هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
605 وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ الْحَذَّاءُ ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ : ذَكَرُوا أَنْ يُعْلِمُوا وَقْتَ الصَّلَاةِ بِشَيْءٍ يَعْرِفُونَهُ فَذَكَرُوا أَنْ يُنَوِّرُوا نَارًا ، أَوْ يَضْرِبُوا نَاقُوسًا فَأُمِرَ بِلَالٌ أَنْ يَشْفَعَ الْأَذَانَ وَيُوتِرَ الْإِقَامَةَ وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ ، حَدَّثَنَا بَهْزٌ ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ الْحَذَّاءُ ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ لَمَّا كَثُرَ النَّاسُ ذَكَرُوا أَنْ يُعْلِمُوا بِمِثْلِ حَدِيثِ الثَّقَفِيِّ ، غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ : أَنْ يُورُوا نَارًا
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
605 وحدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي ، أخبرنا عبد الوهاب الثقفي ، حدثنا خالد الحذاء ، عن أبي قلابة ، عن أنس بن مالك ، قال : ذكروا أن يعلموا وقت الصلاة بشيء يعرفونه فذكروا أن ينوروا نارا ، أو يضربوا ناقوسا فأمر بلال أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة وحدثني محمد بن حاتم ، حدثنا بهز ، حدثنا وهيب ، حدثنا خالد الحذاء ، بهذا الإسناد لما كثر الناس ذكروا أن يعلموا بمثل حديث الثقفي ، غير أنه قال : أن يوروا نارا
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير، 

Anas reported:

Bilal was commanded (by the Messenger of Allah) to repeat (the phrases of) Adhan twice and once in Iqama. The narrator said: I made a mention of it before Ayyub who said: Except for saying: Qamat-is-Salat [the time for prayer has come].

شرح الحديث من فـــتح المــــنعم

: : هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،   

عن أنس رضي الله عنه قال أمر بلال أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة زاد يحيى في حديثه عن ابن علية فحدثت به أيوب فقال إلا الإقامة.


المعنى العام

لزيادة الإعلام بوقت الصلاة، شرع تكرير ألفاظ الأذان، وأن تنطق كلماته مرتين وتعددت الجمل في الأذان ولم يكتف بجملة أو جملتين للمبالغة في تحقيق الغرض منه، وأختيرت هذه العبارات من الشرع الحكيم لما فيها من معان سامية يقول عنها القاضي عياض:

اعلم أن الأذان كلام جامع لعقيدة الإيمان، مشتمل على نوعه من العقليات والسمعيات، فأوله إثبات الذات، وما يستحقه من الكمال والتنزيه عن أضدادها وذلك بقوله الله أكبر وهذه اللفظة مع اختصارها دالة على ما ذكرناه، ثم صرح بإثبات الوحدانية، ونفي ضدها من الشركة المستحيلة في حقه سبحانه وتعالى، وهذه عمدة الإيمان والتوحيد، المقدمة على كل وظائف الدين، ثم صرح بإثبات النبوة، والشهادة بالرسالة لنبينا صلى الله عليه وسلم، وهي قاعدة عظيمة بعد الشهادة بالوحدانية، وموضعها بعد التوحيد وتلك المقدمات من باب الواجبات، وبعد هذه القواعد كملت العقائد العقليات فيما يجب ويستحيل ويجوز في حقه سبحانه وتعالى، ثم دعا إلى ما دعاهم إليه من العبادات، فدعا إلى الصلاة، وجعلها عقب إثبات النبوة لأن معرفة وجوبها من جهة النبي صلى الله عليه وسلم، لا من جهة العقل، ثم دعا إلى الفلاح، وهو الفوز والبقاء في النعيم المقيم، وفيه إشعار بأمور الآخرة من البعث والجزاء، وهي آخر تراجم عقائد الإسلام ثم كرر ذلك بإقامة الصلاة، للإعلام بالشروع فيها، وهو متضمن لتأكيد الإيمان وتكرار ذكره عند الشروع في العبادة بالقلب واللسان، وليدخل المصلي فيها على بينة من أمره، وبصيرة من إيمانه، ويستشعر عظيم ما دخل فيه، وعظمة حق من يعبده، وجزيل ثوابه.
اهـ.

