هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
619 حَدَّثَنِي أُمَيَّةُ بْنُ بِسْطَامَ ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ يَعْنِي ابْنَ زُرَيْعٍ ، حَدَّثَنَا رَوْحٌ ، عَنْ سُهَيْلٍ ، قَالَ : أَرْسَلَنِي أَبِي إِلَى بَنِي حَارِثَةَ ، قَالَ : وَمَعِي غُلَامٌ لَنَا - أَوْ صَاحِبٌ لَنَا - فَنَادَاهُ مُنَادٍ مِنْ حَائِطٍ بِاسْمِهِ قَالَ : وَأَشْرَفَ الَّذِي مَعِي عَلَى الْحَائِطِ فَلَمْ يَرَ شَيْئًا ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِأَبِي فَقَالَ : لَوْ شَعَرْتُ أَنَّكَ تَلْقَ هَذَا لَمْ أُرْسِلْكَ ، وَلَكِنْ إِذَا سَمِعْتَ صَوْتًا فَنَادِ بِالصَّلَاةِ فَإِنِّي سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : إِنَّ الشَّيْطَانَ إِذَا نُودِيَ بِالصَّلَاةِ وَلَّى وَلَهُ حُصَاصٌ
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  أو صاحب لنا فناداه مناد من حائط باسمه قال : وأشرف الذي معي على الحائط فلم ير شيئا ، فذكرت ذلك لأبي فقال : لو شعرت أنك تلق هذا لم أرسلك ، ولكن إذا سمعت صوتا فناد بالصلاة فإني سمعت أبا هريرة يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : إن الشيطان إذا نودي بالصلاة ولى وله حصاص
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير، 

شرح الحديث من فـــتح المــــنعم

: : هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،   

عن سهيل قال: أرسلني أبي إلى بني حارثة قال ومعي غلام لنا ( أو صاحب لنا) فناداه مناد من حائط باسمه قال وأشرف الذي معي على الحائط فلم ير شيئا فذكرت ذلك لأبي فقال لو شعرت أنك تلق هذا لم أرسلك ولكن إذا سمعت صوتا فناد بالصلاة فإني سمعت أبا هريرة يحدث عن رسول الله أنه قال إن الشيطان إذا نودي بالصلاة ولى وله حصاص.


المعنى العام

للأذان فضل على كثير من العبادات؟ والتأذين منزلة وشرف منحها الرسول صلى الله عليه وسلم لبلال مقابل صموده أمام التعذيب، وجهره بأحد أحد في وجه عتاة الكافرين.
الأذان صاروخ يصم آذان أعداء الإسلام، ويكبتهم ويشعل الحسرة في صدورهم، الأذان رفع لشأن الإسلام، وإعلاء لكلمته وإعلان عن شعائره، ورفع لرأس المؤذن، وعزة للمسلمين، ومن هنا كان المؤذنون أطول الناس أعناقا يوم القيامة، وأكثرهم عزة وكرامة وفضلا وشأنا، ومن هنا كان الأذان إرغاما للشيطان، وإذلالا، ومجابهة له وخذلانا، إنه إذا سمع الأذان ولى وأدبر، يجري كأنه حمر مستنفرة فرت من قسورة، يجري ويحدث صوتا حين يجري يغطي بصوته على أذنيه كيلا تسمع الأذان، صوت قبيح كالضراط، وحقا لا يخرج الخبيث إلا الخبائث، ولا يهرب الخبيث إلا من الطيبات، يجري ويبتعد مد صوت المؤذن مادام يؤذن، فإذا فرغ من أذانه عاد إليه وإلى أهل المسجد، يوسوس لهم ويغويهم ويأتيهم من خلفهم ومن بين أيديهم، فإذا سمع إقامة الصلاة فر كما تفر الفيران من القط، فر بعيدا عن صوت التوحيد والدعوة إلى الله، فإذا انقضت إقامة الصلاة عاد إلى المصلين، يخطر بينهم وبين قلوبهم، يوسوس لهم، ويزين أمور الدنيا في نفوسهم ويذكرهم في صلاتهم بمتاعهم وأموالهم ونسائهم وأولادهم، ليحول بينهم وبين الخشوع، ويباعد بينهم وبين الإقبال على الله بكل الجوارح، وبقدر جهاد المؤمن للشيطان وبقدر تغلبه عليه في هذا الميدان، وبقدر خشوعه لربه، يكون له من ثواب الصلاة، فقد قال صلى الله عليه وسلم ليس لك من صلاتك إلا ما عقلت منها وإن كثيرا من المصلين يتغلب عليهم شيطانهم، فيخرجون من الصلاة كأنهم ما دخلوا فيها، يقرءون ويركعون ويسجدون وهم لا يشعرون أجسامهم في الصفوف، وأفكارهم مع الشيطان، لا يدركون كم ركعة صلوا؟ ولا ماذا قرءوا؟ ولا كيف بدءوا؟ ولا متى انتهوا؟ إنهم الذين استجابوا لوسوسة الشيطان، إنهم الذين لم يأخذوا حذرهم منه، إنهم الذين نسوا قوله لربه، رب العزة والجبروت: { { لأقعدن لهم صراطك المستقيم* ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين } } [الأعراف: 16-17] نعوذ بالله من الشيطان الرجيم.

