هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
4207 حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ ، حَدَّثَنَا أَبُو الزُّبَيْرِ ، عَنْ جَابِرٍ ، ح وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى ، أَخْبَرَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ ، عَنْ جَابِرٍ ، قَالَ : رُمِيَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ فِي أَكْحَلِهِ ، قَالَ : فَحَسَمَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ بِمِشْقَصٍ ، ثُمَّ وَرِمَتْ فَحَسَمَهُ الثَّانِيَةَ
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
4207 حدثنا أحمد بن يونس ، حدثنا زهير ، حدثنا أبو الزبير ، عن جابر ، ح وحدثنا يحيى بن يحيى ، أخبرنا أبو خيثمة ، عن أبي الزبير ، عن جابر ، قال : رمي سعد بن معاذ في أكحله ، قال : فحسمه النبي صلى الله عليه وسلم بيده بمشقص ، ثم ورمت فحسمه الثانية
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير، 

Jabir reported that Sa'd b. Mu'adh received a wound of the arrow in his vein. Allah's Messenger (ﷺ) cauterised it with a rod and it was swollen, to the Messenger of Allah (ﷺ) did it for the second time.

شرح الحديث من فـــتح المــــنعم

: : هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،   

عن جابر رضي الله عنه قال: رمي سعد بن معاذ في أكحله.
قال: فحسمه النبي صلى الله عليه وسلم بيده بمشقص ثم ورمت فحسمه الثانية.


المعنى العام

الإنسان ابن البيئة التي يعيش فيها، بل المخلوقات عامة تتأثر بالبيئة، وتطبع بطابع خاص بها، فذباب المناطق الحارة غيره في المناطق الباردة، وطيور المناطق الحارة غير طيور المناطق الباردة، وحيوانات المناطق الاستوائية غير حيوانات المناطق القطبية، وكذلك النباتات وكذلك الأمراض، فالميكروب والفيروس ابن بيئته أيضاً، والإنسان يتأقلم ويتكيف ويتفاعل مع مخلوقات بيئته، فهو يعيش أحياناً يحمل ميكروباً لا يمرض به بينما يموت غيره بهذا الميكروب في بيئة أخرى.

نزل آدم وحواء من الجنة إلى الأرض، فأخذا يغطيان عورتيهما بورق الشجر، وجاعا فأكلا من نبات الأرض حولهما، ثم من لحوم طير أو حيوان تيسر لهما، ألهم الله آدم طريقة الحياة كما علمه من قبل الأسماء كلها، فجاع وشبع، وعطش وشرب، وطهى طعامه على النار، والتقط فواكه من ثمار الشجر، ومرض فعالج نفسه بما تيسر له، وما ألهمه من نبات الأرض، وتبعه أبناؤه، يعتمدون على التجارب كثيراً، ويلهمون سبل الحياة أحياناً، وتتعلم الأجيال اللاحقة من الأجيال السابقة، ويترقى كل جيل على من سبقه بالعلم والخبرة، ويبني حضارة فوق حضارة، ويتغلب على مصاعب الحياة بأسلوب بعد أسلوب، حتى يصل إلى درجة عليا من العلم والطب والفن في بعض المناطق، كالفراعنة في مصر، والحضارات القديمة في الصين والهند ومأرب وغيرها.

لكن إرادة الله شاءت لأهل الأرض أطواراً، كحياة الإنسان نفسه، ضعف، ثم من بعد ضعف قوة، ثم من بعد قوة ضعفاً وشيبة، قامت الحضارات ثم ضعفت، ثم اندثرت، وجاء الإسلام في بيئة لم تشهد الحضارة منذ زمن بعيد، فكان طعام وشراب ولباس ومسكن وأمراض وأدوية هذه البيئة في صورة بدائية، بدوية، كانت الأمراض المعهودة ضغط الدم وفورانه، فعالجوه بشرطة محجم، تشق الجلد، فيسيل بعض الدم، في أي جزء من أجزاء الجسم، أو بفصد عرق لينزل منه قدر من الدم، ثم يحبس بتراب حصير محروق، أو بطحين بن محروق أو بتسخين حديدة على النار، ثم يكوى بها مكان القطع، فيتوقف الدم.
وكان من الأمراض المنتشرة الإسهال وآلام البطن، وعسر الهضم، فعالجوه بشرب العسل، وكان منها ذات الجنب والمغص الناشئ عن تجميع الغازات وعدم انصرافها، فعالجوه بالحبة السوداء أو الكمون أو الينسون، يغلي فيشرب ماؤه المنقوع، وكانت الجروح نتيجة المعارك وغيرها، تورم وتفسد، والدمل يخرج في الجسم ويتكاثر، فعالجوها بالرقى وبعض العقاقير وبالماء، وكان المريض كأي مريض يكره الدواء، ولا يستسيغه، كان يلد، يفتح فمه، على الرغم منه، ثم يصب الدواء المر أو الحامض في جانب من حلقه، ثم يدفع إلى الداخل بالملعقة أو الإصبع، فيبتلعه رغم أنفه، وكان مرضى التهاب الحلق واللوز، المعروف باسم الإنفلونزا، تتورم اللهاة، وتتقيح الغدة، وتلتهب وتحتقن فتحة الحلق، وتسد مداخل الأنف بالبلغم، فعالجوه بالسعوط، وإدخال الدواء من فتحتي الأنف إلى الحلق، وكانت العين والحسد والسموم والسحر، وعولجت بالرقى وغيرها، وسبقت في الباب السابق، وكانت الطيرة والطاعون والكهانة والعدوى والجذام، وسيأتي الكلام عنها في الأبواب اللاحقة.

أمراض في بيئة، علاجها المتوارث من البيئة، فما نصيب الرسالة المحمدية في هذه التركة؟ إن محمداً صلى الله عليه وسلم هو المستشار الوحيد فيما وما يجد، وقوله فصل لا مرد له، حتى في أمورهم الخاصة، عملاً بقوله تعالى { { فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً } } [النساء: 65] إن رؤياه وحي، وإلهامه وحي، وجبريل ينزل بين الحين والحين، وقد أوحي إليه أن الشاة التي مد يده إليها مسمومة، فرفع يده عنها، وأمر أصحابه بعدم تناولها، فهل يتصور أن يصف لمريض دواء يضره فلا يوحى إليه بدفع الضرر عن الناس الذين أشار عليهم به؟ لقد قال لهم: إن الله أنزل لكل داء دواء، فتداووا، أيها الناس، ولا تتداووا بمحرم وقال لهم: إن كان في أدويتكم خير -وشفاء- ففي شرطة محجم أو شربة عسل، أو لذعة بنار وأمر الحجام أن يحجم زوجته أم سلمة رضي الله عنها، وأمر أحد أصحابه أن يكوي جريحاً، وقام بنفسه بكي أحد الصحابة، وقال الحمى من فيح جهنم فأبردوها بالماء وقال: عليكم بالعود الهندي، فإن فيه سبعة أشفية، منها ذات الجنب، ويسعط به من العذرة، ويلد من ذات الجنب وقال: ما من داء إلا في الحبة السوداء منه شفاء وقال لأخي الرجل المبطون: اسقه عسلاًً، ثلاث مرات، ثم قال له صدق الله وكذب بطن أخيك.

لا يشك مؤمن في صدقه صلى الله عليه وسلم فيما قال، ولا يتصور مسلم أن يأمر صلى الله عليه وسلم بأمر به ضرر للأمة، ولا يتصور مسلم أن ينزل جبريل، فيقر خطأ محمد صلى الله عليه وسلم فيما أمر به الناس، ولكنها الأدوية المتاحة للأمراض الحاصلة، وما كان لينتظر بالمرض حتى تتطور العقاقير وأساليب العلاج، والرقى بالعمليات الجراحية، وإن ظروف الحكم وملابساته جزء من الحكم، لا تفترق عنه، ولو أننا اليوم -ومع هذا التطور- لو حكمت علينا الظروف بما حكمت على محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه لتداوينا بمثل دوائهم، ولا تقاس ظروف يسيرة على ظروف عسيرة، ولا يطعن اليوم على دواء كان هو المتاح بالأمس بحجة أنه لا يصلح اليوم، وإنما يسأل: هل كان هناك بالأمس أصلح مما وصف فلم يوصف؟ وهل حصل مما وصف ضرر كان بالإمكان تجنبه؟

نشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وهو الصادق الأمين.

المباحث العربية

( لكل داء دواء) الدواء بفتح الدال ممدود، وحكى جماعة فيه لغة بكسر الدال، قال القاضي: هي لغة الكلاميين، وهي شاذة.

والداء خروج الجسم عن المجرى الطبيعي، والمداواة رده إليه، وحفظ الصحة بقاؤه عليه، بإصلاح الأغذية والبعد عن أسباب المرض، ورده يكون بالموافق من الأدوية.

وهذا التعميم في لكل داء دواء باق على عمومه، ولا يقال: نجد كثيرين من المرضى يداوون، فلا يبرءون، فإنما ذلك لفقد العلم بحقيقة المداواة، لا لفقد الدواء، فدواء كل مرض موجود، لكنه قد يدق، ويخفى على الأطباء.

( فإذا أصيب دواء الداء برأ بإذن الله) أي إذا أصاب الدواء الداء نوعاً وكيفية وكمية وزماناً برأ الداء، ويحتمل برأ المريض، وهو وإن لم يسبق له ذكر، لكن دل عليه الداء والدواء، وفاعل الإصابة هو الله تعالى أي إذا جعل الله الدواء مصيباً الداء برأ بإذن الله وإرادته وتقديره، وما الدواء إلا سبب.

وفي البخاري ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء والمراد إنزال علم الشفاء للبشرية في الأرض، لكن يعلمه من يعلمه، ويجهله من يجهله، فعند النسائي وابن ماجه وصححه ابن حبان والحاكم ما أنزل الله داء، إلا أنزل له شفاء، علمه من علمه، وجهله من جهله وفي رواية زاد في أوله يا أيها الناس تداووا وعند أحمد إن الله حيث خلق الداء خلق الدواء فتداووا وعنده أيضاً تداووا يا عباد الله، فإن الله لم يضع داء، إلا وضع له شفاء، إلا داء واحداً الهرم أي ضعف الشيخوخة، نقص الصحة، فإن ذلك يقرب من الموت، ويفضي إليه، وفي رواية إلا السام والسام بتخفيف الميم الموت، أي المرض الذي قدر لصاحبه الموت منه، فلا دواء له، وفي رواية إن الله جعل لكل داء دواء، فتداووا، ولا تداووا بحرام.

( أنه عاد المقنع) بفتح القاف، وتشديد النون المفتوحة، وهو ابن سنان، تابعي، وفي الرواية الثالثة جاءنا جابر بن عبد الله في أهلنا أي في بيتنا، يعود مريضاً ورجل من أهلنا يشتكي خراجاً به، أو جراحاً الخراج بضم الخاء وفتح الراء مخففة معروف فقال له: ما تشتكي؟ قال: خراج بي، قد شق علي أي صعب على تحمل ألمه فقال: يا غلام نادى خادم المقنع، وقال له ائتني بحجام، فقال له المقنع ما تصنع بالحجام يا أبا عبد الله؟ قال: أريد أن أعلق فيه محجماً بكسر الميم وسكون الحاء وفتح الجيم، وهو الآلة التي تجرح أو التي تمص الدم، والإناء الذي يجمع فيه دم الحجامة، وضمير فيه للخراج.

