وندب عمر الناس إلى أرض العراق

: : هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،    وندب عمر الناس إلى أرض العراق ، فخرج أبو عبيد إليها فقتل وبقى ولده بالمدينة ، وكان المختار يومئذٍ غلامًا يُعرف بالانقطاع إلى بني هاشم ، ثم خرج في آخر خلافة معاوية أو أول خلافة يزيد إلى البصرة ، فأقام بها يُظهر ذكر الحسين بن علي ، فأُخبِر بذلك عبيد الله بن زياد ، فأخذه فجلده مائة جلدة ودرّعه عباءة ، وبعث به إلى الطائف. فلم يزل بها حتى قام عبد الله بن الزبير ودعا إلى ما دعا إليه ، فقدم عليه فأقام معه من أشد الناس قتالاَّ وأحسنه نيّة ومناصحة فيما يرون ، وكان يختلف إلى محمد بن الحنفية ، ويسمعون منه كلامًا ينكرونه ، فلما مات يزيد ، ومات المسور بن مخرمة ، ومصعب بن عبد الرحمن ، استأذن المختار بن الزبير في الخروج إلى العراق ، فأذن له وهو لا يشك في مناصحته وهو مصرٌّ على الغش له ،فكتب ابن الزبير إلى عبد الله بن مطيع وهو عامله على الكوفة يذكر له حاله عنده ويوصيه به ، فكان يختلف إلى ابن مطيع ، ويظهر مناصحة ابن الزبير ويعيبه في السر ، ويذكر محمد بن الحنفية فيمدحه ويصف حاله ويدعو إليه ، وحرّض الناس على ابن مطيع واتخذ شيعة يركبُ في جماعةٍ وخيلٍ ، فعدت خيله على خيل ابن مطيع فأصابوهم ، وخافه ابن مطيع فهرب ، فلم يطلبه المختار ، وقال : أنا على طاعة ابن الزبير ، فلأي شيء خرج ابن مطيع ؟. وكتب إلى ابن الزبير يقع بابن مطيع ويجبّنه ويقول : رأيته مداهنًا لبني أمية فلم يسعني أن أقره على ذلك ، لما حملت في عنقي من بيعتك ، فخرج من الكوفة وأنا ومَنْ قِبَلِي على طاعتك ، فقبل منه ابن الزبير وصدّقه ، وأقره واليًا على الناس. فلما اطمأن ورأى أن ابن الزبير قد قبل منه سار إلى منزل عمر بن سعد بن أبي وقاص فقتله في داره ، وقتل ابنه حفصًا أسوأ قِتْلة ، وجعل يتتبع قتلة الحسين من الديوان الذين خرجوا إليه ، فيقتل كل من قدر عليه ، وتغيّب كل من خالفه من أهل الكوفة ، ثم بعث مسالحه إلى السواد والمدائن وعمال الخراج ، فجبيت إليه الأموال. فبعث إليه عبد الملك بن مروان ، عبيد الله بن زياد في ستين ألفًا من أهل الشام ، فأخذ على الموصل ، فبعث المختارُ ، إبراهيم بن الأشتر في عشرين ألفًا من أصحابه ، لقتال عبيد الله بن زياد ،، فلقيه بأرض الموصل ، على نهر يدعى الخازر فتراشقوا بالنبل ساعة ، وتشاولوا بالرماح ، ثم صاروا إلى السيوف ، فاقتتلوا أشد القتال ، إلى أن ذهب ثلث الليل ، وقُتل أهل الشام تحت كل حجر ، وهرب من هرب منهم ، وقتل عبيد الله بن زياد ، والحصين بن نمير في المعرك ، وبعث بالرؤس إلى المختار ، فبعث برأس عبيد الله بن زياد ، وبرأس الحصين بن نمير وستة نفر من رؤسائهم مع خلاد بن السائب الخزرجي ، فقدم بها المدينة يوما إلى الليل ، ثم خرج بها إلى ابن الزبير ، فنصبها على ثنية الحجون. وجعل ابن الزبير يسأل خلاد بن السائب عن التقائهم وقتالهم ، فيخبره ، فقال : فكيف رأيت مناصحة المختار ؟ فقال : رأيته على ما يحب أمير المؤمنين ، يدعو له على منبره ، ويذكر طاعتك ومفارقة بني مروان. ورجع المختار ومن معه إلى الكوفة ، وكتب إلى ابن الزبير يخدعه ويخبره أنه إنما يقوم بأمره ، ويسكنه حتى يمكنه ما يريد. فأبصر ابن الزبير أمره ، وكلمه فيه عروة بن الزبير ، وعبد الله بن صفوان ، وغيرهما وأعلموه غِشه وسوء مذهبه ، وأنه ليس له بصاحب ، قال : فمن أُولى ؟ أحتاج على رجل جلد مجزئ مقدام ، فقال له مصعب بن الزبير : لا تولّ أحدًا أقوم بأمرك مني قال : فقد وليتك العراق ، فسر إلى الكوفة قال : ليس هذا برأي ، أقدم على رجل قد عرفته ، إنما هواه ورأيه في غيرنا ، وإنما يستتر بنا ، وقد اجتمع معه من الشيعة بشر كثير ، ولكني أقدم البصرة وأهلها سامعون مطيعون ، ثم أزحف إليه بالجنود إن شاء الله ، فقال ابن الزبير : هذا الرأي. فسار مصعب إلى البصرة واليا عليها ، وبلغ المختار ، فعرف أنه الشر والسيف ، فكتب إلى ابن الزبير يشتمه ويعيبه ويقول : إنه لا طاعة لك على أحد ممن قبلي ، فأجلب بخيلك ورَجلك ، وخطب المختار الناس بالكوفة ، وأظهر عيب ابن الزبير ، وخلعه ، ودعا إلى الرضا من آل محمد صَلى الله عَليهِ وَسلَّم ، وذكر محمد بن الحنفية فقرّظه وسماه المهدي ، وكتب ابن الزبير إلى مصعب يأمره بالمسير إلى المختار في أهل البصرة ، فأمر مصعب بالتهيؤ ثم عسكر ، واستعمل على ميمنته الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة ، وعلى ميسرته عبد الله بن مطيع ، واستخلف على البصرة عبيد الله بن عمر بن عبيد الله بن معمر. وبلغ المختار مسير مصعب بالجنود ، فبعث إليه أحمر بن شميط البجلي ، وأمره أن يواقعهم بالمذار ، فبيّتهم أصحاب مصعب فقتلوا ذلك الجيش ، فلم يفلت منهم إلا الشريد ، وقتل تلك الليلة عبيد الله بن علي بن أبي طالب ، وكان في عسكر مصعب مع أخواله بني نهشل بن دارم. وخرج المختار في عشرين ألفًا حتى وقف بإزائهم ، وهم فيما بين الجسر إلى نهر البصريين ، وزحف مصعب ومن معه فوافوهم مع الليل ، ولم يكن بينهم حرب ، فأرسل المختار إلى أصحابه حين أمسى ، أن لا يبرحن أحدٌ منكم موقفه حتى تسمعوا مناديًا ينادي يا محمد ، فإذا سمعتم ، فاحملوا على القوم ، واقتلوا من لم تسمعوه ينادي يا محمد ، ثم أمهل ، حتى إذا حلّق القمر واتسق أمر مناديا فنادى : يا محمد . ثم حملوا على مصعب وأصحابه فهزموهم ، ودخلوا عسكرهم ، فلم يزالوا يقاتلوهم حتى أصبحوا ، وأصبح المختار وليس عنده أحد له ذكر غير عشرة فوارس ، وإذا أصحابه قد وغلوا جميعا في أصحاب مصعب ، فانصرف المختار منهزما فأغذّ السير حتى أتى الكوفة ، فدخل القصر ورجع أصحاب المختار حين أصبحوا حتى وقفوا موقفهم فلم يروا المختار ، وقالوا : قد قتل , فهرب منهم من أطاق الهرب ، واختفى الباقون ، وتوجه منهم ثمانية آلاف إلى الكوفة ، فوجدوا المختار في القصر فدخلوا معه. وأقبل مصعب حتى خندق على سُدّة القصر والمسجد ، وحصرهم أشد الحصار ، فخرج المختار يومًا على بغلة شهباء ، فقاتلهم في الزّيّاتين فقتلوه ، وطلب