المباحث العربية

( المؤذنون أطول الناس أعناقا يوم القيامة) قال النضر: طول العنق حقيقة، وذلك أنه عندما يلجم الناس العرق يوم القيامة تطول أعناقهم، لئلا ينالهم ذلك الكرب والعرق.

وعامة شراح الحديث على أنه كناية، واختلفوا في المراد، فقيل: كناية عن أنهم أكثر الناس تشوقا وتطلعا إلى رحمة الله، وذلك أنه يلزم المتطلع أن يطيل عنقه غالبا إلى ما يتطلع إليه، ويلزمه كثرة ما يرون من ثواب، وقيل: كناية عن أنهم سادة ورؤساء، وذلك أن أطول الناس عنقا أبرزهم وأعلاهم حسا، فأريد أبرزهم وأعلاهم مكانة وقدرا، وقيل: كناية عن أنهم أكثر اتباعا، وهو بعيد، وقيل: كناية عن أنهم أكثر الناس أعمالا حسنة، وهو بعيد أيضا، وأحسن ما قرأت ما قاله الأبي من أنه كناية عن عدم الخجل من الذنوب، لأن الخجل يقصر عنقه، وينكس رأسه، قال تعالى { { ولو ترى إذ المجرمون ناكسوا رءوسهم عند ربهم } } [السجدة: 12] ومن المعلوم أن الكناية لفظ أطلق وأريد منه لازم معناه مع صحة إرادة المعنى الأصلي، فالكنايات المذكورة لا تمنع من طول عنقهم على الحقيقة، وكان الجزاء من جنس العمل، فإنهم كانوا في الدنيا يطيلون أعناقهم ويلوونها يمينا وشمالا بالأذان، وقد جاء عند ابن حبان يعرفون بطول أعناقهم يوم القيامة.

قال القاضي عياض وغيره: ورواه بعضهم إعناقا بكسر الهمزة أي أشد الناس إسراعا إلى الجنة.

( إن الشيطان) الشيطان كل متمرد من الإنس والجن، ولكن المراد هنا شيطان الجن خاصة، قيل المراد به إبليس، وقيل: شيطان المؤذن، وقيل شيطان سامع الأذان، وقيل جنس المتمرد من الجن.

( إذا سمع النداء بالصلاة) أي إذا سمع الأذان لأجل الصلاة، فالباء للسببية، ويحمل رواية مسلم على رواية البخاري في المعنى، ولفظها إذا نودي للصلاة.

( حتى يكون مكان الروحاء) بفتح الراء وبالحاء والمد، وقد بين الرواي المسافة بينها وبين المدينة بستة وثلاثين ميلا، وليس المقصود من الحديث ذهاب الشيطان إلى هذا المكان خاصة، بل هو كناية عن البعد عن المؤذن مسافة طويلة حتى لا يسمع صوته، وكلما ارتفع صوت المؤذن كلما زاد ابتعاد الشيطان عنه.

