4203 حَدَّثَنِي نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَهْضَمِيُّ ، حَدَّثَنِي أَبِي ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سُلَيْمَانَ ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ ، قَالَ : جَاءَنَا جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ فِي أَهْلِنَا ، وَرَجُلٌ يَشْتَكِي خُرَاجًا بِهِ أَوْ جِرَاحًا ، فَقَالَ : مَا تَشْتَكِي ؟ قَالَ : خُرَاجٌ بِي قَدْ شَقَّ عَلَيَّ ، فَقَالَ : يَا غُلَامُ ائْتِنِي بِحَجَّامٍ ، فَقَالَ لَهُ : مَا تَصْنَعُ بِالْحَجَّامِ ؟ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : أُرِيدُ أَنْ أُعَلِّقَ فِيهِ مِحْجَمًا ، قَالَ : وَاللَّهِ إِنَّ الذُّبَابَ لَيُصِيبُنِي ، أَوْ يُصِيبُنِي الثَّوْبُ ، فَيُؤْذِينِي وَيَشُقُّ عَلَيَّ ، فَلَمَّا رَأَى تَبَرُّمَهُ مِنْ ذَلِكَ قَالَ : إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : إِنْ كَانَ فِي شَيْءٍ مِنْ أَدْوِيَتِكُمْ خَيْرٌ ، فَفِي شَرْطَةِ مِحْجَمٍ ، أَوْ شَرْبَةٍ مِنْ عَسَلٍ ، أَوْ لَذْعَةٍ بِنَارٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَمَا أُحِبُّ أَنْ أَكْتَوِيَ قَالَ فَجَاءَ بِحَجَّامٍ فَشَرَطَهُ ، فَذَهَبَ عَنْهُ مَا يَجِدُ |
4203 حدثني نصر بن علي الجهضمي ، حدثني أبي ، حدثنا عبد الرحمن بن سليمان ، عن عاصم بن عمر بن قتادة ، قال : جاءنا جابر بن عبد الله في أهلنا ، ورجل يشتكي خراجا به أو جراحا ، فقال : ما تشتكي ؟ قال : خراج بي قد شق علي ، فقال : يا غلام ائتني بحجام ، فقال له : ما تصنع بالحجام ؟ يا أبا عبد الله قال : أريد أن أعلق فيه محجما ، قال : والله إن الذباب ليصيبني ، أو يصيبني الثوب ، فيؤذيني ويشق علي ، فلما رأى تبرمه من ذلك قال : إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إن كان في شيء من أدويتكم خير ، ففي شرطة محجم ، أو شربة من عسل ، أو لذعة بنار قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : وما أحب أن أكتوي قال فجاء بحجام فشرطه ، فذهب عنه ما يجد |
Jabir reported that he visited Muqanna' and then said:
I will not go away unless you get yourself cupped, for I heard Allah's Messenger (ﷺ) say: It is a remedy.
شرح الحديث من شرح النووى على مسلم
[ سـ :4203 ... بـ :2205]
حَدَّثَنِي نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَهْضَمِيُّ حَدَّثَنِي أَبِي حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ قَالَ جَاءَنَا جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ فِي أَهْلِنَا وَرَجُلٌ يَشْتَكِي خُرَاجًا بِهِ أَوْ جِرَاحًا فَقَالَ مَا تَشْتَكِي قَالَ خُرَاجٌ بِي قَدْ شَقَّ عَلَيَّ فَقَالَ يَا غُلَامُ ائْتِنِي بِحَجَّامٍ فَقَالَ لَهُ مَا تَصْنَعُ بِالْحَجَّامِ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ قَالَ أُرِيدُ أَنْ أُعَلِّقَ فِيهِ مِحْجَمًا قَالَ وَاللَّهِ إِنَّ الذُّبَابَ لَيُصِيبُنِي أَوْ يُصِيبُنِي الثَّوْبُ فَيُؤْذِينِي وَيَشُقُّ عَلَيَّ فَلَمَّا رَأَى تَبَرُّمَهُ مِنْ ذَلِكَ قَالَ إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِنْ كَانَ فِي شَيْءٍ مِنْ أَدْوِيَتِكُمْ خَيْرٌ فَفِي شَرْطَةِ مِحْجَمٍ أَوْ شَرْبَةٍ مِنْ عَسَلٍ أَوْ لَذْعَةٍ بِنَارٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا أُحِبُّ أَنْ أَكْتَوِيَ قَالَ فَجَاءَ بِحَجَّامٍ فَشَرَطَهُ فَذَهَبَ عَنْهُ مَا يَجِدُ
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنْ كَانَ فِي شَيْءٍ مِنْ أَدْوِيَتِكُمْ خَيْرٌ فَفِي شَرْطَةِ مِحْجَمٍ أَوْ شَرْبَةٍ مِنْ عَسَلٍ أَوْ لَذْعَةٍ بِنَارٍ ) .
