هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
3708 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مِنْهَالٍ الضَّرِيرُ ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ حَسَّانَ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ : لَمَّا كَانَ يَوْمُ خَيْبَرَ جَاءَ جَاءٍ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أُكِلَتِ الْحُمُرُ ، ثُمَّ جَاءَ آخَرُ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أُفْنِيَتِ الْحُمُرُ ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا طَلْحَةَ ، فَنَادَى : إِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يَنْهَيَانِكُمْ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ ، فَإِنَّهَا رِجْسٌ أَوْ نَجِسٌ ، قَالَ : فَأُكْفِئَتِ الْقُدُورُ بِمَا فِيهَا
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
3708 حدثنا محمد بن منهال الضرير ، حدثنا يزيد بن زريع ، حدثنا هشام بن حسان ، عن محمد بن سيرين ، عن أنس بن مالك ، قال : لما كان يوم خيبر جاء جاء ، فقال : يا رسول الله ، أكلت الحمر ، ثم جاء آخر ، فقال : يا رسول الله ، أفنيت الحمر ، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا طلحة ، فنادى : إن الله ورسوله ينهيانكم عن لحوم الحمر ، فإنها رجس أو نجس ، قال : فأكفئت القدور بما فيها
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير، 

Anas reported:

When Allah's Messenger (ﷺ) conquered Khaibar, we caught hold of the asses outside the village. We cooked them (their flesh). Then the announcer of Allah's Messenger (ﷺ) made the announcement: Listen, verily Allah and His Messenger have prohibited you (the eating of) their (flesh), for it is a loathsome evil of Satan's doing. Then the earthen pots were turned over along with what was in them, and these were brimming (with flesh) at that time.

شرح الحديث من فـــتح المــــنعم

: : هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،   

عن أنس رضي الله عنه قال: لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر، أصبنا حمراً خارجاً من القرية.
فطبخنا منها.
فنادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا إن الله ورسوله ينهيانكم عنها، فإنها رجس من عمل الشيطان.
فأكفئت القدور بما فيها وإنها لتفور بما فيها.


المعنى العام

يكتفى بالمعنى العام المذكور تحت باب غزوة خيبر.

المباحث العربية

( نهى عن متعة النساء) أي زواج المرأة لمدة محدودة، وقد سبق الموضوع كاملاً في أوائل كتاب النكاح، تحت باب نكاح المتعة.

( يوم خيبر) أي كان النهي يوم غزوة خيبر، والمقصود يوم أن فتحها الله عليهم، كما سيأتي.

( وعن لحوم الحمر الإنسية) أي وعن أكل لحوم الحمر الإنسية، بكسر الهمزة وسكون النون، منسوبة إلى الإنس، ويقال فيه: أنسية، بفتحتين، وزعم ابن الأثير أن في كلام أبي موسى المديني ما يقتضي أنها بالضم ثم السكون، لقوله: الأنسية هي التي تألف البيوت، والأنس ضد الوحشة، ولا حجة في ذلك، لأن أبا موسى إنما قاله بفتحتين، ولم يقع في شيء من روايات الحديث بضم ثم سكون، مع احتمال جوازه، نعم زيف أبو موسى الرواية بكسر أوله ثم السكون، فقال ابن الأثير: إن أراد من جهة الرواية فعسى، وإلا فهو ثابت في اللغة، ونسبتها إلى الإنس، وقد وقع في كثير من رواياتنا الأهلية بدل الإنسية.

وقال النووي عن رواية سبقت في غزوة خيبر بلفظ لحم حمر الإنسية قال: هكذا هو، بإضافة حمر وهو من إضافة الموصوف إلى صفته، وهو على ظاهره عند الكوفيين، وتقديره عند البصريين حمر الحيوانات الإنسية، قال: وأما الإنسية ففيها لغتان وروايتان، حكاهما القاضي عياض وآخرون، أشهرهما كسر الهمزة وإسكان النون، قال القاضي: هذه رواية الأكثر، والثانية فتحهما جميعاً، وهما جميعاً نسبة إلى الإنس، وهم الناس، وسميت بذلك لاختلاطها بالناس.
بخلاف حمر الوحش.