( قال: والله إن الذباب ليصيبني، أو يصيبني الثوب، فيؤذيني، ويشق علي) ؟ أي فكيف أتحمل حجامة في هذا المكان؟

( ثم قال: لا أبرح حتى تحتجم، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن فيه شفاء) أي في الحجم شفاء، والحجم والحجامة بمعنى، وأصل الحجم المص، والمراد هنا شق الجلد، واستخراج الدم بالمص، أما الفصد فهو قطع العرق، وقطع وريد ليسيل منه الدم، وفي الرواية الثالثة فلما رأى تبرمه من ذلك أي تضجره وعدم رغبته في الحجامة قال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:.

( إن كان في شيء من أدويتكم خير) أي شفاء.

( ففي شرطة محجم) بكسر الميم وفتح الجيم، أي شرطة آلة الحجامة، وهذا قياس استثنائي متصل، حذفت منه الصغرى الاستثنائية، ومن المعلوم أن إثبات المقدم يلزمه إثبات التالي، وصورته:

إن كان في شيء من أدويتكم شفاء ففي شرطة محجم شفاء، لكن في بعض أدويتكم شفاء إذن في شرطة محجم شفاء.

( أو شربة عسل) نحل، وشربة بفتح الشين اسم مرة.

( أو لذعة بنار) أي كي، واللذع بالذال والعين الخفيف من حرق النار، أما اللدغ بالدال والغين، فهو الضرب أو العض من ذات السم، والكي بالأشعة في أيامنا يقوم مقام الحديدة المحمية في النار، آلة الكي آنذاك.

( وما أحب أن أكتوي) لما في الكي من الألم الشديد، فيؤخر العلاج به، لذا قيل: آخر الدواء الكي.

( فأمر أبا طيبة أن يحجمها) بفتح الطاء وسكون الياء.

( قال: حسبت أنه قال: كان أخاها من الرضاعة، أو غلاماً لم يحتلم) أي يقول أبو الزبير الراوي عن جابر، أظن أن جابراً علل كشف الحجام لها بأنه كان أخاها من الرضاع، أو كان صغيراً لم يحتلم، ويحتمل أن ذلك كان قبل نزول الحجاب.

( بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي بن كعب طبيباً، فقطع منه عرقاً، ثم كواه عليه) في الرواية السادسة رمي أبي يوم الأحزاب على أكحله، فكواه رسول الله صلى الله عليه وسلم أي أمر الطبيب بكيه، والمراد من الطبيب الحاذق في أمور العلاج، حسب فهمهم وقدراتهم.

وأبي في الرواية السادسة بضم الهمزة وفتح الباء وتشديد الياء، قال النووي: وهكذا صوابه، وكذا هو في الروايات والنسخ، وهو أبي بن كعب، المذكور في الرواية التي قبل هذه، وصحفه بعضهم فقال: بفتح الهمزة وكسر الباء وتخفيف الياء، وهو غلط فاحش، لأن أبا جابر استشهد يوم أحد، قبل الأحزاب بأكثر من سنة، قال: وأما الأكحل فهو عرق معروف، قال الخليل: هو عرق الحياة، ويقال: هو نهر الحياة، ففي كل عضو منه شعبة، وله فيها اسم منفرد، فإذا قطع في اليد لم يرقأ الدم، وقال غيره: هو عرق واحد، يقال له في اليد: الأكحل، وفي الفخذ النسا، وفي الظهر الأبهر.
اهـ وفي المعجم الوسيط: الأكحل وريد في وسط الذراع، يفصد أو يحقن.
اهـ والمعنى أن أبي بن كعب أصابته رماية بسهم من المشركين في وريد يده، فكتم الدم من غير نظافة، فذهب إلى الطبيب ففصد العرق من جديد، ونظف الجرح وكواه، والكي يقطع سيلان الدم.

( رمى سعد بن معاذ في أكحله) يوم الخندق، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يضرب له فسطاط في المسجد، وكان يعوده في كل يوم، ومات من جرحه بعد شهر من الخندق، وبعد يوم واحد من بني قريظة، فقال صلى الله عليه وسلم اهتز عرش الرحمن لموت سعد بن معاذ.

يقال: رمي على أكحله كما في الرواية السادسة، أي استعلى السهم وتمكن من العرق، ورمي في أكحله إذا قصد دخول السهم في العرق.

( فحسمه النبي صلى الله عليه وسلم بيده) أي فكواه، ليقطع دمه، والحسم في الأصل القطع.

( بمشقص) أي بسهم ذي نصل عريض، حماه في النار، ثم كواه به.

( ثم ورمت) أي الجراحة.

( فحسمه الثانية) أي فكواه المرة الثانية، وخرج صلى الله عليه وسلم إلى بني قريظة، وفي رواية فانتفخت يده، ونزفه الدم، فلما رأى ذلك قال: اللهم لا تخرج نفسي، حتى تقر عيني في بني قريظة، فاستمسك عرقه، فما قطرت قطرة، حتى نزل بنو قريظة على حكمه.

( واستعط) بسكون السين وفتح التاء والعين، أي استعمل السعوط، قال الحافظ ابن حجر: وهو أن يستلقي على ظهره، ويجعل بين كتفيه ما يرفعهما، لينحدر رأسه، ويقطر في أنفه ماء، أو دهن فيه دواء مفرد أو مركب، ليتمكن بذلك من الوصول إلى دماغه، لاستخراج ما فيه من الداء بالعطاس.
اهـ

أقول: وليست هذه الكيفية بمتعينة، فقد رأينا أناساً يأخذون السعوط بين السبابة والإبهام، فيسدون بهما فتحتي الأنف، ويستنشقون بقوة، والسعوط قد يكون دواء، يدخل في الأنف، وقد يكون طحين التبغ، يوضع في الأنف، وهو المعروف بالنشوق، وسيأتي في الرواية التاسعة عشرة أنه كان يسعط بالعود الهندي من العذرة.

