هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
2418 حَدَّثَنَا الحُمَيْدِيُّ ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ، حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لِي عَنْ أُمَّتِي مَا وَسْوَسَتْ بِهِ صُدُورُهَا ، مَا لَمْ تَعْمَلْ أَوْ تَكَلَّمْ
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
2418 حدثنا الحميدي ، حدثنا سفيان ، حدثنا مسعر ، عن قتادة ، عن زرارة بن أوفى ، عن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : إن الله تجاوز لي عن أمتي ما وسوست به صدورها ، ما لم تعمل أو تكلم
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير، 

Narrated Abu Huraira:

The Prophet (ﷺ) said, Allah has accepted my invocation to forgive what whispers in the hearts of my followers, unless they put it to action or utter it. (See Hadith No. 657 Vol. 8)

D'après Abu Hurayra, le Prophète () dit: «Allah m'a [garanti] de ne pas tenir compte des desseins du for intérieur [des membres] de ma Nation, tant que cela ne se manifeste ni par les actes ni par les paroles.»

":"ہم سے حمیدی نے بیان کیا ، کہا ہم سے سفیان نے بیان کیا ، کہا ہم سے مسعر نے بیان کیا ، ان سے قتادہ نے ، ان سے زرارہ بن اوفی نے اور ان سے ابوہریرہ رضی اللہ عنہ نے کہرسول اللہ صلی اللہ علیہ وسلم نے فرمایا اللہ تعالیٰ نے میری امت کے دلوں میں پیدا ہونے والے وسوسوں کو معاف کر دیا ہے جب تک وہ انہیں عمل یا زبان پر نہ لائیں ۔

D'après Abu Hurayra, le Prophète () dit: «Allah m'a [garanti] de ne pas tenir compte des desseins du for intérieur [des membres] de ma Nation, tant que cela ne se manifeste ni par les actes ni par les paroles.»

شاهد كل الشروح المتوفرة للحديث

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [2528] .

     قَوْلُهُ  عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى يَأْتِي فِي الْأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ بِلَفْظِ حَدَّثَنَا زُرَارَةُ وَهُوَ مِنْ ثِقَاتِ التَّابِعِينَ كَانَ قَاضِيَ الْبَصْرَةِ وَلَيْسَ لَهُ فِي الْبُخَارِيِّ إِلَّا أَحَادِيثُ يَسِيرَةٌ .

     قَوْلُهُ  مَا وَسْوَسَتْ بِهِ صُدُورُهَا يَأْتِي فِي الطَّلَاقِ بِلَفْظِ مَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفسهَا وَهُوَ الْمَشْهُور وصدورها فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ بِالضَّمِّ وَلِلْأَصِيلِيِّ بِالْفَتْحِ عَلَى أَنَّ وَسْوَسَتْ مُضَمَّنٌ مَعْنَى حَدَّثَتْ وَحَكَى الطَّبَرِيُّ هَذَا الِاخْتِلَافَ فِي حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسُهَا وَالضَّمُّ كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ .

     قَوْلُهُ  مَا لَمْ تَعْمَلْ أَوْ تَكَلَّمْ وَيَأْتِي فِي النُّذُورِ بِلَفْظِ مَا لَمْ تَعْمَلْ بِهِ وَالْمُرَادُ نَفْيُ الْحَرَجِ عَمَّا يَقَعُ فِي النَّفْسِ حَتَّى يَقَعَ الْعَمَلُ بِالْجَوَارِحِ أَوِ الْقَوْلُ بِاللِّسَانِ عَلَى وَفْقِ ذَلِكَ وَالْمُرَادُ بِالْوَسْوَسَةِ تَرَدُّدُ الشَّيْءِ فِي النَّفْسِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَطْمَئِنَّ إِلَيْهِ وَيَسْتَقِرَّ عِنْدَهُ وَلِهَذَا فَرَّقَ الْعُلَمَاءُ بَيْنَ الْهَمِّ وَالْعَزْمِ كَمَا سَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي حَدِيثِ مَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ وَمِنْ هُنَا تَظْهَرُ مُنَاسَبَةُ هَذَا الْحَدِيثِ لِلتَّرْجَمَةِ لِأَنَّ الْوَسْوَسَةَ لَا اعْتِبَارَ لَهَا عِنْدَ عَدَمِ التَّوَطُّنِ فَكَذَلِكَ الْمُخْطِئُ وَالنَّاسِي لَا توطن لَهما وَزَاد بن ماجة عَن هِشَام بن عمار عَن بن عُيَيْنَةَ فِي آخِرِهِ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ وَأَظُنُّهَا مُدْرَجَةً مِنْ حَدِيثٍ آخَرَ دَخَلَ عَلَى هِشَامٍ حَدِيثٌ فِي حَدِيثٍ قِيلَ لَا مُطَابَقَةَ بَيْنَ الْحَدِيثِ وَالتَّرْجَمَةِ لِأَنَّ التَّرْجَمَةَ فِي النِّسْيَانِ وَالْحَدِيثَ فِي حَدِيثِ النَّفْسِ وَأَجَابَ الْكَرْمَانِيُّ بِأَنَّهُ أَشَارَ إِلَى إِلْحَاقِ النِّسْيَانِ بِالْوَسْوَسَةِ فَكَمَا أَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ لِلْوَسْوَسَةِ لِأَنَّهَا لَا تَسْتَقِرُّ فَكَذَلِكَ الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ لَا اسْتِقْرَارَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ إِنَّ شَغْلَ الْبَالِ بِحَدِيثِ النَّفْسِ يَنْشَأُ عَنهُ الْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ وَمِنْ ثَمَّ رَتَّبَ عَلَى مَنْ لَا يُحَدِّثُ نَفْسَهُ فِي الصَّلَاةِ مَا سَبَقَ فِي حَدِيثِ عُثْمَانَ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ مِنَ الْغُفْرَانِ تَنْبِيهٌ ذَكَرَ خَلَفٌ فِي الْأَطْرَافِ أَنَّ الْبُخَارِيَّ أَخْرَجَ هَذَا الْحَدِيثَ فِي الْعِتْقِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَرْعَرَةَ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ وَلَمْ نَرَهُ فِيهِ وَلَمْ يَذْكُرْهُ أَبُو مَسْعُودٍ وَلَا الطوقي وَلَا بن عَسَاكِرَ وَلَا اسْتَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ وَلَا أَبُو نُعَيْمٍ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ مُسْتَوْفًى فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  ( قَولُهُ بَابُ الْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ فِي الْعَتَاقَةِ وَالطَّلَاقِ وَنَحْوِهِ)
أَيْ مِنَ التَّعْلِيقَاتِ لَا يَقَعُ شَيْءٌ مِنْهَا إِلَّا بِالْقَصْدِ وَكَأَنَّهُ أَشَارَ إِلَى رَدِّ مَا رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يَقَعُ الطَّلَاقُ وَالْعِتَاقُ عَامِدًا كَانَ أَوْ مُخْطِئًا ذَاكِرًا كَانَ أَوْ نَاسِيًا وَقَدْ أَنْكَرَهُ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ مَذْهَبِهِ قَالَ الدَّاوُدِيُّ وُقُوعُ الْخَطَأِ فِي الطَّلَاقِ وَالْعِتَاقِ أَنْ يُرِيدَ أَنْ يَلْفِظَ بِشَيْءٍ غَيْرِهِمَا فَيَسْبِقُ لِسَانُهُ إِلَيْهِمَا.

