هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
4726 حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ ، وَهَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ ، قَالَا : حَدَّثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ ، عَنْ مَنْصُورٍ ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ يَزِيدَ ، عَنْ عَبِيدَةَ السَّلْمَانِيِّ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : خَيْرُ أُمَّتِي الْقَرْنُ الَّذِينَ يَلُونِي ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ، ثُمَّ يَجِيءُ قَوْمٌ تَسْبِقُ شَهَادَةُ أَحَدِهِمْ يَمِينَهُ وَيَمِينُهُ شَهَادَتَهُ لَمْ يَذْكُرْ هَنَّادٌ الْقَرْنَ فِي حَدِيثِهِ ، وقَالَ قُتَيْبَةُ : ثُمَّ يَجِيءُ أَقْوَامٌ
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
4726 حدثنا قتيبة بن سعيد ، وهناد بن السري ، قالا : حدثنا أبو الأحوص ، عن منصور ، عن إبراهيم بن يزيد ، عن عبيدة السلماني ، عن عبد الله ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : خير أمتي القرن الذين يلوني ، ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ، ثم يجيء قوم تسبق شهادة أحدهم يمينه ويمينه شهادته لم يذكر هناد القرن في حديثه ، وقال قتيبة : ثم يجيء أقوام
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير، 

شرح الحديث من فـــتح المــــنعم

: : هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،   

عن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خير أمتي القرن الذين يلوني.
ثم الذين يلونهم.
ثم الذين يلونهم.
ثم يجيء قوم تسبق شهادة أحدهم يمينه.
ويمينه شهادته لم يذكر هناد القرن في حديثه.
وقال قتيبة: ثم يجيء أقوام.


المعنى العام

الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين هم الذين حموا دعوة الإسلام، وحملوها ونشروها، وكان لهم الفضل الأول والأكبر في تحمل أعبائها وأخطار الدفاع عنها ونشرها، باعوا أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة، يقاتلون في سبيل الله، فيقتلون ويقتلون، قاتلوا، وهم قلة، وأنفقوا وبهم خصاصة، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: سبق درهم ألف درهم فرجل يملك درهمين أنفق أحدهما في سبيل الله يسبق ألف درهم ينفقها في سبيل الله رجل يملك الملايين.
والرسول الكريم يقول: لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه يعني ما عادل حفنة من طعام أنفقها أحد الصحابة في صدر الإسلام، بل ما أنفقوا هم قبل فتح مكة وقتالهم قبل فتح مكة أعظم أجرا ودرجة مما أنفقوه بعد الفتح ومما قاتلوه بعد الفتح، مصداقا لقوله تعالى: { { لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة وكلا وعد الله الحسنى وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما } } [النساء: 95] { { لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى والله بما تعملون خبير } } [الحديد: 10] { { والذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله والذين ءاووا ونصروا أولئك هم المؤمنون حقا لهم مغفرة ورزق كريم } } [الأنفال: 74] { { الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم أعظم درجة عند الله وأولئك هم الفائزون * يبشرهم ربهم برحمة منه ورضوان وجنات لهم فيها نعيم مقيم } } [التوبة: 20، 21]

بهذا فضل الله الصحابة على غيرهم، وجعلهم خير القرون في هذه الأمة، وجعل التابعين يلونهم في الفضل، وتابعي التابعين يلون التابعين، وهكذا تتوالى الأجيال، وبقدر تمسكها بشريعتها، ودفاعها عن دينها يكون فضلها وسبقها، حتى تصل الأجيال في ضعفها الديني إلى أنهم يخونون ولا يؤتمنون، وينذرون ويعدون ولا يوفون، ويصابون بالنهم والجري وراء الدنيا وشهواتها، حتى يسمنوا ثم لا يشبعون، ويتسابقون لشهادة الزور والباطل ويحلفون، يأكلون أموالهم بينهم بالباطل ويظلمون، لا يتناهون عن منكر فعلوه، بل يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف، ويصبح المنكر عندهم معروفا، والمعروف منكرا، وأولئك شرار الخلق، وعليهم تقوم الساعة، والعياذ بالله رب العالمين.

