هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
648 وَحَدَّثَنَا أَبُو بكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا أَبُو نُعيْمٍ ، حَدَّثَنَا سيْفُ بْنُ سُليْمَانَ ، قَالَ : سَمِعْتُ مُجَاهِدًا ، يَقُولُ : حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَخْبَرَةَ ، قَالَ : سَمِعْتُ ابْنَ مَسْعُودٍ ، يَقُولُ : عَلَّمَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التَّشهُّدَ ، كَفِّي بَيْنَ كَفَّيْهِ كَمَا يُعلِّمُنِي السُّورَةَ مِنَ الْقُرْآنِ ، وَاقْتَصَّ التَّشَهُّدَ بِمِثْلِ مَا اقْتَصُّوا
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
648 وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا أبو نعيم ، حدثنا سيف بن سليمان ، قال : سمعت مجاهدا ، يقول : حدثني عبد الله بن سخبرة ، قال : سمعت ابن مسعود ، يقول : علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم التشهد ، كفي بين كفيه كما يعلمني السورة من القرآن ، واقتص التشهد بمثل ما اقتصوا
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير، 

شرح الحديث من فـــتح المــــنعم

: : هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،   

عن ابن مسعود رضي الله عنه قال علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم التشهد كفي بين كفيه كما يعلمني السورة من القرآن واقتص التشهد بمثل ما اقتصوا.


المعنى العام

قد بلغ الرسول صلى الله عليه وسلم الرسالة بأجلى بلاغ، وأدى الأمانة على خير الوجوه كان صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه، كما يعلم الفقيه تلاميذه في المكتب بل كان يأخذ كف التلميذ بين كفيه، ويقرأ عليه ثم يسمع منه، ليستوثق من كمال التحمل وسلامة الأداء، ولم يكن تعليمه قاصرا على تعليم القرآن الكريم، بل كان يحفظ أذكار الصلاة كما يحفظ السورة من القرآن، ثم بعد ذلك يراقب العمل، ويتابع القول، فإذا رأى أو سمع خللا بادر بإصلاحه وتقويمه.

لقد أباح للمسلمين أن يذكروا الله في جلسة الصلاة الأخيرة وقبل السلام بالذكر الجميل، حيث لم يكن التشهد قد شرع بعد، فكانوا -ومنهم ابن مسعود- يقولون في جلستهم هذه: السلام على الله من عباده.
السلام على جبريل.
السلام على ميكائيل.
السلام على إسرافيل يعددون من أسماء الملائكة ما شاءوا.
وشرع الله للأمة التحيات، فقال صلى الله عليه وسلم لأصحابه: لا تقولوا: السلام على الله.
فإن السلام هو الله، ومنه السلام، وإليه السلام، ولا تقولوا السلام على فلان وفلان من الملائكة، ولكن إذا قعد أحدكم في آخر الصلاة فليقل: التحيات لله والصلوات والطيبات.
السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته.
السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، ثم يتخير من الأدعية ما شاء.
واستجاب الصحابة، وعلموا وعملوا، ونصبوا أنفسهم حراسا على تعاليم الإسلام.
بل نصب الخلفاء الراشدون أئمة الصحابة وفقهاءهم ولاة وأئمة ودعاة في الولايات الإسلامية التي انتشرت في البقاع، وكثر الداخلون في دين الله من العرب والعجم وكثر الخطأ في التعاليم الدينية، وسهر الولاة على الإصلاح والتقويم.
والحديث يروي لنا صورة من هذه الصور.
لقد كان أبو موسى الأشعري واليا على البصرة من قبل الخليفة عمر يؤمهم ويعظهم، ويجبي زكاتهم، ويحكم بينهم وبينما هو يصلي بهم سمع مأموما يقول في تشهده: أقرت الصلاة وقرنت بالبر والزكاة ويخيل إلي أنه كان فقيرا يعرض بذلك للمساعدة، فأسمع بها بعض جيرانه، كما أسمع بها إمامه، فلما قضى أبو موسى الصلاة انصرف إلى المأمومين واتجه إليهم، وقال: من منكم الذي قال: قرنت الصلاة بالبر والزكاة؟ وسكت الناس، وخاف القائل أن يعلن عن نفسه، فقد رأى من وجه أبي موسى الأشعري ونبرات صوته علامة الاستنكار، وكرر أبو موسى السؤال، وسكت الناس واستخفى القائل، فاتجه أبو موسى نحو أحد المصلين -حطان- يظنه القائل اعتمادا على بعض الملابسات، فقال: أنت يا حطان قلتها؟ قال حطان: ما قلتها ولقد توقعت من نظراتك أنك ستلصقها بي وتتهمني بها، وما قلتها، ورأى القائل الحقيقي أن المسألة تطورت، وإن البريء منها سيتهم بها فأعلن عن نفسه وقال أنا الذي قلتها، ولم أرد بها إلا الخير.
فقال أبو موسى إن بعضكم يخفى عليه ما ينبغي أن يقول في صلاته، وإني أعلمكم ما علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد خطبنا، وبين لنا سنتنا وشريعتنا وصلاتنا فقال: إذا أردتم الصلاة، وأشرفتم على أدائها فسووا صفوفكم، ثم ليتقدم أعلمكم فيؤمكم، فإذا كبر تكبيرة الإحرام فكبروا، وإذا قرأ الفاتحة، وبلغ { { غير المغضوب عليهم ولا الضالين } } فقولوا: آمين، فإن الله يجيب لكم الدعاء مصداقا لقوله جل شأنه { { وقال ربكم ادعوني أستجب لكم } } [غافر: 60] فإذا كبر وركع فكبروا واركعوا ولا تسبقوه، فإن الإمام يركع قبلكم ويرفع قبلكم، فلحظة سبقه لكم تقابل لحظة إدراككم له، وإذا قال: سمع الله لمن حمده، فقالوا: اللهم ربنا ولك الحمد يسمع الله قولكم وحمدكم فيزدكم، وإذا كبر وسجد فكبروا واسجدوا، ولا تسبقوه، فإن الإمام يسجد ويرفع قبلكم فتلك اللحظة التي تأخرتم بها عنه، وإذا قعدتم آخر الصلاة فقولوا: التحيات الطيبات.
الصلوات لله، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين.
أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
فإذا انتهيتم من التشهد فادعوا الله بما شئتم من الدعاء يستجب لكم.