.
وَأَمَّا النِّسْيَانُ فَفِيمَا إِذَا حَلَفَ وَنَسِيَ .

     قَوْلُهُ  وَلَا عَتَاقَةَ إِلَّا لِوَجْهِ اللَّهِ سَيَأْتِي فِي الطَّلَاقِ نَقْلُ مَعْنَى ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَفِي الطَّبَرَانِيِّ من حَدِيث بن عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا لَا طَلَاقَ إِلَّا لِعِدَّةٍ وَلَا عِتَاقَ إِلَّا لِوَجْهِ اللَّهِ وَأَرَادَ الْمُصَنِّفُ بِذَلِكَ إِثْبَاتَ اعْتِبَارِ النِّيَّةِ لِأَنَّهُ لَا يَظْهَرُ كَوْنُهُ لِوَجْهِ اللَّهِ إِلَّا مَعَ الْقَصْدِ وَأَشَارَ إِلَى الرَّدِّ عَلَى مَنْ قَالَ مَنْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ لوجه الله أَو للشَّيْطَان أَوْ لِلصَّنَمِ عَتَقَ لِوُجُودِ رُكْنِ الْإِعْتَاقِ وَالزِّيَادَةُ عَلَى ذَلِكَ لَا تُخِلُّ بِالْعِتْقِ .

     قَوْلُهُ .

     وَقَالَ  النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى هُوَ طَرَفٌ مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ وَقَدْ ذَكَرَهُ فِي الْبَابِ بِلَفْظِ وَإِنَّمَا لِامْرِئٍ مَا نَوَى وَاللَّفْظُ الْمُعَلَّقُ أَوْرَدَهُ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ حَيْثُ قَالَ فِيهِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى وَأَوْرَدَهُ فِي أَوَاخِرِ الْإِيمَانِ بِلَفْظِ وَلكُل امْرِئ مَا نوى وَإِنَّمَا فِيهِ مُقَدَّرَةٌ .

     قَوْلُهُ  وَلَا نِيَّةَ لِلنَّاسِي وَالْمُخْطِئِ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْقَابِسِيِّ الْخَاطِئِ بَدَلَ الْمُخْطِئِ قَالُوا الْمُخْطِئُ مَنْ أَرَادَ الصَّوَابَ فَصَارَ إِلَى غَيْرِهِ وَالْخَاطِئُ مَنْ تَعَمَّدَ لِمَا لَا يَنْبَغِي وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِهَذَا الِاسْتِنْبَاطِ إِلَى بَيَانِ أَخْذِ التَّرْجَمَةِ مِنْ حَدِيثِ الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَشَارَ بِالتَّرْجَمَةِ إِلَى مَا وَرَدَ فِي بَعْضِ الطُّرُقِ كَعَادَتِهِ وَهُوَ الْحَدِيثُ الَّذِي يَذْكُرُهُ أَهْلُ الْفِقْهِ وَالْأُصُولِ كَثِيرًا بِلَفْظِ رَفَعَ اللَّهُ عَن أمتِي الْخَطَأ وَالنِّسْيَان وَمَا اسْتكْرهُوا عَلَيْهِ أخرجه بن ماجة من حَدِيث بن عَبَّاسٍ إِلَّا أَنَّهُ بِلَفْظِ وَضَعَ بَدَلَ رَفَعَ وَأَخْرَجَهُ الْفَضْلُ بْنُ جَعْفَرٍ التَّيْمِيُّ فِي فَوَائِدِهِ بِالْإِسْنَادِ الَّذِي أخرجه بِهِ بن مَاجَهْ بِلَفْظِ رَفَعَ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ إِلَّا أَنَّهُ أُعِلَّ بِعِلَّةٍ غَيْرِ قَادِحَةٍ فَإِنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ الْوَلِيدِ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ عَطَاءٍ عَنْهُ وَقَدْ رَوَاهُ بِشْرُ بْنُ بَكْرٍ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ فَزَادَ عبيد بن عُمَيْر بَين عَطاء وبن عَبَّاسٍ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْحَاكِمُ وَالطَّبَرَانِيُّ وَهُوَ حَدِيثٌ جَلِيلٌ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ يَنْبَغِي أَنْ يُعَدَّ نِصْفَ الْإِسْلَامِ لِأَنَّ الْفِعْلَ إِمَّا عَنْ قَصْدٍ وَاخْتِيَارٍ أَوْ لَا الثَّانِي مَا يَقَعُ عَنْ خَطَأٍ أَوْ نِسْيَانٍ أَوْ إِكْرَاهٍ فَهَذَا الْقِسْمُ مَعْفُوٌّ عَنْهُ بِاتِّفَاقٍ وَإِنَّمَا اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ هَلِ الْمَعْفُوُّ عَنْهُ الْإِثْمُ أَوِ الْحُكْمُ أَوْ هُمَا مَعًا وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ الْأَخِيرُ وَمَا خَرَجَ عَنْهُ كَالْقَتْلِ فَلَهُ دَلِيلٌ مُنْفَصِلٌ وَسَيَأْتِي بَسْطُ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَتَقْدِيرُ قَوْلِهِ وَلِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى يُعْتَدُّ لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى وَهُوَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ أَوْ فِي الْآخِرَةِ فَقَطْ وَبِحَسَبِ هَذَيْنِ الِاحْتِمَالَيْنِ وَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِي الْحُكْمِ

[ قــ :2418 ... غــ :2528] .

     قَوْلُهُ  عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى يَأْتِي فِي الْأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ بِلَفْظِ حَدَّثَنَا زُرَارَةُ وَهُوَ مِنْ ثِقَاتِ التَّابِعِينَ كَانَ قَاضِيَ الْبَصْرَةِ وَلَيْسَ لَهُ فِي الْبُخَارِيِّ إِلَّا أَحَادِيثُ يَسِيرَةٌ .

     قَوْلُهُ  مَا وَسْوَسَتْ بِهِ صُدُورُهَا يَأْتِي فِي الطَّلَاقِ بِلَفْظِ مَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفسهَا وَهُوَ الْمَشْهُور وصدورها فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ بِالضَّمِّ وَلِلْأَصِيلِيِّ بِالْفَتْحِ عَلَى أَنَّ وَسْوَسَتْ مُضَمَّنٌ مَعْنَى حَدَّثَتْ وَحَكَى الطَّبَرِيُّ هَذَا الِاخْتِلَافَ فِي حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسُهَا وَالضَّمُّ كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ .

     قَوْلُهُ  مَا لَمْ تَعْمَلْ أَوْ تَكَلَّمْ وَيَأْتِي فِي النُّذُورِ بِلَفْظِ مَا لَمْ تَعْمَلْ بِهِ وَالْمُرَادُ نَفْيُ الْحَرَجِ عَمَّا يَقَعُ فِي النَّفْسِ حَتَّى يَقَعَ الْعَمَلُ بِالْجَوَارِحِ أَوِ الْقَوْلُ بِاللِّسَانِ عَلَى وَفْقِ ذَلِكَ وَالْمُرَادُ بِالْوَسْوَسَةِ تَرَدُّدُ الشَّيْءِ فِي النَّفْسِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَطْمَئِنَّ إِلَيْهِ وَيَسْتَقِرَّ عِنْدَهُ وَلِهَذَا فَرَّقَ الْعُلَمَاءُ بَيْنَ الْهَمِّ وَالْعَزْمِ كَمَا سَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي حَدِيثِ مَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ وَمِنْ هُنَا تَظْهَرُ مُنَاسَبَةُ هَذَا الْحَدِيثِ لِلتَّرْجَمَةِ لِأَنَّ الْوَسْوَسَةَ لَا اعْتِبَارَ لَهَا عِنْدَ عَدَمِ التَّوَطُّنِ فَكَذَلِكَ الْمُخْطِئُ وَالنَّاسِي لَا توطن لَهما وَزَاد بن ماجة عَن هِشَام بن عمار عَن بن عُيَيْنَةَ فِي آخِرِهِ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ وَأَظُنُّهَا مُدْرَجَةً مِنْ حَدِيثٍ آخَرَ دَخَلَ عَلَى هِشَامٍ حَدِيثٌ فِي حَدِيثٍ قِيلَ لَا مُطَابَقَةَ بَيْنَ الْحَدِيثِ وَالتَّرْجَمَةِ لِأَنَّ التَّرْجَمَةَ فِي النِّسْيَانِ وَالْحَدِيثَ فِي حَدِيثِ النَّفْسِ وَأَجَابَ الْكَرْمَانِيُّ بِأَنَّهُ أَشَارَ إِلَى إِلْحَاقِ النِّسْيَانِ بِالْوَسْوَسَةِ فَكَمَا أَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ لِلْوَسْوَسَةِ لِأَنَّهَا لَا تَسْتَقِرُّ فَكَذَلِكَ الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ لَا اسْتِقْرَارَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ إِنَّ شَغْلَ الْبَالِ بِحَدِيثِ النَّفْسِ يَنْشَأُ عَنهُ الْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ وَمِنْ ثَمَّ رَتَّبَ عَلَى مَنْ لَا يُحَدِّثُ نَفْسَهُ فِي الصَّلَاةِ مَا سَبَقَ فِي حَدِيثِ عُثْمَانَ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ مِنَ الْغُفْرَانِ تَنْبِيهٌ ذَكَرَ خَلَفٌ فِي الْأَطْرَافِ أَنَّ الْبُخَارِيَّ أَخْرَجَ هَذَا الْحَدِيثَ فِي الْعِتْقِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَرْعَرَةَ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ وَلَمْ نَرَهُ فِيهِ وَلَمْ يَذْكُرْهُ أَبُو مَسْعُودٍ وَلَا الطوقي وَلَا بن عَسَاكِرَ وَلَا اسْتَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ وَلَا أَبُو نُعَيْمٍ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ مُسْتَوْفًى فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  باب الْخَطَإِ وَالنِّسْيَانِ فِي الْعَتَاقَةِ وَالطَّلاَقِ وَنَحْوِهِ، وَلاَ عَتَاقَةَ إِلاَّ لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى
وَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى».
وَلاَ نِيَّةَ لِلنَّاسِي وَالْمُخْطِئِ.

( باب) حكم ( الخطأ والنسيان في العتاقة والطلاق ونحوه) أي نحو كلٍّ منهما من الأشياء التي يريد الشخص أن يتلفظ بشيء منها فيسبق لسانه إلى غيره كان يقول لعبده: أنت حر، أو لامرأته أنت طالق من غير قصد، فقال الحنفية: يلزمه الطلاق، وقال الشافعية: من سبق لسانه إلى لفظ الطلاق في محاورته وكان يريد أن يتكلم بكلمة أخرى لم يقع طلاقه لكن لمن تقبل دعواه سبق اللسان في الظاهر إلا إذا وجدت قرينة تدل عليه، فإذا قال طلّقتك ثم قال سبق لساني وإنما أردت طلبتك فنصّ الشافعي -رحمه الله- أنه لا يسع امرأته أن تقبل منه.
وحكى الروياني عن صاحب الحاوي وغيره: إن هذا فيما إذا كان الزوج متّهمًا فأما إن ظنت صدقه بأمارة فلها أن تقبل قوله ولا تخاصمه.
قال الروياني: وهذا هو الاختيار نعم يقع الطلاق والعتق من الهازل ظاهرًا وباطنًا ولا يدين فيهما.

( ولا عتاقة إلا لوجه الله تعالى) أي لذاته ولجهة رضاه ومراده بذلك إثبات اعتبار النيّة لأنه لا يظهر كونه لوجه الله تعالى إلا مع القصد وفي حديث ابن عباس مرفوعًا كما في الطبراني: لا طلاق إلا لعدّة ولا عتاقة إلا لوجه الله.
( وقال: النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) فيما سبق موصولاً في حديث عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-.

( لكل امرئ ما نوى) الحديث ( ولا نيّة للناسي والمخطئ) وهو من أراد الصواب فصار إلى غيره قال الحافظ ابن حجر وللقابسي والخاطئ وهو من تعمد لما لا ينبغي.


[ قــ :2418 ... غــ : 2528 ]
- حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لِي عَنْ أُمَّتِي مَا وَسْوَسَتْ بِهِ صُدُورُهَا مَا لَمْ تَعْمَلْ أَوْ تَكَلَّمْ».
[الحديث 2528 - طرفاه في: 5269، 6664] .

وبه قال: ( حدّثنا) ولأبي ذر: وحدّثني ( الحميدي) عبد الله بن الزبير بن عيسى قال: ( حدّثنا سفيان) بن عيينة قال: ( حدّثنا مسعر) بكسر الميم وسكون السين وفتح العين المهملتين ابن كدام بكسر الكاف ودال مهملة مخففة ( عن قتادة) بن دعامة ( عن زرارة بن أوفى) هو من ثقات التابعين ( عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه ( قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) :

( إن الله) عز وجل ( تجاوز لي) أي لأجلي ( عن أمتي ما وسوست به صدورها) جملة في محل نصب على المفعولية وما موصول ووسوست صلته وبه عائد وصدورها بالرفع فاعل وسوست ولأبي ذر صدورها بالنصب على أن وسوست بمعنى حدثت، ونسب هذه في الفتح وغيره لرواية الأصيلي، ويأتي إن شاء الله تعالى في الطلاق بلفظ ما حدّثت به أنفسها والمعنى ما حدّثت به نفسه وهو ما يخطر بالبال والوسوسة الصوت الخفي ومنه وسواس الحلي لأصواتها وقيل ما يظهر في القلب من الخواطر إن كانت تدعو إلى الرذائل والمعاصي تسمى وسوسة، فإن كانت تدعو إلى الخصال الرضية والطاعات تسمى إلهامًا ولا تكون الوسوسة إلا مع التردّد والتزلزل من غير أن يطمئن إليه أو يستقر عنده ( ما لم تعمل) في العمليات بالجوارح ( أو تكلم) في القوليات باللسان على وفق ذلك وأصل تكلم تتكلم بمثناتين حذفت إحداهما تخفيفًا.