المباحث العربية

( يأتي على الناس زمان، يغزو فئام من الناس) بكسر الفاء، ويجوز فتحها، بعدها همزة، ويجوز تسهيلها، والمشهور الأول، أي جماعة من الناس، والفعل يغزو منزل منزلة اللازم، أي يحصل منهم الغزو.
وفي الرواية الثانية يبعث منهم البعث أي الجيش.

( فيقال لهم: فيكم من رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟) الكلام على الاستفهام بحذف الأداة، وفي الرواية الثانية فيقولون: انظروا.
هل تجدون فيكم أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ القائلون بعض أفراد البعث لبعض يسألون ليتبركوا بهم.
وذلك عندما يقل، أو يندر الصحابة، ويكون الجيش من التابعين.

( فيقولون: نعم) فينا فلان، فيتبركون به.

( فيفتح لهم) في الرواية الثانية فيفتح لهم به أي ببركته.

( ثم يغزو فئام من الناس، فيقال لهم: فيكم من رأى من صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فيقولون: نعم، فيفتح لهم) وذلك عندما يقل التابعون، أو يندر وجودهم في الجيش، ويكون الجيش من أتباع التابعين، فيفتح لهم ببركة التابعي الموجود في الجيش، وفي الرواية الثانية ثم يبعث البعث الثاني، فيقولون: هل فيهم ( فيه التفات من الخطاب إلى الغيبة) من رأى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم؟ ( أي فيقولون: نعم، فيتبركون به) فيفتح لهم به، أي ببركته.

( ثم يغزو فئام من الناس، فيقال لهم: هل فيكم من رأى من صحب من صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟، فيقولون: نعم.
فيفتح لهم)
في الرواية الثانية ثم يبعث البعث الثالث، فيقال: انظروا.
هل ترون فيهم من رأى من رأى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم؟.

( ثم يكون البعث الرابع، فيقال: انظروا.
هل ترون فيهم أحدا رأى من رأى أحدا رأى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فيوجد الرجل، فيفتح لهم به)
كذا بالرواية الثانية، مشيرا إلى أتباع أتباع التابعين، وقد اقتصرت الرواية الأولى وروايات البخاري على البعث الثالث، أتباع التابعين.

( خير أمتي القرن الذين يلوني) المراد من القرن هنا أهل القرن، ولذلك عاد الضمير في يلوني جمعا مذكرا، والمراد قرنه صلى الله عليه وسلم باعتبارهم أتباعا له صلى الله عليه وسلم، ففي الرواية الرابعة سئل صلى الله عليه وسلم: أي الناس خير؟ قال: قرني، ثم الذين يلونهم وفي الرواية الخامسة خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم وفي الرواية السادسة خير أمتي القرن الذين بعثت فيهم، ثم الذين يلونهم وفي الرواية السابعة إن خيركم قرني، ثم الذين يلونهم وفي ملحق الرواية السابعة خير هذه الأمة القرن الذين بعثت فيهم، ثم الذين يلونهم وفي الرواية الثامنة أي الناس خير؟ قال: القرن الذي أنا فيه، ثم الثاني، ثم الثالث.

والقرن في الأصل أهل زمان واحد متقارب، اقترنوا، واشتركوا في أمر من الأمور المقصودة، وخصه بعضهم بما إذا اجتمعوا في زمن نبي، أو رئيس يجمعهم على ملة أو مذهب أو عمل.

ويطلق القرن على مدة من الزمان، واختلفوا في تحديدها، من عشرة أعوام، إلى مائة وعشرين.
وذكر الجوهري أقوالا، بين الثلاثين عاما والثمانين، وذكر صاحب المحكم أقوالا فيما بين العشرة والسبعين، ثم قال: هذا هو القدر المتوسط من أعمار أهل كل زمن.
قال الحافظ ابن حجر: وعند مسلم ما يدل على أن القرن مائة، وهو المشهور - يشير إلى أحاديث الباب التالي.

والمراد من قرنه صلى الله عليه وسلم في أحاديث الباب الصحابة، ومن الذين يلونهم التابعون، ومن الذين يلونهم أتباع التابعين، قال شهر: قرنه صلى الله عليه وسلم: ما بقيت عين رأته، والذين يلونهم ما بقيت عين رأت من رآه، وهكذا.
وقال الحافظ ابن حجر: وقد ظهر أن الذي بين بعثته صلى الله عليه وسلم وآخر من مات من الصحابة مائة وعشرون سنة، أو دونها أو فوقها بقليل، على الاختلاف في وفاة أبي الطفيل، وإن اعتبر ذلك من بعد وفاته صلى الله عليه وسلم، - على ضوء أحاديث الباب التالي - فيكون مائة سنة، أو تسعين، أو سبعا وتسعين.