المباحث العربية

( التشهد) هو تفعل من تشهد سمي بذلك لاشتماله على النطق بشهادة الوحدانية والرسالة، تغليبا لها على بقية أذكاره لشرافها.

( عن عبد الله) أي ابن مسعود، وهو راوي الرواية الثانية.

كنا نقول في الصلاة خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الأبي: الأظهر أنه استحسان منهم، وأنه صلى الله عليه وسلم لم يسمعه إلا حين أنكره عليهم [فإن قلت] قول الصحابي، كنا نفعل كذا من قبيل المسند، وهو يشعر أيضا بتكرار ذلك منهم، والتكرار مظنة سماعه ذلك، فقولهم ذلك ليس استحسانا، بل هو مسند مقر عليه، نسخه قوله صلى الله عليه وسلم إن الله هو السلام [قلت] كان الشيخ يقول ذلك ويقرر الحديث به، ولا يصح، لأن النسخ إنما يكون فيما صح معناه، ولا يصح لعدم استقامة المعنى، لأنه عكس ما يجب أن يقال، فإن السلام بمعنى السلامة والرحمة، وهما له ومنه وهو مالكهما، فكيف يدعي له بهما وهو المدعو؟ فهو تبيين عدم صواب لا نسخ، وإنما الجواب أنه يتعين في كنا كذا أن يكون مسندا وليس تكرار ذلك منهم مظنة سماعهم له، لأنه في التشهد والتشهد سر.
اهـ.

ومعنى قوله كنا نقول في الصلاة أي في التشهد من الصلاة، بدليل رده صلى الله عليه وسلم.

( السلام على الله) في هذه الرواية اختصار.
ورد في رواية أخرى السلام على الله من عباده.

( السلام على فلان) في رواية البخاري السلام على فلان فلان وفي رواية لابن إسحق قلنا: السلام على جبريل وعند ابن ماجه يعنون الملائكة وللإسماعيلي فنعد الملائكة وللسراج فنعد من الملائكة ما شاء الله.

( إن الله هو السلام) وفي رواية للبخاري لا تقولوا: السلام على الله فإن الله هو السلام قال البيضاوي: أنكر التسليم على الله، وبين أن ذلك عكس ما يجب أن يقال، فإن كل سلام ورحمة له ومنه، وهو مالكها ومعطيها.
وقال التوربشتي: وجه النهي عن السلام على الله لأنه المرجوع إليه بالمسائل المتعالى عن المعاني المذكورة، فكيف يدعي له وهو المدعو على الحالات؟ وقال الخطابي: المراد أن الله هو ذو السلام فلا تقولوا: السلام على الله، فإن السلام منه بدأ، وإليه يعود، ومرجع الأمر في إضافته إليه أنه ذو السلام من كل آفة وعيب، ويحتمل أن يكون مرجعها إلى حظ العبد فيما يطلبه من السلامة من الآفات والمهالك.
وقال النووي معناه أن السلام اسم من أسماء الله تعالى، يعني السالم من النقائص، ويقال: المسلم أولياءه، وقيل: المسلم عليهم.
قال ابن الأنباري أمرهم أن يصرفوه إلى الخلق، لحاجتهم إلى السلامة، وغناه سبحانه وتعالى عنها.

( وإذا قعد أحدكم في الصلاة) المراد القعود بعد الركعتين والقعود الأخير، أو الأخير فقط، على خلاف يأتي في فقه الحديث.

( التحيات لله) التحيات جمع تحية، ومعناها السلام، وقيل: البقاء، وقيل العظمة، وقيل السلامة من الآفات والنقص، وقيل: الملك.
قال ابن قتيبة: لم يكن يحيا إلا الملك خاصة، وكان لكل ملك خاصة، وكان لكل ملك تحية تخصه فلهذا جمعت، فكأن المعنى: التحيات التي كانوا يسلمون بها على الملوك كلها مستحقه لله.
اهـ.

وقال الخطابي: ولم يكن في تحياتهم شيء يصلح للثناء على الله [كانت تحية بعضهم أبيت اللعن، وتحية بعضهم أنعم صباحا، وتحية العجم عش عشرة آلاف سنة] فلهذا أبهمت ألفاظها، واستعمل منها معنى التعظيم، فقال: قولوا: التحيات لله.
أي أنواع التعظيم له.

( والصلوات والطيبات) قيل: المراد بالصلوات الصلوات الخمس، وقيل: ما يشمل الفرائض والنوافل في كل شريعة، وقيل: المراد العبادات كلها، وقيل: الدعوات، وقيل: الرحمة، قال ابن دقيق العيد: إذا حملت الصلاة على العهد أو الجنس كان التقدير أنها لله واجبة، لا يجوز أن يقصد بها غيره، وإذا حملت على الرحمة فيكون معنى قوله لله أنه المتفضل بها لأن الرحمة التامة لله، يؤتيها من يشاء، وإذا حملت على الدعاء فظاهر.
اهـ.

والطيب في الأصل ما يستلذ، والمراد هنا ما طاب من الكلام وحسن أن يثنى به على الله، دون ما لا يليق بصفاته مما كان الملوك يحيون به، وقيل الطيبات ذكر الله، وقيل: الأقوال الصالحة، كالدعاء والثناء، وقيل الأعمال الصالحة وهو أعم، فيشمل الأقوال والأفعال والأوصاف، وطيب الأوصاف كونها كاملة خالصة من الشوائب.
وقال النسفي: التحيات العبادات القولية، والصلوات العبادات الفعلية، والطيبات العبادات المالية.
اهـ والأولى التعميم كما سبق.