ومطابقة الحديث للترجمة من قوله: ما وسوست لأن الوسوسة لا اعتبار لها عند عدم التوطّن فكذلك المخطئ والناسي لا توطن لهما، وأما قول ابن العربي: إن المراد بقوله ما لم تكلم الكلام النفسي إذ هو الكلام الأصلي وإن القول الحقيقي هو الموجود بالقلب الموافق للعلم فمراده به الانتصار لما روي عن الإمام الأعظم مالك أنه يقع الطلاق والعتاق بالنيّة وإن لم يتلفظ.

قال في المصابيح: وقد أشكل هذا على كثير من أصحابه لأن النية عبارة عن القصد في الحال أو العزم في الاستقبال فكما لا يكون قاصد الصلاة مصليًّا حتى يفعل المقصود وكذا قاصد الزكاة والنكاح وغيرهما كذلك ينبغي أن يكون قاصد الطلاق، ثم قول القائل: يقع الطلاق بالقصد متدافع، وحاصله يقع ما لم يوقعه المكلف إذ القصد ضرورة يفتقر إلى مقصود النية فكيف يكون القصد نفس المقصود هذا قلب للحقائق، فمن هنا اشتد الإنكار حتى حمل على التأويل، والذي يرفع الإشكال أن النية التي أُريدت هنا هي الكلام النفسي الذي يعبر عنه بقول القائل أنت طالق فالمعنى الذي هذا لفظه هو المراد بالنيّة وإيقاع الطلاق على من تكلم بالطلاق وأنشأه حقيقة لا ريب فيه، وذلك أن الكلام يطلق على النفسي حقيقة وعلى اللفظي قيل حقيقة وقيل مجازًا ولهذا نقول قاصد الإيمان مؤمن لأن التكلم بالإيمان كلامًا نفسيًّا مصدقًا عن معتقده مؤمن وكذلك معتقد الكفر بقلبه المصدق له كافر وأما المتكلم في نفسه بإحرام الصلاة وبالقراءة فإنما لم يعد مصليًا ولا قارئًا بمجرد الكلام النفسي لتعبّد الشرع في هذه المواضع الخاصة بالنطق اللفظي.
ألا ترى أن المتكلم بإحرام الحج في نفسه محرم وإن لم يلب وكذلك المخيرة إذا تسترت ونقلت قماشها ونحو ذلك كان ذلك اختيارًا وإن لم تتكلم بلفظ لأنها قد تكلمت في نفسها ونصبت هذه الأفعال دلالات على الكلام النفسي، فإن الدليل عليه لا يخص النطق بل تدخل فيه الإشارات والرموز والخطوط، ولها كانت المعاطاة عنده بيعًا لدلالتها على الكلام النفسي عرفًا فاندفع السؤال وصار ما كان مشكلاً هو اللائح انتهى.

وهذا نقضه الخطابي بالظهار فإنهم أجمعوا على أنه لو عزم على الظهار لم يلزم حتى يتلفظ به قال: وهو في معنى الطلاق وكذلك لو حدّث نفسه بالقذف لم يكن قاذفًا ولو حدّث نفسه في

الصلاة لم يكن عليه إعادة، وقد حرّم الله تعالى الكلام في الصلاة فلو كان حديث النفس في معنى الكلام لبطلت الصلاة، وقد قال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: إني لأجهز جيشي وأنا في الصلاة.

وهذا الحديث أخرجه أيضًا في الطلاق والنذور، ومسلم في الإيمان، وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة في الطلاق.

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  (بابُُ الخَطَإ والنِّسْيانِ فِي العَتَاقَةِ والطَّلاقِ ونَحْوِهِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان حكم الْخَطَأ وَالنِّسْيَان فِي الْعتْق وَالطَّلَاق، وَالْخَطَأ ضد الْعمد، فَقَالَ الْجَوْهَرِي: الْخَطَأ نقيض الصَّوَاب، وَقد يمد، وقرىء بهما فِي قَوْله تَعَالَى: { وَمن قتل مُؤمنا خطأ} (النِّسَاء: 29) .
تَقول: أَخْطَأت وتخطأت، بِمَعْنى وَاحِد، وَلَا يُقَال: أخطيت،.

     وَقَالَ  ابْن الْأَثِير: وَأَخْطَأ يخطىء: إِذا سلك سَبِيل الْخَطَأ عمدا أَو سَهوا، وَيُقَال: خطىء بِمَعْنى أَخطَأ أَيْضا، وَقيل: خطىء إِذا تعمد، وَأَخْطَأ إِذا لم يتَعَمَّد، وَيُقَال لمن أَرَادَ شَيْئا فَفعل غَيره أَو فعل غير الصَّوَاب: أَخطَأ.
وَالنِّسْيَان خلاف الذّكر وَالْحِفْظ، وَرجل نِسْيَان، بِفَتْح النُّون: كثير النسْيَان للشَّيْء، وَقد نسيت الشَّيْء نِسْيَانا، وَعَن أبي عُبَيْدَة: النسْيَان التّرْك، قَالَ تَعَالَى: { نسوا الله فنسيهم} (التَّوْبَة: 76) .
وَقد ذكرت فِي (شرح مَعَاني الْآثَار) الَّذِي ألفته: أَن الْخَطَأ فِي الإصطلاح هُوَ الْفِعْل فِي غير قصد تَامّ، وَالنِّسْيَان معنى يَزُول بِهِ الْعلم من الشَّيْء مَعَ كَونه ذَاكِرًا لأمورٍ كَثِيرَة، وَإِنَّمَا قيل ذَلِك احْتِرَازًا عَن النّوم وَالْجُنُون وَالْإِغْمَاء، وَقيل: النسْيَان عبارَة عَن الْجَهْل الطارىء، وَيُقَال؛ المأتى بِهِ إِن كَانَ على جِهَة مَا يَنْبَغِي فَهُوَ الصَّوَاب، وَإِن كَانَ لَا على مَا يَنْبَغِي نظر، فَإِن كَانَ مَعَ قصد من الْآتِي بِهِ يُسمى الْغَلَط، وَإِن كَانَ من غير قصد مِنْهُ، فَإِن كَانَ يتَنَبَّه بإيسر تَنْبِيه يُسمى السَّهْو، وإلاَّ يُسمى الْخَطَأ.
قَوْله: (وَنَحْوه) ، أَي: نَحْو مَا ذكر من الْعتَاقَة وَالطَّلَاق من الْأَشْيَاء الَّتِي يُرِيد الرجل أَن يتَلَفَّظ بِشَيْء مِنْهَا.
فَيَسْبق لِسَانه إِلَى غَيره،.

