هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
330 حَدَّثَنَا الحَسَنُ بْنُ مُدْرِكٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمَّادٍ ، قَالَ : أَخْبَرَنَا أَبُو عَوَانَةَ اسْمُهُ الوَضَّاحُ ، مِنْ كِتَابِهِ ، قَالَ : أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ الشَّيْبَانِيُّ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ خَالَتِي مَيْمُونَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أَنَّهَا كَانَتْ تَكُونُ حَائِضًا ، لاَ تُصَلِّي وَهِيَ مُفْتَرِشَةٌ بِحِذَاءِ مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَهُوَ يُصَلِّي عَلَى خُمْرَتِهِ إِذَا سَجَدَ أَصَابَنِي بَعْضُ ثَوْبِهِ
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
330 حدثنا الحسن بن مدرك ، قال : حدثنا يحيى بن حماد ، قال : أخبرنا أبو عوانة اسمه الوضاح ، من كتابه ، قال : أخبرنا سليمان الشيباني ، عن عبد الله بن شداد ، قال : سمعت خالتي ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ، أنها كانت تكون حائضا ، لا تصلي وهي مفترشة بحذاء مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو يصلي على خمرته إذا سجد أصابني بعض ثوبه
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،  عن مَيْمُونَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أَنَّهَا كَانَتْ تَكُونُ حَائِضًا ، لاَ تُصَلِّي وَهِيَ مُفْتَرِشَةٌ بِحِذَاءِ مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَهُوَ يُصَلِّي عَلَى خُمْرَتِهِ إِذَا سَجَدَ أَصَابَنِي بَعْضُ ثَوْبِهِ .

Narrated Maimuna:

(the wife of the Prophet) During my menses, I never prayed, but used to sit on the mat beside the mosque of Allah's Messenger (ﷺ). He used to offer the prayer on his sheet and in prostration some of his clothes used to touch me.

0333 Abd-ul-Lâh ben Chaddâd dit : J’ai entendu ma tante maternelle, Maymûna, l’épouse du Prophète, dire qu’il lui arrivait, après l’arrêt de la prière à cause des menstrues, de s’allonger auprès de l’endroit où le Messager de Dieu se prosternait. « En faisant sa prière sur sa natte, une partie de ses vêtements me touche lorsqu’il se prosterne. », dit-elle.  

":"ہم سے حسن بن مدرک نے بیان کیا ، انھوں نے کہا ہم سے یحییٰ بن حماد نے بیان کیا ، انھوں نے کہا ہمیں ابوعوانہ وضاح نے اپنی کتاب سے دیکھ کر خبر دی ۔ انھوں نے کہا کہ ہمیں خبر دی سلیمان شیبانی نے عبداللہ بن شداد سے ، انھوں نے کہامیں نے اپنی خالہ میمونہ رضی اللہ عنہا سے جو نبی کریم صلی اللہ علیہ وسلم کی زوجہ مطہرہ تھیں سنا کہ میں حائضہ ہوتی تو نماز نہیں پڑھتی تھی اور یہ کہ آپ رسول اللہ صلی اللہ علیہ وسلم کے ( گھر میں ) نماز پڑھنے کی جگہ کے قریب لیٹی ہوتی تھی ۔ آپ صلی اللہ علیہ وسلم نماز اپنی چٹائی پر پڑھتے ۔ جب آپ صلی اللہ علیہ وسلم سجدہ کرتے تو آپ صلی اللہ علیہ وسلم کے کپڑے کا کوئی حصہ مجھ سے لگ جاتا تھا ۔

0333 Abd-ul-Lâh ben Chaddâd dit : J’ai entendu ma tante maternelle, Maymûna, l’épouse du Prophète, dire qu’il lui arrivait, après l’arrêt de la prière à cause des menstrues, de s’allonger auprès de l’endroit où le Messager de Dieu se prosternait. « En faisant sa prière sur sa natte, une partie de ses vêtements me touche lorsqu’il se prosterne. », dit-elle.  

شاهد كل الشروح المتوفرة للحديث

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [333] .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُدْرِكٍ هُوَ الطَّحَّانُ الْبَصْرِيُّ أَحَدَ الْحُفَّاظِ وَهُوَ مِنْ صِغَارِ شُيُوخِ الْبُخَارِيِّ بَلِ الْبُخَارِيُّ أَقْدَمُ مِنْهُ وَقَدْ شَارَكَهُ فِي شَيْخِهِ يَحْيَى بْنُ حَمَّادٍ الْمَذْكُورُ هُنَا وَكَأَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ فَاتَهُ فَاعْتَمَدَ فِيهِ عَلَى الْحَسَنِ الْمَذْكُورِ لِأَنَّهُ كَانَ عَارِفًا بِحَدِيثِ يَحْيَى بْنِ حَمَّادٍ .

     قَوْلُهُ  مِنْ كِتَابِهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ أَبَا عَوَانَةَ حَدَّثَ بِهِ مِنْ كِتَابِهِ لَا مِنْ حِفْظِهِ وَكَانَ إِذَا حَدَّثَ مِنْ كِتَابِهِ أَتْقَنَ مِمَّا إِذَا حَدَّثَ مِنْ حِفْظِهِ حَتَّى قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ كِتَابُ أَبِي عَوَانَةَ أَثْبَتُ مِنْ حِفْظِ هُشَيْمٍ .

     قَوْلُهُ  كَانَتْ تَكُونُ أَيْ تَحْصُلُ أَوْ تَسْتَقِرُّ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ قَوْلَهُ تَكُونُ لَا تُصَلِّي خَبَرٌ لِكَانَتْ وَقَولُهُ حَائِضًا حَالٌ نَحْوُ وَجَاءُوا أباهم عشَاء يَبْكُونَ قَالَهُ الْكِرْمَانِيُّ .

     قَوْلُهُ  بِحِذَاءِ بِكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ بَعْدَهَا ذَالٌ مُعْجَمَةٌ وَمَدَّةٌ أَيْ بِجَنْبِ مَسْجِدٍ وَالْمُرَادُ بِالْمَسْجِدِ مَكَانُ سُجُودِهِ وَالْخُمْرَةُ بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الْمِيمِ قَالَ الطَّبَرِيُّ هُوَ مُصَلًّى صَغِيرٌ يُعْمَلُ مِنْ سَعَفِ النَّخْلِ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِسَتْرِهَا الْوَجْهَ وَالْكَفَّيْنِ مِنْ حَرِّ الْأَرْضِ وَبَرْدِهَا فَإِنْ كَانَتْ كَبِيرَةً سُمِّيَتْ حَصِيرًا وَكَذَا قَالَ الْأَزْهَرِيُّ فِي تَهْذِيبِهِ وَصَاحِبُهُ أَبُو عُبَيْدٍ الْهَرَوِيُّ وَجَمَاعَةٌ بَعْدَهُمْ وَزَادَ فِي النِّهَايَةِ وَلَا تَكُونُ خُمْرَةً إِلَّا فِي هَذَا الْمِقْدَارِ قَالَ وَسُمِّيَتْ خُمْرَةً لِأَنَّ خُيُوطَهَا مَسْتُورَةٌ بِسَعَفِهَا.

     وَقَالَ  الْخَطَّابِيُّ هِيَ السَّجَّادَةُ يَسْجُدُ عَلَيْهَا الْمُصَلِّي ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيث بن عَبَّاسٍ فِي الْفَأْرَةِ الَّتِي جَرَّتِ الْفَتِيلَةَ حَتَّى أَلْقَتْهَا عَلَى الْخُمْرَةِ الَّتِي كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاعِدًا عَلَيْهَا الْحَدِيثَ قَالَ فَفِي هَذَا تَصْرِيحٌ بِإِطْلَاقِ الْخُمْرَةِ عَلَى مَا زَادَ عَلَى قَدْرِ الْوَجْهِ قَالَ وَسُمِّيَتْ خُمْرَةً لِأَنَّهَا تُغَطِّي الْوَجْهَ وَسَتَأْتِي الْإِشَارَةُ إِلَى حُكْمِ الصَّلَاةِ عَلَيْهَا فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَىخَاتِمَةٌ اشْتَمَلَ كِتَابُ الْحَيْضِ مِنَ الْأَحَادِيثِ الْمَرْفُوعَةِ عَلَى سَبْعَةٍ وَأَرْبَعِينَ حَدِيثًا الْمُكَرَّرُ مِنْهَا فِيهِ وَفِيمَا مَضَى اثْنَانِ وَعِشْرُونَ حَدِيثًا الْمَوْصُولُ مِنْهَا عَشَرَةُ أَحَادِيثَ وَالْبَقِيَّةُ تَعْلِيقٌ وَمُتَابَعَةٌ وَالْخَالِصُ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ حَدِيثًا مِنْهَا وَاحِدٌ مُعَلَّقٌ وَهُوَ حَدِيثُ كَانَ يَذْكُرُ اللَّهَ عَلَى كُلِّ أَحْيَانِهِ وَالْبَقِيَّةُ مَوْصُولَةٌ وَقَدْ وَافَقَهُ مُسْلِمٌ عَلَى تَخْرِيجِهَا سِوَى حَدِيثِ عَائِشَةَ كَانَتْ إِحْدَانَا تَحِيضُ ثُمَّ تَقْتَرِصُ الدَّمَ وَحَدِيثِهَا فِي اعْتِكَافِ الْمُسْتَحَاضَةِ وَحَدِيثِهَا مَا كَانَ لِإِحْدَانَا إِلَّا ثَوْبٌ وَاحِدٌ وَحَدِيثِ أُمِّ عَطِيَّة كُنَّا لَا نعد الصُّفْرَة وَحَدِيث بن عُمَرَ رَخَّصَ لِلْحَائِضِ أَنْ تَنْفِرَ وَفِيهِ مِنَ الْآثَارِ الْمَوْقُوفَةِ عَلَى الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ خَمْسَةَ عَشَرَ أثرا كلهَا معلقَة وَالله أعلم ( قَولُهُ بَابُ التَّيَمُّمِ الْبَسْمَلَةُ قَبْلَهُ) لِكَرِيمَةَ وَبَعْدَهُ لِأَبِي ذَرٍّ وَقَدْ تَقَدَّمَ تَوْجِيهُ ذَلِكَ وَالتَّيَمُّمُ فِي اللُّغَةِ الْقَصْدُ قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ تَيَمَّمْتُهَا مِنْ أَذْرِعَاتٍ وَأَهْلُهَا بِيَثْرِبَ أَدْنَى دَارِهَا نَظَرٌ عَالِي أَيْ قَصَدْتُهَا وَفِي الشَّرْعِ الْقَصْدُ إِلَى الصَّعِيدِ لِمَسْحِ الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ بِنِيَّةِ اسْتِبَاحَةِ الصَّلَاةِ وَنَحْوهَا.