قال البيضاوي يحتمل أن يكون الصلوات والطيبات عطفا على التحيات ويحتمل أن تكون الصلوات مبتدأ، وخبره محذوف والطيبات معطوفة عليها والواو الأولى لعطف الجملة على الجملة والثانية لعطف المفرد على المفرد، وقال العيني: كل واحدة من الصلوات والطيبات مبتدأ وخبره محذوف، تقديره: الصلوات لله، والطيبات لله فتكون هاتان الجملتان معطوفتين على الجملة الأولى وهي التحيات لله.

( السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته) قال الطيبي: أصل سلام عليك سلمت سلاما عليك ثم حذف الفعل، وأقيم المصدر مقامه وعدل عن النصب إلى الرفع على الابتداء للدلالة على ثبوت المعنى واستقراره، ثم التعريف إما للعهد التقديري، أي ذلك السلام الذي وجه إلى الرسل والأنبياء عليك أيها النبي، وكذلك السلام الذي وجه إلى الأمم السالفة علينا وعلى إخواننا، وإما للجنس، والمعنى حقيقة السلام الذي يعرفه كل واحد ينزل عليك وعلينا، قال: ولا شك أن هذه التقادير أولى من تقدير النكرة.
اهـ.

والمراد من رحمة الله إنعامه، وهو المعنى الغائي، لأن معناها اللغوي، وهو الحنو والعطف لا يجوز أن يوصف الله به، والبركات جمع بركة، وهو الخير الكثير من كل شيء، واشتقاقه من البرك وهو صدر البعير، وبرك البعير ألقى بركه، وسمي محبس الماء بركة للزوم الماء فيها.

وقال الطيبي البركة ثبوت الخير الإلهي في الشيء، سمي بذلك لثبوت الخير فيه ثبوت الماء في البركة، ولما كان الخير الإلهي يصدر من حيث لا يحس وعلى وجه لا يحصى، قيل لكل من يشاهد فيه زيادة غير محسوسة: مبارك أو فيه بركة.
اهـ.

( السلام علينا) أراد به الحاضرين من الإمام والمأمومين، والملائكة عليهم الصلاة والسلام.

( وعلى عباد الله الصالحين) الصالح هو القائم بما عليه من حقوق الله تعالى وحقوق العباد، والصلاح وهو استقامة الشيء على حالة كماله، كما أن الفساد ضده، والمراد هنا الصالحون في الجملة، أي غلب على أعمالهم الصلاح ليعم الدعاء أكبر عدد ممكن من المؤمنين.

قال العيني: ولا يحصل الصلاح الحقيقي إلا في الآخرة، لأن الأحوال العاجلة وإن وصفت بالصلاح في بعض الأوقات لا تخلو من شائبة فساد وخلل ولا يصفو ذلك إلا في الآخرة، ومن ثم كانت هذه المرتبة مطلوبة للأنبياء والمرسلين قال تعالى في حق الخليل { { وإنه في الآخرة لمن الصالحين } } [البقرة: 130] .

( فإذا قالها) أي فإذا قال أحدكم وعلى عباد الله الصالحين وهو كلام معترض بين السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين وبين أشهد أن لا إله إلا الله وإنما قدمت للاهتمام بها، لكنه أنكر عليهم عد الملائكة واحدا واحدا، ولا يمكن استيعابهم لهم مع ذلك، فعلمهم لفظا يشمل الجميع مع غير الملائكة من النبيين والمرسلين والصديقين وغيرهم بغير مشقة وهذا من جوامع الكلم.

( أصابت كل عبد لله صالح في السماء والأرض) أي لحقت الدعوة وشملت كل عبد صالح في السماء والأرض، وفي رواية أو بين السماء والأرض بالشك من الرواي، وفي رواية من أهل السماء والأرض، وقد استدل بقوله أصابت كل عبد صالح على أن الجمع المضاف والجمع المحلى بالألف واللام يفيد العموم، لقوله أولا عباد الله الصالحين ثم قال أصابت كل عبد صالح وقال القرطبي: فيه دليل على أن جمع التكسير للعموم.
قال الحافظ ابن حجر: وفي هذه العبارة نظر.
اهـ.

( كفي بين كفيه) جملة معترضة.

( أقرت الصلاة بالبر والزكاة) قالوا: معناه قرنت بها، وأقرت معهما وصار الجميع مأمورا به قال القاضي عياض: قيل: لعل اللفظ المروي قرنت؟ والتحقيق أنه أقرت والباء بمعنى مع أي أقرت مع البر والزكاة، فصارت معهما مستوية، وأحكامها واحدة، فهو بمعنى قرنت.

( فلما قضى أبو موسى الصلاة) أي أداها، وانتهى منها.

( انصرف) نحو القوم، وتحول بوجهه إليهم.

( أيكم القائل كلمة كذا كذا؟) كذا كذا من كلام الراوي كناية عن كلام أبي موسى، ولو حكي بلفظه لقال أيكم القائل: أقرت الصلاة بالبر والزكاة؟ والاستفهام خبر مقدم، والقائل مبتدأ مؤخر.

( فأرم القوم) بفتح الراء، وتشديد الميم، أي سكتوا.

( لعلك يا حطان قلتها؟) تخصيصه حطان بالاتهام لعله لما يعلم من جسارته، أو لقربه منه، وصدور الصوت من جهته، أو لشبه الصوت بصوته، أو لصلته به مما لا يؤذيه اتهامه، ويدفع الفاعل الحقيقي إلى الاعتراف.