( وكان الناس احتاجوا إليها) في الرواية الخامسة أصابتنا مجاعة يوم خيبر، ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد أصبنا للقوم حمراً خارجة من القرية وفي الرواية الثالثة عشرة أصبنا حمراً خارجاً من المدينة بتذكير صفة جمع التكسير، والنعت من حيث التذكير والتأنيث حكمه حكم الفعل، والفعل مع جمع التكسير يذكر ويؤنث، تقول: جاء الحمر، وجاءت الحمر، ومؤنث الحمار حمارة، وفي الرواية السادسة وقعنا في الحمر الأهلية أي أصبناها برفق.

( فنحرناها) وفي الرواية السادسة فانتحرناها ونحر الإبل طعنها بالسكين في منحرها، والمنحر من المرأة موضع القلادة من الصدر، والمراد هنا طعنها بالسكين في أعلى الصدر عند اتصاله بالعنق، وأما الذبح في البقر والغنم والطيور ونحوها فهو بقطع الأوداج [جمع ودج بفتح الدال، وهو العرق الذي في جانب العنق، وفي العنق عرقان متقابلان، قيل: ليس لكل بهيمة غير ودجين فقط، وهما محيطان بالحلقوم، وقد تطلق الأوداج على الحلقوم والمريء بالإضافة إلى الودجين على سبيل التغليب، فيقال: للحيوان أربعة أوداج] فالذكاة عند الثوري قطع الودجين، ولو لم يقطع الحلقوم والمريء، وعن مالك والليث يشترط قطع الودجين والحلقوم فقط، واحتج لهما بحديث ما أنهر الدم... وإنهاره إجراؤه، ويجري الدم بقطع الأوداج، لأنها مجرى الدم، وأما المريء فهو مجرى الطعام، وليس به من الدم، ما يصل به إنهار، وقال أكثر الحنفية: إذا قطع من الأوداج الأربعة ثلاثة حصلت التذكية، وحكى ابن المنذر عن محمد بن الحسن: إذا قطع الحلقوم والمريء وأكثر من نصف الأوداج أجزأ، فإن قطع أقل فلا خير فيها، وسيأتي بعد أبواب الذبح بكل ما أنهر الدم.

( فإن قدورنا لتغلي إذ نادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي إن قدورنا كانت تغلي وقت نداء منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي الرواية السادسة فلما غلت بها القدور نادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعند النسائي فأمر النبي صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن بن عوف، فنادى: ألا إن لحوم الحمر الإنسية لا تحل وفي الرواية الرابعة عشرة فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا طلحة، فنادى: إن الله ورسوله ينهيانكم عن لحوم الحمر، فإنها رجس -أو نجس وفي بعض الروايات أن بلالاً نادى بذلك: قال الحافظ ابن حجر: ولعل عبد الرحمن نادى أولاً بالنهي مطلقاً، ثم نادى أبو طلحة وبلال بزيادة على ذلك، وهو قوله فإنها رجس ووقع في الشرح الكبير للرافعي أن المنادي بذلك خالد بن الوليد، وهو غلط، فإنه لم يشهد خيبر، وإنما أسلم بعد فتحها.
اهـ

ويحتمل تعدد المنادين بأمره صلى الله عليه وسلم، ليذهب كل واحد إلى قطعة من الجيش، فيبلغ أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، واختلاف المنادى به لفظاً لا يضر، والهدف التحذير من أكل لحوم الحمر الأهلية.

أما عن طريق علمه صلى الله عليه وسلم بأن أصحابه يطبخون لحوم حمر أهلية فتقول الرواية الثانية عشرة فلما أمسى الناس اليوم الذي فتحت عليهم أوقدوا نيراناً كثيرة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما هذه النيران؟ على أي شيء توقدون؟ قالوا: على لحم، قال: على أي لحم؟ قالوا: على لحم حمر إنسية... وفي رواية للبخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءه جاء، فقال: أكلت الحمر، ثم جاءه جاء، فقال: أكلت الحمر، ثم جاءه جاء، فقال: أفنيت الحمر، فأمر منادياً فنادى في الناس... قال الحافظ ابن حجر: لم أعرف اسم هذا الرجل، ولا اللذين بعده، ويحتمل أن يكونوا واحداً؛ فإنه قال أولاً أكلت فإما لم يسمعه النبي صلى الله عليه وسلم، وإما لم يكن أمر فيها بشيء، وكذا في الثانية، فلما قال الثالثة أفنيت الحمر أي لكثرة ما ذبح منها لتطبخ، صادف نزول الأمر بتحريمها، ولعل هذا مستند من قال: إنما نهي عنها لكونها كانت حمولة الناس.
اهـ ويحتمل أنه صلى الله عليه وسلم بعد أن سمع كلام الرجل أو الرجال خرج من خيمته إلى الجيش، فرأى النيران، فسأل، فأجيب، فأرسل مناديه.