     وَقَالَ  بن السّكيت قَوْله فَتَيَمَّمُوا صَعِيدا أَيِ اقْصِدُوا الصَّعِيدَ ثُمَّ كَثُرَ اسْتِعْمَالُهُمْ حَتَّى صَارَ التَّيَمُّمُ مَسْحَ الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ بِالتُّرَابِاه فَعَلَى هَذَا هُوَ مَجَازٌ لُغَوِيٌّ وَعَلَى الْأَوَّلِ هُوَ حَقِيقَةٌ شَرْعِيَّةٌ وَاخْتُلِفَ فِي التَّيَمُّمِ هُوَ عَزِيمَةٌ أَوْ رُخْصَةٌ وَفَصَّلَ بَعْضُهُمْ فَقَالَ هُوَ لِعَدَمِ الْمَاءِ عَزِيمَةٌ وَلِلْعُذْرِ رُخْصَةٌ .

     قَوْلُهُ  قَوْلُ اللَّهِ فِي رِوَايَةِ الْأَصِيلِيِّ وَقَوْلُ اللَّهِ بِزِيَادَةِ وَاوٍ وَالْجُمْلَةُ اسْتِئْنَافِيَّةٌ .

     قَوْلُهُ  فَلَمْ تَجِدُوا مَاء كَذَا لِلْأَكْثَرِ وَلِلنَّسَفِيِّ وَعَبْدُوسٍ وَالْمُسْتَمْلِي وَالْحَمَوِيِّ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا قَالَ أَبُو ذَرٍّ كَذَا فِي روايتنا والتلاوه فَلم تَجدوا قَالَ صَاحِبُ الْمَشَارِقِ هَذَا هُوَ الصَّوَابُ.

.

قُلْتُ ظَهَرَ لِي أَنَّ الْبُخَارِيَّ أَرَادَ أَنْ يُبَيِّنَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْآيَةِ الْمُبْهَمَةِ فِي قَوْلِ عَائِشَةَ فِي حَدِيثِ الْبَابِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ آيَةَ التَّيَمُّمِ أَنَّهَا آيَةُ الْمَائِدَةِ وَقَدْ وَقَعَ التَّصْرِيحُ بِذَلِكَ فِي رِوَايَةِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ فِي قِصَّتِهَا الْمَذْكُورَةِ قَالَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ آيَةَ التَّيَمُّمِ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا الْحَدِيثَ فَكَأَنَّ الْبُخَارِيَّ أَشَارَ إِلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ الْمَخْصُوصَةِ وَاحْتَمَلَ أَنْ تَكُونَ قِرَاءةً شَاذَّةً لِحَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ وَهْمًا مِنْهُ وَقَدْ ظَهَرَ أَنَّهَا عَنَتْ آيَةَ الْمَائِدَةِ وَأَنَّ آيَةَ النِّسَاءِ قَدْ تَرْجَمَ لَهَا الْمُصَنِّفُ فِي التَّفْسِيرِ وَأَوْرَدَ حَدِيثَ عَائِشَةَ أَيْضًا وَلَمْ يُرِدْ خُصُوصَ نُزُولِهَا فِي قِصَّتِهَا بَلِ اللَّفْظُ الَّذِي عَلَى شَرْطِهِ مُحْتَمِلٌ لِلْأَمْرَيْنِ وَالْعُمْدَةُ عَلَى رِوَايَةِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ فِي ذَلِكَ فَإِنَّهَا عَيَّنَتْ فَفِيهَا زِيَادَةٌ عَلَى غَيْرِهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  وَأَيْدِيكُمْ إِلَى هُنَا فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ زَادَ فِي رِوَايَةِ الشَّبُّوِيِّ وَكَرِيمَةَ مِنْهُ وَهِيَ تُعَيِّنُ آيَةَ الْمَائِدَةِ دُونَ آيَةِ النِّسَاءِ وَإِلَى ذَلِكَ نَحَا الْبُخَارِيُّ فَأَخْرَجَ حَدِيثَ الْبَابِ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْمَائِدَةِ وَأَيَّدَ ذَلِكَ بِرِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَلَفْظُهُ فَنَزَلَتْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاة إِلَى قَوْلِهِ تَشْكُرُونَ .

     قَوْلُهُ  عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ أَيِ بن مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَرِجَالُهُ سِوَى شَيْخِ الْبُخَارِيِّ مَدَنِيُّونَ .

     قَوْلُهُ  فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ قَالَ بن عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ يُقَالُ إِنَّهُ كَانَ فِي غَزَاةِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ وَجَزَمَ بِذَلِكَ فِي الاستذكار وَسَبقه إِلَى ذَلِك بن سعد وبن حِبَّانَ وَغَزَاةُ بَنِي الْمُصْطَلِقِ هِيَ غَزْوَةُ الْمُرَيْسِيعِ وَفِيهَا وَقَعَتْ قِصَّةُ الْإِفْكِ لِعَائِشَةَ وَكَانَ ابْتِدَاءُ ذَلِكَ بِسَبَبِ وُقُوعِ عِقْدِهَا أَيْضًا فَإِنْ كَانَ مَا جَزَمُوا بِهِ ثَابِتًا حُمِلَ عَلَى أَنَّهُ سَقَطَ مِنْهَا فِي تِلْكَ السَّفْرَةِ مَرَّتَيْنِ لِاخْتِلَافِ الْقِصَّتَيْنِ كَمَا هُوَ مُبَيَّنٌ فِي سِيَاقِهِمَا وَاسْتَبْعَدَ بَعْضُ شُيُوخِنَا ذَلِكَ قَالَ لِأَنَّ الْمُرَيْسِيعَ مِنْ نَاحِيَةِ مَكَّةَ بَيْنَ قُدَيْدٍ وَالسَّاحِلِ وَهَذِهِ الْقِصَّةُ كَانَتْ مِنْ نَاحِيَةِ خَيْبَرَ لِقَوْلِهَا فِي الْحَدِيثِ حَتَّى إِذَا كُنَّا بِالْبَيْدَاءِ أَوْ بِذَاتِ الْجَيْشِ وَهُمَا بَيْنَ الْمَدِينَةِ وَخَيْبَرَ كَمَا جَزَمَ بِهِ النَّوَوِيُّ.

.

قُلْتُ وَمَا جَزَمَ بِهِ مُخَالِفٌ لِمَا جزم بِهِ بن التِّينِ فَإِنَّهُ قَالَ الْبَيْدَاءُ هِيَ ذُو الْحُلَيْفَةِ بِالْقُرْبِ مِنَ الْمَدِينَةِ مِنْ طَرِيقِ مَكَّةَ قَالَ وَذَاتُ الْجَيْشِ وَرَاءَ ذِي الْحُلَيْفَةِ.

     وَقَالَ  أَبُو عُبَيْدٍ الْبَكْرِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْبَيْدَاءُ أَدْنَى إِلَى مَكَّةَ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ ثُمَّ سَاقَ حَدِيثَ عَائِشَة هَذَا ثمَّ سَاق حَدِيث بن عُمَرَ قَالَ بَيْدَاؤُكُمْ هَذِهِ الَّتِي تَكْذِبُونَ فِيهَا مَا أَهَلَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا مِنْ عِنْدِ الْمَسْجِدِ الْحَدِيثَ قَالَ وَالْبَيْدَاءُ هُوَ الشَّرَفُ الَّذِي قُدَّامَ ذِي الْحُلَيْفَةِ فِي طَرِيقِ مَكَّةَ.

     وَقَالَ  أَيْضًا ذَاتُ الْجَيْشِ مِنْ الْمَدِينَةِ عَلَى بَرِيدٍ قَالَ وَبَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعَقِيقِ سَبْعَةُ أَمْيَالٍ وَالْعَقِيقُ مِنْ طَرِيقِ مَكَّةَ لَا مِنْ طَرِيقِ خَيْبَرَ فَاسْتَقَامَ مَا قَالَ بن التِّينِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا رَوَاهُ الْحُمَيْدِيُّ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ سُفْيَانَ قَالَ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ فِيهِ إِنَّ الْقِلَادَةَ سَقَطَتْ لَيْلَةَ الْأَبْوَاءِ اه وَالْأَبْوَاءُ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَفِي رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ مُسْهِرٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَنْ هِشَامٍ قَالَ وَكَانَ ذَلِكَ الْمَكَانُ يُقَالُ لَهُ الصُّلْصُلُ رَوَاهُ جَعْفَر الْفرْيَابِيّ فِي كتاب الطَّهَارَة لَهُ وبن عَبْدِ الْبَرِّ مِنْ طَرِيقِهِ وَالصُّلْصُلُ بِمُهْمَلَتَيْنِ مَضْمُومَتَيْنِ وَلَامَيْنِ الْأُولَى سَاكِنَةٌ بَيْنَ الصَّادَيْنِ قَالَ الْبَكْرِيُّ هُوَ جَبَلٌ عِنْدَ ذِي الْحُلَيْفَةِ كَذَا ذَكَرَهُ فِي حَرْفِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَوَهِمَ مُغَلْطَايْ فِي فَهْمِ كَلَامِهِ فَزَعَمَ أَنَّهُ ضَبَطَهُ بِالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَقَلَّدَهُ فِي ذَلِكَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ وَتَصَرَّفَ فِيهِ فَزَادَهُ وَهْمًا عَلَى وَهْمٍ وَعُرِفَ مِنْ تَضَافُرِ هَذِهالرِّوَايَات تصويب مَا قَالَه بن التِّينِ وَاعْتَمَدَ بَعْضُهُمْ فِي تَعَدُّدِ السَّفَرِ عَلَى رِوَايَةٍ لِلطَّبَرَانِيِّ صَرِيحَةٍ فِي ذَلِكَ كَمَا سَيَأْتِي وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  عِقْدٌ بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ كُلُّ مَا يُعْقَدُ وَيُعَلَّقُ فِي الْعُنُقِ وَيُسَمَّى قِلَادَةً كَمَا سَيَأْتِي وَفِي التَّفْسِيرِ مِنْ رِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ سَقَطَتْ قِلَادَةٌ لِي بِالْبَيْدَاءِ وَنَحْنُ دَاخِلُونَ الْمَدِينَةَ فَأَنَاخَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَزَلَ وَهَذَا مُشْعِرٌ بِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ عِنْدَ قُرْبِهِمْ مِنَ الْمَدِينَةِ .