وأما قرن التابعين، فإن اعتبر من سنة مائة كان نحو سبعين أو ثمانين، وأما الذين بعدهم فإن اعتبر منها كان نحوا من خمسين فظهر بذلك أن مدة القرن تختلف باختلاف أعمار أهل كل زمان، واتفقوا على أن آخر من كان من أتباع التابعين، ممن يقبل قوله: من عاش إلى حدود العشرين ومائتين، وفي هذا الوقت ظهرت البدع ظهورا فاشيا، وأطلقت المعتزلة ألسنتها، ورفعت الفلاسفة رءوسها، وامتحن أهل العلم، ليقولوا بخلق القرآن، وتغيرت الأحوال تغيرا شديدا، ولم يزل الأمر في نقص إلى الآن، وظهر قوله صلى الله عليه وسلم: ثم يفشو الكذب ظهورا بينا، حتى يشمل الأقوال والأفعال والمعتقدات.
والله المستعان.
اهـ.

والمراد من خيرية القرن، خيرية مجموعه وجملته بالنسبة لمجموع غيره وجملته هذا ما نميل إليه، وإن قال الحافظ ابن حجر: لكن هذه الأفضلية بالنسبة إلى المجموع أو الأفراد محل بحث.
وإلى الثاني نحا الجمهور، والأول قول ابن عبد البر، وسنحقق القول في هذه المسألة في فقه الحديث.

( ثم يجيء قوم تسبق شهادة أحدهم يمينه، ويمينه شهادته) وفي رواية ثم يجيء أقوام وفي الرواية الرابعة ثم يجيء قوم تبدر شهادة أحدهم يمينه، وتبدر يمينه شهادته وتبدر بفتح التاء وسكون الباء وضم الدال، بمعنى تسبق.
قال الحافظ ابن حجر: أي في حالين، في حالة يشهد، ثم يحلف على صحة شهادته، ليقويها، فتسبق الشهادة اليمين، وفي حالة يحلف على صدق شهادته قبل أن يشهد، وليس المراد أن ذلك يقع في حالة واحدة، لأنه دور، به تصبح الشهادة سابقة ومسبوقة في وقت واحد، واليمين كذلك.
قال: ويحتمل أن يقع ذلك في حال واحدة عند من يجيز الحلف في الشهادة، فيريد أن يشهد ويحلف.
اهـ.
وفي هذا الاحتمال نظر، لأن غاية ما فيه الجمع بين الحلف والشهادة، لا سبق كل منهما الآخر.

وقال الطحاوي: أي يكثرون الأيمان في كل شيء، حتى تصير عادة لهم، والحرص على ذلك، حتى لا يدرى بأيهما يبدأ، لقلة المبالاة باليمين والشهادة.

وفي الرواية الخامسة ثم يتخلف من بعدهم خلف، تسبق شهادة أحدهم يمينه، ويمينه شهادته قال النووي: هكذا هو في معظم النسخ يتخلف وفي بعضها يخلف بحذف التاء، وكلاهما صحيح، أي يجيء بعدهم خلف - بإسكان اللام، هكذا الرواية، والمراد خلف سوء، قال أهل اللغة: الخلف ما صار عوضا عن غيره، ويستعمل فيمن خلف بخير أو شر، لكن يقال في الخير بفتح اللام وإسكانها، لغتان، الفتح أشهر وأجود، وفي الشر بإسكانها عند الجمهور، وحكي أيضا فتحها.
اهـ.