( الحمى من فيح جهنم فأبردوها بالماء) فيح جهنم بفتح الفاء وسكون الياء، وفي رواية من فوح جهنم بالواو، وفي روايتنا السادسة عشرة والسابعة عشرة من فور جهنم وكلها بمعنى واحد، والمراد سطوع حرها ووهجه، واختلف في نسبتها إلى جهنم، فقيل: حقيقة، واللهب والحرارة الحاصلة في جسم المحموم قطعة من جهنم، وقدر الله ظهورها بأسباب تقتضيها، ليعتبر العباد بذلك، كما أن أنواع الفرح واللذة من نعيم الجنة، أظهرها في هذه الدار عبرة ودلالة، وفي رواية الحمى حظ المؤمن من النار قال الحافظ ابن حجر: وهذا كما تقدم في حديث الأمر، بالإبراد بصلاة الظهر، من أن شدة الحر من فيح جهنم، وأن الله أذن لها بنفسين.

وقيل: الحديث هنا ورد مورد التشبيه، والمعنى أن حرارة الحمى شبيهة بحرارة جهنم، تنبيهاً للنفوس على شدة حر جهنم.
اهـ

قال النووي: وأما ابردوها، في فابردوها بالماء فبهمزة وصل، وبضم الراء، يقال: بردت الحمى، أبردها، برداً، على وزن قتلتها أقتلها قتلاً، أي أسكنت حرارتها، كما قال في الرواية الأخرى فأطفئوها بالماء قال: وهذا الذي ذكرناه، من كونه بهمزة وصل وضم الراء، هو الصحيح الفصيح المشهور في الروايات وكتب اللغة وغيرها، وحكى القاضي عياض في المشارق: أنه يقال بهمزة قطع وكسر الراء في لغة قد حكاها الجوهري، قال: وهي لغة رديئة.
اهـ وفي رواية عند ابن ماجه بالماء البارد وفي رواية بماء زمزم.

( كانت تؤتى بالمرأة الموعوكة) أي المحمومة، والوعكة المرضة، ووعكة الحمى، يقال: وعك المرض فلاناً، أذاه وأوجعه، ووعكته الحمى، آلمته.

( فتدعو بالماء، فتصبه في جيبها) جيب القميص والجلباب الفتحة التي يدخل منه الرأس عند لبسه، والجمع جيوب وأجياب، وفي القرآن الكريم ( وليضربن بخمرهن على جيوبهن) [النور: 31] فالمعنى فتصب الماء من فتحة قميصها على صدرها، وفي ملحق الرواية صبت الماء بينها وبين جيبها أي بين جسد الموعوكة وبين فتحة قميصها، ولا يعرف لهذا الوضع من حكمة، ولعله من قبيل النشرة، التي سبق الكلام عنها قريباً.

( لددنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه) الذي مات فيه، واللدود بفتح اللام هو الدواء الذي يصب في أحد جانبي فم المريض بغير اختياره، واللدود بالضم الفعل، أي صب الدواء في جانب فم المريض، أو إدخال إصبع في فمه لدفع الدواء، يقال: لددت المريض، وألده، وحكى الجوهري، أيضاً ألددته، رباعياً.

ووقع عند الطبراني أنهم أذابوا قسطاً بزيت، فلدوه به والقسط العود الهندي وسيأتي قريباً.

( فأشار أن لا تلدوني) أن لا تلدوني تفسير للإشارة، وعند البخاري فجعل يشير إلينا أن لا تلدوني.

( فقلنا: كراهية المريض للدواء) قال عياض: ضبطناه بالرفع، أي هذا منه كراهية، وقال أبو البقاء: هو خبر مبتدأ محذوف، أي هذا الامتناع كراهية، ويحتمل النصب على أنه مفعول له، أي نهانا لكراهية الدواء، ويحتمل أن يكون مصدراً، أي كرهه كراهية الدواء، قال عياض: والرفع أوجه من النصب على المصدر.

( فلما أفاق) من شدة الألم، ومن غيبوبته التي أعقبت اللدود.

( لا يبقى أحد منكم إلا لد) خبر في معنى الأمر، أي لدوا أنفسكم جميعاً، وفي رواية البخاري لا يبقى أحد في البيت إلا لد وأنا أنظر أراد بذلك تأديبهم، لئلا يعودوا، وقد جاءت روايات تعين بعض من كن في البيت، فعند ابن سعد كانت تأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الخاصرة فاشتدت به، فأغمي عليه، فلددناه، فلما أفاق قال: هذا من فعل نساء جئن من هنا -وأشار إلى الحبشة....
والله لا يبقى أحد في البيت إلا لد، ولددنا ميمونة، وهي صائمة، وفي رواية أن أم سلمة وأسماء بنت عميس أشارتا بأن يلدده.

( غير العباس، فإنه لم يشهدكم) أي فكان العباس حاضراً ساعة أن أمر صلى الله عليه وسلم باللدود ولم يكن موجوداً ساعة اللدود.