( إذا سمع النداء بالصلاة أحال) يقال: أحال إلى المكان إذا ذهب إليه، وبالمكان إذا أقام به، وعن المكان إذا ذهب عنه، فهو من التحول والتغير، والمراد هنا: ذهب عن مكان المؤذن، وابتعد هاربا.

( له ضراط) الضراط، بضم الضاد خروج الريح من الدبر بصوت، والجملة إسمية وقعت حالا بدون واو لحصول الارتباط بالضمير، وفي رواية وله ضراط بالواو، قال القاضي عياض: يمكن حمله على ظاهره لأن الشيطان جسم متغذ، يصح منه خروج الريح، ويحتمل أنه كناية عن شدة نفاره، ويقويه رواية له حصاص بضم الحاء، فقد فسرها الأصمعي وغيره بشدة العدو، قال الطيبي: شبه شغل الشيطان نفسه عن سماع الأذان بالصوت الذي يملأ السمع ويمنعه عن سماع غيره، ثم سماه ضراطا تقبيحا له.
اهـ.
فكأنه قال: ولى هاربا محدثا صوتا يشغل به أذنيه عن الأذان، صوتا قبيحا شبيها بالضراط.
ففي الكلام استعارة تصريحية أصلية.

قال العيني: هذا تمثيل لحال الشيطان عند هروبه من سماع الأذان بحال من دهاه أمر عظيم، واعتراه خطب جسيم حتى حصل له الضراط من هول ما هو فيه، لأن الواقع في شدة عظيمة من خوف وغيره تسترخي مفاصله، ولا يقدر على أن يملك نفسه، فينفتح منه مخرج البول والغائط.
ولما كان الشيطان -لعنة الله- تعتريه شدة عظيمة، وداهية جسيمة عند النداء إلى الصلاة، فيهرب حتى لا يسمع الأذان، شبه حاله بحال ذلك الرجل، وأثبت له على وجه الادعاء الضراط، الذي ينشأ من كمال الخوف الشديد، وفي الحقيقة ليس هناك ضراط.
اهـ.
وهو كلام جيد.

( وله حصاص) قيل: هو الضراط، وقيل هو شدة العدو والفرار.

( فإذا قضي التأذين أقبل) قضي بضم القاف، مبني للمجهول، والمراد بالقضاء الفراغ والانتهاء، ويروى بفتح القاف والضاد، ونصب التأذين على المفعول به، والتقدير: فإذا قضى المؤذن التأذين أي الأذان.

( حتى إذا ثوب للصلاة أدبر) : ثوب بضم الثاء، وتشديد الواو المكسورة، قيل: هو من ثاب إذا رجع، والمراد من التثويب بالصلاة إقامتها ومقيم الصلاة راجع إلى الدعاء إليها، فإن الأذان دعاء إلى الصلاة، والإقامة دعاء إليها، ووجهه الطيبي توجيها آخر، فقال: ثوب بفتح الثاء وتشديد الواو المفتوحة، أي صرخ بالإقامة مرة بعد مرة، وكل مردد صوته بشيء مثوب.
اهـ وهذا التوجيه بعيد، لأنه يجيز إطلاق التثويب على كل كلمات الأذان، مع أن الذي أطلق عليه التثويب من كلمات الأذان قول المؤذن الصلاة خير من النوم لأنه تكرر لمعنى الحيعلتين، وقال الخطابي: التثويب الإعلام بالشيء ووقوعه، وأصله، من ثوب الرجل إذا جاء فزعا، ولوح بثوبه مستصرخا.
اهـ وهذا القول بعيد عن المراد، فإنه بهذا المعنى يطلق على الأذان، وهو ليس المقصود بل المقصود الإقامة، والتوجيه الأول خير توجيه.
وزعم بعض الحنفية أن المراد بالتثويب هنا قول المؤذن بين الأذان والإقامة [حي على الصلاة، حي على الفلاح، قد قامت الصلاة] ففي سنن أبي داود عن ابن عمر أنه كره التثويب بين الأذان والإقامة، وهذا الزعم بعيد عن الصواب، فقد جاء المراد صريحا في الرواية الثالثة من هذا الباب، ولفظها فإذا سمع الإقامة ذهب.

