هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
652 حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِيُّ ، قَالَ : قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ ، عَنْ نُعَيْمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُجْمِرِ ، أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ الْأَنْصَارِيَّ ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ ، هُوَ الَّذِي كَانَ أُرِيَ النِّدَاءَ بِالصَّلَاةِ أَخْبَرَهُ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ ، قَالَ : أَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ فِي مَجْلِسِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ ، فَقَالَ لَهُ بَشِيرُ بْنُ سَعْدٍ : أَمَرَنَا اللَّهُ تَعَالَى أَنْ نُصَلِّيَ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، فَكَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ ؟ قَالَ : فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، حَتَّى تَمَنَّيْنَا أَنَّهُ لَمْ يَسْأَلْهُ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قُولُوا اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ فِي الْعَالَمِينَ ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ ، وَالسَّلَامُ كَمَا قَدْ عَلِمْتُمْ
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
652 حدثنا يحيى بن يحيى التميمي ، قال : قرأت على مالك ، عن نعيم بن عبد الله المجمر ، أن محمد بن عبد الله بن زيد الأنصاري ، وعبد الله بن زيد ، هو الذي كان أري النداء بالصلاة أخبره عن أبي مسعود الأنصاري ، قال : أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في مجلس سعد بن عبادة ، فقال له بشير بن سعد : أمرنا الله تعالى أن نصلي عليك يا رسول الله ، فكيف نصلي عليك ؟ قال : فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى تمنينا أنه لم يسأله ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد ، كما صليت على آل إبراهيم وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم في العالمين ، إنك حميد مجيد ، والسلام كما قد علمتم
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير، 

Abdullah b. Zaid-he who was shown the call (for prayer in a dream) narrated it on the authority of Abu Mas'ud al-Ansari who said:

We were sitting in the company of Sa'id b. 'Ubida when the Messenger of Allah (ﷺ) came to us. Bashir b. S'ad said: Allah has commanded us to bless you. Messenger of Allah! But how should we bless you? He (the narrator) said: The Messenger of Allah (ﷺ) kept quiet (and we were so much perturbed over his silence) that we wished we had not asked him. The Messenger of Allah (ﷺ) then said: (For blessing me) say: 0 Allah, bless Muhammad and the members of his household as Thou didst bless the mernbers of Ibrahim's household. Grant favours to Muhammad and the members of his household as Thou didst grant favours to the members of the household of Ibrahim in the world. Thou art indeed Praiseworthy and Glorious ; and salutation as you know.

شرح الحديث من فـــتح المــــنعم

: : هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،   

عن أبي مسعود الأنصاري قال: أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في مجلس سعد بن عبادة فقال له بشير بن سعد: أمرنا الله تعالى أن نصلي عليك يا رسول الله فكيف نصلي عليك؟ قال: فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تمنينا أنه لم يسأله ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد والسلام كما قد علمتم.


المعنى العام

علم رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه التشهد كما يعلمهم السورة من القرآن، ومما علمهم فيه قوله السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته وعرف الصحابة مشروعية السلام على نبيهم صلى الله عليه وسلم في التشهد، وواظبوا عليه ونزل قوله تعالى: { { إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما } } [الأحزاب: 56] وتأكدوا أن للصلاة عليه صيغة مشروعة، قياسا على علمهم بصيغة مخصوصة للسلام عليه، فما إن اجتمع بهم بعد نزول الآية حتى سألوه: يا رسول الله، هذا السلام عليك قد عرفناه، وقد أمرنا الله بالصلاة عليك، فكيف نصلي عليك في صلاتنا؟ وسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم، لم يكن أمر بعد بصيغة معينة، وانتظر الوحي، وظن الصحابة أنهم بذلك السؤال أخطئوا، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يرض عنه.
وكان شأنه صلى الله عليه وسلم السكوت عند رؤية أو سماع ما لا يرضي، تألم الصحابة، ولاموا أنفسهم، ونظر بعضهم إلى بعض آسفا ومعاتبا، وكان الوحي: وكان جواب الرسول صلى الله عليه وسلم قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد وأزواجه وذريته، كما صليت على آل إبراهيم وبارك على محمد وعلى آل محمد وأزواجه وذريته، كما باركت على آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.

وبهذه الصلاة يدعو المؤمن لنبيه صلى الله عليه وسلم، ويكافئه على أن نصح الأمة وكشف الغمة، وأنار بدعوته قلوب أتابعه، ورسم لهم الطريق المستقيم، طريق الذين أنعم الله عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين، جاءهم بالهدى ودين الحق، وهداهم إلى طريق الجنة، وإلى السعادة الأبدية، بهذه الصلاة ينال المسلم عشر رحمات، وعشر صلوات من أكرم الأكرمين، ينال المسلم بالصلاة الواحدة عشر صلوات، ويكتب له بها عشر حسنات، ويمحي عنه بها عشر سيئات، ويرفع بها عشر درجات فما أجزل الأجر الكبير على اللفظ الصغير، وما أسهل طريق الثواب الجزيل.

المباحث العربية

( فقال له بشير بن سعد) ذكر هذا الاسم بعد ذكر ونحن في مجلس سعد بن عبادة، قد يوهم أن بشير بن سعد بن عبادة، ولكنه والد النعمان بن بشير بن سعد بن ثعلبة بن الجلاس الخزرجي، وبشير هذا صحابي شهير من أهل بدر وشهد غيرها، وهو صاحب الحديث المشهور في تفضيل بعض الأولاد على بعض، توفي في خلافة أبي بكر.

