هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
3536 حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ وَهْبِ بْنِ مُسْلِمٍ ، حَدَّثَنَا عَمِّي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ ، حَدَّثَنِي بُكَيْرٌ ، عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ ، عَنْ جُنَادَةَ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ ، قَالَ : دَخَلْنَا عَلَى عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ وَهُوَ مَرِيضٌ ، فَقُلْنَا : حَدِّثْنَا أَصْلَحَكَ اللَّهُ ، بِحَدِيثٍ يَنْفَعُ اللَّهُ بِهِ سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : دَعَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَايَعْنَاهُ ، فَكَانَ فِيمَا أَخَذَ عَلَيْنَا : أَنْ بَايَعَنَا عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي مَنْشَطِنَا وَمَكْرَهِنَا ، وَعُسْرِنَا وَيُسْرِنَا ، وَأَثَرَةٍ عَلَيْنَا ، وَأَنْ لَا نُنَازِعَ الْأَمْرَ أَهْلَهُ ، قَالَ : إِلَّا أَنْ تَرَوْا كُفْرًا بَوَاحًا عِنْدَكُمْ مِنَ اللَّهِ فِيهِ بُرْهَانٌ
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
3536 حدثنا أحمد بن عبد الرحمن بن وهب بن مسلم ، حدثنا عمي عبد الله بن وهب ، حدثنا عمرو بن الحارث ، حدثني بكير ، عن بسر بن سعيد ، عن جنادة بن أبي أمية ، قال : دخلنا على عبادة بن الصامت وهو مريض ، فقلنا : حدثنا أصلحك الله ، بحديث ينفع الله به سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : دعانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايعناه ، فكان فيما أخذ علينا : أن بايعنا على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا ، وعسرنا ويسرنا ، وأثرة علينا ، وأن لا ننازع الأمر أهله ، قال : إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم من الله فيه برهان
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير، 

شرح الحديث من فـــتح المــــنعم

: : هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،   

عن جنادة بن أبي أمية، قال: دخلنا على عبادة بن الصامت وهو مريض، فقلنا: حدثنا أصلحك الله بحديث ينفع الله به سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: دعانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايعناه، فكان فيما أخذ علينا أن بايعنا على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا، وعسرنا، ويسرنا وأثرة علينا، وأن لا ننازع الأمر أهله، قال: إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم من الله فيه برهان.


المعنى العام

لا بد لكل مجموعة من قيادة، حتى مجموعات الحيوانات، لو لم تتخذ لها قيادة منها تبعثرت، وضاعت، وسهل افتراسها، وإن الذئب يأكل من الغنم القاصية الشاردة عن جماعتها، ولذلك نجد الراعي يقود واحدة فينقاد غيرها تبعا لها، وملكة النحل تنفرد من بين النحل بالملك والحكم.

والبشرية منذ فجر التاريخ تتخذ لمجموعاتها قادة، مهما صغرت المجموعات، فللطائرة قائد، وللباخرة قائد وللجيش قائد، ومهمة القادة إصدار الأوامر، وتحمل مسئوليتها، ومهمة الرعية الانقياد والسمع والطاعة، حتى البيت الصغير المكون من زوج وزوجة، جعل الله القوامة فيه للرجل، وأوجب الطاعة على المرأة، قانون سماوي في تشريعات الله، وأرضى في تشريعات البشر وسلوكهم، وبه وعليه تتآلف المجتمعات وتتعايش، لأن الأفهام تختلف، ووجهات النظر تتشعب وتتعارض، فكان لا بد من التسليم والانقياد للقيادة، لتسير القافلة.

والقيادة في الشريعة الإسلامية مسئولية وتبعات وأحمال، وليست عزا وسلطانا وتجبرا وتسلطا، بل لها حقوق، وعليها واجبات، هذه المسئولية هي التي جعلت عمر يقول عن الخلافة: ليتني أخرج منها كفافا لا لي ولا علي، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: كلكم راع، وكلكم مسئول عن رعيته.