وفي الرواية السادسة يشهدون قبل أن يستشهدوا وفي الرواية السابعة يشهدون ولا يستشهدون قال النووي: هذا الحديث في ظاهره مخالف للحديث الآخر خير الشهود، الذي يأتي بالشهادة قبل أن يسألها: قال العلماء: الجمع بينهما أن الذم في ذلك لمن بادر بالشهادة في حق الآدمي، هو عالم بها، قبل أن يسألها صاحبها، وأما المدح فهو لمن كانت عنده شهادة لآدمي، ولا يعلم بها صاحبها، فيخبره بها ليستشهد به عند القاضي إن أراد، أو يموت صاحبها العالم بها، ويخلف ورثة، لا يعلمون بها، فيأتي الشاهد إليهم أو إلى من يتحدث عنهم، فيعلمهم بذلك، ويلتحق به من كانت عنده شهادة حسبة، وهي الشهادة بحقوق الله تعالى، أو فيه شائبة من حق الله تعالى كالعتق، والوقف والوصية العامة والعدة والطلاق ونحو ذلك، فيأتي القاضي، فيشهد بها، وهذا ممدوح، إلا إذا كانت الشهادة بحد، ورأى المصلحة في الستر.
قال: وهذا الذي ذكرناه من الجمع بين الحديثين هو مذهب أصحابنا ومالك وجماهير العلماء، وهو الصواب، وقيل في الجمع أقوال أخرى ضعيفة منها:

1- قول من قال بالذم مطلقا، ونابذ حديث المدح.

2- وقول من حمل الذم على شهادة الزور، ( وأجاز أداء الشهادة قبل السؤال في غير ذلك) .

3- وقول من حمل الذم على الشهادة بالحدود ( وأجاز أداء الشهادة قبل السؤال في غير ذلك) .

قال: وكلها فاسدة.
اهـ.

وجنح ابن عبد البر إلى ترجيح حديث المدح خير الشهداء الذي يأتي بالشهادة قبل أن يسألها لكونه من رواية أهل المدينة، رواية زيد بن خالد، فقدمه على رواية أهل العراق، وبالغ فزعم أن حديث عمران هذا لا أصل له.

وجنح غيره إلى ترجيح حديث عمران، لاتفاق صاحبي الصحيح عليه، وانفراد مسلم بإخراج حديث زيد بن خالد، فقال بالذم مطلقا.

ومن العلماء من حمل حديث المدح على الكناية والمبالغة في الإجابة إلى الأداء، فيكون لشدة استعداده لها كالذي أداها قبل أن يسألها، كما يقال في وصف الجواد: إنه ليعطي قبل الطلب، أي يعطي سريعا عقب السؤال من غير توقف ولا تردد.

( كانوا ينهوننا - ونحن غلمان - عن العهد والشهادات) عن الجمع بين اليمين والشهادة، وقيل: المراد النهي عن قوله: على عهد الله، أو أشهد بالله، والقائل هو إبراهيم النخعي، وفي رواية للبخاري ونحن صغار وفي رواية كانوا يضربوننا على الشهادة والعهد قال ابن عبد البر: معناه عندهم النهي عن مبادرة الرجل بقوله: أشهد بالله، وعلى عهد الله.
لقد كان كذا وكذا ونحو ذلك، وإنما كانوا يضربونهم على ذلك، حتى لا يصير لهم به عادة، فيحلفوا في كل ما يصلح وما لا يصلح.
قال الحافظ ابن حجر: ويحتمل أن يكون المراد النهي عن تعاطي الشهادات، والتصدي لها، لما في تحملها من الحرج، ولا سيما عند أدائها، لأن الإنسان معرض للنسيان والسهو، ولا سيما وهم - إذ ذاك - غالبا لا يكتبون.

( ثم يخلف قوم يحبون السمانة) وفي الرواية السابعة ويظهر فيهم السمن قال النووي: السمانة بفتح السين هي السمن، بكسر السين وفتح الميم.
قال جمهور العلماء في معنى هذا الحديث: المراد بالسمن هنا كثرة اللحم، ومعناه أنه يكثر فيهم ذلك، وليس معناه، أن يتمحضوا سمانا، قالوا: والمذموم منه من يستكسبه، وأما من هو فيه خلقة فلا يدخل في هذا، والمتكسب له هو المتوسع في المأكول والمشروب، زائدا على المعتاد، وقيل: المراد بالسمن هنا أنهم يتكثرون بما ليس فيهم، ويدعون ما ليس لهم من الشرف، وغيره، وقيل: المراد جمعهم الأموال بحرص وطغيان.

( ويخونون، ولا يؤتمنون) قال النووي: معناه خيانة ظاهرة، بحيث لا يبقى معها ائتمان، بخلاف من خان بحقير مرة واحدة، فإنه يصدق عليه أنه خان، ولا يخرج به عن الأمانة في بعض المواطن.
اهـ.
فهم لا يثق الناس بهم، ولا يعتقدونهم أمناء.