( أمرنا الله تعالى أن نصلي عليك يا رسول الله) يشير إلى أمر الله تعالى في قوله: { { إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما } }

( فكيف نصلي عليك) ؟ كيف اسم استفهام حال مقدم، والفاء في جواب شرط مقدر، أي إذا كان الله قد أمر بالصلاة عليك فكيف نصلي عليك؟ قال الحافظ ابن حجر: اختلف في المراد بقولهم: كيف؟ فقيل: المراد السؤال عن معنى الصلاة المأمور بها، بأي لفظ تؤدى؟ وقيل: عن صفتها، لا عن جنسها، لأن لفظ كيف ظاهر في الصفة، وأما الجنس فيسأل عنه بلفظ ما وبه جزم القرطبي فقال: هذا سؤال من أشكلت عليه كيفية ما فهم أصله، وذلك أنهم عرفوا المراد بالصلاة، فسألوا عن الصفة التي تلبق بها ليستعملوها.
اهـ.

قال الحافظ ابن حجر: والحامل لهم على هذا السؤال أن السلام لما تقدم بلفظ مخصوص، وهو السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته فهموا منه أن الصلاة أيضا تقع بلفظ مخصوص، وعدلوا عن القياس، لإمكان الوقوف على النص، ولا سيما في ألفاظ الأذكار، فإنها تجيء خارجة عن القياس غالبا، فوقع الأمر كما فهموا، فإنه لم يقل لهم: قولوا الصلاة عليك أيها النبي، ولا تقولوا: الصلاة والسلام عليك إلخ، بل علمهم صيغة أخرى.

( فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تمنينا أنه لم يسأله) معناه كرهنا سؤاله مخافة أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم كره سؤاله، وشق عليه، وذلك لما تقرر عندهم من النهي عن ذلك، بقوله تعالى: { { لا تسألوا عن أشياء إن تبدلكم تسؤكم } } [المائدة: 101] ووقع عند الطبري من وجه آخر في هذا الحديث فسكت حتى جاءه الوحي فقال....

( قولوا: اللهم صل على محمد) اللهم كثر استعمالها في الدعاء، وهي بمعنى يا الله، والميم عوض عن حرف النداء، وصلاة الله على نبيه صلى الله عليه وسلم ثناؤه عليه عند ملائكته وتعظيمه، وصلاة الملائكة وغيرهم عليه طلب ذلك له من الله تعالى، والمراد طلب الزيادة، لا طلب أصل الثناء والتعظيم، قال الحليمي: معنى الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم تعظيمه، فمعنى قولنا: اللهم صل على محمد: عظم محمدا والمراد تعظيمه في الدنيا بإعلاء ذكره، وإظهار دينه وإبقاء شريعته، وفي الآخرة بإجزال مثوبته وتشفيعه في أمته، وإبداء فضيلته بالمقام المحمود، وعلى هذا فالمراد بقوله تعالى { { صلوا عليه } } ادعوا ربكم بالصلاة عليه.
اهـ.

وصلاة الملائكة عليه في قوله تعالى: { { إن الله وملائكته يصلون على النبي } } كصلاتنا عليه، أي طلب تعظيمه والثناء عليه صلى الله عليه وسلم.

( وعلى آل محمد) صلاة الله على آل محمد رحمته لهم، وهي من قبيل صلاته جل شأنه على غير الأنبياء من عباده، في قوله تعالى: { { هو الذي يصلي عليكم وملائكته } } [الأحزاب: 43] فدعاؤنا بالصلاة على آل محمد دعاؤنا لهم بالرحمة.
وقيل معنى صلاة الله على عباده عموما ثناؤه عليهم.
وتعظيمه لهم، فالصلاة على الآل، وعلى الأزواج والذرية، وعلى المتقين من المؤمنين من هذا القبيل، ولا يمتنع أن يدعي لهؤلاء بالثناء والتعظيم، كما يدعي للرسول صلى الله عليه وسلم، فإن تعظيم كل أحد بحسب ما يليق به.

وآل قيل: أصلها أهل قلبت الهاء همزة، ثم سهلت، ولهذا إذا صغر رد إلى الأصل، فقيل: أهيل.

وقيل: بل أصله أول من آل بمعنى رجع، سمي بذلك من يئول إلى الشخص، ويضاف إليه، وقد يطلق آل فلان على نفسه وعلى من يضاف إليه جميعا، وضابطه أنه إذا قيل: فعل آل فلان كذا دخل هو فيهم إلا بقرينة، ومن شواهده قوله صلى الله عليه وسلم إنا آل محمد لا تحل لنا الصدقة وإن ذكروا معا فلا، ومنه رواية إن هذه الصدقة أوساخ الناس وأنها لا تحل لمحمد ولا آل محمد واختلف في المراد بآل محمد صلى الله عليه وسلم في حديث الباب، والراجح أنهم من حرمت عليهم الصدقة، وهم بنو هاشم وبنو المطلب على أرجح أقوال العلماء، وهذا ما نص عليه الشافعي، واختاره الجمهور وقيل: المراد بآل محمد أزواجه وذريته، ويساعده أن الرواية الأولى والثانية لفظها اللهم صل على محمد وعلى آل محمد وفي الرواية الثالثة لفظها اللهم صل على محمد وعلى أزواجه وذريته فدل على أن المراد بالآل الأزواج والذرية، وتعقب بأنه ثبت الجمع بين الثلاثة، فالمراد بالآل في التشهد من حرمت عليهم الصدقة والأزواج والذرية منه، وأفردوا بالذكر تنويها بشأنهم وقيل: المراد بالآل الذرية، أي فاطمة خاصة وذريتها، حكاه النووي، وهو قول يميل نحو التشيع، وقيل: جميع أمة الإجابة، وقد مال إلى ذلك مالك واختاره الأزهري وحكي عن بعض الشافعية، ورجحه النووي في شرح مسلم، وقيده القاضي حسين والراغب بالأتقياء منهم.
والله أعلم.