إن التعسف في استخدام الحق يسقط الحق، وإذا كانت الرعية قد أمرت بطاعة الراعي والسمع له، فإن الراعي قد طلب منه صيانة الرعية والنصح لهم والشفقة عليهم، وأن يشاورهم ويشركهم في الرأي، وأن لا يأمرهم بمعصية، فإن أمرهم بمعصية فليس له طاعة، قانون متوازن، حقوق وواجبات لكل من الحاكم والمحكوم، جعلت الخليفة الأول صلى الله عليه وسلم يقول يوم توليه الخلافة: أيها الناس، إني وليت عليكم، ولست بخيركم، أطيعوني ما أطعت الله فيكم، فإذا عصيته فلا طاعة لي عليكم.

وهذا المبدأ الإلهي الذي بلغه رسول الله صلى الله عليه وسلم للأمة طبقه صلى الله عليه وسلم في حادثة يرويها الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه فيقول:

أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم على قطعة من الجيش أميرا، وأوصاه بالرفق بجنده، ووصى جنده بالسمع والطاعة له، وخرجت السرية، يأمرها الأمير فتطيع، لكن وقع من بعض أفرادها التوقف عن إطاعة أمر من الأمور، فغضب الأمير، وفكر في درس للجند يجعلهم ينفذون الأوامر، ولو كانوا كارهين، ولو كانوا لا يعرفون حكمتها ولا نتائجها، كشأن الأوامر العسكرية في هذه الأزمان، فقال لهم وقد نزلوا منزلا: اجمعوا لي حطبا، فجمعوا له حطبا، قال لهم: أوقدوا لي على هذا الحطب، فأوقدوا له الحطب، واشتعلت النار، فقال لهم: ألم يقل لكم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تسمعوا لي وتطيعوا؟ قالوا: بلى قال: فإني أدعوكم وآمركم بعزم وتصميم أن تدخلوا هذه النار، ألقوا أنفسكم فيها، هذا أمري فأطيعوه، وإلا كنتم عاصين لأمره صلى الله عليه وسلم لكم بالسماع لي وطاعتي، ونظر بعضهم إلى بعض، يقول بعضهم: علينا تنفيذ الأوامر، وفي تنفيذها النجاة من نار جهنم، وفي تنفيذها النجاة في الدنيا، لن تحرقنا إذا كنا بدخولها نطيع الله، فقد كانت بردا وسلاما على إبراهيم، وقال الآخرون: لقد فررنا بديننا من أهلينا الكفار هروبا من نار جهنم، ودخولنا هذه النار معصية، والمعصية تؤدي إلى النار، فلن ندخلها، وهم بعض الفريق الأول أن يدخلوها، فحجزهم الأمير، وقال لهم: إنما كنت أمزح معكم، وأختبر مدى طاعتكم لي، ولم أكن أقصد دخولكم فيها.

ورجعت السرية إلى المدينة، وأخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم بما وقع لها، فشكر الفريق الذي امتنع، وأثنى عليه ومدحه، وبين لهم أن الأمر بالطاعة ليس مطلقا، بل لا يدخل فيه الأمر بالمعصية، والأمر بدخول النار هنا معصية، لأنه أمر بإلقاء أنفسكم في التهلكة، وأمر بقتل النفس، وقتل النفس من أكبر الكبائر، وقال للذين هموا بدخول النار: لو دخلتموها ما خرجتم منها إلى موتى محروقين، عاصين، فكنتم مستحقين لنار الآخرة الدائمة، واعلموا أنه لا طاعة لأمير في معصية الله.