( وينذرون ولا يوفون) بكسر الذال وضمها لغتان، وفي ملحق الرواية السابعة ولا يفون بفتح الياء، وهي صحيحة يقال: وفي، بتخفيف الفاء، وأوفى.

فقه الحديث

في الحديث فضل الصحابة.
فمن هو الصحابي المقصود بهذا الفضل؟ الموصوف بالخيرية على بقية أفراد أمة الإجابة؟.

يقول البخاري: من صحب النبي صلى الله عليه وسلم أو رآه من المسلمين فهو من أصحابه.
اهـ.

وهذا الذي ذكره البخاري هو الراجح، لكن تحته صور، فيها خلاف كبير:

إحداها: من رآه غير مميز، وعمل المحدثين على أنه صحابي، فإنهم ذكروا مثل محمد بن أبي بكر الصديق في الصحابة، مع أنه ولد قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بثلاثة أشهر وأيام.

ومع ذلك فأحاديث هذا الضرب مراسيل، لكنها ليست من قبيل مراسيل الصحابة المختلف فيها، بل هي غير مقبولة - باتفاق، وهذا مما يلغز به، فيقال: صحابي، حديثه مرسل، لا يقبله من يقبل مراسيل الصحابة.

ثانيها: يدخل في هذا التعريف من رآه مسلما بالغا لحظة من بعد، ولو لم يحصل بينهما مشافهة، ككثير من الأعراب الذين اجتمعوا به في حجة الوداع.

ثالثها: من رآه وهو كافر، ثم أسلم بعد موته منهم.
قال الحافظ ابن حجر: إن كان قوله: من المسلمين.
حالا خرج من هذه صفته، وهو المعتمد.

رابعها: يدخل في هذا التعريف من صحبه أو رآه مسلما، ثم ارتد بعد ذلك، ولم يعد إلى الإسلام، فإنه ليس صحابيا اتفاقا، فينبغي أن يزاد فيه ومات على ذلك أما لو ارتد ثم عاد إلى الإسلام، لكن لم يره ثانيا بعد عوده فالصحيح أنه معدود في الصحابة، لإطباق المحدثين على عد الأشعث بن قيس ونحوه، ممن وقع له ذلك في الصحابة، وإخراجهم أحاديثهم في المسانيد.

خامسها: أدخل بعضهم في هذا التعريف من رآه بعد موته، وقبل دفنه، قال الحافظ ابن حجر: والراجح أنه ليس بصحابي، وإلا لعد من اتفق له من يرى جسده المكرم وهو في قبره المعظم صحابيا، ولو في هذه الأعصار، وكذلك من كشف له عنه من الأولياء، فرآه كذلك على طريق الكرامة، إذ حجة من أثبت الصحبة لمن رآه قبل دفنه أنه مستمر الحياة، وهذه الحياة ليست دنيوية، وإنما هي أخروية، لا تتعلق بها أحكام الدنيا، فإن الشهداء أحياء، ومع ذلك فإن الأحكام المتعلقة بهم بعد القتل جارية على أحكام غيرهم من الموتى.

أما من رآه في المنام - وإن كان قد رآه حقا - فذلك مما يرجع إلى الأمور المعنوية، لا الأحكام الدنيوية، فلذلك لا يعد صحابيا، ولا يجب عليه العمل بما أمره به في تلك الحالة.

ويقابل هذا التعريف تعريف يعني بالأهلية لهذا اللقب، فيحمل الصحبة على ما هو متعارف، فلا يعد في الصحابة إلا من صحب صحبة عرفية، وكان مسلما بالغا، ومات على الإسلام، وقد روي عن سعيد بن المسيب أنه كان لا يعد في الصحابة إلا من أقام مع النبي صلى الله عليه وسلم سنة فصاعدا، أو غزا معه غزوة فصاعدا، ولا يدخل في الصحابة من له رؤية لكن فارق عن قرب.
وقد جاء عن أنس أنه سئل: هل بقي من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أحد غيرك؟ قال: لا.
مع أنه كان في ذلك الوقت عدد كثير ممن لقيه من الأعراب.

ومع أن الحافظ ابن حجر يقول: والذي جزم به البخاري هو قول أحمد والجمهور من المحدثين، ويقول عن القول الآخر: وهو مردود.