( كما صليت على آل إبراهيم) جميع روايات الباب، كما صليت على آل إبراهيم، بذكر الآل.
وقد سبق القول: أن آل فلان يطلق على نفسه وعلى من يضاف إليه، فالمراد إبراهيم وآله، أي ذريته من إسماعيل وإسحق، أي المسلمون منهم، بل المتقون، فيدخل فيهم الأنبياء والصديقون والشهداء والصالحون، دون من عداهم، وفيه ما تقدم في آل محمد صلى الله عليه وسلم.

قال الحافظ ابن حجر: اشتهر السؤال عن موقع التشبيه مع أن المقرر أن المشبه دون المشبه به، والواقع هنا عكسه، لأن محمدا صلى الله عليه وسلم وحده أفضل من آل إبراهيم، ومن إبراهيم، ولا سيما وقد أضيف إليه آل محمد، وقضية كونه أفضل أن تكون الصلاة المطلوبة أفضل من كل صلاة حصلت أو تحصل لغيره، وأجيب عن ذلك بأجوبة.

الأول: أنه قال ذلك قبل أن يعلم أنه أفضل من إبراهيم، وتعقب بأنه لو كان كذلك لغير لهم صفة الصلاة المطلوبة بعد أن علم أنه أفضل.

الثاني: أنه قال ذلك تواضعا، وشرع ذلك لأمته ليكتسبوا بذلك الفضيلة.

الثالث: أن التشبيه إنما هو لأصل الصلاة، لا للقدر بالقدر فهو كقوله تعالى: { { إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح } } [النساء: 163] ، وقوله { { كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم } } [البقرة: 183] وكقولك: أحسن إلى ولدك كما أحسنت إلى فلان، تريد بذلك أصل الإحسان، لا قدره.
ورجح هذا الجواب القرطبي.

الرابع: أن المراد أن يجعله خليلا، كما جعل إبراهيم خليلا، وأن يجعل له لسان صدق في الآخرين كما جعل لإبراهيم، وذلك بالإضافة إلى ما حصل لمحمد صلى الله عليه وسلم من المحبة.
وقربه بعضهم بأنه مثل رجلين يملك أحدهما ألفا، ويملك الآخر ألفين، فسأل صاحب الألفين أن يعطي ألفا أخرى نظير الذي أعطيها الأول، فيصير المجموع للثاني أضعاف ما للأول.

الخامس: أن قوله اللهم صل على محمد مقطوع عن التشبيه، فيكون التشبيه متعلقا بقوله وعلى آل محمد واستبعده ابن القيم.

السادس: أن التشبيه إنما هو المجموع بالمجموع، فإن في الأنبياء من آل إبراهيم كثرة، فإذا قوبلت تلك الذوات الكثيرة من إبراهيم وآل إبراهيم بالصفات الكثيرة التي لمحمد أمكن انتفاء التفاضل.
قال الحافظ ابن حجر: ويعكر على هذا الجواب أنه وقع في بعض روايات البخاري مقابلة الاسم فقط، ولفظه: اللهم صل على محمد كما صليت على إبراهيم.

السابع: رد قاعدة أن المشبه به يكون أرفع من المشبه، بأن ذلك ليس مطردا، بل قد يكون التشبيه بالمثل، بل وبالدون، كما في قوله تعالى: { { مثل نوره كمشكاة } } [النور: 35] .

قال ابن القيم -بعد أن زيف أكثر الأجوبة إلا تشبيه المجموع بالمجموع- وأحسن منه أن يقال هو صلى الله عليه وسلم من آل إبراهيم وقد ثبت ذلك عن ابن عباس في تفسير قوله تعالى: { { إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين } } [آل عمران: 33] قال محمد من آل إبراهيم فكأنه أمرنا أن نصلي على محمد وعلى آل محمد خصوصا بقدر ما صلينا عليه مع إبراهيم وآل إبراهيم عموما، فيحصل لآله ما يليق بهم، ويبقى الباقي كله له، وذلك القدر أزيد مما لغيره من آل إبراهيم قطعا، ويظهر حينئذ فائدة التشبيه وأن المطلوب له بهذا اللفظ أفضل من المطلوب بغيره من الألفاظ.
انتهى من فتح الباري مع بعض التصرف.

( وبارك على محمد) المراد من البركة هنا الزيادة من الخير والكرامة وقيل: المراد التطهير من العيوب والتزكية.
وقيل: المراد إثبات ذلك وتثبيته واستمراره من قولهم: بركت الإبل، أي ثبتت على الأرض، وبه سميت بركة الماء -بكسر الباء وسكون الراء- لإقامة الماء فيها.
والحاصل أن المطلوب أن يعطي من الخبر أوفاه، وأن يثبت ذلك ويستمر دائما.

( في العالمين) قيل: هم أصناف الخلق، وقيل: ما حواه بطن الفلك، وقيل كل محدث، وقيل: ما فيه روح، وقيل: العقلاء مما فيه روح، وقيل الإنس والجن فقط.

( إنك حميد مجيد) حميد فعيل من الحمد، بمعنى محمود، وأبلغ منه، وهو من حصل له من صفات الحمد أكملها، وقيل: هو بمعنى الحامد، أي يحمد أفعال عباده، وأما مجيد فهو من المجد، وهو صفة من كمل في الشرف، وهو مستلزم للعظمة والجلال، كما أن الحمد يدل على صفة الإكرام، ومناسبة ختم هذا الدعاء بهذين الاسمين العظيمين أن المطلوب تكريم الله لنبيه، وثناؤه عليه، والتنويه به وزيادة تقريبه، وذلك مما يستلزم طلب الحمد والمجد، ففي ذلك إشارة إلى أنهما كالتعليل للمطلوب، أو هو كالتذييل له، والمعنى أنك فاعل ما تستوجب به الحمد من النعم المترادفة، كريم بكثرة الإحسان إلى جميع عبادك.
ذكره الحافظ ابن حجر.

