هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
6618 حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ ، عَنْ مَالِكٍ ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : الرُّؤْيَا الحَسَنَةُ ، مِنَ الرَّجُلِ الصَّالِحِ ، جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
6618 حدثنا عبد الله بن مسلمة ، عن مالك ، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة ، عن أنس بن مالك ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : الرؤيا الحسنة ، من الرجل الصالح ، جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير، 

Narrated Anas bin Malik:

Allah's Messenger (ﷺ) said, A good dream (that comes true) of a righteous man is one of forty-six parts of prophetism.

شاهد كل الشروح المتوفرة للحديث

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [6983] .

     قَوْلُهُ  عَنْ أَنَسُ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ سَيَأْتِي بَعْدَ بَابٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ أَنَسٍ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ وَيَأْتِي بَيَانُهُ هُنَاكَ .

     قَوْلُهُ  الرُّؤْيَا الْحَسَنَةُ مِنَ الرَّجُلِ الصَّالِحِ هَذَا يُقَيِّدُ مَا أُطْلِقَ فِي غَيْرِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ كَقَوْلِهِ رُؤْيَا الْمُؤْمِنِ جُزْءٌ وَلَمْ يُقَيِّدْهَا بِكَوْنِهَا حَسَنَةً وَلَا بِأَنَّ رَائِيَهَا صَالِحٌ وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ وَهُوَ تَفْسِيرُ الْمُرَادِ بِالْحَسَنَةِ هُنَا قَالَ الْمُهَلَّبُ الْمُرَادُ غَالِبُ رُؤْيَا الصَّالِحِينَ وَإِلَّا فَالصَّالِحُ قَدْ يَرَى الْأَضْغَاثَ وَلَكِنَّهُ نَادِرٌ لِقِلَّةِ تَمَكُّنِ الشَّيْطَانِ مِنْهُمْ بِخِلَافِ عَكْسِهِمْ فَإِنَّ الصِّدْقَ فِيهَا نَادِرٌ لِغَلَبَةِ تَسَلُّطِ الشَّيْطَانِ عَلَيْهِمْ قَالَ فَالنَّاسُ عَلَى هَذَا ثَلَاثُ دَرَجَاتٍ الْأَنْبِيَاءُ وَرُؤْيَاهُمْ كُلُّهَا صِدْقٌ وَقَدْ يَقَعُ فِيهَا مَا يَحْتَاجُ إِلَى تَعْبِيرٍ وَالصَّالِحُونَ وَالْأَغْلَبُ عَلَى رُؤْيَاهُمُ الصِّدْقُ وَقَدْ يَقَعُ فِيهَا مَا لَا يَحْتَاجُ إِلَى تَعْبِيرٍ وَمَنْ عَدَاهُمْ يَقَعُ فِي رُؤْيَاهُمُ الصِّدْقُ وَالْأَضْغَاثُ وَهِيَ على ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ مَسْتُورُونَ فَالْغَالِبُ اسْتِوَاءُ الْحَالِ فِي حَقِّهِمْ وَفَسَقَةٌ وَالْغَالِبُ عَلَى رُؤْيَاهُمُ الْأَضْغَاثُ وَيَقِلُّ فِيهَا الصِّدْقُ وَكُفَّارٌ وَيَنْدُرُ فِي رُؤْيَاهُمُ الصِّدْقُ جِدًّا وَيُشِيرُ إِلَى ذَلِكَ .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْدَقُهُمْ رُؤْيَا أَصْدَقُهُمْ حَدِيثًا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَسَتَأْتِي الْإِشَارَةُ إِلَيْهِ فِي بَابِ الْقَيْدِ فِي الْمَنَامِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَدْ وَقَعَتِ الرُّؤْيَا الصَّادِقَةُ مِنْ بَعْضِ الْكُفَّارِ كَمَا فِي رُؤْيَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ مَعَ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَرُؤْيَا مَلِكِهِمَا وَغَيْرِ ذَلِكَ.

     وَقَالَ  الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ رُؤْيَا الْمُؤْمِنِ الصَّالِحِ هِيَ الَّتِي تُنْسَبُ إِلَى أَجْزَاءِ النُّبُوَّةِ وَمَعْنَى صَلَاحِهَا اسْتِقَامَتُهَا وَانْتِظَامُهَا قَالَ وَعِنْدِي أَنَّ رُؤْيَا الْفَاسِقِ لَا تُعَدُّ فِي أَجْزَاءِ النُّبُوَّةِ وَقِيلَ تُعَدُّ مِنْ أَقْصَى الْأَجْزَاءِ.