( ولقد رهبت أن تبكعني بها) أي ولقد خشيت وخفت -قبل أن تتكلم- أن تتهمني وتوبخني بهذه الكلمة، وكأن حطان كان يتوقع اتهام أبي موسى له لما بينهما، أو لما عرف من حطان.
وتبكعني بفتح التاء وسكون الباء وفتح الكاف، أي تستقبلني بالتوبيخ، من بكعت الرجل إذا استقبلته بما يكره وهو نحو التبكيت في الوجه.
قال القاضي عياض: تبكعني رويناه عن الأكثر وهو عند الكثير تنكتني بالنون قبل الكاف المضمومة.
اهـ وهو بمعنى تبكتني وتوبخني، وفي القاموس: النكت أن تضرب في الأرض بقضيب، فيؤثر فيها، ونكته ألقاه على رأسه.
اهـ.

( ثم ليؤمكم أحدكم) اللام لام الأمر، وإسكانها بعد الفاء والواو أكثر من تحريكها، وكسرها بعد ثم أكثر من سكونها، ورواية الحديث بالسكون كقوله تعالى: { { ثم ليقضوا } } [الحج: 29] في قراءة الكوفيين، قال ابن هشام: وفي ذلك رد على من قال: إنه خاص بالشعر.

الفعل يؤم مجزوم، وحرك بالفتح للتخلص من التقاء الساكنين.

( فقولوا: آمين) في القاموس: آمين بالمد والقصر، وقد يشدد الممدود، وعن الواحدي في البسيط: اسم من أسماء الله تعالى، ومعناه: اللهم استجب، كما أن رويد وحيعل وهلم أصوات سميت بها الأفعال التي هي: أمهل وأسرع وأقبل.
اهـ.
ولهذا البحث اللغوي تتمة في المباحث العربية في باب التسميع والتحميد والتأمين، ويأتي قريبا.

( يجبكم الله) أي يستجب لكم دعاءكم.

( فتلك بتلك) قال النووي: معناه اجعلوا تكبيركم للركوع وركوعكم بعد تكبيره وركوعه، وكذلك رفعكم من الركوع يكون بعد رفعه، ومعنى تلك بتلك أن اللحظة التي سبقكم بها الإمام في تقدمه إلى الركوع تنجبر لكم بتأخيركم الركوع بعد رفعه لحظة، فتلك اللحظة بتلك اللحظة، وصار قدر ركوعكم كقدر ركوعه، وقال مثل ذلك في السجود.
اهـ.
وقال الأبي: وقيل: الإشارة إلى ربط صحة الصلاة بالمتابعة أي صحة تلك الأفعال منكم بتلك المتابعة، وقيل: إلى ربط آمين بـولا الضالين وربنا ولك الحمد بـسمع الله لمن حمده أي تلك الكلمة أو الدعوة التي في السورة متعلقة بـآمين وبـربنا ولك الحمد لارتباط إحداهما بمعنة الأخرى.
اهـ.
وكلام الإمام النووي أظهر وأقرب إلى القبول.

( سمع الله لمن حمده) أي أجاب دعاء من حمده، ومعنى يسمع الله لكم يستجب دعاءكم، فالمراد من السمع لازمه غالبا، وهو الإجابة.

( اللهم ربنا لك الحمد) قال النووي: هكذا هو هنا بلا واو، وفي غير هذا الموضع ربنا ولك الحمد بالواو، وقد جاءت الأحاديث الصحيحة بإثبات الواو وبحذفها، وعلى إثبات الواو يكون قوله ربنا متعلقا بما قبله، تقديره: سمع الله لمن حمده، يا ربنا فاستجب حمدنا ودعاءنا، ولك الحمد على هدايتنا لذلك، ولهذا البحث تتمة في باب التسميع والتحميد والتأمين.

فإن الله قضى على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم سمع الله لمن حمده معناه: فإن الله وعد على لسان نبيه أن يسمع ويستجيب لمن حمده، أو فإن الله شرع على لسان نبيه هذه الجملة عند الرفع من الركوع.

فقه الحديث

اختلف العلماء في أفضل عبارة للتشهد على ثلاثة مذاهب:

فمذهب الشافعي وبعض أصحاب مالك أن تشهد ابن عباس وهو الرواية الثالثة ولفظها ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا التشهد كما يعلمنا السورة من القرآن فكان يقول: التحيات المباركات الصلوات الطيبات لله) .

وقال أبو حنيفة وأحمد وجمهور الفقهاء وأهل الحديث: تشهد ابن مسعود أفضل، وهو الرواية الأولى، ولفظها ( كنا نقول في الصلاة خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم: السلام على الله.
السلام على فلان.
فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم: إن الله هو السلام، فإذا قعد أحدكم في الصلاة فليقل: التحيات لله والصلوات والطيبات)
.

واختار مالك وأصحابه تشهد عمر، وقد أخرجه الطحاوي عن عبد الرحمن بن عبد القارئ أنه سمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه يعلم الناس التشهد على المنبر وهو يقول: قولوا: التحيات لله الزاكيات لله والصلوات لله.

وتوجيه الشافعية لتفضيل تشهد ابن عباس أنه مناسب للفظ القرآني في قوله تعالى { { تحية من عند الله مباركة طيبة } } [النور: 61] وأن الزيادة فيه لا تنافي رواية ابن مسعود، وهي لفظ المباركات وبأن أخذ ابن عباس للتشهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في الأخير.
قال الشافعي: رويت أحاديث في التشهد مختلفة.
وكان تشهد ابن عباس أحب إلي، لأنه أكملها.
وقال في موضع آخر.
وقد سئل عن اختياره تشهد ابن عباس.
قال: لما رأيته واسعا وسمعته عن ابن عباس صحيحا، كان عندي أجمع وأكثر لفظا من غيره وأخذت به غير معنف لمن يأخذ بغيره مما صح.

