هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
3523 حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ ، قَالَ : اسْتَعْمَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا مِنَ الْأَزْدِ عَلَى صَدَقَاتِ بَنِي سُلَيْمٍ ، يُدْعَى : ابْنَ الْأُتْبِيَّةِ ، فَلَمَّا جَاءَ حَاسَبَهُ ، قَالَ : هَذَا مَالُكُمْ ، وَهَذَا هَدِيَّةٌ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : فَهَلَّا جَلَسْتَ فِي بَيْتِ أَبِيكَ وَأُمِّكَ حَتَّى تَأْتِيَكَ هَدِيَّتُكَ إِنْ كُنْتَ صَادِقًا ، ثُمَّ خَطَبَنَا ، فَحَمِدَ اللَّهَ ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ ، ثُمَّ قَالَ : أَمَّا بَعْدُ ، فَإِنِّي أَسْتَعْمِلُ الرَّجُلَ مِنْكُمْ عَلَى الْعَمَلِ مِمَّا وَلَّانِي اللَّهُ ، فَيَأْتِي فَيَقُولُ : هَذَا مَالُكُمْ ، وَهَذَا هَدِيَّةٌ أُهْدِيَتْ لِي ، أَفَلَا جَلَسَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ حَتَّى تَأْتِيَهُ هَدِيَّتُهُ إِنْ كَانَ صَادِقًا ، وَاللَّهِ لَا يَأْخُذُ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْهَا شَيْئًا بِغَيْرِ حَقِّهِ ، إِلَّا لَقِيَ اللَّهَ تَعَالَى يَحْمِلُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، فَلَأَعْرِفَنَّ أَحَدًا مِنْكُمْ لَقِيَ اللَّهَ يَحْمِلُ بَعِيرًا لَهُ رُغَاءٌ ، أَوْ بَقَرَةً لَهَا خُوَارٌ ، أَوْ شَاةً تَيْعَرُ ، ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى رُئِيَ بَيَاضُ إِبْطَيْهِ ، ثُمَّ قَالَ : اللَّهُمَّ ، هَلْ بَلَّغْتُ ؟ بَصُرَ عَيْنِي ، وَسَمِعَ أُذُنِي ، وحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ ، حَدَّثَنَا عَبْدَةُ ، وَابْنُ نُمَيْرٍ ، وَأَبُو مُعَاوِيَةَ ، ح وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ سُلَيْمَانَ ، ح وحَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ، كُلُّهُمْ عَنْ هِشَامٍ ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ ، وَفِي حَدِيثِ عَبْدَةَ ، وَابْنِ نُمَيْرٍ ، فَلَمَّا جَاءَ حَاسَبَهُ كَمَا قَالَ أَبُو أُسَامَةَ ، وَفِي حَدِيثِ ابْنِ نُمَيْرٍ : تَعْلَمُنَّ وَاللَّهِ ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، لَا يَأْخُذُ أَحَدُكُمْ مِنْهَا شَيْئًا ، وَزَادَ فِي حَدِيثِ سُفْيَانَ ، قَالَ : بَصُرَ عَيْنِي ، وَسَمِعَ أُذُنَايَ ، وَسَلُوا زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ ، فَإِنَّهُ كَانَ حَاضِرًا مَعِي ، وَحَدَّثَنَاهُ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ ، عَنِ الشَّيْبَانِيِّ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ذَكْوَانَ وَهُوَ أَبُو الزِّنَادِ ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ ، عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، اسْتَعْمَلَ رَجُلًا عَلَى الصَّدَقَةِ ، فَجَاءَ بِسَوَادٍ كَثِيرٍ ، فَجَعَلَ يَقُولُ : هَذَا لَكُمْ ، وَهَذَا أُهْدِيَ إِلَيَّ ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ ، قَالَ عُرْوَةُ : فَقُلْتُ لِأَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ : أَسَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ فَقَالَ : مِنْ فِيهِ إِلَى أُذُنِي
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
3523 حدثنا أبو كريب محمد بن العلاء ، حدثنا أبو أسامة ، حدثنا هشام ، عن أبيه ، عن أبي حميد الساعدي ، قال : استعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا من الأزد على صدقات بني سليم ، يدعى : ابن الأتبية ، فلما جاء حاسبه ، قال : هذا مالكم ، وهذا هدية ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فهلا جلست في بيت أبيك وأمك حتى تأتيك هديتك إن كنت صادقا ، ثم خطبنا ، فحمد الله ، وأثنى عليه ، ثم قال : أما بعد ، فإني أستعمل الرجل منكم على العمل مما ولاني الله ، فيأتي فيقول : هذا مالكم ، وهذا هدية أهديت لي ، أفلا جلس في بيت أبيه وأمه حتى تأتيه هديته إن كان صادقا ، والله لا يأخذ أحد منكم منها شيئا بغير حقه ، إلا لقي الله تعالى يحمله يوم القيامة ، فلأعرفن أحدا منكم لقي الله يحمل بعيرا له رغاء ، أو بقرة لها خوار ، أو شاة تيعر ، ثم رفع يديه حتى رئي بياض إبطيه ، ثم قال : اللهم ، هل بلغت ؟ بصر عيني ، وسمع أذني ، وحدثنا أبو كريب ، حدثنا عبدة ، وابن نمير ، وأبو معاوية ، ح وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا عبد الرحيم بن سليمان ، ح وحدثنا ابن أبي عمر ، حدثنا سفيان ، كلهم عن هشام ، بهذا الإسناد ، وفي حديث عبدة ، وابن نمير ، فلما جاء حاسبه كما قال أبو أسامة ، وفي حديث ابن نمير : تعلمن والله ، والذي نفسي بيده ، لا يأخذ أحدكم منها شيئا ، وزاد في حديث سفيان ، قال : بصر عيني ، وسمع أذناي ، وسلوا زيد بن ثابت ، فإنه كان حاضرا معي ، وحدثناه إسحاق بن إبراهيم ، أخبرنا جرير ، عن الشيباني ، عن عبد الله بن ذكوان وهو أبو الزناد ، عن عروة بن الزبير ، عن أبي حميد الساعدي ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، استعمل رجلا على الصدقة ، فجاء بسواد كثير ، فجعل يقول : هذا لكم ، وهذا أهدي إلي ، فذكر نحوه ، قال عروة : فقلت لأبي حميد الساعدي : أسمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال : من فيه إلى أذني
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير، 

شرح الحديث من فـــتح المــــنعم

: : هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،   

عن هشام بن عروة بهذا الإسناد وزاد في حديث حميد: وزاد قال هشام: والنص فوق العنق.