( حتى يخطر بين المرء ونفسه) يخطر بضم الطاء وكسرها، حكاهما القاضي عياض، قال: ضبطناه عن المتقنين الكسر، وسمعناه من أكثر الرواة بالضم، قال: والكسر هو الوجه، ومعناه يوسوس، وهو من قولهم: خطر الفحل بذنبه إذا حركه، فضرب به فخذيه، وأما بالضم فمن السلوك والمرور، أي يدنو منه، فيمر بينه وبين قلبه، فيشغله عما هو فيه، وبهذا فسره الشارحون للموطأ، وبالأول فسره الخليل.

والمراد من النفس هنا القلب، وقد وقع في رواية البخاري بين المرء وقلبه وبهذا التفسير يحصل الجواب عما يقال: كيف يتصور خطوره بين المرء ونفسه، وهما عبارتان عن شيء واحد؟ وقد يجاب بأن ذلك تمثيل لغاية القرب منه.

( يقول له: اذكر كذا، واذكر كذا) قال الحافظ ابن حجر: وقع بواو العطف، وفي رواية البخاري بدونها، وفي رواية له اذكر كذا وكذا ووقع في بعض الروايات فهناه ومناه، وذكره من حاجاته ما لم يكن يذكر.

( لما لم يكن يذكر من قبل) أي لشيء لم يكن على ذكره قبل دخوله في الصلاة، قيل: خصه بما يعلم، دون ما لا يعلم، لأنه يميل لما يعلم أكثر لتحقق وجوده، قال الحافظ ابن حجر: والذي يظهر أنه لأعم من ذلك فيذكره بما سبق له علم، ليشتغل باله به، وبما لم يكن سبق له، ليوقعه في الفكرة فيه، وهذا أعم من أن يكون في أمور الدنيا، أو في أمور الدين، كالعلم، لكن هل يشتمل ذلك التفكير في معاني الآيات التي يتلوها؟ لا يبعد ذلك، لأن غرضه نقص خشوعه وإخلاصه بأي وجه كان.
اهـ ويؤيده قوله حتى يظل الرجل ما يدري كم صلى.

( حتى يظل الرجل ما يدري كم صلى) ؟ غاية لوسوسة الشيطان، أي أنه يوسوس للرجل حتى يصير لا يدري كم صلى من الركعات؟ أثلاثا أم أربعا؟ ويظل بالظاء، ومعناه في الأصل الاتصاف بالوصف نهارا، لكنه هنا بمعنى يصير ويبقى ومنه قوله تعالى { { ظل وجهه مسودا } } [النحل: 58] ووقع عند الأصيلي حتى يضل الرجل بالضاد المكسورة، أي ينسى، ومنه قوله تعالى { { أن تضل إحداهما } } [البقرة: 282] أو يخطئ، ومنه قوله تعالى { { لا يضل ربي ولا ينسى } } [طه: 52] والمشهور الأول.

( حتى يظل الرجل إن يدري كيف صلى) بكسر همزة إن وسكون النون، وهي حرف نفي بمعنى ما أو لا وحكى ابن عبد البر عن الأكثر، أن بفتح الهمزة وسكون النون، وقال القرطبي: ليست رواية الفتح بشيء إلا مع رواية الضاد، فتكون أن مع الفعل بتأويل مفعول يضل بإسقاط حرف الجر أي حتى يضل الرجل عن درايته كم صلى.
والله أعلم.

فقه الحديث

يكاد العلماء يجمعون على أن المراد من الشيطان شيطان الجن، وأن إدباره لسماع الأذان حقيقة لا مجاز فيه، ويتلمس كل فريق منهم حكمة هذا الإدبار والهروب.

فبعضهم يرى أنه يهرب حتى لا يشهد للمؤذن يوم القيامة، فإنه قد ورد في البخاري قول النبي صلى الله عليه وسلم ارفع صوتك بالنداء، فإنه لا يسمع مدى صوت المؤذن جن ولا إنس ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة ورد بأنه عام مخصوص، وأنه لا يشهد إلا المؤمن، وقيل: إن هذا الرد غير مسلم إذ يشهد له الجميع حتى الجماد وإلى هذا ذهب ابن عمر، حتى قال لمؤذن: شهد لك كل رطب ويابس.

وبعضهم يرى أنه يهرب لأن الأذان دعوة إلى الصلاة المشتملة على السجود الذي أباه وعصى بسببه، ورد بأنه يعود للسجود، فلو كان هربه لأجله لم يعد إلا عند فراغه، وأجيب بأنه يهرب عند سماع الدعاء بذلك، ليغالط نفسه بأنه لم يخالف أمرا، ثم يرجع ليفسد على المصلي سجوده الذي أباه.

وبعضهم يرى أنه يهرب لاتفاق الجميع على الإعلان بشهادة الخلق وإقامة الشريعة، واعترض بأن الاتفاق على ذلك حاصل قبل الأذان وبعده من جميع من يصلي، وأجيب بأن الإعلان أخص من الاتفاق، فإن الإعلان المختص لا يشاركه فيه غيره من الجهر بالتكبير، والتلاوة مثلا، ولهذا قال لعبد الله بن زيد ألقه على بلال: فإنه أندى صوتا منك أي أقعد في المد والإطالة والإسماع، ليعم الصوت ويطول أمد التأذين فيكثر الجمع، ويفوت على الشيطان مقصوده من إلهاء الآدمي عن إقامة الصلاة في جماعة، أو إخراجها عن وقتها، أو وقت فضيلتها فيفر حينئذ وقد يئس عن أن يردهم عما أعلنوا به، ثم يرجع لما طبع عليه من الأذى والوسوسة: قاله الحافظ ابن حجر.

وبعضهم يرى أنه يهرب نفورا عن سماع الأذان، قال ابن الجوزي: على الأذان هيبة، يشتد انزعاج الشيطان بسببها، لأنه لا يكاد يقع في الأذان رياء ولا غفلة عند النطق به، بخلاف الصلاة، فإن النفس تحضر فيها، فيفتح لها الشيطان أبواب الوسوسة.

وبعضهم يرى أنه يهرب لأن الأذان إعلام بالصورة التي هي أفضل الأعمال، بألفاظ هي من أفضل الذكر، لا يزاد فيها، ولا ينقص منها، بل تقع على وفق الأمر، فيفر من سماعها، وأما الصلاة فلما يقع من كثير من الناس فيها من التفريط، فيتمكن الشيطان الخبيث من المفرط، فلو قدر أن المصلي وفى بجميع ما أمر به فيها لم يقربه، إذا كان وحده، وهو نادر، وكذا إذا انضم إليه من هو مثله، فإنه يكون أندر.
أشار إلى ذلك ابن أبي جمرة.

وبعضهم يرى أنه يهرب لعظم أمر الأذان، لما اشتمل عليه من قواعد التوحيد وإظهار شعائر الإسلام، وإعلانه، ويأسه من وسوسة الإنسان عند الإعلان بالتوحيد.

وكل ما ذكروه إنما هو حكم متلمسة تقرب الحكم إلى العقول، وليس عللا ينتقل منها إلى المعلول، فالتفتيش فيها يضعفها، والاعتراضات عليها تحبطها فشأنها شأن النكتة البلاغية، أو شأن الوردة، تشم ولا تدعك.
ولو قلنا.
إن الحكمة في كل ما ذكر، وفي أن الأذان هو العبادة التي تصم آذان أعداء الإسلام رغم أنوفهم، وأنه يقع على الكافرين موقع الصاعقة، فعلى الشيطان العدو الأول للمسلم من باب أولى، لو قلنا ذلك كنا أقرب إلى القبول: والله أعلم.

ويؤخذ من الحديث

1- فضل الأذان، وأنه عظيم القدر، حتى إن الشيطان يلحقه منه هول كبير.

