هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
611 حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ يَحْيَى ، قَالَ : قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثِيِّ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : إِذَا سَمِعْتُمُ النِّدَاءَ ، فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ الْمُؤَذِّنُ
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
611 حدثني يحيى بن يحيى ، قال : قرأت على مالك ، عن ابن شهاب ، عن عطاء بن يزيد الليثي ، عن أبي سعيد الخدري ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إذا سمعتم النداء ، فقولوا مثل ما يقول المؤذن
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير، 

Abu Sa'id al-Khudri reported:

When you hear the call (to prayer), repeat what the Mu'adhdhin pronounces.

شرح الحديث من فـــتح المــــنعم

: : هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،   

عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا سمعتم النداء فقولوا مثل ما يقول المؤذن.


المعنى العام

لما كان من مقاصد الأذان الدعوة إلى الصلاة، سيقت أحاديث للإشعار بهذا المقصد، ولما كان من ثمراته فضيلة أذان المنفرد، وحقن الدماء عند وجود الأذان، وإثابة السامع إذا قال مثل ما يقول المؤذن، وإثابة الداعي عقب الأذان، سيقت هذه الأحاديث للإعلام بهذه الثمرات.

فالرواية الأولى يبين فيها الراوي عادة الرسول صلى الله عليه وسلم وشأنه حين كان يريد الإغارة على مجموعة من الأعداء، فقد كان يختار لهجومه وقت الفجر، لأنه الوقت الذي يغفل فيه السهران، ويأمن فيه المترقب للشر، وكان قبل هجومه يتسمع القوم، فإن سمع منهم أذانا استدل به على أنهم مسلمون مسالمون، فيرجع عنهم، فإن لم يسمع بينهم أذان الفجر، باغتهم وهجم عليهم، وفي سفر من الأسفار، وعند الفجر تسمع، فإذا صوت يقول: الله أكبر.
الله أكبر.
قال عليه الصلاة والسلام: أنت على فطرة الإسلام يا صاحب الصوت، فسمع: أشهد أن لا إله إلا الله.
قال عليه الصلاة والسلام: خرجت بهذا القول من النار واستحققت دخول الجنة، فنظر أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم مصدر الصوت فإذا هو بدوي يرعى معزي، ويؤذن لنفسه ليؤدي صلاة الفجر، ومن مدحه صلى الله عليه وسلم فهم الصحابة فضل أذان المنفرد، وغبطوا المؤذنين على فضيلة التأذين، فجاءوا يقولون يا رسول الله: إن المؤذنين يفضلوننا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قولوا كما يقولون، فإذا انتهيتم فسلوا الله يستجب لكم، إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثلما يقول: فإذا قال: حي على الصلاة، فقولوا: لا حول ولا قوة إلا بالله، وإذا قال: حي على الفلاح فقولوا كذلك: لا حول ولا قوة إلا بالله، فإن من تابع حتى ينتهي، يقول بلسانه مثلما يقول، ويصدق بقلبه ما ينطق به لسانه دخل الجنة، فإذا ما انتهيتم من محاكاة الأذان، فصلوا علي وسلموا تسليما.
فإن من صلى علي مرة واحدة كافأه الله بعشر من أمثالها، وأعطاه ثواب عشر صلوات، ثم اسألوا الله لي الوسيلة، وهي الدرجة الفريدة العالية التي لا ينالها إلا عبد واحد من عباد الله.
وأرجو أن أكون ذلك الرجل، اسألوا الله لي الوسيلة والفضيلة والدرجة الرفيعة العالية في الجنة تنالوا شفاعتي، ثم قولوا: رضينا بالله ربا، وبمحمد رسولا، وبالإسلام دينا، ثم سلوا الله ما شئتم تنفتح لدعائكم أبواب السموات.

المباحث العربية

( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغير إذا طلع الفجر) الغارة كبس القوم على غفلة، وهي بليل أولى، ولعل تأخيرها للفجر لاستماع الأذان، للتحقق من عدم إسلام من يغير عليهم، والتعبير بالمضارع يغير مع كان لإفادة أنها كانت عادته المستمرة.