     قَوْلُهُ  عَلَى الْتِمَاسِهِ أَيْ لِأَجْلِ طَلَبِهِ وَسَيَأْتِي أَنَّ الْمَبْعُوثَ فِي طَلَبِهِ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ وَغَيْرُهُ .

     قَوْلُهُ  وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ كَذَا لِلْأَكْثَرِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَسَقَطَتِ الْجُمْلَةُ الثَّانِيَةُ فِي الْمَوْضِعِ الْأَوَّلِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ وَاسْتُدِلَّ بِذَلِكَ على جَوَاز الاقامه فِي الْمَكَان الَّذِي لاماء فِيهِ وَكَذَا سلوك الطَّرِيق الَّتِي لاماء فِيهَا وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْمَدِينَةَ كَانَتْ قَرِيبَةً مِنْهُمْ وَهُمْ عَلَى قَصْدِ دُخُولِهَا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَعْلَمْ بِعَدَمِ الْمَاءِ مَعَ الرَّكْبِ وَإِنْ كَانَ قَدْ عَلِمَ بِأَنَّ الْمَكَانَ لَا مَاءَ فِيهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ .

     قَوْلُهُ  لَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ أَيْ لِلْوُضُوءِ.

.
وَأَمَّا مَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ لِلشُّرْبِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعَهُمْ وَالْأَوَّلُ مُحْتَمَلٌ لِجَوَازِ إِرْسَالِ الْمَطَرِ أَوْ نَبْعِ الْمَاءِ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا وَقَعَ فِي مَوَاطِنَ أُخْرَى وَفِيهِ اعْتِنَاءُ الْإِمَامِ بِحِفْظِ حُقُوق الْمُسلمين وَأَن قلت فقد نقل بن بَطَّالٍ أَنَّهُ رُوِيَ أَنَّ ثَمَنَ الْعِقْدِ الْمَذْكُورِ كَانَ اثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا وَيَلْتَحِقُ بِتَحْصِيلِ الضَّائِعِ الْإِقَامَةُ لِلُحُوقِ الْمُنْقَطِعِ وَدَفْنُ الْمَيِّتِ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ مَصَالِحِ الرَّعِيَّةِ وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى تَرْكِ إِضَاعَةِ الْمَالِ .

     قَوْلُهُ  فَأَتَى النَّاسُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ فِيهِ شَكْوَى الْمَرْأَةِ إِلَى أَبِيهَا وَإِنْ كَانَ لَهَا زَوْجٌ وَكَأَنَّهُمْ إِنَّمَا شَكَوْا إِلَى أَبِي بَكْرٍ لِكَوْنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ نَائِمًا وَكَانُوا لَا يُوقِظُونَهُ وَفِيهِ نِسْبَةُ الْفِعْلِ إِلَى مَنْ كَانَ سَبَبًا فِيهِ لِقَوْلِهِمْ صَنَعَتْ وَأَقَامَتْ وَفِيهِ جَوَازُ دُخُولِ الرَّجُلِ عَلَى ابْنتِهِ وَإِنْ كَانَ زَوْجُهَا عِنْدَهَا إِذَا عَلِمَ رِضَاهُ بِذَلِكَ وَلَمْ يَكُنْ حَالَةَ مُبَاشَرَةٍ .

     قَوْلُهُ  فَعَاتَبَنِي أَبُو بَكْرٍ.

     وَقَالَ  مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُولَ فِي رِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ فَقَالَ حَبَسْتِ النَّاسَ فِي قِلَادَةٍ أَيْ بِسَبَبِهَا وَسَيَأْتِي مِنَ الطَّبَرَانِيِّ أَنَّ مِنْ جُمْلَةِ مَا عَاتَبَهَا بِهِ .

     قَوْلُهُ  فِي كُلِّ مَرَّةٍ تَكُونِينَ عَنَاءً وَالنُّكْتَةُ فِي قَوْلِ عَائِشَةَ فَعَاتَبَنِي أَبُو بَكْرٍ وَلَمْ تَقُلْ أَبِي لِأَنَّ قَضِيَّةَ الْأُبُوَّةِ الْحُنُوُّ وَمَا وَقَعَ مِنَ الْعِتَابِ بِالْقَوْلِ والتأديب بِالْفِعْلِ مُغَايِرٌ لِذَلِكَ فِي الظَّاهِرِ فَلِذَلِكَ أَنْزَلَتْهُ مَنْزِلَةَ الْأَجْنَبِيِّ فَلَمْ تَقُلْ أَبِي .

     قَوْلُهُ  يَطْعُنُنِي هُوَ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَكَذَا فِي جَمِيعِ مَا هُوَ حِسِّيٌّ.

.
وَأَمَّا الْمَعْنَوِيُّ فَيُقَالُ يَطْعَنُ بِالْفَتْحِ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ فِيهِمَا وَحُكِيَ فِيهِمَا الْفَتْحُ مَعًا فِي الْمَطَالِعِ وَغَيْرِهَا وَالضَّمُّ فِيهِمَا حَكَاهُ صَاحِبُ الْجَامِعِ وَفِيهِ تَأْدِيبُ الرَّجُلِ ابْنتَهُ وَلَوْ كَانَتْ مُزَوَّجَةً كَبِيرَةً خَارِجَةً عَنْ بَيْتِهِ وَيَلْحَقُ بِذَلِكَ تَأْدِيبُ مَنْ لَهُ تَأْدِيبُهُ وَلَوْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ الْإِمَامُ .

     قَوْلُهُ  فَلَا يَمْنَعُنِي مِنَ التَّحَرُّكِ فِيهِ اسْتِحْبَابُ الصَّبْرِ لِمَنْ نَالَهُ مَا يُوجِبُ الْحَرَكَةَ أَوْ يَحْصُلُ بِهِ تَشْوِيشٌ لِنَائِمٍ وَكَذَا لِمُصَلٍّ أَوْ قَارِئٍ أَوْ مُشْتَغِلٍ بِعِلْمٍ أَوْ ذِكْرٍ .

     قَوْلُهُ  فَقَامَ حِينَ أَصْبَحَ كَذَا أَوْرَدَهُ هُنَا وَأَوْرَدَهُ فِي فَضْلِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ قُتَيْبَةَ عَنْ مَالِكٍ بِلَفْظِ فَنَامَ حَتَّى أَصْبَحَ وَهِيَ رِوَايَةُ مُسْلِمٍ وَرَوَاهُ الْمُوَطَّأُ وَالْمَعْنَى فِيهِمَا مُتَقَارِبٌ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ قِيَامَهُ مِنْ نَوْمِهِ كَانَ عِنْدَ الصُّبْحِ.

     وَقَالَ  بَعْضُهُمْ لَيْسَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ حَتَّى أَصْبَحَ بَيَانَ غَايَةِ النَّوْمِ إِلَى الصَّبَاحِ بَلْ بَيَانُ غَايَةِ فَقْدِ الْمَاءِ إِلَى الصَّبَاحِ لِأَنَّهُ قَيَّدَ قَوْلَهُ حَتَّى أَصْبَحَ بِقَوْلِهِ عَلَى غَيْرِ مَاءٍ أَيْ آلَ أَمْرُهُ إِلَى أَنْ أَصْبَحَ عَلَى غَيْرِ مَاءٍ.

.
وَأَمَّا رِوَايَةُ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ فَلَفْظُهَا ثُمَّ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَيْقَظَ وَحَضَرَتِ الصُّبْحُ فَإِنْ أُعْرِبَتِ الْوَاوُ حَالِيَّةً كَانَ دَلِيلًا عَلَى أَنَّ الِاسْتِيقَاظَ وَقَعَ حَالَ وُجُودِ الصَّبَاحِ وَهُوَ الظَّاهِرُ وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى الرُّخْصَةِ فِي تَرْكِ التَّهَجُّدِ فِي السَّفَرِ إِنْ ثَبَتَ أَنَّ التَّهَجُّدَ كَانَ وَاجِبًا عَلَيْهِ وَعَلَى أَنَّ طَلَبَ الْمَاءِ لَا يَجِبُ إِلَّا بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ لِقَوْلِهِ فِي رِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ بَعْدَ قَوْلِهِ وَحَضَرَتِ الصُّبْحُ فَالْتَمَسَ الْمَاءَ فَلَمْ يُوجَدْ وَعَلَى أَنَّ الْوُضُوءَ كَانَ وَاجِبًا عَلَيْهِمْ قبل نزُول آيَة الْوضُوء وَلِهَذَااسْتَعْظَمُوا نُزُولَهُمْ عَلَى غَيْرِ مَاءٍ وَوَقَعَ مِنْ أَبِي بَكْرٍ فِي حَقِّ عَائِشَةَ مَا وَقَعَ قَالَ بن عَبْدِ الْبَرِّ مَعْلُومٌ عِنْدَ جَمِيعِ أَهْلِ الْمَغَازِي أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُصَلِّ مُنْذُ افْتُرِضَتِ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ إِلَّا بِوُضُوءٍ وَلَا يَدْفَعُ ذَلِكَ إِلَّا جَاهِلٌ أَوْ مُعَانِدٌ قَالَ وَفِي قَوْلِهِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ آيَةُ التَّيَمُّمِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الَّذِي طَرَأَ إِلَيْهِمْ مِنَ الْعِلْمِ حِينَئِذٍ حُكْمُ التَّيَمُّمِ لَا حُكْمُ الْوُضُوءِ قَالَ وَالْحِكْمَةُ فِي نُزُولِ آيَةِ الْوُضُوءِ مَعَ تَقَدُّمِ الْعَمَلِ بِهِ لِيَكُونَ فَرْضُهُ مَتْلُوًّا بِالتَّنْزِيلِ.