المعنى العام

كان الدستور الأساسي في الحج وشعائره قول الرسول صلى الله عليه وسلم خذوا عني مناسككم فكانت أقواله وأعماله في حجة الوداع هي مواد وقواعد هذا الدستور، وحرص الصحابة على استيعابه سمعاً وبصراً، وحرص التابعون على تحصيله والوقوف عليه من الصحابة وكانت أحاديث الباب عن أحداث ما بعد الوقوف بعرفة إلى رمي جمرة العقبة، أو إلى صبح يوم النحر.

أسامة بن زيد، الحبيب بن الحبيب كان يركب خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم على ناقة واحدة من حين تحرك صلى الله عليه وسلم نازلاً من عرفات حتى وصل المزدلفة، ومن المزدلفة أردف رسول الله صلى الله عليه وسلم الفضل بن العباس بدلاً من أسامة، وأخذ أسامة يجري على رجليه يسابق المشاة والراكبين حتى وصل إلى منى، فأمسك بخطام ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يرمي جمرة العقبة.
فيحدثنا أسامة والفضل -رضي الله عنهما- عن هذه الرحلة الكريمة، فيقول أسامة: تحرك ودفع رسول الله صلى الله عليه وسلم من عرفة، فكان يسير سيراً عادياً هادئاً، لا بطيئاً ولا سريعاً، لعدم مزاحمة الناس، وكان يدعو الناس بالترفق في السير والهوينى، بصوته مرة فيقول: عليكم بالسكينة، وبيده وبالإشارة أخرى.
الرفق.
الرفق، وبكفه ناقته عن الجري عملياً مرة ثالثة، فإذا وجد خلو طريق أسرع، فأسرع الناس خلفه، وهكذا حتى وصل إلى طريق بين جبلين بين عرفات ومزدلفة، فانتحى من القوم ناحية، ونزل، وقضى حاجته فبال، واستجمر، ثم جاء إلى أسامة فطلب ماء الوضوء، فصب عليه أسامة، فتوضأ وضوءاً خفيفاً سريعاً، ثم أنشأ يركب، قال له أسامة: لم نصل المغرب، وقد تحركنا من عرفة بعد الغروب؟ وقد علمتنا الصلاة في أول وقتها؟ فقال صلى الله عليه وسلم: أذكرها لا أنساها، لكني سأصليها فيما بعد، كما شرع الله، وركب، وسار على هيئته السابقة حتى وصل المزدلفة مسافة تقرب من ثلاثة أميال، فأشار على الناس بالتوقف، لا بالنزول، فأناخ كل إنسان بعيره في مكانه، ولم يحل أمتعته، ولم ينزلها، لأنه لا يعلم ما سيكون بعد، نزول ومبيت؟ أم رحيل؟ وأذن وأقيم، وصلوا المغرب ثلاث ركعات، ثم أقيم للعشاء، فصلوا العشاء ركعتين قصراً، ولم يتنفلوا بين الصلاتين، ولا بعد العشاء، ثم أعلن فيهم أنهم يبيتون بالمزدلفة فأعدوا منازلهم، وحلوا فرشهم وزادهم وأمتعتهم، وناموا ليلتهم، واستيقظوا عند الفجر على الأذان، وقد كان من عادته صلى الله عليه وسلم أن يصلي الفجر بأصحابه بعد فترة من الأذان، يكاد الضوء فيها يسفر، لكنهم فوجئوا بالإقامة تقام سريعاً، وبغلس وظلمة، حتى تخيل بعضهم أن الصبح المعتاد لم يدخل بعد، وصلوا، وطلب منهم أن يلتقطوا حصى الرمي من المزدلفة، حتى لا يشتغلوا عند وصولهم إلى منى بشيء قبل الرمي، ووصف لهم حجم الحصى أن يكون في حجم حبة الفول، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من يلتقط له حصاه، ثم تحركوا من المزدلفة نحو منى، حتى وصلوا إلى وادي محسر وهو بين المزدلفة ومنى، فأسرعوا فيه السير.
هذا ما كان من القوم بصفة عامة، أما بعض النساء والصبيان فقد أذن لهم بالرحيل من المزدلفة إلى منى في الليل، ليصلوا فيرموا قبل الزحام، استأذنت في ذلك أم المؤمنين سودة وبعض أمهات المؤمنين، لكن عائشة رضي الله عنها لم تستأذن، فلما شاهدت الزحام قالت: يا ليتني كنت فيمن استأذن، لكنها مع ندمها لم تكن تستأذن الإمام في حجاتها اللاحقة بل كانت تفضل النزول مع الإمام، أما اللائي رخص لهن فقد وصلن منى، منهن من وصلت قبل الفجر، فرمت جمرة العقبة قبل الفجر، ومنهن من وصلت فرمت بعد ذلك.
وسئل أسامة والفضل عن أذكار رسول الله صلى الله عليه وسلم أثناء هذه الرحلة؟ فقالا: لم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة كما سئل عبد الله بن عمر وأنس بن مالك عن تلبية الصحابة في غدوهم ورواحهم من منى إلى عرفات صبيحة يوم عرفة؟ فقالا: كان منا المهلل الملبي، ومنا المكبر، لا يعيب ولا ينكر أحدنا على صاحبه.
رضي الله عن الصحابة أجمعين.

المباحث العربية

( ردفت رسول الله صلى الله عليه وسلم من عرفات) في رواية البخاري أن أسامة كان ردف النبي صلى الله عليه وسلم من عرفة إلى المزدلفة صلى الله عليه وسلم ثم أردف الفضل مما يوضح روايتنا في أن أسامة ركب ردف النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن أناخ وتوضأ، أما من المزدلفة إلى منى فكان الفضل ردف النبي صلى الله عليه وسلم، وسار أسامة على قدميه هذه المسافة، ففي رواية عن أسامة حتى جئنا المزدلفة، فأقام المغرب، ثم أناخ الناس في منازلهم، ولم يحلوا حتى أقام العشاء الآخرة، فصلى ثم حلوا، قال كريب: وكيف فعلتم حين أصبحتم؟ قال: ردفه الفضل بن العباس، وانطلقت أنا في سباق قريش على رجلي ولا يلزم من هذا أن يكون أسامة لم يحضر رمي رسول الله صلى الله عليه وسلم جمرة العقبة، فقد يكون سبق إلى الجمرة، وانتظر رسول الله صلى الله عليه وسلم هناك، يؤيد هذا ما جاء عن أم الحصين قالت: فرأيت أسامة بن زيد وبلالاً في حجة الوداع، وأحدهما آخذ بخطام ناقة النبي صلى الله عليه وسلم والآخر رافع ثوبه يستره من الحر، حتى رمى جمرة العقبة فرواية البخاري عن ابن عباس أن أسامة بن زيد والفضل كلاهما قالا: لم يزل النبي صلى الله عليه وسلم يلبي حتى رمى جمرة العقبة هذه الرواية لا يحكم عليها بأنها مرسلة، بل هي متصلة.