( فإذا سمع أذانا أمسك) أي عن الإغارة.

( فسمع رجلا) لم أقف على حادثته، وعند أي غزوة كانت؟ لكن الأسلوب يعطي أنها كانت عند إغارة ما، وظاهره أنه لم يثبت من أذان الراعي إسلام القوم المقصود الإغارة عليهم، باعتباره بدويا راعيا متنقلا.

( على الفطرة) خبر لمبتدأ محذوف، أي أنت في نطقك بالتكبير على الفطرة التي فطر الله الناس عليها، وهي الطبيعة والاستعداد للدين والانطباع عليه.

( خرجت من النار) أي بالتوحيد، وقد أشار بذلك إلى استمراره على الفطرة، وعدم تصرف أبويه فيه بالتهويد أو التنصير، والتعبير بالماضي للتفاؤل باستمراره على الإسلام حتى الموت.

( فإذا هو راعي معزي) بكسر الميم، وسكون العين، وفتح الزاي اسم جنس، كالمعز، بفتح الميم وسكون العين، وقد تحرك، وواحدها ماعز للذكر والأنثى.

( إذا سمعتم النداء) أي الأذان، فالألف واللام للعهد.

( فقولوا مثل ما يقول المؤذن) مثل منصوب على أنه صفة لمصدر محذوف، أي قولوا قولا مثل قول المؤذن، على أن ما مصدرية، أو قولوا قولا مثل الذي يقوله المؤذن، على أنها موصولة، والمثل والمثيل الشبيه والنظير، والمراد المشابهة في الألفاظ، لا في النغمة ورفع الصوت.

( ثم صلوا علي) الصلاة في اللغة الدعاء، والمراد هنا ادعوا الله لي بتعظيم شأني في الدنيا، بإعلاء ذكري، وإظهار سنتي، وفي الآخرة بتشفيعي في أمتي وبإكثار أجري ومثوبتي، وكيفيتها وحكمها في فقه الحديث.

( صلى الله عليه بها عشرا) الصلاة من الله الرحمة والمثوبة، أي أعطاه الله تعالى في مقابل صلاته على أجر عشر صلوات.

( ثم سلو الله لي الوسيلة) الوسيلة هي ما يتقرب به إلى الكبير، يقال: توسلت أي تقربت، وتطلق على المنزلة العلية، قال الحافظ ابن حجر: ويمكن ردها إلى الأول بأن الواصل إلى تلك المنزلة قريب من الله، فتكون كالقربة التي يتوسل بها.
اهـ.
وقد فسرها الرسول صلى الله عليه وسلم بأنها منزلة في الجنة.

( لا تنبغي إلا لعبد) وفي رواية لا ينبغي بالياء، أي لا تتيسر ولا تكون إلا لعبد واحد.

( وأرجو أن أكون أنا هو) قيل أنا تأكيد للضمير المستتر في أكون وهو خبر أكون وضع بدل ضمير النصب إياه ويحتمل أن لا يكون أنا تأكيدا، بل مبتدأ، وهو خبره والجملة خبر أكون ويمكن أن يقال: إن هو وضع موضع اسم الإشارة أي أكون أنا ذلك العبد.

( فمن سأل الوسيلة حلت له الشفاعة) أي استحقت ووجبت، وقد وقع في الطحاوي من حديث ابن مسعود وجبت له أو نزلت عليه الشفاعة ونالته يقال: حل يحل بضم الحاء إذا نزل، واللام بمعنى على، يؤيد ذلك رواية حلت عليه الشفاعة ولا يجوز أن يكون حلت من الحل، لأنها لم تكن قبل ذلك محرمة.

( وإذا قال المؤذن: الله أكبر.
الله أكبر...إلخ)
قال النووي: معناه قال كل نوع من هذا مثنى، كما هو المشروع، فاختصر صلى الله عليه وسلم من كل نوع شطره، تنبيها على باقيه.