     وَقَالَ  غَيْرُهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَوَّلُ آيَةِ الْوُضُوءِ نَزَلَ قَدِيمًا فَعَلِمُوا بِهِ الْوُضُوءَ ثُمَّ نَزَلَ بَقِيَّتُهَا وَهُوَ ذِكْرُ التَّيَمُّمِ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ وَإِطْلَاقُ آيَةِ التَّيَمُّمِ عَلَى هَذَا مِنْ تَسْمِيَةِ الْكُلِّ بِاسْمِ الْبَعْضِ لَكِنَّ رِوَايَةَ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ الَّتِي قَدَّمْنَا أَنَّ الْمُصَنِّفَ أَخْرَجَهَا فِي التَّفْسِيرِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ جَمِيعًا فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ فَالظَّاهِرُ مَا قَالَهُ بن عَبْدِ الْبَرِّ .

     قَوْلُهُ  فَأَنْزَلَ اللَّهُ آيَةَ التَّيَمُّمِ قَالَ بن الْعَرَبِيِّ هَذِهِ مُعْضِلَةٌ مَا وَجَدْتُ لِدَائِهَا مِنْ دَوَاءٍ لِأَنَّا لَا نَعْلَمُ أَيَّ الْآيَتَيْنِ عَنَتْ عَائِشَة قَالَ بن بَطَّالٍ هِيَ آيَةُ النِّسَاءِ أَوْ آيَةُ الْمَائِدَةِ.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيُّ هِيَ آيَةُ النِّسَاءِ وَوَجَّهَهُ بِأَنَّ آيَةَ الْمَائِدَةِ تُسَمَّى آيَةَ الْوُضُوءِ وَآيَةُ النِّسَاءِ لَا ذِكْرَ فِيهَا لِلْوُضُوءِ فَيُتَّجَهُ تَخْصِيصُهَا بِآيَةِ التَّيَمُّمِ وَأَوْرَدَ الْوَاحِدِيُّ فِي أَسْبَابِ النُّزُولِ هَذَا الْحَدِيثَ عِنْدَ ذِكْرِ آيَةِ النِّسَاءِ أَيْضًا وَخَفِيَ عَلَى الْجَمِيعِ مَا ظَهَرَ لِلْبُخَارِيِّ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا آيَةُ الْمَائِدَةِ بِغَيْرِ تَرَدُّدٍ لِرِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ إِذْ صَرَّحَ فِيهَا بِقَوْلِهِ فَنَزَلَتْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاة الْآيَةَ .

     قَوْلُهُ  فَتَيَمَّمُوا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ خَبَرًا عَنْ فِعْلِ الصَّحَابَةِ أَيْ فَتَيَمَّمَ النَّاسُ بَعْدَ نُزُولِ الْآيَةِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ حِكَايَةً لِبَعْضِ الْآيَةِ وَهُوَ الْأَمْرُ فِي قَوْلِهِ فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طيبا بَيَانًا لِقَوْلِهِ آيَةُ التَّيَمُّمِ أَوْ بَدَلًا وَاسْتُدِلَّ بِالْآيَةِ عَلَى وُجُوبِ النِّيَّةِ فِي التَّيَمُّمِ لِأَنَّ مَعْنَى فَتَيَمَّمُوا اقْصِدُوا كَمَا تَقَدَّمَ وَهُوَ قَوْلُ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ إِلَّا الْأَوْزَاعِيَّ وَعَلَى أَنَّهُ يَجِبُ نَقْلُ التُّرَابِ وَلَا يَكْفِي هُبُوبُ الرِّيحِ بِهِ بِخِلَافِ الْوُضُوءِ كَمَا لَوْ أَصَابَهُ مَطَرٌ فَنَوَى الْوُضُوءَ بِهِ فَإِنَّهُ يُجْزِئُ وَالْأَظْهَرُ الْإِجْزَاءُ لِمَنْ قَصَدَ التُّرَابَ مِنَ الرِّيحِ الْهَابَّةِ بِخِلَافِ مَنْ لَمْ يَقْصِدْ وَهُوَ اخْتِيَارُ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وعَلى تعين الصَّعِيدِ الطَّيِّبِ لِلتَّيَمُّمِ لَكِنِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْمُرَادِ بِالصَّعِيدِ الطَّيِّبِ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِهِ قَرِيبًا وَعَلَى أَنَّهُ يَجِبُ التَّيَمُّمُ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ وَسَنَذْكُرُ تَوْجِيهَهُ وَمَا يُرَدُّ عَلَيْهِ بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَبْوَابٍ تَنْبِيهٌ لَمْ يَقَعْ فِي شَيْءٍ مِنْ طُرُقِ حَدِيثِ عَائِشَةَ هَذَا كَيْفِيَّةُ التَّيَمُّمِ وَقَدْ رَوَى عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ قِصَّتَهَا هَذِهِ فَبَيَّنَ ذَلِكَ لَكِنِ اخْتَلَفَ الرُّوَاةُ عَلَى عَمَّارٍ فِي الْكَيْفِيَّةِ كَمَا سَنَذْكُرُهُ وَنُبَيِّنُ الْأَصَحَّ مِنْهُ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ لِلْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ .

     قَوْلُهُ  فَقَالَ أُسَيْدٌ هُوَ بِالتَّصْغِيرِ بن الْحضير بِمُهْملَة ثمَّ مُعْجمَة مُصَغرًا أَيْضًا وَهُوَ مِنْ كِبَارِ الْأَنْصَارِ وَسَيَأْتِي ذِكْرُهُ فِي الْمَنَاقِبِ وَإِنَّمَا قَالَ مَا قَالَ دُونَ غَيْرِهِ لِأَنَّهُ كَانَ رَأْسَ مَنْ بُعِثَ فِي طَلَبِ الْعِقْدِ الَّذِي ضَاعَ .

     قَوْلُهُ  مَا هِيَ بِأَوَّلِ بَرَكَتِكُمْ أَيْ بَلْ هِيَ مَسْبُوقَةٌ بِغَيْرِهَا مِنَ الْبَرَكَاتِ وَالْمُرَادُ بِآلِ أَبِي بَكْرٍ نَفْسُهُ وَأَهْلُهُ وَأَتْبَاعُهُ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى فَضْلِ عَائِشَةَ وَأَبِيهَا وَتَكْرَارِ الْبَرَكَةِ مِنْهُمَا وَفِي رِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ لَقَدْ بَارَكَ اللَّهُ لِلنَّاسِ فِيكُمْ وَفِي تَفْسِير إِسْحَاق البستي من طَرِيق بن أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهَا مَا كَانَ أَعْظَمَ بَرَكَةَ قِلَادَتِكِ وَفِي رِوَايَةِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ الْآتِيَةِ فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ فَوَاللَّهِ مَا نَزَلَ بِكِ مِنْ أَمْرٍ تَكْرَهِينَهُ إِلَّا جَعَلَ اللَّهُ لِلْمُسْلِمِينَ فِيهِ خَيْرًا وَفِي النِّكَاحِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ إِلَّا جَعَلَ اللَّهُ لَكِ مِنْهُ مَخْرَجًا وَجَعَلَ لِلْمُسْلِمِينَ فِيهِ بَرَكَةً وَهَذَا يُشْعِرُ بِأَنَّ هَذِهِ الْقِصَّةَ كَانَتْ بَعْدَ قِصَّةِ الْإِفْكِ فَيَقْوَى قَوْلُ مَنْ ذَهَبَ إِلَى تَعَدُّدِ ضَيَاعِ الْعِقْدِ وَمِمَّنْ جَزَمَ بِذَلِكَ مُحَمَّدُ بْنُ حَبِيبٍ الْإِخْبَارِيُّ فَقَالَ سَقَطَ عِقْدُ عَائِشَةَ فِي غَزْوَةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ وَفِي غَزْوَةِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْمَغَازِي فِي أَيِّ هَاتَيْنِ الْغَزَاتَيْنِ كَانَتْ أَوَّلًا.

     وَقَالَ  الدَّاوُدِيُّ كَانَتْ قِصَّةُ التَّيَمُّمِ فِي غَزَاةِ الْفَتْحِ ثُمَّ تَرَدَّدَ فِي ذَلِكَوَقد روى بن أَبِي شَيْبَةَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ لَمَّا نَزَلَتْ آيَةُ التَّيَمُّمِ لَمْ أَدْرِ كَيْفَ أَصْنَعُ الْحَدِيثَ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى تَأَخُّرِهَا عَنْ غَزْوَةِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ لِأَنَّ إِسْلَامَ أَبِي هُرَيْرَةَ كَانَ فِي السَّنَةِ السَّابِعَةِ وَهِيَ بَعْدَهَا بِلَا خِلَافٍ وَسَيَأْتِي فِي الْمَغَازِي أَنَّ الْبُخَارِيَّ يَرَى أَنَّ غَزْوَةَ ذَاتِ الرِّقَاعِ كَانَتْ بَعْدَ قُدُومِ أَبِي مُوسَى وَقُدُومُهُ كَانَ وَقْتَ إِسْلَامِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى تَأَخُّرِ الْقِصَّةِ أَيْضًا عَنْ قِصَّةِ الْإِفْكِ مَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ لَمَّا كَانَ مِنْ أَمْرِ عِقْدِي مَا كَانَ.

     وَقَالَ  أَهْلُ الْإِفْكِ مَا قَالُوا خَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةٍ أُخْرَى فَسَقَطَ أَيْضًا عِقْدِي حَتَّى حَبَسَ النَّاسَ عَلَى الْتِمَاسِهِ فَقَالَ لِي أَبُو بَكْرٍ يَا بُنَيَّةُ فِي كُلِّ سَفْرَةٍ تَكُونِينَ عَنَاءً وَبَلَاءً عَلَى النَّاسِ فَأَنْزَلَ الله عز وَجل الرُّخْصَة فِي التَّيَمُّم فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ إِنَّكِ لَمُبَارَكَةٌ ثَلَاثًا وَفِي إِسْنَادِهِ مُحَمَّدُ بْنُ حُمَيْدٍ الرَّازِيُّ وَفِيهِ مَقَالٌ وَفِي سِيَاقِهِ مِنَ الْفَوَائِدِ بَيَانُ عِتَابِ أَبِي بَكْرٍ الَّذِي أُبْهِمَ فِي حَدِيثِ الْبَابِ وَالتَّصْرِيحُ بِأَنَّ ضَيَاعَ الْعِقْدِ كَانَ مَرَّتَيْنِ فِي غَزْوَتَيْنِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  فَبَعَثْنَا أَيْ أَثَرْنَا الْبَعِيرَ الَّذِي كُنْتِ عَلَيْهِ أَيْ حَالَةَ السَّفَرِ .