( فلما بلغ الشعب الأيسر) الشعب بكسر الشين وسكون العين هي الطريق في الجبل، واللام فيه هنا للعهد وهو بين عرفة والمزدلفة.

( فصببت عليه الوضوء) بفتح الواو الماء الذي يتوضأ به، وقد يطلق في لغة ضم الواو على الماء الذي يتوضأ به أيضاً، وهي لغة ليست بشيء.

( فتوضأ وضوءاً خفيفاً) أي خففه بأن توضأ مرة مرة بدل ثلاث، أو خفف استعمال الماء بالنسبة إلى غالب عادته صلى الله عليه وسلم، وهذا معنى قوله في الرواية التاسعة ولم يسبغ الوضوء وقوله في الرواية الحادية عشرة والثانية عشرة فتوضأ وضوءاً ليس بالبالغ وقال ابن عبد البر: معناه استنجى، وأطلق عليه اسم الوضوء لأنه من الوضاءة وهي النظافة، ومعنى الإسباغ الإكمال، أي لم يكمل وضوءه فيتوضأ للصلاة، قال: وقيل: إن معنى قوله لم يسبغ الوضوء أي لم يتوضأ في جميع أعضاء الوضوء، بل اقتصر على بعضها، فيكون وضوءاً لغوياً أيضاً، ويبعد هذين التأويلين أنه لا يقال للناقص خفيف، ثم إن قول أسامة الصلاة يدل على أنه رآه يتوضأ وضوء الصلاة، واحتمال أن مراد أسامة أتريد الصلاة؟ فلم تتوضأ وضوء الصلاة؟ احتمال بعيد، ثم إن قول أسامة صببت عليه الوضوء فتوضأ يبعد أن المراد بالوضوء الاستنجاء.

( الصلاة يا رسول الله) منصوب على الإغراء.
أي توضأت فالزم الصلاة، ويجوز الرفع، والتقدير: حانت الصلاة، وفي الرواية العاشرة أتصلي؟.

( الصلاة أمامك) مبتدأ وخبر، وأمامك مكاناً أو زماناً، أي في المكان أو الزمان الآتي بعد وفي الرواية العاشرة المصلى أمامك.

( فركب حتى أتى المزدلفة، فصلى) في الكلام طي محذوف، والأصل كما جاء في الرواية التاسعة فلما جاء المزدلفة نزل، فتوضأ فأسبغ الوضوء، ثم أقيمت الصلاة.

( ثم ردف الفضل رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي ركب الفضل خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم، صبيحة المبيت بالمزدلفة.

( غداة جمع) الغداة الصباح، وجمع بفتح الجيم وسكون الميم اسم المزدلفة، أي غداة الليلة التي كانت بالمزدلفة.

( حتى بلغ الجمرة) أل في الجمرة للعهد، أي جمرة العقبة.

( عن الفضل بن عباس -وكان رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال) أي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للناس حين دفعوا من عرفة عشية، وحين دفعوا من المزدلفة صباحاً.
قال لهم في كل من الدفعين: عليكم بالسكينة أي الدفع بهدوء وراحة للدواب، وعدم الجري بها، وعدم التزاحم في السير.

( وهو كاف ناقته) أي مانعها من الإسراع.

( حتى دخل محسراً) بضم الميم وفتح الحاء وكسر السين المشددة، وهو واد في نطاق منى.

( عليكم بحصى الخذف) وهو الحصى الذي في قدر حبة الباقلاء، والتي توضع بين السبابة والإبهام فترمى، والخذف بفتح الخاء وسكون الذال الرمي.

( يشير بيده -كما يخذف الإنسان) أي قال: عليكم بحصى الخذف، موضحاً قوله بالفعل والإشارة، أي فارموا به الجمرة هكذا، ولم يرتض النووي هذا المعنى، وقال: المراد الإيضاح وزيادة البيان لحصى الخذف، وليس بياناً لهيئة الرمي.

( سمعت الذي أنزلت عليه سورة البقرة) خصها بالذكر لأن معظم أحكام المناسك فيها، فكأنه قال: هذا مقام أنزلت عليه المناسك، وأخذ عنه الشرع، وبين الأحكام فاعتمدوه.

( فقيل: أعرابي هذا؟) أنكروا عليه أن يلبي بعد الوقوف بعرفة، ونسبوه للأعراب الجهلة بأحكام مناسك الحج، وأخرج البيهقي أن عبد الله بن مسعود كان رجلاً أسمر اللون، له ضفيرتان، عليه سحنة أهل البادية، فلما لبى صبح يوم النحر اجتمع عليه الغوغاء، فقالوا: يا أعرابي.
إن هذا ليس بيوم التلبية، إنما هو التكبير.

( فمنا المكبر، ومنا المهلل) معناه ما جاء في الرواية قبله منا الملبي، ومنا المكبر فالمهل والمهلل الملبي، لأن الإهلال رفع الصوت بالتلبية.

( ثم أناخ كل إنسان بعيره في منزله، ثم أقيمت العشاء) توضيحه ما جاء في الرواية الثانية عشرة وفيها حتى جئنا المزدلفة، فأقام المغرب، ثم أناخ الناس في منازلهم أي كل أناخ في المكان الذي وقف فيه ولم يحلوا بضم الحاء، أي لم يفكوا أمتعتهم، ولم يحلوا رباط أزودتهم وفرشهم على احتمال السير بعد الصلاة حتى أقام العشاء الآخرة فصلى فأعلن لهم أنهم يبيتون ثم حلوا للمبيت.