( دخلت بابن لي على رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يأكل الطعام....
قالت: ودخلت عليه بابن لي، قد أعلقت عليه من العذرة)
هو ابن واحد، ودخول واحد، والعبارة توهم أنهما ابنان، وكان حقها أن تقول: دخلت عليه به وقد أعلقت عليه من العذرة، والعذرة بضم العين وسكون الذال هو وجع الحلق، وهو الذي يسمى سقوط اللهاة، وقيل: هو اسم اللهاة، والمراد وجعها، سمي باسمها، وقيل: العذرة موضع قريب من اللهاة، واللهاة بفتح اللام اللحمة البارزة التي في أقصى الحلق، وقد يلتهب هذا المكان ويحتقن بالدم، أو تخرج به قرحة عند الصبيان غالباً، وعادة النساء في معالجة العذرة أن تأخذ المرأة خرقة فتفتلها فتلاً شديداً، وندخلها في أنف الصبي، وتطعن ذلك الموضع، فينفجر منه دم أسود، وذلك الطعن يسمى دغراً، بفتح الدال وسكون الغين، وغدراً، وغمزاً.

قال النووي: وأما قولها أعلقت عليه من العذرة هكذا هو في جميع نسخ مسلم عليه ووقع في صحيح البخاري فأعلقت عليه كما هنا، وفي رواية له أعلقت عنه بالنون، وهذا هو المعروف عند أهل اللغة، قال الخطابي: المحدثون يروونه أعلقت عليه والصواب عنه وكذا قاله غيره، وحكاهما بعضهم لغتين، أعلقت عنه وعليه، ومعناه عالجت وجع لهاته بإصبعي.

( علام تدغرون أولادكن بهذا العلاق) بفتح التاء والغين، بينهما دال ساكنة، والراء ساكنة، والخطاب للنسوة، قال النووي: العلاق بفتح العين، وفي الرواية العشرين، بهذا الإعلاق وهو الأشهر عند أهل اللغة، حتى زعم بعضهم أنه الصواب، وأن العلاق لا يجوز، قالوا: والإعلاق مصدر أعلقت عنه، ومعناه أزلت عنه العلوق، وهي الآفة والداهية، والأعلاق هو معالجة عذرة الصبي، قال ابن الأثير: ويجوز أن يكون العلاق هو الاسم منه.
اهـ

والمعنى لماذا تغمزن حلق الصبي؟ وتفجرن دم لهاته؟ وفي الرواية العشرين علامه قال النووي: هكذا هو في جميع النسخ علامه وهي هاء السكت، ثبتت هنا في الدرج.

( عليكن بهذا العود الهندي) في الرواية العشرين عليكم والعود الهندي يقال له: القسط والكست، أي بالقاف المضمومة والطاء، أو بالكاف المضمومة والتاء، لقرب كل من المخرجين بالآخر، والعرب تقول: كافور وقافور، وكشط وقشط، وعند أحمد وأصحاب السنن أيما امرأة أصابت ولدها عذرة، أو وجع في رأسه، فلتأخذ قسطاً هندياً، فتحكمه بماء، ثم تسعطه إياه وعند البخاري إن أمثل ما تداويتم به الحجامة والقسط البحري، وقال: لا تعذبوا صبيانكم بالغمز من العذرة، وعليكم بالقسط والقسط صنفان، بحري وهندي، والبحري هو القسط الأبيض، وهو أكثر من صنفين، ونص بعضهم أن البحري أفضل من الهندي، وهو أقل حرارة منه، وقيل هما حاران يابسان في الدرجة الثالثة، والهندي أشد حراً في الجزء الثالث من الحرارة.
وهو معروف عند العطارين.

( فإن فيه سبعة أشفية) السبعة كناية عن الكثرة في الآحاد، وحاول النووي: أن يجمعها من كتب الطب، فذكر أنه يدر الطمث والبول، وينفع من السموم، ويحرك شهوة الجماع، ويقتل الدود وحب القرع في الأمعاء، إذا شرب بعسل، ويذهب الكلف إذا طلي عليه، وينفع من برد المعدة والكبد، وغير ذلك، وقال: اتفق العلماء على هذه المنافع التي ذكرناها في القسط، فصار ممدوحاً شرعاً وطباً.

( منها ذات الجنب) ذات الجنب تطلق بإزاء مرضين، أحدهما ورم حار، يعرض في الغشاء المستبطن، ويحتمل أنه المعروف بالزائدة -والآخر ريح محتقن بين الأضلاع، وبين الصفافات والعضل، فتحدث ألماً ووجعاً، ويحدث بسببه خمسة أعراض: الحمى والسعال والنخس وضيق النفس والنبض المنشاري ويقال لذات الجنب أيضاً وجع الخاصرة، والقسط وهو العود الهندي هو الذي تداوى به الريح الغليظة، وقد أشارت الرواية في آخرها إلى طريقة استعماله، بقولها، ويلد من ذات الجنب أي يلد به، ويصب في جانب الحلق للمريض بذات الجنب، كما بينت طريقة استعماله في علاج العذرة بأنه يسعط.

( إن في الحبة السوداء شفاء من كل داء، إلا السام) وفي الرواية الثانية والعشرين ما من داء إلا في الحبة السوداء منه شفاء، إلا السام وقد فسر الراوي السام بالموت، فالموت داء، والشاعر يقول: وداء الموت ليس له دواء، والداء الذي يقع به الموت، أي مرض الموت، والعموم في قوله من كل داء مراد به الخصوص، لأنه ليس في طبع شيء من النباتات ما يجمع جميع الأمور، التي تقابل الطبائع المختلفة، فالمراد أنها شفاء من كل داء يحدث من الرطوبة، قال أبو بكر بن العربي: العسل عند الأطباء أقرب إلى أن يكون دواء من كل داء، من الحبة السوداء، ومع ذلك فإن من الأمراض ما لو شرب العسل لتأذى به، فإن كان المراد من قوله في العسل فيه شفاء للناس الأكثر والأغلب، فحمل الحبة السوداء على ذلك أولى، وقال غيره: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصف الدواء بحسب ما يشاهده من حال المريض، فلعل قوله في الحبة السوداء وافق مرض من مزاجه بارد، فيكون معنى قوله شفاء من كل داء أي من هذا الجنس الذي وقع القول فيه، والتخصيص بالحيثية كثير شائع.
اهـ ومال الحافظ ابن حجر إلى إبقاء العموم، على أن يلاحظ اختلاف الأفراد والأزمنة والكميات والتركيبات، قال: ولا محذور في ذلك، ولا خروج عن ظاهر الحديث.