     وَقَالَ  بَعضهم: (وَنَحْوه) ، أَي: من التعليقات.
قلت: هَذَا التَّفْسِير لَيْسَ بِظَاهِر وَلَا لَهُ معنى يُفِيد صُورَة الْخَطَأ فِي الْعتاق إِن أَرَادَ التَّلَفُّظ بِشَيْء فَسبق لِسَانه، فَقَالَ لعَبْدِهِ: أَنْت حر، وَكَذَلِكَ فِي الطَّلَاق، قَالَ لامْرَأَته: أَنْت طَالِق، بعد أَن أَرَادَ التَّلَفُّظ بِشَيْء،.

     وَقَالَ  أَصْحَابنَا: طَلَاق الخاطىء وَالنَّاسِي والهازل واللاعب وَالَّذِي يكلم بِهِ من غير قصد وَاقع، وَصُورَة النَّاسِي فِيمَا إِذا حلف وَنسي،.

     وَقَالَ  الدَّاودِيّ: النسْيَان لَا يكون فِي الطَّلَاق وَلَا الْعتاق إلاَّ أَن يُرِيد أَنه حلف بهما على فعل شَيْء ثمَّ نسي يَمِينه وَفعله، فَهَذَا إِنَّمَا يوضع فِيهِ النسْيَان إِذا لم يذكر فِيهِ يَمِينه، كَمَا تُوضَع الصَّلَاة عَمَّن نَسِيَهَا إِذا لم يذكرهَا حَتَّى يَمُوت، وَكَذَلِكَ دُيُون النَّاس وَغَيرهَا لَا يَأْثَم بِتَرْكِهَا نَاسِيا.
قَالَ ابْن التِّين: هَذَا من الدَّاودِيّ على مَذْهَب مَالك، رَحمَه الله تَعَالَى.
وَفِي (التَّوْضِيح) : وَقد اخْتلف الْعلمَاء فِي النَّاسِي فِي يَمِينه: هَل يلْزمه حنث أم لَا؟ على قَوْلَيْنِ: أَحدهمَا: لَا، وَهُوَ قَول عَطاء وَأحد قولي الشَّافِعِي، وَبِه قَالَ إِسْحَاق، وَإِلَيْهِ ذهب البُخَارِيّ فِي الْبابُُ.
وَثَانِيهمَا: وَهُوَ قَول الشّعبِيّ وطاووس: من أَخطَأ فِي الطَّلَاق فَلهُ نِيَّته، وَفِيه قَول ثَالِث: يَحْنَث فِي الطَّلَاق خَاصَّة، قَالَه أَحْمد، وَذهب مَالك والكوفيون إِلَى أَنه يَحْنَث فِي الْخَطَأ أَيْضا، وَادّعى ابْن بطال أَنه الْأَشْهر عَن الشَّافِعِي، وَرُوِيَ ذَلِك عَن أَصْحَاب ابْن مَسْعُود.
وَاخْتلف ابْن الْقَاسِم وَأَشْهَب فِيمَا إِذا دَعَا رجل عبدا يُقَال لَهُ نَاصح، فَأَجَابَهُ عبد يُقَال لَهُ مَرْزُوق، فَقَالَ لَهُ: أَنْت حر، وَهُوَ يظنّ الأول، وَشهد عَلَيْهِ بذلك، فَقَالَ ابْن الْقَاسِم: يعتقان جَمِيعًا: مَرْزُوق بمواجهته بِالْعِتْقِ، وناصح بِمَا نَوَاه، وَأما فِيمَا بَينه وَبَين الله فَلَا يعْتق إلاَّ نَاصح..
     وَقَالَ  ابْن الْقَاسِم: إِن لم يكن لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَة لم يعْتق إلاَّ الَّذِي نوى،.

     وَقَالَ  أَشهب: يعْتق مَرْزُوق فِيمَا بَينه وَبَين الله تَعَالَى، وَفِيمَا بَينه وَبَين الله لَا يعْتق نَاصح، لِأَنَّهُ دَعَاهُ لِيعْتِقَهُ فَأعتق غَيره وَهُوَ يَظُنّهُ مرزوقاً.

ولاَ عَتَاقَةَ إلاَّ لِوَجْهِ الله تَعَالَى
روى الطَّبَرَانِيّ من حَدِيث ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا: لَا طَلَاق إلاَّ لعدة، وَلَا عتاق إلاَّ لوجه الله، وَمعنى: لَا عتاقة إلاَّ لوجه الله، أَي: لذات الله أَو لجِهَة رِضَاء الله، قيل: أَرَادَ البُخَارِيّ بإيراد هَذَا الرَّد على الْحَنَفِيَّة فِي قَوْلهم: إِذا قَالَ الرجل لعَبْدِهِ: أَنْت حر للشَّيْطَان أَو للصنم، فَإِنَّهُ يعْتق لصدوره من أَهله مُضَافا إِلَى مَحَله عَن ولَايَة فنفذ، ولغت تَسْمِيَة الْجِهَة وَكَانَ عَاصِيا بهَا.
وَالْجَوَاب عَنهُ من وَجْهَيْن: أَحدهمَا: تَصْحِيح الحَدِيث الْمَذْكُور، وَالْآخر: بعد التَّسْلِيم أَن المُرَاد بِهِ أَن يكون نِيَّة الْمُعْتق الْإِخْلَاص فِيهَا، لِأَن الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ، فَإِذا لم يكن خَالِصا فِي نِيَّته يكون عَاصِيا بِذكر غير الله، كَمَا ذكرنَا، وَترك هَذَا لَا يمْنَع وُقُوع الْعتْق لقضية: أَنْت حر، وَالْبَاقِي لَغْو.

وَقَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لكُلِّ امْرِىءٍ مَا نَوَى
هَذَا قِطْعَة من حَدِيث عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قد مر فِي أول الْكتاب بِلَفْظ: (وَإِنَّمَا لكل امرىء مَا نوى) .
وَأوردهُ فِي أَوَاخِر كتاب الْإِيمَان: (وَلكُل امرىء مَا نوى) .
فَإِن قلت: مَا مُرَاده من ذكر هَذِه الْقطعَة هَهُنَا؟ قلت: كَأَنَّهُ أَرَادَ بِهِ تَأْكِيد مَا سبق من عدم وُقُوع الْعتاق إِذا كَانَ لغير وَجه الله، لِأَن الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ، وَلكنه لَا يُفِيد شَيْئا، لِأَن النِّيَّة أَمر مبطن وَوُقُوع الْإِعْتَاق غير مُتَوَقف عَلَيْهِ، بل الْوُقُوع بِمُقْتَضى الْكَلَام الصَّحِيح، فَلَا يمنعهُ تَسْمِيَة الْجِهَة اللَّغْو.