( أن اكفئوا القدور) أي أميلوها، ليراق ما فيها، قال النووي: قال القاضي: ضبطناه بألف الوصل وفتح الفاء من كفأت الثلاثي، ومعناه قلبت، قال: ويصح قطع الألف وكسر الفاء من أكفأت الرباعي، وهما لغتان بمعنى عند كثيرين من أهل اللغة، وقال الأصمعي: يقال: كفأت، ولا يقال: أكفأت.
اهـ

وأن في أن اكفئوا تفسيرية، وبيان للنداء، وفي الرواية السابعة اكفئوا القدور بدون أن والجملة تفسير وبيان للنداء.

والمقصود بكفء القدور طرح ما فيها من لحوم الحمر على الأرض، مبالغة في عدم تناول شيء منها، لذا أكد هذا المعنى ووضحه في الرواية الخامسة بقوله ولا تطعموا من لحوم الحمر شيئاً وفي الرواية السادسة ولا تأكلوا من لحوم الحمر شيئاً وفي الرواية العاشرة أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نلقي لحوم الحمر الأهلية، نيئة ونضيجة، ثم لم يأمرنا بأكله أي لم يرخص لنا في أكل هذا الملقى، ونيئة بكسر النون وبالهمزة، أي غير مطبوخة، أو غير كاملة النضج والطبخ، وفي الرواية الثانية عشرة أهريقوها واكسروها، فقال رجل: يا رسول الله، أو نهريقها ونغسلها؟ قال: أو ذاك والأمر بالكسر مبالغة في التنفير والتحذير، وكانت آنيتهم من الفخار الذي يكسر إن ضرب بحجر أو بجسم صلب، وأهريقوها أي صبوها، أم من يهريقون الماء مبني على حذف النون، يقال: هرق الماء هرقاً، صبه، وأهرق الماء هرقة، وهراق الماء، يهريقه، أي صبه.

( فقلت: حرمها تحريم ماذا؟) أي سأل الشيباني هذا السؤال لعبد الله بن أبي أوفى.
أي ما نوع التحريم؟ أهو تحريم أبدي لذات الحمر الأهلية؟ أم تحريم مؤقت لظرف خاص؟

( تحدثنا بيننا، فقلنا:) أي فقال بعضنا:

( حرمها البتة، وحرمها من أجل أنها لم تخمس) أي قال بعضنا: حرمها تحريماً أبدياً لذاتها، لأنها رجس ونجس، وقال بعضنا: حرمها لظرف خاص، وهي أنها لم تكن دخلت في التخميس وقسمة الغنيمة، والأخذ من الغنيمة قبل قسمتها غلول حرام، وفي الرواية السادسة فقال ناس: إنما نهى عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم أي عن أكلها لأنها لم تخمس، وقال آخرون: نهى عنها البتة وهناك ناس قالوا قولاً ثالثاً: هو أن التحريم مؤقت: لظرف خاص بهذه الحالة، وهي خشية فناء الحمر، لكثرة ما ذبح منها، وضحت هذا القول الرواية الحادية عشرة، وفيها إنما نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم من أجل أنه كان حمولة الناس بفتح الحاء، أي الذي يحمل متاعهم فكره أن تذهب حمولتهم وتشير إلى أن هذا هو السبب الرواية الرابعة عشرة، وقوله البتة أي تحريماً قاطعاً لا رجعة فيه، يقال: بت الشيء بتوتاً انقطع، وبت الشيء يبته، بضم الباء، بتا، وبتة، وبتاتاً، قطعه مستأصلاً، ولا أفعله البتة، ولا أفعله بتة، والبتة بهمزة قطع، أي قطعاً لا رجعة فيه.