جعلنا الله من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم ألو الألباب.

المباحث العربية

( أمر بلال) بضم الهمزة وكسر الميم، مبني للمجهول، أي أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم قال النووي: هذا هو الصواب الذي عليه جمهور العلماء من الفقهاء وأصحاب الأصول وجميع المحدثين، وشذ بعضهم فقال: هذا اللفظ وشبهه موقوف، لاحتمال أن يكون الآمر غير رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا خطأ والصواب أنه مرفوع، لأن إطلاق ذلك إنما ينصرف إلى صاحب الأمر والنهي، وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومثل هذا اللفظ قول الصحابي: أمرنا بكذا، ونهينا عن كذا، أو أمر الناس بكذا ونحوه فكله مرفوع، سواء قال الصحابي ذلك في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو بعد وفاته، والله أعلم.
اهـ.

( أن يشفع الأذان) بفتح الياء معناه أن يأتي به مثنى، أي يكون ألفاظه مرتين مرتين، قال الزين بن المنير: ذلك يقتضي أن تستوي جميع ألفاظه في ذلك، لكن لم يختلف في أن كلمة التوحيد التي في آخره لا إله إلا الله مفردة، فقوله يشفع محمول على ما سواها.
اهـ.

( ويوتر الإقامة) معناه يأتي بها وترا، ولا يثنيها، بخلاف الأذان.

( إلا الإقامة) معناه إلا لفظ الإقامة، وهي قوله قد قامت الصلاة فإنه لا يوترها، بل يثنيها، فالمراد من لفظ الإقامة المثبت غير المراد من لفظ الإقامة المستثنى، فالمراد بالمثبت جميع الألفاظ المشروعة عند القيام إلى الصلاة، والمراد من المستثنى خصوص قوله قد قامت الصلاة ففي الكلام جناس تام، وسيأتي إيضاح الحكم في فقه الحديث.

( ذكروا أن يعلموا وقت الصلاة) يعلموا بضم الياء وإسكان العين، أي يجعلوا له علامة يعرف بها.

( فذكروا أن ينوروا نارا) أي يظهروا نورها.

( أن يوروا نارا) أي يوقدوها، يقال: وري الزند إذا خرجت ناره وأوريته إذا أخرجته، ويقال: أوريت النار أي أشعلتها.
قال الله تعالى: { { أفرأيتم النار التي تورون } } [الواقعة: 71] ومعنى الروايتين متقارب.

( عن أبي محذورة) هو قرشي، أسلم بعد حنين في طريق عودة النبي صلى الله عليه وسلم من حنين، وكان من أحسن الناس صوتا، أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يؤذن بمكة، ولم يزل مقيما بها حتى توفي سنة تسع وخمسين، وتوارثت ذريته الأذان -رضي الله عنهم.

( حي على الصلاة) حي اسم فعل أمر، بمعنى هلم وأقبل، وفتحت الياء لسكونها وسكون الياء السابقة المدغمة، والمعنى تعالوا إلى الصلاة وأقبلوا إليها، قال الخليل: لا تأتلف العين والحاء في كلمة واحدة أصلية في الحروف، لقرب مخرجيهما، إلا أن يتألف فعل من كلمتين، مثل حي على فيقال: حيعلة، ومثل الحيعلة من المركبات البسملة في بسم الله والحمدله في الحمد لله والحوقلة في لا حول ولا قوة إلا بالله وأشباهها.

( حي على الفلاح) أي تعالوا وأقبلوا على الفوز والنجاة، أي إلى سببهما، وهو الصلاة، وقيل: المراد بالفلاح البقاء، أي أقبلوا إلى سبب البقاء في الجنة.