.
وَأَمَّا رُؤْيَا الْكَافِرِ فَلَا تُعَدُّ أَصْلًا.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيُّ الْمُسْلِمُ الصَّادِقُ الصَّالِحُ هُوَ الَّذِي يُنَاسِبُ حَالُهُ حَالَ الْأَنْبِيَاءِ فَأُكْرِمَ بِنَوْعٍ مِمَّا أُكْرِمَ بِهِ الْأَنْبِيَاءُ وَهُوَ الِاطِّلَاعُ عَلَى الْغَيْبِ.

.
وَأَمَّا الْكَافِرُ وَالْفَاسِقُ وَالْمُخَلِّطُ فَلَا وَلَوْ صَدَقَتْ رُؤْيَاهُمْ أَحْيَانًا فَذَاكَ كَمَا قَدْ يَصْدُقُ الْكَذُوبُ وَلَيْسَ كُلُّ مَنْ حَدَّثَ عَنْ غَيْبٍ يَكُونُ خَبَرُهُ مِنْ أَجْزَاءِ النُّبُوَّةِ كَالْكَاهِنِ وَالْمُنَجِّمِ وَقَولُهُ مِنَ الرَّجُلِ ذُكِرَ لِلْغَالِبِ فَلَا مَفْهُومَ لَهُ فان الْمَرْأَة الصَّالِحَة كَذَلِك قَالَه بن عَبْدِ الْبَرِّ .

     قَوْلُهُ  جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ كَذَا وَقَعَ فِي أَكْثَرِ الْأَحَادِيثِ وَلِمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ جُزْءٌ مِنْ خَمْسَةٍ وَأَرْبَعِينَ أَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقِ أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْهُ وَسَيَأْتِي لِلْمُصَنِّفِ مِنْ طَرِيقِ عَوْفٍ عَنْ مُحَمَّدٍ بِلَفْظِ سِتَّةٍ كَالْجَادَّةِ وَوَقَعَ عِنْدَ مُسْلِمٍ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ بن عُمَرَ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا وَكَذَا أَخْرَجَهُ بن أبي شيبَة عَن بن مَسْعُودٍ مَوْقُوفًا وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْهُ مَرْفُوعًا وَلَهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْهُ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَسَبْعِينَ وَسَنَدُهَا ضَعِيفٌ وَأَخْرَجَهُ بن أبيشَيْبَةَ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ حُصَيْنٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَوْقُوفًا كَذَلِكَ وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ مَرْفُوعًا لَكِنْ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ كَالْجَادَّةِ وَلِابْنِ مَاجَهْ مثل حَدِيث بن عُمَرَ مَرْفُوعًا وَسَنَدُهُ لَيِّنٌ وَعِنْدَ أَحْمَدَ وَالْبَزَّارِ عَن بن عَبَّاس بِمثلِهِ وَسَنَده جيد وَأخرج بن عَبْدِ الْبَرِّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ الْمُخْتَارِ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَعِشْرِينَ وَالْمَحْفُوظُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ كَالْجَادَّةِ وَسَيَأْتِي لِلْبُخَارِيِّ قَرِيبًا وَمِثْلُهُ لِمُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ شُعْبَةَ عَنْ ثَابِتٍ وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ وَأَبُو يَعْلَى وَالطَّبَرِيُّ فِي تَهْذِيبِ الْآثَارِ مِنْ طَرِيقِ الْأَعْرَجِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ عَرِيبٍ بِمُهْمَلَةٍ وَزْنُ عَظِيم عَن أَبِي هُرَيْرَةَ كَالْجَادَّةِ قَالَ سُلَيْمَانُ فَذَكَرْتُهُ لِابْنِ عَبَّاسٍ فَقَالَ جُزْءٌ مِنْ خَمْسِينَ فَقُلْتُ لَهُ أَنِّي سَمِعت أَبَا هُرَيْرَة فَقَالَ بن عَبَّاسٍ فَإِنِّي سَمِعْتُ الْعَبَّاسَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ مِنَ الْمُؤْمِنِ جُزْءٌ مِنْ خَمْسِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ وَلِلتِّرْمِذِيِّ وَالطَّبَرِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي رَزِينٍ الْعُقَيْلِيِّ جُزْءٌ مِنْ أَرْبَعِينَ وَأخرجه التِّرْمِذِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ كَالْجَادَّةِ وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ من وَجه آخر عَن بن عَبَّاسٍ أَرْبَعِينَ وَلِلطَّبَرِيِّ مِنْ حَدِيثِ عُبَادَةَ جُزْءٌ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَأَرْبَعِينَ وَالْمَحْفُوظُ عَنْ عُبَادَةَ كَالْجَادَّةِ كَمَا سَيَأْتِي بَعْدَ بَابٍ وَأَخْرَجَ الطَّبَرِيُّ وَأَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ جُزْءٌ مِنْ تِسْعَةٍ وَأَرْبَعِينَ وَذَكَرَهُ الْقُرْطُبِيُّ فِي الْمُفْهِمِ بِلَفْظِ سَبْعَةٍ بِتَقْدِيمِ السِّينِ فَحَصَلْنَا مِنْ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ عَلَى عَشَرَةِ أَوْجُهٍ أَقَلُّهَا جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَعِشْرِينَ وَأَكْثَرُهَا مِنْ سِتَّةٍ وَسَبْعِينَ وَبَيْنَ ذَلِكَ أَرْبَعِينَ وَأَرْبَعَةٍ وَأَرْبَعِينَ وَخَمْسَةٍ وَأَرْبَعِينَ وَسِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ وَسَبْعَةٍ وَأَرْبَعِينَ وَتِسْعَةٍ وَأَرْبَعِينَ وَخَمْسِينَ وَسَبْعِينَ أَصَحُّهَا مُطْلَقًا الْأَوَّلُ وَيَلِيهِ السَّبْعِينَ وَوَقَعَ فِي شَرْحِ النَّوَوِيِّ وَفِي رِوَايَةِ عُبَادَةَ أَرْبَعَة وَعشْرين وَفِي رِوَايَة بن عُمَرَ سِتَّةٍ وَعِشْرِينَ وَهَاتَانِ الرِّوَايَتَانِ لَا أَعْرِفُ مَنْ أَخْرَجَهُمَا إِلَّا أَنَّ بَعْضَهُمْ نَسَبَ رِوَايَةَ بن عُمَرَ هَذِهِ لِتَخْرِيجِ الطَّبَرِيِّ وَوَقَعَ فِي كَلَامِ بن أَبِي جَمْرَةَ أَنَّهُ وَرَدَ بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ فَذَكَرَ بَعْضَ مَا تَقَدَّمَ وَزَادَ فِي رِوَايَةٍ اثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ وَفِي أُخْرَى اثْنَيْنِ وَأَرْبَعِينَ وَفِي أُخْرَى سَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ وَفِي أُخْرَى خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ فَبَلَغَتْ عَلَى هَذَا خَمْسَةَ عَشَرَ لَفْظًا وَقَدْ اسْتُشْكِلَ كَوْنُ الرُّؤْيَا جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ مَعَ أَنَّ النُّبُوَّةَ انْقَطَعَتْ بِمَوْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقِيلَ فِي الْجَوَابِ إِنْ وَقَعَتِ الرُّؤْيَا مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهِيَ جُزْءٌ مِنْ أَجْزَاءِ النُّبُوَّةِ حَقِيقَةً وَإِنْ وَقَعَتْ مِنْ غَيْرِ النَّبِيِّ فَهِيَ جُزْءٌ مِنْ أَجْزَاءِ النُّبُوَّةِ عَلَى سَبِيلِ الْمَجَازِ.