المباحث العربية

{ { يا أيها الذين ءامنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول } } [النساء: 59] قال العلماء: النكتة في إعادة العامل أطيعوا في الرسول دون أولي الأمر، مع أن المطاع في الحقيقة هو الله تعالى، كون الذي يعرف به ما يقع به التكليف هما القرآن والسنة، فكأن التقدير: أطيعوا الله فيما نص عليكم في القرآن، وأطيعوا الرسول فيما بين لكم من القرآن، وما ينصه عليكم من السنة، أو المعنى أطيعوا الله فيما يأمركم به من الوحي المتعبد بتلاوته، وأطيعوا الرسول فيما يأمركم به من الوحي الذي ليس بقرآن، وقال الطيبي: أعاد الفعل في قوله { { وأطيعوا الرسول } } إشارة إلى استقلال الرسول بالطاعة، ولم يعده في { { وأولي الأمر منكم } } إشارة إلى أنه يوجد فيهم من لا تجب طاعته.

قال النووي: قال العلماء: المراد بأولي الأمر من أوجب الله طاعته من الولاة والأمراء، هذا قول جماهير السلف والخلف من المفسرين والفقهاء وغيرهم، وقيل: هم العلماء، وقيل: هم العلماء والأمراء، أما من قال: الصحابة خاصة فقط فقد أخطأ.
اهـ.
وذكر البخاري هذه الآية أول كتاب الأحكام إشارة منه إلى ترجيح القول بأنها في طاعة الأمراء، ويؤيده في هذا الترجيح أن قبلها قوله تعالى: { { إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل } } [النساء: 58] .

( نزل في عبد الله بن حذافة بن قيس بن عدي السهمي، بعثه النبي صلى الله عليه وسلم في سرية) وسرية عبد الله بن حذافة أرخها ابن سعد في ربيع الآخر لسنة تسع، وقد ذكر البخاري روايتنا التاسعة والعاشرة مع اختلاف يسير في بعض الألفاظ تحت باب سرية عبد الله بن حذافة فهو المراد من الأمير الذي أمر جنده بدخول النار، قال الحافظ ابن حجر: ويبعده وصف عبد الله بن حذافة السهمي القرشي المهاجري بكونه أنصاريا، إذ جاء في روايتنا العاشرة واستعمل عليهم رجلا من الأنصار ثم قال الحافظ: ويحتمل الحمل على المعنى الأعم، أي أنه نصر رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجملة.
اهـ.
وهذا تعسف بعيد، وأما ابن الجوزي فقال: قوله من الأنصار وهم من بعض الرواة، وإنما هو سهمي، واستبعد بعضهم نزول هذه الآية بشأن قصة هذا الأمير، فإن الصواب فيها عدم الطاعة، ورد الحافظ ابن حجر بأن المقصود من الآية في قصة هذا الأمير قوله تعالى: { { فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول } } لأنهم تنازعوا في امتثال ما أمرهم به، وسببه أن الذين هموا أن يطيعوه وقفوا عند امتثال الأمر بالطاعة، والذين امتنعوا عارضه عندهم الفرار من النار، فناسب أن ينزل في ذلك ما يرشدهم إلى ما يفعلونه عند التنازع، وهو الرد إلى الله وإلى الرسول صلى الله عليه وسلم.

( من أطاعني فقد أطاع الله، ومن يعصني فقد عصى الله) في الرواية الثالثة من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله أي لأني لا آمر إلا بما أمر الله به، فمن فعل ما آمره به فإنما أطاع من أمرني أن آمره، ويحتمل أن يكون المعنى: لأن الله أمر بطاعتي، فمن أطاعني فقد أطاع أمر الله له بطاعتي، وفي المعصية كذلك، والجملة الأولى منتزعة من قوله تعالى: { { من يطع الرسول فقد أطاع الله } } [النساء: 80] .

( ومن يطع الأمير فقد أطاعني، ومن يعص الأمير فقد عصاني) في الرواية الثالثة ومن أطاع أميري فقد أطاعني، ومن عصى أميري فقد عصاني قال الحافظ ابن حجر: ويمكن رد اللفظين لمعنى واحد [وأن يراد مطلق أمير، أعم من أميره صلى الله عليه وسلم] فإن كل من يأمر بحق، وكان عادلا، فهو أمير الشارع، لأنه تولى بأمره وشريعته.