فقه الحديث

ألفاظ الأذان

اختلف العلماء في عدد ألفاظ الأذان، فذهب الشافعية إلى أن الأذان تسع عشرة كلمة، هي: الله أكبر.
الله أكبر.
الله أكبر.
الله أكبر.
أشهد أن لا إله إلا الله.
أشهد أن لا إله إلا الله.
أشهد أن محمدا رسول الله.
أشهد أن محمدا رسول الله.
يسمع بالشهادتين نفسه، ثم يرجع فيمد صوته، ويقول: أشهد أن لا إله إلا الله.
أشهد أن لا إله إلا الله.
أشهد أن محمدا رسول الله.
أشهد أن محمدا رسول الله.
[وذكر الشهادتين مرتين سرا قبل الجهر هو المسمى بالترجيع] حي على الصلاة.
حي على الصلاة.
حي على الفلاح.
حي على الفلاح.
الله أكبر.
الله أكبر.
لا إله إلا الله.

وقال أبو حنيفة، هو خمس عشرة كلمة، فأسقط الترجيع، واحتج بحديث عبد الله بن زيد المذكور في شرح حديث الباب السابق، إذ ليس فيه ترجيع.

واحتج الشافعية والمالكية والحنابلة لإثبات الترجيع بحديث أبي محذورة المذكور في هذا الباب، وفيه الترجيع، وردوا على أبي حنيفة وموافقيه بأن حديث أبي محذورة متأخر عن حديث عبد الله بن زيد، فإن حديث أبي محذورة سنة ثمان من الهجرة، بعد حنين، وحديث عبد الله بن زيد في أوائل الهجرة، كما أن حديث أبي محذورة فيه زيادة، وزيادة الثقة مقبولة، وأن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي لقنه إياه؛ فالعمل بحديث أبي محذورة في زيادته أولى من العمل بحديث عبد الله بن زيد، ثم إن الترجيع عمل أهل الحرمين، وهم أعرف بالسنن من غيرهم.

نعم حديث أبي محذورة في روايته المذكورة في هذا الباب لم يتعرض لرفع الصوت أو خفضه في الشهادتين، ولكن روايته في أبي داود تعرضت له، إذ فيها الله أكبر الله أكبر.
الله أكبر الله أكبر ترفع بها صوتك، ثم تقول: أشهد أن لا إله إلا الله.
أشهد أن لا إله إلا الله.
أشهد أن محمدا رسول الله.
أشهد أن محمدا رسول الله تخفض بها صوتك، ثم ترفع صوتك بالشهادة.
أشهد أن لا إله إلا الله.
أشهد أن لا إله إلا الله.
أشهد أن محمدا رسول الله.
أشهد أن محمدا رسول الله.

واختلف القائلون بالترجيع، هل هو ركن، لا يصح الأذان بدونه؟ أو هو سنة ليس ركنا؟ حتى لو تركه صح الأذان مع فوات كمال الفضيلة؟ الأصح أنه سنة.

قال الحافظ ابن حجر: وإنما اختص الترجيع بالشهادتين لأنهما أعظم ألفاظ الأذان.
اهـ.

وقال مالك: إن الأذان سبع عشرة كلمة، فأسقط تكبيرتين من أوله.

واحتج بحديث أبي محذورة المذكور في هذا الباب، كما احتج بأنه عمل أهل المدينة، وهم أعرف الناس بالسنن.

واحتج الجمهور على التربيع [أي ذكر الله أكبر في أول الأذان أربع مرات] بأنه عمل أهل مكة وهي مجمع المسلمين في المواسم وغيرها، ولم ينكر ذلك أحد من الصحابة وغيرهم، وأجابوا عن رواية الباب لحديث أبي محذورة بأنه وقع في غير مسلم: الله أكبر.
الله أكبر.
الله أكبر.
الله أكبر.
أربع مرات.
قال القاضي عياض: ووقع في بعض طرق الفارسي في صحيح مسلم، أربع مرات، وكذلك اختلف في حديث عبد الله بن زيد في التثنية والتربيع، والمشهور فيه التربيع.
اهـ.

وذهب البصريون إلى تربيع التكبير الأول، وتثليث الشهادتين وحي على الصلاة، وحي على الفلاح، فيبدأ المؤذن بالتكبير أربعا، ثم يقول: أشهد أن لا إله إلا الله حتى يصل إلى حي على الفلاح، ثم يعيد كذلك مرة ثانية، ثم يعيد مرة ثالثة، وهو مروي عن الحسن البصري وابن سيرين.