2- فضيلة المؤذن إذا قام به احتسابا لله تعالى، قال النووي: واختلف أصحابنا: هل الأفضل للإنسان أن يرصد نفسه للأذان؟ أو للإمامة؟ على أوجه أصحها: الأذان أفضل، وهو نص الشافعي في الأم، وهو قول أكثر أصحابنا ولقوله تعالى: { { ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا } } [فصلت: 33] قالت عائشة -رضي الله عنها-: نزلت في المؤذنين، وللرواية الأولى من الباب ولفظها: المؤذنون أطول الناس أعناقا يوم القيامة ولحديث البخاري ومسلم لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول، ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا.

وقيل: الإمامة أفضل، وهو قول الحنفية، واحتجوا بأن النبي صلى الله عليه وسلم ثم الخلفاء الراشدون من بعده كانوا أئمة، ولم يكونوا مؤذنين، وكذا كبار العلماء بعدهم وفي الصحيحين عن مالك بن الحويرث رضي الله عنه قال: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليؤذن لكم أحدكم، وليؤمكم أكبركم ورد على هذا المذهب بأن مواظبة النبي صلى الله عليه وسلم على الإمامة وكذا من بعده من الخلفاء والأئمة، ولم يؤذنوا، كانت بسبب أنهم كانوا مشغولين بمصالح المسلمين، التي لا يقوم بها غيرهم فيها مقامهم، فلم يتفرغوا للأذان ومراعاة أوقاته، وأما الإمامة فلابد لهم من صلاة، ويؤيد هذا التأويل ما رواه البيهقي بإسناد صحيح عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: لو كنت أطيق الأذان مع الخلافة لأذنت.

وقيل: هما سواء، وقيل: إن علم من نفسه القيام بحقوق الإمامة وجمع خصالها فهي أفضل، وإلا فالأذان أفضل، ثم قال النووي:

وأما جمع الرجل بين الإمامة والأذان فإن جماعة من أصحابنا يستحب أن لا يفعله، وقال بعضهم: يكره، وقال محققوهم وأكثرهم أنه لا بأس به، بل يستحب.
وهذا أصح.
والله أعلم.
اهـ.

3- استدل بالرواية الثالثة والسادسة وفيهما أن الشيطان يرجع إلى الوسوسة بين الأذان، والإقامة على أنه كان بين الأذان والإقامة فصل خلافا لمن شرط في إدراك فضيلة أول الوقت أن ينطبق أول التكبير على أول الوقت.

4- واستدل به على أن السهو الذي يحصل للمصلي في صلاته يكون من وسوسة الشيطان.

5- استدل به على استحباب رفع الصوت في الأذان، على أن يكون الأذان على مرتفع، ليكون أبعد لذهاب الصوت، وكان بلال رضي الله عنه يؤذن إلى بيت امرأة من بني النجار، بيتها أعلى بيت حول المسجد.

6- وفيه أن الجن يسمعون أصوات بني آدم.
قاله العيني.

7- يشبه أن يأخذ منه الزجر عن خروج المرء من المسجد بعد أن يؤذن المؤذن، لئلا يكون متشبها بالشيطان الذي يفر عند سماع الأذان.

8- ويؤخذ منه أن الشيطان له تسلط على الإنسان -غير الأنبياء- بالوسوسة حتى حال الصلاة.

9- وأن الشيطان شديد الحرص على إضرار الإنسان في دينه.

10- يؤخذ من التصريح بلفظ الضراط أن استحباب الكناية عن المعايب المستقبح سماع لفظها، إنما هو حيث لا تدعو الحاجة والضرورة إلى التصريح، وحيث لا مصلحة من ذكره، كالتقبيح والتنفير المرادين من هذا الحديث.

11- فهم بعض السلف من الأذان في هذا الحديث الإتيان بصورة الأذان وإن لم يوجد فيه شرائط الأذان، من وقوعه في الوقت، فطلب الأذان عند الخوف من الجن كما هو مفهوم من الرواية الأولى.

والله أعلم