فَهَذَا مِنْ بَدِيعِ الطِّبِّ عِنْدَ أَهْلِهِ ، لِأَنَّ الْأَمْرَاضَ الْامْتِلَائِيَّةَ دَمَوِيَّةٌ ، أَوْ صَفْرَاوِيَّةٌ ، أَوْ سَوْدَاوِيَّةٌ ، أَوْ بَلْغَمِيَّةٌ ، فَإِنْ كَانَتْ دَمَوِيَّةً فَشِفَاؤُهَا إِخْرَاجُ الدَّمِ ، وَإِنْ كَانَتْ مِنَ الثَّلَاثَةِ الْبَاقِيَةِ فَشِفَاؤُهَا بِالْإِسْهَالِ بِالْمُسَهِّلِ اللَّائِقِ لِكُلِّ خَلْطٍ مِنْهَا ، فَكَأَنَّهُ نَبَّهَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْعَسَلِ عَلَى الْمُسَهِّلَاتِ ، وَبِالْحِجَامَةِ عَلَى إِخْرَاجِ الدَّمِ بِهَا ، وَبِالْفَصْدِ ، وَوَضْعِ الْعَلَقِ ، وَغَيْرِهَا مِمَّا فِي مَعْنَاهَا ، وَذَكَرَ الْكَيَّ لِأَنَّهُ يُسْتَعْمَلُ عِنْدَ عَدَمِ نَفْعِ الْأَدْوِيَةِ الْمَشْرُوبَةِ وَنَحْوِهَا ، فَآخِرُ الطِّبِّ الْكَيُّ .
وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَا أُحِبُّ أَنْ أَكْتَوِيَ ) إِشَارَةٌ إِلَى تَأْخِيرِ الْعِلَاجِ بِالْكَيِّ حَتَّى يَضْطَرَّ إِلَيْهِ ، لِمَا فِيهِ مِنَ اسْتِعْمَالِ الْأَلَمِ الشَّدِيدِ فِي دَفْعِ أَلَمٍ قَدْ يَكُونُ أَضْعَفَ مِنْ أَلَمِ الْكَيِّ .
أَمَّا مَا اعْتَرَضَ بِهِ الْمُلْحِدُ الْمَذْكُورُ فَنَقُولُ فِي إِبْطَالِهِ : إِنَّ عِلْمَ الطِّبِّ مِنْ أَكْثَرِ الْعُلُومِ احْتِيَاجًا إِلَى التَّفْصِيلِ ، حَتَّى إِنَّ الْمَرِيضَ يَكُونُ الشَّيْءُ دَوَاءَهُ فِي سَاعَةٍ ، ثُمَّ يَصِيرُ دَاءً لَهُ فِي السَّاعَةِ الَّتِي تَلِيهَا بِعَارِضٍ يَعْرِضُ مِنْ غَضَبٍ يَحْمِي مِزَاجَهُ ، فَيُغَيِّرُ عِلَاجَهُ ، أَوْ هَوَاءٍ يَتَغَيَّرُ ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا لَا تُحْصَى كَثْرَتُهُ .
فَإِذَا وُجِدَ الشِّفَاءُ بِشَيْءٍ فِي حَالَةٍ بِالشَّخْصِ لَمْ يَلْزَمْ مِنْهُ الشِّفَاءُ بِهِ فِي سَائِرِ الْأَحْوَالِ وَجَمِيعِ الْأَشْخَاصِ .