والسبب في هذا الاختلاف اختلاف الآثار، واختلاف اتصال العمل عند كل فريق، فالمدنيون يحتجون لمذهبهم بالعمل المتصل بذلك في المدينة، والمكيون كذلك أيضا يحتجون بالعمل المتصل عندهم، والكوفيون [وهو مذهب أبي حنيفة] يحتجون نفس الاحتجاج، وكذلك البصريون.

وأمام هذا الاختلاف قال أحمد [على طريقته إذا صحت الأحاديث وتعارضت] إن هذه الصفات المختلفة إنما وردت على التخيير، لا على التحديد والإيجاب، فهو من التخيير المباح، فإن ربع التكبير الأول في الأذان، أو ثناه، أو رجع في التشهد، أو لم يرجع، أو ثنى الإقامة كلها أو أفردها كلها، أو ثنى الإقامة إلا قد قامت الصلاة فالجميع جائز، قاله ابن عبد البر.
اهـ.

وأما التثويب في أذان الفجر، وهو أن يقول بعد حي على الفلاح: الصلاة خير من النوم، مرتين فهو مشروع عند الشافعية والمالكية، واستدلوا برواية أبي داود لحديث أبي محذورة، وفيها حي على الفلاح.
حي على الفلاح فإن كان صلاة الصبح قلت: الصلاة خير من النوم.
الصلاة خير من النوم.
الله أكبر.
الله أكبر.
لا إله إلا الله وأصل مشروعيته كما رواه الطبراني بسنده أن بلالا أتى النبي صلى الله عليه وسلم يؤذنه بالصبح، فوجده راقدا، فقال: الصلاة خير من النوم مرتين.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: هذا يا بلال، اجعله في أذانك إذا أذنت الصبح وروى ابن ماجه نحوه عن سعيد بن المسيب، ولا يشكل على هذا ما رواه مالك في الموطأ من أن المؤذن جاء عمر بن الخطاب، يؤذنه بصلاة الصبح، فوجده نائما، فقال: الصلاة خير من النوم، فقال: اجعلها في نداء الصبح، لأن مراد عمر الإنكار على المؤذن، حيث جعل هذه الكلمة في غير موضعها، وهو نداء الصبح، فكأنه قال: اجعلها في الموضع الذي جعلها فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يتوهم أن عمر أتى بها من نفسه.

وشذ من جعل التثويب في الفجر والعشاء، والصحيح الاقتصار على فعله في الصبح.

وذهب الحنفية والشافعي في أحد قوليه إلى أن التثويب بدعة، وقال في البحر: أحدثه عمر، فقال ابنه: هذه بدعة، والتحقيق أن ابن عمر لم ينكر مطلق التثويب، بل أنكره في صلاة الظهر، فعند أبي داود عن مجاهد قال كنت مع ابن عمر، فثوب رجل في الظهر أو في العصر، فقال: اخرج بنا، فإن هذه بدعة.

وعلى القول بأن الصبح له أذانان، هل يكون التثويب فيهما؟ أو في الأول دون الثاني؟ الراجح أنه في الأول دون الثاني، لأنه المقصود لإيقاظ النائم، أما الثاني فهو إعلام بدخول الوقت، ويؤكده ما رواه النسائي في سننه الكبرى عن أبي محذورة قال: كنت أؤذن لرسول الله صلى الله عليه وسلم فكنت أقول في أذان الفجر الأول: حي على الفلاح، الصلاة خير من النوم، ومثل ذلك في سنن البيهقي من حديث أبي محذورة.

قال صاحب سبل السلام: ليس الصلاة خير من النوم من ألفاظ الأذان المشروع للدعاء إلى الصلاة والإخبار بدخول وقتها، بل هو من الألفاظ التي شرعت لإيقاظ النائم، وإذا عرفت هذا هان عليك ما اعتاده الفقهاء من الجدال في التثويب، هل هو من ألفاظ الأذان أو لا؟ وهل هو بدعة أو لا؟.
اهـ.

وأما لفظ حي على خير العمل فقد ذهب العترة إلى إثباته، وأنه بعد أن يقول المؤذن حي على الفلاح، يقول مرتين حي على خير العمل واحتجوا بما في كتب أهل البيت [كأمالي أحمد بن عيسى والتجريد والإحكام وجامع آل محمد] من إثبات ذلك مسندا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في الإحكام: قد صح لنا أن حي على خير العمل كانت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤذن بها، ولم تطرح إلا في زمن عمر.

لكن النووي يقول في المجموع: يكره أن يقال في الأذان حي على خير العمل، لأنه لم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وروى البيهقي فيه شيئا موقوفا على ابن عمر وعلي بن الحسين، قال البيهقي: لم تثبت هذه اللفظة عن النبي صلى الله عليه وسلم فنحن نكره الزيادة في الأذان.
والله أعلم.

ألفاظ الإقامة

كذلك اختلف العلماء في عدد ألفاظ الإقامة، فالمشهور والمذهب عند الشافعية أنها إحدى عشرة كلمة هي: [الله أكبر.
الله أكبر.
أشهد أن لا إله إلا الله.
أشهد أن محمدا رسول الله.
حي على الصلاة.
حي على الفلاح قد قامت الصلاة.
قد قامت الصلاة.
الله أكبر.
الله أكبر.
لا إله إلا الله]
.
وبهذا قال أحمد، وهو قول أكثر العلماء.

واحتجوا بحديث عبد الله بن زيد، وقد أوردناه في فقه الحديث في الباب السابق، وقد رواه أبو داود بإسناد صحيح، وروى الترمذي بعضه وقال صحيح حسن.

وقال مالك: الإقامة عشر كلمات، وأفرد قد قامت الصلاة.
والزيادة التي في الرواية الأولى من هذا الباب، وهي ويوتر الإقامة، إلا الإقامة تعارضه.

وقال أبو حنيفة: الإقامة سبع عشرة كلمة، مثل الأذان عندهم خمس عشرة كلمة، مع زيادة ( قد قامت الصلاة) مرتين.

واحتج لأبي حنيفة وموافقيه بحديث أبي محذورة، أن النبي صلى الله عليه وسلم علمه الأذان تسع عشرة كلمة، والإقامة سبع عشرة كلمة، رواه أبو داود والترمذي وقال: حديث حسن صحيح.

وبما روي عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن عبد الله بن زيد، قال: كان أذان رسول الله صلى الله عليه وسلم شفعا شفعا، في الأذان والإقامة قالوا: وقياسا على الأذان.

وعورضوا بالرواية الأولى من روايات الباب، وفيها عن أنس أمر بلال أن يشفع الأذان، ويوتر الإقامة.

وقد رواها البخاري ومسلم والبيهقي بإسنادين صحيحين، فأجاب بعضهم بدعوى النسخ وأن إفراد الإقامة كان أولا، ثم نسخ بحديث أبي محذورة، الذي رواه أصحاب السنن، وفيه تثنية الإقامة، وهو متأخر عن حديث أنس، فيكون ناسخا، وقد أنكر أحمد على هؤلاء الذين ادعوا النسخ، واحتج بأن النبي صلى الله عليه وسلم رجع بعد الفتح إلى المدينة وأقر بلالا على إفراد الإقامة، وعلمه سعد القرظ فأذن به بعده، كما رواه الدارقطني والحاكم.

وأجاب الجمهور عن رواية عبد الرحمن بن أبي ليلى عن عبد الله بن زيد التي احتج بها الحنفية بأن حفاظ الحديث اتفقوا على أن ابن أبي ليلى لم يدرك عبد الله بن زيد، وبأن المشهور عن عبد الله بن زيد، إفراد الإقامة كما سبق.

كما أجابوا عن حديث أبي محذورة الذي احتج به الحنفية بأن الرواية اختلفت عنه، فروى جماعة عنه إفراد الإقامة، وروى آخرون تثنيتها، ولهذا روى مسلم في صحيحه الأذان عن أبي محذورة، ولم يرو الإقامة عنه لعدم صحتها عنده، ثم إن الجمهور وأصحاب أبي حنيفة متفقون على عدم العمل بظاهر حديث أبي محذورة، لأن فيه الترجيع وتثنية الإقامة، والحنفية لا يقولون بالترجيع والجمهور لا يقول بتثنية الإقامة، فلابد للجمهور وللحنفية من تأويله، فكان الأخذ بإفراد الإقامة أولى، لأنه الموافق لباقي الروايات والأحاديث الصحيحة كحديث أنس وغيره، ثم إن الثابت أن أبا محذورة وأولاده من بعده في مكة كانوا على ترجيع الأذان وإفراد الإقامة، وأن سعد القرظ وأولاده من بعده في المدينة المنورة كانوا على إفراد الإقامة إلى عهد الدولة الفاطمية.