     قَوْلُهُ  فَأَصَبْنَا الْعِقْدَ تَحْتَهُ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الَّذِينَ تَوَجَّهُوا فِي طَلَبِهِ أَوَّلًا لَمْ يَجِدُوهُ وَفِي رِوَايَةِ عُرْوَةَ فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا فَوَجَدَهَا أَيِ الْقِلَادَةَ وَلِلْمُصَنِّفِ فِي فَضْلِ عَائِشَةَ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَكَذَا لِمُسْلِمٍ فَبَعَثَ نَاسًا مِنْ أَصْحَابِهِ فِي طَلَبِهَا وَلِأَبِي دَاوُدَ فَبَعَثَ أُسَيْدَ بْنَ حُضَيْرٍ وَنَاسًا مَعَهُ وَطَرِيقُ الْجَمْعِ بَيْنَ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ أَنَّ أُسَيْدًا كَانَ رَأْسَ مَنْ بُعِثَ لِذَلِكَ فَلِذَلِكَ سُمِّيَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ دُونَ غَيْرِهِ وَكَذَا أَسْنَدَ الْفِعْلَ إِلَى وَاحِدٍ مُبْهَمٍ وَهُوَ الْمُرَادُ بِهِ وَكَأَنَّهُمْ لَمْ يَجِدُوا الْعِقْدَ أَوَّلًا فَلَمَّا رَجَعُوا وَنَزَلَتْ آيَةُ التَّيَمُّمِ وَأَرَادُوا الرَّحِيلَ وَأَثَارُوا الْبَعِيرَ وَجَدَهُ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ فَعَلَى هَذَا فَ.

     قَوْلُهُ  فِي رِوَايَةِ عُرْوَةَ الْآتِيَةِ فَوَجَدَهَا أَيْ بَعْدَ جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ مِنَ التَّفْتِيشِ وَغَيْرِهِ.

     وَقَالَ  النَّوَوِيُّ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فَاعِلُ وَجَدَهَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ بَالَغَ الدَّاوُدِيُّ فِي تَوْهِيمِ رِوَايَةِ عُرْوَةَ وَنُقِلَ عَنْ إِسْمَاعِيلَ الْقَاضِي أَنَّهُ حَمَلَ الْوَهْمَ فِيهَا عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ وَقَدْ بَانَ بِمَا ذَكَرْنَا مِنَ الْجَمْعِ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ أَنْ لَا تَخَالُفَ بَيْنَهُمَا وَلَا وَهْمَ وَفِي الْحَدِيثَيْنِ اخْتِلَافٌ آخَرُ وَهُوَ قَوْلُ عَائِشَةَ انْقَطَعَ عِقْدٌ لِي .

     .

     وَقَالَتْ  
فِي رِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ سَقَطَتْ قِلَادَةٌ لِي وَفِي رِوَايَةِ عُرْوَةَ الْآتِيَةِ عَنْهَا أَنَّهَا اسْتَعَارَتْ قِلَادَةً مِنْ أَسْمَاءَ يَعْنِي أُخْتَهَا فَهَلَكَتْ أَيْ ضَاعَتْ وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا أَنَّ إِضَافَةَ الْقِلَادَةِ إِلَى عَائِشَةَ لِكَوْنِهَا فِي يَدِهَا وَتَصَرُّفِهَا وَإِلَى أَسْمَاءَ لِكَوْنِهَا مِلْكَهَا لِتَصْرِيحِ عَائِشَةَ فِي رِوَايَةِ عُرْوَةَ بِأَنَّهَا اسْتَعَارَتْهَا مِنْهَا وَهَذَا كُلُّهُ بِنَاءٌ عَلَى اتِّحَادِ الْقِصَّةِ وَقَدْ جَنَحَ الْبُخَارِيُّ فِي التَّفْسِيرِ إِلَى تَعَدُّدِهَا حَيْثُ أَوْرَدَ حَدِيثَ الْبَابِ فِي تَفْسِيرِ الْمَائِدَةِ وَحَدِيثَ عُرْوَةَ فِي تَفْسِيرِ النِّسَاءِ فَكَانَ نُزُولُ آيَةِ الْمَائِدَةِ بِسَبَبِ عِقْدِ عَائِشَةَ وَآيَةِ النِّسَاءِ بِسَبَبِ قِلَادَةِ أَسْمَاءَ وَمَا تَقَدَّمَ مِنِ اتِّحَادِ الْقِصَّةِ أَظْهَرُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ فَائِدَةٌ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ عَمَّارٍ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ وَغَيْرِهِ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ أَنَّ الْعِقْدَ الْمَذْكُورَ كَانَ مِنْ جَزْعِ ظِفَارٍ وَكَذَا وَقَعَ فِي قِصَّةِ الْإِفْكِ كَمَا سَيَأْتِي فِي مَوْضِعِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَالْجَزْعُ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَسُكُونِ الزَّايِ خَرَزٌ يَمَنِيٌّ وَظِفَارٌ مَدِينَةٌ تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا فِي بَابِ الطِّيبِ لِلْمَرْأَةِ عِنْدَ غُسْلِهَا مِنَ الْمَحِيضِ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنَ الْفَوَائِدِ غَيْرِ مَا تَقَدَّمَ جَوَازُ السَّفَرِ بِالنِّسَاءِ وَاتِّخَاذِهِنَّ الْحُلِيَّ تَجَمُّلًا لِأَزْوَاجِهِنَّ وَجَوَازُ السَّفَرِ بِالْعَارِيَةِ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى رِضَا صَاحبهَا

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [333] حدَّثنا الْحَسَنُ بنُ مُدْرِكٍ قالَ حدَّثنَا يَحْيَى بنُ حَمَّادٍ قالَ أخبرنَا أبُو عَوَانةَ اسْمُهُ الوَضَّاحُ مِنْ كِتَابِهِ قالَ أخبَرنا سُلَيمانُ الشَّيْبَانِيُّ عنْ عَبْدِ الله بنِ شَدَّادٍ قالَ سَمِعْتُ خالَتِي مَيْمُونَةَ زَوْجَ النَّبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنَّهَا كانَتْ تَكُونُ حَائِضًا لاَ تُصَلِّي وَهْيَ مُفْترِشَةٌ بِحِذَاءِ مَسْجِدِ رسولِ اللهصلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهْوَ يُصَلِّي عَلَى خُمْرَتِهِ إذَا سَجَدَ أصَابَنِي بَعْضُ ثَوْبِهِ.. لم يذكر تَرْجَمَة لهَذَا الحَدِيث، لِأَنَّهُ ذكر قَوْله: بَاب، كَذَا مُجَردا، لِأَنَّهُ بِمَعْنى فصل، فَلَا يحْتَاج إِلَى ذكر شَيْء.
وَأما على الرِّوَايَة الَّتِي لم يذكر فِيهَا لفظ بَاب فوجهه مَا ذَكرْنَاهُ الْآن.
ذكر رِجَاله وهم سنة: الأول: الْحسن بن مدرك، بِضَم الْمِيم من الْإِدْرَاك أَبُو عَليّ السدُوسِي الْحَافِظ الطَّحَّان الْبَصْرِيّ.
الثَّانِي: يحيى بن حَمَّاد الشَّيْبَانِيّ، ختن أبي عوَانَة، مَاتَ سنة خمس عشرَة وَمِائَتَيْنِ.
الثَّالِث: أَبُو عوَانَة بِفَتْح الْعين واسْمه الوضاح، وَقد تكَرر ذكره.
الرَّابِع: سُلَيْمَان بن أبي سِنَان فَيْرُوز أَبُو إِسْحَاق الشَّيْبَانِيّ.
الْخَامِس: عبد الله بن شَدَّاد بن الْهَاد، تقدم ذكره.
السَّادِس: مَيْمُونَة بنت الْحَارِث زوج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَهِي خَالَة عبد الله بن شَدَّاد، لِأَن أمه سلمى بنت عُمَيْس أُخْت لميمونة لأمها، أَي: أُخْت أَخِيهَا وَفِيه.
ذكر لطائف إِسْنَاده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع.
وَفِيه: الْإِخْبَار بِصِيغَة الْجمع فِي مَوضِع وَاحِد، وَهُوَ قَوْله: أَبُو عوَانَة.
وَفِيه: العنعنة فِي مَوضِع وَاحِد، وَفِيه السماع.
وَفِيه: أَن رُوَاته مَا بَين بَصرِي وكوفي ومدني.
وَفِيه: رِوَايَة البُخَارِيّ من صغَار شُيُوخه، وَهُوَ الْحسن الْمَذْكُور، وَالْبُخَارِيّ أقدم مِنْهُ سَمَاعا.
وروى البُخَارِيّ عَن يحيى بن حَمَّاد أَيْضا شيخ الْحسن الْمَذْكُور، والنكتة فِيهِ أَن هَذَا الحَدِيث قد فَاتَ البُخَارِيّ عَن شَيْخه يحيى، فَرَوَاهُ عَن الْحسن لِأَنَّهُ عَارِف بِحَدِيث يحيى بن حَمَّاد، وَفِيه: الْإِشَارَة إِلَى أَن أَبَا عوَانَة حدث بِهَذَا الحَدِيث، من كِتَابه، تَقْوِيَة لما رُوِيَ عَنهُ، قَالَ أَحْمد: إِذا حدث أَبُو عوَانَة من كِتَابه فَهُوَ أثبت، وَإِذا حدث من غير كِتَابه رُبمَا وهم،.

     وَقَالَ  أَبُو زرْعَة: أَبُو عوَانَة ثِقَة، إِذا حدث من الْكتاب،.