( والسلام كما قد علمتم) معناه قد أمركم الله تعالى بالصلاة والسلام علي، فأما الصلاة علي فهذه صفتها، وأما السلام علي فكما علمتم في التشهد وهو السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، ولفظ كما قد علمتم روي بفتح العين وكسر اللام المخففة وروي بضم العين وتشديد اللام، أي علمتكموه.
قال النووي: وكلاهما صحيح.

( ألا أهدي لك هدية؟ خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم) في هذا السياق إضمار، تقديره: قال ابن أبي ليلى: نعم، وقد وقع ذلك صريحا في بعض الروايات قال: قلت: بلى وفي بعضها فقلت: بل اهدها لي.

( فقلنا: قد عرفنا كيف نسلم عليك) قال الفكهاني: الظاهر أن السؤال صدر من بعضهم، لا من جميعهم، ففيه التعبير عن البعض بالكل، ثم قال: ويبعد جدا أن يكون كعب هو الذي باشر السؤال منفردا فأتى بالنون التي للتعظيم، بل لا يجوز ذلك، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أجاب بقوله قولوا فلو كان السائل واحدا لقال له: قل، ولم يقل: قولوا.
اهـ.
وهو كلام حسن من حيث إن الصحابي لا يأتي بالنون التي للتعظيم، ولكنه لا يمنع أن يكون السائل واحدا، ويأتي بالنون لبيان أن السؤال كان له ولغيره، فهو قائل لفظا، وغيره قائلون حكما، أي قد عرفت أنا وغيري كيف نسلم عليك، وهذا هو الظاهر.
والمستبعد أن يسأل جماعة في وقت واحد بلفظ واحد.
إذ ليس ذلك من الأدب ولا من النظام في شيء، بل يصح أن يكون كعب بن عجرة قائلا حكما.
والناطق غيره، نعم رواية الطبري، ولفظها قمت إليه، فقلت: السلام عليك قد عرفناه، فكيف الصلاة عليك يا رسول الله؟ ترجح أنه المتلفظ بالسؤال، أما الرواية الأولى، ولفظها فقال له ابن سعد... فإنها تفيد أن المتلفظ بالسؤال بشير، فإن صحت الروايتان، ولم ترجح روايتنا على رواية الطبري قلنا بتعدد المجالس والسؤال فإن كان في مجلس واحد قلنا: إن أحدهما سأل أولا وأيده الثاني بتأكد السؤال وإعادته والله أعلم.

فقه الحديث

لخص الحافظ ابن حجر مذاهب العلماء في حكم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في عشرة مذاهب.

أولها: قول ابن جرير الطبري إنها من المستحبات مطلقا.
وادعى الإجماع على ذلك.

ثانيها: أنها تجب في الجملة بغير حصر.
نقل ابن القصار فيه الإجماع [ولعل مراده بالإجماع هو وابن جرير إجماع أصحاب كل منهما، لا إجماع الأمة] .

ثالثها: تجب في العمر مرة، في صلاة أو غيرها، وهي مثل كلمة التوحيد قاله أبو بكر الرازي من الحنفية، وابن حزم وغيرهما، وقال القرطبي المفسر: لا خلاف في وجوبها في العمر مرة، وأنها واجبة في كل حين وجوب السنن المؤكدة.

رابعها: يجب الإكثار منها من غير تقييد بعدد.
قاله أبو بكر بن بكير من المالكية.

خامسها: تجب في كل مجلس مرة، ولو تكرر ذكره مرارا، حكاه الزمخشري.

سادسها: تجب في كل دعاء، حكاه الزمخشري أيضا.

سابعها: تجب كلما ذكر، قاله الطحاوي وجماعة من الحنفية والحليمي وجماعة من الشافعية، وقال ابن العربي من المالكية، إنه الأحوط، وكذا قال الزمخشري.

ثامنها: تجب في الصلاة من غير تعيين المحل، نقل ذلك عن أبي جعفر الباقر.

تاسعها: تجب في التشهد، وهو قول الشعبي وإسحق بن راهويه.

عاشرها: تجب في القعود آخر الصلاة، بين قول التشهد وسلام التحلل، قاله الشافعي.
ومن تبعه.
اهـ والذي يعنينا في هذا المقام حكم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة، بين التشهد وسلام التحلل، وقد أجمل النووي مذاهب العلماء فيها فقال: ذهب أبو حنيفة ومالك -رحمهما الله تعالى- والجماهير إلى أنها سنة، ولو تركت صحت الصلاة.
وذهب الشافعي وأحمد -رحمهما الله تعالى- إلى أنها واجبة، ولو تركت لم تصح الصلاة، قال: وقد نسب جماعة الشافعي -رحمه الله تعالى- في هذا إلى مخالفة الإجماع، ولا يصح قولهم هذا، فإنه مذهب الشافعي، وهو مروي عن عمر بن الخطاب وابنه عبد الله رضي الله عنهما.
اهـ.

والعلماء يرون أن في استدلال الشافعية على وجوبها خفاء، فهم يحتجون بحديث أبي مسعود الأنصاري [روايتنا الأولى] ولفظه، أمرنا الله أن نصلي عليك يا رسول الله فكيف نصلي عليك؟....
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قولوا: اللهم صل على محمد، وعلى آل محمد، كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد والسلام كما علمتم قالوا: فقولهم أمرنا الله يشيرون به إلى أمر الله في قوله تعالى: { { يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما } } قالوا والأمر للوجوب.

وقد اعترض على هذا الاستدلال بأنه إن دل على الوجوب، فإنه لا يدل على كون هذا الوجوب في الصلاة.

وأجابوا عن هذا الاعتراض برواية ابن حبان والحاكم لهذا الحديث، وفيه زيادة فكيف نصلي عليك إذا نحن صلينا عليك في صلاتنا وهذه الزيادة صحيحة، قال فيها الدارقطني: إسناده حسن متصل، وقال البيهقي: إسناده حسن صحيح، وصححه الترمذي وابن خزيمة.

قالوا: واحتمال كون ذلك التعليم ليصلي عليه خارج الصلاة بعيد، وقال بعضهم في ذلك: إن الصلاة عليه واجبة بالإجماع، وليست الصلاة عليه خارج الصلاة واجبة، فتعين أن تجب في الصلاة.

وقالوا: إن قوله صلى الله عليه وسلم والسلام كما قد علمتم بعد تعليمهم الصلاة عليه وبعد تعليمهم السلام عليه في التشهد قرينة على أن المراد بالصلاة عليه الصلاة عليه في الصلاة.

واعترض على هذا الجواب بأنه إن دل على طلب الصلاة عليه في الصلاة فإنه لا يدل على تعين إيقاعها بين التشهد والسلام.

وأجابوا عن هذا الاعتراض، فقالوا: أخرج الحاكم بسند قوي عن ابن مسعود قال: يتشهد الرجل، ثم يصلي على النبي، ثم يدعو لنفسه، فإن ابن مسعود ذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم علمهم التشهد في الصلاة، وأنه قال: ثم ليتخير من الدعاء ما يشاء فلما ثبت عن ابن مسعود الأمر بالصلاة عليه قبل الدعاء دل على أنه اطلع على زيادة بين التشهد والدعاء ويتقوى هذا بما أخرجه الترمذي عن عمر موقوفا: الدعاء موقوف بين السماء والأرض لا يصعد منه شيء حتى يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، قال ابن العربي: ومثل هذا لا يقال من قبل الرأي، فيكون له حكم الرفع.

واعترض على كل هذا بأن أقصى ما يدل عليه طلب الصلاة عليه ويكفي في هذا الاستحباب، ولا دلالة على الوجوب، وخصوصا أن الشافعية أنفسهم لم يوجبوا إلا اللهم صل على محمد وما زاد على ذلك جعلوه سنة مع أن تعليمهم الصلاة عليه اشتمل على الصلاة على الآل والذرية، وهي واجبة بالإجماع.

وأجيب عن هذا الاعتراض بما أخرجه البيهقي بسند قوي عن الشعبي وهو من كبار التابعين قال: من لم يصل على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد فليعد صلاته وبما قاله الشافعي: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعلمهم التشهد في الصلاة، وروي عنه أنه علمهم كيف يصلون في الصلاة، فلا يجوز أن نقول: التشهد في الصلاة واجب والصلاة عليه فيه غير واجبة.
اهـ ورد بأن هذا رأي ومذهب للشعبي والشافعي خال من الدليل.

وقد شنع جماعات على مذهب الشافعية، ونسبوه في ذلك إلى الشذوذ، ومنهم الطبري والطحاوي وابن المنذر والخطابي، وتصدى الحافظ ابن حجر للدفاع عن المذهب، فقال: إن فقهاء الأمصار لم يتفقوا على مخالفة الشافعي في ذلك، بل جاء عن أحمد روايتان، وعن إسحاق الجزم به في العمد فقال: إذا تركها يعيد والخلاف أيضا عند المالكية، ذكره ابن الحاجب في سنن الصلاة، قال: على الصحيح، فقال شارحه بن عبد السلام: يريد أن في وجوبها قولين، وهو ظاهر كلام ابن المواز منهم، وأما الحنفية فألزم بعض شيوخنا من قال منهم بوجوب الصلاة كلما ذكر، كالطحاوي ألزمهم بعض شيوخنا أن يقولوا بوجوبها في التشهد، لتقدم ذكره صلى الله عليه وسلم في آخر التشهد.

كما انتصر ابن القيم للشافعي فقال: أجمعوا على مشروعية الصلاة عليه في التشهد، وإنما اختلفوا في الوجوب والاستحباب، وفي تمسك من لم يوجبه بعمل السلف الصالح نظر، لأن عملهم كان بوفاقه، وقال: وأما قول عياض: إن الناس شنعوا على الشافعي فلا معنى له، فأي شناعة في ذلك؟ وهو لم يخالف نصا ولا إجماعا ولا قياسا ولا مصلحة راجحة؟ بل القول بذلك من محاسن مذهبه.
اهـ.

واختلف العلماء في الصيغة المطلوبة سواء على وجه الوجوب أو الاستحباب، وبقي الخلاف على اختلاف الروايات، وقد قال النووي في شرح المهذب والأفضل في صفة الصلاة أن يقول: اللهم صل على محمد عبدك ورسولك النبي الأمي، وعلى آل محمد وأزواجه وذريته، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد وأزواجه وذريته كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين، إنك حميد مجيد.
فيجمع بذلك ما في الأحاديث الصحيحة.
اهـ.

وتعقبه الأسنوي فقال: لم يستوعب ما ثبت في الأحاديث، ومع اختلاف كلامه في شرح المهذب، عنه في الأذكار، وعنه في التحقيق والفتاوي، فمرة أسقط النبي الأمي في بارك ومرة زاد أمهات المؤمنين بعد قوله: أزواجه وزاد، أهل بيته بعد قوله ذريته.