ولاَ نِيَّةَ لِلنَّاسِي والْمُخْطِىء
كَأَنَّهُ استنبط من قَوْله: (لكل امرىء مَا نوى) ، عدم وُقُوع الْعتاق من النَّاسِي والمخطىء لِأَنَّهُ لَا نِيَّة لَهما، وَفِيه نظر، لِأَن الْوُقُوع إِنَّمَا هُوَ بِمُقْتَضى كَلَام صَحِيح صادر من عَاقل بَالغ، والمخطىء من: أَخطَأ من أَرَادَ الصَّوَاب فَصَارَ إِلَى غَيره، وَوَقع فِي رِوَايَة الْقَابِسِيّ: الخاطىء من خطأ، وَهُوَ من تعمد لما لَا يَنْبَغِي..
     وَقَالَ  بَعضهم: يحْتَمل أَن يكون أَشَارَ بالترجمة إِلَى مَا ورد فِي بعض الطّرق، وَهُوَ الحَدِيث الَّذِي يذكرهُ أهل الْفِقْه وَالْأُصُول كثيرا بِلَفْظ: (رفع الله عَن أمتِي الْخَطَأ وَالنِّسْيَان وَمَا اسْتكْرهُوا عَلَيْهِ، أخرجه ابْن مَاجَه من حَدِيث ابْن عَبَّاس، إلاَّ أَنه بِلَفْظ: وضع، بدل: رفع.
انْتهى.
قلت: كَأَنَّهُ أَشَارَ إِلَى هَذَا الحَدِيث الَّذِي أخبر بِأَن الْخَطَأ وَالنِّسْيَان رفعا عَن أمته، فَلَا يَتَرَتَّب على النَّاسِي والمخطىء حكم، وَذَلِكَ لعدم النِّيَّة فيهمَا، والأعمال بِالنِّيَّاتِ، فَإِذا كَانَ كَذَلِك لَا يَقع الْعتاق من النَّاسِي والمخطىء، وَكَذَلِكَ الطَّلَاق، وَهُوَ قَول الشَّافِعِي، لِأَنَّهُ لَا اخْتِيَار لَهُ فَصَارَ كالنائم والمغمى عَلَيْهِ، قُلْنَا: الِاخْتِيَار أَمر بَاطِن لَا يُوقف عَلَيْهِ إلاَّ بحرج فَلَا يَصح تَعْلِيق الحكم عَلَيْهِ، أما هَذَا الحَدِيث فَإِنَّهُ صَحِيح، فَأخْرجهُ الطَّحَاوِيّ بِإِسْنَاد رِجَاله رجال الصَّحِيح غير شَيْخه، حَيْثُ قَالَ: حَدثنَا ربيع الْمُؤَذّن، قَالَ: حَدثنَا بشر بن بكر، قَالَ: أخبرنَا الْأَوْزَاعِيّ عَن عَطاء عَن عبيد بن عُمَيْر عَن ابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: تجَاوز الله لي عَن أمتِي الْخَطَأ وَالنِّسْيَان وَمَا اسْتكْرهُوا عَلَيْهِ، فَهَذَا هُوَ الصَّحِيح، وَالَّذِي أعله إِنَّمَا أعل إِسْنَاد ابْن مَاجَه الَّذِي أخرجه عَن مُحَمَّد بن الْمُصَفّى الْحِمصِي: حَدثنَا الْوَلِيد بن مُسلم حَدثنَا الْأَوْزَاعِيّ عَن عَطاء عَن ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَن الله وضع عَن أمتِي الْخَطَأ وَالنِّسْيَان وَمَا اسْتكْرهُوا عَلَيْهِ، فَهَذَا كَمَا ترى أسقط: عبيد بن عُمَيْر، وَأَيْضًا أعله بِأَنَّهُ من رِوَايَة الْوَلِيد عَن الْأَوْزَاعِيّ، وَالصَّحِيح طَرِيق الطَّحَاوِيّ، وَأخرج نَحوه الدَّارَقُطْنِيّ وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم، وَرَوَاهُ ابْن حزم من طَرِيق الرّبيع وَصَححهُ،.

     وَقَالَ  النَّوَوِيّ فِي الْأَرْبَعين: هُوَ حَدِيث حسن صَحِيح.
قَوْله: (تجَاوز الله) أَي: عَفا الله.
قَوْله: (لي) ، أَي: لأجلي، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لم يتَجَاوَز ذَلِك إلاَّ عَن هَذِه الْأمة لأجل سيدنَا مُحَمَّد، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
قَوْله: (الْخَطَأ وَالنِّسْيَان) ، أَي: حكمهمَا فِي حق الله لَا فِي حُقُوق الْعباد، لِأَن فِي حَقه عذرا صَالحا لسقوطه، حَتَّى قيل إِن الخاطىء لَا يَأْثَم، فَلَا يُؤَاخذ بِحَدّ وَلَا قصاص.
وَأما فِي حُقُوق الْعباد فَلم يَجْعَل عذرا حَتَّى وَجب ضَمَان الْعدوان على الخاطىء، لِأَنَّهُ ضَمَان مَال لَا جَزَاء فعل، وَوَجَب بِهِ الدِّيَة وَصَحَّ طَلَاقه وعتاقه.



[ قــ :2418 ... غــ :2528 ]
- حدَّثنا الحُمَيْدِيُّ قَالَ حدَّثنا سُفْيانُ قَالَ حدَّثنا مِسْعَرٌ عنْ قَتادَةَ عنْ زُرَارَةَ بنِ أوْفَى عنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إنَّ الله تَجَاوَزَ لِي عنْ أُمَّتِي مَا وسْوَسَتْ بِهِ صُدُورُها مَا لَمْ تَعْمَلْ أوْ تَكَلَّمْ..
قيل: لَا مُطَابقَة بَين الحَدِيث والترجمة، لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ شَيْء يُطَابق التَّرْجَمَة، لِأَن حَدِيث أبي هُرَيْرَة فِي وَسْوَسَة الصُّدُور، وَلَو ذكر حَدِيث ابْن عَبَّاس الْمَذْكُور الْآن لَكَانَ أنسب، وَأجَاب الْكرْمَانِي بِشَيْء يقرب مِنْهُ أَخذ وَجه الْمُطَابقَة حَيْثُ قَالَ: أَولا: مَا وَجه تعلق الحَدِيث بالوسوسة؟ ثمَّ قَالَ: قلت: الْقيَاس على الوسوسة، فَكَمَا أَنَّهَا لَا اعْتِبَار لَهَا عِنْد عدم التوطين، فَكَذَلِك النَّاسِي والمخطىء، لَا توطين لَهما.