     وَقَالَ  الْخَطَّابِيُّ قِيلَ مَعْنَاهُ أَنَّ الرُّؤْيَا تَجِيءُ عَلَى مُوَافَقَةِ النُّبُوَّةِ لَا أَنَّهَا جُزْءٌ بَاقٍ مِنَ النُّبُوَّةِ وَقِيلَ الْمَعْنَى أَنَّهَا جُزْءٌ مِنْ عِلْمِ النُّبُوَّةِ لِأَنَّ النُّبُوَّةَ وَإِنِ انْقَطَعَتْ فَعِلْمُهَا بَاقٍ وَتُعُقِّبَ بِقَوْلِ مَالك فِيمَا حَكَاهُ بن عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّهُ سُئِلَ أَيَعْبُرُ الرُّؤْيَا كُلُّ أَحَدٍ فَقَالَ أَبِالنُّبُوَّةِ يُلْعَبُ ثُمَّ قَالَ الرُّؤْيَا جُزْءٌ مِنَ النُّبُوَّةِ فَلَا يُلْعَبُ بِالنُّبُوَّةِ وَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ أَنَّهَا نُبُوَّةٌ بَاقِيَةٌ وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنَّهَا لَمَّا أَشْبَهَتِ النُّبُوَّةَ مِنْ جِهَةِ الِاطِّلَاعِ عَلَى بَعْضِ الْغَيْبِ لَا يَنْبَغِي أَنْ يتَكَلَّم فِيهَا بِغَيْر علم.