     وَقَالَ  ابْن مهْدي: كتاب أبي عوَانَة أثبت من هشيم.
ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الصَّلَاة عَن مُسَدّد، وَعَن عَمْرو بن زُرَارَة، وَعَن أبي النُّعْمَان.
وَأخرجه مُسلم فِي الصَّلَاة عَن يحيى بن يحيى، وَعَن أبي بكر بن أبي شيبَة.
وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن عَمْرو بن عون عَن خَالِد بِهِ.
وَأخرجه ابْن ماجة عَن ابْن أبي شيبَة بِهِ.
ذكر مَعْنَاهُ وَإِعْرَابه: قَوْله: (أَنَّهَا) ، أَي: أَن مَيْمُونَة.
قَوْله: (كَانَت تكون) فِيهِ ثَلَاث أوجه: أَحدهَا: أَن يكون أحد لَفْظِي الْكَوْن زَائِدا كَمَا فِي قَول الشَّاعِر: وجيران لنا كَانُوا كرام فَلفظ: كَانُوا، زَائِد، و: كرام، بِالْجَرِّ صفة: لجيران.
سَمعه أَولا من ذَر ثمَّ لَقِي سعيداً فَأَخذه عَنهُ، وَلَكِن سَمَاعه من ذَر أثبت لوروده كَذَا فِي أَكثر الرِّوَايَات.
ثمَّ قَوْله: (وَقَالَ الحكم) : يحْتَمل أَن يكون تَعْلِيقا من البُخَارِيّ، وَيحْتَمل أَن يكون من كَلَام شُعْبَة فَيكون دَاخِلا فِي إِسْنَاده.
كَذَا قَالَه الْكرْمَانِي.
قلت: يحْتَمل أَن يكون من كَلَام النَّضر، وَهُوَ الظَّاهِر.
(النَّوْع الثَّالِث فِي مَعْنَاهُ: قَوْله: (الصَّعِيد الطّيب) أَي: الأَرْض الطاهرة، وَقد مر مرّة أَن الصَّعِيد وَجه الأَرْض، فعيل بِمَعْنى مفعول أَي مصعود عَلَيْهِ،.

     وَقَالَ  قَتَادَة: الصَّعِيد: الأَرْض الَّتِي لَا نَبَات فِيهَا وَلَا شجر،.

     وَقَالَ  أَبُو إِسْحَاق: الطّيب النَّظِيف، وَأكْثر الْعلمَاء على أَنه الطَّاهِر.
وَقيل: الْحَلَال، وَقيل: الطّيب، مَا تستطيبه النَّفس، وَذكر فِي (الْهِدَايَة) فِي اسْتِدْلَال الشَّافِعِي على أَن التَّيَمُّم لَا يجوز إلاَّ بِالتُّرَابِ، بقوله تَعَالَى: { فَتَيَمَّمُوا صَعِيدا طيبا} (النِّسَاء: 34، والمائدة: 6) أَي: تُرَابا منبتاً، قَالَه ابْن عَبَّاس قلت: فِي شَرحه الَّذِي قَالَه عبد ابْن عَبَّاس، رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من جِهَة قَابُوس بن أبي ظبْيَان عَن أَبِيه عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ: أطيب الصَّعِيد حرث الأَرْض، وَالِاسْتِدْلَال للشَّافِعِيّ بِهَذَا غير موجه لِأَنَّهُ غير قَائِل بِاشْتِرَاط الإنبات فِي التُّرَاب الَّذِي يجوز بِهِ التَّيَمُّم..
     وَقَالَ  النَّوَوِيّ: الإنبات لَيْسَ بِشَرْط فِي الْأَصَح.
قَوْله: (يَكْفِيهِ من المَاء) ، يَعْنِي: يَكْفِي الْمُسلم، أَي: يجْزِيه عِنْد عدم المَاء.

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [333] من حديث: سليمان الشيباني، عن عبد الله بن شداد، قالَ: سمعت خالتي ميمونة زوج النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أنها كانت تكون حائضاً لا تصلي، وهي مفترشة بحذاء مسجد رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وهو يصلي على خمرتة، إذا سجد أصابني بعض ثوبه.
في هذا الحديث دلالة على طهارة ثياب الحائض التي تلبسها في حال حيضها، وأن المصلي إذا أصابه شيء من ثيابها فيتلك الحال لم تفسد صلاته.
وقد سبق هذا المعنى مستوفى في ( ( باب: هل تصلي المرأة في ثوب حاضت فيهِ؟) ) .
والظاهر: أن مراد ميمونة في هذا الحديث مسجد بيت النَّبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الذي كانَ يصلي فيهِ من بيته؛ لأن ميمونة لا تفترش إلا بحذاء هذا المسجد، ولم ترد - والله أعلم - مسجد المدينة.
وتأتي باقي فوائد الحديث في ( ( كتاب الصلاة) ) - إن شاء الله سبحانه وتعالى.
وقد خرج الإمام أحمد والنسائي من حديث منبوذ، عن أمه، عن ميمونة، قالت: كانَ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يضع رأسه في حجر إحدانا يتلو القرآن، وهي حائض، وتقوم إحدانا بخمرته، إلى المسجد فتبسطها وهي حائض.
والظاهر: حمله - أيضاً - على مسجد البيت.
ويشهد لهُ: أن الإمام أحمد خرجه بلفظ آخر، عن ميمونة، قالت: كانت إحدانا تقوم وهي حائض فتبسط لهُ خمرةً في مصلاه، فيصلي عليها في بيتي.
وكذلك: ما خرجه مسلم من حديث عائشة، قالت: قالَ لي رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:( ( ناوليني الخمرة من المسجد) ) .
قلت: إني حائض؟ قالَ: ( ( إن حيضتك ليست في يدك) ) .
ومساجد البيوت لا يثبت لها أحكام المساجد عندَ جمهور العلماء، فلا يمنع الجنب والحائض منها، خلافاً لإسحاق في ذَلِكَ.
ومن حمل حديث ميمونة وعائشة على مسجد المدينة، استدل بحديثهما: على أن الحائض لها أن تمر في المسجد لحاجة إذا أمنت تلويثه.
وحكي ذَلِكَ عن طائفة من السلف، منهم: ابن المسيب، وعطاء، والحسن، وسعيد بن جبير، وزيد بن أسلم، وعمرو بن دينار، وقتادة، وهو قول الشافعي وأحمد.
واختلف أصحابنا: هل يباح لها الدخول لأخذ شيء ووضعه، أم لا يباح إلا للأخذ خاصة؟ على وجهين.
ونص أحمد: على أنه لا يباح إلا للأخذ خاصة في رواية حنبل.
وقال إسحاق: هما سواء.
وحديث ميمونة فيهِ الدخول لبسط الخمرة، وهو دخول لوضع.
وكل من منع الجنب من المرور في المسجد لغير ضرورة منع منه الحائض، وأولى، وهو قول الثوري، وأبي حنيفة، ومالك، وإسحاق.
ومنهم: من أباحه للجنب دون الحائض، كالأوزاعي، ومالك في رواية؛ لأن حدث الحيض أفحش من الجنابة وأغلظ، وحكى ابن عقيل وجهاً لأصحابنا بمثل ذَلِكَ.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
* * *بسم الله الرحمن الرحيم كتاب التيمم 1 - باب قول الله - عز وجل -: { فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ} [المائدة:6] خرج فيه حديثين: الحديث الأول: قال:

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  ( ! ! بَابٌ غَيْرُ مُتَرْجَمٍ وَكَذَا فِي نُسْخَةِ الْأَصِيلِيِّ وَعَادَتُهُ فِي مِثْلِ ذَلِكَ أَنَّهُ بِمَعْنَى الْفَصْلِ مِنَ الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ وَمُنَاسَبَتُهُ لَهُ)
أَنَّ عَيْنَ الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ طَاهِرَةٌ لَأَنَّ ثَوْبَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصِيْبُهَا إِذَا سَجَدَ وَهِيَ حَائِضٌ وَلَا يَضُرُّهُ ذَلِكَ

[ قــ :330 ... غــ :333] .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُدْرِكٍ هُوَ الطَّحَّانُ الْبَصْرِيُّ أَحَدَ الْحُفَّاظِ وَهُوَ مِنْ صِغَارِ شُيُوخِ الْبُخَارِيِّ بَلِ الْبُخَارِيُّ أَقْدَمُ مِنْهُ وَقَدْ شَارَكَهُ فِي شَيْخِهِ يَحْيَى بْنُ حَمَّادٍ الْمَذْكُورُ هُنَا وَكَأَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ فَاتَهُ فَاعْتَمَدَ فِيهِ عَلَى الْحَسَنِ الْمَذْكُورِ لِأَنَّهُ كَانَ عَارِفًا بِحَدِيثِ يَحْيَى بْنِ حَمَّادٍ .

     قَوْلُهُ  مِنْ كِتَابِهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ أَبَا عَوَانَةَ حَدَّثَ بِهِ مِنْ كِتَابِهِ لَا مِنْ حِفْظِهِ وَكَانَ إِذَا حَدَّثَ مِنْ كِتَابِهِ أَتْقَنَ مِمَّا إِذَا حَدَّثَ مِنْ حِفْظِهِ حَتَّى قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ كِتَابُ أَبِي عَوَانَةَ أَثْبَتُ مِنْ حِفْظِ هُشَيْمٍ .

     قَوْلُهُ  كَانَتْ تَكُونُ أَيْ تَحْصُلُ أَوْ تَسْتَقِرُّ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ قَوْلَهُ تَكُونُ لَا تُصَلِّي خَبَرٌ لِكَانَتْ وَقَولُهُ حَائِضًا حَالٌ نَحْوُ وَجَاءُوا أباهم عشَاء يَبْكُونَ قَالَهُ الْكِرْمَانِيُّ .

     قَوْلُهُ  بِحِذَاءِ بِكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ بَعْدَهَا ذَالٌ مُعْجَمَةٌ وَمَدَّةٌ أَيْ بِجَنْبِ مَسْجِدٍ وَالْمُرَادُ بِالْمَسْجِدِ مَكَانُ سُجُودِهِ وَالْخُمْرَةُ بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الْمِيمِ قَالَ الطَّبَرِيُّ هُوَ مُصَلًّى صَغِيرٌ يُعْمَلُ مِنْ سَعَفِ النَّخْلِ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِسَتْرِهَا الْوَجْهَ وَالْكَفَّيْنِ مِنْ حَرِّ الْأَرْضِ وَبَرْدِهَا فَإِنْ كَانَتْ كَبِيرَةً سُمِّيَتْ حَصِيرًا وَكَذَا قَالَ الْأَزْهَرِيُّ فِي تَهْذِيبِهِ وَصَاحِبُهُ أَبُو عُبَيْدٍ الْهَرَوِيُّ وَجَمَاعَةٌ بَعْدَهُمْ وَزَادَ فِي النِّهَايَةِ وَلَا تَكُونُ خُمْرَةً إِلَّا فِي هَذَا الْمِقْدَارِ قَالَ وَسُمِّيَتْ خُمْرَةً لِأَنَّ خُيُوطَهَا مَسْتُورَةٌ بِسَعَفِهَا.