ذكر رِجَاله وهم سِتَّة: الأول: الْحميدِي، بِضَم الْحَاء نِسْبَة إِلَى حميد، أحد أجداد الرَّاوِي، وَهُوَ عبد الله بن الزبير بن عِيسَى بن عبيد الله بن أُسَامَة بن عبد الله بن الزبير بن حميد أَبُو بكر.
الثَّانِي: سُفْيَان بن عُيَيْنَة.
الثَّالِث: مسعر، بِكَسْر الْمِيم وَسُكُون السِّين وَفتح الْعين الْمُهْملَة: ابْن كدام.
الرَّابِع: قَتَادَة.
الْخَامِس: زُرَارَة، بِضَم الزَّاي وَتَخْفِيف الرَّاء: ابْن أبي أوفى بِلَفْظ: أفعل التَّفْضِيل العامري، مَاتَ فجاءة سنة ثَلَاث وَتِسْعين، وَقيل: كَانَ يُصَلِّي صَلَاة الصُّبْح فَقَرَأَ { يَا أَيهَا المدثر} (المدثر: 1) .
إِلَى أَن بلغ { فَإِذا نقر فِي الناقور} (المدثر: 8) .
خر مَيتا.
السَّادِس: أَبُو هُرَيْرَة.

ذكر لطائف إِسْنَاده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع.
وَفِيه: العنعنة فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع.
وَفِيه: أَن شَيْخه وَشَيخ شَيْخه مكيان، والْحميدِي قد مر فِي أول (الصَّحِيح) .
وَفِيه: حَدثنَا الْحميدِي، ويروى: حَدثنِي بِصِيغَة الْإِفْرَاد.
وَفِيه: أَن مسعراً وَقَتَادَة كوفيان، وَأَن زُرَارَة بَصرِي قَاضِي الْبَصْرَة، وَلَيْسَ لَهُ فِي البُخَارِيّ إلاَّ أَحَادِيث يسيرَة.
وَفِيه: عَن زُرَارَة، وَفِي الْأَيْمَان وَالنُّذُور: حَدثنَا زُرَارَة.

ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الطَّلَاق عَن مُسلم بن إِبْرَاهِيم وَفِي النذور عَن خَلاد بن يحيى.
وَأخرجه مُسلم فِي الْإِيمَان عَن قُتَيْبَة وَسَعِيد بن مَنْصُور وَمُحَمّد بن عبيد وَعَن عَمْرو النَّاقِد وَزُهَيْر بن حَرْب وَعَن ابْن الْمثنى وَابْن بشار وَعَن أبي بكر بن أبي شيبَة وَعَن زُهَيْر بن حَرْب عَن وَكِيع وَعَن إِسْحَاق بن مَنْصُور.
وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الطَّلَاق عَن مُسلم بن إِبْرَاهِيم بِهِ.
وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِيهِ عَن قُتَيْبَة بِهِ.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الطَّلَاق عَن عبيد الله بن سعيد وَعَن مُوسَى بن عبد الرحمان وَأخرجه ابْن مَاجَه فِيهِ عَن أبي بكر بن أبي شيبَة بِهِ وَعَن حميد بن مسْعدَة وَعَن هِشَام بن عمار.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (إِن الله تجَاوز لي عَن أمتِي) وَفِي رِوَايَة التِّرْمِذِيّ: (تجَاوز الله لأمتي) .
قَوْله: (لي) أَي: لأجلي.
قَوْله: (مَا وسوست بِهِ صدورها) ، جملَة فِي مَحل النصب على المفعولية، وَكلمَة: مَا، مَوْصُولَة، و: وسوست، صلتها و: بِهِ، عَائِد و: صدورها، بِالرَّفْع فَاعل وسوست، وَفِي رِوَايَة الْأصيلِيّ بِالنّصب على أَن: وسوست، تضمن معنى: حدثت، وَيَأْتِي فِي الطَّلَاق بِلَفْظ: مَا حدثت بِهِ أَنْفسهَا.
وَفِي رِوَايَة التِّرْمِذِيّ: عَمَّا حدثت بِهِ أَنْفسهَا.
وَفِي رِوَايَة للنسائي: (إِن الله تجَاوز لأمتي مَا وسوست بِهِ وَحدثت بِهِ أَنْفسهَا) ..
     وَقَالَ  الطَّحَاوِيّ: وَأهل اللُّغَة يَقُولُونَ: أَنْفسهَا، بِالضَّمِّ يُرِيدُونَ بِغَيْر اخْتِيَارهَا، كَمَا قَالَ الله تَعَالَى: { ونعلم مَا توسوس بِهِ نَفسه} (ق: 61) .
وَاعْترض عَلَيْهِ بِأَن قَوْله: بِالضَّمِّ، لَيْسَ بجيد، بل الصَّوَاب: بِالرَّفْع، لِأَنَّهَا حَرَكَة إِعْرَاب.
قلت: لَيْسَ هَذَا مَوضِع المناقشة بِالرَّدِّ عَلَيْهِ لِأَن الرّفْع هُوَ الضَّم فِي الأَصْل، غَايَة مَا فِي الْبابُُ أَن النُّحَاة يستعملون فِي الْإِعْرَاب الرّفْع، وَفِي الْبناء الضَّم، بل يسْتَعْمل كل مِنْهُمَا مَوضِع الآخر، خُصُوصا عِنْد الْفُقَهَاء الوسوسة: حَدِيث النَّفس والأفكار، وَقد وسوست إِلَيْهِ نَفسه وَسْوَسَة ووسواساً بِالْكَسْرِ، وَهُوَ بِالْفَتْح الِاسْم، ووسوس إِذا تكلم بِكَلَام لم يُبينهُ، حَاصله أَن الوسوسة تردد الشَّيْء فِي النَّفس من غير أَن تطمئِن إِلَيْهِ وتستقر عِنْده.
قَوْله: (مَا لم تعْمل) أَي: فِي العمليات (أَو تكلم) فِي القوليات.
وَأما قَول ابْن الْعَرَبِيّ: إِن المُرَاد بقوله: مَا لم تكلم، الْكَلَام النَّفْسِيّ، إِذْ هُوَ الْكَلَام الْأَصْلِيّ وَأَن القَوْل الْحَقِيقِيّ هُوَ الْوُجُود بِالْقَلْبِ المواقف للْعلم، فَهُوَ مَرْدُود عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا قَالَه تعصباً لما حكى عَن مذْهبه من وُقُوع الطَّلَاق بالعزم، وَإِن لم يتَلَفَّظ.
وَحَكَاهُ عَن رِوَايَة أَشهب عَن مَالك فِي الطَّلَاق وَالْعِتْق وَالنّذر أَنه يَكْفِي فِيهِ عزمه وَقَوله وجزمه فِي قلبه بِكَلَامِهِ النَّفْسِيّ الْحَقِيقِيّ، وَنصر ذَلِك بِأَن اللِّسَان معبر عَمَّا فِي الْقلب، فَمَا كَانَ يملكهُ الْوَاحِد كالنذر وَالطَّلَاق وَالْعتاق كفى فِيهِ عزمه، وَمَا كَانَ من التَّصَرُّفَات بَين اثْنَيْنِ لم يكن بُد من ظُهُور القَوْل، وَهَذَا فِي غَايَة الْبعد، وَقد نقضه الْخطابِيّ على قَائِله بالظهار وَغَيره، فأنهم أَجمعُوا على أَنه: لَو عزم على الظِّهَار لم يلْزمه حَتَّى يلفظ بِهِ، قَالَ: وَهُوَ فِي معنى الطَّلَاق، وَكَذَلِكَ لَو حدث نَفسه بِالْقَذْفِ لم يكن قذفا، وَلَو حدث نَفسه فِي الصَّلَاة لم يكن عَلَيْهِ إِعَادَة، وَقد حرم الله تَعَالَى الْكَلَام فِي الصَّلَاة، فَلَو كَانَ حَدِيث النَّفس فِي معنى الْكَلَام لكَانَتْ صلَاته تبطل،.