وقد فسر الراوي الحبة السوداء بالشونيز، قال النووي: وهذا هو الصواب المشهور الذي ذكره الجمهور.
اهـ

قال الحافظ ابن حجر: والشونيز بضم الشين وسكون الواو، وكسر النون وسكون الياء، وقال القرطبي: قيد بعض مشايخنا الشين بالفتح، وحكى القاضي عياض عن ابن الأعرابي أنه كسرها، فأبدل الواو ياء، فقال: الشينيز، وتفسير الحبة السوداء بالشونيز لشهرة الشونيز عندهم إذ ذاك، وأما الآن فالأمر بالعكس، والحبة السوداء أشهر عند أهل هذا العصر من الشونيز بكثير، والشونيز هو الكمون الأسود، ويقال له أيضاً: الكمون الهندي، ونقل عن الحسن البصري أنها الخردل، وقيل: هي الحبة الخضراء، وهي البطم، والعرب تسمي الأخضر أسود، والأسود أخضر، وقال الجوهري: هو صمغ شجرة تدعى الكمكام، تجلب من اليمن، ورائحتها طيبة، وتستعمل في البخور، قال الحافظ: وليس هذا مراداً هنا جزماً، وقال القرطبي تفسيرها بالشونيز أولى من وجهين: أحدهما أنه قول الأكثر، والثاني كثرة منافعها، بخلاف الخردل وغيره.

( التلبينة مجمة لفؤاد المريض) التلبينة بفتح التاء وسكون اللام وكسر الباء، وسكون الياء، بعدها نون ثم هاء، وقد يقال بدون هاء، قال الأصمعي: هي حساء يعمل من دقيق، أو نخالة، ويجعل فيه عسل، قال غيره: أو لبن، سميت تلبينة تشبيهاً لها باللبن في بياضها ورقتها، أو لمخالطة اللبن لها، وقيل: هي دقيق بحت، وقيل: بل فيه شحم، وقيل: حساء في قوام اللبن، يعمل من الدقيق النضيج المحمر، لا النيئ ولعل صناعتها تختلف باختلاف البلاد والعادات، ومجمة بفتح الميم والجيم وتشديد الميم الثانية، هذا هو المشهور، وروي بضم أوله وكسر ثانيه، وهما بمعنى، يقال: جم وأجم، والمعنى أنها تريح فؤاده، وتزيل عنه الهم، وتنشطه، والجام بتشديد الميم المستريح، والمصدر الجمام والإجمام، وحكى ابن بطال أنه روي تخم فؤاد المريض بالخاء، قال: والمخمة المكنسة.

( إن أخي استطلق بطنه) بطنه بالرفع فاعل استطلق بفتح التاء وسكون الطاء، أي انطلق بطنه، فكثر خروج ما فيه، يريد الإسهال، وضبطه الحافظ ابن حجر بضم التاء، وسكون الطاء وكسر اللام، مبني للمجهول، فبطنه نائب فاعل، أي جعل الله بطنه تنطلق، أو جعل المرض بطنه تنطلق بالإسهال، وفي ملحق الرواية إن أخي عرب بطنه بفتح العين وكسر الراء، أي فسد هضمه، لاعتلال المعدة، ومثله ذرب، بالذال بدل العين وزناً ومعنى.

( اسقه عسلاً) في رواية اسقه العسل والمراد عسل النحل، وهو مشهور عندهم، وظاهره الأمر بسقيه العسل صرفاً، ويحتمل أن يكون ممزوجاً بغيره.

( صدق الله وكذب بطن أخيك) قال النووي: والمراد قوله تعالى ( يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس) [النحل: 69] وهو العسل، وهذا تصريح منه صلى الله عليه وسلم بأن الضمير في قوله ( فيه شفاء) يعود إلى الشراب الذي هو العسل، وهو الصحيح وهو قول ابن مسعود وابن عباس والحسن وقتادة وغيرهم، وقال مجاهد: الضمير عائد إلى القرآن، وهذا ضعيف، مخالف لظاهر القرآن، ولصريح هذا الحديث الصحيح، قال بعض العلماء: الآية على الخصوص، أي شفاء من بعض الأدواء، ولبعض الناس، وكان داء هذا المبطون مما يشفى بالعسل، وليس في الآية تصريح بأنه شفاء من كل داء، ولكن علم النبي صلى الله عليه وسلم أن داء هذا الرجل مما يشفى بالعسل.
والله أعلم.

فقه الحديث

يؤخذ من أحاديث الباب، من الرواية الأولى وما بعدها

1- مشروعية التداوي، قال النووي: فيه استحباب الدواء، وهو مذهب أصحابنا وجمهور السلف وعامة الخلف، وفيه رد على من أنكر التداوي من غلاة الصوفية، وقال: كل شيء بقضاء وقدر، فلا حاجة إلى التداوي، قال: وحجة العلماء هذه الأحاديث، ويعتقدون أن الله تعالى هو الفاعل، وأن التداوي هو أيضاً من قدر الله، وهذا كالأمر بالدعاء، وكالأمر بقتال الكفار، وبالتحصن، ومجانبة الإلقاء باليد إلى التهلكة، مع أن الأجل لا يتغير، والمقادير لا تتأخر ولا تتقدم عن أوقاتها، ولا بد من وقوع المقدرات.
اهـ