( لا حول ولا قوة إلا بالله) قال النحاة: يجوز فيها خمسة أوجه.
[لا حول ولا قوة] بفتحهما دون تنوين، وفتح الأول ونصب الثاني منونا ورفعهما منونين، وفتح الأول ورفع الثاني منونا، وعكسه، والحول الحركة، أي لا حركة ولا استطاعة إلا بمشيئة الله، وقيل: لا حول في دفع شر، ولا قوة في تحصيل خير إلا بالله، وقيل: لا حول عن معصيته إلا بعصمته، ولا قوة على طاعته إلا بمعونته، ويقال في التعبير عن قولهم: لا حول ولا قوة إلا بالله: الحوقلة، هكذا قاله الأزهري والأكثرون.
وقال الجوهري: الحولقة، فعلى الأول، وهو المشهور الحاء والواو من الحول، والقاف من القوة، واللام من اسم الله تعالى، وعلى الثاني الحاء واللام من الحول، والقاف من القوة، والأول أولى، لئلا يفصل بين الحروف، ومثل الحوقلة الحيعلة في حي على الصلاة حي على الفلاح.
حي على كذا.
ولم يقولوا: حيفل، في حي على الفلاح، ولا حيصل، في حي على الصلاة لأن الباب مسموع، قال المطرز: الأفعال التي أخذت من أسمائها سبعة: بسمل إذا قال بسم الله، وسبحل إذا قال سبحان الله وحمدل إذا قال الحمد لله وهيلل إذا قال لا إله إلا الله، وحوقل إذا قال لا حول ولا قوة إلا بالله وحيعل إذا قال حي على الفلاح، وجعفل إذا قال جعلت فداءك.
وزاد الثعالبي طبلق إذا قال أطال الله بقاءك ودمعز إذا قال أدام الله عزك.

( من قلبه) أي إذا خالصا من قلبه مثلما قال المؤذن، فقوله من قلبه راجع إلى جميع ما ذكر من ألفاظ الأذان.

( من قال حين يسمع المؤذن) أي بعد انتهائه من الأذان فإن ما ذكر من قبيل الذكر والدعاء عقب الأذان.

( رضيت بالله ربا) أي اخترته واكتفيت به، ولم أطلب غيره، ورضيت بجميع قضائه وقدره، وربا تمييز محول عن المضاف، أي رضيت بربوبيته ويحتمل أن يكون حالا، أي رضيت بالله مربيا ومالكا، وكذا يقال في رسولا ودينا في الجملتين التاليتين.

( وأنا أشهد) الواو عاطفة على محذوف، والتقدير: شهدت أيها المؤذن بكذا، وأنا أشهد مثلك.

فقه الحديث

قال النووي: واعلم أنه يستحب إجابة المؤذن، بالقول مثل قوله لكل من سمعه، من متطهر ومحدث وجنب وحائض وغيرهم ممن لا مانع له من الإجابة ومن أسباب المنع أن يكون في الخلاء أو جماع أهله، أو نحوهما.
اهـ.
فإذا فرغ من ذلك تابع.

وظاهر الرواية الثانية والثالثة، وفيهما إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول أن المطلوب محاكاة المؤذن في جميع كلمات الأذان، وبهذا قيل، لكن الرواية الرابعة عن عمر بن الخطاب تدل على أنه يستثنى من ذلك [حي على الصلاة، وحي على الفلاح] فيقول بدلهما: لا حول ولا قوة إلا بالله، وهذا هو المشهور، وما عليه الجمهور، ووجه من حيث المعنى بأن الأذكار الزائدة على الحيعلة يشترك السامع والمؤذن في ثوابها، وأما الحيعلة فمقصودها الدعاء إلى الصلاة، وذلك يحصل من المؤذن، فعوض السامع عما يفوته من ثواب الحيعلة بثواب الحوقلة، وقال الطيبي: معنى الحيعلتين هلم بوجهك وسريرتك إلى الهدى عاجلا والفوز بالنعيم آجلا، فناسب أن يقول السامع: هذا أمر عظيم، لا أستطيع القيام به مع ضعفي، اللهم إلا إذا وفقني الله بحوله وقوته.
اهـ وهذا القول يحمل رواية العام على رواية الخاص.