أهل القصر الأمان من مصعب فأمنهم وفيهم سبعمائة من العرب وسائرهم من الموالي والعجم ، فأراد قتل هؤلاء ، وترك العرب فقيل له : ما هذا بدين ، ذنبهم واحد ، تقتل العجم وتترك العرب ،فقدمهم جميعًا فضرب أعناقهم صبرًا ، وبعث برأس المختار إلى عبد الله بن الزبير مع رجل من الشرط ، فقدم الرسول فانتهى إلى ابن الزبير وهو في المسجد الحرام قد صلى عشاء الآخرة ، ثم قام يتنفل ، قال : فوالله ما التفت إليه ولا انصرف حتى أسحر فأوتر ، ثم جلس ، فدنا الرسول فدفع إليه الكتاب فقرأه ثم دفعه إلى غلام له ، فقال الرسول : يا أمير المؤمنين هذا الرأس معي ، فقال : ألقه فألقاه على باب المسجد ، ثم أتاه فقال : جائزتي ، قال : خذ الرأس الذي جئت به. ولما قتل مصعب المختار ، وظفر بالعراق ، واستعمل العمال وجبى الأموال ، وكتب إليه إبراهيم الأشتر يعلمه بأنه على طاعته ، وأسرع الناس إليه مع عداوته لأهل الشام وقتله إياهم ، ويسأله أن يأذن له في الوفادة إليه ، فأجابه مصعب إلى ذلك ، فخلف أبا قارب على الجزيرة وقدم على مصعب ، فأخذ بيعته لعبد الله بن الزبير وأقام عنده آثر الناس عنده وأكرمهم عليه ، إنما كان يجلسه على سريره ، واستعمل مصعب المهلب بن أبي صُفرة على الجزيرة والموصل وأذربيجان وأرمينة. وفرق العمال في البلدان ، ثم جمع أشراف أهل المصرين ، ووفد إلى عبد الله بن الزبير ، وجعل إبراهيم بن الأشتر على الوفد جميعاً. فقال له عبد الله : نظرت إلى راية قد خفضها الله فرفعتها. قال : يا أمير المؤمنين ، هذا سيد من خلفي ، إن رضي رضوا ، وإن سخط سخطوا ، فحل عبد الله بن الزبير إزاره فإذا ضربة على منكبه قد أجافته ، ثم قال لمصعب : أتراني كنت أحب الأشتر بعد هذه الضربة ضربنيها يوم الجمل. وقال مصعب : يا أمير المؤمنين سمّ للوفد ما بدا لك من الجائزة وأنا أعطيهم إياه من العراق ، قال : لا والله ولا درهما. ثم خطب عبد الله بن الزبير فحمد الله وأثنى عليه ، وقال : يا أهل العراق ، أتيتمونا أوباشًا من كل جِمّة ، والله لو كانت تصرف لصرفناكم صرف الذهب ، والله لوددت أن لي بكل رجلين منكم رجلاَّ من أهل الشام. فقام إليه أبو حاضر الأسدي ، وكان قاصَّ الجماعة بالبصرة ، فقال : يا أمير المؤمنين ، إن لنا ولك مثلاَّ قد مضى هو ما قاله الأعشى : عُلّقْتُها عَرَضًا وعُلِّقَتْ رجلاَّ غيري ... وعُلِّقَ أخرى غيرها الرّجلُعُلّقْناك وعُلِّقت أهل الشام ، وعُلّق أهل الشام آل مروان ، فما عسينا أن نصنع ، قال الشعبي : فما سمعت جوابًا أحسن منه. ثم انصرف مصعب والوفد إلى الكوفة ثم قدم مصعب البصرة ، فجمع مالاَّ ووفد الثانية على عبد الله بن الزبير بمال العراق ، فعزله عن البصرة وولاها ابنه حمزة بن عبد الله وكان شابًا تائهًا ، فأقام مصعب عند عبد الله بن الزبير ، ومضى حمزة إلى البصرة ، فمنع الناس العطاء وأمر بالمال يحمل إلى ابن الزبير فمنعه من ذلك مالك بن مسمع ووجوه أهل البصرة ونخسوا به ، فخرج من البصرة ، فبلغ ذلك ابن الزبير ، فولى مصعب البصرة وأمره أن