وقال الأوزاعي: لم يسبق النووي إلى ما قال، والذي يظهر أن الأفضل لمن تشهد أن يأتي بأكمل الروايات، ويقول كل ما ثبت، هذا مرة وهذا مرة.
وأما التلفيق فإنه يستلزم إحداث صفة في التشهد لم ترد مجموعة في حديث واحد.
اهـ.

قال الحافظ ابن حجر: وكأن الأوزاعي أخذ كلامه من كلام ابن القيم، فإنه قال: إن الكيفية لم ترد مجموعة في طريق من الطرق.
والأولى أن يستعمل كل لفظ ثبت على حدة.
فبذلك يحصل الإتيان بجميع ما ورد بخلاف ما إذا قال الجميع دفعة واحدة.
فإن الغالب على الظن أنه صلى الله عليه وسلم لم يقله كذلك.
وقد نص الشافعي على أن الاختلاف في ألفاظ التشهد ونحوه كالاختلاف في القراءات.
ولم يقل أحد من الأئمة باستحباب التلاوة بجميع الألفاظ المختلفة في الحرف الواحد من القرآن.
وإن كان بعضهم أجاز ذلك عند التعليم للتمرين.
انتهى كلام ابن القيم.

قال الحافظ ابن حجر: والذي يظهر إن اللفظ إن كان بمعنى اللفظ الآخر كما في أزواجه وأمهات المؤمنين فالأولى الاقتصار في كل مرة على أحدهما.
وإن كان اللفظ يستقل بزيادة معنى ليس في اللفظ الآخر البتة فالأولى الإتيان به، ويحمل على أن بعض الرواة حفظ ما لم يحفظ الآخر.
اهـ.

ولا يخفى أن هذا الخلاف إنما هو في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة، أما الصلاة عليه خارج الصلاة فللمصلي عليه أن يأتي بما يشاء من الألفاظ، ففي لفظ لابن مسعود اللهم اجعل صلواتك وبركاتك ورحمتك على سيد المرسلين وإمام المتقين وخاتم النبيين محمد عبدك ورسولك، أخرجه ابن ماجه والطبري، وفي لفظ لعلي كرم الله وجهه، اللهم داحي المدحوات...اجعل شرائف صلواتك ونواحي بركاتك.
ورأفة تحيتك.
على محمد عبدك ورسولك أخرجه الطبري والطبراني.

وادعى بعضهم أنه لا يقال: وترحم على محمد، وبالغ ابن العربي في إنكار ذلك فقال: حذار من زيادة وترحم قال الحافظ ابن حجر: إن كان إنكاره لكونه لم يصح فمسلم.
وإلا فدعوى من يدعي أنه لا يقال: اللهم ارحم محمدا مردودة، لثبوت ذلك في عدة أحاديث أصحها في التشهد السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ثم قال هذا فيما يقول مضموما إلى السلام أو الصلاة.
أما مفردا فلا.

ونقل القاضي عياض عن الجمهور الجواز مطلقا، وخالف غيره، ففي الذخيرة من كتب الحنفية: عن محمد: يكره ذلك لإيهامه النقص، لأن الرحمة غالبا إنما تكون عن فعل ما يلام عليه، وجزم ابن عبد البر بمنعه، فقال لا يجوز لأحد إذا ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن يقول: رحمة الله، لأنه قال: من صلى علي ولم يقل: من ترحم علي، ولا من دعا لي، وإن كان معنى الصلاة الرحمة، لكنه خص هذا اللفظ تعظيما له، فلا يعدل عنه إلى غيره، ويؤيده قوله تعالى: { { لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا } } [النور: 63] .
اهـ.

واختلف العلماء في حكم الصلاة على غير النبي صلى الله عليه وسلم من الملائكة والأنبياء والمؤمنين.

أما الأنبياء فقد ثبت عن ابن عباس اختصاص الصلاة بالنبي صلى الله عليه وسلم، فعن عكرمة عن ابن عباس قال ما أعلم الصلاة تنبغي على أحد من أحد إلا على النبي صلى الله عليه وسلم، أخرجه ابن أبي شيبة.
وحكي القول به عن مالك وجاء نحوه عن عمر بن عبد العزيز، وعن مالك يكره.

والجمهور على جواز الصلاة على الأنبياء، قال عياض: عامة أهل العلم على الجواز.
قال سفيان: ووجدت بخط بعض شيوخ مذهب مالك، لا يجوز أن يصلي إلا على محمد، وهذا غير معروف عن مالك، وإنما قال.
أكره الصلاة على غير الأنبياء، وما ينبغي لنا أن نتعدى ما أمرنا به.
اهـ.

وبهذا يتبين أن عامة العلماء على جواز الصلاة على الأنبياء تبعا واستقلالا فنقول: مثلا: موسى عليه الصلاة والسلام، وقال شعيب عليه الصلاة والسلام ونحو ذلك، بل في الأحاديث ما يدل على مشروعيتها واستحبابها، فقد أخرج البيهقي عن بريدة رفعه لا تتركن في التشهد الصلاة علي وعلى أنبياء الله وأخرج الإسماعيلي من حديث أبي هريرة، رفعه صلوا على أنبياء الله وأخرج الطبراني عن ابن عباس، رفعه إذا صليتم علي فصلوا على أنبياء الله فإن الله بعثهم كما بعثني، فهذه الأحاديث وإن كانت ضعيفة الإسناد نقوي القول بالجواز على الأقل.

وأما الملائكة فقد قال عنهم الحافظ ابن حجر: لا أعرف في الصلاة عليهم حديثا نصا، وإنما يؤخذ ذلك من الذي قبله، لأن الله تعالى سماهم رسلا.
اهـ.
فهو يرى أن حكم الصلاة عليهم كحكم الصلاة على الأنبياء.

وأما المؤمنون فقد قال طائفة بجواز الصلاة عليهم مطلقا، سواء كانت بطريق الاستقلال.
أو بطريق التبعية، واستدلوا بالرواية الأولى والثانية ولفظها قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، وبالرواية الثالثة ولفظها قولوا: اللهم صل على محمد وعلى أزواجه وذريته كما استدلوا بقوله تعالى { { وصل عليهم } } [التوبة: 103] وبقوله { { هو الذي يصلي عليكم وملائكته } } [الأحزاب: 43] وبما رواه البخاري عن ابن أبي أوفى، قال كان إذا أتى رجل النبي صلى الله عليه وسلم بصدقته قال: اللهم صل عليه.
فأتاه أبي بصدقته، فقال اللهم صل على آل أبي أوفى وما رواه أبو داود عن قيس بن سعد بن عبادة أن النبي صلى الله عليه وسلم رفع يده، وهو يقول اللهم اجعل صلواتك ورحمتك على آل سعد بن عبادة، وبما أخرجه أحمد وصححه ابن حبان من حديث جابر أن امرأته قالت للنبي صلى الله عليه وسلم صل علي وعلى زوجي ففعل.

كما احتجوا بأن الصلاة دعاء بالرحمة فلا تمنع إلا بنص أو إجماع.

وهذا القول جاء عن الحسن ومجاهد، ونص عليه أحمد في رواية أبي داود وبه قال إسحق وأبو ثور وداود والطبري.

ويميل ابن القيم إلى هذا الرأي، لكنه يقيده بعض الشيء، فيقول: المختار أن يصلي على الأنبياء، والملائكة، وأزواج النبي صلى الله عليه وسلم وآله وذريته، وأهل الطاعة على سبيل الإجمال، وتكره في غير الأنبياء لشخص مفرد بحيث يصير شعارا، ولا سيما إذا ترك في حق مثله، أو أفضل منه كما يفعله الرافضة؟ فلوا اتفق وقوع ذلك مفردا في بعض الأحايين من غير أن يتخذ شعارا لم يكن به بأس، ولهذا لم يرد في حق غير من أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقول ذلك لهم، وهم من أدى زكاته إلا نادرا كما في قصة زوجة جابر وآل سعد بن عبادة.
اهـ.

والجمهور عن منع الصلاة على غير الأنبياء والملائكة استقلالا، لا تبعا، فلا يقال: قال أبو بكر صلى الله عليه وسلم، وإن كان معناه صحيحا.
يقال: صلى الله على النبي وعلى صديقه وعلى خليفته، ونحو ذلك، والحجة فيه أنه صار شعارا للنبي صلى الله عليه وسلم فلا يشاركه غيره فيه.
قالوا: وقريب من هذا أنه لا يقال: قال محمد عز وجل وإن كان معناه صحيحا.
لأن هذا الثناء صار شعارا لله سبحانه وتعالى، فلا يشاركه غيره فيه.

قالوا: ولا حجة لمن أجاز ذلك منفردا، استدلالا بالآيتين، وبحديث ابن أبي أوفى وبحديث جابر السابقين، فإن ذلك كله وقع من النبي صلى الله عليه وسلم، ولصاحب الحق أن يتفضل من حقه بما يشاء، وليس لغيره أن يتصرف إلا بإذنه.
ولم يثبت عنه إذن في ذلك، ويقوي المنع أن الصلاة على غير النبي صلى الله عليه وسلم في بعض البلاد صارت شعارا لأهل الأهواء، يصلون على من يعظمونه من أهل البيت، والصلاة على غير الأنبياء استقلالا لم تكن من الأمر المعروف، وإنما أحدثت في دولة بني هاشم.

والخلاف بين الجمهور في اعتبار هذا المنع حراما، أو مكروها، أو خلاف الأولى، كما أن الخلاف جار في الصلاة على المؤمنين تبعا، هل هي جائزة مطلقا أو فيمن ورد النص بهم؟

فقالت طائفة: لا تجوز الصلاة على المؤمنين استقالا -أي تحرم- وتجوز تبعا فيما ورد بالنص، أو ألحق به، لقوله تعالى: { { لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا } } لأنه لما علمهم السلام قال السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ولما علمهم الصلاة قصر ذلك عليه وعلى أهل بيته وهذا القول اختاره القرطبي وأبو المعالي من الحنابلة.

وقالت طائفة: لا تجوز الصلاة على المؤمنين استقلالا -أي تحرم- وتجوز تبعا مطلقا: وهذا قول أبي حنيفة وجماعة.

وقالت طائفة: تكره استقلالا، لا تبعا، وهي رواية عن أحمد.

وقال النووي: هي خلاف الأولى.

والذي تميل إليه النفس أن الصلاة على المؤمنين استقلالا، إذا كانت على وجه التعظيم، ومعادلة النبي صلى الله عليه وسلم، أو على وجه رفع مفضول على فاضل حرمت أما إذا كانت على وجه الدعاء بالرحمة والبركة فلا تحرم، والأولى أن يذكر غير الأنبياء بالرضا والغفران، دون الصلاة، ودون السلام، فقد قال الحويني: والسلام في معنى الصلاة، فإن الله تعالى قرن بينهما فلا يفرد بالسلام غائب غير الأنبياء.
أي لا يقال: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي عليهم السلام، وإنما يقال السلام خطابا للأحياء والأموات فيقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
والله أعلم.

