هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
18605 حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمِ بْنِ شِهَابٍ ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ ، عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ ، وَمَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ ، قَالَا : خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ يُرِيدُ زِيَارَةَ الْبَيْتِ ، لَا يُرِيدُ قِتَالًا ، وَسَاقَ مَعَهُ الْهَدْيَ سَبْعِينَ بَدَنَةً ، وَكَانَ النَّاسُ سَبْعَ مِائَةِ رَجُلٍ ، فَكَانَتْ كُلُّ بَدَنَةٍ عَنْ عَشَرَةٍ ، قَالَ : وَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى إِذَا كَانَ بِعُسْفَانَ لَقِيَهُ بِشْرُ بْنُ سُفْيَانَ الْكَعْبِيُّ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، هَذِهِ قُرَيْشٌ قَدْ سَمِعَتْ بِمَسِيرِكَ ، فَخَرَجَتْ مَعَهَا الْعُوذُ الْمَطَافِيلُ ، قَدْ لَبِسُوا جُلُودَ النُّمُورِ ، يُعَاهِدُونَ اللَّهَ أَنْ لَا تَدْخُلَهَا عَلَيْهِمْ عَنْوَةً أَبَدًا ، وَهَذَا خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ فِي خَيْلِهِمْ قَدِمُوا إِلَى كُرَاعِ الْغَمِيمِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يَا وَيْحَ قُرَيْشٍ ، لَقَدْ أَكَلَتْهُمُ الْحَرْبُ ، مَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ خَلَّوْا بَيْنِي وَبَيْنَ سَائِرِ النَّاسِ ، فَإِنْ أَصَابُونِي كَانَ الَّذِي أَرَادُوا ، وَإِنْ أَظْهَرَنِي اللَّهُ عَلَيْهِمْ دَخَلُوا فِي الْإِسْلَامِ وَهُمْ وَافِرُونَ ، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلُوا ، قَاتَلُوا وَبِهِمْ قُوَّةٌ ، فَمَاذَا تَظُنُّ قُرَيْشٌ ، وَاللَّهِ إِنِّي لَا أَزَالُ أُجَاهِدُهُمْ عَلَى الَّذِي بَعَثَنِي اللَّهُ لَهُ حَتَّى يُظْهِرَهُ اللَّهُ لَهُ أَوْ تَنْفَرِدَ هَذِهِ السَّالِفَةُ ، ثُمَّ أَمَرَ النَّاسَ ، فَسَلَكُوا ذَاتَ الْيَمِينِ بَيْنَ ظَهْرَيْ الْحَمْضِ عَلَى طَرِيقٍ تُخْرِجُهُ عَلَى ثَنِيَّةِ الْمِرَارِ وَالْحُدَيْبِيَةِ مِنْ أَسْفَلِ مَكَّةَ ، قَالَ : فَسَلَكَ بِالْجَيْشِ تِلْكَ الطَّرِيقَ ، فَلَمَّا رَأَتْ خَيْلُ قُرَيْشٍ قَتَرَةَ الْجَيْشِ قَدْ خَالَفُوا عَنْ طَرِيقِهِمْ ، نَكَصُوا رَاجِعِينَ إِلَى قُرَيْشٍ ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى إِذَا سَلَكَ ثَنِيَّةَ الْمِرَارِ بَرَكَتْ نَاقَتُهُ ، فَقَالَ النَّاسُ : خَلَأَتْ . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَا خَلَأَتْ ، وَمَا هُوَ لَهَا بِخُلُقٍ ، وَلَكِنْ حَبَسَهَا حَابِسُ الْفِيلِ عَنْ مَكَّةَ ، وَاللَّهِ لَا تَدْعُونِي قُرَيْشٌ الْيَوْمَ إِلَى خُطَّةٍ يَسْأَلُونِي فِيهَا صِلَةَ الرَّحِمِ إِلَّا أَعْطَيْتُهُمْ إِيَّاهَا ثُمَّ قَالَ لِلنَّاسِ : انْزِلُوا فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مَا بِالْوَادِي مِنْ مَاءٍ يَنْزِلُ عَلَيْهِ النَّاسُ . فَأَخْرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِهِ ، فَأَعْطَاهُ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِهِ ، فَنَزَلَ فِي قَلِيبٍ مِنْ تِلْكَ الْقُلُبِ ، فَغَرَزَهُ فِيهِ ، فَجَاشَ الْمَاءُ بِالرَّوَاءِ حَتَّى ضَرَبَ النَّاسُ عَنْهُ بِعَطَنٍ ، فَلَمَّا اطْمَأَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا بُدَيْلُ بْنُ وَرْقَاءَ فِي رِجَالٍ مِنْ خُزَاعَةَ ، فَقَالَ لَهُمْ كَقَوْلِهِ لِبُشَيْرِ بْنِ سُفْيَانَ ، فَرَجَعُوا إِلَى قُرَيْشٍ فَقَالُوا : يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ ، إِنَّكُمْ تَعْجَلُونَ عَلَى مُحَمَّدٍ ، وَإِنَّ مُحَمَّدًا لَمْ يَأْتِ لِقِتَالٍ إِنَّمَا جَاءَ زَائِرًا لِهَذَا الْبَيْتِ ، مُعَظِّمًا لَحَقِّهِ . فَاتَّهَمُوهُمْ . قَالَ مُحَمَّدٌ يَعْنِي ابْنَ إِسْحَاقَ : قَالَ الزُّهْرِيُّ : وَكَانَتْ خُزَاعَةُ فِي غَيْبَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسْلِمُهَا وَمُشْرِكُهَا ، لَا يُخْفُونَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا كَانَ بِمَكَّةَ ، قَالُوا : وَإِنْ كَانَ إِنَّمَا جَاءَ لِذَلِكَ ، فَلَا وَاللَّهِ لَا يَدْخُلُهَا أَبَدًا عَلَيْنَا عَنْوَةً ، وَلَا تَتَحَدَّثُ بِذَلِكَ الْعَرَبُ . ثُمَّ بَعَثُوا إِلَيْهِ مِكْرَزَ بْنَ حَفْصِ بْنِ الْأَخْيَفِ ، أَحَدَ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ ، فَلَمَّا رَآهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : هَذَا رَجُلٌ غَادِرٌ . فَلَمَّا انْتَهَى إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَلَّمَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَحْوٍ مِمَّا كَلَّمَ بِهِ أَصْحَابَهُ ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى قُرَيْشٍ ، فَأَخْبَرَهُمْ بِمَا قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . قَالَ : فَبَعَثُوا إِلَيْهِ الْحِلْسَ بْنَ عَلْقَمَةَ الْكِنَانِيَّ ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ سَيِّدُ الْأَحَابِشِ ، فَلَمَّا رَآهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : هَذَا مِنْ قَوْمٍ يَتَأَلَّهُونَ ، فَابْعَثُوا الْهَدْيَ فِي وَجْهِهِ . فَبَعَثُوا الْهَدْيَ ، فَلَمَّا رَأَى الْهَدْيَ يَسِيلُ عَلَيْهِ مِنْ عَرْضِ الْوَادِي فِي قَلَائِدِهِ ، قَدْ أَكَلَ أَوْتَارَهُ مِنْ طُولِ الْحَبْسِ عَنْ مَحِلِّهِ ، رَجَعَ ، وَلَمْ يَصِلْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِعْظَامًا لِمَا رَأَى ، فَقَالَ : يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ ، قَدْ رَأَيْتُ مَا لَا يَحِلُّ صَدُّهُ : الْهَدْيَ فِي قَلَائِدِهِ قَدْ أَكَلَ أَوْتَارَهُ مِنْ طُولِ الْحَبْسِ عَنْ مَحِلِّهِ . فَقَالُوا : اجْلِسْ ، إِنَّمَا أَنْتَ أَعْرَابِيٌّ لَا عِلْمَ لَكَ ، فَبَعَثُوا إِلَيْهِ عُرْوَةَ بْنَ مَسْعُودٍ الثَّقَفِيَّ ، فَقَالَ : يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ ، إِنِّي قَدْ رَأَيْتُ مَا يَلْقَى مِنْكُمْ ، مَنْ تَبْعَثُونَ إِلَى مُحَمَّدٍ إِذَا جَاءَكُمْ ، مِنَ التَّعْنِيفِ وَسُوءِ اللَّفْظِ ، وَقَدْ عَرَفْتُمْ أَنَّكُمْ وَالِدٌ وَأَنِّي وَلَدٌ ، وَقَدْ سَمِعْتُ بِالَّذِي نَابَكُمْ ، فَجَمَعْتُ مَنْ أَطَاعَنِي مِنْ قَوْمِي ، ثُمَّ جِئْتُ حَتَّى آسَيْتُكُمْ بِنَفْسِي . قَالُوا : صَدَقْتَ ، مَا أَنْتَ عِنْدَنَا بِمُتَّهَمٍ . فَخَرَجَ حَتَّى أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَجَلَسَ بَيْنَ يَدَيْهِ ، فَقَالَ : يَا مُحَمَّدُ ، جَمَعْتَ أَوْبَاشَ النَّاسِ ، ثُمَّ جِئْتَ بِهِمْ لِبَيْضَتِكَ لِتَفُضَّهَا ، إِنَّهَا قُرَيْشٌ قَدْ خَرَجَتْ مَعَهَا الْعُوذُ الْمَطَافِيلُ ، قَدْ لَبِسُوا جُلُودَ النُّمُورِ ، يُعَاهِدُونَ اللَّهَ أَنْ لَا تَدْخُلَهَا عَلَيْهِمْ عَنْوَةً أَبَدًا ، وَأَيْمُ اللَّهِ ، لَكَأَنِّي بِهَؤُلَاءِ قَدْ انْكَشَفُوا عَنْكَ غَدًا . قَالَ : وَأَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاعِدٌ ، فَقَالَ : امْصُصْ بَظْرَ اللَّاتِ ، أَنَحْنُ نَنْكَشِفُ عَنْهُ ؟ قَالَ : مَنْ هَذَا يَا مُحَمَّدُ ؟ قَالَ : هَذَا ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ قَالَ : وَاللَّهِ لَوْلَا يَدٌ كَانَتْ لَكَ عِنْدِي ، لَكَافَأْتُكَ بِهَا ، وَلَكِنَّ هَذِهِ بِهَا . ثُمَّ تَنَاوَلَ لِحْيَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ وَاقِفٌ عَلَى رَأْسِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيدِ ، قَالَ : يَقْرَعُ يَدَهُ ، ثُمَّ قَالَ : أَمْسِكْ يَدَكَ عِنْ لِحْيَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ وَاللَّهِ لَا تَصِلُ إِلَيْكَ . قَالَ : وَيْحَكَ ، مَا أَفَظَّكَ وَأَغْلَظَكَ . قَالَ : فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : مَنْ هَذَا يَا مُحَمَّدُ ؟ قَالَ : هَذَا ابْنُ أَخِيكَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ قَالَ : أَغُدَرُ ، هَلْ غَسَلْتَ سَوْأَتَكَ إِلَّا بِالْأَمْسِ . قَالَ : فَكَلَّمَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِ مَا كَلَّمَ بِهِ أَصْحَابَهُ ، فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ لَمْ يَأْتِ يُرِيدُ حَرْبًا . قَالَ : فَقَامَ مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ رَأَى مَا يَصْنَعُ بِهِ أَصْحَابُهُ ، لَا يَتَوَضَّأُ وُضُوءًا إِلَّا ابْتَدَرُوهُ ، وَلَا يَبْسُقُ بُسَاقًا إِلَّا ابْتَدَرُوهُ ، وَلَا يَسْقُطُ مِنْ شَعَرِهِ شَيْءٌ إِلَّا أَخَذُوهُ ، فَرَجَعَ إِلَى قُرَيْشٍ ، فَقَالَ : يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ ، إِنِّي جِئْتُ كِسْرَى فِي مُلْكِهِ ، وَجِئْتُ قَيْصَرَ وَالنَّجَاشِيَّ فِي مُلْكِهِمَا ، وَاللَّهِ مَا رَأَيْتُ مَلِكًا قَطُّ مِثْلَ مُحَمَّدٍ فِي أَصْحَابِهِ ، وَلَقَدْ رَأَيْتُ قَوْمًا لَا يُسْلِمُونَهُ لِشَيْءٍ أَبَدًا ، فَرُوا رَأْيَكُمْ . قَالَ : وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ ذَلِكَ بَعَثَ خِرَاشَ بْنَ أُمَيَّةَ الْخُزَاعِيَّ إِلَى مَكَّةَ ، وَحَمَلَهُ عَلَى جَمَلٍ لَهُ يُقَالُ لَهُ : الثَّعْلَبُ ، فَلَمَّا دَخَلَ مَكَّةَ عَقَرَتْ بِهِ قُرَيْشٌ ، وَأَرَادُوا قَتْلَ خِرَاشٍ ، فَمَنَعَهُمُ الْأَحَابِشُ حَتَّى أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَدَعَا عُمَرَ لِيَبْعَثَهُ إِلَى مَكَّةَ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنِّي أَخَافُ قُرَيْشًا عَلَى نَفْسِي ، وَلَيْسَ بِهَا مِنْ بَنِي عَدِيٍّ أَحَدٌ يَمْنَعُنِي ، وَقَدْ عَرَفَتْ قُرَيْشٌ عَدَاوَتِي إِيَّاهَا ، وَغِلْظَتِي عَلَيْهَا ، وَلَكِنْ أَدُلُّكَ عَلَى رَجُلٍ هُوَ أَعَزُّ مِنِّي عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ . قَالَ : فَدَعَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَبَعَثَهُ إِلَى قُرَيْشٍ يُخْبِرُهُمْ أَنَّهُ لَمْ يَأْتِ لِحَرْبٍ ، وَأَنَّهُ جَاءَ زَائِرًا لِهَذَا الْبَيْتِ ، مُعَظِّمًا لِحُرْمَتِهِ ، فَخَرَجَ عُثْمَانُ حَتَّى أَتَى مَكَّةَ ، وَلَقِيَهُ أَبَانُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ ، فَنَزَلَ عَنْ دَابَّتِهِ وَحَمَلَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ ، وَرَدِفَ خَلْفَهُ ، وَأَجَارَهُ حَتَّى بَلَّغَ رِسَالَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَانْطَلَقَ عُثْمَانُ حَتَّى أَتَى أَبَا سُفْيَانَ وَعُظَمَاءَ قُرَيْشٍ ، فَبَلَّغَهُمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَرْسَلَهُ بِهِ ، فَقَالُوا لِعُثْمَانَ : إِنْ شِئْتَ أَنْ تَطُوفَ بِالْبَيْتِ ، فَطُفْ بِهِ . فَقَالَ : مَا كُنْتُ لِأَفْعَلَ حَتَّى يَطُوفَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . قَالَ : فَاحْتَبَسَتْهُ قُرَيْشٌ عِنْدَهَا ، فَبَلَغَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُسْلِمِينَ أَنَّ عُثْمَانَ قَدْ قُتِلَ . قَالَ مُحَمَّدٌ : فَحَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ : أَنَّ قُرَيْشًا بَعَثُوا سُهَيْلَ بْنَ عَمْرٍو ، أَحَدَ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ ، فَقَالُوا : ائْتِ مُحَمَّدًا فَصَالِحْهُ ، وَلَا يَكُونُ فِي صُلْحِهِ إِلَّا أَنْ يَرْجِعَ عَنَّا عَامَهُ هَذَا ، فَوَاللَّهِ لَا تَتَحَدَّثُ الْعَرَبُ أَنَّهُ دَخَلَهَا عَلَيْنَا عَنْوَةً أَبَدًا ، فَأَتَاهُ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو ، فَلَمَّا رَآهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : قَدْ أَرَادَ الْقَوْمُ الصُّلْحَ حِينَ بَعَثُوا هَذَا الرَّجُلَ ، فَلَمَّا انْتَهَى إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَكَلَّمَا ، وَأَطَالَا الْكَلَامَ ، وَتَرَاجَعَا حَتَّى جَرَى بَيْنَهُمَا الصُّلْحُ ، فَلَمَّا الْتَأَمَ الْأَمْرُ وَلَمْ يَبْقَ إِلَّا الْكِتَابُ وَثَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ ، فَأَتَى أَبَا بَكْرٍ ، فَقَالَ : يَا أَبَا بَكْرٍ ، أَوَلَيْسَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ أَوَلَسْنَا بِالْمُسْلِمِينَ ؟ أَوَلَيْسُوا بِالْمُشْرِكِينَ ؟ قَالَ : بَلَى . قَالَ : فَعَلَامَ نُعْطِي الذِّلَّةَ فِي دِينِنَا . فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ : يَا عُمَرُ الْزَمْ غَرْزَهُ حَيْثُ كَانَ ، فَإِنِّي أَشْهَدُ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ . قَالَ عُمَرُ : وَأَنَا أَشْهَدُ ، ثُمَّ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَوَلَسْنَا بِالْمُسْلِمِينَ ؟ أَوَلَيْسُوا بِالْمُشْرِكِينَ ؟ قَالَ : بَلَى ، قَالَ : فَعَلَامَ نُعْطِي الذِّلَّةَ فِي دِينِنَا ؟ فَقَالَ : أَنَا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ ، لَنْ أُخَالِفَ أَمْرَهُ ، وَلَنْ يُضَيِّعَنِي ثُمَّ قَالَ عُمَرُ : مَا زِلْتُ أَصُومُ وَأَتَصَدَّقُ وَأُصَلِّي وَأَعْتِقُ مِنَ الَّذِي صَنَعْتُ مَخَافَةَ كَلَامِي الَّذِي تَكَلَّمْتُ بِهِ يَوْمَئِذٍ حَتَّى رَجَوْتُ أَنْ يَكُونَ خَيْرًا . قَالَ : وَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : اكْتُبْ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فَقَالَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو : لَا أَعْرِفُ هَذَا ، وَلَكِنْ اكْتُبْ بِاسْمِكَ اللَّهُمَّ ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : اكْتُبْ بِاسْمِكَ اللَّهُمَّ ، هَذَا مَا صَالَحَ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ سُهَيْلَ بْنَ عَمْرٍو فَقَالَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو : لَوْ شَهِدْتُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ لَمْ أُقَاتِلْكَ ، وَلَكِنْ اكْتُبْ : هَذَا مَا اصْطَلَحَ عَلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَسُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو عَلَى وَضْعِ الْحَرْبِ عَشْرَ سِنِينَ ، يَأْمَنُ فِيهَا النَّاسُ ، وَيَكُفُّ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ ، عَلَى أَنَّهُ مَنْ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَصْحَابِهِ بِغَيْرِ إِذْنِ وَلِيِّهِ رَدَّهُ عَلَيْهِمْ ، وَمَنْ أَتَى قُرَيْشًا مِمَّنْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَرُدُّوهُ عَلَيْهِ ، وَإِنَّ بَيْنَنَا عَيْبَةً مَكْفُوفَةً ، وَإِنَّهُ لَا إِسْلَالَ وَلَا إِغْلَالَ . وَكَانَ فِي شَرْطِهِمْ حِينَ كَتَبُوا الْكِتَابَ أَنَّهُ مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَدْخُلَ فِي عَقْدِ مُحَمَّدٍ وَعَهْدِهِ دَخَلَ فِيهِ ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَدْخُلَ فِي عَقْدِ قُرَيْشٍ وَعَهْدِهِمْ دَخَلَ فِيهِ ، فَتَوَاثَبَتْ خُزَاعَةُ فَقَالُوا : نَحْنُ مَعَ عَقْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَهْدِهِ ، وَتَوَاثَبَتْ بَنُو بَكْرٍ ، فَقَالُوا : نَحْنُ فِي عَقْدِ قُرَيْشٍ وَعَهْدِهِمْ . وَأَنَّكَ تَرْجِعُ عَنَّا عَامَنَا هَذَا ، فَلَا تَدْخُلْ عَلَيْنَا مَكَّةَ ، وَأَنَّهُ إِذَا كَانَ عَامُ قَابِلٍ ، خَرَجْنَا عَنْكَ ، فَتَدْخُلُهَا بِأَصْحَابِكَ ، وَأَقَمْتَ فِيهِمْ ثَلَاثًا مَعَكَ سِلَاحُ الرَّاكِبِ لَا تَدْخُلْهَا بِغَيْرِ السُّيُوفِ فِي الْقُرُبِ . فَبَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَكْتُبُ الْكِتَابَ إِذْ جَاءَهُ أَبُو جَنْدَلِ بْنُ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو فِي الْحَدِيدِ قَدِ انْفَلَتَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . قَالَ : وَقَدْ كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجُوا وَهُمْ لَا يَشُكُّونَ فِي الْفَتْحِ لِرُؤْيَا رَآهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَلَمَّا رَأَوْا مَا رَأَوْا مِنَ الصُّلْحِ وَالرُّجُوعِ ، وَمَا تَحَمَّلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى نَفْسِهِ ، دَخَلَ النَّاسَ مِنْ ذَلِكَ أَمْرٌ عَظِيمٌ حَتَّى كَادُوا أَنْ يَهْلَكُوا ، فَلَمَّا رَأَى سُهَيْلٌ أَبَا جَنْدَلٍ ، قَامَ إِلَيْهِ ، فَضَرَبَ وَجْهَهُ ، ثُمَّ قَالَ : يَا مُحَمَّدُ ، قَدْ لُجَّتِ الْقَضِيَّةُ بَيْنِي وَبَيْنَكَ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكَ هَذَا . قَالَ : صَدَقْتَ . فَقَامَ إِلَيْهِ ، فَأَخَذَ بِتَلْبِيبِهِ ، قَالَ : وَصَرَخَ أَبُو جَنْدَلٍ بِأَعْلَى صَوْتِهِ : يَا مَعَاشِرَ الْمُسْلِمِينَ ، أَتَرُدُّونَنِي إِلَى أَهْلِ الشِّرْكِ ، فَيَفْتِنُونِي فِي دِينِي . قَالَ : فَزَادَ النَّاسُ شَرًّا إِلَى مَا بِهِمْ . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يَا أَبَا جَنْدَلٍ اصْبِرْ وَاحْتَسِبْ ، فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ جَاعِلٌ لَكَ وَلِمَنْ مَعَكَ مِنَ الْمُسْتَضْعَفِينَ فَرَجًا وَمَخْرَجًا ، إِنَّا قَدْ عَقَدْنَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ صُلْحًا ، فَأَعْطَيْنَاهُمْ عَلَى ذَلِكَ ، وَأَعْطَوْنَا عَلَيْهِ عَهْدًا ، وَإِنَّا لَنْ نَغْدِرَ بِهِمْ . قَالَ : فَوَثَبَ إِلَيْهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ مَعَ أَبِي جَنْدَلٍ ، فَجَعَلَ يَمْشِي إِلَى جَنْبِهِ وَهُوَ يَقُولُ : اصْبِرْ أَبَا جَنْدَلٍ ، فَإِنَّمَا هُمُ الْمُشْرِكُونَ ، وَإِنَّمَا دَمُ أَحَدِهِمْ دَمُ كَلْبٍ . قَالَ : وَيُدْنِي قَائِمَ السَّيْفِ مِنْهُ . قَالَ : يَقُولُ : رَجَوْتُ أَنْ يَأْخُذَ السَّيْفَ ، فَيَضْرِبَ بِهِ أَبَاهُ . قَالَ : فَضَنَّ الرَّجُلُ بِأَبِيهِ ، وَنَفَذَتِ الْقَضِيَّةُ ، فَلَمَّا فَرَغَا مِنَ الْكِتَابِ ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي فِي الْحَرَمِ وَهُوَ مُضْطَرِبٌ فِي الْحِلِّ . قَالَ : فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا أَيُّهَا النَّاسُ ، انْحَرُوا وَاحْلِقُوا قَالَ : فَمَا قَامَ أَحَدٌ ، قَالَ : ثُمَّ عَادَ بِمِثْلِهَا ، فَمَا قَامَ رَجُلٌ ، حَتَّى عَادَ بِمِثْلِهَا ، فَمَا قَامَ رَجُلٌ ، فَرَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَخَلَ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ ، فَقَالَ : يَا أُمَّ سَلَمَةَ ، مَا شَأْنُ النَّاسِ ؟ قَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَدْ دَخَلَهُمْ مَا قَدْ رَأَيْتَ ، فَلَا تُكَلِّمَنَّ مِنْهُمْ إِنْسَانًا ، وَاعْمِدْ إِلَى هَدْيِكَ حَيْثُ كَانَ فَانْحَرْهُ وَاحْلِقْ ، فَلَوْ قَدْ فَعَلْتَ ذَلِكَ فَعَلَ النَّاسُ ذَلِكَ . فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُكَلِّمُ أَحَدًا حَتَّى أَتَى هَدْيَهُ فَنَحَرَهُ ، ثُمَّ جَلَسَ ، فَحَلَقَ ، فَقَامَ النَّاسُ يَنْحَرُونَ وَيَحْلِقُونَ . قَالَ : حَتَّى إِذَا كَانَ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ فِي وَسَطِ الطَّرِيقِ ، فَنَزَلَتْ سُورَةُ الْفَتْحِ
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