( انصرف إلى بعض تلك الشعاب لحاجته، فصببت عليه من الماء) في الكلام طي بينته الرواية الأولى فبال، ثم جاء، فصببت.. والرواية الرابعة عشرة.

( لما أتى النقب) بفتح النون وإسكان القاف، وهو الطريق في الجبل، وقيل: الفرجة بين الجبلين.

( فمازال يسير على هيئته) التي كان يكف فيها ناقته عن الإسراع، قال النووي: هكذا هو في معظم النسخ، وفي بعضها على هينة بكسر الهاء وبالنون، وكلاهما صحيح المعنى.

( سئل أسامة وأنا شاهد) أي وأنا حاضر السؤال.

( كان يسير العنق، فإذا وجد فجوة نص) العنق بفتح العين والنون هو سير فوق البطيء، وقيل: هو أدنى المشي، وقيل: هو أوله، ومعنى فإذا وجد فجوة أي إذا وجد متسعاً من الأرض لا ناس به، قال النووي: ورواه بعض الرواة في الموطأ فرجة بضم الفاء وفتحها، وهي بمعنى الفجوة، والنص بفتح النون وتشديد الصاد الإسراع فوق العنق.

( ليس بينهما سجدة) أي ليس بينهما صلاة نافلة، وفي رواية للبخاري لم يسبح بينهما، ولا على إثر كل واحدة منهما.

( إلا لميقاتها إلا صلاتين، صلاة المغرب، والعشاء بجمع، وصلى الفجر يومئذ قبل ميقاتها) قال النووي: المراد قبل وقتها المعتاد، لا قبل طلوع الفجر لأن ذلك ليس بجائز بإجماع المسلمين، فيتعين تأويله على ما ذكرته.
اهـ

وقال العيني: أي أنه قدم الصبح على الوقت الظاهر طلوعه لكل أحد -كما هو العادة في أداء الصلاة- إلى غير المعتاد، وهو حال عدم ظهوره للكل، فمن قائل: طلع الصبح ومن قائل لم يطلع، وقد تحقق الطلوع لرسول الله صلى الله عليه وسلم إما بالوحي أو بغيره، والمراد أنه كان في سائر الأيام يصلي بعد الطلوع، وفي ذلك اليوم صلى حال الطلوع، قال الكرماني: والغرض أنه بالغ في ذلك اليوم في التبكير، للاشتغال بالمناسك.
أما قوله: صلاة المغرب والعشاء فالمراد المغرب، لأنها التي صليت في غير ميقاتها، ولذا لم ترد لفظة العشاء عند البخاري في رواية، وقال في أخرى جمع بين المغرب والعشاء، فالمعنى الصلاة الأولى صلاة المغرب مع العشاء، والثانية صلاة الفجر.

( ليلة المزدلفة) أي ليلة المبيت بالمزدلفة.

( تدفع قبله) أي استأذنته في أن تدفع -أي تنزل إلى منى قبله، وفي الرواية الرابعة والعشرين أن تفيض من جمع بليل.

( وقبل حطمة الناس) بفتح الحاء وسكون الطاء، أي زحمة الناس.

( وكانت امرأة ثبطة) بفتح الثاء، وكسر الباء وإسكانها، قال النووي: وفسرها -أي الراوي- في الكتاب -أي في الرواية الثالثة والعشرين- أنها الثقيلة، أي ثقيلة الحركة بطيئة، من التثبيط، وهو التعويق.
وفي الرواية الرابعة والعشرين كانت امرأة ضخمة ثبطة وفي الخامسة والعشرين ثقيلة ثبطة.

( فأذن لها) تفيد الرواية السابعة والعشرون أنه أذن كذلك لأم حبيبة أم المؤمنين رضي الله عنها.

( وحبسنا حتى أصبحنا فدفعنا بدفعه) أي بدفع رسول الله صلى الله عليه وسلم.

( لأن أكون استأذنت-....
- أحب إلي من مفروح به)
أي أحب إلي مما يفرح به من كل شيء.

( وكانت عائشة لا تفيض إلا مع الإمام) فائدة هذه الجملة أن التمني الذي تمنته لم يجعلها تدفع قبل الإمام في حجاتها اللاحقة، بل آثرت الالتزام بما فعلته مع النبي صلى الله عليه وسلم على أنه الأفضل، وإن شق.

( عند دار المزدلفة) أي عند دارها ومنزلها بالمزدلفة، ولفظ البخاري عند المزدلفة.

( هل غاب القمر؟) كان مغيب القمر تلك الليلة يقع عند أوائل الثلث الأخير ومن هذا الحديث اشترط بعض الفقهاء أن بداية الرمي النصف الثاني من الليل وسيأتي في الباب الذي يلي الباب الآتي.

( فصلت ساعة) في رواية البخاري فقامت تصلي، فصلت ساعة أي مدة من الزمان.

( يا بني) بضم الباء وفتح النون، تصغير ابن.

( ثم صلت في منزلها) أي صلت الفجر في المنزل الذي ضرب لها بمنى، بعد أن رمت الجمرة.

( أي هنتاه) أي حرف نداء أي يا هذه، يقال للمذكر إذا كني عنه هن وللمؤنث هنة وزيدت الألف لمد الصوت، والهاء لإظهار الألف، وهو بفتح الهاء وسكون النون، وقد تفتح، وإسكانها أشهر.

( لقد غلسنا) بفتح الغين وتشديد اللام المفتوحة وسكون السين، أي لقد رمينا الجمرة بغلس، والغلس ظلمة الليل، وفي رواية أبي داود فقلت: إنا رمينا الجمرة بغلس أي وما كان يصح ذلك.

( قالت: كلا) وفي ملحق الرواية قالت: لا والنفي ليس نفي التغليس، فهو واقع، وإنما المراد نفي لازمه، أي نفي عدم الصحة، أي إثبات الصحة، وعللته، بإذن النبي صلى الله عليه وسلم ومعلوم أن أسماء كانت في آخر حياتها ضخمة ثقيلة عمياء.
رضي الله عنها.

( أذن للظعن) وفي ملحق الرواية أذن لظعنه بضم الظاء والعين، وبسكون العين أيضاً، جمع ظعينة وهي النساء، وسميت النساء بذلك لأنهن يظعن ويقمن في بيوتهن في غياب أزواجهن، كما قيل: قعيدة البيت، و { { والقواعد من النساء } } [النور: 60] .
أي كبيرات السن.

( بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم في الثقل) بفتح الثاء والقاف، وهو المتاع ونحوه.

( أو قال في الضعفة) بفتح العين، جمع ضعيف، وقال ابن حزم: الضعفة النساء والصبيان فقط، قال العيني، ويدخل فيه المشايخ العاجزون وأصحاب الأمراض، لأن العلة خوف الزحام عليهم.

( أنا ممن قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم في ضعفة أهله) أي ممن أذن لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم الدفع من المزدلفة ليلاً باعتباره صبياً.

( فيقفون عند المشعر الحرام) قيل اسم لقزح جبل بالمزدلفة، وقيل: جميع المزدلفة.

( أرخص، في أولئك رسول الله صلى الله عليه وسلم) في بعض الروايات رخص من الرخصة، والتي هي ضد العزيمة، وهو أظهر وأصح هنا من أرخص التي من الرخص ضد الغلاء.
والمشار إليهم في أولئك الضعفة المذكورون.

فقه الحديث

هذه المجموعة من الأحاديث تتناول ست مسائل رئيسة:

الأولى: الإفاضة من عرفات إلى المزدلفة.

الثانية: جمع المغرب والعشاء بالمزدلفة.

الثالثة: المبيت بالمزدلفة، والتغليس بصلاة الصبح فيها.

الرابعة: الترخيص للضعفة بالدفع بليل من المزدلفة إلى منى.

الخامسة: التلبية والتكبير في الذهاب من منى إلى عرفات، وإدامة التلبية حتى يوم النحر، وحتى رمي جمرة العقبة.

السادسة: ما يؤخذ من الأحاديث من أحكام غير ما تقدم.

وهذا هو التفصيل:

1- الإفاضة من عرفات إلى المزدلفة: تبين الرواية السادسة عشرة كيف كان يسير صلى الله عليه وسلم حين أفاض من عرفة، وأنه كان يسير سيراً هادئاً على هيئة المشي العادي، دون إسراع، لعدم المزاحمة، ولعدم مضايقة المشاة والراكبين، فإذا وجد أمامه فسحة وفراغاً أسرع بالسير لينجز الشعائر، وليفسح الطريق لمن خلفه، وبخاصة إذا كان إماماً يتبعه الناس.

وتوضح الرواية الثانية الأمر حين تقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول للناس في دفعهم من عرفة: عليكم بالسكينة، وفي رواية أبي داود أيها الناس، عليكم بالسكينة فإن البر ليس بالإيجاف [أي ليس بالإسراع] ويستمد عمر بن عبد العزيز حين خطب بعرفة يستمد هذا المعنى فيقول: أيها الناس، ليس السابق من سبق بعيره وفرسه، ولكن السابق من غفر له.
قال الراوي فما رأيت ناقة رسول الله رافعة يدها، حتى أتى جمعاً قال الحافظ ابن حجر: في هذا كيفية السير في الدفع من عرفة إلى المزدلفة، لأجل الاستعجال للصلاة لأن المغرب لا تصلى إلا مع العشاء بالمزدلفة، فيجمع بين المصلحتين، بين الوقار والسكينة عند الزحمة، وبين الإسراع عند عدم الزحام.

أما ماذا فعل صلى الله عليه وسلم في الطريق؟ فتحدثنا الرواية الأولى والتاسعة والعاشرة والحادية عشرة والثانية عشرة والثالثة عشرة والرابعة عشرة أنه صلى الله عليه وسلم لما بلغ الشعب الأيسر قبل المزدلفة أناخ رسول الله صلى الله عليه وسلم ناقته، ثم مال إلى مكان منخفض، فانتحى هناك، فبال، واستجمر، وعاد حيث ناقته، فطلب من أسامة ماء الوضوء، فصب عليه فتوضأ وضوءاً خفيفاً، فسأله أسامة: هل تصلي المغرب؟ قال: لا.
الصلاة أمامك بالمزدلفة، وركب حتى أتى المزدلفة.

قال الحافظ ابن حجر: هذا النزول كان لقضاء الحاجة، وليس من المناسك، لكن ابن عمر -رضي الله عنهما- وقد عرف بشدة التحري والاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا وصل إلى هذا المكان نزل، وقضى حاجته، وتوضأ وضوءاً خفيفاً، ثم لا يصلي حتى يصل المزدلفة.

2- جمع المغرب والعشاء بالمزدلفة: تحدثنا الرواية التاسعة والثانية عشرة أنه صلى الله عليه وسلم لما جاء المزدلفة نزل، فتوضأ، فأسبغ الوضوء، ثم أقيمت الصلاة، ونزل الناس عن رواحلهم وأناخوها، لكن لم يحلوا أمتعتهم، وصلوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم المغرب، ثم علموا أنهم سيبيتون بالمزدلفة، فعادوا إلى رواحلهم، فحلوا أمتعتهم وفرشهم، ثم أقيمت الصلاة للعشاء، فصلوها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وظاهر الروايتين السابقتين أن الصلاتين كانتا بإقامتين أقيمت الصلاة فصلى المغرب.
ثم أقيمت العشاء فصلاها.
فأقام المغرب.
ولم يحلوا حتى أقام العشاء الآخرة.

لكن الرواية المتممة للعشرين والرواية الواحدة والعشرين تصرحان بأن الصلاتين كانتا بإقامة واحدة.
ولم تتعرض روايات مسلم للأذان، لكن في البخاري، في حج عبد الله بن مسعود، أنه رضي الله عنه أمر رجلاً فأذن وأقام وفي رواية أخرى له أيضاً عن عبد الرحمن بن يزيد قال: خرجنا مع عبد الله رضي الله عنه إلى مكة، ثم قدمنا جمعاً فصلى الصلاتين، كل صلاة وحدها بأذان وإقامة، والعشاء بينهما وأخذ بظاهر هذا الحديث مالك قال الحافظ ابن حجر: وهو اختيار البخاري، وروى ابن عبد البر عن أحمد بن خالد أنه كان يتعجب من مالك حيث أخذ بحديث ابن مسعود، وهو من رواية الكوفيين مع كونه موقوفاً، ومع كونه لم يروه، ويترك ما روي عن أهل المدينة، وهو مرفوع؟.

قال ابن عبد البر: وأعجب أنا من الكوفيين، حيث أخذوا بما رواه أهل المدينة، وهو أن يجمع بينهما بأذان وإقامة واحدة، وتركوا ما روي عن ابن مسعود، مع أنهم لا يعدلون به أحداً.