     وَقَالَ  الْخَطَّابِيُّ هِيَ السَّجَّادَةُ يَسْجُدُ عَلَيْهَا الْمُصَلِّي ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيث بن عَبَّاسٍ فِي الْفَأْرَةِ الَّتِي جَرَّتِ الْفَتِيلَةَ حَتَّى أَلْقَتْهَا عَلَى الْخُمْرَةِ الَّتِي كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاعِدًا عَلَيْهَا الْحَدِيثَ قَالَ فَفِي هَذَا تَصْرِيحٌ بِإِطْلَاقِ الْخُمْرَةِ عَلَى مَا زَادَ عَلَى قَدْرِ الْوَجْهِ قَالَ وَسُمِّيَتْ خُمْرَةً لِأَنَّهَا تُغَطِّي الْوَجْهَ وَسَتَأْتِي الْإِشَارَةُ إِلَى حُكْمِ الصَّلَاةِ عَلَيْهَا فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى خَاتِمَةٌ اشْتَمَلَ كِتَابُ الْحَيْضِ مِنَ الْأَحَادِيثِ الْمَرْفُوعَةِ عَلَى سَبْعَةٍ وَأَرْبَعِينَ حَدِيثًا الْمُكَرَّرُ مِنْهَا فِيهِ وَفِيمَا مَضَى اثْنَانِ وَعِشْرُونَ حَدِيثًا الْمَوْصُولُ مِنْهَا عَشَرَةُ أَحَادِيثَ وَالْبَقِيَّةُ تَعْلِيقٌ وَمُتَابَعَةٌ وَالْخَالِصُ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ حَدِيثًا مِنْهَا وَاحِدٌ مُعَلَّقٌ وَهُوَ حَدِيثُ كَانَ يَذْكُرُ اللَّهَ عَلَى كُلِّ أَحْيَانِهِ وَالْبَقِيَّةُ مَوْصُولَةٌ وَقَدْ وَافَقَهُ مُسْلِمٌ عَلَى تَخْرِيجِهَا سِوَى حَدِيثِ عَائِشَةَ كَانَتْ إِحْدَانَا تَحِيضُ ثُمَّ تَقْتَرِصُ الدَّمَ وَحَدِيثِهَا فِي اعْتِكَافِ الْمُسْتَحَاضَةِ وَحَدِيثِهَا مَا كَانَ لِإِحْدَانَا إِلَّا ثَوْبٌ وَاحِدٌ وَحَدِيثِ أُمِّ عَطِيَّة كُنَّا لَا نعد الصُّفْرَة وَحَدِيث بن عُمَرَ رَخَّصَ لِلْحَائِضِ أَنْ تَنْفِرَ وَفِيهِ مِنَ الْآثَارِ الْمَوْقُوفَةِ عَلَى الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ خَمْسَةَ عَشَرَ أثرا كلهَا معلقَة وَالله أعلم

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
[ قــ :330 ... غــ :333 ]
- من حديث: سليمان الشيباني، عن عبد الله بن شداد، قالَ: سمعت خالتي ميمونة زوج النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أنها كانت تكون حائضاً لا تصلي، وهي مفترشة بحذاء مسجد رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وهو يصلي على خمرتة، إذا سجد أصابني بعض ثوبه.

في هذا الحديث دلالة على طهارة ثياب الحائض التي تلبسها في حال حيضها، وأن المصلي إذا أصابه شيء من ثيابها في تلك الحال لم تفسد صلاته.
وقد سبق هذا المعنى مستوفى في ( ( باب: هل تصلي المرأة في ثوب حاضت فيهِ؟) ) .

والظاهر: أن مراد ميمونة في هذا الحديث مسجد بيت النَّبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الذي كانَ يصلي فيهِ من بيته؛ لأن ميمونة لا تفترش إلا بحذاء هذا المسجد، ولم ترد - والله أعلم - مسجد المدينة.

وتأتي باقي فوائد الحديث في ( ( كتاب الصلاة) ) - إن شاء الله سبحانه وتعالى.

وقد خرج الإمام أحمد والنسائي من حديث منبوذ، عن أمه، عن ميمونة، قالت: كانَ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يضع رأسه في حجر إحدانا يتلو القرآن، وهي حائض، وتقوم إحدانا بخمرته، إلى المسجد فتبسطها وهي حائض.

والظاهر: حمله - أيضاً - على مسجد البيت.

ويشهد لهُ: أن الإمام أحمد خرجه بلفظ آخر، عن ميمونة، قالت: كانت إحدانا تقوم وهي حائض فتبسط لهُ خمرةً في مصلاه، فيصلي عليها في بيتي.

وكذلك: ما خرجه مسلم من حديث عائشة، قالت: قالَ لي رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ( ( ناوليني الخمرة من المسجد) ) .
قلت: إني حائض؟ قالَ: ( ( إن حيضتك ليست في يدك) ) .

ومساجد البيوت لا يثبت لها أحكام المساجد عندَ جمهور العلماء، فلا يمنع الجنب والحائض منها، خلافاً لإسحاق في ذَلِكَ.

ومن حمل حديث ميمونة وعائشة على مسجد المدينة، استدل بحديثهما: على أن الحائض لها أن تمر في المسجد لحاجة إذا أمنت تلويثه.
وحكي ذَلِكَ عن طائفة من السلف، منهم: ابن المسيب، وعطاء، والحسن، وسعيد بن جبير، وزيد بن أسلم، وعمرو بن دينار، وقتادة، وهو قول الشافعي وأحمد.

واختلف أصحابنا: هل يباح لها الدخول لأخذ شيء ووضعه، أم لا يباح إلا للأخذ خاصة؟ على وجهين.

ونص أحمد: على أنه لا يباح إلا للأخذ خاصة في رواية حنبل.

وقال إسحاق: هما سواء.

وحديث ميمونة فيهِ الدخول لبسط الخمرة، وهو دخول لوضع.

وكل من منع الجنب من المرور في المسجد لغير ضرورة منع منه الحائض،
وأولى، وهو قول الثوري، وأبي حنيفة، ومالك، وإسحاق.

ومنهم: من أباحه للجنب دون الحائض، كالأوزاعي، ومالك في رواية؛ لأن حدث الحيض أفحش من الجنابة وأغلظ، وحكى ابن عقيل وجهاً لأصحابنا بمثل ذَلِكَ.
والله سبحانه وتعالى أعلم.

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  باب
هذا ( باب) بالتنوين من غير ترجمة وهو ساقط للأصيلي.


[ قــ :330 ... غــ : 333 ]
- حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُدْرِكٍ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمَّادٍ قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو عَوَانَةَ - اسْمُهُ الْوَضَّاحُ - مِنْ كِتَابِهِ قَالَ أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ الشَّيْبَانِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ قَالَ سَمِعْتُ خَالَتِي مَيْمُونَةَ - زَوْجَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهَا كَانَتْ تَكُونُ حَائِضًا لاَ تُصَلِّي، وَهْيَ مُفْتَرِشَةٌ بِحِذَاءِ مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهْوَ يُصَلِّي عَلَى خُمْرَتِهِ، إِذَا سَجَدَ أَصَابَنِي بَعْضُ ثَوْبِهِ.
[الحديث 333 - أطرافه في: 379، 381، 517، 518] .

وبالسند قال: ( حدّثنا الحسن) بفتح الحاء المهملة ( ابن مدرك) بضم الميم من الإدراك السدوسي
البصري ( قال: حدّثنا يحيى بن حماد) الشيباني، المتوفى سنة خمس عشرة ومائتين ( قال: أخبرنا أبو
عوانة)
بفتح العين ولغير أبوي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر اسمه الوضاح ( من كتابه) أشار
بذلك إلى ما قاله أحمد إذا حدّث من كتابه فهو أثبت، وإذا حدّث من غيره فربما وهم ( قال: أخبرنا)
ولأبي ذر عن الكشميهني حدّثنا ( سليمان) بن أبي سليمان ( الشيباني عن عبد الله بن شدّاد) هو ابن
الهاد، وأمه سلمى بنت أبي عميس أخت ميمونة لأمها ( قال) : ( سمعت خالتي ميمونة زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنها) أي ميمونة ( كانت تكون) إحداهما زائدة كقوله:
وجيران لنا كانوا كرام

فلفظة كانوا زائدة وكرام بالجر صفة لجيران أو في كان ضمير القصة وهو اسمها حائضًا
وخبرها حائضًا، أو تكون هنا بمعنى تصير ولابن عساكر أنها تكون ( حائضًا لا تصلي وهي مفترشة)
أي منبسطة على الأرض ( بحذاء) بكسر الحاء المهملة وبالذال المعجمة والد أي إزاء ( مسجد) بكسر
الجيم أي موضع سجود ( رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) من بيته لا مسجده المعهود كذا قرروه، وتعقبه في المصابيح
بأن المنقول عن سيبويه أنه إذا أريد موضع السجود قيل مسجد بالفتح فقط.
( وهو) أي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
( يصلي على خمرته) بضم الخاء المعجمة وسكون الميم سجادة صغيرة من خوص سميت بذلك لسترها
الوجه والكفّين من حرّ الأرض وبردها، ومنه الخمار ( إذا سجد) عليه الصلاة والسلام ( أصابني بعض
ثوب)
هذا حكاية لفظها، وإلا فالأصل أن تقول أصابها.
والجملة حالية، واستنبط منه عدم نجاسة
الحائض والتواضع والمسكنة في الصلاة بخلاف صلاة المتكبرين على سجاجيد غالية الأثمان مختلفة
الألوان.

ورواة هذا الحديث الستة ما بين بصري وكوفي ومدني، وفيه التحديث والإخبار والعنعنة،
وأخرجه المؤلف في الصلاة وكذا مسلم وأبو داود وابن ماجة ولله الحمد.