( وأذن في لحوم الخيل) في الرواية السادسة عشرة أكلنا زمن خيبر الخيل والخيل جماعة الأفراس، لا واحد له من لفظه، وجمعه أخيال وخيول، وفي الرواية السابعة عشرة نحرنا فرساً على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأكلناه وفي رواية للدارقطني فأكلناه نحن وأهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فقه الحديث

قال النووي: اختلف العلماء في إباحة أكل لحوم الخيل، فمذهب الشافعي والجمهور من السلف والخلف أنه مباح، لا كراهة فيه، وبه قال عبد الله بن الزبير وفضالة بن عبيد وأنس بن مالك وأسماء بنت أبي بكر وسويد بن غفلة وعلقمة والأسود وعطاء وشريح وسعيد بن جبير والحسن البصري وإبراهيم النخعي وحماد بن سليمان وأحمد وإسحق وأبو ثور وأبو يوسف ومحمد وداود وجماهير المحدثين وغيرهم، وكرهها طائفة، منهم ابن عباس والحكم ومالك وأبو حنيفة.

واحتجوا بقوله تعالى { { والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة } } [النحل: 8] ولم يذكر الأكل، وذكر الأكل من الأنعام في الآية التي قبلها، وبحديث صالح بن يحيى بن المقدم عن أبيه عن جده عن خالد بن الوليد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لحوم الخيل والبغال والحمير وكل ذي ناب من السباع رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه من رواية بقية بن الوليد عن صالح بن يحيى.

قال النووي: واتفق العلماء من أئمة الحديث وغيرهم على أنه حديث ضعيف، وقال بعضهم: هو منسوخ، قال البخاري: هذا الحديث فيه نظر، وقال البيهقي: هذا إسناد مضطرب، وقال الخطابي: في إسناده نظر، قال: وصالح بن يحيى عن أبيه عن جده لا يعرف سماع بعضهم من بعض، وقال أبو داود: هذا الحديث منسوخ، وقال النسائي: حديث الإباحة أصح.
قال: ويشبه إن كان هذا صحيحاً أن يكون منسوخاً.

واحتج الجمهور بأحاديث الإباحة التي ذكرها مسلم وغيره، وهي صحيحة صريحة، ولم يثبت في النهي حديث.

أما الآية فأجابوا عنها بأن ذكر الركوب والزينة لا يدل على أن منفعتها مختصة بذلك، فإنما خص هذان بالذكر لأنهما معظم المقصود من الخيل، كقوله تعالى { { حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير } } [المائدة: 3] فذكر اللحم لأنه أعظم المقصود، وقد أجمع المسلمون على تحريم شحمه ودمه وسائر أجزائه، قالوا: ولهذا سكت عن ذكر حمل الأثقال على الخيل، مع قوله تعالى في الأنعام { { وتحمل أثقالكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس } } [النحل: 7] ولم يلزم من هذا تحريم حمل الأثقال على الخيل.
اهـ

ونضيف أن المانعين لأكل الخيل، أو الكارهين لأكلها كثيرون، فقد ذهب بعض الحنفية وبعض المالكية إلى تحريم أكلها، والصحيح عند المحققين منهم التحريم، والمشهور عند المالكية الكراهة، وقال أبو حنيفة في الجامع الصغير: أكره لحم الخيل، فحمله الرازي على التنزيه، وقال: لم يطلق أبو حنيفة فيه التحريم، وليس هو عنده كالحمار الأهلي، وصحح عنه أصحاب المحيط والهداية والذخيرة التحريم، وهو قول أكثرهم، وعن بعضهم: يأثم آكله، ولا يسمى حراماً.

واستدل هذا الفريق بما ذكره النووي، وبالآتي:

1- قال ابن المنير: الشبه الخلقي بين الخيل وبين البغال والحمير يؤكد القول بمنع أكلها، من هذا الشبه هيئتها، وزهومة لحمها، وصفة أرواثها، وأنها لا تجتر، قال: وإذا تأكد الشبه الخلقي التحق به نفي الشبه بالأنعام المتفق على أكلها.