( عليك السمع والطاعة) عليك اسم فعل أمر، أي الزم، والسمع مفعول به لاسم الفعل.

( في عسرك ويسرك) أي فيما يشق عليك، وتكرهه نفسك، وفيما تحب وترضى، أي على كل حال.

( ومنشطك ومكرهك) منشط بفتح الميم والشين، بينهما نون ساكنة، ومكره على وزنها، أي في حالة نشاطك، وفي الحالة التي تكون فيها عاجزا عن العمل بما تؤمر به، قال ابن التين: والظاهر أنه أراد وقت الكسل والمشقة في الخروج، ليطابق المنشط، ويؤيده ما جاء عند أحمد بلفظ في النشاط والكسل وفي رواية البخاري فيما أحب وكره.

( وأثرة عليك) بفتح الهمزة والثاء، ويقال بضم الهمزة وإسكان الثاء، وبكسر الهمزة وإسكان الثاء، ثلاث لغات، أي الاستئثار بحظوظ الدنيا، والاختصاص بها دونك، وحرمانك من حقوقك.

( إن خليلي أوصاني أن أسمع وأطيع) المفعول محذوف، أي أسمع لأمرائي وأطيعهم.

( وإن كان عبدا مجدع الأطراف) أي وإن كان من ولي علي عبدا مجدع الأطراف، بضم الميم وفتح الجيم وتشديد الدال، أي مقطوعها، والمراد أخس العبيد، أي أسمع وأطيع للأمير، وإن كان دنيء النسب، حتى لو كان عبدا أسود مقطوع الأطراف، فطاعته واجبة، وفي ملحق الرواية عبدا حبشيا مجدع الأطراف وفي الرواية السادسة عبد يقودكم بكتاب الله، فاسمعوا له وأطيعوا وفي الرواية السابعة عبد مجدع -أسود وعند البخاري وإن استعمل عليكم عبد حبشي، كأن رأسه زبيبة أي في تجمعها وصغرها، وسواد شعرها، وهو تمثيل في الحقارة، وبشاعة الصورة، وعدم الاعتداد بها، وإن استعمل بضم التاء وكسر الميم، أي جعل عاملا، بأن تأمر إمارة عامة على البلد مثلا، أو ولي فيها ولاية خاصة، كالإمامة في الصلاة، أو جباية الخراج، أو مباشرة الحرب.
وسيأتي الكلام على ولاية العبد في فقه الحديث.

( فأوقد نارا) أي فأمر بإيقاد نار، ففي الرواية العاشرة فأغضبوه في شيء، فقال: اجمعوا لي حطبا، فجمعوا له، ثم قال: أوقدوا نارا، فأوقدوا....
وفي ظنهم أنهم سيصنعون عليها صنيعا لهم، أو يصطلون.

( وقال: ادخلوها) في الرواية العاشرة ثم قال: ألم يأمركم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تسمعوا لي وتطيعوا؟ قالوا: بلى.
قال: فادخلوها وفي رواية قال: أليس عليكم السمع والطاعة؟ قالوا: بلى.
قال: أعزم عليكم بحقي وطاعتي لما تواثبتم في هذه النار وقد ذهب العلماء مذاهب شتى في حقيقة أمره لهم بدخولها، فقيل: إنه على الحقيقة، وإنه كان قاصدا تنفيذهم الأمر، لأنه كان مغضبا غضبا شديدا، أغلق عليه باب الحكمة، ففي الرواية العاشرة فأغضبوه في شيء...فسكن غضبه وفي رواية البخاري فغضب عليهم وهذا القول بعيد، وقيل: إنه قال لهم ذلك هازلا، فقد روي أنه كانت به دعابة، وأنهم تحجزوا، حتى ظن أنهم سيثبون فيها قال لهم: احبسوا أنفسكم، فإنما كنت أضحك معكم.