وَالْأَطِبَّاءُ مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّ الْمَرَضَ الْوَاحِدَ يَخْتَلِفُ عِلَاجُهُ بِاخْتِلَافِ السِّنِّ وَالزَّمَانِ وَالْغِذَاءِ وَالْعَادَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ ، وَالتَّدْبِيرِ الْمَأْلُوفِ ، وَقُوَّةِ الطِّبَاعِ .
فَإِذَا عَرَفْتَ مَا ذَكَرْنَاهُ فَاعْلَمْ أَنَّ الْإِسْهَالَ يَحْصُلُ مِنْ أَنْوَاعٍ كَثِيرَةٍ مِنْهَا الْإِسْهَالُ الْحَادِثُ مِنَ التُّخَمِ وَالْهَيْضَاتِ ، وَقَدْ أَجْمَعَ الْأَطِبَّاءُ فِي مِثْلِ هَذَا عَلَى أَنَّ عِلَاجَهُ بِأَنْ يَتْرُكَ الطَّبِيعَةَ وَفِعْلَهَا ، وَإِنِ احْتَاجَتْ إِلَى مُعِينٍ عَلَى الْإِسْهَالِ أُعِينَتْ مَا دَامَتِ الْقُوَّةُ بَاقِيَةً ، فَأَمَّا حَبْسُهَا فَضَرَرٌ عِنْدَهُمْ ، وَاسْتِعْجَالُ مَرَضٍ ، فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْإِسْهَالُ لِلشَّخْصِ الْمَذْكُورِ فِي الْحَدِيثِ أَصَابَهُ مِنَ امْتِلَاءٍ أَوْ هَيْضَةٍ فَدَوَاؤُهُ تَرْكُ إِسْهَالِهِ عَلَى مَا هُوَ ، أَوْ تَقْوِيَتُهُ .
فَأَمْرُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشُرْبِ الْعَسَلِ فَرَآهُ إِسْهَالًا .
فَزَادَهُ عَسَلًا إِلَى أَنْ فَنِيَتِ الْمَادَّةُ فَوَقَفَ الْإِسْهَالُ ، وَيَكُونُ الْخَلْطُ الَّذِي كَانَ يُوَافِقُهُ شُرْبُ الْعَسَلِ ، فَثَبَتَ بِمَا ذَكَرْنَاهُ أَنَّ الْعَسَلَ جَارٍ عَلَى صِنَاعَةِ الطِّبِّ ، وَأَنَّ الْمُعْتَرِضَ عَلَيْهِ جَاهِلٌ لَهَا ، وَلَسْنَا نَقْصِدُ الِاسْتِظْهَارَ لِتَصْدِيقِ الْحَدِيثِ بِقَوْلِ الْأَطِبَّاءِ ، بَلْ لَوْ كَذَّبُوهُ كَذَّبْنَاهُمْ وَكَفَّرْنَاهُمْ ، فَلَوْ أَوْجَدُوا الْمُشَاهَدَةَ بِصِحَّةِ دَعْوَاهُمْ تَأَوَّلْنَا كَلَامَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَئِذٍ ، وَخَرَّجْنَاهُ عَلَى مَا يَصِحُّ ، فَذَكَرْنَا هَذَا الْجَوَابَ وَمَا بَعْدَهُ عُدَّةً لِلْحَاجَةِ إِلَيْهِ إِنِ اعْتَضْدُوا بِمُشَاهَدَةٍ ، وَلِيَظْهَرَ بِهِ جَهْلُ الْمُعْتَرِضِ ، وَأَنَّهُ لَا يُحْسِنُ الصِّنَاعَةَ الَّتِي اعْتَرَضَ بِهَا وَانْتَسَبَ إِلَيْهَا .
وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي الْمَاءِ الْبَارِدِ لِلْمَحْمُومِ ؛ فَإِنَّ الْمُعْتَرِضَ يَقُولُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا لَمْ يَقُلْ ، فَإِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَقُلْ أَكْثَرَ مِنْ قَوْلِهِ : ( أَبْرِدُوهَا بِالْمَاءِ ) وَلَمْ يُبَيِّنْ صِفَتَهُ وَحَالَتَهُ وَالْأَطِبَّاءَ يُسَلِّمُونَ أَنَّ الْحُمَّى الصَّفْرَاوِيَّةَ يُبَرَّدُ صَاحِبُهَا بِسَقْيِ الْمَاءِ الْبَارِدِ الشَّدِيدِ الْبُرُودَةِ ، وَيَسْقُوهُ الثَّلْجَ ، وَيَغْسِلُونَ أَطْرَافَهُ بِالْمَاءِ الْبَارِدِ ، فَلَا يَبْعُدُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرَادَ هَذَا النَّوْعَ مِنَ الْحُمَّى وَالْعَسَلِ عَلَى نَحْوِ مَا قَالُوهُ ، وَقَدْ ذَكَرَ مُسْلِمٌ هُنَا فِي صَحِيحِهِ عَنْ أَسْمَاءَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا كَانَتْ تُؤْتَى بِالْمَرْأَةِ الْمَوْعُوكَةِ ، فَتَصُبُّ الْمَاءَ فِي جَيْبِهَا ، وَتَقُولُ : إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ( أَبْرِدُوهَا بِالْمَاءِ ) فَهَذِهِ أَسْمَاءُ رَاوِيَةُ الْحَدِيثِ ، وَقُرْبُهَا مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعْلُومٌ تَأَوَّلَتْ الْحَدِيثَ عَلَى نَحْوِ مَا قُلْنَاهُ ، فَلَمْ يَبْقَ لِلْمُلْحِدِ الْمُعْتَرِضِ إِلَّا اخْتِرَاعُهُ الْكَذِبَ وَاعْتِرَاضُهُ بِهِ ، فَلَا يُلْتَفَتْ إِلَيْهِ .
وَأَمَّا إِنْكَارُهُمُ الشِّفَاءَ مِنْ ذَاتِ الْجَنْبِ بِالْقُسْطِ فَبَاطِلٌ ؛ فَقَدْ قَالَ بَعْضُ قُدَمَاءِ الْأَطِبَّاءِ : إِنَّ ذَاتَ الْجَنْبِ إِذَا حَدَّثَتْ مِنَ الْبَلْغَمِ كَانَ الْقُسْطُ مِنْ عِلَاجِهَا ، وَقَدْ ذَكَرَ جَالِينُوسُ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ يَنْفَعُ مِنْ وَجَعِ الصَّدْرِ ، وَقَالَ بَعْضُ قُدَمَاءِ الْأَطِبَّاءِ : وَيُسْتَعْمَلُ حَيْثُ يُحْتَاجُ إِلَى إِسْخَانِ عُضْوٍ مِنَ الْأَعْضَاءِ ، وَحَيْثُ يُحْتَاجُ إِلَى أَنْ يَجْذِبَ الْخَلْطَ مِنْ بَاطِنِ الْبَدَنِ إِلَى ظَاهِرِهِ ، وَهَكَذَا قَالَهُ ابْنُ سِينَا وَغَيْرُهُ ، وَهَذَا يُبْطِلُ مَا زَعَمَهُ هَذَا الْمُعْتَرِضُ الْمُلْحِدُ .
وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( فِيهِ سَبْعَةُ أَشْفِيَةٍ ) فَقَدْ أَطْبَقَ الْأَطِبَّاءُ فِي كُتُبِهِمْ عَلَى أَنَّهُ يُدِرُّ الطَّمْثَ وَالْبَوْلَ ، وَيَنْفَعُ مِنَ السُّمُومِ ، وَيُحَرِّكُ شَهْوَةَ الْجِمَاعِ ، وَيَقْتُلُ الدُّودَ وَحُبَّ الْقَرْعِ فِي الْأَمْعَاءِ إِذَا شُرِبَ بِعَسَلٍ ، وَيُذْهِبُ الْكَلَفَ إِذَا طُلِيَ عَلَيْهِ ، وَيَنْفَعُ مِنْ بَرْدِ الْمَعِدَةِ وَالْكَبِدِ ، وَيَرُدُّهُمَا ، وَمِنْ حُمَّى الْوَرْدِ وَالرِّبْعِ ، وَغَيْرِ ذَلِكَ ، وَهُوَ صِنْفَانِ بَحْرِيٌّ وَهِنْدِيٌّ ، وَالْبَحْرِيُّ هُوَ الْقُسْطُ الْأَبْيَضُ ، وَهُوَ أَكْثَرُ مِنْ صِنْفَيْنِ ، وَنَصَّ بَعْضُهُمْ أَنَّ الْبَحْرِيَّ أَفْضَلُ مِنَ الْهِنْدِيِّ ، وَهُوَ أَقَلُّ حَرَارَةً مِنْهُ ، وَقِيلَ : هُمَا حَارَّانِ يَابِسَانِ فِي الدَّرَجَةِ الثَّالِثَةِ ، وَالْهِنْدِيُّ أَشَدُّ حَرًّا فِي الْجُزْءِ الثَّالِثِ مِنَ الْحَرَارَةِ .
وَقَالَ ابْنُ سِينَا : الْقُسْطُ حَارٌّ فِي الثَّالِثَةِ يَابِسٌ فِي الثَّانِيَةِ .
فَقَدِ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى هَذِهِ الْمَنَافِعِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فِي الْقُسْطِ ، فَصَارَ مَمْدُوحًا شَرْعًا وَطِبًّا ، وَإِنَّمَا عَدَدْنَا مَنَافِعَ الْقُسْطِ مِنْ كُتُبِ الْأَطِبَّاءِ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ مِنْهَا عَدَدًا مُجْمَلًا .
وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ فِي الْحَبَّةِ السَّوْدَاءِ شِفَاءٌ مِنْ كُلِّ دَاءٍ إِلَّا السَّامُ ) فَيُحْمَلُ أَيْضًا عَلَى الْعِلَلِ الْبَارِدَةِ عَلَى نَحْوِ مَا سَبَقَ فِي الْقُسْطِ ، وَهُوَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ يَصِفُ بِحَسَبِ مَا شَاهَدَهُ مِنْ غَالِبِ أَحْوَالِ أَصْحَابِهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ .
وَذَكَرَ الْقَاضِي عِيَاضٌ كَلَامَ الْمَازِرِيِّ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ ، ثُمَّ قَالَ : وَذَكَرَ الْأَطِبَّاءُ فِي مَنْفَعَةِ الْحَبَّةِ السَّوْدَاءِ الَّتِي هِيَ الشُّونِيزُ أَشْيَاءَ كَثِيرَةً ، وَخَوَاصَّ عَجِيبَةً ، يَصْدُقُهَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا ؛ فَذَكَرَ جَالِينُوسُ أَنَّهَا تَحِلُّ النَّفْخَ ، وَتُقِلُّ دِيدَانَ الْبَطْنِ إِذَا أُكِلَ أَوْ وُضِعَ عَلَى الْبَطْنِ ، وَتَنْفِي الزُّكَامَ إِذَا قُلِيَ وَصُرَّ فِي خِرْقَةٍ وَشُمَّ ، وَتُزِيلُ الْعِلَّةَ الَّتِي تَقَشَّرَ مِنْهَا الْجِلْدُ ، وَتُقَلِّعُ الثَّآلِيلَ الْمُتَعَلِّقَةَ وَالْمُنَكَّسَةَ وَالْخِيلَانَ ، وَتُدِرُّ الطَّمْثَ الْمُنْحَبِسَ إِذَا كَانَ انْحِبَاسُهُ مِنْ أَخْلَاطٍ غَلِيظَةٍ لَزِجَةٍ ، وَيَنْفَعُ الصُّدَاعَ إِذَا طُلِيَ بِهِ الْجَبِينُ ، وَتَقْلَعُ الْبُثُورَ وَالْجَرَبَ ، وَتُحَلِّلُ الْأَوْرَامَ الْبَلْغَمِيَّةَ إِذَا تُضُمِّدَ بِهِ مَعَ الْخَلِّ ، وَتَنْفَعُ مِنَ الْمَاءِ الْعَارِضِ فِي الْعَيْنِ إِذَا اسْتُعِطَ بِهِ مَسْحُوقًا بِدُهْنِ الْأَرَلْيَا ، وَتَنْفَعُ مِنَ انْتِصَابِ النَّفْسِ ، وَيُتَمَضْمَضُ بِهِ مِنْ وَجَعِ الْأَسْنَانِ ، وَتُدِرُّ الْبَوْلَ وَاللَّبَنَ ، وَتَنْفَعُ مِنْ نَهْشَةِ الرَّتِيلَا ، وَإِذَا بُخِّرَ بِهِ طَرَدَ الْهَوَامَّ .