وأجاب المبيحون بأن الشبه الخلقي لا يلزم منه الاتفاق في الحكم، لأن الآثار إذا صحت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى بالقبول من النظر والقياس، والأخبار في حل الخيل شبه متواترة، لا سيما وقد أخبر جابر [روايتنا الخامسة عشرة والسادسة عشرة] أنه صلى الله عليه وسلم أباح لهم لحوم الخيل في الوقت الذي منعهم فيه من لحوم الحمر، فدل ذلك على اختلاف حكمها، وقد نقل الحل بعض التابعين عن الصحابة، من غير استثناء أحد، فأخرج ابن أبي شيبة بإسناد صحيح على شرط الشيخين عن عطاء قال: لم يزل سلفك يأكلونه.
قال ابن جريج: قلت له: أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: نعم.

2- كما استدلوا بما أخرجه ابن أبي شيبة وعبد الرزاق عن ابن عباس بأنه كرهها.

وأجاب المبيحون بأن ما روي عن ابن عباس بالكراهة جاء بسندين ضعيفين، بل أخرج الدارقطني بسند قوي عن ابن عباس مرفوعاً مثل حديث جابر، ولفظه نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لحوم الحمر الأهلية، وأمر بلحوم الخيل.

ثم إن ابن عباس في روايتنا الحادية عشرة توقف في سبب المنع من أكل الحمر، هل كان تحريماً مؤبداً، أو بسبب كونها كانت حمولة الناس؟ وهذا يأتي مثله في الخيل أيضاً، فيبعد أن يثبت عنه القول بتحريم الخيل، والقول بالتوقف في تحريم الحمر الأهلية.

3- قال الشيخ محمد بن أبي جمرة: سبب كراهة مالك لأكلها كونها تستعمل غالباً في الجهاد، فلو انتفت الكراهة كثر أكلها، فيفضي إلى فنائها، فيئول إلى النقص من إرهاب العدو الذي وقع الأمر به، في قوله تعالى { { ومن رباط الخيل } } [الأنفال: 60] .

وأجاب المبيحون بأن الكراهة على هذا لسبب خارج، وليس البحث فيه، فإن الحيوان المتفق على إباحته، لو حدث أمر يقتضي أن لو ذبح لأفضى إلى ارتكاب محذور، لامتنع، ولا يلزم من ذلك القول بتحريمه، ولا يلزم من كون أصل الحيوان حلالاً أكله فناؤه بالأكل.

4- استدلوا بأنه لو كان أكل الخيل حلالاً لجازت الأضحية بها.

وأجاب المبيحون بأنه لا يلزم، فإن حيوان البر مأكول، ولم تشرع الأضحية به.

5- قالوا: إن وقوع أكل الخيل في الزمن النبوي كان نادراً، مما يدل على أن أكله كان مكروهاً على الأقل.

وأجاب المبيحون بمنع الملازمة، فقد يكون قلة أكلها لقلتها، أو لكثرة وشدة الحاجة إليها، أو أن الانتفاع بها كان أولى من أكلها.

6- استدلوا بحديث خالد بن الوليد المخرج في السنن أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى يوم خيبر عن لحوم الخيل.

ويجيب المبيحون بأنه شاذ منكر، لأن في سياقه أنه شهد خيبر، وهو خطأ، فإنه لم يسلم إلا بعدها على الصحيح، والذي جزم به الأكثر أن إسلامه كان سنة الفتح، وأعل أيضاً بأن في السند راوياً مجهولاً، وادعى أبو داود أن حديث خالد بن الوليد منسوخ، ولم يبين ناسخه -وكذا قال النسائي: الأحاديث في الإباحة أصح، وهذا إن صح كان منسوخاً، وكأنه لما تعارض عنده الخبران، ورأى في حديث خالد نهى وفي حديث جابر أذن حمل الإذن على نسخ التحريم.
قال الحافظ ابن حجر: وليس في لفظ رخص وأذن ما يتعين معه المصير إلى النسخ، بل الذي يظهر أن الحكم في الخيل والبغال والحمير كان على البراءة الأصلية، فلما نهاهم الشارع يوم خيبر عن الحمر والبغال، خشي أن يظنوا أن الخيل كذلك، لشبهها بها، فأذن في أكلها دون الحمير والبغال، والراجح أن الأشياء قبل بيان حكمها في الشرع لا توصف لا بحل ولا حرمة، فلا يثبت النسخ في هذا.
قال: ونقل الحازمي أيضاً تقرير النسخ بطريق أخرى، فقال: إن النهي عن أكل الخيل والحمير كان عاماً، من أجل أخذهم لها قبل القسمة والتخميس، ثم بين بندائه بأن لحوم الحمر رجس أن تحريمها لذاتها، وأن النهي عن الخيل إنما كان بسبب ترك القسمة خاصة.
قال الحافظ: ويعكر عليه أن الأمر بإكفاء القدور إنما كان بطبخهم فيها الحمر، لا الخيل، فلا يتم مراده.
قال: والحق أن حديث خالد -ولو سلم أنه ثابت- لا ينهض معارضاً لحديث جابر الدال على الجواز، وقد وافقه حديث أسماء [روايتنا السابعة عشرة] وقد ضعف حديث خالد أحمد والبخاري وموسى بن هارون والدارقطني والخطابي وابن عبد البر وعبد الحق وآخرون، وجمع بعضهم بين حديث جابر وخالد بأن حديث جابر دال على الجواز في الجملة، وحديث خالد دال على المنع في حالة دون حالة، لأن الخيل في خيبر كانت عزيزة، وكانوا محتاجين إليها للجهاد، فلا يعارض النهي المذكور، ولا يلزمه وصف أكل الخيل بالكراهة المطلقة، فضلاً عن التحريم.