وقيل: إنه أراد أن يؤكد لهم أن طاعة الأمير واجبة، وأن من تركها دخل النار، فأوقد لهم النار، وأمرهم بدخولها، ليخافوا منها، ويستصعبوا دخولها، فيخافوا النار الكبرى، فيسمعوا ويطيعوا، وكأن قصده أنه لو رأى منهم الجد في دخولها لمنعهم، كما تقدم لطفلك قطعة من النار، وتطلب منه أن يلمسها، ليحذر النار الحقيقية، والمراد من غضبه على هذين القولين الغضب الخفيف، الناشئ عن شيء من المخالفة، الدافع إلى الزجر والتخويف، فلما رأى منهم ما رأى سكن غضبه، فقد تحقق له هدفه.

( فأراد ناس أن يدخلوها) رأوا أن الأمر بالطاعة مطلق، وأن هذه الحالة داخلة فيه، كما في الأوامر التي تصدر للصاعقة في الجيوش الحديثة، أو أنهم ظنوا أنهم إذا دخلوها لا تضرهم، لأن دخولهم بسبب طاعة أميرهم، لكن هذه الإرادة لم ينفذها أحد، وإن كانوا تكلموا بها، فعلمت إرادتهم.

( وقال الآخرون: إنا قد فررنا منها) أي إنما أسلمنا فرارا من النار، فكيف ندخلها؟ ففي الرواية العاشرة إنما فررنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من النار، فكانوا كذلك فريقا يقبل اقتحامها، وفريقا يرفض اقتحامها وسكن غضبه، وطفئت النار وحدها، وفي رواية البخاري فبينما هم كذلك إذ خمدت النار وخمدت بفتح الميم وضبط في بعض الروايات بكسر الميم، ولا يعرف في اللغة، ومعنى خمدت سكن لهبها، وإن لم يطفأ جمرها، فإن طفئ قيل: همدت.

( فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم) في الرواية العاشرة فلما رجعوا ذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم وفي رواية البخاري فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم.

( فقال للذين أرادوا أن يدخلوها: لو دخلتموها لم تزالوا فيها إلى يوم القيامة) الضمير للنار التي أوقدت، وليس لنار جهنم، والمعنى: أنهم لو دخلوا فيها لاحترقوا، فماتوا، فلم يخرجوا إلى يوم القيامة، وفي الرواية العاشرة لو دخلوها ما خرجوا منها أي أحياء، وعند البخاري ما خرجوا منها إلى يوم القيامة وفي رواية ما خرجوا منها أبدا.
وكون الضمائر للنار التي أوقدت هو الظاهر، ويحتمل أن يكون الضمير في لو دخلتموها للنار التي أوقدوها، والضمير في لم تزالوا فيها وما خرجوا منها لنار الآخرة، ففي العبارة نوع من أنواع البديع، المعروف بالاستخدام، والمعنى لو دخلوا هذه النار كانوا عاصين، مستحقين دخول نار جهنم، لأنهم قتلوا أنفسهم، وما خرجوا من نار جهنم، وليس المراد أنهم يخلدون في نار جهنم، لأنه سيخرج من النار من كان في قلبه مثقال حبة من إيمان، وإنما المراد به الزجر والتخويف، وقيل: لو دخلوها مستحلين.

( إنما الطاعة في المعروف) أي لا طاعة في معصية الله، ففي رواية من أمركم منهم بمعصية فلا تطيعوه.

( بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم) بسكون العين، وفي الرواية الثانية عشرة دعانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايعناه والمراد من المبايعة المعاهدة، وهي مأخوذة من البيع، لأن كل واحد من المتبايعين كان يمد يده إلى صاحبه، وكذا البيعة، كانت بأخذ الكف، وقيل: سميت مبايعة لما فيها من المفاوضة لما وعدهم الله تعالى من عظيم الأجر، في قوله تعالى: { { إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة } } [التوبة: 111] .