وحكى بعض المتأخرين عن بعض أهل الأصول أن الخاص والعام إذا أمكن الجمع بينهما وجب إعمالهما، وعليه يشرع للسامع أن يجمع بين الحيعلة والحوقلة، وهو وجه عند الحنابلة، وقال ابن المنذر: يحتمل أن يكون ذلك من الاختلاف المباح، فيقول تارة كذا وتارة كذا.
اهـ.

قال الحافظ ابن حجر: ويقرب من ذلك الخلاف في قول المأموم [سمع الله لمن حمده -أو ربنا ولك الحمد] .

وذهب بعض الحنفية إلى أنه يسن لسامع حي على الصلاة أن يقول لا حول ولا قوة إلا بالله، ولسامع حي على الفلاح أن يقول: ما شاء الله، روي مثله عن عثمان، وروي عن سعيد بن جبير قال: يقول في جواب الحيعلة: سمعنا وأطعنا.

قال الحافظ ابن حجر: ووراء ذلك وجوه من الاختلاف أخرى قيل: لا يجيبه إلا في التشهدين فقط، وقيل هما والتكبير، وقيل: يضيف إلى الحوقلة دون ما في آخره، وقيل: مهما أتى به مما يدل على التوحيد والإخلاص كفاه، وهو اختيار الطحاوي، وحكوا أيضا خلافا.
هل يجيب في الترجيع أولا؟ وفيما إذا أذن مؤذن آخر، هل يجيبه بعد إجابته للأول أولا؟ اهـ.

وظاهر الرواية الثانية والثالثة أن السامع يقول أيضا الصلاة خير من النوم عندما يسمعها في أذان الصبح، وقد حكى النووي في ذلك خلافا، فقال: يقول فيها: صدقت وبررت، وقيل يقول: صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة خير من النوم.

وقد ذهب أبو الفتح اليعمري إلى أن القول مثلما يقول المؤذن محله بعد انتهاء المؤذن من أذانه، والصحيح الذي تدل عليه الأحاديث إجابة كل كلمة عقب انتهائه منها، والرواية الرابعة في هذا الباب صريحة في ذلك.

واختلفوا في المصلي يسمع الأذان، فقالت الحنفية: لا يجيب في الصلاة مطلقا، فرضا كانت أو نفلا، ويجيب بعد الفراغ منها، وقالت الشافعية: تكره الإجابة في الصلاة، لأنه إعراض عنها ولو بالذكر، لكنه إن قال في صلاته: حي على الصلاة، أو حي على الفلاح، أو الصلاة خير من النوم، بطلت صلاته، إن كان عالما بتحريمه، لأنه كلام آدمي قال النووي: وفرق ابن عبد السلام بين ما إذا كان يقرأ الفاتحة فلا يجيب، بناء على وجوب موالاتها، وإلا فيجيب، وعلى هذا إن أجاب في الفاتحة بالذكر استأنف.
اهـ وعند المالكية أقوال، قيل: يحكي في النافلة دون الفريضة، وقيل: يحكي فيهما، وقيل: لا يحكي فيهما.

وحكم الإقامة في الإجابة حكم الأذان، إلا في قوله: قد قامت الصلاة فيقول: أقامها الله وأدامها.

وهل القول مثلما يقول المؤذن واجب أو مستحب؟

ذهب الحنفية وابن وهب من أصحاب مالك والظاهرية إلى أنه واجب واحتجوا بأن الأمر المطلق المجرد عن القرائن يدل على الوجوب، لا سيما وقد تأيد ذلك بما روي من الأخبار والأثار في الحث على الإجابة، وقد روى ابن أبي شيبة عن المسيب بن رافع عن عبد الله قال من الجفاء، أن تسمع المؤذن ثم لا تقول مثلما يقول قال العيني: ولا يكون من الجفاء إلا ترك الواجب، وترك المستحب ليس من الجفاء، ولا تاركه جاف.
وقالوا: إنه يجب على السامع قطع القراءة، وترك الكلام والسلام ورده وكل عمل غير الإجابة، فهذا كله أمارة الوجوب.
وأجابوا عن الرواية الأولى من بابنا وفيها أن الرسول صلى الله عليه وسلم أجاب الراعي بغير لفظ الأذان، قالوا: يجوز أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم قد قال مثله ولم ينقله الراوي اكتفاء بالعادة، ونقل القول الزائد.
ويجوز أن يكون ذلك وقع قبل صدور الأمر.

وقال الشافعي ومالك وأحمد وجمهور الفقهاء: إن الأمر محمول على الاستحباب، واستدلوا بالرواية الأولى من روايات الباب، وقالوا: إن الأذان الذي هو الأصل ليس بواجب على كل أحد، فالإجابة لا تكون واجبة من باب أولى، وتبعية قول الحاكي القول المحكي الذي هو الأذان قرينة صارفة للأمر عن الوجوب، وأنه على الاستحباب والندبة إلى الخير وإصابة الفضل، كما قد علم الناس من الدعاء الذي أمرهم أن يقولوه دبر كل صلاة، وما أشبه ذلك، والله أعلم.

وتأمر الرواية الثالثة بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عقب الأذان، فتقول إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثلما يقول، ثم صلوا علي، فإنه من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا.

والأمر بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث محمول على الندب عند الجمهور، وقالوا: صرفه عن الوجوب ما في الحديث من الترغيب في الثواب فإن مثله يستعمل في المستحب غالبا، وذهب قليل من العلماء إلى أنه باق على الوجوب، والعيني يميل إلى هذا الرأي، حيث يقول: يستفاد من الحديث وجوب الحكاية، ووجوب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد الإجابة ولا سيما وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم في الأذان، فإن الطحاوي أوجب الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم كلما سمع ذكره.

وظاهر الحديث جواز الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم مفرده بدون السلام فتقول مثلا: صلى الله عليه.
وإلى ذلك ذهب كثيرون، وقال بعضهم: يكره إفراد الصلاة عن السلام.
قال الحافظ ابن حجر: الحق أن المراد بالكراهة خلاف الأولى، لأنه لم يوجد مقضيها من النهي المخصوص.
اهـ.

والكيفية الكاملة للصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم هي فيما رواه الشيخان والنسائي وأبو داود وغيرهم أنه لما نزل قوله تعالى: { { إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما } } [الأحزاب: 56] قال رجل: يا رسول الله.
أما السلام عليك فقد علمناه، فكيف الصلاة عليك؟ قال: قل: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.

والأمر بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث موجه لمن سمع الأذان، ومثله في ذلك المؤذن، لفراغه من الأذان حينئذ، ولعدم ما يشغله، ولأنه دخل في قوله: من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا.

وكيفما وقعت الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عقب الأذان حصل المقصود وأجيب الأمر، لكن بعض المتشددين يحملون على الكيفية التي اعتادها غالب مؤذني زماننا، من رفع الصوت بها عقب الأذان، ويقولون: إنها بدعة تخالف هدى الرسول صلى الله عليه وسلم وقد حدثت في عهد صلاح الدين بن أيوب ( سنة 781 هـ) ويستدلون على مذهبهم بقول الحافظ ابن حجر: وقد أحدث المؤذنون رفع الصوت بالصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم عقب الأذان، في الفرائض الخمس... وقد استفتى مشايخنا وغيرهم في الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم بعد الأذان على الكيفية التي يفعلها المؤذنون، فأفتوا بأن الأصل سنة والكيفية بدعة.
اهـ.