ويقول الحافظ ابن حجر: في قوله صلى الله عليه وسلم -في الرواية الأولى- فإذا أصيب دواء الداء برأ بإذن الله عز وجل الإشارة إلى أن الشفاء متوقف على الإصابة بإذن الله، وذلك أن الدواء قد يحصل معه مجاوزة الحد في الكيفية، فلا ينجع، بل ربما أحدث داء آخر، وفيها كلها إثبات الأسباب، وأن ذلك لا ينافي التوكل على الله، لمن اعتقد أنها بإذن الله، وبتقديره، وأنها لا تنجع بذواتها، بل بما قدره الله تعالى فيها، وأن الدواء قد ينقلب داء إذا قدر الله ذلك، فالمدار كله على تقدير الله وإرادته، والتداوي لا ينافي التوكل، كما لا ينافي دفع الجوع والعطش بالأكل والشرب، وقد يقع لبعض المرضى أنه يتداوى من داء بدواء، فيبرأ، ثم يعتريه ذاك الداء بعينه، فيتداوى بذلك الدواء بعينه، فلا ينجع، والسبب في ذلك الجهل بصفة من صفات الدواء، فرب مرضين تشابها، ويكون أحدهما مركباً، لا ينجع فيه ما ينجع في الذي ليس مركباً، فيقع الخطأ من هنا، وقد يكون متحداً، لكن يريد الله أن لا ينجع فلا ينجع، من هنا قال: قلت: يا رسول الله، أرأيت رقى نسترقيها، ودواء نتداوى به، هل يرد من قدر الله شيئاً؟ قال: هي من قدر الله تعالى.

2- ومن الرواية الثانية والثالثة استحباب عيادة المريض.

3- وسؤاله عن مرضه، واقتراح ما يراه من علاج، والتمسك بالتنفيذ إذا كان أهلاً لذلك.

4- وأن شكوى المريض من مرضه، وآلامه لا يعد اعتراضاً على القدر.

5- ورجوع الصحابة لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، والتزامهم به، وإن شق عليهم أمره.

6- واستحباب التداوي بالحجامة، وتكون في أجزاء مختلفة من الجسم، تكون في الرأس، وفي وسطه، وعلى الكاهل والخدين وتحت الذقن، وعلى ظهر القدم، وأسفل الصدر، قال الحافظ ابن حجر: ومحل ذلك كله إذا كان عن دم هائج، وصادف وقت الاحتياج إليه، وقد ترجم البخاري بباب الحجامة من الشقيقة والصداع، والشقيقة وجع في أحد جانبي الرأس أو في مقدمه.

7- واستحباب التداوي بشربة العسل، قال المازري: اعترض بعض الأطباء، فقال: الأطباء مجمعون على أن العسل مسهل، فكيف يوصف لمن به الإسهال؟ -يقصد روايتنا الرابعة والعشرين- قال المازري: هذا الذي قاله المعترض جهالة بينة، وهو فيها كما قال الله تعالى ( بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه) [يونس: 39] .

وقال النووي: إن علم الطب من أكثر العلوم احتياجاً إلى التفصيل، حتى إن المريض يكون الشيء دواءه في ساعة، ثم يصير داء له في الساعة التي تليها بعارض يعرض، من غضب يحمي مزاجه، فيغير علاجه، أو هواء يتغير، أو غير ذلك مما لا تحصى كثرته، فإذا وجد الشفاء بشيء في حالة بالشخص لم يلزم منه الشفاء به في سائر الأحوال، وجميع الأشخاص والأطباء مجمعون على أن المرض الواحد يختلف علاجه باختلاف السن والزمان والعادة والغداء والتدبير المألوف وقوة الطباع، ثم قال: فإذا عرفت ما ذكرناه فاعلم أن الإسهال يحصل من أنواع كثيرة، منها الإسهال الحادث من التخم، وقد أجمع الأطباء في مثل هذا على أن علاجه بأن يترك الطبيعة وفعلها، وإن احتاجت إلى معين على الإسهال أعينت، مادامت القوة باقية، فأما حبسها فضرر عندهم، فيحتمل أن يكون هذا الإسهال للشخص المذكور في الحديث أصابه من امتلاء، فدواؤه ترك إسهاله على ما هو، أو تقويته، فأمره صلى الله عليه وسلم بشرب العسل فرآه إسهالاً، فزاده عسلاً، إلى أن فنيت المادة، فوقف الإسهال.
اهـ

وقد ذكر الموفق البغدادي وغيره كثيراً من منافع العسل، منها أنه يجلو الأوساخ التي في العروق والأمعاء، ويدفع الفضلات، ويسخن المعدة تسخيناً معتدلاً، ويفتح أفواه العروق، ويشد المعدة والكبد والكلى والمثانة، وتنقية الكبد والصدر، وإدرار البول والطمث، وينفع من السعال الكائن من البلغم، وإذا أضيف إليه الخل نفع أصحاب الصفراء، وإذا شرب وحده بماء نفع من عضة الكلب، وإذا جعل فيه اللحم الطري حفظ طراوته ثلاثة أشهر، وكذلك الخيار والقرع والليمون ونحو ذلك، ويطول الشعر ويحسنه وينعمه، وإن استن به صقل الأسنان وحفظ صحتها، وهو عجيب في حفظ جثث الموتى، فلا يسرع إليها البلى، ولم يكن يعول قدماء الأطباء في الأدوية المركبة إلا عليه.
والله أعلم.