وعبادة بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث بيعات، الأولى من الأنصار ليلة العقبة، قبل الهجرة، فكان من الاثنى عشر الذين بايعوا في العقبة الأولى، وقد ذكر ابن إسحق أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمن حضر من الأنصار: أبايعكم على أن تمنعوني مما تمنعون منه نساءكم وأبناءكم، فبايعوه على ذلك، وأخرج أحمد والطبراني عن عبادة أنه جرت له قصة مع أبي هريرة عند معاوية بالشام، فقال: يا أبا هريرة، إنك لم تكن معنا إذ بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في النشاط والكسل، وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعلى أن نقول بالحق، ولا نخاف في الله لومة لائم، وعلى أن ننصر رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قدم علينا يثرب، فنمنعه مما نمنع منه أنفسنا وأزواجنا وأبناءنا، ولنا الجنة، فهذه بيعة رسول الله صلى الله عليه وسلم بايعناه عليها.

البيعة الثانية التي بايعها عبادة بيعة الحرب، وكانت بعد الهجرة، وكانت على عدم الفرار.

والثالثة البيعة التي وقعت على نظير بيعة النساء، بعد فتح مكة.

( وعلى أن لا ننازع الأمر أهله) أي أن لا ننازع أهل الأمر أمرهم، أي أن لا ننازع الملوك والأمراء ملكهم وإمارتهم، زاد أحمد وإن رأيت أن لك أي وإن اعتقدت أن لك في الأمر حقا أي فلا تعمل بذلك الظن، بل اسمع وأطع، إلى أن يصل إليك بغير خروج عن الطاعة.
وزاد ابن حبان وإن أكلوا مالك، وضربوا ظهرك.

( وعلى أن نقول بالحق أينما كنا، لا نخاف في الله لومة لائم) قال النووي: معناه نأمر بالمعروف وننهي عن المنكر في كل زمان ومكان، الكبار والصغار، لا نداهن فيه أحدا، ولا نخافه هو، ولا نلتفت إلى الأئمة.

( حدثنا -أصلحك الله- بحديث ينفع الله به) أصلحك الله جملة خبرية لفظا، طلبية معنى، معترضة، وهي كلمة اعتادوها عند افتتاح الطلب، والظاهر أنهم أرادوا الدعاء له بالصلاح في جسمه، ليعافى من مرضه، أو أعم من ذلك.

( فكان فيما أخذ علينا: أن بايعنا على السمع والطاعة.....) أن بايعنا هكذا الرواية بفتح العين، أي بايعنا هو على السمع والطاعة له، أي أخذ علينا مبايعته لنا على السمع والطاعة له، كذا وجهها الحافظ ابن حجر، والأولى أن تكون بسكون العين، أي أخذ علينا مبايعتنا له على السمع والطاعة له، لقوله قبل فبايعناه ولأنه أخذ عليهم مبايعتهم له، لا مبايعته لهم.
والله أعلم.

( إلا أن تروا كفرا بواحا) بباء مفتوحة، بعدها واو، أي ظاهرا باديا، يقال: باح بالشيء، يبوح به، بوحا، وبواحا، إذا أذاعه وأظهره، وأنكر بعضهم بواحا وقال: إنما يجوز بوحا بسكون الواو، وبؤاحا بضم أوله ثم همزة ممدودة، وروي بالراء بدل الواو براحا قال الخطابي: وهو قريب من هذا المعنى، وأصل البراح الأرض القفراء، التي لا أنيس فيها ولا بناء، وروي عند الطبراني كفرا صراحا بصاد مضمومة، بعدها راء، وفي رواية إلا أن يكون معصية لله بواحا وعند أحمد ما لم يأمروك بإثم بواحا.