قال الحافظ ابن حجر: اعتمد مالك على صنيع عمر رضي الله عنه فقد روي عنه أنه فعله أخرجه الطحاوي، ثم تأوله بأنه محمول على أن الصحابة تفرقوا عنه، فأذن لهم، ليجتمعوا ليجمع بهم.
قال الحافظ: ولا يخفى تكلفه، ولو تأتى له ذلك التأويل في حق عمر، لكونه كان الإمام الذي يقيم للناس حجهم لم يتأت له هذا التأويل في حق ابن مسعود لأنه إن كان معه ناس من أصحابه لا يحتاج في جمعهم إلى من يؤذن لهم.

وحاصل المذاهب الفقهية في ذلك: مالك: يؤذن ويقيم لكل من الصلاتين، وحجته حديث ابن مسعود، وفعل عمر رضي الله عنه، قال ابن حزم: لم نجده مروياً عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولو ثبت لقلت به.

الحنفية والشافعي في القديم ورواية عن أحمد: أذان واحد وإقامتان، وسنده حديث جابر الماضي في باب وجوه الإحرام الرواية الخامسة والثلاثون، وفيه جمع بينهما بأذان واحد وإقامتين وبالقياس على جمع الظهر والعصر بعرفة.
قال النووي: وهو الأصح في مذهبنا.

الشافعي في الجديد ورواية عن أحمد: يجمع بينهما بإقامتين فقط، وسنده حديث أسامة، الروايتان التاسعة والثانية عشرة.

ابن عمر رضي الله عنهما: يقيم فقط إقامة واحدة للصلاتين، كما جاء في الرواية المتممة للعشرين والواحدة والعشرين.

قال الحافظ ابن حجر: وقد جاء عن ابن عمر كل واحد من هذه الصفات، أخرجه الطحاوي وغيره، وكأنه كان يراه من الأمر الذي يتخير فيه الإنسان، وهو المشهور عن أحمد.
اهـ

وفي الرواية الثامنة عشرة والمتممة للعشرين أن الصلاة كانت قصراً مع الجمع صلى المغرب ثلاث ركعات، وصلى العشاء ركعتين.

وتصرح الرواية التاسعة بعدم التنفل بين الصلاتين فصلاها ولم يصل بينهما شيئاً وكذا الرواية الثامنة عشرة، وفيها ليس بينهما سجدة وفي رواية للبخاري ولم يسبح بينهما، ولا على إثر كل واحدة منهما قال الحافظ ابن حجر: ويستفاد منه أنه ترك التنفل عقب المغرب، وعقب العشاء، ولما لم يكن بين المغرب والعشاء مهلة صرح بأنه لم يتنفل بينهما، بخلاف العشاء، فإنه يحتمل أن يكون المراد أنه لم يتنفل عقبها، لكنه تنفل بعد ذلك في أثناء الليل، ومن ثم قال الفقهاء: تؤخر سنة العشاءين عنهما، ونقل ابن المنذر الإجماع على ترك التطوع بين الصلاتين بالمزدلفة، لأنهم اتفقوا على أن السنة الجمع بين المغرب والعشاء بالمزدلفة، ومن تنفل بينهما لم يصح أنه جمع بينهما ا هـ قال الحافظ ويعكر على نقل الاتفاق فعل ابن مسعود رضي الله عنه وفي حكم الجمع بين المغرب والعشاء بالمزدلفة يقول النووي في المجموع أجمع العلماء على جواز الجمع بينهما بمزدلفة في وقت العشاء للمسافر، فلو جمع بينهما في وقت المغرب، أو في غير المزدلفة جاز هذا مذهبنا، وبه قال مالك وأحمد وأبو يوسف، وقال أبو حنيفة ومحمد وداود وبعض أصحاب مالك: لا يجوز أن يصليها قبل المزدلفة، ولا قبل وقت العشاء.
قال: والخلاف مبني على أن هذا الجمع بالنسك؟ أم بالسفر؟ فعندنا بالسفر، وعند أبي حنيفة بالنسك، وقال في شرح مسلم: وقد يحتج أصحاب أبي حنيفة بحديث ابن مسعود [روايتنا الثانية والعشرين] على منع الجمع بين الصلاتين في السفر، لأن ابن مسعود من ملازمي النبي صلى الله عليه وسلم، وقد أخبر أنه ما رآه يجمع إلا في هذه المسألة قال: ومذهبنا ومذهب الجمهور جواز الجمع في جميع الأسفار المباحة، التي يجوز فيها القصر والجواب عن هذا الحديث أنه قول بالمفهوم، وهم لا يقولون به، ونحن نقول بالمفهوم، ولكن إذا عارضه منطوق قدمناه على المفهوم، وقد تظاهرت الأحاديث الصحيحة بجواز الجمع، ثم هو متروك الظاهر بالإجماع في صلاتي الظهر والعصر بعرفات.
اهـ

وقال البدر العيني: لا خلاف في الجمع بين المغرب والعشاء في المزدلفة، ولكن الخلاف في هل هو للنسك؟ أو لمطلق السفر؟ أو للسفر الطويل؟ فمن قال للنسك قال: يجمع أهل مكة وأهل منى وعرفة والمزدلفة، ومن قال: لمطلق السفر قال: يجمعون سوى أهل المزدلفة، ومن قال: للسفر الطويل قال: لا يجمع أهل مكة ومنى والمزدلفة وجميع من كان بينه وبينها دون مسافة القصر، ويجمع من طال سفره.

وفي هذا الجمع يقول سفيان الثوري: لا يصليهما حتى يأتي المزدلفة، وله السعة في ذلك إلى نصف الليل، فإن صلاهما دون المزدلفة أعاد، وكذا قال أبو حنيفة: إن صلاهما قبل أن يأتي المزدلفة فعليه الإعادة، وسواء صلاهما قبل مغيب الشفق أو بعده فعليه أن يعيدهما إذا أتى المزدلفة، وقال مالك: لا يصليهما أحد قبل المزدلفة إلا من عذر، فإن صلاهما من عذر لم يجمع بينهما حتى يغيب الشفق، وذهب الشافعية إلى أن هذا هو الأفضل لكنه إن جمع بينهما في وقت المغرب أو في وقت العشاء، بأرض عرفات أو غيرها، أو صلى كل صلاة في وقتها جاز ذلك.