بسم الله الوحمن الوحيم

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  (بابٌُ)

أَي: هَذَا بابُُ إِن قرىء بِالتَّنْوِينِ، وإلاَّ فبالسكون، لِأَن الْإِعْرَاب لَا يكون إلاَّ بعد العقد والتركيب، وَلما كَانَ حكم الحَدِيث الَّذِي فِي هَذَا الْبابُُ خلاف حكم حَدِيث الْبابُُ الَّذِي قبله، فصل بَينهمَا بقوله: بابُُ، وَلكنه مَا ترْجم لَهُ، وَهَذَا فِي رِوَايَة أبي ذَر، وَفِي رِوَايَة الْأصيلِيّ وَغَيره لم يذكر لفظ بابُُ، بل أَدخل حَدِيث مَيْمُونَة الْآتِي فِي الْبابُُ الَّذِي قبله.

وَوجه مُنَاسبَة ذكر حَدِيث مَيْمُونَة فِيهِ هُوَ التَّنْبِيه وَالْإِشَارَة إِلَى أَن عين الْحَائِض وَالنُّفَسَاء طَاهِرَة، لِأَن ثوب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يُصِيب مَيْمُونَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، إِذا سجد وَهِي حَائِض، وَلَا يضرّهُ ذَلِك، فَلذَلِك لم يكن يمْتَنع مِنْهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.



[ قــ :330 ... غــ :333 ]
- حدَّثنا الْحَسَنُ بنُ مُدْرِكٍ قالَ حدَّثنَا يَحْيَى بنُ حَمَّادٍ قالَ أخبرنَا أبُو عَوَانةَ اسْمُهُ الوَضَّاحُ مِنْ كِتَابِهِ قالَ أخبَرنا سُلَيمانُ الشَّيْبَانِيُّ عنْ عَبْدِ الله بنِ شَدَّادٍ قالَ سَمِعْتُ خالَتِي مَيْمُونَةَ زَوْجَ النَّبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنَّهَا كانَتْ تَكُونُ حَائِضًا لاَ تُصَلِّي وَهْيَ مُفْترِشَةٌ بِحِذَاءِ مَسْجِدِ رسولِ اللهصلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهْوَ يُصَلِّي عَلَى خُمْرَتِهِ إذَا سَجَدَ أصَابَنِي بَعْضُ ثَوْبِهِ..

لم يذكر تَرْجَمَة لهَذَا الحَدِيث، لِأَنَّهُ ذكر قَوْله: بابُُ، كَذَا مُجَردا، لِأَنَّهُ بِمَعْنى فصل، فَلَا يحْتَاج إِلَى ذكر شَيْء.
وَأما على الرِّوَايَة الَّتِي لم يذكر فِيهَا لفظ بابُُ فوجهه مَا ذَكرْنَاهُ الْآن.

ذكر رِجَاله وهم سنة: الأول: الْحسن بن مدرك، بِضَم الْمِيم من الْإِدْرَاك أَبُو عَليّ السدُوسِي الْحَافِظ الطَّحَّان الْبَصْرِيّ.
الثَّانِي: يحيى بن حَمَّاد الشَّيْبَانِيّ، ختن أبي عوَانَة، مَاتَ سنة خمس عشرَة وَمِائَتَيْنِ.
الثَّالِث: أَبُو عوَانَة بِفَتْح الْعين واسْمه الوضاح، وَقد تكَرر ذكره.
الرَّابِع: سُلَيْمَان بن أبي سِنَان فَيْرُوز أَبُو إِسْحَاق الشَّيْبَانِيّ.
الْخَامِس: عبد الله بن شَدَّاد بن الْهَاد، تقدم ذكره.
السَّادِس: مَيْمُونَة بنت الْحَارِث زوج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَهِي خَالَة عبد الله بن شَدَّاد، لِأَن أمه سلمى بنت عُمَيْس أُخْت لميمونة لأمها، أَي: أُخْت أَخِيهَا وَفِيه.

ذكر لطائف إِسْنَاده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع.
وَفِيه: الْإِخْبَار بِصِيغَة الْجمع فِي مَوضِع وَاحِد، وَهُوَ قَوْله: أَبُو عوَانَة.
وَفِيه: العنعنة فِي مَوضِع وَاحِد، وَفِيه السماع.
وَفِيه: أَن رُوَاته مَا بَين بَصرِي وكوفي ومدني.
وَفِيه: رِوَايَة البُخَارِيّ من صغَار شُيُوخه، وَهُوَ الْحسن الْمَذْكُور، وَالْبُخَارِيّ أقدم مِنْهُ سَمَاعا.
وروى البُخَارِيّ عَن يحيى بن حَمَّاد أَيْضا شيخ الْحسن الْمَذْكُور، والنكتة فِيهِ أَن هَذَا الحَدِيث قد فَاتَ البُخَارِيّ عَن شَيْخه يحيى، فَرَوَاهُ عَن الْحسن لِأَنَّهُ عَارِف بِحَدِيث يحيى بن حَمَّاد، وَفِيه: الْإِشَارَة إِلَى أَن أَبَا عوَانَة حدث بِهَذَا الحَدِيث، من كِتَابه، تَقْوِيَة لما رُوِيَ عَنهُ، قَالَ أَحْمد: إِذا حدث أَبُو عوَانَة من كِتَابه فَهُوَ أثبت، وَإِذا حدث من غير كِتَابه رُبمَا وهم،.

     وَقَالَ  أَبُو زرْعَة: أَبُو عوَانَة ثِقَة، إِذا حدث من الْكتاب،.

     وَقَالَ  ابْن مهْدي: كتاب أبي عوَانَة أثبت من هشيم.

ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الصَّلَاة عَن مُسَدّد، وَعَن عَمْرو بن زُرَارَة، وَعَن أبي النُّعْمَان.
وَأخرجه مُسلم فِي الصَّلَاة عَن يحيى بن يحيى، وَعَن أبي بكر بن أبي شيبَة.
وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن عَمْرو بن عون عَن خَالِد بِهِ.
وَأخرجه ابْن ماجة عَن ابْن أبي شيبَة بِهِ.

ذكر مَعْنَاهُ وَإِعْرَابه: قَوْله: (أَنَّهَا) ، أَي: أَن مَيْمُونَة.
قَوْله: (كَانَت تكون) فِيهِ ثَلَاث أوجه: أَحدهَا: أَن يكون أحد لَفْظِي الْكَوْن زَائِدا كَمَا فِي قَول الشَّاعِر:
وجيران لنا كَانُوا كرام
فَلفظ: كَانُوا، زَائِد، و: كرام، بِالْجَرِّ صفة: لجيران.
الثَّانِي: أَن يكون فِي: كَانَت، ضمير الْقِصَّة وَهُوَ اسْمهَا، وخبرها.
قَوْله: (تكون حَائِضًا) فِي مَحل النصب.
الثَّالِث: أَن يكون لفظ: تكون، بِمَعْنى: تصير، فِي مَحل النصب على أَنَّهَا إسم: كَانَت، وَيكون الضَّمِير فِي كَانَت رَاجعا إِلَى مَيْمُونَة، وَهُوَ اسْمهَا.
وَقَوله: (حَائِضًا) يكون خبر تكون الَّتِي بِمَعْنى: تصير.
قَوْله: (لَا تصلي) جملَة مُؤَكدَة.
(لقَوْله حَائِضًا) وأعرب الْكرْمَانِي: لَا تصلي صفة لحائضا فِي وَجه، وَفِي وَجه أعربه حَالا.
وأعرب: لَا تصلي خَبرا لكَانَتْ، وَالتَّحْقِيق مَا ذَكرْنَاهُ.
قَوْله: (وَهِي مفترشة) جملَة إسمية وَقعت حَالا، يُقَال: افترش الشَّيْء، انبسط، وافترش ذِرَاعَيْهِ، بسطهما على الأَرْض.
قَوْله: (بحذاء) ، بِكَسْر الْحَاء الْمُهْملَة وبالمد بِمَعْنى: إزاء.
قَوْله: (مَسْجِد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) أَي: مَوضِع سُجُوده فِي بَيته، وَلَيْسَ المُرَاد مِنْهُ الْمَسْجِد الْمَعْرُوف الْمَعْهُود.
قَوْله: (على خمرته) ، بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْمِيم: وَهِي سجادة صَغِيرَة تعْمل من سعف النّخل، تنسج بالخيوط، وَسميت بذلك لسترها الْوَجْه وَالْكَفَّيْنِ من حر الأَرْض وبردها، وَإِذا كَانَت كَبِيرَة سميت حَصِيرا.
قَوْله: (أصابني بعض ثَوْبه) جملَة من الْفِعْل وَالْفَاعِل وَالْمَفْعُول.
فَإِن قلت: مَا محلهَا من الْإِعْرَاب؟ قلت: النصب على الْحَال، وَقد علمت أَن الْجُمْلَة الفعلية الْمَاضِيَة المثبتة إِذا وَقعت حَالا تكون بِلَا: وَاو، فَافْهَم.

ذكر استنباط الْأَحْكَام مِنْهَا: أَن فِيهِ دَلِيلا على أَن الْحَائِض لَيست بنجسة لِأَنَّهَا لَو كَانَت نَجِسَة لما وَقع ثَوْبه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على مَيْمُونَة وَهُوَ يُصَلِّي، وَكَذَلِكَ النُّفَسَاء.
وَمِنْهَا: أَن الْحَائِض إِذا قربت من الْمُصَلِّي لَا يضر ذَلِك صلَاته.
وَمِنْهَا: ترك الْحَائِض الصَّلَاة.
وَمِنْهَا: جَوَاز الافتراش بحذاء الْمُصَلِّي.
وَمِنْهَا: جَوَاز الصَّلَاة على الشَّيْء الْمُتَّخذ من سعف النّخل، سَوَاء كَانَ كَبِيرا أَو صَغِيرا، بل هَذَا أقرب إِلَى التَّوَاضُع والمسكنة، بِخِلَاف صَلَاة المتكبرين على سجاجيد مثمنة مُخْتَلفَة الألوان والقماش.
وَمِنْهُم من ينسج لَهُ سجادة من حَرِير، فَالصَّلَاة عَلَيْهَا مَكْرُوهَة، وَإِن كَانَ دوس الْحَرِير جَائِزا، لِأَن فِيهِ زِيَادَة كبر وطغيان.

كمل بعون الله تَعَالَى واعانته الْجُزْء الثَّالِث من (عُمْدَة الْقَارِي شرح صَحِيح البُخَارِيّ للامام الْعَيْنِيّ، ويتلوه إِن شَاءَ الله تَعَالَى الْجُزْء الرَّابِع ومطلعه كتاب التَّيَمُّم وفقنا الله عز وَجل لإكماله فَإِنَّهُ ولي التَّوْفِيق