وتوجيه الحنفية والحنابلة ومن تابعهم لتفضيل تشهد ابن مسعود أنه أصح حديث في التشهد، فقد روي عن نيف وعشرين طريقا، وهو متفق عليه، ورواه الستة عنه، وإن رواته من الثقات لم يختلفوا في ألفاظه بخلاف غيره، فإن حديث ابن عباس لم يروه البخاري، وحديث عمر موقوف، وأنه يتفق مع ابن عباس في كونه تلقاه عن النبي صلى الله عليه وسلم، تلقينا، وروايتنا الثانية تقول علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم التشهد -كفي بين كفيه- كما يعلمني السورة من القرآن ورواية الطحاوي له أخذت التشهد من في رسول الله صلى الله عليه وسلم ولقننيه كلمة كلمة بل يزيد عن ابن عباس ما جاء في رواية أحمد من حديث ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم علمه التشهد، وأمر أن يعلمه الناس ولم ينقل ذلك لغيره، ففيه دليل على مزيته.
ورجح أيضا بثبوت الواو في الصلوات والطيبات التي تقتضي المغايرة بين المعطوف والمعطوف عليه، فتكون كل جملة ثناء مستقلا، بخلاف ما إذا حذفت فإنها تكون صفة لما قبلها، وتعدد الثناء في العطف صريح، فتكون أولى.

وتوجيه المالكية لتفضيل تشهد عمر أنه وإن كان موقوفا على عمر لكنه أفضل، لأنه علمه للناس على المنبر، ولم ينازعه أحد، فصار كالمجمع عليه، ودل ذلك على تفضيله، قال القاضي عياض: واختار مالك في الموطأ تشهد عمر رضي الله عنه الذي كان يعلمه الناس على المنبر، وهو وإن لم يكن مسندا فهو كالمسند، بل هو أرجح، فإن دوام تعليمه بمحضر من لا يقر على خطأ صيره كالمعلوم عنده.

قال النووي في المجموع بعد أن ذكر هذه المذاهب وهذه الأحاديث وغيرها في ألفاظ التشهد، قال: فهذه الأحاديث الواردة في التشهد وكلها صحيحة، وأشدها صحة باتفاق المحدثين حديث ابن مسعود ثم حديث ابن عباس.
ثم قال: وقد أجمع العلماء على جواز كل واحد منها.
اهـ.

وقال الحافظ ابن حجر: لا خلاف في أن ألفاظ التشهد الأول كألفاظ التشهد الأخير [يقصد الحد المذكور في أحاديث الباب] وكان ابن عمر لا يسلم في التشهد الأول، أي لا يقول: السلام عليك أيها النبي إلى الصالحين.
اهـ.

كما اختلف العلماء في أفضل تشهد اختلفوا في حكم التشهد الأول بعد الركعة الثانية من الصلاة الثلاثية والرباعية، وفي حكم التشهد الأخير.

فمن حكم التشهد الأول ذهب فقهاء الأمصار مالك وأبو حنيفة والشافعي والثوري وإسحق والليث وأبو ثور إلى أن التشهد الأول غير واجب.

وذهب أحمد وداود إلى أنه واجب، وقد نقل هذا عن الليث وأبي ثور، قال أحمد: إن ترك التشهد عمدا بطلت صلاته، وإن تركه سهوا سجد للسهو وأجزأت صلاته.
اهـ.

وفي شرح الهداية، قراءة التشهد في القعدة الأولى واجبة عند أبي حنيفة، وهو المختار والصحيح، وقيل سنة وهو الأقيس.

واستدل من قال بوجوبه بأنه صلى الله عليه وسلم فعله، وداوم عليه، وقال صلوا كما رأيتموني أصلي وأمر به حديث ابن عباس، بقوله قولوا: التحيات لله وجبره بسجود السهو حين نسيه، وقال في حديث لابن مسعود إذا قعدتم في كل ركعتين فقولوا: التحيات رواه النسائي.

واحتجوا أيضا بأن الصلاة فرضت أولا ركعتين، وكان التشهد فيها واجبا؟ فلما زيدت لم تكن الزيادة مزيلة لذلك الواجب.
كما احتجوا بأن من ترك الجلوس الأول بطلت صلاته.

واحتج الجمهور بما رواه البخاري من أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم الظهر فقام من الركعتين الأوليين، لم يجلس.
فقام الناس معه، حتى إذا قضى الصلاة وانتظر الناس تسليمه كبر وهو جالس.
فسجد سجدتين قبل أن يسلم، ثم سلم.

قالوا: لو كان واجبا لوجب عليه الرجوع إليه حين علم تركه، وقال ابن المنير: لو كان واجبا لسبحوا به ولم يسارعوا إلى الموافقة على الترك غفلة.
اهـ ولو كان واجبا لما جبره بسجود السهو.
قال التيمي: سجوده ناب عن التشهد والجلوس، ولو كانا واجبين لم ينب منابهما سجود السهو، كما لا ينوب عن الركوع وسائر الأركان.
اهـ وقال ابن بطال: والدليل على أن سجود السهو لا ينوب عن الواجب أنه لو نسي تكبيرة الإحرام لم تجبر، فكذلك التشهد.
اهـ.

وأجابوا عن الأمر به في حديث ابن عباس وابن مسعود بأن الأمر للاستحباب لا للوجوب جمعا بين الأدلة، وعن حديث صلوا كما رأيتموني أصلي: بأنه متناول للفرض والنفل، وقد قامت دلائل على تميزهما، أما عن قولهم: إن الصلاة فرضت أولا ركعتين إلخ فقد أجيب بأن الزيادة لم تتعين في الأخيرتين، بل يحتمل أن يكونا هما الفرض الأول، والمزيد هما الركعتان الأوليان بتشهدهما، ويؤيده استمرار السلام بعد التشهد الأخير كما كان.

وأما عن قولهم: من تعمد ترك الجلوس الأول بطلت صلاته فقد أجيب بأن من لا يوجبه لا يقول ببطلان الصلاة بترك الجلوس، والله أعلم.

وعن حكم التشهد الأخير قال الشافعي: إنه فرض، لكن قال: لو لم يزد رجل على قوله التحيات لله.
سلام عليك أيها النبي إلخ كرهت ذلك له، ولم أر عليه إعادة.
اهـ.

