ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ مِمَّنْ لَمْ يَمْضِ ذِكْرُهُ
1332 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى الصَّنْعَانِيُّ ، قَالَ : حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ، عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ ، قَالَ لِلْمُعَيْقِيبِ : اجْلِسْ مِنِّي قِيدَ رُمْحٍ ، قَالَ : وَكَانَ بِهِ ذَاكَ الدَّاءُ ، وَكَانَ بَدْرِيًّا |
1333 حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ ، قَالَ : كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إِذَا أُتِيَ بِالطَّعَامِ وَعِنْدَهُ مُعَيْقِيبُ بْنُ أَبِي فَاطِمَةَ الدَّوْسِيُّ ، وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَكَانَ مَجْذُومًا ، قَالَ لَهُ : يَا مُعَيْقِيبُ كُلْ مِمَّا يَلِيكَ ، فَايْمُ اللَّهِ ، أَنْ لَوْ غَيْرُكَ بِهِ مَا بِكَ ، مَا جَلَسَ مِنِّي عَلَى أَدْنَى مِنْ قِيسِ رُمْحٍ |
1334 حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ الْبَاهِلِيُّ ، قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَوَاءٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ خَالِدًا الْحَذَّاءَ ، يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ ، أَنَّهُ كَانَ يَتَّقِي الْمَجْذُومَ وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا مَا صَحَّ بِهِ الْخَبَرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَنَّهُ قَالَ : لَا عَدْوَى ، وَلَا طِيَرَةَ ، وَلَا صَفَرَ ، وَأَنَّهُ لَا يُصِيبُ نَفْسًا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَهَا ، وَقَضَى عَلَيْهَا فِي أُمِّ الْكِتَابِ . فَأَمَّا دُنُوُّ عَلِيلٍ مِنْ صَحِيحٍ ، أَوْ قُرْبُ سَقِيمٍ مِنْ بَرِيءٍ ، فَإِنَّهُ غَيْرُ مُوجِبٍ لِلصَّحِيحِ عِلَّةً وَسَقَمًا ، وَلَيْسَ دُنُوُّ سَقِيمٍ مِنْ ذِي الصِّحَّةِ بِأَوْلَى بِأَنْ يُوجِبَ لَهُ سَقَمًا ، مِنَ الصَّحِيحِ بِأَنْ يُوجِبَ بِدُنُوِّهِ مِنْ ذِي السَّقَمِ لِلسَّقِيمِ صِحَّةً ، غَيْرَ أَنَّ الْأَمْرَ ، وَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ ، فَإِنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ لِمُمْرِضٍ أَنْ يُورِدَ عَلَى مُصِحٍّ ، وَلَا يَنْبَغِي لِذِي صِحَّةٍ الدُّنُوُّ مِنَ ذِي الْجُذَامِ ، وَالْعَاهَةِ الَّتِي هِيَ نَظِيرَةُ الْجُذَامِ الَّتِي يَتَكَرَّهُهَا النَّاسُ ، لَا لِأَنَّ ذَلِكَ حَرَامٌ ، وَلَكِنْ حِذَارًا مِنْ أَنْ يَظُنَّ الصَّحِيحُ إِنْ نَزَلَ بِهِ ذَلِكَ يَوْمًا أَوْ أَصَابَهُ أَنَّهُ إِنَّمَا أَصَابَهُ ذَلِكَ لِمَا كَانَ مِنْ دُنُوِّهِ مِنْهُ وَقُرْبِهِ ، أَوْ مِنْ مُؤَاكَلَتِهِ إِيَّاهُ وَمُشَارَبَتِهِ ، فَيُوجِبُ لَهُ ذَلِكَ الدُّخُولَ فِيمَا قَدْ كَانَ نَهَى عَنْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبْطَلَهُ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ فِي الْعَدْوَى وَالطِّيَرَةِ وَلَيْسَ فِي أَمْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْفِرَارِ مِنَ الْمَجْذُومِ ، كَمَا يُفَرُّ مِنَ الْأَسَدِ خِلَافٌ لِأَكْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَهُ ، وَلَا فِي إِرْسَالِهِ إِلَيْهِ وَقَدْ جَاءَ يُرِيدُ مُبَايَعَتَهُ بِأَنِ ارْجِعْ ، فَقَدْ بَايَعْنَاكَ ، وَتَرْكِهِ إِدْخَالَهُ عَلَيْهِ لِلْبَيْعَةِ ، خِلَافٌ لِإِدْخَالِ آخَرَ مِنْهُمْ إِلَيْهِ ، وَإِقْعَادِهِ إِيَّاهُ مَعَهُ عَلَى طَعَامِهِ ، وَمُؤَاكَلَتِهِ إِيَّاهُ ، وَلَا فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَا عَدْوَى خِلَافٌ لِقَوْلِهِ : لَا يُورِدُ مُمْرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ وَلَا فِي قَوْلِهِ لَا طِيَرَةَ ، خِلَافٌ لِقَوْلِهِ : إِنْ يَكُنِ الشُّؤْمُ فِي شَيْءٍ فَفِي ثَلَاثٍ : الْمَرْأَةِ وَالدَّارِ وَالْفَرَسِ ، وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ كَانَ يَأْمُرُنَا الْأَمْرَ عَلَى وَجْهِ النَّدْبِ أَحْيَانًا ، وَعَلَى وَجْهِ الْإِعْلَامِ وَالْإِبَاحَةِ أُخْرَى ، وَعَلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْوجُوهِ ، ثُمَّ يَتْرُكُ فِعْلَهُ ، لِنَعْلَمَ بِذَلِكَ أَنَّ أَمْرَهُ بِهِ لَمْ يَكُنْ عَلَى وَجْهِ الْإِلْزَامِ ، وَكَانَ يَنْهَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الشَّيْءِ عَلَى وَجْهِ التَّكَرُّهِ ، وَالتَّنَزُّهِ أَحْيَانًا ، وَعَلَى وَجْهِ التَّأْدِيبِ أُخْرَى ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْوجُوهِ ، عَلَى مَا قَدْ بَيَّنَا فِي كِتَابِ الرِّسَالَةِ ، ثُمَّ يَفْعَلُهُ ، لِنَعْلَمَ أَنَّ نَهْيَهُ عَنْهُ لَمْ يَكُنْ عَلَى وَجْهِ التَّحْرِيمِ فَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَا عَدْوَى ، وَلَا صَفَرَ ، وَلَا طِيَرَةَ ، إِعْلَامٌ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمَّتَهُ أَنْ يَكُونَ لِذَلِكَ حَقِيقَةٌ ، وَنَفْيٌ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ صِحَّةٌ ، لَا نَهْيٌ . وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُورِدُ مُمْرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ ، نَهَى مِنْهُ الْمُمْرِضَ أَنْ يُورِدَ مَاشِيَتَهُ الْمَرْضَى عَلَى مَاشِيَةِ أَخِيهِ الصِّحَاحِ ، لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ الْمُصِحُّ ، إِنْ مَرِضَتْ مَاشِيَتُهُ الصَّحِيحَةُ أَنَّ مَرَضَهَا حَدَثَ مِنْ أَجْلِ وُرُودِ الْمَرْضَى عَلَيْهَا ، فَيَكُونُ دَاخِلًا بِتَوَهُّمِهِ ذَلِكَ فِي تَصْحِيحِ مَا قَدْ أَبْطَلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَكَذَلِكَ أَمْرُهُ بِالْفِرَارِ مِنَ الْمَجْذُومِ ، مَعَ إِبْطَالِهِ الْعَدْوَى وَالصَّفَرَ ، عَلَى ذَلِكَ مِنَ الْمَعْنَى ، وَهُوَ لِئَلَّا يَظُنَّ الصَّحِيحُ الَّذِي قَرُبَ مِنَ الْمَجْذُومِ ، وَطَعِمَ مَعَهُ وَشَرِبَ ، إِنْ أَصَابَهُ يَوْمًا مِنَ الدَّهْرِ جُذَامٌ ، أَنَّ الَّذِي أَصَابَهُ مِنْ ذَلِكَ إِنَّمَا أَصَابَهُ مِنَ الْمَجْذُومِ لِمَا كَانَ مِنْهُ مِنْ قُرْبِهِ مِنَ الْمَجْذُومِ وَمُؤَاكَلَتِهِ إِيَّاهُ ، وَمُشَارَبَتِهِ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنْ كَانَ الشُّؤْمُ فِي شَيْءٍ فَفِي الدَّارِ وَالْمَرْأَةِ وَالْفَرَسِ فَإِنَّهُ لَمْ يُثْبِتْ بِذَلِكَ صِحَّةَ الطِّيَرَةِ ، بَلْ إِنَّمَا أَخْبَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ ذَلِكَ إِنْ كَانَ فِي شَيْءٍ فَفِي هَذِهِ الثَّلَاثِ ، وَذَلِكَ إِلَى النَّفْيِ أَقْرَبُ مِنْهُ إِلَى الْإِيجَابِ ، لِأَنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ : إِنْ كَانَ فِي هَذِهِ الدَّارِ أَحَدٌ فَزَيْدٌ ، غَيْرُ إِثْبَاتٍ مِنْهُ أَنَّ فِيهَا زَيْدًا ، بَلْ ذَلِكَ مِنَ النَّفْيِ أَنْ يَكُونَ فِيهَا زَيْدٌ ، أَقْرَبُ مِنْهُ إِلَى الْإِثْبَاتِ أَنَّ فِيهَا زَيْدًا |
الْقَوْلُ فِي الْبَيَانِ عَمَّا فِي هَذِهِ الْأَخْبَارِ مِنَ الْغَرِيبِ فَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَا عَدْوَى يَعْنِي بِقَوْلِهِ لَا عَدْوَى لَا يَعْدُو دَاءُ ذِي الدَّاءِ إِلَى غَيْرِهِ بِدُنُوِّهِ مِنْهُ وَقُرْبِهِ ، وَذَلِكَ أَنَّ أَهْلَ الْجَاهِلِيَّةِ كَانُوا يَتَحَامَوْنَ مُجَالَسَةَ أَهْلِ الْأَدْوَاءِ ، وَمُؤَاكَلَتَهُمْ ، وَمُشَارَبَتَهُمْ ، وَيَزْعُمُونَ أَنَّ دُنُوَّ الصَّحِيحِ مِنْهُمْ يَتَعَدَّى إِلَيْهِ مَا بِهِمْ مِنَ الدَّاءِ ، كَمَا قَالَ لَبِيدُ بْنُ رَبِيعَةَ لِلنُّعْمَانِ بْنِ الْمُنْذِرِ فِي الرَّبِيعِ بْنِ زِيَادٍ الْعَبْسِيِّ ، وَكَانَ النُّعْمَانُ يُنَادِمُ الرَّبِيعَ بْنَ زِيَادٍ الْعَبْسِيَّ ، فَرَمَاهُ لَبِيدٌ بِأَنَّ بِهِ بَرَصًا ، لِتَخْبُثَ نَفْسُ النُّعْمَانِ عَلَيْهِ ، وَيَتْرُكَ مُنَادَمَتَهُ : مَهْلًا أَبَيْتَ اللَّعْنَ ، لَا تَأْكُلْ مَعَهْ إِنَّ اسْتَهُ مِنْ بَرَصٍ مُلَمَّعَهْ وَإِنَّهُ يُولِجُ فِيهَا إِصْبَعَهْ فَتَحَامَى النُّعْمَانُ مُنَادَمَتَهُ ، فَقَالَ الرَّبِيعُ : أَبَيْتَ اللَّعْنَ ، إِنَّ لَبِيدًا كَاذِبٌ فِيمَا قَدْ قَالَ : فَقَالَ لَهُ النُّعْمَانُ : قَدْ قِيلَ ذَلِكَ إِنْ حَقًّا ، وَإنْ كَذِبَا فَمَا اعْتِذَارُكَ مِنْ شَيْءٍ إِذَا قِيلَا ؟ وَكَمَا قَالَ زُهَيْرُ بْنُ أَبِي سَلْمَى : جَانِيكَ مَنْ يَجْنِي عَلَيْكَ وَقَدْ يُعْدِي الصِّحَاحَ مَبَارِكُ الْجُرْبِ وَقَدْ أَكْثَرَ شُعَرَاءُ الْجَاهِلِيَّةِ فِي ذَلِكَ لِكَثْرَةِ اسْتِعْمَالِهِمْ إِيَّاهُ ، وَتَصْدِيقِهِمْ بِهِ ، وَقَدِ اسْتَعْمَلَ ذَلِكَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ فِي الْإِسْلَامِ ، وَإِيَّاهُ قَصَدَ الْفَرَزْدَقُ فِي الْإِسْلَامِ بِقَوْلِهِ : أَلَا لَيْتَنَا كُنَّا بَعِيرَيْنِ لَا نَرِدْ عَلَى حَاضِرٍ إِلَّا نُشَلُّ وَنُقْذَفُ كِلَانَا بِهِ عَرٌّ يُخَافُ قِرَافُهُ عَلَى النَّاسِ ، مَطْلِيُّ الْمَسَاعِرِ أَخْشَفُ يُقَالُ مِنْهُ : عَدَا عَلَيْهِ كَذَا ، فَهُوَ يَعْدُو عَدْوًا ، وَعَدَا الرَّجُلُ وَالْفَرَسُ ، إِذَا أَحْضَرَا ، يَعْدُوا عَدْوًا وَعُدُوًّا ، وَأَعْدَى فُلَانٌ فَرَسَهُ ، فَهُوَ يُعْدِيهِ إِعْدَاءً ، وَأَعْدَى فُلَانٌ فُلَانًا جَرَبَهُ ، وَلِلْعَدْوِ أَيْضًا مَعْنًى غَيْرُ ذَلِكَ ، وَهُوَ الْجَوْرُ وَالظُّلْمُ ، يُقَالُ مِنْهُ : عَدَا فُلَانٌ ، فَهُوَ يَعْدُو عَدْوًا وَعُدْوَانًا وَعُدُوًّا ، وَذَلِكَ إِذَا جَارَ وَظَلَمَ ، وَيُقَالُ : عَدَانِي عَنْ لِقَائِكَ كَذَا وَكَذَا ، فَهُوَ يَعْدُونِي عَنْهُ عَدْوًا ، وَذَلِكَ إِذَا شَغَلَهُ عَنْهُ ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ عُرْوَةُ بْنُ الْوَرْدِ الْعَبْسِيُّ : هَجَرَتْ غَضُوبُ ، وَحَبَّ مَنْ يَتَجَنَّبُ وَعَدَتْ عَوَادٍ دُونَ وَلْيِكَ تَشْعَبُ وَقَوْلُ أَعْشَى بَنِي ثَعْلَبَةَ : وَأَنَّى عَدَانِي عَنْكِ لَوْ تَعْلَمِينَهُ مَصَائِبُ لَمْ يَنْزِلْ سِوَايَ جَلِيلُهَا وَأَمَا قَوْلُهُمْ : أَعْدَانِي فُلَانٌ عَلَى كَذَا ، فَإِنَّهُ مَعْنًى غَيْرُ ذَلِكَ ، وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ : أَعَانَنِي عَلَيْهِ ، يُقَالُ مِنْهُ : أَعْدِنِي يَا فُلَانُ عَلَى فُلَانٍ ، وَآدِنِي ، يَعْنِي بِهِ : قَوِّنِي عَلَيْهِ وَأَعِنِّي ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ : تَعَلَّمْتُ تَرْقِيقَ الْمَعِيشَةِ بَعْدَمَا كَبِرْتُ ، وَأَعْدَانِي عَلَى اللُّؤْمِ خَالِدُ يَعْنِي بِقَوْلِهِ : أَعْدَانِي ، أَعَانَنِي يُقَالُ مِنْهُ : أَعْدَاهُ عَلَيْهِ ، فَهُوَ يُعْدِيهِ إِعْدَاءً ، وَأَمَّا الْعِدَاءُ بِالْمَدِّ فَهُوَ مَصْدَرٌ ، مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ : عَادَى فُلَانٌ بَيْنَ كَذَا وَكَذَا مِنَ الرِّجَالِ ، إِذَا وَالَى بَيْنَ قَتْلِهِمْ ، عِدَاءً ، وَكَذَلِكَ إِذَا وَالَى بَيْنَ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّيْدِ قِيلَ : عَادَى بَيْنَهَا ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ امْرِئِ الْقَيْسِ بْنِ حُجْرٍ : فَعَادَى عِدَاءً بَيْنَ ثَوْرٍ وَنَعْجَةٍ دِرَاكًا ، وَلَمْ يَنْضَحْ بِمَاءٍ فَيُغْسَلِ ، وَأَمَّا الْعِدْوَةُ وَالْعُدْوَةُ ، فَإِنَّهَا السَّاحَةُ وَالْفِنَاءُ ، وَمِنْهُ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ : { إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا ، وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى } ، وَأَمَّا أَعْدَاءُ الطَّرِيقِ ، فَإِنَّهَا أَرْجَاؤُهُ وَنَوَاحِيهِ ، وَمِنْهُ قَوْلُ ذِي الرُّمَّةِ : تَسْتَنُّ أَعْدَاءَ قِرْيَانٍ تَسَنَّمَهَا غُرُّ الْغَمَامِ ، وَمُرْتَجَّاتُهُ السُّودُ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا صَفَرَ ، فَإِنَّهُ فِيمَا حُدِّثْتُ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ مَعْمَرِ بْنِ الْمُثَنَّى قَالَ : سَمِعْتُ يُونُسَ يَعْنِي الْجَرْمِيَّ : سُئِلَ رُؤْبَةُ بْنُ الْعَجَّاجِ عَنِ الصَّفَرِ ، فَقَالَ : هِيَ حَيَّةٌ تَكُونُ فِي الْبَطْنِ ، تُصِيبُ الْمَاشِيَةَ وَالنَّاسَ قَالَ : وَهِيَ أَعْدَى مِنَ الْجَرَبِ عِنْدَ الْعَرَبِ قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ : وَيُقَالُ : إِنَّ قَوْلَهُ : وَلَا صَفَرَ ، إِبْطَالٌ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ ، يَفْعَلُونَهُ مِنْ تَأْخِيرِهِمُ الْمُحَرَّمَ إِلَى صَفَرَ فِي التَّحْرِيمِ وَالصَّوَابُ عِنْدِي مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ مَا قَالَهُ رُؤْبَةُ بْنُ الْعَجَّاجِ ، وَمِنَ الشَّاهِدِ عَلَى تَصْحِيحِ قَوْلِهِ فِي ذَلِكَ قَوْلُ أَعْشَى بَاهِلَةَ فِي صِفَةِ رَجُلٍ : لَا يَشْتَكِي