وعند أحمد والطبراني والحاكم عن عبادة سيلي أموركم من بعدي رجال، يعرفونكم ما تنكرون، وينكرون عليكم ما تعرفون، فلا طاعة لمن عصى الله وعند ابن أبي شيبة سيكون عليكم أمراء، يأمرونكم بما لا تعرفون، ويفعلون ما تنكرون، فليس لأولئك عليكم طاعة.

( عندكم من الله فيه برهان) أي نص صريح من القرآن أو السنة، لا يحتمل التأويل، قال النووي: المراد بالكفر هنا المعصية، ومعنى الحديث: لا تنازعوا ولاة الأمور في ولايتهم، ولا تعترضوا عليهم، إلا أن تروا منهم منكرا محققا، تعلمونه من قواعد الإسلام، فإذا رأيتم ذلك فأنكروا عليهم، وقولوا بالحق حيثما كنتم، وقال غيره: المراد من الكفر هنا معناه الشرعي، فلا يعترض على السلطان إلا إذا وقع في الكفر الظاهر، قال الحافظ ابن حجر: والذي يظهر حمل رواية الكفر على ما إذا كانت المنازعة في الولاية، فلا ينازع في الولاية إلا إذا ارتكب الكفر، وحمل رواية المعصية على ما إذا كانت المنازعة فيما عدا الولاية، وسيأتي مزيد لهذا في فقه الحديث.

( إنما الإمام جنة) أي ستر ووقاية، لأنه يمنع العدو من أذى المسلمين، ويمنع الناس بعضهم من بعض، ويحمي بيضة الإسلام، ويتقيه الناس، ويخافون سطوته.

( يقاتل من ورائه، ويتقى به) أي يقاتل معه الكفار والبغاة والخوارج وسائر أهل الفساد والظلم.

فقه الحديث

قال النووي: أجمع العلماء على وجوب طاعة الأمراء في غير معصية، وعلى تحريمها في المعصية، نقل الإجماع على هذا القاضي عياض وآخرون.
ثم قال: وتجب طاعة ولاة الأمور فيما يشق وتكرهه النفوس مما ليس بمعصية، فإن كانت لمعصية فلا سمع ولا طاعة، كما صرح بذلك في الأحاديث، فتحمل الأحاديث الواردة بطاعة أولي الأمر مطلقا على الأحاديث المقيدة بأنه لا سمع ولا طاعة في المعصية.
اهـ.

قال الحافظ ابن حجر: والحكمة في الأمر بطاعتهم المحافظة على اتفاق الكلمة، لما في الافتراق من الفساد.
اهـ.
فإن الخلاف سبب لفساد أحوال المسلمين في دينهم ودنياهم.

والأحكام الشرعية خمسة: الحرام والمكروه معصية، فإذا أمر بمحرم حرم تنفيذ أمره، وكذلك إذا نهي عن واجب، فإذا أمر بفعل مكروه، أو نهي عن فعل مندوب كره تنفيذ أمره ونهيه، وشرط بعضهم في ذلك أن لا يتعرض المحكوم في ذلك إلى عنت الحاكم وقهره وجبروته ولا إلى ضرر أشد.

بقي من الأحكام الشرعية ثلاثة المباح مستوي الطرفين، والمندوب، والواجب، وطاعته وتنفيذ أوامره فيها كلها واجبة بالإجماع، كما سبق.

وفي هذا المقام مواضيع متداخلة، فوضع النووي -رحمه الله تعالى- لهذه الأحاديث: باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية، وتحريمها في المعصية، وبعد بابين قال: باب الأمر بالصبر عند ظلم الولاة واستئثارهم، باب وجوب ملازمة جماعة المسلمين، وتحريم الخروج من الطاعة ومفارقة الجماعة، باب حكم من فرق أمر المسلمين، باب الإنكار على الأمراء فيما يخالف الشرع، وترك قتالهم ما صلوا...باب البيعة على السمع والطاعة فيما استطاع.