فالتشهد والجلوس له فرضان عند الشافعية، لا تصح الصلاة إلا بهما، وبه قال الحسن البصري وأحمد وإسحق وداود، واحتجوا بحديث ابن مسعود في رواية الدارقطني والبيهقي وفيها: كنا نقول قبل أن يفرض علينا التشهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم السلام على الله....
الحديث وبروايتنا الأولى وفيها فليقل التحيات وهذا أمر، والأمر للوجوب ولم يثبت شيء صريح في خلافه، قال الشافعية: ولأن التشهد شبيه بالقراءة، لأن القيام والقعود لا تتميز العبادة منها عن العادة، فوجب فيما ذكر ليتميز بخلاف الركوع والسجود.

وقال أبو حنيفة ومالك: الجلوس بقدر التشهد واجب، ولا يجب التشهد.

قال النووي: في المجموع: وحكى الشيخ أبو حامد عن علي بن أبي طالب والزهري والنخعي ومالك والأوزاعي والثوري أنه لا يجب التشهد الأخير ولا جلوسه، إلا أن الزهري ومالكا والأوزاعي قالوا لو تركه سجد للسهو وعن مالك رواية كأبي حنيفة، والأشهر عنه أن الواجب الجلوس بقدر السلام فقط.

واحتج من لا يوجب التشهد بحديث المسيء صلاته، وبحديث عبد الله بن عمرو بن العاص، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا قعد الإمام في آخر صلاته، ثم أحدث قبل أن يتشهد فقد تمت صلاته وفي رواية ثم أحدث قبل أن يسلم فقد تمت صلاته، رواه أبو داود والترمذي والبيهقي وغيرهم وألفاظهم مختلفة.
قالوا: وقياسا على التشهد والتسبيح للركوع.

وأجاب الجمهور عن حديث المسيء صلاته بأنه لم يذكره له لأنه كان معلوما عنده، ولهذا لم يذكر له النية -وقد أجمعنا على وجوبها- ولم يذكر القعود للتشهد -وقد وافق أبو حنيفة على وجوبه- ولم يذكر السلام، وقد وافق مالك والجمهور على وجوبه.

وأجابوا عن حديث عبد الله بن عمرو بأنه ضعيف باتفاق الحفاظ وعن القياس على التشهد الأول بأن النبي صلى الله عليه وسلم جبر تركه بالسجود ولو كان فرضا لم يجبر، قال إمام الحرمين: ولم يزل المسلمون يجبرون الأول بالسجود دون الثاني وعن القياس على التسبيح في الركوع بما سبق بيانه في الفرق بين القيام والقعود وبين الركوع والسجود.
والله أعلم.

أما السلام على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى عباد الله الصالحين في التشهد فعنه يقول النووي: واعلم أن السلام الذي في قوله السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين يجوز فيه حذف الألف واللام فيقال سلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته سلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، ولا خلاف في جواز الأمرين هنا ولكن الألف واللام أفضل، وهو الموجود في روايات صحيحي البخاري ومسلم، وأما الذي في آخر الصلاة وهو سلام التحلل، فاختلف أصحابنا فيه، فمنهم من جوز الأمرين فيه، ويقول: الألف واللام، أفضل، كما هنا ومنهم من أوجب فيه الألف واللام، لأنه لم ينقل إلا بالألف واللام، ولأنه تقدم ذكره في التشهد، فينبغي أن يعيده بالألف واللام وليعود التعريف إلى سابق كلامه.
اهـ.

وأما الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد فسيأتي حكمها ولفظها في الباب التالي، إن شاء الله تعالى.

وفي صفة قعدة التشهد اختلف العلماء، فذهب مالك إلى أن المصلي ينصب رجله اليمنى، ويثني رجله اليسرى ويقعد بالأرض، في القعدة الأولى وفي الأخيرة وفي القعدة بين السجدتين، قال العيني: وهذا هو التورك الذي ينقل عن مالك، وفي الجواهر، المستحب في الجلوس كله الأول والأخير وبين السجدتين أن يكون توركا.
اهـ ولزيادة الإيضاح في صفة التورك نقول: إنه ينصب رجله اليمنى خارجة إلى اليمين من قعدته، ويضع أطراف أصابعها على الأرض موجهة إلى القبلة، ويفرش رجله اليسرى على جنبها الأيسر، ويخرجها من تحته إلى يمين قعدته، من تحت رجله اليمنى المنتصبة، ويجلس بوركه الأيسر على الأرض وذهب أبو حنيفة وأصحابه إلى أن السنة أن يفرش رجله اليسرى، ويجلس عليها، وينصب اليمنى نصبا في القعدتين جميعا، وهو المسمى بالافتراش، وهو سنة الجلوس في الصلاة عند أبي حنيفة في جميع جلسات الصلاة.

وقال الشافعي: السنة أن يجلس كل الجلسات مفترشا إلا التي يعقبها السلام، فإنه يجلس متوركا.
قال النووي: فلو كان مبسوقا، وجلس إمامه في آخر صلاته متوركا جلس المسبوق مفترشا، لأن جلوسه لا يعقبه سلام، ولو كان على المصلي سجود سهو، فالأصح أنه يجلس مفترشا في تشهده فإذا سجد سجدتي السهو تورك، ثم سلم.
هذا تفصيل مذهب الشافعي.
اهـ.

قال الحافظ ابن حجر: وقد قيل في حكمة المغايرة بين جلستي التشهدين: إنه أقرب إلى تذكر الصلاة وعدم اشتباه عدد الركعات، ولأن الأول تعقبه حركة بخلاف الثاني، ولأن المسبوق إذا رأى هيئة السابق علم قدر ما سبق.
اهـ قال النووي في المجموع، ولأن السنة تخفيف التشهد الأول، فيجلس مفترشا ليكون أسهل للقيام، والسنة تطويل الثاني ولا قيام بعده، فيجلس متوركا ليكون أعون له، وأمكن ليتوفر الدعاء.
اهـ.