واستدل بالحديث برواياته الثلاث الأوليات على فضيلة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، من جهة ورود الأمر بها، واعتناء الصحابة بالسؤال عن كيفيتها، وقد ورد فضلها صريحا في الرواية الرابعة، ولفظها من صلى علي واحدة صلى الله عليه عشرا قال القاضي عياض: أي رحمه، وضعف أجره، من باب قوله تعالى { { من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها } } [الأنعام: 160] الآية ويحتمل أن الله يصلي عليه حقيقة بكلام تسمعه الملائكة عليهم السلام كما جاء في الحديث القدسي وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم.
اهـ.

قال الحافظ ابن حجر: وقد ورد التصريح بفضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث قوية، منها ما أخرجه مسلم من صلى علي واحدة صلى الله عليه عشرا وله شاهد عند أحمد والنسائي، وعند النسائي عن بردة من صلى علي من أمتي صلاة مخلصا من قلبه صلى الله عليه بها عشر صلوات ورفعه بها عشر درجات، وكتب له بها عشر حسنات، ومحا عنه عشر سيئات، وعند الترمذي: إن أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم علي صلاة وعند البيهقي صلاة أمتي تعرض علي في كل يوم جمعة: فمن كان أكثرهم علي صلاة كان أقربهم مني منزلة.
وعند الترمذي والنسائي وابن حبان والحاكم، البخيل من ذكرت عنده فلم يصل علي وعند ابن ماجه والبيهقي من نسي الصلاة علي خطئ طريق الجنة وعند الترمذي رغم أنف رجل ذكرت عنده فلم يصل علي وعند الحاكم بعد من ذكرت عنده فلم يصل علي وعند الطبراني شقي عبد ذكرت عنده فلم يصل علي وعند عبد الرزاق من الجفاء أن أذكر عند رجل فلا يصلي.

ثم قال الحافظ ابن حجر: فهذا الجيد من الأحاديث الواردة في ذلك، وفي الباب أحاديث ضعيفة وواهية، وأما ما وضعه القصاص في ذلك فلا يحصى كثرة، وفي الأحاديث القوية غنية عن ذلك، ثم قال: وقد تمسك بالأحاديث المذكورة من أوجب الصلاة عليه كلما ذكره، لأن الدعاء بالرغم والإبعاد والشقاء، والوصف بالبخل والجفاء يقتضي الوعيد، والوعيد على الترك من علامات الوجوب، من حيث المعنى: وإن فائدة الأمر بالصلاة عليه مكافأته على إحسانه، وإحسانه مستمر، فيتأكد إذا ذكر، وأجاب من لم يوجب ذلك بأجوبة: منها أن الوجوب قول مخترع، لم يعرف عن أحد من الصحابة والتابعين، ولو كان ذلك على عمومه للزم المؤذن إذا أذن، والسامع والقارئ إذا مر بذكره، ولكان الثناء على الله كلما ذكر أحق بالوجوب، ولم يحفظ عن أحد من الصحابة أنه خاطب النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله صلى الله عليك، وأجابوا عن الأحاديث المذكورة بأنها خرجت مخرج المبالغة في تأكيد ذلك، وطلبه، وفي حق من اعتاد ترك الصلاة عليه ديدنا، وفي الجملة لا دلالة على وجوب تكرر ذلك بتكرر ذكره صلى الله عليه وسلم.

قال الأبي: ومقتضى الوعد بمضاعفة الأجر عشرا.
أنه يحصل بأي لفظ كانت الصلاة، وإن كان الراجح ما تقدم من الصفة الواردة سابقا، وما يستعمل من لفظ السيد والمولى حسن، وإن لم يرد [فيقال مثلا: اللهم صل على سيدنا ومولانا محمد صلى الله عليه وسلم] والمستند فيه ما صح من قوله صلى الله عليه وسلم أنا سيد ولد آدم ثم قال: وانظر لو قال: اللهم صل على محمد عدد كذا.
هل يثاب بعدد ما ذكر؟ أو يثاب ثواب من صلى أكثر من واحدة؟ واستشهد الأبي لفضيلة هذه الصيغة بحديث من قال سبحان الله عدد خلقه... من حيث دلالته على أن للتسبيح بهذا اللفظ مزية، وإلا لم تكن له فائدة.

قال الحليمي: والمقصود بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم التقرب إلى الله بامتثال أمره وقضاء حق النبي صلى الله عليه وسلم علينا، وتبعه ابن عبد السلام فقال: ليست صلاتنا على النبي صلى الله عليه وسلم شفاعة له، فإن مثلنا لا يشفع لمثله، ولكن الله أمرنا بمكافأة من أحسن إلينا، فإن عجزنا عنها كافأناه بالدعاء، فأرشدنا الله لما علم عجزنا عن مكافأة نبينا إلى الصلاة عليه.
وقال ابن العربي: فائدة الصلاة عليه ترجع إلى الذي يصلي عليه، لدلالة ذلك على نصوع العقيدة، وخلوص النية، وإظهار المحبة والمداومة على الطاعة والاحترام للوساطة الكريمة صلى الله عليه وسلم.
اهـ.

ومن المواطن التي يتأكد فيها طلب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم سواء على طريق الوجوب أو الاستحباب: التشهد الأول، وخطبة الجمعة وغيرها من الخطب وصلاة الجنازة، وتتأكد عقب إجابة المؤذن، وأول الدعاء وأوسطه وآخره، وفي آخر القنوت، وفي أثناء تكبيرات العيد، وعند دخول المسجد والخروج منه وعند الاجتماع والتفرق، وعند السفر والقدوم وعند القيام من الليل، عند ختم القرآن، وعند الهم والكرب، وعند التوبة من الذنب، وعند قراءة الحديث وتبليغ العلم والذكر، وعند نسيان الشيء، وعند استلام الحجر، وعند طنين الأذن، وعند البلبلة، وعقب الوضوء، وورد الأمر بالإكثار منها يوم الجمعة.
والله أعلم.

وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه ورضي عن التابعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين.