مُقَدِّمَةُ الْمُؤَلِّفِ

: : هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،   

مُقَدِّمَةُ الْمُؤَلِّفِ أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الْجَوْهَرِيُّ ، قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَهُوَ يَسْمَعُ وَأَنَا أَسْمَعُ فَأَقَرَّ بِهِ ، قَالَ : أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ زَكَرِيَّا بْنِ حَيَّوَيْهِ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ ، قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَيْفٍ السِّجِسْتَانِيِّ ، حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانُ قَالَ : قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ الْمُطَّلِبِيُّ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : الْحَمْدُ لِلَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ، وَكَمَا يَنْبَغِي لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ ، لَا شَرِيكَ لَهُ ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ .
أَمَّا بَعْدُ ، فَإِنَّ اللَّهَ جَلَّ حدثناؤُهُ وَضَعَ رَسُولَهُ مَوْضِعَ الْإِبَانَةِ لِمَا افْتَرَضَ عَلَى خَلْقِهِ فِي كِتَابِهِ ، ثُمَّ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَا افْتَرَضَ عَلَى لِسَانِهِ نَصًّا فِي كِتَابِ اللَّهِ ، فَأَبَانَ فِي كِتَابِهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ صِرَاطِ اللَّهِ ، فَفَرَضَ عَلَى الْعِبَادِ طَاعَتَهُ ، وَأَمَرَهُمْ بِأَخْذِ مَا أتَاهُمْ وَالِانْتِهَاءِ عَمَّا نَهَاهُمْ عَنْهُ وَكَانَ فَرْضُهُ عَلَى كُلِّ مَنْ عَايَنَ رَسُولَهُ وَمَنْ بَعْدَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَاحِدًا فِي أَنَّ عَلَى كُلٍّ طَاعَتَهُ ، وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ غَابَ عَنْ رُؤْيَةِ رَسُولِ اللَّهِ يَعْلَمُ أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ إِلَّا بِالْخَبَرِ عَنْهُ .
وَأَوْجَبَ اللَّهُ جَلَّ حدثناؤُهُ عَلَى عِبَادِهِ حُدُودًا ، وَبَيَّنَهُمْ حُقُوقًا ، فَدَلَّ عَلَى أَنْ يُؤْخَذَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ بِشَهَادَاتٍ ، وَالشَّهَادَاتُ أَخْبَارٌ ، وَدَلَّ فِي كِتَابِهِ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ أَنَّ الشُّهُودَ فِي الزِّنَا أَرْبَعَةٌ ، وَأَمَرَ فِي الدَّيْنِ بِشَاهِدَيْنِ ، أَوْ شَاهِدٍ وَامْرَأَتَيْنِ ، وَفِي الْوَصَايَا بِشَاهِدَيْنِ ، وَكَانَتْ حُقُوقٌ سِوَاهَا بَيْنَ النَّاسِ لَمْ يُذْكَرْ فِي الْقُرْآنِ عَدَدُ الشُّهُودِ فِيهَا مِنْهَا الْقَتْلُ وَغَيْرُهُ ، أُخِذَ عَدَدُ الشُّهُودِ فِيهَا مِنْ سُنَّةٍ ، أَوْ إِجْمَاعٍ ، وَأُخِذَ أَنْ يُقْتَلَ فِي غَيْرِ الزِّنَا وَيُقْطَعَ ، وَتُؤْخَذُ الْحُقُوقُ مِنْ جَمِيعِ الْجِهَاتِ بِشَاهِدَيْنِ بِقَوْلِ الْأَكْثَرِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ ، وَلَمْ يَجْعَلُوهُ قِيَاسًا عَلَى الزِّنَا ، وَأُخِذَ أَنْ تُؤْخَذَ الْأَمْوَالُ بِشَاهِدٍ وَامْرَأَتَيْنِ لِذِكْرِ اللَّهِ إِيَّاهُمَا فِي الدَّيْنِ وَهُوَ مَالٌ ، وَاخْتَرْنَا أَنْ يُؤْخَذَ الْمَالُ بِيَمِينٍ وَشَاهِدٍ بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
وَاخْتَرْنَا أَنَّهُ يَجِبُ الْحَقُّ فِي الْقَسَامَةِ بِدَلَائِلَ قَدْ وَصَفْنَاهَا ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَ الدَّلَائِلِ شَاهِدٌ بِالْخَبَرِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ، فَكَانَ مَا فَرَضَ اللَّهُ مِنَ الْخَبَرِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ مُؤَدِّيًا خَبَرًا ، كَمَا تُؤَدِّي الشَّهَادَاتُ خَبَرًا ، وَشَرَطَ فِي الشُّهُودِ ذَوِي عَدْلٍ وَمَنْ نَرْضَى ، وَكَانَ الْوَاجِبُ أَنْ لَا يُقْبَلَ خَبَرُ أَحَدٍ عَلَى شَيْءٍ يَكُونُ لَهُ حُكْمٌ ، حَتَّى يَكُونَ عَدْلًا فِي نَفْسِهِ ، وَرِضًا فِي خَبَرِهِ وَكَانَ بَيِّنًا إِذِ افْتَرَضَ اللَّهُ عَلَيْنَا قَبُولَ أَهْلِ الْعَدْلِ أَنَّهُ إِنَّمَا كَلَّفَنَا الْعَدْلَ عِنْدَنَا عَلَى مَا يَظْهَرُ لَنَا ؛ لِأَنَّا لَا نَعْلَمُ مُغَيَّبَ غَيْرِنَا ، فَلَمَّا تَعَبَّدَنَا اللَّهُ بِقَبُولِ الشُّهُودِ عَلَى الْعَدَالَةِ عِنْدَنَا ، وَدَلَّتِ السُّنَّةُ عَلَى إِنْفَاذِ الْحُكْمِ بِشَهَادَاتِهِمْ ، وَشَهَادَاتُهُمْ أَخْبَارٌ ، دَلَّ عَلَى أَنَّ قَبُولَ قَوْلِهِمْ وَعَدَدِهِمْ تَعَبُّدٌ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ مِنْهُمْ عَدَدٌ إِلَّا وَفِي النَّاسِ أَكْثَرُ مِنْهُ ، وَكَانَ فِي قَبُولِهِمْ عَلَى اخْتِلَافِهِمْ مَقْبُولًا مِنْ وُجُوهٍ بِمَا وَصَفْتُ مِنْ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ أَوْ قَوْلِ عَوَامِّ أَهْلِ الْعِلْمِ ، لَا أَنَّ مَا ثَبَتَ وَشَهِدَ بِهِ عِنْدَنَا مَنْ قَطَعْنَا الْحُكْمَ بِشَهَادَتِهِ ، إِحَاطَةٌ عِنْدَنَا عَلَى الْمُغَيَّبِ ، وَلَكِنَّهُ صِدْقٌ عَلَى الظَّاهِرِ بِصِدْقِ الْمُخْبِرِ عِنْدَنَا .
وَإِنْ أَمْكَنَ فِيهِ الْغَلَطُ فَفِيهِ مَا دَلَّ عَلَى الْفَرْضِ عَلَيْنَا مِنْ قَبُولِ الْخَبَرِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ، وَلَا يُؤْخَذُ عَدَدُ مَنْ يُقْبَلُ خَبَرُهُ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا بِأَحَدِ الدَّلَائِلِ الَّتِي قَبِلْنَا بِهَا عَدَدًا مِنَ الشُّهُودِ ، فَرَأَيْنَا الدَّلَالَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَبُولِ خَبَرِ الْوَاحِدِ عَنْهُ ، فَلَزِمَنَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنْ نَقْبَلَ خَبَرَهُ إِذَا كَانَ مِنْ أَهْلِ الصِّدْقِ كَمَا لَزِمَنَا قَبُولُ عَدَدِ مَنْ وَصَفْتُ عَدَدَهُ فِي الشَّهَادَةِ ، بَلْ قَبُولُ خَبَرِ الْوَاحِدِ عَنْهُ أَقْوَى سَبَبًا بِالدَّلَالَةِ عَنْهُ ، ثُمَّ مَا لَمْ أَعْلَمْ فِيهِ خِلَافًا مِنْ أَحَدٍ مِنْ مَاضِي أَهْلِ الْعِلْمِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ فَتَابِعِيهِمْ إِلَى الْيَوْمِ خَبَرًا نَصًّا عَنْهُمْ ، وَدَلَالَةً مَعْقُولَةً عَنْهُمْ مِنْ قَبُولِ عَدَدِ الشُّهُودِ فِي بَعْضِ مَا قَبِلْنَاهُ فِيهِ .
وَقَدْ كَتَبْتُ فِي كِتَابِ جِمَاعِ الْعِلْمِ الدَّلِيلَ عَلَى مَا وَصَفْتُ مِمَّا اكْتَفَيْتُ فِي رَدِّ كَثِيرٍ مِنْهُ فِي كِتَابِي هَذَا ، وَقَدْ رَدَدْتُ مِنْهُ جُمَلًا تَدُلُّ مَنْ لَمْ يَحْفَظْ كِتَابَ جِمَاعِ الْعِلْمِ عَلَى مَا وَرَاءَهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ ، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ : أَفَيَكُونُ الْإِخْبَارُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاحِدًا أَوْ أَكْثَرَ ؟ قِيلَ : الْخَبَرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَبَرَانِ : فَخَبَرُ عَامَّةٍ عَنْ عَامَّةٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَحْمِلُ مَا فُرِضَ عَلَى الْعِبَادِ أَنْ يَأْتُوا بِهِ بِأَلْسِنَتِهِمْ وَأَفْعَالِهِمْ ، وَيُؤْتُوا بِهِ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ ، وَهَذَا مَا لَا يَسَعُ جَهْلُهُ ، وَمَا كَانَ عَلَى أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْعَوَامِّ أَنْ يَسْتَوُوا فِيهِ ؛ لِأَنَّ كُلًّا كُلِّفَهُ كَعَدَدِ الصَّلَاةِ وَصَوْمِ رَمَضَانَ وَتَحْرِيمِ الْفَوَاحِشِ ، وَإِنَّ لِلَّهِ عَلَيْهِمْ حَقًّا فِي أَمْوَالِهِمْ ، وَخَبَرُ خَاصَّةٍ فِي خَاصِّ الْأَحْكَامِ لَمْ يُكَلَّفْهُ الْعَامَّةُ ، لَمْ يَأْتِ أَكْثَرُهُ كَمَا جَاءَ الْأَوَّلُ ، وَكُلِّفَ عِلْمَ ذَلِكَ مَنْ فِيهِ الْكِفَايَةُ لِلْخَاصَّةِ بِهِ دُونَ الْعَامَّةِ ، وَهَذَا مِثْلُ مَا يَكُونُ مِنْهُمْ فِي الصَّلَاةِ سَهْوٌ يَجِبُ بِهِ سُجُودُ السَّهْوِ ، وَمَا يَكُونُ مِنْهُمْ فِيمَا لَا يَجِبُ بِهِ سُجُودُ سَهْوٍ ، وَمَا يُفْسِدُ الْحَجَّ ، وَمَا لَا يُفْسِدُهُ ، وَمَا تَجِبُ بِهِ الْبَدَنَةُ ، وَلَا تَجِبُ مِمَّا يَفْعَلُ مِمَّا لَيْسَ فِيهِ نَصُّ كِتَابٍ ، وَهُوَ الَّذِي عَلَى الْعُلَمَاءِ فِيهِ عِنْدَنَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَبُولُ خَبَرِ الصَّادِقِ عَلَى صِدْقِهِ ، وَلَا يَسَعُهُمْ رَدُّهُ كَمَا لَا يَسَعُهُمْ رَدُّ الْعَدَدِ مِنَ الشُّهُودِ الَّذِينَ قَبِلُوا شَهَادَتَهُمْ ، وَهُوَ حَقٌّ صِدْقٌ عِنْدَهُمْ عَلَى الظَّاهِرِ كَمَا يُقَالُ فِيمَا شَهِدَ بِهِ الشُّهُودُ ، فَمَنْ أَدْخَلَ فِي شَيْءٍ مِنْ قَبُولِ خَبَرِ الْوَاحِدِ شَيْئًا دَخَلَ عَلَيْهِ فِي قَبُولِ عَدَدِ الشُّهُودِ الَّذِينَ لَيْسُوا بِنَصٍّ فِي كِتَابٍ ، وَلَا سُنَّةٍ ، مِثْلُ الشُّهُودِ عَلَى الْقَتْلِ وَغَيْرِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ ، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ : فَأَيْنَ الدَّلَالَةُ عَلَى قَبُولِ خَبَرِ الْوَاحِدِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ؟ قِيلَ لَهُ : إِنْ شَاءَ اللَّهُ كَانَ النَّاسُ مُسْتَقْبِلِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ ، ثُمَّ حَوَّلَهُمُ اللَّهُ إِلَى الْبَيْتِ الْحَرَامِ ، فَأَتَى أَهْلَ قُبَاءَ آتٍ وَهُمْ فِي الصَّلَاةِ فَأَخْبَرَهُمْ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ عَلَى رَسُولِهِ كِتَابًا ، وَأَنَّ الْقِبْلَةَ حُوِّلَتْ إِلَى الْبَيْتِ الْحَرَامِ ، فَاسْتَدَارُوا إِلَى الْكَعْبَةِ وَهُمْ فِي الصَّلَاةِ ، وَإِنَّ أَبَا طَلْحَةَ وَجَمَاعَةً كَانُوا يَشْرَبُونَ فَضِيخَ بُسْرٍ ، وَلَمْ يَحْرُمْ يَوْمَئِذٍ مِنَ الْأَشْرِبَةِ شَيْءٌ ، فَأَتَاهُمْ آتٍ فَأَخْبَرَهُمْ أَنَّ الْخَمْرَ قَدْ حُرِّمَتْ ، فَأَمَرُوا أُنَاسًا فَكَسَرُوا جِرَارَ شَرَابِهِمْ ذَلِكَ .
وَلَا شَكَّ أَنَّهُمْ لَا يُحَدَّثُونَ فِي مِثْلِ هَذَا إِلَّا ذَكَرُوهُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ ، وَيُشْبِهُ أَنْ لَوْ كَانَ قَبُولُ خَبَرِ مَنْ أَخْبَرَهُمْ ، وَهُوَ صَادِقٌ عِنْدَهُمْ ، مِمَّا لَا يَجُوزُ لَهُمْ قَبُولُهُ أَنْ يَقُولَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ : قَدْ كُنْتُمْ عَلَى قِبْلَةٍ وَلَمْ يَكُنْ لَكُمْ أَنْ تُحَوَّلُوا عَنْهَا ، إِذْ كُنْتُ حَاضِرًا مَعَكُمْ حَتَّى أُعْلِمَكُمْ أَوْ يُعْلِمَكُمْ جَمَاعَةٌ ، أَوْ عَدَدٌ يُسَمِّيهِمْ لَهُمْ ، وَيُخْبِرُهُمْ أَنَّ الْحُجَّةَ تَقُومُ عَلَيْهِمْ بِمِثْلِهَا ، إِلَّا بِأَقَلَّ مِنْهَا إِنْ كَانَتْ لَا تَثْبُتُ عِنْدَهُ بِوَاحِدٍ .
وَالْفَسَادُ لَا يَجُوزُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا عِنْدَ عَالِمٍ ، وَهِرَاقَةُ حَلَالٍ فَسَادٌ ، فَلَوْ لَمْ تَكُنِ الْحُجَّةُ أَيْضًا تَقُومُ عَلَيْهِمْ بِخَبَرِ مَنْ أَخْبَرَهُمْ بِتَحْرِيمٍ ، لَأَشْبَهُ أَنْ يَقُولَ قَدْ كَانَ لَكُمْ حَلَالًا وَلَمْ يَكُنْ لَكُمْ إِفْسَادُهُ حَتَّى أُعْلِمَكُمْ أَنَّ اللَّهَ جَلَّ وَعَزَّ حَرَّمَهُ ، أَوْ يَأْتِيَكُمْ عَدَدٌ يَحُدُّهُ لَهُمْ يُخْبِرُ عَنِّي بِتَحْرِيمِهِ .
وَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمَّ سَلَمَةَ أَنْ تُعَلِّمَ امْرَأَةً أَنْ تُعَلِّمَ زَوْجَهَا إِنْ قَبَّلَهَا وَهُوَ صَائِمٌ لَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ ، وَلَوْ لَمْ يَرَ الْحُجَّةَ تَقُومُ عَلَيْهِ بِخَبَرِهَا إِذَا صَدَّقَهَا لَمْ يَأْمُرْهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِهِ ، وَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ أُنَيْسًا الْأَسْلَمِيَّ أَنْ يَغْدُوَ عَلَى امْرَأَةِ رَجُلٍ ، فَإِنِ اعْتَرَفَتْ رَجَمَهَا ، فَاعْتَرَفَتْ ، فَرَجَمَهَا ، وَفِي ذَلِكَ إِفَاتَةُ نَفْسِهَا بِاعْتِرَافِهَا عِنْدَ أُنَيْسٍ ، وَهُوَ وَاحِدٌ ، وَأَمَرَ عَمْرَو بْنَ أُمَيَّةَ أَنْ يَقْتُلَ أَبَا سُفْيَانَ ، وَقَدْ سَنَّ عَلَيْهِ إِنْ عَلِمَهُ أَسْلَمَ لَمْ يَحِلَّ لَهُ قَتْلُهُ ، وَقَدْ يُحْدِثُ الْإِسْلَامَ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَهُ عَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ ، وَأَمَرَ أُنَيْسًا أَوْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُنَيْسٍ - شَكَّ الرَّبِيعُ - أَنْ يَقْتُلَ خَالِدَ بْنَ سُفْيَانَ الْهُذَلِيَّ فَقَتَلَهُ ، وَمِنْ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ أَسْلَمَ أَنْ لَا يَقْتُلَهُ ، وَكُلُّ هَؤُلَاءِ مِنْ مَعَانِي وُلَاتِهِ وَهُمْ وَاحِدٌ وَاحِدٌ فَتُصُوِّرَ الْحُكْمُ بِأَخْبَارِهِمْ ، وَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ بِعُمَّالِهِ وَاحِدًا وَاحِدًا ، وَإِنَّمَا بَعَثَ عُمَّالَهُ لِيُخْبِرُوا النَّاسَ بِمَا أَخْبَرَهُمْ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ مِنْ شَرَائِعِ دِينِهِمْ ، وَيَأْخُذُوا مِنْهُمْ مَا أَوْجَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَيُعْطُوهُمْ مَا لَهُمْ ، وَيُقِيمُوا عَلَيْهِمُ الْحُدُودَ وَيُنَفِّذُوا فِيهِمُ الْأَحْكَامَ ، وَلَمْ يَبْعَثْ مِنْهُمْ وَاحِدًا إِلَّا مَشْهُورًا بِالصِّدْقِ عِنْدَ مَنْ بَعَثَهُ إِلَيْهِ ، وَلَوْ لَمْ تَقُمِ الْحُجَّةُ عَلَيْهِمْ بِهِمْ إِذْ كَانُوا فِي كُلِّ نَاحِيَةٍ وَجَّهَهُمْ إِلَيْهَا أَهْلَ صِدْقٍ عِنْدَهُمْ ، مَا بَعَثَهُمْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ .
وَبَعَثَ أَبَا بَكْرٍ وَالِيًا عَلَى الْحَجِّ ، فَكَانَ فِي مَعْنَى عُمَّالِهِ ، ثُمَّ بَعَثَ عَلِيًّا بَعْدَهُ بِأَوَّلِ سُورَةِ بَرَاءَةٍ فَقَرَأَهَا فِي مَجْمَعِ النَّاسِ فِي الْمَوْسِمِ ، وَأَبُو بَكْرٍ وَاحِدٌ ، وَعَلِيٌّ وَاحِدٌ ، وَكِلَاهُمَا بَعَثَهُ بِغَيْرِ الَّذِي بَعَثَ بِهِ صَاحِبَهُ ، وَلَوْ لَمْ تَكُنِ الْحُجَّةُ تَقُومُ عَلَيْهِمْ بِبَعْثَتِهِ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إِذْ كَانَا مَشْهُورَيْنِ عِنْدَ عَوَامِّهِمْ بِالصِّدْقِ ، وَكَانَ مَنْ جَهِلَهُمَا مِنْ عَوَامِّهِمْ يَجِدُ مَنْ يَثِقُ بِهِ مِنْ أَصْحَابِهِ يَعْرِفُ صِدْقَهُمَا ، مَا بُعِثَ مِنْهُمَا وَاحِدٌ فَقَدْ بَعَثَ عَلِيًّا يُعْطِيهِمْ نَقْضَ مُدَدٍ ، وَإِعْطَاءَ مُدَدٍ وَنَبْذٍ إِلَى قَوْمٍ وَنَهْيٍ عَنْ أُمُورٍ وَأَمْرٍ بِأُخْرَى وَمَا كَانَ لِأَحَدٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ بَلَّغَهُ عَلَى أَنَّ لَهُمْ مَدَّةَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ أَنْ يَعْرِضَ لَهُمْ فِي مُدَّتِهِمْ ، وَلَا مَأْمُورٌ بِشَيْءٍ وَلَا مَنْهِيٌّ عَنْهُ بِرِسَالَةٍ عَلَى أَنْ يَقُولَ لَهُ : أَنْتَ وَاحِدٌ ، وَلَا تَقُومُ عَلَيَّ الْحُجَّةُ بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ بَعَثَكَ إِلِيَّ بِنَقْضِ شِيْءٍ جَعَلَهُ لِي ، وَلَا بِإحْدَاثِ شَيْءٍ لَمْ يَكُنْ لِي ، وَلَا لِغَيْرِي ، وَلَا بِنَهْيٍ عَنِ أَمْرٍ لَمْ أَعْلَمْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللِّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْهُ ، وَلَا بِإِحْدَاثِ أَمْرٍ لَمْ أَعْلَمْ رَسُولَ اللَّهِ أَحْدَثَهُ ، وَمَا يَجُوزُ هَذَا لِأَحَدٍ فِي شَيْءٍ قَطَعَهُ عَلَيْهِ عَلِيٌّ بِرِسَالَةِ النَّبِيِّ وَلَا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ وَلَا أَمَرَهُ بِهِ ، وَلَا نَهَاهُ عَنْهُ ، بِأَنْ يَقُولَ : لَمْ أَسْمَعْهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ أَوْ يَنْقُلُهُ إِلَى عَدَدٍ أَوْ لَا أَقْبَلُ فِيهِ خَبَرَكَ وَأَنْتَ وَاحِدٌ ، وَلَا كَانَ لِأَحَدٍ وَجَّهَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ عَامِلًا يَعْرِفُهُ أَوْ لَا يَعْرِفُهُ لَهُ مَنْ يُصَدِّقُهُ صَدَقَهُ أَنْ يَقُولَ لَهُ الْعَامِلُ : عَلَيْكَ أَنْ تُعْطِيَ كَذَا وَكَذَا ، أَوْ تَفْعَلَ بِكَ كَذَا ، فَيَقُولُ : لَا أَقْبَلُ هَذَا مِنْكَ ؛ لِأَنَّكَ وَاحِدٌ حَتَّى أَلْقَى رَسُولَ اللَّهِ فَيُخْبِرَنِي أَنَّ عَلَيَّ مَا قُلْتَ إِنَّهُ عَلَيَّ ، فَأَفْعَلَهُ عَنْ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ لَا عَنْ خَبَرِكَ .
وَقَدْ يُمْكِنُ أَنْ يُغَلِّطَ أَوْ يَجْهَلَ بَيِّنَةً عَامَّةً بِشَرْطٍ فِي عَدَدِهِمْ وَإِجَمَاعِهِمْ عَلَى الْخَبَرِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَشَهَادَتِهِمْ مَعًا أَوْ مُتَفَرِّقِينَ ، ثُمَّ لَا يَذْكُرُ أَحَدٌ مِنْ خَبَرِ الْعَامَّةِ عَدَدًا أَبَدًا إِلَّا وَفِي الْعَامَّةِ عَدَدٌ أَكْثَرُ مِنْهُ ، وَلَا مِنَ اجْتِمَاعِهِمْ حِينَ يُخْبِرُونَ وَتَفَرُّقِهِمْ تَثْبِيتًا إِلَّا أَمْكَنَ فِي زَمَانِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أَوْ بَعْضِ زَمَانِهِ حِينَ كَثُرَ أَهْلُ الْإِسْلَامِ ، فَلَا يَكُونُ لِتَثْبِيتِ الْأَخْبَارِ غَايَةٌ أَبَدًا يَنْتَهِي إِلَيْهَا ، ثُمَّ لَا يَكُونُ هَذَا لِأَحَدٍ مِنَ النَّاسِ أَجْوَزَ مِنْهُ لِمَنْ قَالَ هَذَا ، وَرَسُولُ اللَّهِ بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُدْرِكُ لِقَاءَ رَسُولِ اللَّهِ ، وَيُدْرِكُ ذَلِكَ لَهُ أَبُوهُ وَوَلَدُهُ وَإِخْوَتُهُ وَقَرَابَتُهُ وَمَنْ يُصَدِّقُهُ فِي نَفْسِهِ ، وَيُفَضِّلُ صِدْقَهُ لَهُ بِالنَّظَرِ لَهُ ، فَإِنَّ الْكَاذِبَ قَدْ يُصَدِّقُ نَظَرًا لَهُ ، وَإِذَا لَمْ يَجُزْ هَذَا لِأَحَدٍ يُدْرِكُ لِقَاءَ رَسُولِ اللَّهِ ، وَيُدْرِكُ خَبَرَ مَنْ يُصَدِّقُ مِنْ أَهْلِهِ وَالْعَامَّةِ عَنْهُ ، كَانَ لِمَنْ جَاءَ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ مِمَّنْ لَا يَلْقَاهُ فِي الدُّنْيَا أَوْلَى أَنْ لَا يَجُوزَ .
وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ الْحُجَّةَ لَا تَثْبُتُ بِخَبَرِ الْمُخْبِرِ الصَّادِقِ عِنْدَ مَنْ أَخْبَرَهُ ، فَمَا يَقُولُ فِي مُعَاذٍ إِذْ بَعَثَهُ رَسُولُ اللَّهِ إِلَى أَهْلِ الْيَمَنِ وَالِيًا وَمُحَارِبًا مَنْ خَالَفَهُ ، وَدَعَا قَوْمًا لَمْ يَلْقَوَا النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِلَى أَخْذِ الصَّدَقَةِ مِنْهُمْ وَغَيْرِهَا ، فَامْتَنَعُوا فَقَاتَلَهُمْ ، وَقَاتَلْهُمْ مَعَهُ مَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ بِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ ، وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَ مَنْ قَاتَلَ مَعَهُ أَوْ أَكْثَرِهِمْ إِلَّا صِدْقُ مُعَاذٍ عِنْدَهُمْ بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُ بِقِتَالِهِمْ ، إِذْ كَانُوا مُطِيعِينَ لِلَّهِ تَعَالَى بِنْصَرِ مُعَاذٍ وَتَصْدِيقِهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَكَانَتِ الْحُجَّةُ قَائِمَةً عَلَى مَنْ رَدَّ عَلَى مُعَاذٍ مَا جَاءَ بِهِ مُعَاذٌ حَتَّى قَتَلَهُ مُعَاذٌ ، وَهُوَ مَحْجُوجٌ ، وَمُعَاذٌ لِلَّهِ مُطِيعٌ .
وَمَا يَقُولُ فِيمَنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ يَبْعَثُهُ فِي جُيُوشِهِ وَسَرَايَاهُ إِلَى مَنْ بَعَثَ ، فَيَدْعُوهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ أَوْ إِعْطَاءِ الْجِزْيَةِ ، فَإِنْ أَبَوْا قَاتَلَهُمْ ، أَكَانَ أَمِيرُ الْجَيْشِ وَالسَّرِيَّةِ ، وَالْجَيْشُ وَالسَّرِيَّةُ مُطِيعِينَ لِلَّهِ فِيمَنْ قَاتَلُوا ؟ وَمَنِ امْتَنَعَ مِمَّنْ دَعَوْهُ مَحْجُوجًا ، وَقَدْ كَانَتْ سَرَايَاهُ أَوْ تَكُونُ عَشْرَةَ نَفَرٍ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ أَمْ لَا ؟ فَإِنْ زَعَمَ أَنَّ مَنْ جَاءَهُ مُعَاذٌ أَوْ أُمَرَاءُ سَرَايَاهُ مَحْجُوجًا بِخَبَرِهِمْ ، فَقَدْ زَعَمَ أَنَّ الْحُجَّةَ تَقُومُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ ، وَإِنْ زَعَمَ أَنْ لَمْ تَقُمْ عَلَيْهِمْ حُجَّةٌ فَقَدْ أَعْظَمَ الْقَوْلَ ، وَإِنْ قَالَ : لَمْ يَكُنْ هَذَا أَنْكَرَ خَبَرَ الْعَامَّةِ عَمَّنْ وَصَفَ وَصَارَ إِلَى طَرْحِ خَبَرِ الْخَاصَّةِ وَالْعَامَّةِ .
وَمَا يَقُولُ فِي امْرِئٍ بِبَادِيَةٍ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِ بِالْإِسْلَامِ ، ثُمَّ تَنَحَّى إِلَى بَادِيَتِهِ ، فَجَاءَ أَخُوهُ وَأَبُوهُ وَهُمَا صَادِقَانِ عِنْدَهُ فَأَخْبَرَاهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَرَّمَ شَيْئًا أَوْ أَحَلَّهُ فَحَرَّمَهُ أَوْ أَحَلَّهُ أَوْ يَكُونُ مُطِيعًا لِلَّهِ بِقَبُولِ خَبَرِهِمَا ؟ فَإِنْ قَالَ : نَعَمْ فَقَدْ ثَبَتَ خَبَرُ الْوَاحِدِ ، وَإِنْ قَالَ لَا خَرَجَ مِمَّا لَمْ أَعْلَمْ فِيهِ مُخَالِفًا ، فَإِنِّي لَمْ أَحْفَظْ عَنْ أَحَدٍ لَقِيتُهُ ، وَلَمْ أَعْلَمْهُ حُكِيَ لِي عَمَّنْ لَمْ أَلْقَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنْ لَا يُثْبِتَ إِلَّا مَا وَصَفْتُ عَنْ أَمْرِ أَبِي بَكْرٍ وَعَلِيٍّ وَغَيْرِهِمَا مِنْ عُمَّالِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الِانْفِرَادِ ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَبْعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا بِمَا تَقُومُ بِهِ الْحُجَّةُ لِمَنْ يَبْعَثُ إِلَيْهِ وَعَلَى مَنْ بَعَثَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ ، وَلَمْ أَعْلَمْ مُخَالِفًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي أَنْ لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ وَصَلَ إِلَيْهِ عَامِلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرُسُلُهُ مِمَّنْ سَمَّيْنَا أَوْ لَمْ نُسَمِّ مِنْ عُمَّالِهِ وَرُسُلِهِ أَنْ يَمْنَعَهُ شَيْئًا أَعْلَمُهُ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ ، وَلَا أَنْ يَرُدَّ حُكْمًا حَكَمَ بِهِ عَلَيْهِ ، وَلَا أَنْ يَعْصِيَهُ فِيمَا أَمَرَهُ بِهِ مِمَّا لَمْ يَعْلَمْ لِرَسُولِ اللَّهِ فِيهِ سُنَّةً تُخَالِفُهُ ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ لَا يَبْعَثُ إِلَّا بِمَا تَقُومُ بِهِ الْحُجَّةُ ، فَكُلُّ مَنْ بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ وَاحِدٌ .
ثُمَّ لَمْ أَعْلَمْ لِنَاسٍ مُنْذُ قَبَضَ اللَّهُ رَسُولَهُ اخْتَلَفُوا فِي أَنَّ خَلِيفَتَهُمْ وَوَالِيَ الْمِصْرِ لَهُمْ وَقَاضِيَ الْمِصْرِ وَاحِدٌ ، وَلَيْسَ مِنْ هَؤُلَاءِ وَاحِدٌ عَدْلٌ يَقْضِي ، فَيَقُولُ : شَهِدَ عِنْدِي فُلَانٌ وَفُلَانٌ وَهُمَا عَدْلَانِ عَلَى فُلَانٍ أَنَّهُ قَتَلَ فُلَانًا ، أَوْ أَنَّهُ ارْتَدَّ عَنِ الْإِسْلَامِ ، أَوْ أَنَّهُ قَذَفَ فُلَانًا ، أَوْ أَنَّهُ أَتَى فَاحِشَةً مِمَّا يَجُوزُ فِيهِ شَاهِدَانِ إِلَّا جَازَ أَنْ يُقَامَ عَلَيْهِ مَا وَصَفَهُ هَؤُلَاءِ ، وَلَا حَاكِمٌ يُعْرَفُ بِعَدْلٍ يَكْتُبُ بِأَنَّهُ قَضَى لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ بِكَذَا مِنَ الْمَالِ وَبِالدَّارِ الَّتِي فِي مَوْضِعِ كَذَا ، وَلَا لِأَحَدٍ بِأَنَّهُ ابْنُ فُلَانٍ وَوَارِثُهُ ، وَلَا بِشَيْءٍ مِنْ حُقُوقِ النَّاسِ إِلَّا أَنْفَذَهُ الْحَاكِمُ الْمَكْتُوبُ إِلَيْهِ ، وَكُلُّ حَاكِمٍ جَاءَ بَعْدَهُ ، وَلَا يَكْتُبُ بِهِ إِلَّا حَاكِمٌ بِبَلَدٍ مِنْ بُلْدَانِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ لِأَحَدٍ وَلَا عَلَى أَحَدٍ إِلَّا أَنْفَذَهُ لَهُ ، وَلَيْسَ فِيهِ عِنْدَ أَحَدٍ أَنْفَذَهُ لَهُ عِلْمٌ إِلَّا بِقَوْلِ الْحَاكِمِ الَّذِي قَضَى بِهِ ، وَلَا عِنْدَ الْحَاكِمِ الْمَكْتُوبِ إِلَيْهِ أَنَّ أَحَدًا شَهِدَ عِنْدَ الْقَاضِي الَّذِي ذَكَرَ أَنَّهُ شَهِدَ عِنْدَهُ إِلَّا بِخَبَرِ ذَلِكَ الْقَاضِي .
وَالْقَاضِي وَاحِدٌ فَقَدْ أَجَازَ وَأَخْبَرَهُ فِي جَمِيعِ أَحْكَامِ النَّاسِ .
فَكَذَلِكَ الْخَلِيفَةُ وَالْوَالِي الْعَدْلُ ، وَفِيمَا وَصَفْتُ مِنْ أَنَّهُمْ لَمْ يَخْتَلِفُوا ، فِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْحُجَّةَ فِي الْحُكْمِ الَّذِي لَمْ يُكَلِّفْهُ الْعِبَادَ كُلَّهُمْ تَقُومُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ ، مَعَ أَنِّي لَمْ أَعْلَمْ أَحَدًا حُكِيَ عَنْهُ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ وَالتَّابِعِينَ إِلَّا مَا يَدُلُّ عَلَى قَبُولِ خَبَرِ الْوَاحِدِ .
وَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِي لُزُومِهِ رَسُولَ اللَّهِ حَاضِرًا وَمُسَافِرًا ، وَصُحْبَتِهِ لَهُ وَمَكَانِهِ مِنَ الْإِسْلَامِ ، وَأَنَّهُ لَمْ يُزَايِلِ الْمُهَاجِرِينَ بِمَكَّةَ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارَ بِالْمَدِينَةِ ، وَلَمْ يُزَايِلْهُ عَامَّةٌ مِنْهُمْ فِي سَفَرٍ لَهُ ، وَأَنَّهُ مُقَدَّمٌ عِنْدَهُمْ فِي الْعِلْمِ وَالرَّأْيِ وَكَثْرَةِ الِاسْتِشَارَةِ لَهُمْ ، وَأَنَّهُمْ يَبْدَءُونَهُ بِمَا عَلِمُوا فَيَقْبَلُهُ مِنْ كُلِّ مَنْ جَاءَ بِهِ ، وَأَنَّهُ يَعْلَمُ أَنَّ قَوْلَهُ حُكْمٌ يَنْفُذُ عَلَى النَّاسِ فِي الدِّمَاءِ وَالْأَمْوَالِ وَالْفُرُوجِ ، يَحْكُمُ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ أَنَّ فِيَ الْإِبْهَامِ خَمْسَ عَشْرَةَ مِنَ الْإِبِلِ ، وَفِي الْمُسَبِّحَةِ وَالْوُسْطَى عَشْرًا عَشْرًا ، وَفِي الَّتِي تَلِي الْخِنْصَرِ تِسْعًا ، وَفِي الْخِنْصَرِ سِتًّا ، فَمَضَى عَلَى ذَلِكَ كَثِيرٌ مِمَّنْ حَكَى عَنْهُ فِي زَمَانِهِ ، وَالنَّاسُ عَلَيْهِ حَتَّى وُجِدَ كِتَابٌ عِنْدَ آلِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ كَتَبَهُ رَسُولُ اللَّهِ لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ فِيهِ : وَفِي كُلِّ أُصْبُعٍ مِمَّا هُنَالِكَ عَشْرٌ مِنَ الْإِبِلِ فَصَارَ النَّاسُ إِلَيْهِ وَتَرَكُوا مَا قَضَى بِهِ عُمَرُ مِمَّا وَصَفْتُ ، وَسَوَّوْا بَيْنَ الْخِنْصَرِ الَّتِي قَضَى فِيهَا عُمَرُ بِسِتٍّ وَالْإِبْهَامِ الَّتِي قَضَى فِيهَا بِخَمْسَ عَشْرَةَ ، وَكَذَلِكَ يَجِبُ عَلَيْهِمْ وَلَوْ عَلِمَهُ عُمَرُ كَمَا عَلِمُوهُ لَقَبِلَهُ وَتَرَكَ مَا حَكَمَ بِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ ، كَمَا فَعَلَ فِي غَيْرِهِ مِمَّا عَلِمَ فِيهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرَ مَا كَانَ هُوَ يَقُولُ ، فَتَرَكَ قَوْلَهُ بِخَبَرٍ صَادِقٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَذَلِكَ يَجِبُ عَلَيْهِ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَلَا أَحْسَبُهُ قَالَ بِمَا قَالَ مِنْ ذَلِكَ وَقَبِلَ ذَلِكَ مَنْ قَبِلَهُ مِنَ الْمَقْضِيِّ لَهُ وَالْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ وَغَيْرِهِمْ ، إِلَّا أَنَّهُ وَإِيَّاهُمْ قَدْ عَلِمُوا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى فِي الْيَدِ بِخَمْسِينَ مِنَ الْإِبِلِ ، وَكَانَتِ الْيَدُ خَمْسَةَ أَطْرَافٍ فَاجْتَهَدَ فِيهَا عَلَى قَدْرِ مَنَافِعِهَا وَجَمَالِهَا ، فَفَضَّلَ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ أَنَّ فِي كُلِّ أُصْبُعٍ عَشْرًا صِرْنَا إِلَى مَا قَالَ عُمَرُ أَوْ مَا أَشْبَهَهُ ، وَعَلِمْنَا أَنَّ الْخِنْصَرَ لَا تُشْبِهُ الْإِبْهَامَ فِي الْجَمَالِ وَلَا الْمَنْفَعَةِ ، وَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى مَا قُلْتُ مِنْ أَنَّ الْخَبَرَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ يَسْتَغْنِي بِنَفْسِهِ وَلَا يَحْتَاجُ إِلَى غَيْرِهِ ، وَلَا يَزِيدُهُ غَيْرُهُ إِنْ وَافَقَهُ وَلَا يُوهِنُهُ إِنْ خَالَفَهُ غَيْرُهُ ، وَأَنَّ بِالنَّاسِ كُلِّهِمُ الْحَاجَةَ إِلَيْهِ وَالْخَبَرَ عَنْهُ ، فَإِنَّهُ مَتْبُوعٌ لَا تَابَعٌ ، وَأَنَّ حُكْمَ بَعْضِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ إِنْ كَانَ يُخَالِفُهُ فَعَلَى النَّاسِ أَنْ يَصِيرُوا إِلَى الْخَبَرِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَأَنْ يَتْرُكُوا مَا يُخَالِفُهُ ، وَدَلِيلٌ عَلَى أَنْ يَصِيرُوا إِلَى الْخَبَرِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنْ يَتْرُكُوا مَا يُخَالِفُهُ ، وَدَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَعْزُبُ عَلَى الْمُتَقَدِّمِ الصُّحْبَةِ الْوَاسِعِ الْعِلْمِ الشَّيْءُ يَعْلَمُهُ غَيْرُهُ .
وَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَقْضِي أَنَّ الدِّيَةَ لِلْعَاقِلَةِ ، وَلَا يُوَرِّثُ الْمَرْأَةَ مِنْ دِيَةِ زَوْجِهَا حَتَّى أَخْبَرَهُ الضَّحَّاكُ بْنُ سُفْيَانَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ كَتَبَ إِلَيْهِ أَنْ يُوَرِّثَ امْرَأَةَ أَشْيَمَ الضِّبَابِيِّ مِنْ دِيَةِ زَوْجِهَا ، فَرَجَعَ إِلَيْهِ عُمَرُ ، وَقَالَ : وَسَأَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ مَنْ عِنْدَهُ عِلْمٌ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْجَنِينِ ، فَأَخْبَرَهُ حَمَلُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى فِيهِ بِغُرَّةٍ ، فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ : إِنْ كِدْنَا أَنْ نَقْضِيَ فِي مِثْلِ هَذَا بِرَأْيِنَا ، أَوْ قَالَ : لَوْ لَمْ نَسْمَعْ هَذَا لَقَضَيْنَا فِيهِ بِغَيْرِ هَذَا ، فِي كُلِّ هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يُقْبَلُ خَبَرُ الْوَاحِدِ إِذَا كَانَ صَادِقًا عِنْدَ مَنْ أَخْبَرَ ، وَلَوْ جَازَ لِأَحَدٍ رَدُّ هَذَا بِحَالٍ جَازَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنْ يَقُولَ لِلضَّحَّاكِ : أَنْتَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ ، وَلِحَمَلِ بْنِ مَالِكٍ أَنْتَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ تِهَامَةَ ، لَمْ تَرَيَا رَسُولَ اللَّهِ وَلَمْ تَصْحَبَاهُ إِلَّا قَلِيلًا ، وَلَمْ أَزَلْ مَعَهُ وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ فَكَيْفَ عَزَبَ هَذَا عَنْ جَمَاعَتِنَا وَعَلِمْتَهُ أَنْتَ ، وَأَنْتَ وَاحِدٌ يُمْكِنُ فِيكَ أَنْ تَغْلَطَ وَتَنْسَى ، بَلْ رَأَى الْحَقَّ اتِّبَاعَهُ ، وَالرُّجُوعَ عَنْ رَأْيِهِ فِي تَرْكِ تَوْرِيثِ الْمَرْأَةِ مِنْ دِيَةِ زَوْجِهَا ، وَقَضَى فِي الْجَنِينِ بِمَا أَعْلَمَ مَنْ حَضَرَ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَسْمَعْ عَنِ النَّبِيِّ فِيهِ شَيْئًا قَضَى فِيهِ بِغَيْرِهِ ، كَأَنَّهُ يَرَى إِنْ كَانَ الْجَنِينُ حَيًّا فَفِيهِ مِائَةٌ مِنَ الْإِبِلِ ، وَإِنْ كَانَ مَيِّتًا فَلَا شَيْءَ فِيهِ ، وَلَكِنْ كَانَ اللَّهُ تَعَبَّدَهُ وَالْخَلْقَ بِمَا شَاءَ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَا لِأَحَدٍ إِدْخَالُ لِمَ وَلَا كَيْفَ وَلَا شَيْئًا مِنَ الرَّأْيِ عَلَى الْخَبَرِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ، وَلَا رَدَّهُ عَلَى مَنْ يَعْرِفُهُ بِالصِّدْقِ فِي نَفْسِهِ وَإِنْ كَانَ وَاحِدًا .
وَقَبِلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ خَبَرَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ فِي أَخْذِ الْجِزْيَةِ مِنَ الْمَجُوسِ ، وَلَمْ يَقُلْ : لَوْ كَانُوا أَهْلَ كِتَابٍ كَانَ لَنَا أَنْ نَأْكُلَ ذَبَائِحَهُمْ وَنَنْكِحَ نِسَاءَهُمْ ، وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا أَهْلَ كِتَابٍ لَمْ يَكُنْ لَنَا أَنْ نَأْخُذَ الْجِزْيَةَ مِنْهُمْ ، وَقَبِلَ خَبَرَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ فِي الطَّاعُونِ وَرَجَعَ بِالنَّاسِ عَنْ خَبَرِهِ ، وَذَلِكَ أَنَّهُ يَعْرِفُ صِدْقَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ عِنْدَهُ وَلَا عِنْدَنَا خِلَافُ خَبَرِ الصَّادِقِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ : فَقَدْ طَلَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ مِنْ مُخْبِرٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُخْبِرًا آخَرَ غَيْرَهُ مَعَهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِيلَ لَهُ : إِنَّ قَبُولَ عُمَرَ لِخَبَرِ وَاحِدٍ عَلَى الِانْفِرَادِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ أَنْ يَطْلُبَ مَعَ مُخْبِرٍ مُخْبِرًا غَيْرَهُ إِلَّا اسْتِظْهَارًا أَنَّ الْحُجَّةَ تَقُومُ عِنْدَهُ بِوَاحِدٍ مَرَّةً وَلَا تَقُومُ أُخْرَى .
وَقَدْ يَسْتَظْهِرُ الْحَاكِمُ فَيَسْأَلُ الرَّجُلَ قَدْ شَهِدَ لَهُ عِنْدَهُ الشَّاهِدَانِ الْعَدْلَانِ زِيَادَةَ شُهُودٍ ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ قَبِلَ الشَّاهِدِينَ ، وَإِنْ فَعَلَ كَانَ أَحَبَّ إِلَيْهِ ، أَوْ أَنْ يَكُونَ عُمَرُ جَهِلَ الْمُخْبِرَ وَهُوَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَا يَقْبَلُ خَبَرَ مَنْ جَهِلَهُ ، وَكَذَلِكَ نَحْنُ لَا نَقْبَلُ خَبَرَ مَنْ جَهِلْنَاهُ ، وَكَذَلِكَ لَا نَقْبَلُ خَبَرَ مَنْ لَمْ نَعْرِفْهُ بِالصِّدْقِ وَعَمَلِ الْخَيْرِ .
وَأَخْبَرَتِ الْفُرَيْعَةُ بِنْتُ مَالِكٍ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ : أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَمَرَهَا أَنْ تَمْكُثَ فِي بَيْتِهَا وَهِيَ مُتَوَفًّى عَنْهَا حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ ، فَاتَّبَعَهُ وَقَضَى بِهِ ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يُخَابِرُ الْأَرْضَ بِالثُّلُثِ وَالرُّبُعِ لَا يَرَى بِذَلِكَ بَأْسًا ، فَأَخْبَرَهُ رَافِعٌ أَنَّ النَّبِيَّ نَهَى عَنْهَا ، فَتَرَكَ ذَلِكَ بِخَبَرِ رَافِعٍ ، وَكَانَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ سَمِعَ النَّبِيَّ يَقُولُ : لَا يَصْدُرَنَّ أَحَدٌ مِنَ الْحَاجِّ حَتَّى يَطُوفَ بِالْبَيْتِ يَعْنِي طَوَافَ الْوَدَاعِ بَعْدَ طَوَافِ الزِّيَارَةِ ، فَخَالَفَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ ، وَقَالَ : تَصْدُرَ الْحَائِضُ دُونَ غَيْرِهَا ، فَأَنْكَرَ ذَلِكَ زَيْدٌ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : سَلْ أُمَّ سَلَمَةَ ، فَسَأَلَهَا ، فَأَخْبَرَتْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْخَصَ لِلْحَائِضِ فِي أَنْ تَصْدُرَ وَلَا تَطُوفَ ، فَرَجَعَ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ ، فَقَالَ : وَجَدْتُ الْأَمْرَ كَمَا قُلْتَ .
وَأَخْبَرَ أَبُو الدَّرْدَاءِ مُعَاوِيَةَ أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ نَهَى عَنْ بَيْعٍ بَاعَهُ مُعَاوِيَةُ ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ : مَا أَرَى بِهَذَا بَأْسًا ، فَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ : مَنْ يَعْذِرُنِي مِنْ مُعَاوِيَةَ أُخْبِرُهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ، وَيُخْبِرُنِي عَنْ رَأْيِهِ ، لَا أُسَاكِنُهُ بِأَرْضٍ ، فَخَرَجَ أَبُو الدَّرْدَاءِ مِنْ وِلَايَةِ مُعَاوِيَةَ وَلَمْ يَرَهُ يَسَعُهُ مُسَاكَنَتُهُ إِذْ لَمْ يَقْبَلْ مِنْهُ خَبَرَهُ عَنِ النَّبِيِّ ، وَلَوْ لَمْ تَكُنِ الْحُجَّةُ تَقُومُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي الدَّرْدَاءِ بِخَبَرِهِ مَا كَانَ رَأَى أَنَّ مُسَاكَنَتَهُ عَلَيْهِ ضَيِّقَةٌ .
وَلَمْ أَعْلَمْ أَحَدًا مِنَ التَّابِعِينَ أُخْبِرَ عَنْهُ إِلَّا قَبِلَ خَبَرَ وَاحِدٍ ، وَأَفْتَى بِهِ وَانْتَهَى إِلَيْهِ ، فَابْنُ الْمُسَيِّبِ يَقْبَلُ خَبَرَ أَبِي هُرَيْرَةَ وَحْدَهُ ، وَأَبِي سَعِيدٍ وَحْدَهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَجْعَلُهُ سُنَّةً ، وَعُرْوَةُ يَصْنَعُ ذَلِكَ فِي عَائِشَةَ ثُمَّ يَصْنَعُ ذَلِكَ فِي يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَاطِبٍ ، وَفِي حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عُمَرَ ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدٍ الْقَارِئِ ، عَنْ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَيُثْبِتُ كُلَّ ذَلِكَ سُنَّةً ، وَصَنَعَ ذَلِكَ الْقَاسِمُ وَسَالِمٌ وَجَمِيعُ التَّابِعِينَ بِالْمَدِينَةِ ، وَعَطَاءٌ وَطَاوُسٌ وَمُجَاهِدٌ بِمَكَّةَ فَقَبِلُوا الْخَبَرَ عَنْ جَابِرٍ وَحْدَهُ عَنِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَحْدَهُ عَنِ النَّبِيِّ وَثَبَتُوهُ سُنَّةً ، وَصَنَعَ ذَلِكَ الشَّعْبِيُّ ، فَقَبِلَ خَبَرَ عُرْوَةَ بْنِ مُضَرِّسٍ عَنِ النَّبِيِّ وَثَبَتَهُ سُنَّةً ، وَكَذَلِكَ قَبْلَِ خَبَرِ غَيْرِهِ ، وَصَنَعَ ذَلِكَ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ فَقَبِلَ خَبَرَ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ النَّبِيِّ وَثَبَتَهُ سُنَّةً ، وَكَذَلِكَ خَبَرَ غَيْرِهِ ، وَصَنَعَ ذَلِكَ الْحَسَنُ وَابْنُ سِيرِينَ فِيمَنْ لَقِيَا ، لَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنْهُمْ إِلَّا وَقَدْ رُوِيَ هَذَا عَنْهُ فِيمَا لَوْ ذَكَرْتُ بَعْضَهُ لَطَالَ

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،  

: : هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،   

1 حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ ، قَالَ : أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ ، قَالَ : أَنْبَأَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ نَهَى عَنِ الطِّيبِ قَبْلَ زِيَارَةِ الْبَيْتِ وَبَعْدَ الْجَمْرَةِ ، قَالَ سَالِمٌ : فَقَالَتْ عَائِشَةُ : طَيَّبْتُ رَسُولَ اللَّهِ بِيَدِيَّ لِإِحْرَامِهِ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ ، وَلِحِلِّهِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ ، وَسُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ أَحَقُّ ، قَالَ الشَّافِعِيُّ : فَتَرَكَ سَالِمٌ قَوْلَ جَدِّهِ عُمَرَ فِي إِمَامَتِهِ ، وَقَبِلَ خَبَرَ عَائِشَةَ وَحْدَهَا ، وَأَعْلَمَ مَنْ حَدَّثَهُ أَنَّ خَبَرَهَا وَحْدَهَا سُنَّةٌ ، وَأَنَّ سُنَّةَ رَسُولِ اللَّهِ أَحَقُّ ، وَذَلِكَ الَّذِي يَجِبُ عَلَيْهِ . وَصَنَعَ ذَلِكَ الَّذِينَ بَعْدَ التَّابِعِينَ الْمُتَقَدِّمِينَ مِثْلَ ابْنِ شِهَابٍ ، وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ ، وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ وَغَيْرِهِمْ ، وَالَّذِينَ لَقِينَاهُمْ كُلُّهُمْ يُثْبِتُ خَبَرَ وَاحِدٍ عَنْ وَاحِدٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَيَجْعَلُهُ سُنَّةً حَمِدَ مَنْ تَبِعَهَا ، وَعَابَ مَنْ خَالَفَهَا . فَحَكِيتُ عَامَّةَ مَعَانِي مَا كَتَبْتُ فِي صَدْرِ كِتَابِي هَذَا الْعَدَدَ مِنَ الْمُتَقَدِّمِينَ فِي الْعِلْمِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَاخْتِلَافِ النَّاسِ وَالْقِيَاسِ وَالْمَعْقُولِ فَمَا خَالَفَ مِنْهُمْ وَاحِدٌ وَاحِدًا ، وَقَالُوا : هَذَا مَذْهَبُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ وَالتَّابِعِينَ وَتَابِعِي التَّابِعِينَ وَمَذْهَبُنَا ، فَمَنْ فَارَقَ هَذَا الْمَذْهَبَ كَانَ عِنْدَنَا مَفَارِقَ سَبِيلِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ وَأَهْلِ الْعِلْمِ بَعْدَهُمْ إِلَى الْيَوْمِ ، وَكَانَ مِنْ أَهْلِ الْجَهَالَةِ ، وَقَالُوا مَعًا : لَا نَرَى إِلَّا إِجْمَاعَ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي الْبُلْدَانِ عَلَى تَجْهِيلِ مَنْ خَالَفَ هَذَا السَّبِيلَ ، وَجَاوَزُوا أَوْ أَكْثَرُهُمْ فِيمَنْ يُخَالِفُ هَذَا السَّبِيلَ إِلَى مَا لَا أُبَالِي أَنْ لَا أَحْكِيَهُ . وَقُلْتُ لِعَدَدٍ مِمَّنْ وَصَفْتُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ : فَإِنَّ مِنْ هَذِهِ الطَّبَقَةِ الَّذِينَ خَالَفُوا أَصْلَ مَذْهَبِنَا وَمَذْهَبِكُمْ مَنْ قَالَ : إِنَّ خِلَافَنَا لِمَا زَعَمْتُمْ فِي الْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ يَأْمُرُ بِأَنَّ لَنَا فِيهِ حُجَّةً عَلَى أَنَّ الْقُرْآنَ عَرَبِيٌّ وَالْأَحَادِيثَ بِكَلَامٍ عَرَبِيٍّ ، فَأَتَأَوَّلُ كُلًّا عَلَى مَا يَحْتَمِلُ اللِّسَانُ ، وَلَا أَخْرُجُ مِمَّا يَحْتَمِلُهُ اللِّسَانُ ، وَإِذَا تَأَوَّلْتُهُ عَلَى مَا يَحْتَمِلُهُ فَلَسْتُ أُخَالِفُهُ ، فَقُلْتُ : الْقُرْآنُ عَرَبِيٌّ كَمَا وَصَفْتُ ، وَالْأَحْكَامُ فِيهِ عَلَى ظَاهِرِهَا وَعُمُومِهَا ، لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُحِيلَ مِنْهَا ظَاهِرًا إِلَى بَاطِنٍ ، وَلَا عَامًّا إِلَى خَاصٍّ إِلَّا بِدَلَالَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ فَسُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ خَاصٌّ دُونَ عَامٍّ أَوْ بَاطِنٌ دُونَ ظَاهِرٍ ، أَوْ إِجْمَاعٌ مِنْ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ الَّذِينَ لَا يَجْهَلُونَ كُلُّهُمْ كِتَابًا وَلَا سُنَّةً ، وَهَكَذَا السُّنَّةُ ، وَلَوْ جَازَ فِي الْحَدِيثِ أَنْ يُحَالَ الشَّيْءُ مِنْهُ عَنْ ظَاهِرَهِ إِلَى مَعْنًى بَاطِنٍ يَحْتَمِلُهُ كَانَ أَكْثَرُ الْحَدِيثِ يَحْتَمِلُ عَدَدًا مِنَ الْمَعَانِي وَلَا يَكُونُ لِأَحَدٍ ذَهَبَ إِلَى مَعْنًى مِنْهَا حُجَةٌ عَلَى أَحَدٍ ذَهَبَ إِلَى مَعْنًى غَيْرِهِ ، وَلَكِنَّ الْحَقَّ فِيهَا وَاحِدٌ ؛ لِأَنَّهَا عَلَى ظَاهِرِهَا وَعُمُومِهَا إِلَّا بِدَلَالَةٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ، أَوْ قَوْلِ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِأَنَّهَا عَلَى خَاصٍّ دُونَ عَامٍّ ، وَبَاطِنٍ دُونَ ظَاهِرٍ ، إِذَا كَانَتْ إِذَا صُرِفَتْ إِلَيْهِ عَنْ ظَاهِرِهَا مُحْتَمِلَةً لِلدُّخُولِ فِي مَعْنَاهُ . قَالَ : وَسَمِعْتُ عَدَدًا مِنْ مُتَقَدِّمِي أَصْحَابِنَا وَبَلَغَنِي عَنْ عَدَدٍ مِنْ مُتَقَدِّمِي أَهْلِ الْبُلْدَانِ فِي الْفِقْهِ مَعْنَى هَذَا الْقَوْلِ لَا يُخَالِفُهُ ، وَقَالَ لِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي هَذَا الْأَصْلِ : إِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي الرِّجَالِ الَّذِينَ يُثْبِتُونَ حَدِيثَهُمْ وَلَا يُثْبِتُونَهُ فِي التَّأْوِيلِ ، فَقُلْتُ لَهُ : هَلْ يَعْدُو حَدِيثُ كُلِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ حَدَّثَ عَنْهُ لَا يُخَالِفُهُ غَيْرُهُ ، أَنْ يُثْبِتَ مِنْ جِهَةٍ صِدْقَهُ وَحِفْظَهُ كَمَا يَثْبُتُ عِنْدَكَ عَدْلُ الشَّاهِدِ بِعَدْلِهِ إِلَّا بِدَلَالَةٍ عَلَى مَا شَهِدَ عَلَيْهِ إِلَّا عَدْلُ نَفْسِهِ ، أَوْ لَا يُثْبِتُ ؟ قَالَ : لَا يَعْدُو هَذَا ، قُلْتُ : فَإِذَا ثَبَتَ حَدِيثُهُ مَرَّةً لَمْ يَجُزْ أَنْ نَطْرَحَهُ أُخْرَى بِحَالٍ أَبَدًا إِلَّا بِمَا يَدُلُّ عَلَى نَسْخِهِ أَوْ غَلَطٍ فِيهِ ، لِأَنَّهُ لَا يَعْدُو فِي طَرْحِهِ فِيمَا يُثْبِتُهُ فِي مِثْلِهِ أَنْ يُخْطِئَ فِي الطَّرْحِ أَوِ التَّثْبِيتِ ، قَالَ : لَا يَجُوزُ غَيْرُ هَذَا أَبَدًا ، وَهَذَا الْعَدْلُ ، قُلْتُ : وَهَكَذَا كُلُّ مَنْ فَوْقَهُ مِمَّنْ فِي الْحَدِيثِ ؛ لِأَنَّكَ تَحْتَاجُ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ إِلَى صِدْقٍ وَحِفْظٍ ، قَالَ : أَجَلْ ، وَهَكَذَا تَصْنَعُ فِي الشُّهُودِ وَلَا تَقْبَلُ شَهَادَةً فِي شَيْءٍ وَتَرُدُّهَا فِي مِثْلِهِ ، قَالَ : أَجَلْ ، وَقُلْتُ لَهُ : لَوْ صِرْتَ إِلَى غَيْرِ هَذَا ، قَالَ لَكَ مَنْ خَالَفَكَ مَذْهَبُهُ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ : إِذَا جَازَ لَكَ رَدُّ حَدِيثِ وَاحِدٍ ، وَسَمَّى رَجُلًا وَرِجَالًا فَوْقَهُ بِلَا حُجَّةٍ فِي رَدِّهِ جَازَ لِي رَدُّ جَمِيعِ حَدِيثِهِ ؛ لِأَنَّ الْحُجَّةَ بِصِدْقِهِ أَوْ تُهْمَتِهِ بِلَا دَلَالَةٍ فِي وَاحِدٍ الْحُجَّةُ فِي جَمِيعِ حَدِيثِهِ مَا لَمْ يَخْتَلِفْ حَالُهُ فِي حَدِيثِهِ ، وَاخْتِلَافُهَا أَنْ يُحَدِّثَ مَرَّةً مَا لَا مُخَالِفَ لَهُ فِيهِ ، وَمَرَّةً مَا لَهُ فِيهِ مُخَالِفٌ ، فَإِذَا كَانَ هَذَا هَكَذَا اخْتَلَفَتْ حَالُهُ فِي حَدِيثِهِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ لَهُ مِمَّنْ هُوَ فِي مِثْلِ حَالِهِ فِي حَدِيثِهِ ، كَمَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الشُّهُودِ وَيُقْضَى بِمَا شَهِدُوا بِهِ عَلَى الْكَمَالِ ، فَإِذَا خَالَفَهُمْ غَيْرُهُمْ حَالَ الْحُكْمُ بِخِلَافِ غَيْرِهِمْ لَهُمْ عَنْهُ ، إِذَا كَانُوا شَهِدُوا غَيْرَ مُخَالِفِينَ لَهُمْ فِي الشَّهَادَةِ . فَقَالَ مَنْ قُلْتَ لَهُ هَذَا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ : هَذَا هَكَذَا ، وَقُلْتَ لِبَعْضِهِمْ : وَلَوْ جَازَ لَكَ غَيْرُ مَا وَصَفْتُ جَازَ لِغَيْرِكَ عَلَيْكَ أَنْ يَقُولَ : أَجْعَلُ نَفْسِي بِالْخِيَارِ فَأَرُدُّ مِنْ حَدِيثِهِ مَا قَبِلْتَ ، وَأَقْبَلُ مِنْ حَدِيثِهِ مَا رَدَدْتَ بِلَا اخْتِلَافٍ لِحَالِهِ فِي حَدِيثِهِ ، وَأَسْلُكُ فِي رَدِّهَا طَرِيقَكَ فَيَكُونُ لِي رَدُّهَا كُلِّهَا ؛ لِأَنَّكَ قَدْ رَدَدْتَ مِنْهَا مَا شِئْتَ فَشِئْتُ أَنَا رَدَّهَا كُلَّهَا ، وَطَلَبَ الْعِلْمَ مِنْ غَيْرِ الْحَدِيثِ ثُمَّ اعْتَلَّ فِيهَا بِمَعْنَى عِلَّتِكَ ، ثُمَّ لَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْكَ ، قَالَ : مَا يَجُوزُ هَذَا لِأَحَدٍ مِنَ النَّاسِ ، وَمَا الْقَوْلُ فِيهِ إِلَّا أَنْ يُقْبَلَ حَدِيثُهُمْ كَمَا وَصَفْتُ أَوَّلًا مَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مُخَالِفٌ أَوْ يَخْتَلِفُ حَالُهُمْ فِيْهِ ، وَقُلْتُ لَهُ : الْحُجَّةُ عَلَى مَنْ تَأَوَّلَ بِلَا دَلَالَةٍ كِتَابًا أَوْ سُنَّةً عَلَى غَيْرِ ظَاهِرِهِمَا وَعُمُومِهِمَا ، وَإِنِ احْتَمَلَا الْحُجَّةَ لَكَ عَلَى مَنْ خَالَفَ مَذْهَبَكَ فِي تَأْوِيلِ الْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ ، فَقَالَ : مَا سَمِعْنَا مِنْهُمْ أَحَدًا تَأَوَّلَ شَيْئًا إِلَّا عَلَى مَا يَحْتَمِلُهُ احْتِمَالًا جَائِزًا فِي لِسَانِ الْعَرَبِ ، وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُهُ عَلَى غَيْرِ مَا تَأَوَّلَهُ عَلَيْهِ لِسَعَةِ لِسَانِ الْعَرَبِ ، وَبِذَلِكَ صَارَ مَنْ صَارَ مِنْهُمْ إِلَى اسْتِحْلَالِ مَا كَرِهْنَا نَحْنُ وَأَنْتَ اسْتِحْلَالَهُ ، وَجَهِلَ مَا كَرِهْنَا لَهُمْ جَهْلَهُ ، قَالَ : أَجَلْ ، وَقُلْتُ لَهُ : قَدْ رُوِّينَا وَرُوِّيتَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ أَمَرَ امْرَأَةً أَنْ تَحُجَّ عَنْ أَبِيهَا ، وَرَجُلًا أَنْ يَحُجَّ عَنْ أَبِيهِ فَقُلْنَا نَحْنُ وَأَنْتَ بِهِ ، وَقُلْنَا نَحْنُ وَأَنْتَ مَعًا لَا يَصُومُ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ ، وَلَا يُصَلِّي أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ ، فَذَهَبَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا إِلَى أَنَّ ابْنَ عُمَرَ قَالَ : لَا يَحُجُّ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ ، أَفَرَأَيْتَ إِنِ احْتَجَّ لَهُ أَحَدٌ مِمَّنْ خَالَفَنَا فِيهِ فَقَالَ : الْحَجُّ عَمَلٌ عَلَى الْبَدَنِ كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَعْمَلَهُ الْمَرْءُ إِلَّا عَنْ نَفْسِهِ ، وَتَأَوَّلَ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى } وَتَأَوَّلَ { فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ } { وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ } وَقَالَ السَّعْيُ الْعَمَلُ ، وَالْمَحْجُوجُ عَنْهُ غَيْرُ عَامِلٍ ، فَهَلِ الْحُجَّةُ عَلَيْهِ إِلَّا أَنَّ الَّذِي رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ مِمَّنْ يُثْبِتُ أَهْلُ الْحَدِيثِ حَدِيثَهُ ، وَأَنَّ اللَّهَ فَرَضَ طَاعَةَ رَسُولِهِ وَأَنْ لَيْسَ لِأَحَدٍ خِلَافُهُ وَلَا التَّأَوُّلُ مَعَهُ ؛ لِأَنَّهُ الْمُنَزَّلُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ الْمُبِينُ عَنِ اللَّهِ مَعْنَاهُ ، وَأَنَّ اللَّهَ جَلَّ حدثناؤُهُ يُعْطِي خَلْقَهُ بِفَضْلِهِ مَا لَيْسَ لَهُمْ ، وَأَنْ لَيْسَ فِي أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ لَوْ قَالَ بِخِلَافِهِ حُجَّةٌ ، وَأَنَّ عَلَيْهِ أَنَّ لَوَ عَلِمَ هَذَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ اتِّبَاعَهُ ، قَالَ : هَذِهِ الْحُجَّةُ عَلَيْهِ . قُلْتُ : وَرُوِّينَا وَرُوِّيتَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ : مَنْ أُعْمِرَ عُمْرَى لَهُ وَلِعَقِبِهِ فَهِيَ لِلَّذِي يُعْطَاهَا فَأَخَذْنَا نَحْنُ وَأَنْتَ بِهِ ، وَخَالَفَنَا بَعْضُ أَهْلِ نَاحِيَتِنَا ، أَفَرَأَيْتَ إِنِ احْتَجَّ لَهُ أَحَدٌ فَقَالَ : قَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَُ أَنَّهُ قَالَ : الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ فَلَا يُؤْخَذُ مَالُ رَجُلٍ إِلَّا بِمَا شَرَطَ أَهْلُ الْحُجَّةِ عَلَيْهِ ، إِلَّا أَنَّ قَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِنْ كَانَ قَالَهُ - : الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ جُمْلَةٌ فَلَا يُرَدُّ بِالْجُمْلَةِ نَصُّ خَبَرٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ، فَلَا تَرُدُّ الْجُمْلَةُ نَصَّ خَبَرٍ يَخْرُجُ مِنَ الْجُمْلَةِ ، وَيُسْتَدَلُّ عَلَى أَنَّ الْجُمْلَةَ عَلَى غَيْرِ مَا أَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ مِمَّا يُخَالِفُ جُمْلَتَهَا ، وَأَنَّ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ : الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ أَنْ قَالَ النَّبِيُّ إِلَّا شَرْطًا أَحَلَّ حَرَامًا أَوْ حَرَّمَ حَلَالًا ، وَهَذَا مِنْ تِلْكَ الشُّرُوطِ . وَقَدْ شَرَطَ أَهْلُ بَرِيرَةَ عَلَى عَائِشَةَ أَنْ تُعْتِقَ بَرِيرَةَ وَلَهُمْ وَلَاءُ بَرِيرَةَ ، فَجَعَلَ النَّبِيُّ الْوَلَاءَ لِمَنْ أَعْتَقَ ، قَالَ : فَهَذِهِ الْحُجَّةُ عَلَيْهِ ، وَكَفَى بِهَذِهِ حُجَّةً ، وَقُلْتُ : فَإِنِ احْتَجَّ بِأَنَّ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ ، قَالَ فِي الْعُمْرَى : مَا أَدْرَكْتُ النَّاسَ إِلَّا عَلَى شُرُوطِهِمْ ، قَالَ : هَذَا مَذْهَبٌ ضَعِيفٌ وَلَا حُجَّةَ فِي أَحَدٍ خَالَفَ مَا نُثْبِتُهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ بِحَالٍ ، وَذَكَرْتُ لَهُ بَعْضَ مَا رُوِّينَا وَرُوَّوْا مِنَ الْحَدِيثِ وَخَالَفَهُ بَعْضُ أَهْلِ نَاحِيَتِنَا فَاحْتَجَجْتُ عَلَيْهِ بِمَعَانٍ شَبِيهَةٍ بِمَا وَصَفْتُ ، وَاحْتَجَّ بِنَحْوِ مَا ذَكَرْتُ . فَقُلْتُ لَهُ : فَمَا قُلْتَ فِيمَنْ قَالَ هَذَا مِنْ أَهْلِ نَاحِيَتِنَا ؟ قَالَ : قُلْتُ لَهُ : خَالَفَ السُّنَنَ فِيمَا ذَكَرْنَا ، وَكَانَ أَقَلَّ عُذْرًا لِمَا خَالَفَ فِيهَا مِنَ الَّذِينَ أَصْلُ دِينِهِمْ طَرْحُ الْحَدِيثِ ، وَلَمْ يَدْخُلْ أَهْلُ الرَّدِّ لِلْحَدِيثِ فِي مَعْنًى إِلَّا فِيمَا خَالَفَ مِنْهُ فِي مِثْلِهِ ، بَلْ هُمْ أَحْسَنُ حُجَّةً فِيمَا خَالَفُوهُ مِنْهُ ، وَتَوْجِيهًا لَهُ مِنْهُ ، فَقُلْتُ : فَإِذَا كَانَتْ لَنَا وَلَكَ بِهَذِهِ الْحُجَّةِ عَلَى مَنْ سَلَكَ هَذِهِ السَّبِيلَ فَهِيَ عَلَيْكَ إِذَا سَلَكْتَ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ طَرِيقَهُ ، فَإِذَا حَمِدْتُكَ بِاتِّبَاعِ حَدِيثٍ لِرَسُولِ اللَّهِ ذَمَمْتُكَ عَلَى رَدِّ آخَرَ مِثْلِهِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ أَحْمَدَكَ بِمُوَافَقَةِ الْحَدِيثِ وَخِلَافِهِ ؛ لِأَنَّكَ لَا تَخْلُو مِنَ الْخَطَأِ فِي أَحَدِهِمَا ، قَالَ : أَجَلْ ، وَقُلْتُ لَهُ : قَدْ رَوَى أَصْحَابُنَا أَنَّ النَّبِيَّ قَالَ : مَنْ وَجَدَ عَيْنَ مَالِهِ عِنْدَ مُعْدِمٍِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ وَقَالُوا : وَقُلْنَا بِهِ ، وَخَالَفَنَا أَصْحَابُنَا أَنَّ النَّبِيَّ قَضَى بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ ، وَقَالُوا بِهِ : وَخَالَفْتُهُ وَذَكَرْتُ لَهُ أَحَادِيثَ خَالَفَهَا ، أَخَذَ بِهَا أَصْحَابُنَا وَذَكَرْتُ مِنَ الْحُجَّةِ عَلَيْهِ فِي تَرْكِهَا شَبِيهًا بِمَا ذَكَرْتُ لَهُ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا فِيمَا أَخَذْنَا نَحْنُ وَهُوَ بِهِ مِنَ الْحَدِيثِ وَخَالَفُوهُ ، وَإِنْ كُنْتُ أَعْلَمُ أَنَّهُ أَلْحَنُ بِحُجَّتِهِ مِمَّنْ أَخَذَ مِنْ أَصْحَابِنَا مِنَ الْحَدِيثِ بِمَا خَالَفَهُ ، قَالَ : فَحَدِيثُ التَّفْلِيسِ وَحَدِيثُ الْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ أَضْعَفُ مِنْ حَدِيثِ الْعُمْرَى ، وَحَدِيثُ أَنْ يَحُجَّ أَحَدٌ عَنْ غَيْرِهِ ، قُلْتُ : أَمَّا هُمَا مِمَّا نُثْبِتُ نَحْنُ وَأَنْتَ مِثْلَهُ ، قَالَ : بَلَى ، قُلْتُ : فَالْحُجَّةُ بِهِمَا لَازِمَةٌ وَلَوْ كَانَ غَيْرُهُمَا أَقْوَى مِنْهُمَا كَمَا تَكُونُ الْحُجَّةُ لَازِمَةً لَنَا بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ مِنْ خَيْرِ النَّاسِ ، وَشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ حِينَ خَرَجَا مِنْ أَنْ يَكُونَا مَجْرُوحَيْنِ ، وَكَمَا تَكُونُ الْحُجَّةُ لَنَا بِأَنْ نَقْضِيَ بِشَهَادَةِ مِائَةٍ عُدُولٍ غَايَةً ، وَشَهَادَةِ اثْنَيْنِ عَدْلَيْنِ ، وَكِلَاهُمَا دُونَ جَمِيعِ الْغَايَةِ فِي الْعَدْلِ ، وَإِنْ كَانَتِ النَّفْسُ عَلَى الْأَعْدَلِ وَعَلَى الْأَكْثَرِ أَطْيَبَ ، فَالْحُجَّةُ بِالْأَقَلِّ إِذَا كَانَ عَلَيْنَا قَبُولُهُ ثَابِتَةٌ . وَقُلْتُ : قَدْ شَهِدَ عَلَيْكَ أَصْحَابُنَا الْحِجَازِيُّونَ ، وَعَلَى مَنْ ذَهَبَ مَذْهَبَكَ فِي رَدِّ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ ، وَفِيمَا رَدَدْتَ مِمَّا أَخَذُوا بِهِ مِنَ الْحَدِيثِ أَنَّكُمْ تَرَكْتُمُ السُّنَنَ وَابْتَدَعْتُمْ خِلَافَهَا ، وَلَعَلَّهُمْ قَالُوا فِيكُمْ مَا أُحِبُّ الْكَفَّ عَنْ ذِكْرِهِ لِإِفْرَاطِهِ ، وَشَهِدْتُ عَلَى مَنْ خَالَفَكَ مِنْهُمْ فِيمَا أَخَذْتَ بِهِ مِنْ حَدِيثِ حَجِّ الرَّجُلِ عَنْ غَيْرِهِ وَالْعُمْرَى بِالْبِدْعَةِ وَخِلَافِ السُّنَّةِ وَرَدَّاهُمْ ضَعْفُ الْعُقُولِ ، فَاجْتَمَعَ قَوْلُكَ وَقَوْلُهُمْ عَلَى أَنْ عَابُوكَ بِمَا خَالَفْتَ مِنَ الْحَدِيثِ وَعِبْتَهُمْ بِمَا خَالَفُوا مِنْهُ ، وَعَامَّةُ مَا خَالَفْتَ وَخَالَفُوا حَدِيثُ رَجُلٍ وَاحِدٍ أَوِ اثْنَيْنِ ، وَلَا يَجُوزُ عَلَيْكَ وَلَا عَلَيْهِمْ إِذَا عَابَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ صَاحِبَهُ بِمَا خَالَفَهُ مِنْ حَدِيثِ الِانْفِرَادِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْعَائِبُ لِغَيْرِهِ بِخِلَافِ حَدِيثِ الِانْفِرَادِ مُصِيبًا ، فَيَكُونَ شَاهِدًا عَلَى نَفْسِهِ بِالْخَطَأِ فِي تَرْكِهِ مَا يُثْبَتُ مِثْلُهُ مِنْ حَدِيثِ الِانْفِرَادِ أَوْ مُخْطِئًا بِعَيْبِهِ تَرْكَ حَدِيثِ الِانْفِرَادِ ، فَيَكُونُ مُخْطِئًا فِي أَخْذِهِ فِي بَعْضِ الْحَالَاتِ بِحَدِيثِ الِانْفِرَادِ وَعَيْبِ مَنْ خَالَفَهُ ، وَقُلْتُ لَهُ : وَهَكَذَا قَالَ الْبَصْرِيُّونَ فِيمَا أَخَذُوا بِهِ مِنَ الْحَدِيثِ دُونَكُمْ وَدُونَ غَيْرِكُمْ ، وَالْكُوفِيُّونَ سِوَاكُمْ فِيمَا أَخَذُوا مِنَ الْحَدِيثِ دُونَكُمْ وَدُونَ غَيْرِكُمْ ، فَنَسَبُوا مَنْ خَالَفَ حَدِيثًا أَخَذُوا بِهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ إِلَى الْجَهْلِ إِذَا جَهِلَهُ ، وَقَالُوا : كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَعَلَّمَهُ ، وَإِلَى الْبِدْعَةِ إِذَا عَرَفَهُ فَتَرَكَهُ . وَهَكَذَا كُلُّ أَهْلِ بَلَدٍ فِيهَا عِلْمٌ ، فَوَجَدْتُ أَقَاوِيلَ مَنْ حَفِظْتُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْفِقْهِ كُلَّهَا مُجْتَمِعَةً عَلَى عَيْبِ مَنْ خَالَفَ الْحَدِيثَ الْمُنْفَرِدَ ، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي تَثْبِيتِ الْحَدِيثِ الْمُنْفَرِدِ حَجَّةٌ إِلَّا مَا وَصَفْتُ مِنْ هَذَا كَانَ تَثْبِيتُهُ مِنْ أَقْوَى حُجَّةٍ فِي طَرِيقِ الْخَاصَّةِ لِتَتَابُعِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَهْلِ الْبُلْدَانِ عَلَيْهَا . وَقُلْتُ لَهُ : سَمِعْتُ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ مَنْ يُسْرِفُ وَيَحْتَجُّ فِي عَيْبِ مَنْ خَالَفَهُ مِنْكُمْ بِأَنْ يَأْخُذَ مَنْ خَالَفَهُ مِنْكُمْ بِحَدِيثٍ وَيَتْرُكَ مِثْلَهُ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ عِنْدَهُ دَاخِلٌ فِي مَعْنَاهُ ، وَذَلِكَ كَمَا قَالَ ، فَقَالَ : هَذَا كَمَا وَصَفْتَ ، وَالْحُجَّةُ بِهَذَا ثَابِتَةٌ لِكُلِّ مَنْ صَحَّحَ الْأَخْذَ بِالْحَدِيثِ وَلَمْ يُخَالِفْهُ عَلَى مَنْ أَخَذَ بِبَعْضٍ وَتَرَكَ بَعْضًا ، وَلَكِنْ مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ ذَهَبَ إِلَى شَيْءٍ مِنَ التَّأْوِيلِ فَمَا الْحُجَّةُ عَلَيْهِ ؟ قُلْتُ : فَسَنَذْكُرُ مِنَ التَّأْوِيلِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْحُجَّةَ فِيهِ وَمَا سَلَكَ فِيهِ سَالِكٌ طَرِيقًا خَالَفَ الْحَقَّ عِنْدَنَا كَانَ أَشْبَهَ أَنْ يَشْتَبِهَ عَلَى كُلِّ مَنْ يَسْمَعُهُ مِنْكَ مِنْ أَصْحَابِكَ ؛ لِأَنَّكُمْ قُلْتُمْ ، وَلَكُمْ عِلْمٌ بِمَذَاهِبِ النَّاسِ وَبَيَانِ الْعُقُولِ ، وَكَلِمَتُهُ وَغَيْرِهِ مِمَّنْ سَلَكَ طَرِيقَهُ فِيمَا تَأَوَّلُوا وَرَأَيْتُهُمْ غَلَطُوا فِيهِ وَخَلَطُوا بِوُجُوهٍ شَتَّى ، أَمْثَلُ مِمَّا حَضَرَنِي مِنْهَا مِثَالًا يَدُلُّ عَلَى مَا رَوَاهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ ، وَنَسْأَلُ اللَّهَ الْعِصْمَةَ وَالتَّوْفِيقَ . قَالَ الشَّافِعِيُّ : أَبَانَ اللَّهُ جَلَّ حدثناؤُهُ لِخَلْقِهِ أَنَّهُ أَنْزَلَ كِتَابَهُ بِلِسَانِ نَبِيِّهِ وَهُوَ لِسَانُ قَوْمِهِ الْعَرَبِ ، فَخَاطَبَهُمْ بِلِسَانِهِمْ عَلَى مَا يَعْرِفُونَ مِنْ مَعَانِي كَلَامِهِمْ ، وَكَانُوا يَعْرِفُونَ مِنْ مَعَانِي كَلَامِهِمْ أَنَّهُمْ يَلْفِظُونَ بِالشَّيْءِ عَمَّا يُرِيدُونَ بِهِ الْعَامَّ ، وَعَامًّا يُرِيدُونَ بِهِ الْخَاصَّ ، ثُمَّ دَلَّهُمْ عَلَى مَا أَرَادَ مِنْ ذَلِكَ فِي كِتَابِهِ وَعَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ ، وَأَبَانَ لَهُمْ أَنَّ مَا قَبِلُوا عَنْ نَبِيِّهِ فَعَنْهُ جَلَّ حدثناؤُهُ قَبِلُوا بِمَا فَرَضَ مِنْ طَاعَةِ رَسُولِهِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنْ كِتَابِهِ ، مِنْهَا { مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ } وَقَوْلُهُ { فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ، ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا } . قَالَ : وَقَدِ اخْتَصَرْتُ مِنْ تَمْثِيلِ مَا يَدُلُّ الْكِتَابُ عَلَى أَنَّهُ نَزَلَ مِنَ الْأَحْكَامِ عَامًّا أُرِيدَ بِهِ الْعَامُّ ، وَكَتَبْتُ فِي كِتَابٍ غَيْرِ هَذَا وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ عِلْمِ الْقُرْآنِ ، وَكَتَبْتُ مَعَهُ غَيْرَهُ مِمَّا أُنْزِلَ عَامًّا يُرَادُ بِهِ الْخَاصُّ ، وَكَتَبْتُ فِي هَذَا الْكِتَابِ مِمَّا نَزَلَ عَامَّ الظَّاهِرِ مَا دَلَّ الْكِتَابُ عَلَى أَنَّ اللَّهَ أَرَادَ بِهِ الْخَاصَّ لِإِبَانَةِ الْحُجَّةِ عَلَى مَنْ تَأَوَّلَ مَا رَأَيْنَاهُ مُخَالِفًا فِيهِ طَرِيقَ مَنْ رَضِينَا مَذْهَبَهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ . مِنْ ذَلِكَ قَالَ اللَّهُ جَلَّ حدثناؤُهُ { فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ } الْآيَةَ ، وَقَالَ { وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ } فَكَانَ ظَاهِرُ مَخْرَجِ هَذَا عَامًّا عَلَى كُلِّ مُشْرِكٍ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ { قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخَرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ } . فَدَلَّ أَمْرُ اللَّهِ جَلَّ حدثناؤُهُ بِقِتَالِ الْمُشْرِكِينَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَلَى أَنَّهُ إِنَّمَا أَرَادَ بِالْآيَتَيْنِ اللَّتَيْنِ أَمَرَ فِيهِمَا بِقِتَالِ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وُجِدُوا حَتَّى يُقِيمُوا الصَّلَاةَ ، وَأَنْ يُقَاتَلُوا حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ مَنْ خَالَفَ أَهْلَ الْكِتَابِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ، وَكَذَلِكَ دَلَّتْ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ عَلَى قِتَالِ أَهْلِ الْأَوْثَانِ حَتَّى يُسْلِمُوا ، وَقِتَالِ أَهْلِ الْكِتَابِ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ ، فَهَذَا مِنَ الْعَامِّ الَّذِي دَلَّ اللَّهُ عَلَى أَنَّهُ إِنَّمَا أَرَادَ بِهِ الْخَاصَّ لَا أَنَّ وَاحِدَةً مِنَ الْآيَتَيْنِ نَاسِخَةٌ لِلْأُخْرَى ؛ لِأَنَّ لِإِعَمْالِهِمَا مَعًا وَجْهًا بِأَنْ كَانَ كُلُّ أَهْلِ الشِّرْكِ صِنْفَيْنِ : صِنْفٌ أَهْلُ الْكِتَابِ ، وَصِنْفٌ غَيْرُ أَهْلِ الْكِتَابِ ؛ وَلِهَذَا فِي الْقُرْآنِ نَظَائِرُ وَفِي السُّنَنِ مِثْلُ هَذَا . قَالَ : وَالنَّاسِخُ مِنَ الْقُرْآنِ الْأَمْرُ يُنْزِلُهُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ الْأَمْرِ يُخَالِفُهُ كَمَا حَوَّلَ الْقِبْلَةَ قَالَ { فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا } وَقَالَ { سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا } وَأَشْبَاهٌ كَثِيرٌ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ ، قَالَ : وَلَا يَنْسَخُ كِتَابَ اللَّهِ إِلَّا كِتَابُهُ لِقَوْلِ اللَّهِ { مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا } وَقَوْلِهِ { وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ } فَأَبَانَ أَنَّ نَسْخَ الْقُرْآنِ لَا يَكُونُ إِلَّا بِقُرْآنٍ مِثْلِهِ ، وَأَبَانَ اللَّهُ جَلَّ حدثناؤُهُ أَنَّهُ فَرَضَ عَلَى رَسُولِهِ اتِّبَاعَ أَمْرِهِ ، فَقَالَ : { اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكِ } وَشَهِدَ لَهُ بِاتَّبَاعِهِ فَقَالَ جَلَّ حدثناؤُهُ { وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ صِرَاطِ اللَّهِ } فَأَعْلَمَ اللَّهُ خَلْقَهُ أَنَّهُ يَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطِهِ ، قَالَ : فَتُقَامُ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ مَعَ كِتَابِ اللَّهِ جَلَّ حدثناؤُهُ مَقَامَ الْبَيَانِ عَنِ اللَّهِ عَدَدَ فَرْضِهِ كَبَيَانِ مَا أَرَادَ بِمَا أَنْزَلَ عَامًّا : الْعَامَّ أَرَادَ بِهِ أَوِ الْخَاصَّ ، وَمَا أَنْزَلَ فَرْضًا وَأَدَبًا وَإِبَاحَةً وَإِرْشَادًا لَا أَنَّ شَيْئًا مِنْ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ يُخَالِفُ كِتَابَ اللَّهِ فِي حَالٍ ؛ لِأَنَّ اللَّهَ جَلَّ حدثناؤُهُ قَدْ أَعْلَمَ خَلْقَهُ أَنَّ رَسُولَهُ يَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ صِرَاطِ اللَّهِ ، وَلَا أَنَّ شَيْئًا مِنْ سُنَنِ رَسُولِ اللَّهِ نَاسِخٌ لِكِتَابِ اللَّهِ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَعْلَمَ خَلْقَهُ أَنَّهُ إِنَّمَا يُنْسَخُ الْقُرْآنُ بِقُرْآنٍ مِثْلِهِ ، وَالسُّنَّةُ تَبَعٌ لِلْقُرْآنِ . وَقَدِ اخْتَصَرْتُ مِنْ إِبَانَةِ السُّنَّةِ عَنْ كِتَابِ اللَّهِ بَعْضَ مَا حَضَرَنِي مِمَّا يَدُلُّ عَلَى مَا فِي مِثْلِ مَعْنَاهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ ، قَالَ اللَّهُ جَلَّ حدثناؤُهُ { إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا } فَدَلَّ رَسُولُ اللَّهِ عَلَى عَدَدِ الصَّلَاةِ وَمَوَاقِيتِهَا وَالْعَمَلِ بِمَا فِيهَا ، وَدَلَّ عَلَى أَنَّهَا عَلَى عَامَّةِ الْأَحْرَارِ وَالْمَمَالِيكِ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ إِلَّا الْحُيَّضَ ، فَأَبَانَ مِنْهَا الْمَعَانِيَ الَّتِي وَصَفْتُ ، وَأَنَّهَا مَرْفُوعَةٌ عَنِ الْحُيَّضِ ، وَقَالَ اللَّهُ جَلَّ حدثناؤُهُ { إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ } وَكَانَ ظَاهِرُ مَخْرَجِ الْآيَةِ عَلَى أَنَّ عَلَى كُلِّ قَائِمٍ إِلَى الصَّلَاةِ الْوُضُوءَ ، فَدَلَّ رَسُولُ اللَّهِ عَلَى أَنَّ فَرْضَ الْوُضُوءِ عَلَى الْقَائِمِينَ إِلَى الصَّلَاةِ فِي حَالٍ دُونَ حَالٍ ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى صَلَاتَيْنِ وَصَلَوَاتٍ بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ ، وَقَدْ قَامَ إِلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ . وَذَهَبَ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْقُرْآنِ إِلَى أَنَّهَا عَلَى الْقَائِمِينَ مِنَ النَّوْمِ ، وَدَلَّ رَسُولُ اللَّهِ عَلَى أَشْيَاءَ تُوجِبُ الْوُضُوءَ عَلَى مَنْ قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ ، وَذَكَرَ اللَّهُ غَسْلَ الْقَدَمَيْنِ فَمَسَحَ رَسُولُ اللَّهِ عَلَى الْخُفَّيْنِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْغَسْلَ عَلَى الْقَدَمَيْنِ عَلَى بَعْضِ الْمُتَوَضِّئِينَ دُونَ بَعْضٍ . وَقَالَ اللَّهُ جَلَّ حدثناؤُهُ لِنَبِيِّهِ { خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرْهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا } وَقَالَ { وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ } فَكَانَ ظَاهِرُ مَخْرَجِ الْآيَةِ بِالزَّكَاةِ عَامًّا يُرَادُ بِهِ الْخَاصُّ ، بِدَلَالَةِ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ عَلَى أَنَّ مِنَ أَمْوَالِهِمْ مَا لَيْسَ فِيهِ زَكَاةٌ ، وَأَنَّ مِنْهَا مِمَّا فِيهِ الزَّكَاةُ مَا لَا يَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ حَتَّى يَبْلُغَ وَزْنًا أَوْ كَيْلًا أَوْ عَدَدًا ، فَإِذَا بَلَغَهُ كَانَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ ، ثُمَّ دَلَّ عَلَى أَنَّ مِنَ الزَّكَاةِ شَيْئًا يُؤْخَذُ بِعَدَدٍ وَشَيْئًا يُؤْخَذُ بِكَيْلٍ وَشَيْئًا يُؤْخَذُ بِوَزْنٍ ، وَأَنَّ مِنْهَا مَا زَكَاتُهُ خُمُسٌ ، وَعُشْرٌ ، وَرُبُعُ عُشْرٍ ، وَشَيْءٌ بِعَدَدٍ . وَقَالَ اللَّهُ : { وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا } فَدَلَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَوَاقِيتِ الْحَجِّ وَمَا يَدْخُلُ بِهِ فِيهِ ، وَمَا يَخْرُجُ بِهِ مِنْهُ ، وَمَا يَعْمَلُ فِيهِ بَيْنَ الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ . وَقَالَ اللَّهُ جَلَّ حدثناؤُهُ { وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا } . وَقَالَ { الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ } وَكَانَ ظَاهِرُ مَخْرَجِ هَذَا عَامًّا ، فَدَلَّ رَسُولُ اللَّهِ عَلَى أَنَّ اللَّهَ جَلَّ حدثناؤُهُ أَرَادَ بِهَذَا بَعْضَ السَّارِقِينَ بِقَوْلِهِ : تُقْطَعُ الْيَدُ فِي رُبُعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا ، وَرَجَمَ الْحُرَّيْنِ الزَّانِيَيْنِ الثَّيِّبَيْنِ وَلَمْ يَجْلِدْهُمَا ، فَدَلَّتِ السُّنَّةُ عَلَى أَنَّ الْقَطْعَ عَلَى بَعْضِ السُّرَّاقِ دُونَ بَعْضٍ ، وَالْجَلْدَ عَلَى بَعْضِ الزُّنَاةِ دُونَ بَعْضٍ ، فَقَدْ يَكُونُ سَارِقًا مِنْ غَيْرِ حِرْزٍ فَلَا يُقْطَعُ ، وَسَارِقًا لَا تَبْلُغُ سَرِقَتُهُ رُبُعَ دِينَارٍ فَلَا يُقْطَعُ ، وَيَكُونُ زَانِيًا ثَيِّبًا فَلَا يُجْلَدُ مِائَةً . فَوَجَبَ عَلَى كُلِّ عَالِمٍ أَنْ لَا يَشُكَّ أَنَّ سُنَّةَ رَسُولِ اللَّهِ إِذَا قَامَتْ هَذَا الْمَقَامِ مَعَ كِتَابِ اللَّهِ فِي أَنَّ اللَّهَ أَحْكَمَ فَرْضَهُ بِكِتَابِهِ ، وَبَيَّنَ كَيْفَ مَا فَرَضَ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ ، وَأَبَانَ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَرَادَ بِهِ الْعَامَّ وَالْخَاصَّ ، كَانَتْ كَذَلِكَ سُنَّتُهُ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ لَا تَخْتَلِفُ ، وَأَنَّ قَوْلَ مَنْ قَالَ : تُعْرَضُ السُّنَّةُ عَلَى الْقُرْآنِ فَإِنْ وَافَقَتْ ظَاهِرَهُ وَإِلَّا اسْتَعْمَلْنَا ظَاهِرَ الْقُرْآنِ وَتَرَكْنَا الْحَدِيثَ جَهْلٌ لِمَا وَصَفْتُ ، فَأَبَانَ اللَّهُ لَنَا أَنَّ سُنَنَ رَسُولِهِ فَرْضٌ عَلَيْنَا بِأَنْ نَنْتَهِيَ إِلَيْهَا لَا أَنَّ لَنَا مَعَهَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْئًا إِلَّا التَّسْلِيمَ لَهَا وَاتِّبَاعَهَا ، وَلَا أَنَّهَا تُعْرَضُ عَلَى قِيَاسٍ وَلَا عَلَى شَيْءٍ غَيْرِهَا ، وَأَنَّ كُلَّ مَا سِوَاهَا مِنْ قَوْلِ الْآدَمِيِّينَ تَبَعٌ لَهَا . قَالَ : فَذَكَرْتُ مَا قُلْتَ مِنْ هَذَا الْعَدَدِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْقُرْآنِ وَالسُّنَنِ وَالْآثَارِ وَاخْتِلَافِ النَّاسِ وَالْقِيَاسِ وَالْمَعْقُولِ فَكُلُّهُمْ قَالَ : هَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ جَمِيعِ مَنْ رَضِينَا مِمَّنْ لَقِينَا ، وَحُكِيَ لَنَا عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ ، فَقُلْتُ لِأَلْحَنَ مَنْ خَبَرْتُ مِنْهُمْ عِنْدِي بِحُجَّةٍ وَأَكْثَرِهِمْ عِلْمًا فِيمَا عَلِمْتُ : أَرَأَيْتَ إِذَا زَعَمْنَا نَحْنُ وَأَنْتَ أَنَّ الْحَقَّ فِي أَمْرٍ فَهَلْ يَجُوزُ خِلَافُهُ ؟ قَالَ : لَا ، قُلْتُ : وَحُجَّتُنَا حُجَّتُكَ عَلَى مَنْ رَدَّ الْأَحَادِيثَ وَاسْتَعْمَلَ ظَاهِرَ الْقُرْآنِ ، فَقَطَعَ السَّارِقَ فِي كُلِّ شَيْءٍ ؛ لِأَنَّ اسْمَ السَّرِقَةِ يَلْزَمُهُ ، وَأَبْطَلَ الرَّجْمَ ؛ لِأَنَّ اللَّهَ يَقُولُ { الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ } وَعَلَى مَنِ اسْتَعْمَلَ بَعْضَ الْحَدِيثَ مَعَ هَؤُلَاءِ ، وَقَالَ : لَا يَمْسَحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ ؛ لِأَنَّ اللَّهَ قَصَدَ الْقَدَمَيْنِ بِغَسْلٍ أَوْ مَسْحٍ ، وَعَلَى آخَرِينَ مِنْ أَهْلِ الْفِقْهِ أَحَلُّوا كُلَّ ذِي رُوحٍ لَمْ يَنْزِلْ تَحْرِيمُهُ فِي الْقُرْآنِ لِقَوْلِ اللَّهِ { قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ } وَقَالُوا : قَالَ بِمَا قُلْنَا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ مَنْ هُوَ أَعْلَمُ بِهِ مِنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ ، فَحَرَّمْنَا كُلَّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ بِخَبَرٍ مِنْ ثِقَةٍ عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ عَنِ النَّبِيِّ قَالَ : نَعَمْ هَذِهِ حُجَّتُنَا وَكَفَى بِهَا حُجَّةً . وَلَا حُجَّةَ فِي أَحَدٍ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ وَلَا فِي أَحَدٍ رَدَّ حَدِيثَ رَسُولِ اللَّهِ بِلَا حَدِيثٍ مِثْلِهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ، وَقَدْ يَخْفَى عَلَى الْعَالِمِ بِرَسُولِ اللَّهِ الشَّيْءُ مِنْ سُنَّتِهِ يَعْلَمُهُ مَنْ لَيْسَ مِثْلَهُ فِي الْعِلْمِ ، وَهَؤُلَاءِ وَإِنْ أَخَذُوا بِبَعْضِ الْحَدِيثِ فَقَدْ سَلَكُوا فِي تَرْكِ تَحْرِيمِ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ ، وَتَرْكُ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ طَرِيقُ مَنْ رَدَّ الْحَدِيثَ كُلَّهُ ؛ لِأَنَّهُمْ إِذَا اسْتَعْمَلُوا بَعْضَ الْحَدِيثِ وَتَرَكُوا بَعْضَهُ لَا مُخَالِفَ لَهُ عَنِ النَّبِيِّ فَقَدْ عَطَّلُوا مِنَ الْحَدِيثِ مَا اسْتَعْمَلُوا مِثْلَهُ . وَقُلْتُ : وَلَا حُجَّةَ بِتَوْهِينِ الْحَدِيثِ إِذَا ذَهَبُوا إِلَى أَنَّهُ يُخَالِفُ ظَاهِرَ الْقُرْآنِ وَعُمُومَهُ إِذَا احْتَمَلَ الْقُرْآنُ أَنْ يَكُونَ خَاصًّا ، وَقَوْلُهُمْ لِمَنْ قَالَ بِالْحَدِيثِ فِي الْمَسْحِ ، وَتَحْرِيمِ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ وَغَيْرِهِ : إِذَا كَانَ الْقُرْآنُ مُحْتَمِلًا لِأَنْ يَكُونَ عَامًّا يُرَادُ بِهِ الْخَاصُّ خَالَفْتَ الْقُرْآنَ ظُلْمٌ ، قَالَ : نَعَمْ ، قُلْتُ : وَلَا تُقْبَلُ حُجَّتُهُمْ بِأَنْ أَنْكَرَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةُ وَأَبُو هُرَيْرَةَ ، وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْحَدِيثِ وَأَلْزَمُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَقْرَبُ مِنْهُ وَأَحْفَظُ عَنْهُ ، وَأَنَّ بَعْضَهُمْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ الْمَسْحَ مَنْسُوخٌ بِالْقُرْآنِ ، وَأَنَّهُ إِنَّمَا كَانَ قَبْلَ نُزُولِ سُورَةِ الْمَائِدَةِ وَإِنْ لَمْ يَزَلْ فِي النَّاسِ إِلَى الْيَوْمِ مَنْ يَقُولِ بِقَوْلِهِمْ ، قَالَ : لَا أَقْبَلُ مِنْ هَذَا شَيْئًا ، وَلَيْسَ فِي أَحَدٍ رَدَّ خَبَرًا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ بِلَا خَبَرٍ عَنْهُ حُجَّةٌ قُلْتُ لَهُ : وَإِنَّمَا كَانَتِ الْحُجَّةُ فِي الرَّدِّ لَوْ أَوْرَدُوا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ مَسَحَ ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ مَسْحِهِ : لَا تَمْسَحُوا ؟ قَالَ : نَعَمْ ، قُلْتُ : وَلَا يُقْبَلُ أَنْ يُقَالَ لَهُمْ إِذَا قَالَ قَائِلُهُمْ : لَمْ يَمْسَحِ النَّبِيُّ بَعْدَ الْمَائِدَةِ فَإِنَّمَا قَالَهُ بِعِلْمٍ : أَنَّ الْمَسْحَ مَنْسُوخٌ ، قَالَ : لَا ، قُلْتُ : وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُقْبَلَ قَوْلُ مَنْ قَالَ : إِنَّ النَّبِيَّ لَمْ يَمْسَحْ بَعْدَ الْمَائِدَةِ إِذَا لَمْ يُرْوَ ذَلِكَ عَنِ النَّبِيِّ . قُلْتُ لَهُ : وَيَجُوزُ أَنْ يَنْسَخَ الْقُرْآنُ السُّنَّةَ إِلَّا أَحْدَثَ رَسُولُ اللَّهِ سُنَّةً تَنْسَخُهَا ؟ قَالَ : أَمَّا هَذَا فَأُحِبُّ أَنْ تُبَيِّنَهُ لِي ، قُلْتُ : أَرَأَيْتَ لَوْ جَازَ أَنْ يَكُونَ رَسُولُ اللَّهِ سَنَّ فَتَلْزَمُنَا سُنَّتُهُ ثُمَّ نَسَخَ اللَّهُ سُنَّتَهُ بِالْقُرْآنِ وَلَا يُحْدِثُ النَّبِيُّ مَعَ الْقُرْآنِ سُنَّةً تَدُلُّ عَلَى أَنَّ سُنَّتَهُ الْأُولَى مَنْسُوخَةٌ أَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ : إِنَّمَا حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ مَا حَرَّمَ مِنَ الْبُيُوعِ قَبْلَ نُزُولِ قَوْلِ اللَّهِ { وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا } وَقَوْلِهِ { إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ } أَوْ مَا جَازَ أَنْ يُقَالَ : إِنَّمَا حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ أَنْ تُنْكَحَ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا وَخَالَتِهَا قَبْلَ نُزُولِ قَوْلِ اللَّهِ { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ } الْآيَةَ وَقَوْلِهِ { وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ } فَلَا بَأْسَ بِكُلِّ بَيْعٍ عَنْ تَرَاضٍ وَالْجَمْعِ بَيْنَ الْعَمَّةِ وَالْخَالَةِ ، وَإِنَّمَا حَرَّمَ كُلَّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ قَبْلَ نُزُولِ { قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ } الْآيَةَ ، فَلَا بَأْسَ بِأَكْلِ كُلِّ ذِي رُوحٍ مَا خَلَا الْآدَمِيِّينَ ، ثُمَّ جَازَ هَذَا فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ ، وَجَازَ أَنْ تُؤْخَذَ الصَّدَقَةُ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ لِقَوْلِ اللَّهِ { خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً } وَهَذَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ مِنْ أَمْوَالِهِمْ . وَذَكَرْتُ لَهُ فِي هَذَا شَيْئًا أَكْثَرَ مِنْ هَذَا ، فَقَالَ : مَا يَجُوزُ أَنْ يَنْسَخَ السُّنَّةَ الْقُرْآنُ إِلَّا وَمَعَ الْقُرْآنِ سُنَّةٌ تُبَيِّنُ أَنَّ الْأُولَى مَنْسُوخَةٌ ، وَإِلَّا دَخَلَ هَذَا كُلُّهُ وَكَانَ فِيهِ تَعْطِيلُ الْأَحَادِيثِ . قُلْتُ : وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُقْبَلَ قَوْلُ مَنْ قَالَ : إِنَّ النَّبِيَّ لَمْ يَمْسَحْ عَلَى الْخُفَّيْنِ بَعْدَ الْمَائِدَةِ إِذَا لَمْ يُرْوَ ذَلِكَ خَبَرًا عَنِ النَّبِيِّ ؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا قَالَهُ عَلَى عِلْمِهِ ، وَقَدْ يَعْلَمُ غَيْرُهُ أَنَّهُ مَسَحَ بَعْدَهَا وَلَا يُرَدُّ عَلَيْهِ قَوْلُ غَيْرِهِ : لَمْ يَمْسَحْ بَعْدَهَا ، إِذْ لَمْ يَرْوِهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؛ لِأَنَّ هَذَا لَوْ جَازَ جَازَ أَنْ يُقَالَ : لَا يُقْبَلُ أَبَدًا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ شَيْئًا مِنْ هَذَا ، إِلَّا بِأَنْ يُقَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ وَيَجْعَلُ الْقَوْلَ قَوْلَ صَاحِبِهِ دُونَ قَوْلِ النَّبِيِّ ، وَلَا نَجْعَلُ فِي قَوْلِهِ حُجَّةً وَإِنْ وَافَقَ ظَاهِرَ الْقُرْآنِ إِذَا لَمْ يُعِزْهُ إِلَى النَّبِيِّ بِخَبَرٍ يُخَالِفُهُ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، قُلْتُ : إِنَّ هَذَا لَوْ جَازَ جَازَ أَنْ يُقَالَ : إِنَّ النَّبِيَّ إِنَّمَا قَالَ : تُقْطَعُ يَدُ السَّارِقِ فِي رُبُعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا ، وَرَجَمَ الثَّيِّبَيْنِ ثُمَّ نَزَلَ { وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا } وَنَزَلَ { الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ } فَنَسَخَ رَجْمَهُ بِالْجَلْدِ ، وَدِلَالَةُ أَنْ لَا يُقْطَعَ إِلَّا مَنْ سَرَقَ مِنْ حِرْزٍ مَا يَبْلُغُ رُبُعَ دِينَارٍ قَالَ : نَعَمْ ، وَقُلْتُ لَهُ : وَلَا يَجُوزُ إِذَا ذَكَرَ الْحَدِيثَ عَنِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَبُو سَعِيدٍ أَوِ ابْنُ عُمَرَ أَوْ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ فَقَضَى رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ الْمُتَقَدِّمِي الصُّحْبَةِ بِخِلَافِ مَا رَوَى أَحَدُ هَؤُلَاءِ عَنِ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْخَذَ بِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : بِخَبَرٍ صَادِقٍ عَنْهُ ، وَعِلْمِي بِأَنَّ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ قَالَ بِخَبَرٍ صَادِقٍ عَنْهُ لَعَلَّهُ مِنَ التَّابِعِينَ ، وَخَبَرُ صَاحِبِ النَّبِيِّ أَوْلَى بِأَنْ يُثْبَتَ مِنْ خَبَرِ تَابِعِيٍّ ، أَوْ أَنْ يَسْتَوِيَا فِي أَنْ يُثْبَتَا ، فَإِذَا اسْتَوَيَا عُلِمَ بِأَنَّ النَّبِيَّ قَالَ أَوْ أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِهِ قَالَ . وَلَا يَسَعُ مُسْلِمًا أَنْ يَشُكَّ فِي أَنَّ الْفَرْضَ اتِّبَاعُ قَوْلِ النَّبِيِّ وَطَرْحِ كُلِّ مَا خَالَفَهُ ، كَمَا صَنَعَ النَّاسُ بِقَوْلِ عُمَرَ فِي تَفْضِيلِ بَعْضِ الْأَصَابِعِ عَلَى بَعْضٍ ، وَكَمَا صَنَعَ عُمَرُ بِقَوْلِ نَفْسِهِ إِذْ كَانَ لَا يُوَرِّثُ الْمَرْأَةَ مِنْ دِيَةِ زَوْجِهَا شَيْئًا حَتَّى وَجَدُوا خِلَافَهُ عَنِ النَّبِيِّ قَالَ : نَعَمْ هَذَا هَكَذَا وَلَا يَسَعُ مُسْلِمًا أَنْ يَشُكَّ فِي هَذَا ، قُلْتُ : وَلَا يُقَالُ : لَا يَعْزُبُ عَنْ عُمَرَ الْعِلْمُ يَعْلَمُهُ مَنْ لَيْسَتْ لَهُ صُحْبَةٌ ، وَلَا عَنِ الْأَكْثَرِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ ، قَالَ : لَا لِأَنَّا قَدْ وَجَدْنَاهُ عَزَبَ ، قُلْتُ لَهُ : أُعْطِيتَ عِنْدَنَا بِجُمْلَةِ هَذَا الْقَوْلِ النَّصْفَةَ ، وَلَزِمَتْكَ الْحُجَّةُ مَعَ جَمَاعَةِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَمُنْفَرِدًا بِمَا عَلِمْتَ الْقَوْلَ مِنْ هَذَا وَعَلِمْتَ بِمَوْضِعِ الْحُجَّةِ ، وَأَنَّ كَثِيرًا قَدْ غَلَظَ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ بِالْجَهَالَةِ بِكَثِيرٍ مِمَّا يَلْزَمُهُ مِنَ الْعِلْمِ فِيهِ ، قَالَ : أَجَلْ قُلْتُ : فَقَدْ وَجَدْتُ لَكَ أَقْاوِيلَ تُوَافِقُ هَذَا فَحَمِدْتُهَا وَأَقَاوِيلَ تُخَالِفُ هَذَا فَلَا يَجُوزُ أَنْ أَحْمَدَكَ عَلَى خِلَافِ مَا حَمِدْتُكَ عَلَيْهِ ، وَلَا يَجُوزُ لَكَ إِلَّا أَنْ تَنْتَقِلَ عَمَّا أَقَمْتَ عَلَيْهِ مِنْ خِلَافِ مَا زَعَمْتَ الْحَقَّ فِيهِ ، قَالَ : ذَلِكَ الْوَاجِبُ عَلَيَّ ، فَهَلْ تَعْلَمُ شَيْئًا أَقَمْتَ عَلَيْهِ مِنْ خِلَافِ هَذَا ؟ قُلْتُ : نَعَمْ حَدِيثًا لِرَسُولِ اللَّهِ تَرَكْتُهُ بِأَضْعَفَ مِنْ حُجَّةِ مَنِ احْتَجَجْتَ لَهُ فِي رَدِّ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَغَيْرِهِ ، قَالَ : فَاذْكُرْ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا . قُلْتُ لَهُ : قُلْنَا : إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَضَى بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ فَرَدَدْتَهَا ، وَمَا رَأَيْتُكَ جَمَعْتَ حُجَّتَكَ عَلَى شَيْءٍ كَجَمْعِكَهَا عَلَى مَنْ قَالَ بِهَا ، وَسَلَكْتَ سَبِيلَ مَنْ رَدَّ خَبَرَ الْمُنْفَرِدِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ بِتَأَوُّلِ الْقُرْآنِ وَنَسَبْتَ مَنْ قَالَ بِهَا إِلَى خِلَافِ الْقُرْآنِ ، وَلَيْسَ فِيهَا مِنْ خِلَافِ الْقُرْآنِ شَيْءٌ ، وَلَا فِي شَيْءٍ يُثْبَتُ عَنِ النَّبِيِّ ، وَإِنَّمَا ثَبَتَّ الشَّهَادَةَ عَلَى غَيْرِكَ بِالْخَطَأِ فِيمَا وَصَفْتَ مِنْ رَدِّ الْمَسْحِ ، وَكُلِّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ بِمِثْلِ مَا رَدَدْتَ بِهِ الْيَمِينَ مَعَ الشَّاهِدِ بَلْ حُجَّتُكَ فِيهَا أَضْعَفُ . فَقَالَ بَعْضُ مَنْ حَضَرَهُ : قَدْ عَلِمْنَا أَنْ لَا حُجَّةَ لَهُ فِيمَا احْتَجَّ بِهِ مِنَ الْقُرْآنِ ، وَرَدِّ الْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ إِلَّا أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ تَرَكَ الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ ، وَأَحَلَّ أَكْلَ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ ، وَقَطَعَ كُلَّ مَنْ لَزِمَهُ اسْمُ سَرَقَةٍ ، وَعَطَّلَ الرَّجْمَ إِنْ كَانَ مَنْ حَدَّثَ بِهَا مِمَّنْ يُثْبِتُ أَهْلُ الْحَدِيثِ حَدِيثَهُ أَوْ حَدِيثًا مِثْلَهُ بِصِحَّةِ إِسْنَادِهِ وَاتِّصَالِهِ ، وَقَالَ : هُوَ وَهْمٌ : وَلَكِنَّهَا رُوِيَتْ فِيمَا عَلِمْنَا مِنْ حَدِيثٍ مُنْقَطِعٍ وَنَحْنُ لَا نُثْبِتُهُ . فَقُلْتُ لَهُ : فَقَدْ كَانَتْ لَكَ كِفَايَةٌ تَصْدُقُ بِهَا وَتُصَنِّفُ وَتَكُونُ لَكَ الْحُجَّةُ فِي رَدِّهَا لَوْ قُلْتَ : إِنَّهَا رُوِيَتْ مِنْ حَدِيثٍ مُنْقَطِعٍ ؛ لِأَنَّا وَإِيَّاكَ وَأَهْلَ الْحَدِيثِ لَا نُثْبِتُ حَدِيثًا مُنْقَطِعًا بِنَفْسِهِ بِحَالٍ ، فَكَيْفَ خَبَّرْتَ بِأَنَّهَا خِلَافُ الْقُرْآنِ فَزَعَمْتَ أَنَّكَ تَرُدُّهَا إِنْ حَكَمَ بِهَا حَاكِمٌ ؟ وَأَنْتَ لَا تَرُدُّ حُكْمَ حَاكِمٍ بِرَأْيِهِ ، وَإِنْ رَأَيْتَهُ أَنْتَ جَوْرًا ، قَالَ : فَدَعْ هَذَا ، فَقُلْتُ : نَعَمْ بَعْدَ عِلْمٍ بِأَنَّكَ أَغْفَلْتَ أَوْ عَمَدْتَ أَنَّكَ تُشَنِّعُ عَلَى غَيْرِكَ بِمَا تَعْلَمُ أَنْ لَيْسَتْ لَكَ عَلَيْهِ فِيهِ حُجَّةٌ ، وَهَذَا طَرِيقُ غَفْلَةٍ أَوْ ظُلْمٍ ، قَالَ : فَهَلْ تُثْبِتُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِسْنَادٍ مُتَّصِلٍ ؟ فَإِنَّمَا عَرَفْنَا فِيهَا حَدِيثًا مُنْقَطِعًا وَحَدِيثًا يُرْوَى عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ مُتَّصِلًا فَيُنْكِرُهُ سُهَيْلٌ وَيَرْوِيهِ رَجُلٌ لَيْسَ بِالْحَافِظِ فَيُحْتَمَلُ لَهُ مِثْلُ هَذَا ، قُلْتُ : مَا أَخَذْنَا بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ مِنْ وَاحِدٍ مِنْ هَذَيْنِ ، وَلَكِنْ عِنْدَنَا فِيهَا حَدِيثٌ مُتَّصِلٌ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : فَاذْكُرْهُ

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،  

: : هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،   

2 قُلْتُ : أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَارِثِ ، عَنْ سَيْفِ بْنِ سُلَيْمَانَ ، عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ قَضَى بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ وَأَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ عُثْمَانَ ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، عَنِ النَّبِيِّ مِثْلَهُ قَالَ : مَا سَمِعْتُهُ قَبْلَ ذِكْرِكَ الْآنَ ، قُلْتُ : أَنُثْبِتُ نَحْنُ وَأَنْتَ مِثْلَهُ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، قُلْتُ : فَلَزِمَكَ أَنْ تَرْجِعَ إِلَيْهِ ، قَالَ : فَأَرُدُّهَا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ هُوَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : الْبَيِّنَةُ عَلَى مَنِ ادَّعَى ، وَالْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَقَدْ كَتَبْتُ هَذَا فِي الْأَحَادِيثِ الْجُمَلِ وَالْمُفَسَّرَةِ ، وَكَلِمَتُهُ فِيهِ بِمَا عَلِمَ مَنْ حَضَرَ بِأَنَّهُ لَمْ يَحْتَجَّ فِيهِ بِشَيْءٍ ، وَقَدْ وَصَفْتُ فِي كِتَابِي هَذَا الْمَوَاضِعَ الَّتِي غَلَطَ فِيهَا بَعْضُ مَنْ عَجَّلَ بِالْكَلَامِ فِي الْعِلْمِ قَبْلَ خِبْرَتِهِ ، وَأَسْأَلُ اللَّهَ التَّوْفِيقَ . وَالْحَدِيثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ كَلَامٌ عَرَبِيٌّ مَا كَانَ مِنْهُ عَامُّ الْمَخْرَجِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ كَمَا وَصَفْتُ فِي الْقُرْآنِ يَخْرُجُ عَامًّا وَهُوَ يُرَادُ بِهِ الْعَامُّ ، وَيَخْرُجُ عَامًّا وَهُوَ يُرَادُ بِهِ الْخَاصُّ ، وَالْحَدِيثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ عَلَى عُمُومِهِ وَظُهُورِهِ حَتَّى تَأْتِيَ دَلَالَةٌ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّهُ أَرَادَ بِهِ خَاصًّا دُونَ عَامٍّ يَكُونُ الْحَدِيثُ الْعَامُّ الْمُخَرَّجُ مُحْتَمِلًا مَعْنَى الْخُصُوصِ بِقَوْلِ عَوَامِّ أَهْلِ الْعِلْمِ فِيهِ ، أَوْ مَنْ حَمَلَ الْحَدِيثَ سَمَاعًا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَعْنًى يَدُلُّ عَلَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ أَرَادَ بِهِ خَاصًّا دُونَ عَامٍّ ، وَلَا يُجْعَلُ الْحَدِيثُ الْعَامُّ الْمُخَرَّجُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ خَاصًّا بِغَيْرِ دَلَالَةٍ مِمَّنْ لَمْ يَحْمِلْهُ وَيَسْمَعْهُ ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ فِيهِمْ جُمْلَةً أَنْ لَا يَكُونُوا عَلِمُوهُ وَلَا بِقَوْلِ خَاصَّةٍ ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ فِيهِمْ جَهْلُهُ ، وَلَا يُمْكِنُ فِيمَنْ عَلِمَهُ وَسَمِعَهُ وَلَا فِي الْعَامَّةِ جَهْلُ مَا سَمِعَ وَجَاءَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ، وَكَذَلِكَ لَا يَحْتَمِلُ الْحَدِيثُ زِيَادَةً لَيْسَتْ فِيهِ دَلَالَةٌ بِهَا عَلَيْهِ . وَكُلَّمَا احْتَمَلَ حَدِيثَانِ أَنْ يُسْتَعْمَلَا مَعًا اسْتُعْمَلَا مَعًا وَلَمْ يُعَطِّلْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا الْآخَرَ كَمَا وَصَفْتُ فِي أَمْرِ اللَّهِ بِقِتَالِ الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا ، وَمَا أَمَرَ بِهِ مِنْ قِتَالِ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ ، وَفِي الْحَدِيثِ نَاسِخٌ وَمَنْسُوخٌ ، كَمَا وَصَفْتُ فِي الْقِبْلَةِ الْمَنْسُوخَةِ بِاسْتِقْبَالِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ، فَإِذَا لَمْ يَحْتَمِلِ الْحَدِيثَانِ إِلَّا الِاخْتِلَافَ كَمَا اخْتَلَفَتِ الْقِبْلَةُ نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَالْبَيْتِ الْحَرَامِ كَانَ أَحَدُهُمَا نَاسِخًا ، وَالْآخَرُ مَنْسُوخًا ، وَلَا يُسْتَدَلُّ عَلَى النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ إِلَّا بِخَبَرٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ أَوْ بِقَوْلٍ أَوْ بِوَقْتٍ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَحَدَهُمَا بَعْدَ الْآخَرِ ، فَيُعْلَمُ أَنَّ الْآخَرَ هُوَ النَّاسِخُ أَوْ بِقَوْلِ مَنْ سَمِعَ الْحَدِيثَ أَوِ الْعَامَّةِ كَمَا وَصَفْتُ ، أَوْ بِوَجْهٍ آخَرَ لَا يُبَيِّنُ فِيهِ النَّاسِخَ وَالْمَنْسُوخَ . وَقَدْ كَتَبْتُهُ فِي كِتَابِي وَمَا يُنْسَبُ إِلَى الِاخْتِلَافِ مِنَ الْأَحَادِيثِ نَاسِخٌ وَمَنْسُوخٌ فَيُصَارُ إِلَى النَّاسِخِ دُونَ الْمَنْسُوخِ ، وَمِنْهَا مَا يَكُونُ اخْتِلَافًا فِي الْفِعْلِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْأَمْرَيْنِ مُبَاحَانِ كَاخْتِلَافِ الْقِيَامِ وَالْقُعُودِ ، وَكِلَاهُمَا مُبَاحٌ وَمِنْهَا مَا يَخْتَلِفُ وَمِنْهَا مَا لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ أَحَدُ الْحَدِيثَيْنِ أَشْبَهَ بِمَعْنَى كِتَابِ اللَّهِ ، أَوْ أَشْبَهَ بِمَعْنَى سُنَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّا سِوَى الْحَدِيثَيْنِ الْمُخْتَلِفَيْنِ ، أَوْ أَشْبَهَ بِالْقِيَاسِ ، فَأَيُّ الْأَحَادِيثِ الْمُخْتَلِفَةِ كَانَ هَذَا فَهُوَ أَوْلَاهُمَا عِنْدَنَا أَنْ يُصَارَ إِلَيْهِ ، وَمِنْهَا مَا عَدَّهُ بَعْضُ مَنْ يَنْظُرُ فِي الْعِلْمِ مُخْتَلِفًا بِأَنَّ الْفِعْلَ فِيهِ اخْتَلَفَ ، أَوْ لَمْ يَخْتَلِفِ الْفِعْلُ فِيهِ إِلَّا بِاخْتِلَافِ حُكْمِهِ ، أَوِ اخْتَلَفَ الْفِعْلُ فِيهِ بِأَنَّهُ مُبَاحٌ فَيُشْبِهُ أَنْ يُعْمَلَ بِهِ بِأَنَّهُ الْقَائِلُ بِهِ ، وَمِنْهَا مَا جَاءَ جُمْلَةً وَآخَرُ مُفَسَّرًا ، وَإِذَا جَعَلْتَ الْجُمْلَةَ عَلَى أَنَّهَا عَامَّةٌ عَلَيْهِ رَوَيْتَ بِخِلَافِ الْمُفَسَّرِ ، وَلَيْسَ هَذَا اخْتِلَافًا إِنَّمَا هَذَا مِمَّا وَصَفْتُ مِنْ سَعَةِ لِسَانِ الْعَرَبِ ، وَأَنَّهَا تَنْطِقُ بِالشَّيْءِ مِنْهُ عَامًّا تُرِيدُ بِهِ الْخَاصَّ وَهَذَانِ يُسْتَعْمَلَانِ مَعًا ، وَقَدْ أَوْضَحْتُ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ مِنْ هَذَا مَا يَدُلُّ عَلَى مَا فِي مِثْلِ مَعْنَاهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ ، وَجِمَاعُ هَذَا أَنْ لَا يُقْبَلَ إِلَّا حَدِيثٌ ثَابِتٌ كَمَا لَا يُقْبَلُ مِنَ الشُّهُودِ إِلَّا مَنْ عُرِفَ عَدْلُهُ ، فَإِذَا كَانَ الْحَدِيثُ مَجْهُولًا أَوْ مَرْغُوبًا عَمَّنْ حَمَلَهُ كَانَ كَمَا لَمْ يَأْتِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِثَابِتٍ

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،