واختلف قول أحمد، والمشهور عنه أنه إن كانت الصلاة ركعتين افترش، وإن كانت أربعا أو ثلاثا افترش في الأول وتورك في الثاني.

ولكل من هذه المذاهب أدلة ترجيح تأتي بعد ستة وعشرين بابا في باب صفة الصلاة.

أما جلوس المرأة في الصلاة فإنه كجلوس الرجل عند الجمهور من العلماء وبه قال الشافعية والحنفية والمالكية، وعن مالك أنها تجلس على وركها الأيسر، وتضع فخذها الأيمن على الأيسر، وتضم بعضها إلى بعض قدر طاقتها، ولا تفرج في ركوع ولا سجود ولا جلوس، بخلاف الرجل.
وقال قوم: تجلس كيف شاءت إذا تجمعت، وبه قال عطاء والشعبي.
وكانت صفية -رضي الله عنها- تصلي متربعة، ونساء ابن عمر كن يفعلنه والله أعلم.

قال النووي: وصلاة النفل كصلاة الفرض في الجلوس، وعن بعضهم التربع في النافلة، والصواب الأول، وقال: ثم هذه الهيئة مسنونة، فلو جلس في الجميع مفترشا، أو متوركا، أو متربعا، أو مقعيا أو مادا رجليه، صحت صلاته وإنه كان مخالفا.
اهـ والإقعاء أن يرجع على صدور قدميه، ويمس عقبه بإليتيه.

وقال ابن عبد البر: اختلفوا في التربع في النافلة وفي الفريضة للمريض فأما الصحيح فلا يجوز له التربع في الفريضة بإجماع العلماء، قال العيني: وهذا يشعر بتحريمه عنده، ولكن المشهور عند أكثر العلماء أن هيئة الجلوس في التشهد سنة.
اهـ.
قال الحافظ ابن حجر: لعل ابن عبد البر أراد بنفي الجواز إثبات الكراهية.
اهـ.

هذا وللقعود في الصلاة زيادة بسط في باب صفة الصلاة الآتي بعد ستة وعشرين بابا، والله أعلم.

ويؤخذ من الحديث فوق ما تقدم

1- استحباب الدعاء بعد التشهد، والدعاء في قوله ثم يتخير من المسألة ما شاء ورد في البخاري بصيغة الأمر، ولفظه ثم ليتخير من الدعاء أعجبه إليه قال ابن رشد: ليس التخيير في آحاد الشيء بدال على عدم وجوبه، فقد يكون أصل الشيء واجبا، ويقع التخيير في وصفه.

قال الزين ابن المنير: ادعى بعضهم الإجماع على عدم الوجوب، وفيه نظر فقد روي عن طاوس ما يدل على أنه يرى وجوب الاستعاذة المأمور بها في حديث أبي هريرة الوارد في مسلم مرفوعا ولفظه إذا فرغ أحدكم من التشهد ليتعوذ بالله وبه قال أهل الظاهر، وأفرط ابن حزم، فقال بوجوبها في التشهد الأول أيضا.
وقال ابن المنذر: لولا حديث ابن مسعود ثم ليتخير من الدعاء لقلت بوجوبها.
اهـ.

2- استدل بالحديث على جواز الدعاء في الصلاة بما اختار المصلي من أمر الدنيا والآخرة.
قال ابن بطال: خالف في ذلك النخعي وطاوس وأبو حنيفة فقالوا: لا يدعو في الصلاة إلا بما يوجد في القرآن.
قال الحافظ ابن حجر: كذا أطلق هو ومن تبعه عن أبي حنيفة، والمعروف في كتب الحنفية أنه لا يدعو في الصلاة إلا بما جاء في القرآن أو ثبت في الحديث، وعبارة بعضهم ما كان مأثورا قال قائلهم: والمأثور أعم من أن يكون مرفوعا أو غير مرفوع، لكن ظاهر حديث الباب يرد عليهم، وكذا يرد على ابن سيرين في قوله: لا يدعو في الصلاة إلا بأمر الآخرة، واستثنى بعض الشافعية ما يقبح من أمر الدنيا، فإن أراد الفاحش من اللفظ فمحتمل، فلا شك أن الدعاء بالأمور المحرمة مطلقا لا يجوز.
اهـ.

[ومراد الشافعية بما يقبح من أمر الدنيا نحو قوله: اللهم أعطني امرأة جميلة عينها كذا، وشعرها كذا، وخصرها كذا.
إلخ، وهذا في خارج الصلاة غير محرم لكنه غير مستساغ]
.

وقال الكرماني: قالت الشافعية: يجوز الدعاء في الصلاة بما يشاء من أمر الدنيا والآخرة؛ ما لم يكن إثما، قال ابن عمر: إني لأدعو في صلاتي حتى بشعير حماري وملح بيتي.
اهـ.
واستدل الحنفية بحديث إن صلاتنا هذه لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن ويجاب عنه بأن المراد من كلام الناس غير الدعاء، فالدعاء والتوجه إلى الله بطلبه من قبيل العبادة، ولا شك أن الدعاء بالوارد والمأثور أفضل.
وقد ورد فيما يقال بعد التشهد أخبار.
قال الحافظ ابن حجر من أحسنها ما رواه سعيد بن منصور وأبو بكر بن أبي شيبة من طريق عمير بن سعد قال: كان عبد الله [يعنى ابن مسعود] يعلمنا التشهد في الصلاة ثم يقول إذا فرغ أحدكم من التشهد فليقل: اللهم إني أسألك من الخير كله ما علمت منه وما لم أعلم، وأعوذ بك من الشر كله، ما علمت منه وما لم أعلم، اللهم إني أسألك من خير ما سألك منه عبادك الصالحون، وأعوذ بك من شر ما استعاذك منه عبادك الصالحون.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.

قال: ويقول: لم يدع نبي ولا صالح بشيء إلا دخل في هذا الدعاء.
اهـ.

وقد ورد في صحيح البخاري عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو في الصلاة: اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر، وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال، وأعوذ بك من فتنة المحيا وفتنة الممات.
اللهم إني أعوذ بك من المأثم والمغرم، فقال له قائل: ما أكثر ما تستعيذ من المغرم، فقال: إن الرجل إذا غرم حدث فكذب، ووعد فأخلف، قال الحافظ ابن حجر: الذي يظهر لي أن البخاري أشار [حيث ذكر هذا الحديث تحت باب الدعاء قبل السلام] إلى ما ورد في بعض الطرق من تعيينه بهذا المحل، فقد روي بلفظ إذا فرغ أحدكم من التشهد الأخير، فذكر الحديث، فهذا فيه تعيين هذه الاستعاذة بعد الفراغ من التشهد فيكون سابقا على غيره من الأدعية، وما ورد الإذن فيه أن المصلي يخير من الدعاء ما شاء بعد هذه الاستعاذة، وقبل السلام.
اهـ.

ومن الأدعية المأثورة ما رواه البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم علمني دعاء أدعو به في صلاتي.
فقال: قل: اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك، وارحمني، إنك أنت الغفور الرحيم.

3- وفي الرواية الرابعة أمر بإقامة الصفوف.
قال النووي: وهو مأمور به بإجماع الأمة، وهو أمر ندب، والمراد تسويتها، والاعتدال فيها، وتتميم الأول فالأول منها، والتراص فيها، وسيأتي بسط الكلام فيها بعد تسعة أبواب إن شاء الله.

4- استدل الجمهور بروايات الحديث على أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأخير ليست واجبة، وخالف في ذلك الشافعي وأحمد وبعض أصحاب مالك، وسيأتي إيضاح المسألة في الباب الآتي إن شاء الله.

5- استدل بقوله ثم ليؤمكم أحدكم على وجوب صلاة الجماعة، وقد اختلف العلماء في أنه أمر ندب أو أمر إيجاب على أربعة مذاهب حكاها النووي، فقال: الراجح في مذهبنا، وهو نص الشافعي -رحمه الله تعالى- وقول أكثر أصحابنا أنها فرض كفاية، إذا فعله من يحصل به إظهار هذا الشعار سقط الحرج عن الباقين، وإن تركوه كلهم أثموا كلهم، وقالت طائفة من أصحابنا: هي سنة، وقال ابن خزيمة من أصحابنا: فرض عين، لكن ليست بشرط، فمن تركها وصلى منفردا بلا عذر أتم وصحت صلاته، وقال بعض أهل الظاهر: هي شرط لصحة الصلاة، وقال بكل قول من الثلاثة المتقدمة طوائف من العلماء، وستأتي المسألة في بابها بعد أربعة وسبعين بابا إن شاء الله.

6- استدل بقوله فإذا كبر فكبروا على وجوب كون تكبيرة الإحرام للمأموم عقب تكبيرة الإمام، قال النووي: ويتضمن الأمر مسألتين: إحداهما أنه لا يكبر قبله ولا معه، بل بعده، فلو شرع المأموم في تكبيرة الإحرام ناويا الاقتداء بالإمام، وقد بقي للإمام منها حرف لم يصح إحرام المأموم بلا خلاف لأنه نوى الاقتداء بمن لم يصر إماما بل بمن سيصير إماما إذا فرغ من التكبير، والثانية أنه يستحب كون تكبيرة المأموم عقيب تكبيرة الإمام، ولا يتأخر، فلو تأخر جاز، وفاته كمال الفضيلة.

7- وفيه وجوب متابعة المأموم للإمام في الركوع والسجود وغيرهما من أفعال الصلاة، وسيأتي بسط المسألة بعد بابين إن شاء الله.

8- قال النووي: وفيه دلالة ظاهرة لما قاله أصحابنا وغيرهم أن تأمين المأموم يكون مع تأمين الإمام، لا بعده فإذا قال الإمام، ولا الضالين، قال الإمام والمأموم معا آمين.
وتأولوا قوله صلى الله عليه وسلم، إذا أمن الإمام فأمنوا، قالوا: معناه إذا أراد التأمين ليجمع بينه وبين هذا الحديث.
اهـ.
وستأتي المسألة بعد باب واحد إن شاء الله.

9- وفيه حث عظيم على التأمين، فيتأكد الاهتمام به.

10- قال النووي: وفيه دلالة لما قاله أصحابنا وغيرهم: أنه يستحب للإمام الجهر بقوله سمع الله لمن حمده.
وحينئذ يسمعونه، فيقولون.
اهـ.

11- قال وفيه دلالة لمذهب من يقول: لا يزيد المأموم على قوله ربنا ولك الحمد، ولا يقول مع الإمام: سمع الله لمن حمده، ومذهبنا أنه يجمع بينهما الإمام والمأموم والمنفرد، لأنه ثبت أنه صلى الله عليه وسلم جمع بينهما وسيأتي بسط الكلام فيه بعد باب واحد إن شاء الله.

12- استدل جماعة بقوله وإذا كان عند القعدة فليكن من أول قول أحدكم التحيات على أنه يقول في أول جلوسه: التحيات، ولا يقول: بسم الله وليس هذا الاستدلال بواضح، لأنه قال فليكن من أول ولم يقل.
فليكن أول.
اهـ.

13- استدل الأبي بقوله فأقيموا صفوفكم، ثم ليؤمكم أحدكم على أن الإمام لا يتقدم إلا بعد إقامة الصفوف.
وفيه نظر.

14- في قوله وإذا قرأ فأنصتوا حجة لمنع قراءة المأموم مع الإمام في الجهرية، وقد سبق بيانه.

( فائدة) قال النووي في المجموع: أجمع العلماء على الإسرار بالتشهدين، وكراهة الجهر بهما، واحتجوا بحديث ابن مسعود قال من السنة أن يخفى التشهد رواه أبو داود والترمذي والحاكم في المستدرك، وقال: حسن صحيح على شرط البخاري ومسلم، قال الترمذي: والعمل عليه عند أهل العلم.