وعندي أن الحديث لم يتعرض للسر والجهر، فكيفما وقعت الصلاة حصل المقصود، وذكر الله تعالى مطلوب جهرا وسرا، حيث لا يؤدي جهره إلى الرياء والسمعة، وقد يفيد الجهر ما لا يفيده السر من الحث على الاقتداء، أو الإثابة بالسماع، وقد ضعفت الهمم في زماننا، وقل تيقظ الناس للسنن، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عقب الأذان بهذه الكيفية تدفع السامعين إلى محاكاتها، وترديدها مع المؤذن، أو الإصغاء لها واستشعارها، ولو أننا اعتبرنا كل كيفية لم تكن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم بدعة منكرة لمنعنا قراءة القرآن في المذياع، ومنعنا المصاحف المكتوبة بكيفية غير الكيفية التي كانت عليها، وهكذا، والمسألة فيما أعتقد أنه لا يؤمر بهذه الكيفية ولا ينهي عنها، إلا إذا أحدثت ضررا من تشويش على المصلين أو نحوه.
والله أعلم.

هذا ما يتعلق بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عقب الأذان، أما حكمها عموما فقد قال الأبي: الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم فرض في الجملة، مرة في العمر وحمل الطبري الآية على الندب، قال في الشفاء: ولعله فيما زاد على المرة، وهي في التشهد قيل: سنة، وقيل: فرض، وقيل: فضيلة، وتستحب في غير ذلك، عند الفراغ من حكاية قول المؤذن، لهذا الحديث، وعند ذكر اسمه صلى الله عليه وسلم، أو كتابته، لحديث رغم أنف رجل ذكرت عنده فلم يصل علي وحديث من صلى علي في كتاب لم تزل الملائكة تستغفر له مادام اسمي في هذا الكتاب وتستحب بعد البسملة في الرسائل، ومضى عليه عمل الأمة، ولم يكن في الصدر الأول وإنما حدث عند ولاية بني هاشم، ثم استمر عمل المسلمين عليه بجميع الأقطار ومنهم من يختم به أيضا.
اهـ.

والمتتبع لكتب الحديث يجد الرواة جميعا بدون استثناء، وعلى رأسهم الصحابة والخلفاء الراشدون وأمهات المؤمنين، يلتزمون الصلاة عليه والتسليم كلما ذكر اسمه صلى الله عليه وسلم ولو تكرر في الحديث الواحد مرات ومرات، وهذا الالتزام الذي لم يتخلف سند للطحاوي في قوله بوجوب الصلاة عليه كلما ذكر اسمه صلى الله عليه وسلم، وإن كنت أميل إلى الاستحباب.
والله أعلم.

أما سؤال الوسيلة فقد جاء في رواية البخاري من قال حين يسمع النداء: اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمدا الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته، حلت له شفاعتي يوم القيامة قال الحافظ ابن حجر: والفضيلة يحتمل أن تكون منزلة أخرى، أو تفسيرا للوسيلة، وقال ابن الجوزي: والأكثر على أن المراد بالمقام المحمود الشفاعة.
اهـ.

فاشتملت رواية البخاري على سؤال الوسيلة والفضيلة والمقام المحمود فهي أوفى من رواية مسلم، قال بعضهم: والحكمة في سؤال ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم مع كونه واقعا له بوعد الله تعالى -حيث قال: { { عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا } } [الإسراء: 79] وعسى من الله للواقع، وليس على بابه من الترجي- الحكمة في سؤال ذلك إظهار شرفه، وعظم منزلته، والعبادة بالدعاء، ونيل الأجر عليه، وهذا القول أولى من قول بعضهم: إنه صلى الله عليه وسلم قاله قبل أن يوحى إليه بوقوعه ومن قول بعضهم: إن هذا السؤال لطلب الدوام والثبات.
والله أعلم.

قال الحافظ ابن حجر: استشكل بعضهم جعل الشفاعة جزاء لسؤال الوسيلة مع أن الشفاعة للمذنبين، وأجيب بأن له صلى الله عليه وسلم شفاعات أخرى، كإدخال الجنة بغير حساب، وكرفع الدرجات، فيعطي كل أحد ما يناسبه.
اهـ.