ثم إن قياس الإقامة على الأذان قياس مع الفارق، لاختلاف الغرض من كل منهما، ولذا شرع الأذان على مكان عال، بخلاف الإقامة، وأن يكون الصوت في الأذان أعلى منه في الإقامة، وأن يكون الأذان مرتلا والإقامة مسرعة.
والله أعلم.

هذه هي المذاهب الرئيسة في ألفاظ الإقامة، وهناك أقوال متفرقة في المذاهب، منها ما حكاه إمام الحرمين أنها تسع كلمات، بإفراد [قد قامت الصلاة، والتكبير في آخرها] وما حكاه القاضي حسين من أنها ثمان كلمات بإفراد التكبير في أولها وآخرها، مع إفراد لفظ الإقامة.
والله أعلم.

قال النووي: والحكمة في إفراد الإقامة وتثنية الأذان أن الأذان لإعلام الغائبين، فيكرر ليكون أبلغ في إعلامهم، والإقامة للحاضرين فلا حاجة إلى تكرارها، وإنما كرر لفظ الإقامة خاصة لأنه مقصود الإقامة.

وقال: فإن قيل: قد قلتم: إن المختار الذي عليه الجمهور أن الإقامة إحدى عشرة كلمة، منها [الله أكبر.
الله أكبر]
أولا وآخرا، وهذا تثنية، والجواب: أن هذا وإن كان صورة تثنية فهو بالنسبة إلى الأذان إفراد، ولهذا قال أصحابنا: يستحب للمؤذن أن يقول كل تكبيرتين بنفس واحد، فيقول في أول الأذان [الله أكبر الله أكبر] بنفس واحد.
ثم يقول: [الله أكبر الله أكبر] بنفس آخر.
اهـ.

قال الحافظ ابن حجر معقبا: وهذا إنما يأتي في أول الأذان، لا في التكبير الذي في آخره، فينبغي للمؤذن أن يفرد كل تكبيرة من اللتين في آخره بنفس.
اهـ.

وقد ذكر النووي في المجموع مسائل كثيرة متعلقة بالأذان، ولتمام الفائدة نورد منها:

أنهم اتفقوا على اشتراط ووجوب ترتيب ألفاظ الأذان، لأنه إذا عكس لا يعلم السامع أن ذلك أذان، فإن أتى بالنصف الثاني أولا، ثم بالنصف الأول فالنصف الثاني باطل، والأول صحيح، له أن يبني عليه، ويأتي بعده بالنصف الثاني، ولو استأنف الأذان كان أولى، ولو ترك بعض كلماته أتى بالمتروك وما بعده، ولو استأنف كان أولى.

وأما الكلام أثناء الأذان فقد قال الشافعية: إنه مكروه بلا خلاف، فإن عطس حمد الله في نفسه، وبنى، وإن سلم عليه إنسان أو عطس لم يجبه ولم يشمته حتى يفرغ، فإن أجابه أو شمته، أو تكلم بغير ذلك لمصلحة لم يكره، وكان تاركا للفضل، ولو رأى أعمى يخاف وقوعه في بئر وجب إنذاره، ويبني على أذانه، وإذا تكلم فيه لمصلحة أو لغير مصلحة لم يبطل أذانه إن كان يسيرا؛ لأنه ثبت أن الرسول صلى الله عليه وسلم تكلم في الخطبة، فالأذان أولى ألا يبطل، وإن طال الكلام أو سكت سكوتا طويلا أو نام أو أغمى عليه في الأذان فالأرجح وجوب الاستئناف.

وأما إذا تكلم أثناء الإقامة فمذهب الشافعية أنه لا يضر اليسير، وعن الزهري: تبطل إقامته، ودليلنا أنه لم تبطل الخطبة، وهي شرط لصحة الصلاة، فالإقامة أولى.