قَالَ الْقَاضِي : وَقَالَ غَيْرُ جَالِينُوسَ ؛ خَاصِّيَّتُهُ إِذْهَابُ حُمَّى الْبَلْغَمِ وَالسَّوْدَاءِ ، وَتَقْتُلُ حَبَّ الْقَرْعِ ، وَإِذَا عُلِّقَ فِي عُنُقِ الْمَزْكُومِ نَفَعَهُ ، وَيَنْفَعُ مِنْ حُمَّى الرِّبْعِ .
قَالَ : وَلَا يَبْعُدُ مَنْفَعَةُ الْحَارِّ مِنْ أَدْوَاءٍ حَارَّةٍ بِخَوَاصَّ فِيهَا ، فَقَدْ نَجِدُ ذَلِكَ فِي أَدْوِيَةٍ كَثِيرَةٍ ، فَيَكُونُ الشُّونِيزُ مِنْهَا لِعُمُومِ الْحَدِيثِ ، وَيَكُونُ اسْتِعْمَالُهُ أَحْيَانًا مُنْفَرِدًا ، وَأَحْيَانًا مُرَكَّبًا .
قَالَ الْقَاضِي : وَفِي جُمْلَةِ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ مَا حَوَاهُ مِنْ عُلُومِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا ، وَصِحَّةِ عِلْمِ الطِّبِّ ، وَجَوَازِ التَّطَبُّبِ فِي الْجُمْلَةِ ، وَاسْتِحْبَابِهِ بِالْأُمُورِ الْمَذْكُورَةِ مِنَ الْحِجَامَةِ ، وَشُرْبِ الْأَدْوِيَةِ ، وَالسَّعُوطِ ، وَاللَّدُودِ ، وَقَطْعِ الْعُرُوقِ ، وَالرُّقَى .
قَالَ : قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَنْزَلَ الدَّوَاءَ الَّذِي أَنْزَلَ الدَّاءَ ) هَذَا إِعْلَامٌ لَهُمْ ، وَإِذْنٌ فِيهِ ، وَقَدْ يَكُونُ الْمُرَادُ بِإِنْزَالِهِ إِنْزَالَ الْمَلَائِكَةِ الْمُوَكَّلِينَ بِمُبَاشَرَةِ مَخْلُوقَاتِ الْأَرْضِ مِنْ دَاءٍ وَدَوَاءٍ .
وَذَكَرَ بَعْضُ الْأَطِبَّاءِ فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( شَرْطَةُ مِحْجَمٍ أَوْ شَرْبَةُ عَسَلٍ أَوْ لَذْعَةٌ بِنَارٍ ) أَنَّهُ إِشَارَةٌ إِلَى جَمِيعِ ضُرُوبِ الْمُعَافَاةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
قَوْلُهُ : ( إِنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ عَادَ الْمُقَنَّعَ ) هُوَ بِفَتْحِ الْقَافِ وَالنُّونِ الْمُشَدَّدَةِ .
قَوْلُهُ : ( يَشْتَكِي خُرَاجًا ) هُوَ بِضَمِّ الْخَاءِ وَتَخْفِيفِ الرَّاءِ .
قَوْلُهُ : ( أُعَلِّقُ فِيهِ مِحْجَمًا ) هُوَ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْجِيمِ ، وَهِيَ الْآلَةُ الَّتِي تَمُصُّ وَيُجْمَعُ بِهَا مَوْضِعُ الْحِجَامَةِ .
وَأَمَّا قَوْلُهُ : ( شَرْطَةُ مِحْجَمٍ ) فَالْمُرَادُ بِالْمِحْجَمِ هُنَا الْحَدِيدَةُ الَّتِي يُشْرَطُ بِهَا مَوْضِعُ الْحِجَامَةِ لِيَخْرُجَ الدَّمُ .
قَوْلُهُ : ( فَلَمَّا رَأَى تَبَرُّمَهُ ) أَيْ : تَضَجُّرَهُ وَسَآمَتَهُ مِنْهُ .