واستشكل بعضهم على الرواية الرابعة أنها جعلت دخول الجنة في مقابلة حكاية الأذان، والقول مثلما يقول المؤذن، مع أن كل مؤمن لابد له من دخول الجنة حيث مات على الإيمان، وإن لم يحك قول المؤذن، وأجاب بأن المراد أنه يدخل الجنة مع السابقين، وليس جوابه بجواب، بل الجواب أن من قال بلسانه ومن قلبه -كما ينص الحديث- مثلما يقول المؤذن كان مسلما مؤمنا، ومن كان كذلك دخل الجنة، فالإشكال غير وارد من أساسه، وإنما يرد الإشكال لو أن الحديث قال: من لم يقل مثل قول المؤذن لا يدخل الجنة.

وقد تعرضت الرواية الخامسة لذكر ودعاء آخر عقب الأذان، غير الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وسؤال الوسيلة، وهو أشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، رضيت بالله ربا، وبمحمد نبيا ورسولا وبالإسلام دينا والجمع بينهما مستحب، بل هناك من الأدعية الأخرى غير ما ورد ولا مانع من الجمع والإكثار من الدعاء في هذا الوقت المفضل، الذي يكون فيه الدعاء أقرب ما يكون إلى الإجابة، من تلك ما رواه أحمد والطبراني عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من قال حين ينادي المنادي: اللهم رب هذه الدعوة القائمة والصلاة النافعة، صل على محمد، وأرض عني رضا لا سخط بعده استجاب الله دعوته وما رواه الحاكم عن أبي أمامة مرفوعا: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سمع المؤذن قال: اللهم رب هذه الدعوة المستجابة، المستجاب لها دعوة الحق وكلمة التقوى، توفني عليها، وأحيني عليها، واجعلني من صالحي أهلها عملا يوم القيامة وهذه الروايات، وإن لم تكن قوية يعمل بها في فضائل الأعمال.

ولم تتعرض أحاديثنا لما يقال من الذكر والدعاء عقب الإقامة، لكن النووي في الأذكار يقول: روينا في كتاب ابن السني عن أبي هريرة أنه كان إذا سمع المؤذن يقيم يقول: اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة، صل على محمد، وآته سؤله يوم القيامة.
والله أعلم.

ويؤخذ من الحديث

1- استحباب التكبير عند الإغارة، لأنه وقت غفلة الأعداء.

2- أن الأذان يمنع الإغارة ويحقن الدماء.

3- أن الأذان شعار لدين الإسلام، وأنه أمر واجب، لا يجوز تركه، ولو أن أهل بلد اجتمعوا على تركه، وامتنعوا كان للسلطان قتالهم عليه، قال التيمي: وإنما يحقن الدم بالأذان لأن فيه الشهادة بالتوحيد والإقرار بالنبي صلى الله عليه وسلم.

4- أن الأذان مشروع للمنفرد.

5- ويؤخذ من قوله في الرواية الأولى خرجت من النار أن النطق بالشهادتين يكون إسلاما.

6- ويؤخذ منه استحباب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد الفراغ من الأذان.

7- ويستحب لمن رغب غيره في خير أن يذكر له شيئا من آثاره؛ لينشطه لقوله صلى الله عليه وسلم: فإنه من صلى علي مرة صلى الله عليه بها عشرا.
ومن سأل لي الوسيلة حلت له الشفاعة.

8- وفيه مضاعفة الأجر للأمة.

9- واستحباب سؤال الوسيلة له صلى الله عليه وسلم.

10- وفيه اختصاص الوسيلة المذكورة بنبينا صلى الله عليه وسلم.

11- وفيه تواضعه صلى الله عليه وسلم، حيث رغب الأمة في الدعاء له.

12- وفيه إثبات الشفاعة لمن سأل ذلك.

13- وأن الأعمال يشترط لها القصد والإخلاص، لقوله صلى الله عليه وسلم من قلبه.

14- وأن حكاية الأذان فيها فضل عظيم، وأنه يكون بقول السامع كل كلمة بعد فراغ المؤذن منها.

15- استحباب أن يقول السامع عقب الأذان: رضيت بالله ربا..إلخ الدعاء.

16- الحض على الدعاء في أوقات الصلوات، لأنه حال رجاء الإجابة.

والله أعلم