ولو زاد في الأذان ذكرا، أو زاد في عدد كلماته لم يبطل أذانه إذا لم يؤد إلى اشتباه الأذان بغيره عند السامعين.

والمستحب أن يترسل في الأذان، أي يرتل ويتأنى في كلماته ولا يتعجل، وأن يدرج في الإقامة أي يصل كلماتها بعضها ببعض، بدون مهلة بينها، لأن الأذان للغائبين، فكان الترسل فيه أبلغ، والإقامة للحاضرين، فكان الإدراج فيها أحسن.

ويستحب أن يقف المؤذن على أواخر الكلمات في الأذان، لأنه روي موقوفا.
قال الهروي: وعوام الناس يقولون [الله أكبر] بضم الراء وكان أبو العباس المبرد يفتح الراء، فيقول [الله أكبر الله أكبر] الأولى مفتوحة والثانية ساكنة، قال لأن الأذان سمع موقوفا، كقوله [حي على الصلاة.
حي على الفلاح]
فكان الأصل أن يقول [الله أكبر.
الله أكبر]
بإسكان الراء، فحركت فتحة الألف من اسم الله تعالى في اللفظة الثانية لسكون الراء قبلها، ففتحت كقوله تعالى: { { ألم* الله لا إله إلا هو } } [آل عمران: 1-2] وقال صاحب التتمة: يجمع كل تكبيرتين بصوت، لأنه خفيف، وأما باقي الكلمات فيفرد كل كلمة بصوت، وفي الإقامة يجمع كل كلمتين بصوت والله أعلم.

ويكره التمطيط والتمديد الزائد، ويكره تفخيم ألفاظه والتشدق فيه وحكاية كلام الجبابرة والمتكبرين والمتفيقهين، وينبغي أن يكون صوته بتحزين وترقيق، ليس فيه جفاء كلام الأعراب، ولا لين كلام المتماونين.

ولو أذن بلغة أجنبية كالفارسية والإنجليزية، فإن كان أذانه لنفسه وهو يحسن العربية لم يجزئه، كأذكار الصلاة، وإن كان لا يحسنها أجزأه وعليه أن يتعلمها وإن أذن لجماعة، فإن كان فيهم من يحسن العربية لم يجزئه فإن لم يكن صح.

ولا يصح الأذان إلا من مسلم عاقل، لأنه عبادة، والمجنون وغير المسلم ليسا من أهل العبادة، وأما أذان السكران فإن كان في أول النشوة صح، وإلا فلا يصح على المشهور.

ويصح أذان الصبي المميز كما تصح إمامته، لأنه من أهل العبادات لأنه يقبل خبره فيما طريقه المشاهدة.
هذا هو المذهب عند الشافعية، وبه قال مالك وأحمد ومذهب أبي حنيفة وداود أن أذان الصبي لا يصح.
لكن القائلين بصحته يقولون بكراهته لجماعة الرجال، لأنه يخاف غلطه ولأن فيه تغريرا بالسامعين وإيهاما أنه ليس بأذان، وأنه من عبث الصبيان.

ويستحب أن يكون المؤذن عدلا، يصون دينه ومروءته، لأنه أمين على المواقيت، ولأنه يقف على مكان عال، فإن لم يكن أمينا لم يؤمن أن ينظر إلى العورات فإن أذن فاسق صح أذانه وهو مكروه، قال الشافعية: وإنما يصح أذانه في تحصيل وظيفة الأذان، ولا يجوز تقليده وقبول خبره في دخول الوقت، لأن خبره غير مقبول.

وأن يكون عارفا بالمواقيت، ويشترط هذا فيمن يولى ويرتب للأذان أما من يؤذن لنفسه، أو يؤذن لجماعة مرة فلا يشترط معرفته بمواقيت الصلاة، بل إذا علم دخول وقت الأذان لتلك الصلاة صح أذانه لها، بدليل صحة أذان الأعمى وسيأتي الكلام عنه بالتفصيل في شرح الحديث التالي.