18605 حدثنا يزيد بن هارون ، أخبرنا محمد بن إسحاق بن يسار ، عن الزهري محمد بن مسلم بن شهاب ، عن عروة بن الزبير ، عن المسور بن مخرمة ، ومروان بن الحكم ، قالا : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية يريد زيارة البيت ، لا يريد قتالا ، وساق معه الهدي سبعين بدنة ، وكان الناس سبع مائة رجل ، فكانت كل بدنة عن عشرة ، قال : وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كان بعسفان لقيه بشر بن سفيان الكعبي ، فقال : يا رسول الله ، هذه قريش قد سمعت بمسيرك ، فخرجت معها العوذ المطافيل ، قد لبسوا جلود النمور ، يعاهدون الله أن لا تدخلها عليهم عنوة أبدا ، وهذا خالد بن الوليد في خيلهم قدموا إلى كراع الغميم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا ويح قريش ، لقد أكلتهم الحرب ، ماذا عليهم لو خلوا بيني وبين سائر الناس ، فإن أصابوني كان الذي أرادوا ، وإن أظهرني الله عليهم دخلوا في الإسلام وهم وافرون ، وإن لم يفعلوا ، قاتلوا وبهم قوة ، فماذا تظن قريش ، والله إني لا أزال أجاهدهم على الذي بعثني الله له حتى يظهره الله له أو تنفرد هذه السالفة ، ثم أمر الناس ، فسلكوا ذات اليمين بين ظهري الحمض على طريق تخرجه على ثنية المرار والحديبية من أسفل مكة ، قال : فسلك بالجيش تلك الطريق ، فلما رأت خيل قريش قترة الجيش قد خالفوا عن طريقهم ، نكصوا راجعين إلى قريش ، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا سلك ثنية المرار بركت ناقته ، فقال الناس : خلأت . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما خلأت ، وما هو لها بخلق ، ولكن حبسها حابس الفيل عن مكة ، والله لا تدعوني قريش اليوم إلى خطة يسألوني فيها صلة الرحم إلا أعطيتهم إياها ثم قال للناس : انزلوا فقالوا : يا رسول الله ، ما بالوادي من ماء ينزل عليه الناس . فأخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم سهما من كنانته ، فأعطاه رجلا من أصحابه ، فنزل في قليب من تلك القلب ، فغرزه فيه ، فجاش الماء بالرواء حتى ضرب الناس عنه بعطن ، فلما اطمأن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بديل بن ورقاء في رجال من خزاعة ، فقال لهم كقوله لبشير بن سفيان ، فرجعوا إلى قريش فقالوا : يا معشر قريش ، إنكم تعجلون على محمد ، وإن محمدا لم يأت لقتال إنما جاء زائرا لهذا البيت ، معظما لحقه . فاتهموهم . قال محمد يعني ابن إسحاق : قال الزهري : وكانت خزاعة في غيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم مسلمها ومشركها ، لا يخفون على رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا كان بمكة ، قالوا : وإن كان إنما جاء لذلك ، فلا والله لا يدخلها أبدا علينا عنوة ، ولا تتحدث بذلك العرب . ثم بعثوا إليه مكرز بن حفص بن الأخيف ، أحد بني عامر بن لؤي ، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : هذا رجل غادر . فلما انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمه رسول الله صلى الله عليه وسلم بنحو مما كلم به أصحابه ، ثم رجع إلى قريش ، فأخبرهم بما قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال : فبعثوا إليه الحلس بن علقمة الكناني ، وهو يومئذ سيد الأحابش ، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : هذا من قوم يتألهون ، فابعثوا الهدي في وجهه . فبعثوا الهدي ، فلما رأى الهدي يسيل عليه من عرض الوادي في قلائده ، قد أكل أوتاره من طول الحبس عن محله ، رجع ، ولم يصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إعظاما لما رأى ، فقال : يا معشر قريش ، قد رأيت ما لا يحل صده : الهدي في قلائده قد أكل أوتاره من طول الحبس عن محله . فقالوا : اجلس ، إنما أنت أعرابي لا علم لك ، فبعثوا إليه عروة بن مسعود الثقفي ، فقال : يا معشر قريش ، إني قد رأيت ما يلقى منكم ، من تبعثون إلى محمد إذا جاءكم ، من التعنيف وسوء اللفظ ، وقد عرفتم أنكم والد وأني ولد ، وقد سمعت بالذي نابكم ، فجمعت من أطاعني من قومي ، ثم جئت حتى آسيتكم بنفسي . قالوا : صدقت ، ما أنت عندنا بمتهم . فخرج حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجلس بين يديه ، فقال : يا محمد ، جمعت أوباش الناس ، ثم جئت بهم لبيضتك لتفضها ، إنها قريش قد خرجت معها العوذ المطافيل ، قد لبسوا جلود النمور ، يعاهدون الله أن لا تدخلها عليهم عنوة أبدا ، وأيم الله ، لكأني بهؤلاء قد انكشفوا عنك غدا . قال : وأبو بكر الصديق خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم قاعد ، فقال : امصص بظر اللات ، أنحن ننكشف عنه ؟ قال : من هذا يا محمد ؟ قال : هذا ابن أبي قحافة قال : والله لولا يد كانت لك عندي ، لكافأتك بها ، ولكن هذه بها . ثم تناول لحية رسول الله صلى الله عليه وسلم والمغيرة بن شعبة واقف على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديد ، قال : يقرع يده ، ثم قال : أمسك يدك عن لحية رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل والله لا تصل إليك . قال : ويحك ، ما أفظك وأغلظك . قال : فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : من هذا يا محمد ؟ قال : هذا ابن أخيك المغيرة بن شعبة قال : أغدر ، هل غسلت سوأتك إلا بالأمس . قال : فكلمه رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثل ما كلم به أصحابه ، فأخبره أنه لم يأت يريد حربا . قال : فقام من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد رأى ما يصنع به أصحابه ، لا يتوضأ وضوءا إلا ابتدروه ، ولا يبسق بساقا إلا ابتدروه ، ولا يسقط من شعره شيء إلا أخذوه ، فرجع إلى قريش ، فقال : يا معشر قريش ، إني جئت كسرى في ملكه ، وجئت قيصر والنجاشي في ملكهما ، والله ما رأيت ملكا قط مثل محمد في أصحابه ، ولقد رأيت قوما لا يسلمونه لشيء أبدا ، فروا رأيكم . قال : وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل ذلك بعث خراش بن أمية الخزاعي إلى مكة ، وحمله على جمل له يقال له : الثعلب ، فلما دخل مكة عقرت به قريش ، وأرادوا قتل خراش ، فمنعهم الأحابش حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فدعا عمر ليبعثه إلى مكة ، فقال : يا رسول الله ، إني أخاف قريشا على نفسي ، وليس بها من بني عدي أحد يمنعني ، وقد عرفت قريش عداوتي إياها ، وغلظتي عليها ، ولكن أدلك على رجل هو أعز مني عثمان بن عفان . قال : فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فبعثه إلى قريش يخبرهم أنه لم يأت لحرب ، وأنه جاء زائرا لهذا البيت ، معظما لحرمته ، فخرج عثمان حتى أتى مكة ، ولقيه أبان بن سعيد بن العاص ، فنزل عن دابته وحمله بين يديه ، وردف خلفه ، وأجاره حتى بلغ رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فانطلق عثمان حتى أتى أبا سفيان وعظماء قريش ، فبلغهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أرسله به ، فقالوا لعثمان : إن شئت أن تطوف بالبيت ، فطف به . فقال : ما كنت لأفعل حتى يطوف به رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال : فاحتبسته قريش عندها ، فبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين أن عثمان قد قتل . قال محمد : فحدثني الزهري : أن قريشا بعثوا سهيل بن عمرو ، أحد بني عامر بن لؤي ، فقالوا : ائت محمدا فصالحه ، ولا يكون في صلحه إلا أن يرجع عنا عامه هذا ، فوالله لا تتحدث العرب أنه دخلها علينا عنوة أبدا ، فأتاه سهيل بن عمرو ، فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم قال : قد أراد القوم الصلح حين بعثوا هذا الرجل ، فلما انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تكلما ، وأطالا الكلام ، وتراجعا حتى جرى بينهما الصلح ، فلما التأم الأمر ولم يبق إلا الكتاب وثب عمر بن الخطاب ، فأتى أبا بكر ، فقال : يا أبا بكر ، أوليس برسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ أولسنا بالمسلمين ؟ أوليسوا بالمشركين ؟ قال : بلى . قال : فعلام نعطي الذلة في ديننا . فقال أبو بكر : يا عمر الزم غرزه حيث كان ، فإني أشهد أنه رسول الله . قال عمر : وأنا أشهد ، ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا رسول الله ، أولسنا بالمسلمين ؟ أوليسوا بالمشركين ؟ قال : بلى ، قال : فعلام نعطي الذلة في ديننا ؟ فقال : أنا عبد الله ورسوله ، لن أخالف أمره ، ولن يضيعني ثم قال عمر : ما زلت أصوم وأتصدق وأصلي وأعتق من الذي صنعت مخافة كلامي الذي تكلمت به يومئذ حتى رجوت أن يكون خيرا . قال : ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : اكتب بسم الله الرحمن الرحيم فقال سهيل بن عمرو : لا أعرف هذا ، ولكن اكتب باسمك اللهم ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : اكتب باسمك اللهم ، هذا ما صالح عليه محمد رسول الله سهيل بن عمرو فقال سهيل بن عمرو : لو شهدت أنك رسول الله لم أقاتلك ، ولكن اكتب : هذا ما اصطلح عليه محمد بن عبد الله وسهيل بن عمرو على وضع الحرب عشر سنين ، يأمن فيها الناس ، ويكف بعضهم عن بعض ، على أنه من أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أصحابه بغير إذن وليه رده عليهم ، ومن أتى قريشا ممن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يردوه عليه ، وإن بيننا عيبة مكفوفة ، وإنه لا إسلال ولا إغلال . وكان في شرطهم حين كتبوا الكتاب أنه من أحب أن يدخل في عقد محمد وعهده دخل فيه ، ومن أحب أن يدخل في عقد قريش وعهدهم دخل فيه ، فتواثبت خزاعة فقالوا : نحن مع عقد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعهده ، وتواثبت بنو بكر ، فقالوا : نحن في عقد قريش وعهدهم . وأنك ترجع عنا عامنا هذا ، فلا تدخل علينا مكة ، وأنه إذا كان عام قابل ، خرجنا عنك ، فتدخلها بأصحابك ، وأقمت فيهم ثلاثا معك سلاح الراكب لا تدخلها بغير السيوف في القرب . فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يكتب الكتاب إذ جاءه أبو جندل بن سهيل بن عمرو في الحديد قد انفلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال : وقد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم خرجوا وهم لا يشكون في الفتح لرؤيا رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما رأوا ما رأوا من الصلح والرجوع ، وما تحمل رسول الله صلى الله عليه وسلم على نفسه ، دخل الناس من ذلك أمر عظيم حتى كادوا أن يهلكوا ، فلما رأى سهيل أبا جندل ، قام إليه ، فضرب وجهه ، ثم قال : يا محمد ، قد لجت القضية بيني وبينك قبل أن يأتيك هذا . قال : صدقت . فقام إليه ، فأخذ بتلبيبه ، قال : وصرخ أبو جندل بأعلى صوته : يا معاشر المسلمين ، أتردونني إلى أهل الشرك ، فيفتنوني في ديني . قال : فزاد الناس شرا إلى ما بهم . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا أبا جندل اصبر واحتسب ، فإن الله عز وجل جاعل لك ولمن معك من المستضعفين فرجا ومخرجا ، إنا قد عقدنا بيننا وبين القوم صلحا ، فأعطيناهم على ذلك ، وأعطونا عليه عهدا ، وإنا لن نغدر بهم . قال : فوثب إليه عمر بن الخطاب مع أبي جندل ، فجعل يمشي إلى جنبه وهو يقول : اصبر أبا جندل ، فإنما هم المشركون ، وإنما دم أحدهم دم كلب . قال : ويدني قائم السيف منه . قال : يقول : رجوت أن يأخذ السيف ، فيضرب به أباه . قال : فضن الرجل بأبيه ، ونفذت القضية ، فلما فرغا من الكتاب ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في الحرم وهو مضطرب في الحل . قال : فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا أيها الناس ، انحروا واحلقوا قال : فما قام أحد ، قال : ثم عاد بمثلها ، فما قام رجل ، حتى عاد بمثلها ، فما قام رجل ، فرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل على أم سلمة ، فقال : يا أم سلمة ، ما شأن الناس ؟ قالت : يا رسول الله ، قد دخلهم ما قد رأيت ، فلا تكلمن منهم إنسانا ، واعمد إلى هديك حيث كان فانحره واحلق ، فلو قد فعلت ذلك فعل الناس ذلك . فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يكلم أحدا حتى أتى هديه فنحره ، ثم جلس ، فحلق ، فقام الناس ينحرون ويحلقون . قال : حتى إذا كان بين مكة والمدينة في وسط الطريق ، فنزلت سورة الفتح
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،