فاضطر في شرحه لأحاديث هذا الباب أن يتكلم عن ولاية العبد، لقوله في رواياتنا الخامسة والسادسة والسابعة عبدا حبشيا وأن يتكلم عن انعقاد الإمامة للكافر، وحكم من طرأ عليه الكفر، وخلع الإمام المبتدع والفاجر، لقوله في روايتنا الحادية عشرة والثانية عشرة وأن لا ننازع الأمر أهله وسنرجئ الكلام عن هذين الموضوعين للباب الآتي إن شاء الله، ونقتصر هنا على ما يتعلق بالطاعة في غير معصية.

ويجب أن نفرق بين طاعة الأوامر والنواهي في المعاصي، وبين طاعة الأمير العاصي أو الفاسق، إذا لم يأمر بمعصية، بمعنى: هل نقوم بالعصيان المدني السلبي للحاكم الفاسق؟ فلا ننفذ أوامره؟ ولو كانت بغير معصية؟ أخرج ابن ماجه وأحمد عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: سيلي أموركم بعدي رجال يطفئون السنة، ويعملون بالبدعة، ويؤخرون الصلاة عن مواقيتها.
فقلت: يا رسول الله، إن أدركتهم كيف أفعل؟ قال: تسألني يا ابن أم معبد؟ كيف تفعل؟ لا طاعة لمن عصى الله فظاهر هذا الحديث أنهم لا يطاعون في أوامرهم، لكن روى مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة عن أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يا أبا ذر، كيف أنت إذا كانت عليك أمراء يميتون الصلاة -أو قال: يؤخرون الصلاة؟ قلت: يا رسول الله، فما تأمرني؟ قال: صل الصلاة لوقتها، فإن أدركتها معهم فصلها، فإنها لك نافلة والحق أن طاعة هؤلاء في أوامرهم بغير المعصية واجبة، أما واجب أمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر فهو باب آخر.

ويؤخذ من الأحاديث فوق ما تقدم

1- من الرواية التاسعة والعاشرة أن الحكم في حال الغضب ينفذ منه ما لا يخالف الشرع.

2- أن الغضب يغطي على ذوي العقول.

3- أن الإيمان بالله ينجي من النار، لقولهم: إنما فررنا إلى النبي صلى الله عليه وسلم من النار، والفرار إلى النبي صلى الله عليه وسلم فرار إلى الله، والفرار إلى الله يطلق على الإيمان، قال تعالى: { { ففروا إلى الله إني لكم منه نذير مبين } } [الذاريات: 50] .

4- وفيه أن الأمر المطلق لا يعم الأحوال، لأنه صلى الله عليه وسلم أمرهم أن يطيعوا الأمير، فحملوا ذلك على عموم الأحوال، حتى في حال الغضب، وفي حال الأمر بالمعصية، فبين لهم صلى الله عليه وسلم أن الأمر بطاعته مقصور على ما كان منه في غير معصية.

5- واستنبط منه ابن أبي جمرة أن الجمع من هذه الأمة لا يجتمعون على خطأ، لانقسام السرية قسمين.

6- وفيه أن من كان صادق النية لا يقع إلا في خير، ولو قصد الشر فإن الله يصرفه عنه، قال الحافظ ابن حجر: ولهذا قال بعض أهل المعرفة: من صدق مع الله وقاه الله، ومن توكل على الله كفاه الله.

7- ومن الرواية الحادية عشرة من قوله وعلى أن نقول بالحق أينما كنا، لا نخاف في الله لومة لائم وجوب القيام بالأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر.
قال النووي: أجمع العلماء على أنه فرض كفاية، فإن خاف من ذلك على نفسه أو ماله أو على غيره سقط الإنكار بيده ولسانه، ووجبت كراهته بقلبه.
هذا مذهبنا ومذهب الجماهير، وحكى القاضي عياض عن بعضهم أنه ذهب إلى الإنكار مطلقا، في هذه الحالة وغيرها.

والله أعلم.