ويستحب أن يكون على طهارة، فإن أذن وهو محدث أو جنب أو أقام الصلاة وهو محدث أو جنب صح أذانه وإقامته، لكنه مكروه باتفاق، والكراهة في الجنب أشد منها في المحدث، وفي الإقامة أغلظ منها في الأذان، هذا مذهب الشافعية، وبه قال الحسن البصري وقتادة وأبو حنيفة وأحمد وأبو ثور وداود وابن المنذر.

وقالت طائفة منهم عطاء ومجاهد والأوزاعي وإسحاق: لا يصح أذانه ولا إقامته.

وقال مالك: يصح الأذان، ولا يقيم إلا متوضئا.
وأصح ما يحتج به في المسألة حديث المهاجر بن قنفذ رضي الله عنه قال أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبول، فسلمت عليه فلم يرد علي حتى توضأ، ثم اعتذر إلي، فقال: إني كرهت أن أذكر الله إلا على طهر أو قال على طهارة حديث صحيح، رواه أحمد وأبو داود والنسائي وغيرهم بأسانيد صحيحة.

لكنه إن دل فإنما يدل على الكراهة، لا على عدم الصحة، وأما ما رواه الترمذي عن الزهري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا يؤذن إلا متوضو فقد قال الحافظ أنه موقوف على أبي هريرة، ومنقطع، لأن الزهري لم يدرك أبا هريرة.

ويستحب أن يؤذن على مكان عال من منارة أو غيرها، لأنه أبلغ في الإعلام، ولا يستحب في الإقامة أن تكون على موضع عال إلا إذا كان المسجد كبيرا، تدعو الحاجة فيه إلى العلو للإعلام [والأذان والإقامة في مكبر الصوت في هذه الأيام يغني عن المكان العالي] .

والسنة أن يؤذن قائما مستقبل القبلة، فلو أذن قاعدا أو مضطجعا أو إلى غير القبلة كره وصح أذانه، لأن المقصود الإعلام، وقد حصل.
وقد سبق شرح هذه النقطة بالتفصيل في الحديث السابق فلتراجع.

والسنة أن يلتفت في الحيعلتين يمينا وشمالا ولا يستدبر.

والمستحب عند الشافعية وأحمد أن يكون المقيم هو المؤذن، لأن زياد بن الحارث الصدائي أذن، فجاء بلال ليقيم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن أخا صداء أذن ومن أذن فهو يقيم.

رواه أبو داود والترمذي وغيرهما، وفي إسناده ضعف، وذهب مالك وأكثر أهل الحجاز وأبو حنيفة وأكثر أهل الكوفة إلى جواز أن يؤذن الرجل ويقيم غيره، واختلفوا في الأولوية، وقال أكثرهم: لا فرق، واستدلوا بما رواه أبو داود من حديث عبد الله بن زيد أن بلالا أذن فقال عبد الله: يا رسول الله، إني أرى الرؤيا، ويؤذن بلال؟ قال: فأقم أنت وفي إسناده ومتنه اختلاف.

وطريق الإنصاف أن يقال: الأمر في هذا الباب على التوسعة.
ولا يقال: مكروه، وتختلف الأولوية باختلاف الأحوال.

ويستحب أن يكون الأذان بقرب المسجد، وأن لا يكتفي أهل المساجد المتقاربة بأذان بعضهم، بل يؤذن في كل مسجد واحد.

ويستحب أن يقعد بين الأذان والإقامة قعدة ينتظر فيها الجماعة، لأنه إذا وصل الأذان بالإقامة فات الناس الجماعة، فلم يحصل المقصود بالأذان وهذا في غير المغرب، أما في المغرب فالمستحب عند الشافعية أن يفصل بين أذانها وإقامتها فصلا يسيرا بقعدة أو سكوت أو نحوهما، وبه قال أحمد وأبو يوسف ومحمد، وهو رواية عن أبي حنيفة، وقال مالك: لا يقعد بينهما، وهو المشهور عن أبي حنيفة، ويستحب أن يتحول للإقامة إلى غير موضع الأذان باتفاق العلماء.

ويكره الخروج من المسجد بعد الأذان وقبل الصلاة إلا لعذر والله أعلم.

( ملحوظة) لشرح هذا الحديث علاقة بشرح الحديث السابق والحديث اللاحق فليراجعا.