3- المسألة الثالثة المبيت بالمزدلفة والتغليس بصلاة الصبح: وفي ذلك تقول الرواية الثانية عشرة حتى أقام العشاء الآخرة فصلى، ثم حلوا.
قلت: فكيف فعلتم حين أصبحتم؟ قال...إلخ وتقول الرواية الثانية والعشرون صلاة المغرب والعشاء يجمع، وصلى الفجر يومئذ قبل ميقاتها وفي رواية قبل وقتها بغلس وتقول الرواية الثالثة والعشرون وحبسنا حتى أصبحنا، فدفعنا بدفعه وحديث جابر رضي الله عنه [روايتنا الخامسة والثلاثون من باب وجوه الإحرام] فهذه الروايات تفيد أن النبي صلى الله عليه وسلم بات هو وأصحابه في حجة الوداع بالمزدلفة فيما عدا الضعفة الذين رخص لهم في الدفع من المزدلفة بليل، وفي هذا المبيت يقول النووي: واختلف العلماء في مبيت الحاج بالمزدلفة، ليلة النحر، والصحيح من مذهب الشافعي أنه واجب من تركه لزمه دم، وصح حجه، وبه قال فقهاء الكوفة وأصحاب الحديث وقالت طائفة: هو سنة، إن تركه فاتته الفضيلة، ولا إثم عليه، ولا دم، ولا غيره وهو قول الشافعي، وبه قال جماعة، وقالت طائفة: لا يصح حجه، وهو محكى عن النخعي وغيره، وحكي عن عطاء والأوزاعي أن المبيت بالمزدلفة في هذه الليلة ليس بركن ولا واجب ولا سنة، ولا فضيلة فيه، بل هو منزل كسائر المنازل، إن شاء تركه، وإن شاء لم يتركه.
وهذا قول باطل.

قال: واختلفوا في قدر المبيت الواجب، فالصحيح عند الشافعي أنه ساعة في النصف الثاني من الليل، وفي قول له: ساعة من النصف الثاني أو ما بعده إلى طلوع الشمس، وفي قول ثالث له أنه معظم الليل، وعن مالك ثلاث روايات، إحداها كل الليل والثاني معظمه، والثالث أقل زمان.
اهـ قال الحافظ ابن حجر: قال مالك: إن مر بها فلم ينزل فعليه دم، وإن نزل فلا دم عليه متى دفع.

كما تفيد الرواية الثانية والعشرون أن النبي صلى الله عليه وسلم غلس بصلاة الصبح، أي صلاها والظلمة في الأفق، وقد وضحنا في المباحث العربية المراد من صلاة الصبح قبل ميقاتها والمهم أن استحباب الصلاة في أول الوقت في هذا اليوم أشد وآكد، لكثرة المناسك فيه فيحتاج إلى المبالغة في التبكير في أول طلوع الفجر، ليتسع الوقت لفعل المناسك.

4- المسألة الرابعة الترخيص للضعفة بالدفع ليلاً من المزدلفة إلى منى، وتتحدث عنها الروايات الثالثة والعشرون وما بعدها.
ولم تبين رواياتنا متى أفاض رسول الله صلى الله عليه وسلم من المزدلفة إلى منى، لكن في البخاري عن عمرو بن ميمون قال: شهدت عمر رضي الله عنه صلى بجمع الصبح، ثم وقف فقال: إن المشركين كانوا لا يفيضون حتى تطلع الشمس، وإن النبي صلى الله عليه وسلم خالفهم، ثم أفاض قبل أن تطلع الشمس وتوضح لنا رواية جابر رضي الله عنه روايتنا الخامسة والثلاثون من باب وجوه الإحرام، توضح لنا كيف ومتى أفاض صلى الله عليه وسلم، فتقول ثم اضطجع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى طلع الفجر، وصلى الفجر حين تبين له الصبح بأذان وإقامة، ثم ركب القصواء حتى أتى المشعر الحرام، فاستقبل القبلة، فدعاه وكبره، وهلله ووحده، فلم يزل واقفاً حتى أسفر جداً فدفع قبل أن تطلع الشمس.

قال النووي: السنة عندنا أن يبقى بمزدلفة حتى يطلع الفجر، إلا الضعفة، فيستحب لهم الدفع قبل الفجر، فإن دفع غير الضعفة قبل الفجر بعد نصف الليل جاز، ولا دم.
هذا مذهبنا، وبه قال مالك وأحمد، وقال أبو حنيفة: لا يجوز الدفع قبل طلوع الفجر، فإن دفع قبل الفجر لزمه دم.
ثم قال: ومذهبنا أنه يستحب أن يقف بعد صلاة الصبح على قزح المشعر الحرام ولا يزال واقفاً به، يدعو ويذكر حتى يسفر الصبح جداً، وهو قول عامة العلماء غير مالك، فإنه كان يرى أن يدفع منه قبل الإسفار، دليلنا حديث جابر السابق وهو صحيح.
اهـ

ثم قال: قال الشافعي والأصحاب: السنة تقديم الضعفاء من النساء وغيرهن من المزدلفة قبل طلوع الفجر، بعد نصف الليل إلى منى، ليرموا جمرة العقبة قبل زحمة الناس لحديث عائشة وحديث ابن عباس وابن عمر وأسماء وأم حبيبة [رواياتنا الثالثة والعشرين وما بعدها] .

5- المسألة الخامسة التلبية والتكبير من منى إلى عرفات، ومن عرفات إلى منى أما من منى إلى عرفات فتتحدث عنه روايتنا الخامسة والسادسة عن عبد الله بن عمر والسابعة والثامنة عن أنس بن مالك، وفيها منا الملبي، ومنا المكبر فمنا المكبر، ومنا المهلل.
كان يهل المهل منا فلا ينكر عليه، ويكبر المكبر منا، فلا ينكر عليه.
فمنا المكبر ومنا المهلل، ولا يعيب، أحدنا على صاحبه.

قال النووي: في ذلك دليل على استحباب التلبية والتكبير في الذهاب من منى إلى عرفات يوم عرفة، والتلبية أفضل، وفيه رد على من قال بقطع التلبية بعد صبح يوم عرفة.

وأما عن دوام التلبية إلى رمي جمرة العقبة فتتحدث عنه الرواية الأولى، فتقول لم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبي حتى رمى الجمرة والرواية الثالثة تقول ونحن بجمع سمعت الذي أنزلت عليه سورة البقرة يقول في هذا المقام: لبيك اللهم لبيك ومثل ذلك في الرواية الرابعة وملحقها.