     وَقَالَ  عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: إِنِّي لأجهر جيشي وَأَنا فِي الصَّلَاة وَمِمَّنْ قَالَ بِأَن: طَلَاق النَّفس لَا يُؤثر، عَطاء بن أبي رَبَاح وَابْن سِيرِين وَالْحسن وَسَعِيد بن جُبَير وَالشعْبِيّ وَجَابِر بن زيد وَقَتَادَة وَالثَّوْري وَأَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَإِسْحَاق.

ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: فِيهِ: أَن هَذِه الْمُجَاوزَة من خَصَائِص هَذِه الْأمة، وَأَن الْأُمَم الْمُتَقَدّمَة يؤاخذون بذلك، وَقد اخْتلف: هَل كَانَ ذَلِك يُؤَاخذ بِهِ فِي أول الْإِسْلَام؟ ثمَّ نسخ وخفف ذَلِك عَنْهُم، أَو تَخْصِيص وَلَيْسَ بنسخ، وَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: { وَإِن تبدوا مَا فِي أَنفسكُم أَو تُخْفُوهُ يُحَاسِبكُمْ بِهِ الله} (الْبَقَرَة: 482) .
فقد قَالَ غير وَاحِد من الصَّحَابَة، مِنْهُم أَبُو هُرَيْرَة وَابْن عَبَّاس: إِنَّهَا مَنْسُوخَة، بقوله تَعَالَى: { لَا يُكَلف الله نفسا إِلَّا وسعهَا} (الْبَقَرَة: 682) .
فَإِن قيل: قَالُوا: من عزم على الْمعْصِيَة بِقَلْبِه، وَإِن لم يعملها، يُؤَاخذ عَلَيْهِ.
وَأجِيب: بِأَنَّهُ لَا شكّ أَن الْعَزْم على الْمعْصِيَة وَسَائِر الْأَعْمَال القلبية كالحسد ومحبة إِشَاعَة الْفَاحِشَة يُؤَاخذ عَلَيْهِ، لَكِن إِذا وطَّن نَفسه عَلَيْهِ، وَالَّذِي فِي الحَدِيث هُوَ: مَا لم يوطن عَلَيْهِ نَفسه وَإِنَّمَا أَمر ذَلِك بفكره من غير اسْتِقْرَار، وَيُسمى هَذَا هما، وَيفرق بَين الْهم والعزم.
فَإِن قيل: الْمَفْهُوم من لفظ: مَا لم تعْمل، مشْعر بِأَن مَا فِي الصُّدُور موطناً وَغير موطن لَا يُؤَاخذ عَلَيْهِ.
وَأجِيب: بِأَنَّهُ يجب الْحمل على غير الموطن جمعا بَينه وَبَين مَا يدل على الْمُؤَاخَذَة، كَقَوْلِه تَعَالَى: { إِن الَّذين يحبونَ أَن تشيع الْفَاحِشَة} (النُّور: 91) .
وَأَيْضًا: لفظ الوسوسة لَا يسْتَعْمل إلاَّ عِنْد التَّرَدُّد والتزلزل..
     وَقَالَ  عِيَاض: الهمّ مَا يمر فِي الْفِكر من غير اسْتِقْرَار وَلَا توطن، فَإِن اسْتمرّ وتوطن عَلَيْهِ عزماً يُؤَاخذ بِهِ أَو يُثَاب عَلَيْهِ..
     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيّ: الَّذِي ذهب إِلَيْهِ هُوَ الَّذِي عَلَيْهِ عَامَّة السّلف وَأهل الْعلم وَالْفُقَهَاء والمحدثين والمتكلمين، وَلَا يلْتَفت إِلَى من خالفهم فِي ذَلِك.
فَزعم أَن مَا يهم بِهِ الْإِنْسَان وَإِن وَطن بِهِ لَا يُؤَاخذ بِهِ متمسكاً فِي ذَلِك بقوله تَعَالَى: { وَلَقَد هَمت بِهِ وهم بهَا} (يُوسُف: 42) .
وَبِقَوْلِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (مَا لم تعْمل أَو تكلم، وَمن لم يعْمل بِمَا عزم عَلَيْهِ وَلَا نطق بِهِ، فَلَا.
الْجَواب عَن و: الْآيَة أَن من الهمّ مَا يُؤَاخذ بِهِ الْإِنْسَان، وَهُوَ مَا اسْتَقر واستوطن، وَمِنْه مَا يكون أَحَادِيث لَا تَسْتَقِر، فَلَا يُؤَاخذ بهَا كَمَا شهد بِهِ الحَدِيث، وَالَّذِي يرفع الْإِشْكَال وَيبين المُرَاد حَدِيث أبي كَبْشَة عَمْرو بن سعد: سمع سيدنَا رَسُول الله لله ... فَذكر حَدِيثا فِيهِ: قَالَت الْمَلَائِكَة: ذَاك عَبدك يُرِيد أَن يعْمل سَيِّئَة وَهُوَ أبْصر بِهِ.
وَزعم الطَّبَرِيّ أَن فِيهِ دلَالَة على أَن الْحفظَة يَكْتُبُونَ أَعمال الْقُلُوب خلافًا لمن قَالَ: لَا يكتبونها وَلَا يَكْتُبُونَ إلاَّ الْأَعْمَال الظَّاهِرَة، وَبِه اسْتدلَّ بَعضهم على أَنه إِذا كتب بِالطَّلَاق وَقع من قَوْله مَا لم يعْمل، وَالْكِتَابَة عمل، وَهُوَ قَول مُحَمَّد بن الْحسن وَأحمد بن حَنْبَل، وَشرط مَالك فِيهِ الْإِشْهَاد على الْكِتَابَة، وَجعله الشَّافِعِي كِنَايَة إِن نوى بِهِ الطَّلَاق وَقع، وإلاَّ فَلَا، وَفرض بَعضهم بَين أَن يَكْتُبهُ فِي بَيَاض كالرق وَالْوَرق واللوح، وَبَين أَن يَكْتُبهُ على الأَرْض فأوقعه فِي الأول دون الثَّانِي، وَفِيه نظر.