بَابُ الْخِلَافِ فِيمَنْ تُؤْخَذُ مِنْهُ الْجِزْيَةُ

: : هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،   

بَابُ الْخِلَافِ فِيمَنْ تُؤْخَذُ مِنْهُ الْجِزْيَةُ وَفِيمَنْ دَانَ دِينَ أَهْلِ الْكِتَابِ قَبْلَ نُزُولِ الْقُرْآنِ حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ قَالَ : قَالَ الشَّافِعِيُّ : فَخَالَفَنَا بَعْضُ النَّاسِ فَقَالَ : تُؤْخَذُ الْجِزْيَةُ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ ، وَمِمَّنْ دَانَ دِينَ أَهْلِ الْأَوْثَانِ مَا كَانَ ، إِلَّا أَنَّهَا لَا تُؤْخَذُ مِنَ الْعَرَبِ خَاصَّةً إِذَا دَانُوا دِينَ أَهْلِ الْأَوْثَانِ ، فَأَمَّا الْعَجَمُ فَتُؤْخَذُ مِنْهُمْ ، وَإِنْ دَانُوا دِينَ أَهْلِ الْأَوْثَانِ ، قَالَ : فَقُلْتُ لِبَعْضِ مَنْ يَقُولُ هَذَا الْقَوْلَ : وَمِنْ أَيْنَ قُلْتَ هَذَا ؟ قَالَ : ذَهَبْتُ إِلَى أَنَّ الَّذِينَ أُمِرَ بِقِتَالِهِمْ حَتَّى يُسْلِمُوا الْعَرَبُ ، قُلْتُ : أَفَرَأَيْتَ الْعَرَبَ إِذَا دَانُوا دِينَ أَهْلِ الْكِتَابِ أَتَأْخُذُ مِنْهُمُ الْجِزْيَةَ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، قُلْتُ : وَيَدْخُلُونَ فِي مَعْنَى الْآيَةِ الَّتِي نَزَلَتْ فِي أَهْلِ الْكِتَابِ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، قُلْتُ : فَقَدْ تَرَكْتَ أَصْلَ قَوْلِكَ ، وَزَعَمْتَ أَنَّ الْجِزْيَةَ عَلَى الدِّينِ لَا عَلَى النَّسَبِ ، قَالَ : فَلَا أَقْدِرُ أَنْ أَقُولَ : الْجِزْيَةُ وَتَرْكُ الْجِزْيَةِ وَأَنْ يُقَاتَلُوا حَتَّى يُسْلِمُوا عَلَى النَّسَبِ ، وَقَدْ أَخَذَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْجِزْيَةَ مِنْ بَعْضِ الْعَرَبِ .
فَقُلْتُ لَهُ : فَلِمَ ذَهَبْتَ أَوَّلًا إِلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ ، وَلَسْتَ تَجِدُ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ وَلَا سُنَّةٍ ؟ قَالَ : فَإِنَّ مِنْ أَصْحَابِكَ مَنْ قَالَ : تُؤْخَذُ الْجِزْيَةُ مِنْ كُلِّ مَنْ دَعَا إِلَيْهَا ، وَثَنِيٍّ أَوْ غَيْرِهِ ، أَوْ أَعْجَمِيٍّ أَوْ عَرَبِيٍّ ، فَقُلْتُ لَهُ : أَحَمِدْتَ قَوْلَ مَنْ قَالَ هَذَا ؟ قَالَ : لَا ؛ وَذَلِكَ أَنَّ أَكْثَرَ مَنْ قَاتَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَرَبَ ، فَلَمْ يَأْخُذِ الْجِزْيَةَ إِلَّا مِنْ عَرَبٍ دَانَ دِينَ أَهْلِ الْكِتَابِ ، وَسَأَقُومُ لِمَنْ خَالَفَنَا وَإِيَّاكَ مِنْ أَصْحَابِكَ بِقَوْلِهِ فَأَقُولُ : إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَ الْجِزْيَةَ مِنَ الْمَجُوسِ ، وَرَأَيْتُ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يَخْتَلِفُوا فِي أَنْ تُؤْخَذَ مِنْهُمُ الْجِزْيَةُ ، وَلَا تُؤْكَلَ ذَبَائِحُهُمْ ، وَلَا تُنْكَحَ نِسَاؤُهُمْ ، وَرُوِيَ هَذَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَأَهْلُ الْكِتَابِ تُؤْكَلُ ذَبَائِحُهُمْ ، وَتُنْكَحُ نِسَاؤُهُمْ ، وَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمَجُوسَ لَيْسُوا بِأَهْلِ كِتَابٍ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : فَقُلْتُ لَهُ : قُلْتَ : إِنَّ الْمَجُوسَ لَيْسُوا بِأَهْلِ كِتَابٍ مَشْهُورٍ عِنْدَ الْعَامَّةِ ، بَاقٍ فِي أَيْدِيهِمْ ، فَهَلْ مِنْ حُجَّةٍ فِي أَنْ لَيْسُوا بِأَهْلِ كِتَابٍ كَالْعَرَبِ ؟ قَالَ : لَا ، إِلَّا مَا وَصَفْتُ مِنْ أَلَّا تُنْكَحَ نِسَاؤُهُمْ ، وَلَا تُؤْكَلَ ذَبَائِحُهُمْ ، قُلْتُ : فَكَيْفَ أَنْكَرْتَ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَلَّ عَلَى أَنَّ قَوْلَ اللَّهِ { حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ } مَنْ دَانَ دِينَ أَهْلِ الْكِتَابِ قَبْلَ نُزُولِ الْفُرْقَانِ ، وَأَنْ يَكُونَ إِحْلَالُ نِسَاءِ أَهْلِ الْكِتَابِ إِحْلَالُ نِسَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ دُونَ أَهْلِ الْكُتُبِ سِوَاهُمْ ، فَيَكُونُونَ مُسْتَوِينَ فِي الْجِزْيَةِ ، مُخْتَلِفِينَ فِي النِّسَاءِ وَالذَّبَائِحِ ؟ كَمَا أَمَرَ اللَّهُ بِقِتَالِ الْمُشْرِكِينَ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ ، وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ ، وَأَمَرَ بِقِتَالِ أَهْلِ الْكِتَابِ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ ، فَسَوَّى بَيْنَهُمْ فِي الشِّرْكِ ، وَخَالَفَ بَيْنَهُمْ فِي الْقِتَالِ عَلَى الشِّرْكِ .
فَقَالَ ، أَوْ قَالَ بَعْضُ مَنْ حَضَرَهُ : مَا فِي هَذَا مَا أَنْكَرَهُ عَالِمٌ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : قُلْتُ لَهُ : لَمْ يَذْهَبْ هَذَا الْمَذْهَبَ أَحَدٌ لَهُ عِلْمٌ بِكِتَابِ اللَّهِ أَوِ السُّنَّةِ ، قَالَ : وَمِنْ أَيْنَ ؟ قُلْتُ : السُّنَّةُ لَا تَكُونُ أَبَدًا إِلَّا تَبَعًا لِلْقُرْآنِ بِمِثْلِ مَعْنَاهُ وَلَا تُخَالِفُهُ ، فَإِذَا كَانَ الْقُرْآنُ نَصًّا فَهِيَ مِثْلُهُ ، وَإِذَا كَانَ جُمْلَةً أَبَانَتْ مَا أُرِيدَ بِالْجُمْلَةِ ، ثُمَّ لَا تَكُونُ إِلَّا وَالْقُرْآنُ مُحْتَمِلٌ مَا أَبَانَتِ السُّنَّةُ مِنْهُ ؟ قَالَ : أَجَلْ ، قُلْتُ : فَمَنْ ذَكَرَ أَنَّ الْجِزْيَةَ تُؤْخَذُ مِنْ كُلِّ أَحَدٍ ، خَرَجَ مِنَ الْأَمْرَيْنِ مَعًا ، مِنَ الْكِتَابِ إِلَى غَيْرِ كِتَابٍ ، وَمِنَ السُّنَّةِ إِلَى غَيْرِ السُّنَّةِ ، وَذَهَبَ فِي الْمَجُوسِ إِلَى أَمْرٍ جَهِلَهُ ، فَقَالَ فِيهِمْ بِالْجَهَالَةِ .
قَالَ : إِنَّهُ شُبِّهَ عَلَيْهِمْ فِي أَلَّا تُؤْكَلَ ذَبَائِحُهُمْ .
قُلْتُ : لَا ، وَلَا ذَبَائِحُ نَصَارَى الْعَرَبِ ، وَتُؤْخَذُ الْجِزْيَةُ مِنْهُمْ كَمَا وَصَفْتُ بِأَنْ يَجْتَمِعُوا فِي جُمْلَةِ مَنْ أُوتِيَ الْكِتَابَ ، وَالَّذِينَ أَمَرَ بِنِكَاحِ نِسَائِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ ، وَأَكْلِ ذَبَائِحِهِمْ ، أَهْلُ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ دُونَ غَيْرِهِمْ .

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،