7- ووجهوا الاستدلال بقوله تعالى { { والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة } } بأوجه:

أ- أن اللام للتعليل، فدل على أنها لم تخلق لغير ذلك، لأن العلة المنصوصة تفيد الحصر، فإباحة أكلها تقتضي خلاف ظاهر الآية.

ويجيب المبيحون بأننا لو سلمنا أن اللام للتعليل لم نسلم إفادة الحصر في الركوب والزينة، فإنه ينتفع بالخيل في غيرها، وفي غير الأكل اتفاقاً، وإنما ذكر الركوب والزينة لكونهما أغلب ما تطلب له الخيل.

ب- عطف البغال والحمير على الخيل، فدل على اشتراكها معها في حكم التحريم، فيحتاج من أفرد حكمها عن حكم ما عطفت عليه إلى دليل.

ويجيب المبيحون بأن دلالة العطف إنما هي دلالة اقتران، وهي ضعيفة.

ج- أن الآية سيقت مساق الامتنان، فلو كانت ينتفع بها في الأكل، لكان الامتنان به أعظم، لأنه يتعلق به بقاء البنية بغير واسطة، والحكيم لا يمتن بأدنى النعم، ويترك أعلاها، ولا سيما وقد وقع الامتنان بالأكل في المذكورات قبلها.

ويجيب المبيحون بأن الامتنان إنما قصد به غالباً ما كان يقع به انتفاعهم بالخيل، فخوطبوا بما ألفوا وعرفوا، ولم يكونوا يعرفون أكل الخيل، لعزتها في بلادهم، بخلاف الأنعام، فإن أكثر انتفاعهم بها كان لحمل الأثقال وللأكل، فاقتصر في كل من الصنفين على الامتنان بأغلب ما ينتفع به، فلو لزم من ذلك الحصر في هذا الشق للزم مثله في الشق الآخر.

8- أعل بعض الحنفية حديث جابر، بما نقله عن ابن إسحق أنه لم يشهد خيبر، وأجاب الحافظ ابن حجر بأن ذلك ليس بعلة، لأن غايته أن يكون مرسل صحابي.

9- زعم بعضهم أن حديث أسماء [روايتنا السابعة عشرة] ليس فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم اطلع على ذلك.

ويجيب المبيحون بأن لفظ رواية الدارقطني فأكلناه نحن وأهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مما يفيد علم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومع أن ذلك لو لم يرد لم يظن بآل أبي بكر أنهم يقدمون على فعل شيء في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، إلا وعندهم العلم بجوازه، لشدة اختلاطهم بالنبي صلى الله عليه وسلم، وعدم مفارقتهم له، هذا مع توفر داعية الصحابة إلى سؤاله عن الأحكام، ومن ثم كان الراجح أن الصحابي إذا قال: كنا نفعل كذا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم كان له حكم الرفع، لأن الظاهر اطلاع النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك وتقريره، وإذا كان ذلك في مطلق الصحابي، فكيف بآل أبي بكر الصديق؟

أما لحوم الحمر الأهلية فقال النووي: اختلف العلماء في المسألة، فقال الجماهير من الصحابة والتابعين ومن بعدهم بتحريم لحومها، لهذه الأحاديث الصحيحة الصريحة، وقال ابن عباس: ليست بحرام، وعن مالك ثلاث روايات: أشهرها أنها مكروهة كراهية تنزيه شديدة، والثانية أنها حرام، والثالثة أنها مباحة، والصواب التحريم، كما قاله الجماهير، للأحاديث الصريحة.