والعمل على خلاف هذا القول، فإني أميل إلى هذا القول من حيث الحكمة في منح هذا اللقب، واستحقاق هذه الفضائل، واعتمادا على النصوص الكثيرة المشهورة وفي سبيل ذلك أضع الحقائق التالية:

أولا: لا خلاف في أن مجرد رؤيته صلى الله عليه وسلم من مسلم، ولو من طفل صغير ميزة وفضيلة لا تنكر لحصول بركة اللقاء، وكذلك من رآه مسلما بالغا لحظات قليلة، لكنها لا يصدق عليها أنها صحبة، لا لغة، ولا عرفا، فلم يقل أحد إن رؤية من في السوق والمارة في الشوارع تثبت الصحبة، ذات الآثار الشرعية والعرفية.

ثانيا: النصوص تعلل فضائل الصحابة بعلة لا يتحلى بها، إلا الصاحب اللغوي والعرفي، وسيأتينا حديث لا تسبوا أصحابي.
فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما أدرك مد أحدهم، ولا نصيفه.
وقد سبق حديث لعل الله اطلع على أهل بدر، فقال: اعملوا ما شئتم، فقد غفرت لكم.

وحديث الرضا عن أهل بيعة الرضوان تحت الشجرة، والقرآن الكريم يقول { { للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون * والذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة } } [الحشر: 8، 9]

من هنا استحقوا الفضائل، والجزاء الحسن الموعود به، ولا يؤهل مجرد الرؤية لهذا الجزاء، وأحاديث الحوض، وأنه يذاد عنه بعض الصحابة، فيقول صلى الله عليه وسلم: أصحابي.
أصحابي؟ فيقال له: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فيقول صلى الله عليه وسلم: سحقا.
سحقا.
لم يغن عنهم أنهم رأوا، وإنما طبقت عليهم قواعد الإسلام، { { فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره * ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره } } [الزلزلة: 7، 8] يا حمزة بن عبد المطلب، يا فاطمة بنت محمد.
اعملوا فلن أغني عنكم من الله شيئا.
وهكذا لا تغني الرؤية بدون عمل، ولها فضلها، لكنها لا تكفي وحدها، ليتبرك بأصحابها، وليفتح بها على المسلمين، ولقد رأينا في غزوة أحد أن الصحبة لم تفتح، لمجرد أنهم خالفوا رغبة نبيهم وإشارته، فكيف نتبرك ونطمئن للفتح لمجرد وجود واحد رأى؟ نعم نتبرك ونأمل الفتح إذا كان من رأى صحب صحبة حقيقية، بذل فيها النفس والمال في سبيل الدعوة إلى الله.
والله أعلم.

ويؤخذ من الحديث فوق ما تقدم

1- أن الصحابة في مجموعهم خير من التابعين في مجموعهم، وأن التابعين في مجموعهم خير من أتباع التابعين في مجموعهم.

2- ويؤخذ منه جواز المفاضلة بين الصحابة.

3- استدل به بعضهم على تعديل أهل القرون الثلاثة، وإن تفاوتت منازلهم في الفضل، وهذا محمول على الغالب، والأكثرية، فقد وجد في بعض أفرادها من اتصف بصفات مذمومة، لكن بقلة، بخلاف ما بعد القرون الثلاثة، فالموجود من المذمومين أكثر.

4- استنبط البخاري من الرواية الأولى والثانية الاستعانة بالضعفاء والصالحين في الحرب، والتبرك بهم وبدعائهم، وقد أخرج أبو نعيم في الحلية ينصر المسلمون بدعاء المستضعفين.

5- ومن الرواية الثالثة والرابعة ذم من يشهد ويحلف مع شهادته، واحتج به بعض المالكية في رد شهادة من حلف معها، وجمهور العلماء أنها لا ترد.

6- وفي الرواية السادسة ذم السمن الناتج عن الإكثار من الطعام والشراب.

7- وفي الرواية السابعة وملحقاتها ذم الخيانة، وعدم الوفاء بالنذر، قال ابن بطال: سوى بين من يخون أمانته، وبين من لا يفي بنذره، والخيانة مذمومة، فيكون ترك الوفاء بالنذر مذموما، وقال الباجي: ساق ما وصفهم به مساق العيب، والجائز لا يعاب، فدل على أن عدم الوفاء بالنذر غير جائز.

والله أعلم