8- استحباب التداوي بالكي في بعض الأمراض، كعلاج أخير، قال العلماء: وإنما نهي عنه، مع إثباته الشفاء فيه، إما لكونهم كانوا يرون أنه يحسم المادة بطبعه، فكرهه لذلك، وإما لأنهم كانوا يبادرون إليه قبل العلاج بالأدوية، ظناً منهم أنه يحسم الداء، فيتعجل الذي يكتوي التعذيب بالنار، لأمر مظنون، قالوا: ويؤخذ من الجمع بين كراهته صلى الله عليه وسلم للكي، وبين استعماله له، أنه لا يترك مطلقاً، بل يستعمل عند تعينه طريقاً إلى الشفاء، مع مصاحبة اعتقاد أن الشفاء بإذن الله تعالى، وعلى هذا التفسير يحمل حديث المغيرة، رفعه من اكتوى أو استرقى فقد برئ من التوكل أخرجه الترمذي والنسائي وصححه ابن حبان والحاكم.

9- ومن الرواية الثامنة والتاسعة الرخصة في مهنة الحجامة، وأن أجرها حلال، وقد سبقت المسألة في الإجارة.

10- ومن الرواية العاشرة إلى السابعة عشرة علاج الحمى، وإطفاء حرها بالماء، قال الخطابي ومن تبعه: اعترض بعض سخفاء الأطباء على هذا الحديث، فقال: اغتسال المحموم بالماء خطر، يقربه من الهلاك، لأنه يجمع المسام، ويحقن البخار، ويعكس الحرارة إلى داخل الجسم، فيكون ذلك سبباً للتلف، والجواب أن هذا الإشكال صدر عن صدر مرتاب في صدق الخبر، فيقال له أولاً: من أين حملت الأمر على الاغتسال؟ وليس في الحديث الصحيح بيان الكيفية، فضلاً عن اختصاصها بالغسل؟ وإنما في الحديث الإرشاد إلى تبريد الحمى بالماء، واستعمال الماء على وجه ينفع، وأولى ما يحمل عليه كيفية تبريد الحمى ما صنعته أسماء بنت الصديق، فإنها كانت ترش على بدن المحموم شيئاً من الماء، بين يديه وثوبه، فيكون ذلك من باب النشرة المأذون فيها -أي كالرقى- والصحابي- ولا سيما مثل أسماء، التي هي ممن كان يلازم بيت النبي صلى الله عليه وسلم -أعلم بالمراد من غيره.
اهـ

وقد سبق كلام المازري في العسل، وهو سائغ هنا، وفيما ذكر من الأدوية في هذا الباب، وقد نقل الخطابي عن ابن الأنباري أنه قال: المراد بقوله فأبردوها بالماء الصدقة به، قال ابن القيم: أظن الذي حمل قائل هذا أنه أشكل عليه استعمال الماء في الحمى، فعدل إلى هذا، وله وجه حسن، لأن الجزاء من جنس العمل، فكأنه لما أخمد لهيب العطشان بالماء أخمد الله لهيب الحمى عنه، قال: لكن هذا يؤخذ من فقه الحديث وإشارته، وأما المراد به بالأصل فهو استعماله في البدن حقيقة.
والله أعلم.

11- ومن الرواية قبل السادسة عشرة أن جهنم مخلوقة، قال النووي: فيه دليل لأهل السنة أن جهنم مخلوقة الآن، وموجودة.

12- ومن الرواية السابعة عشرة، من إشارته صلى الله عليه وسلم أن لا يلدوه، أن الإشارة المفهمة تقوم مقام صريح العبارة.

13- وفي الأمر باللدود لمن في البيت تعزير المعتدي بنحو من فعله الذي تعدى به، وقال بعضهم: فيه مشروعية القصاص في جميع ما يصاب به الإنسان عمداً، قال الحافظ ابن حجر: وفيه نظر، لأن الجميع لم يتعاطوا ذلك، وإنما فعل بهم ذلك عقوبة لهم، لتركهم امتثال نهيه عن ذلك، أما من باشره فظاهر، وأما من لم يباشره فلكونهم تركوا نهيهم عما نهاهم هو عنه.

14- قال بعضهم: ويستفاد منه أن التأويل البعيد لا يعذر به صاحبه.
قال الحافظ ابن حجر: وفيه نظر أيضاً، لأن الذي وقع كان في معارضة النهي، قال ابن العربي: أراد أن لا يأتوا يوم القيامة وعليهم حقه، فيقعوا في خطب عظيم، وتعقب بأنه كان يمكن أن يعفو، لأنه كان لا ينتقم لنفسه، قال: والذي يظهر أن ذلك لقصد تأديبهم، لئلا يعودوا، فكان ذلك تأديباً، لا قصاصاً، ولا انتقاماً.

15- ومن الرواية التاسعة عشرة أن بول الصبي الذي لم يبلغ الطعام لا يجب غسله، ويكفي الرش ونضح الماء عليه.

16- وتواضعه صلى الله عليه وسلم ورفقه ورأفته.

17- واستحباب استعمال العود الهندي.

18- ومن الرواية الواحدة والعشرين والثانية والعشرين فضيلة الحبة السوداء في التداوي بها، وقد ذكر الأطباء استعمالها في علاج الزكام، العارض معه عطاس كثير، وقالوا: تقلى الحبة السوداء ثم تدق ناعماً، ثم تنقع في زيت، ثم يقطر منه في الأنف ثلاث قطرات، وربما استعملت مفردة، وربما استعملت مركبة، وربما استعملت مسحوقة وغير مسحوقة، وربما استعملت أكلاً وشرباً وسعوطاً وضماداً وغير ذلك، وقال أهل العلم بالطب: إن طبع الحبة السوداء حار يابس، وهي مذهبة للنفخ، نافعة للبلغم، مفتحة للسدد والريح، وإذا دقت وعجنت بالعسل وشبت بالماء الحار أذابت الحصاة، وأدرت البول والطمث إلى غير ذلك من الفوائد الكثيرة.

والله أعلم