يتوجه إلى العراق. قال الشعبي : فما رأينا أمير فُرْقَة كان أشبة بأمراء الجماعة من مصعب بن الزبير. ولم يزل مصعب أحب أمراء العراق إليهم ، كان يعطيهم عطاءين في السنة ، عطاء للشتاء ، وعطاء للصيف ، وكان يشتد في موضع الشدة ، ويلين في موضع اللين ، وكان محكمًا لأمره قويًا على شأنه. وكان عبد الملك بن مروان يكتب إلى شيعته بالعراق في اغتيال مصعب , وكتب إلى شيعته بالبصرة يأمرهم أن يخرجوا على مصعب ، وأخبرهم أنه باعث إليهم بألف من أهل الشام ، ولم يَطْمَع في ذلك بالكوفة ومُصْعَبٌ بها ، وكان يخرج كل سنة حتى يأتي بُطْنَان حبيب وهي من قِنَّسرين فيعسكر بها ، وهي أقصى سلطانه ، ويخرج مصعب بن الزبير حتى ينزل باجُمَيْرا من أرض الموصل فيعسكر وهي أقصى سلطانه ، فقال أبو الجهم الكناني : أبيتَ يا مصعبُ إِلا سَيْرَا ... أكل عام لك باجُمَيْراوكان إذا اشتد البرد وارتجّ الشتاء ، انصرفوا جميعًا معًا ، هذا إلى دمشق ، وهذا إلى الكوفة ، وكان ابن الزبير يكتب إلى مصعب في عبد الملك : لا تغفله واغزه قبل أن يغزوك ، فإنك في عين المال والرجال. ففرض مصعب الفروض ، وأخذ في التهيئة للخروج ، وقسم أموالاَّ وأخرج العطاء ، وبلغ ذلك عبد الملك ، فجمع جنوده ، وسار بنفسه يؤم العراق لقتال مصعب ، وقال لروح بن زنباع وهو يتجهز : والله إن في أمر هذه الدنيا لعجب لقد رأيتني ومصعب بن الزبير أفقده الليلة الواحدة من الموضع الذي نجتمع فيه فكأني والِهٌ ، ويفقدني فيفعل مثل ذلك ، ولقد كنت أُوتَي باللّطَف فما أراه يجوز لي أن آكله حتى أبعث به إليه أو ببعضه ، وكان يفعل مثل ذلك ، ثم صرنا إلى السيف ، ولكن هذا الملك عقيم. فلما أجمع مصعب الخروج من الكوفة يريد عبد الملك ، خرج وقد اصطف له الناس بالكوفة صفين ، وقد اعْتَمَّ عِمَّتَه القَفْدَاء وهو مقبل على مَعْرَفة دابته ، ثم نظر في وجوه القوم يمينا ًوشمالاَّ ، فوقعت عينه على عروة بن المغيرة بن شعبة ، فقال : يا عروة ، فقال : لبيك ، قال : ادنُ ، فدنا فسار معه ، فقال : أخبرني عن حسين بن علي كيف صنع حين نُزِلَ به ؟ قال : فأنشأت أحدثه عن صَبره وإبائه ما عُرض عليه ، وكراهته أن يدخل في طاعة عبيد الله بن زياد حتى قُتل. قال : فضرب بسوطه على مَعْرَفة برذونه ثم قال : إنَّ الأُلَى بالطَّف من آل هاشمٍ ... تأسَّوا فسَنّوا للكرام التأَسِّيا قال : فعرفت والله أنه لن يَفِرّ وأنه سيصبر حتى يقتل. قال : والشعر لسليمان بن قتّة قال : ثم سار عبد الملك وسار مصعب حتى التقيا بمن معهما بمَسْكِن ، فقال عبد الملك : ويلكم ما أصبهان هذه ؟ قيل سُرّة العراق ، قال : فقد ، والله ، كتب إلي أكثر من ثلاثين رجلاَّ من أشراف أهل العراق ، وكلهم يقولون : إن خِسْتُ بمصعبٍ فلي أصبهان ؟ قال : فكتبت إليهم جميعًا : أن نعم ، فلما التقوا ، قال مصعب لربيعة : تقدموا للقتال ، فقالوا : مخروءة بين أيدينا ، فقال : ما تأتون أنتن من المخروءة ، يعني تخلفهم عن القتال

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،