قال: وأما الحديث المذكور في سنن أبي داود عن غالب بن أبجر قال: أصابتنا سنة، فلم يكن في مالي شيء، أطعم أهلي، إلا شيء من حمر، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حرم لحوم الحمر الأهلية، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله، أصابتنا السنة، فلم يكن في مالي ما أطعم أهلي إلا سمان حمر، وإنك حرمت لحوم الحمر الأهلية؟ فقال: أطعم أهلك من سمين حمرك، فإنما حرمتها من أجل جوال القرية يعني بالجوال التي تأكل الجلة، وهي العذرة.

قال النووي: فهذا الحديث مضطرب، مختلف الإسناد شديد الاختلاف، ولو صح حمل على الأكل منها في حال الاضطرار.

وروى البخاري عن عمرو بن دينار قال: قلت لجابر بن زيد أبي الشعثاء: يزعمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن حمر الأهلية؟ فقال: قد كان يقول ذلك الحكم بن عمرو الغفاري عندنا بالبصرة، ولكن أبى ذلك البحر ابن عباس، وقرأ { { قل لا أجد في ما أوحي إلي محرماً....
}
}
وفي رواية ابن مردويه وصححه الحاكم عن ابن عباس، قال: كان أهل الجاهلية يأكلون أشياء، ويتركون أشياء تقذراً، فبعث الله نبيه، وأنزل كتابه، وأحل حلاله، وحرم حرامه، فما أحل فيه فهو حلال، وما حرم فيه فهو حرام، وما سكت عنه فهو عفو، وتلا هذه الآية { { قل لا أجد في ما أوحي إلي محرماً....
}
}
إلى آخرها.

قال الحافظ ابن حجر: والاستدلال بهذه الآية للحل إنما يتم فيما لم يأت فيه نص عن النبي صلى الله عليه وسلم بتحريمه، وقد تواردت الأخبار بذلك، والتنصيص على التحريم مقدم على عموم التحليل، وعلى القياس، وقد ورد عن ابن عباس أنه توقف في النهي عن الحمر، هل كان لمعنى خاص؟ أو للتأبيد [روايتنا الحادية عشرة] وهذا التردد أصح من الخبر الذي جاء عنه بالجزم بالعلة المذكورة.
وقال الحافظ ابن حجر: وقد أزال احتمالات كونها لم تخمس، أو كانت جلالة، أو مخافة قلة الظهر حديث أنس [روايتنا الثالثة عشرة والرابعة عشرة] حيث جاء فيه فإنها رجس وكذا الأمر بغسل الإناء في حديث سلمة [روايتنا الثانية عشرة] قال القرطبي: قوله فإنها رجس ظاهر في عود الضمير على الحمر، لأنها المتحدث عنها، المأمور بإكفائها من القدور وغسلها، وهذا حكم المتنجس، فيستفاد منه تحريم أكلها، وهو دال على تحريمها لعينها، لا لمعنى خارج، وقال ابن دقيق العيد: الأمر بإكفاء القدور ظاهر أنه سبب تحريم لحم الحمر، وقد وردت علل أخرى، إن صح رفع شيء منها وجب المصير إليه، لكن لا مانع أن يعلل الحكم بأكثر من علة، وحديث أبي ثعلبة [روايتنا الثانية] صريح في التحريم، فلا معدل عنه.

وأما التعليل بخشية قلة الظهر فأجاب عنه الطحاوي بالمعارضة بالخيل، فإن في حديث جابر [روايتنا الخامسة عشرة والسادسة عشرة] النهي عن الحمر، والإذن في الخيل، مقروناً، فلو كانت العلة لأجل الحمولة لكانت الخيل أولى بالمنع، لقلتها عندهم، وعزتها، وشدة حاجتهم إليها.

والجواب عن آية الأنعام { { قل لا أجد في ما أوحي إلي محرماً....
}
}
أنها مكية، وخبر التحريم متأخر جداً، فهو مقدم.

وأيضاً فنص الآية خبر عن الحكم الموجود عند نزولها، فإنه حينئذ لم يكن نزل في تحريم المأكول إلا ما ذكر فيها، وليس فيها ما يمنع أن ينزل بعد ذلك غير ما فيها، وقد نزل بعدها في المدينة أحكام بتحريم أشياء غير ما ذكر فيها، كالخمر، في آية المائدة، وفيها أيضاً تحريم ما أهل لغير الله به، والمنخنقة...إلخ، وكتحريم السباع والحشرات، قال النووي: قال بتحريم الحمر الأهلية أكثر العلماء من الصحابة والتابعين فمن بعدهم، ولم نجد عن أحد من الصحابة في ذلك خلافاً لهم إلا عن ابن عباس.

قال الحافظ ابن حجر: وأما الحديث الذي أخرجه الطبراني عن أم نصر المحاربية أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحمر الأهلية؟ فقال: أليس ترعى الكلأ؟ وتأكل الشجر؟ قال: نعم.
قال: فأصب من لحومها وأخرجه ابن أبي شيبة بسند آخر، لكن في السندين مقال، ولو ثبتا احتمل أن يكون قبل التحريم.
والله أعلم.

ويؤخذ من الأحاديث فوق ما تقدم

1- من الرواية الأولى تحريم نكاح المتعة، وقد سبق شرح أحاديثه وإيضاح أحكامه، في أوائل كتاب النكاح تحت باب نكاح المتعة.

2- ومن الرواية الثانية عشرة وجوب غسل ما أصابته النجاسة.

3- وأن الإناء المتنجس يطهر بغسله مرة واحدة، ولا يحتاج إلى سبع، إذا كانت غير نجاسة الكلب والخنزير وما تولد من أحدهما.
قال النووي: وهذا مذهبنا ومذهب الجمهور، وعند أحمد: يجب سبع في الجميع على أشهر الروايتين عنه، وموضع الدلالة أن النبي صلى الله عليه وسلم أطلق الأمر بالغسل، ويصدق ذلك على مرة، ولو وجبت الزيادة لبينها، فإن في المخاطبين من هو قريب العهد بالإسلام، ومن هنا معناه لا يفهم من الأمر بالغسل إلا مقتضاه عند الإطلاق، وهو مرة.

4- وأنه إذا غسل الإناء المتنجس فلا بأس باستعماله، وأما أمره صلى الله عليه وسلم أولا بكسر القدور فيحتمل أنه كان بوحي، أو باجتهاد، ثم نسخ، وتعين الغسل، قال النووي: ولا يجوز اليوم الكسر، لأنه إتلاف مال، وقد سبق قريباً توضيح حكم استعمال آنية الكفار في أول باب من كتاب الصيد.

5- وفي الحديث أن الذكاة لا تطهر ما لا يحل أكله.

6- وأن الأصل في الأشياء الإباحة، لكون الصحابة أقدموا على ذبحها وطبخها، كسائر الحيوان من قبل أن يستأمروا، مع توفر دواعيهم على السؤال عما يشكل.

7- وأنه ينبغي لأمير الجيش تفقد أحوال رعيته، ومن رآه فعل ما لا يسوغ في الشرع أشاع منعه، إما بنفسه كأن يخاطبهم، وإما بغيره، بأن يأمر منادياً فينادي، لئلا يغتر به من رآه، فيظنه جائزاً.

8- ومن الرواية السادسة عشرة أن حمر الوحش حلال لحمها.

9- عن قوله في الرواية السابعة عشرة نحرنا فرساً مع رواية البخاري ذبحنا فرساً قال النووي: يجوز ذبح المنحور، ونحر المذبوح، وهو مجمع عليه، وإن كان فاعله مخالفاً الأفضل، قال: ويجمع بين الروايتين بأنهما قضيتان، فمرة نحروها، ومرة ذبحوها، ويجوز أن تكون قضية واحدة، ويكون أحد اللفظين مجازاً، والصحيح الأول، لأنه لا يصار إلى المجاز إلا إذا تعذرت الحقيقة، والحقيقة غير متعذرة، بل في الحمل على الحقيقة فائدة مهمة، كما سبق.

والله أعلم