قال الحافظ ابن حجر: وفي هذا أن التلبية تستمر إلى رمي الجمرة يوم النحر وبعدها يشرع الحاج في التحلل، وروى ابن المنذر بإسناد صحيح عن ابن عباس أنه كان يقول: التلبية شعار الحج، فإن كنت حاجاً فلب حتى بدء حلك، وبدء حلك أن ترمي جمرة العقبة وروى سعيد بن منصور من طريق ابن عباس قال: حججت مع عمر إحدى عشرة حجة، وكان يلبي حتى يرمي جمرة العقبة.

وباستمرارها إلى رمي جمرة العقبة قال الشافعي وأبو حنيفة والثوري وأحمد وإسحق وأتباعهم.
وقالت طائفة: يقطع المحرم التلبية إذا دخل الحرم، وهو مذهب ابن عمر، لكن كان يعاود التلبية إذا خرج من مكة إلى عرفة.

وقالت طائفة: يقطعها إذا راح الموقف، روي عن عائشة وسعد بن أبي وقاص وعلي وبه قال مالك، وقيده بزوال الشمس يوم عرفة، وقال الحسن البصري: يلبي حتى يصلي الصبح يوم عرفة، ثم يقطع.

وأشار الطحاوي إلى أن كل من روى عنه ترك التلبية من يوم عرفة أنه تركها للاشتغال بغيرها من الذكر، لا على أنها لا تشرع، وجمع بذلك بين ما اختلف من الآثار.

واختلفوا أيضاً: هل يقطع التلبية مع رمي أول حصاة؟ أو عند تمام الرمي، فذهب إلى الأول الجمهور، وإلى الثاني أحمد وبعض أصحاب الشافعي.
قال الحافظ ابن حجر: ويدل لهم ما روى ابن خزيمة عن ابن عباس عن الفضل قال: أفضت مع النبي صلى الله عليه وسلم من عرفات، فلم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة، يكبر مع كل حصاة، ثم قطع التلبية مع آخر حصاة قال ابن خزيمة: هذا حديث، مفسر لما أبهم في الروايات الأخرى، وأن المراد بقوله حتى رمى جمرة العقبة [في ملحق روايتنا الثانية] أي أتم رميها.
والله أعلم.

ويؤخذ من الأحاديث فوق ما تقدم:

1- من الرواية الأولى، من قوله ردفت رسول الله صلى الله عليه وسلم من عرفات استحباب الركوب في الدفع من عرفات.

2- وجواز الإرداف على الدابة، إذا كانت مطيقة.

3- وجواز الارتداف مع أهل الفضل، ولا يكون ذلك خلاف الأدب.

4- وفي قوله فصببت عليه الوضوء فتوضأ وضوءاً خفيفاً جواز الاستعانة في الوضوء، قال الشافعية: الاستعانة ثلاثة أقسام: أحدها أن يستعين في إحضار الماء من البئر والبيت ونحوهما، وتقديمه إليه، وهذا جائز، ولا يقال: إنه خلاف الأولى.
والثاني أن يستعين بمن يغسل الأعضاء، فهذا مكروه كراهة تنزيه، إلا أن يكون معذوراً بمرض أو غيره، الثالث: أن يستعين بمن يصب عليه، فإن كان لعذر فلا بأس، وإلا فهو خلاف الأولى، وهل يسمى مكروهاً؟ وجهان، أصحهما ليس بمكروه، لأنه لم يثبت فيه نهي، وأما استعانة النبي صلى الله عليه وسلم بأسامة والمغيرة بن شعبة في غزوة تبوك فلبيان الجواز، ويكون أفضل في حقه حينئذ، لأنه مأمور بالبيان.

5- وفي قوله: الصلاة.
يا رسول الله استحباب تذكير التابع المتبوع بما تركه خلاف العادة، ليفعله، أو يعتذر عنه، أو يبين له وجه صوابه.

6- ومن قوله: الصلاة أمامك أن السنة في هذا الموضع في هذه الليلة تأخير المغرب.

7- ومن قوله عليكم بالسكينة، وكفه ناقته صلى الله عليه وسلم السنة وأدب السير في مواضع الزحام.

8- ومن قوله سورة البقرة جواز قول سورة كذا، وكره ذلك بعض الأوائل، وقال: إنما يقال: السورة التي تذكر فيها البقرة مثلاً.
والصواب جواز قول ذلك.
بهذا قال جماهير العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم، وتظاهرت الأحاديث الصحيحة.
وفي الباب الآتي تعرض لهذه المسألة.

9- ومن قوله نزل، فبال جواز استعمال الألفاظ التي تستبشع، ولا يكنى عنها إذا دعت الحاجة إلى التصريح، بأن خيف لبس المعنى أو اشتباه الألفاظ أو غير ذلك.

10- ومن قوله في الرواية الحادية عشرة ولم يقل أراق الماء دقة الرواة، وتحريهم الألفاظ المروية ما أمكن.

11- وفي الرواية الثانية عشرة، في قوله جئنا الشعب الذي ينيخ الناس فيه للمغرب الإشارة إلى أن هؤلاء الناس لا يعلمون بالسنة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينزل فيه للمغرب، وفي رواية لما أتى الشعب الذي ينزل له الأمراء وفي أخرى فلما جاء الشعب الذي يصلي فيه الخلفاء الآن المغرب نزل قال الحافظ ابن حجر: المراد بالخلفاء والأمراء والناس بنو أمية، ولم يوافقهم ابن عمر على ذلك، وقد جاء عن عكرمة إنكار ذلك، وروي عنه أنه قال: اتخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم مبالاً، واتخذتموه مصلى؟.

12- وفي قوله حتى أقام العشاء الآخرة دليل لصحة إطلاق العشاء الآخرة، قال النووي: وأما إنكار الأصمعي وغيره ذلك، وقولهم: إنه من لحن العوام، وأن صوابه العشاء فقط، ولا يجوز وصفها بالآخرة، قولهم هذا غلط منهم، بل الصواب جوازه، وهذا الحديث صريح فيه، وقد تظاهرت به أحاديث كثيرة.

13- وفي الرواية السادسة والعشرين جواز رمي جمرة العقبة قبل طلوع الشمس، وستأتي المذاهب الفقهية في ذلك.