السَّاقَ مِنْ أَيْنٍ وَلَا وَصَمٍ وَلَا يَعَضُّ عَلَى شُرْسُوفِهِ الصَّفَرُ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَلَا هَامَةَ ، فَإِنَّ الْهَامَةَ طَائِرٌ ، قِيلَ : إِنَّ الْعَرَبَ كَانَتْ تُسَمِّيهِ الصَّدَى ، وَقِيلَ : إِنَّهُ ذَكَرُ الْبُومِ ، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ وَأَشْبَهُ ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ : هُوَ ذَكَرُ الْبُومِ ، وَمِنْهُ قَوْلُ الطِّرِمَّاحِ بْنِ حَكِيمٍ : وَفَلَاةٍ يَسْتَفِزُّ الْحَشَا ، مِنْ صُوَاهَا ضَبْحُ بُومٍ وَهَامْ وَإِنَّمَا أَرَادَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ : وَلَا هَامَةَ إِبْطَالَ مَا كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَهُ فِي ذَلِكَ وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ : إِذَا قُتِلَ الرَّجُلُ فَلَمْ يَطْلُبْ وَلِيُّهُ بِدَمِهِ وَلَمْ يَثْأَرْ بِهِ ، خَرَجَ مِنْ هَامَتِهِ طَائِرٌ يُسَمَّى الْهَامَةَ ، فَلَا يَزَالُ يَزْقُو عِنْدَ قَبْرِهِ حَتَّى يَثْأَرَ بِهِ ، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ الشَّاعِرِ : يَا عَمْرُو ، إِلَّا تَدَعْ شَتْمِي ، وَمَنْقَصَتِي ، أَضْرِبْكَ حَيْثُ تَقُولُ الْهَامَةُ اسْقُونِي وَمِنْهُ قَوْلُ أَبِي دَاوُدَ الْإِيَادِيِّ : سُلِّطَ الْمَوْتُ ، وَالْمَنُونُ عَلَيْهِمْ فَلَهُمْ فِي صَدَى الْمَقَابِرِ هَامُ وَقَدْ أَكْثَرَ الشُّعَرَاءُ فِي ذَلِكَ وَأَمَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَلَا غُولَ ، فَإِنَّ الْأَصْمَعِيَّ فِيمَا حُدِّثْتُ عَنْهُ كَانَ يَزْعُمُ أَنَّهَا هَمْرَجَةُ الْجِنِّ ، وَيَسْتَشْهِدُ لِقِيلِهِ ذَلِكَ بِقَوْلِ كَعْبِ بْنِ زُهَيْرٍ : لَكِنَّهَا خُلَّةٌ قَدْ سِيطَ مِنْ دَمِهَا فَجْعٌ وَوَلْعٌ وَإِعْرَاضٌ وَتَبْدِيلُ فَمَا تَدُومُ عَلَى حَالٍ تَكُونُ بِهَا كَمَا تَلَوَّنُ فِي أَثْوَابِهَا غُولُ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ شِعْرِ الشُّعَرَاءِ وَكَانَ الشَّيْبَانِيُّ أَبُو عَمْرٍو يَقُولُ : هُوَ كُلُّ مَا غَالَكَ فَذَهَبَ بِكَ وَأَمَّا أَبُو الْبِلَادِ الطُّهَوِيُّ فَإِنَّهُ زَعَمَ فِي شِعْرِهِ أَنَّهُ لَقِيَهُ فَقَتَلَهُ ، وَوَصَفَهُ فِي شَعْرِهِ فَقَالَ : لَهَانَ عَلَى جُهَيْمَةَ مَا أُلَاقِي مِنَ الرَّوْعَاتِ عِنْدَ رَحَى بِطَانِ لَقِيتُ الْغُولَ تَسْرِي فِي ظَلَامٍ بِسَهْبٍ كَالْعَبَاءَةِ صَحْصَحَانِ فَقُلْتُ لَهَا : كِلَانَا نِقْضُ أَرْضٍ أَخُو سَفَرٍ فَصُدِّي عَنْ مَكَانِي فَصَدَّتْ ، فَانْتَحَيْتُ لَهَا بِعَضْبٍ حُسَامٍ غَيْرِ مُؤْتَشَبٍ ، يَمَانِ قَدَدْتُ سَرَاتَهَا وَالْبَرْكَ مِنْهَا فَخَرَّتْ لِلْيَدَيْنِ وَلِلْجِرَانِ فَقَالَتْ : زِدْ فَقُلْتُ : رُوَيْدَ إِنِّي عَلَى أَمْثَالِهَا ثَبْتُ الْجَنَانِ شَدَدْتُ عِقَالَهَا وَحَلَلْتُ عَنْهَا لَأَنْظُرَ غُدْوَةً مَاذَا أَتَانِي إِذَا عَيْنَانِ فِي وَجْهٍ قَبِيحٍ كَوَجْهِ الْهِرِّ مُسْتَرِقِ اللِّسَانِ وَرِجْلَا مُخْدَجٍ وَسَرَاةُ كَلْبٍ وَثَوْبٌ مِنْ فِرَاءٍ أَوْ شِنَانِ وَالَّذِي أَبْطَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدِي بِقَوْلِهِ لَا غُولَ ، مَا كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ فِي الْغُولِ مِنْ أَنَّهَا تَضُرُّ وَتَنْفَعُ ، أَوْ تَقْدِرُ لِبَنِي آدَمَ عَلَى ذَلِكَ ، إِلَّا مَا قَدْ سَبَقَ مِنْ قَضَاءِ اللَّهِ جَلَّ حدثناؤُهُ لِمَنْ سَبَقَ لَهُ بِضَرِّهَا إِيَّاهُ ، فَأَمَّا بِغَيْرِ ذَلِكَ ، فَإِنَّهَا غَيْرُ قَادِرَةٍ عَلَى ذَلِكَ ، وَلِذَلِكَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَهَا ، مَعَ سَائِرِ مَا ذَكَرَ مِمَّا كَانَتِ الْعَرَبُ تُؤْمِنُ بِهِ وَتُصَدِّقُ بِضُرِّهِ وَنَفْعِهِ ، مِنَ الْعَدْوَى وَالصَّفَرِ وَالطِّيَرَةِ ، وَأَمَّا الطِّيَرَةُ فَقَدْ مَضَى ذِكْرِي بَيَانَهَا فِيمَا قَدْ مَضَى مِنْ كِتَابِي هَذَا ، فَأَغْنَى ذَلِكَ عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَأَمَّا قَوْلُ الْأَعْرَابِيِّ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ النُّقْبَةَ تَكُونُ بِمِشْفَرِ الْبَعِيرِ أَوْ بِعَجْبِهِ ، فَيَشْمَلُ الْإِبِلَ كُلَّهَا جَرَبًا ، فَإِنَّهُ يَعْنِي بِالنُّقْبَةِ الْقِطْعَةَ مِنَ الْجَرَبِ ، تُجْمَعُ نُقْبًا ، وَمِنْهُ قَوْلُ دُرَيْدِ بْنِ الصِّمَّةِ : مَا إِنْ رَأَيْتُ وَلَا سَمِعْتُ بِهِ كَالْيَوْمِ طَالِي أَيْنُقٍ جُرْبِ مُتَبَذِّلًا تَبْدُوَ مَحَاسِنُهُ يَضَعُ الْهِنَاءَ مَوَاضِعَ النُّقْبِ ، وَأَمَا النَّقَبُ بِفَتْحِ النُّونِ وَالْقَافِ ، فَإِنَّهُ مَا يَحْدُثُ عَنِ الْحَفَا بِأَخْفَافِ الْإِبِلِ ، يُقَالُ : جَاءَ الْقَوْمُ مُحْفِينَ مُنْقِبِينَ ، إِذَا جَاءُوا قَدْ نَقِبَتْ إِبِلُهُمْ وَحَفِيَتْ ، وَمِنْهُ قَوْلُ الرَّاجِزِ : أَقْسَمَ بِاللَّهِ أَبُو حَفْصٍ عُمَرْ مَا إِنْ بِهَا مِنْ نَقَبٍ وَلَا دَبَرْ يُقَالُ مِنْهُ : قَدْ نَقِبَ الْبَعِيرُ فَهُوَ يَنْقَبُ نَقْبًا ، وَأَمَّا النَّقْبُ ، بِفَتْحِ النُّونِ ، وَسُكُونِ الْقَافِ ، فَمَصْدَرٌ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ : نَقَبْتُ الْحَائِطَ ، وَمَا أَشْبَهِهِ ، وَالنَّقْبُ أَيْضًا بِفَتْحِ النُّونِ ، وَسُكُونِ الْقَافِ ، وَالْمَنْقَبَةُ : الطَّرِيقُ فِي الْجَبَلِ ، وَالْغِلَظِ ، وَمِنْهُ قَوْلُ الْغَنَوِيِّ : إِنْ تُوعِدُونا بِالْقِتَالِ فَإِنَّنَا نُقَاتِلُ مِنْ بَيْنِ الْقُرَى وَالْمَنَاقِبِ يَعْنِي بِالْمَنَاقِبِ جَمْعَ الْمَنْقَبَةِ وَأَمَّا قَوْلُهُ أَوِ بِعَجْبِهِ فَإِنَّ الْعَجْبَ عُظَيْمٌ فِي مُنْقَطَعِ فَقَارِ الظَّهْرِ مِمَّا يَلِي الْعَجُزَ ، وَهُوَ أَصْلُ الذَّنَبِ ، وَمِنْهُ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يَبْلَى مِنَ ابْنِ آدَمَ كُلُّ شَيْءٍ إِلَّا عَجْبَ الذَّنَبِ ، وَمِنْهُ يُرَكَّبُ الْخَلْقُ وَأَمَّا الْعَجَبُ ، بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَالْجِيمِ ، فَمَصْدَرُ قَوْلِ الْقَائِلِ : عَجِبْتُ مِنْ كَذَا ، أَعْجَبُ مِنْهُ عَجَبًا وَأَمَّا قَوْلُ الْأَعْرَابِيِّ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : فَيْشَمَلُ الْإِبِلَ كُلَّهَا ، فَإِنَّهُ يَعْنِي بِهِ : فَيَعُمُّهَا جَرَبًا ، يُقَالُ مِنْهُ : شَمِلَ الْقَوْمَ هَذَا الْأَمْرُ ، إِذَا عَمَّهُمْ ، فَهُوَ يَشْمَلُهُمْ شَمْلًا وَشُمُولًا فَأَمَّا قَوْلُهُمْ : شَمَلَتِ الرِّيحُ ، فَإِنَّهَا بِفَتْحِ الْمِيمِ ، فَهِيَ تَشْمَلُ شَمْلًا وَشُمُولًا وَيُقَالُ : أَشْمَلْنَا بِمَعْنَى : دَخَلْنَا فِي الشَّمَالِ ، وَأَمَا قَوْلُهُمْ : شَمَلْتُ النَّاقَةَ ، وَذَلِكَ إِذَا عَلَّقْتَ عَلَيْهَا شِمَالًا ، وَهُوَ كَالْكِيسِ يُجْعَلُ فِيهِ ضَرْعُ الشَّاةِ ، فَإِنَّهُ تُفْتَحُ مِيمُهُ ، فَأَنَا أَشْمُلُهَا شَمْلًا ، وَأَمَا قَوْلُهُمْ : قَدْ شَمِلَتْ نَاقَتِي لَقَاحًا مِنْ فَحْلِ فُلَانٍ ، فَإِنَّهُ بِكَسْرِ الْمِيمِ ، فَهِيَ تَشْمَلُ شَمَلًا ، وَذَلِكَ إِذَا لَقِحَتْ وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي هُرَيْرَةَ : سخت درست ، فَإِنَّهُمَا كَلِمَتَانِ بِالْفَارِسِيَّةِ ، فَأَمَّا قَوْلُهُ : سَخْتَ ، فَإِنَّ مَعَنَاهُ صُلْبٌ شَدِيدٌ ، وَأَمَّا قَوْلُهُ : دُرِسْتَ فَإِنَّ مَعْنَاهُ : صَحِيحٌ وَأَمَّا قَوْلُ الْمَرْأَةِ الَّتِي قَالَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : سَكَنَّا دَارَنَا وَنَحْنُ ذَوُو وَفْرٍ ، فَإِنَّ الْوَفْرَ هُوَ : الْمَالُ الْكَثِيرُ ، يُقَالُ مِنْهُ : إِنَّهُ لَذُو وَفْرٍ وَفَرْوٍ ، إِذَا كَانَ ذَا مَالٍ كَثِيرٍ |