالليل إذا تبرزن إلى المناصع، وهو صعيد أفيح، وكان عمر بن الخطاب يقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم: احجب نساءك، فلم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليفعل [أمراً كهذا بدون الوحي] فأنزل الله عز وجل آية الحجاب [فاحتجبن عن الرجال بحيث لا ترى أجسادهن، لا في بيوتهن، ولا إذا خرجن لقضاء حاجتهن] فخرجت سودة بنت زمعة ليلة من الليالي عشاء [لقضاء حاجتها، متلففة لا يرى منها شيء] وكانت امرأة طويلة [لا تختلط بغيرها من النساء] فناداها عمر: ألا قد عرفناك يا سودة [قال ذلك] حرصاً على أن ينزل الحجاب [الكامل المانع من خروجهن] وتكملة القصة في الرواية الأولى.

( فانظري كيف تخرجين؟) الاستفهام إنكاري توبيخي، كيف تخرجين؟ أي لا ينبغي أن تخرجي، ولو كنت متلففة.

( قالت) عائشة.

( فانكفأت) بضمير الغائبة، أي فرجعت سودة إلى البيت، ولم تقض حاجتها، فقوله راجعة حال مؤكدة.

( ورسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي) أي في بيت عائشة، وكانت سودة تعلم أنه في بيت عائشة، فذهبت إليه هناك.

( وإنه ليتعشى، وفي يده عرق) بفتح العين وسكون الراء، وهو العظم عليه لحم، تقول: تعرقت العظم، وأعرقته إذا تتبعت ما عليه من لحم، والغرض من ذكره وقولها فيما بعد وإن العرق في يده، ما وضعه الإشارة إلى سرعة نزول الوحي بحكم الواقعة.

( أذن لكن أن تخرجن لحاجتكن) في رواية البخاري أن تخرجن لحوائجكن قال الداودي: في صيغة هذا الجمع نظر، لأن جمع الحاجة حاجات، ولا يقال: حوائج، وتعقبه ابن التين فأجاد، وقال: الحوائج جمع حاجة أيضاً.

فقه الحديث

أخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن أنس رضي الله عنه قال: لما تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش، دعا القوم، فطعموا، ثم جلسوا يتحدثون، وإذا هو كأنه يتهيأ للقيام، فلم يقوموا، فلما رأى ذلك قام، فلما قام قام من قام، وقعد ثلاثة نفر، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم ليدخل، فإذا القوم جلوس، ثم إنهم قاموا، فانطلقت، فجئت، فأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم أنهم قد انطلقوا، فجاء حتى دخل، فألقى الحجاب بيني وبينه، فأنزل الله تعالى: { { يا أيها الذين ءامنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين إناه } } أي غير منتظرين نضجه { { ولكن إذا دعيتم فادخلوا فإذا طعمتم فانتشروا } } أي فإذا أكلتم الطعام فتفرقوا، ولا تلبثوا { { ولا مستأنسين لحديث إن ذلكم كان يؤذي النبي فيستحيي منكم والله لا يستحيي من الحق وإذا سألتموهن متاعاً فاسألوهن من وراء حجاب } } [الأحزاب: 53] أي إذا سألتم نساء النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً، أو أردتم أن تكلموهن، فكلموهن من وراء ساتر بينكم وبينهن، وتسمى هذه الآية عند المفسرين بآية الثقلاء، والحديث واضح في سبب النزول، وأخرج البخاري في الأدب المفرد والنسائي من حديث عائشة رضي الله عنها أنها كانت تأكل مع النبي صلى الله عليه وسلم، وكان يأكل معهما بعض أصحابه، فأصابت يد رجل يدها، فكره النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، فنزلت.
ولا مانع من تعدد أسباب نزول الآية الواحدة.

ونزلت آية الحجاب في السنة الخامسة من الهجرة على الصحيح، قال القاضي عياض: فرض الحجاب مما اختص به أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، فهو فرض عليهن بلا خلاف في الوجه والكفين، فلا يجوز لهن كشف ذلك لشهادة ولا غيرها، ولا يجوز لهن إظهار شخوصهن، وإن كن مستترات، إلا ما دعت إليه الضرورة، من الخروج للبراز، قال الله تعالى { { وإذا سألتموهن متاعاً فاسألوهن من وراء حجاب } } [الأحزاب: 53] وقد كن إذا قعدن للناس جلسن من وراء حجاب، وإذا خرجن حجبن، وسترن أشخاصهن -في هودج ونحوه- كما جاء في حديث حفصة يوم وفاة عمر -إذ طلبت رضي الله عنها من النساء أن يسترنها عن أن يرى شخصها، أخرجه مالك في الموطأ، وأن زينب بنت جحش رضي الله عنها لما ماتت جعل لها قبة فوق نعشها، ليستر شخصها.
اهـ

قال الحافظ ابن حجر: وليس فيما ذكره دليل على ما ادعاه، من فرض ذلك عليهن، وقد كن بعد النبي صلى الله عليه وسلم يحججن ويطفن، وكان الصحابة ومن بعدهم يسمعون منهن الحديث، وهن مستترات الأبدان، لا الأشخاص.
اهـ

وحديث الباب يؤيد ما قاله الحافظ ابن حجر، فخروج سودة رضي الله عنها، بعد الحجاب، وكانت ساترة لجميع بدنها، غير حاجبة لشخصها، وكان حرص عمر رضي الله عنه على أن لا يبدين شخوصهن أصلاً، ولو كن مستترات، فبالغ في ذلك، فمنع منه، وأذن لهن في الخروج لحاجتهن، دفعاً للمشقة، ورفعاً للحرج.

ويؤخذ من الحديث

1- منقبة ظاهرة لعمر بن الخطاب رضي الله عنه وشدة حرصه على الرسول صلى الله عليه وسلم، وغيرته على أمهات المؤمنين، وهذه إحدى موافقاته المشهورة.
وعد الشيعة ما وقع منه رضي الله عنه من المثالب والنقائص، قالوا: لما فيه من سوء الأدب، وتخجيل سودة، حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإيذائها بذلك، وأجاب أهل السنة بأنه رضي الله عنه رأى أن لا بأس بذلك، لما غلب على ظنه من ترتب الخير العظيم عليه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم وإن كان أعلم منه وأغير لم يفعل ذلك، انتظاراً للوحي، وهو اللائق بكمال شأنه مع ربه عز وجل، ولو كان في فعل عمر رضي الله عنه ما يؤاخذ عليه، لوجهه وأرشده رسول الله صلى الله عليه وسلم لما ينبغي.

2- وفيه تنبيه أهل الفضل والكبار على مصالحهم، ونصيحتهم، وتكرار ذلك عليهم.

3- وجواز تعرق العرق والعظم.

4- وجواز خروج المرأة من بيت زوجها، لقضاء حاجة الإنسان [التبرز ونحوه] إلى الموضع المعتاد لذلك بغير استئذان الزوج، لأنه مما لا يستغني عنه الإنسان، وقد أذن فيه الشرع.

5- أن كثيراً من القرآن الكريم كان ينزل جواباً عن أسئلة، أو حكماً لمسألة، أو حلا لمشكلة، وقد اختلف العلماء.
متى نزلت آية الحجاب، فقيل: إنها نزلت حال قيام الثقلاء، أي أنزلها الله وقد قاموا، وفي رواية فرجع، فدخل البيت، وأرخى الستر، وإني لفي الحجرة، وهو يقول { { يا أيها الذين ءامنوا لا تدخلوا بيوت النبي.. } } إلى قوله { { والله لا يستحيي من الحق } } [الأحزاب: 53] .

والله أعلم