     وَقَالَ  بن بَطَّالٍ كَوْنُ الرُّؤْيَا جُزْءًا مِنْ أَجْزَاءِ النُّبُوَّةِ مِمَّا يُسْتَعْظَمُ وَلَوْ كَانَتْ جُزْءًا مِنْ أَلْفِ جُزْءٍ فَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إِنَّ لَفْظَ النُّبُوَّةِ مَأْخُوذٌ مِنَ الْإِنْبَاءِ وَهُوَ الْإِعْلَامُ لُغَةً فَعَلَى هَذَا فَالْمَعْنَى أَنَّ الرُّؤْيَا خَبَرٌ صَادِقٌ مِنَ اللَّهِ لَا كَذِبَ فِيهِ كَمَا أَنَّ مَعْنَى النُّبُوَّةِ نَبَأٌ صَادِقٌ مِنَ اللَّهِ لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ الْكَذِبُ فَشَابَهَتِ الرُّؤْيَا النُّبُوَّةَ فِي صِدْقِ الْخَبَرِ.

     وَقَالَ  الْمَازِرِيُّ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ بِالنُّبُوَّةِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الْخَبَرُ بِالْغَيْبِ لَا غَيْرَ وَإِنْ كَانَ يَتْبَعُ ذَاكَ إِنْذَارٌ أَوْ تَبْشِيرٌ فَالْخَبَرُ بِالْغَيْبِ أَحَدُ ثَمَرَاتِ النُّبُوَّةِ وَهُوَ غَيْرُ مَقْصُودٍ لِذَاتِهِ لِأَنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يُبْعَثَ نَبِيٌّ يُقَرِّرُ الشَّرْعَ وَيُبَيِّنُ الْأَحْكَامَ وَإِنْ لَمْ يُخْبِرْ فِي طُولِ عُمْرِهِ بِغَيْبٍ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ قَادِحًا فِي نُبُوَّتِهِ وَلَا مُبْطِلًا لِلْمَقْصُودِ مِنْهَا وَالْخَبَرُ بِالْغَيْبِ مِنَ النَّبِيِّ لَا يَكُونُ إِلَّا صِدْقًا وَلَا يَقَعُ إِلَّا حَقًّا.

.
وَأَمَّا خُصُوصُ الْعَدَدِ فَهُوَ مِمَّا أَطْلَعَ اللَّهُ عَلَيْهِ نَبِيَّهُ لِأَنَّهُ يَعْلَمُ مِنْ حَقَائِقِ النُّبُوَّةِ مَا لَا يُعلمهُغَيْرُهُ قَالَ وَقَدْ سَبَقَ بِهَذَا الْجَوَابِ جَمَاعَةٌ لَكِنَّهُمْ لَمْ يَكْشِفُوهُ وَلَمْ يُحَقِّقُوهُ.

     وَقَالَ  الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ أَجْزَاءُ النُّبُوَّةِ لَا يَعْلَمُ حَقِيقَتَهَا إِلَّا مَلَكٌ أَوْ نَبِيٌّ وَإِنَّمَا الْقدر الَّذِي أَرَادَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُبَيِّنَ أَنَّ الرُّؤْيَا جُزْءٌ مِنْ أَجْزَاءِ النُّبُوَّةِ فِي الْجُمْلَةِ لِأَنَّ فِيهَا اطِّلَاعًا عَلَى الْغَيْبِ مِنْ وَجْهٍ مَا.

.
وَأَمَّا تَفْصِيلُ النِّسْبَةِ فَيَخْتَصُّ بِمَعْرِفَتِهِ دَرَجَةُ النُّبُوَّةِ.

     وَقَالَ  الْمَازِرِيُّ لَا يَلْزَمُ الْعَالِمَ أَنْ يَعْرِفَ كُلَّ شَيْءٍ جُمْلَةً وَتَفْصِيلًا فَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِلْعَالِمِ حَدًّا يَقِفُ عِنْدَهُ فَمِنْهُ مَا يَعْلَمُ الْمُرَادَ بِهِ جُمْلَةً وَتَفْصِيلًا وَمِنْهُ مَا يَعْلَمُهُ جُمْلَةً لَا تَفْصِيلًا وَهَذَا مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ وَقَدْ تَكَلَّمَ بَعْضُهُمْ عَلَى الرِّوَايَةِ الْمَشْهُورَةِ وَأَبْدَى لَهَا مُنَاسَبَةً فَنَقَلَ بن بَطَّالٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ السَّفَاقِسِيِّ أَنَّ بَعْضَ أَهْلِ الْعِلْمِ ذَكَرَ أَنَّ اللَّهَ أَوْحَى إِلَى نَبِيِّهِ فِي الْمَنَامِ سِتَّةَ أَشْهُرٍ ثُمَّ أَوْحَى إِلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْيَقَظَةِ بَقِيَّةَ مُدَّةِ حَيَاتِهِ وَنِسْبَتُهَا مِنَ الْوَحْيِ فِي الْمَنَامِ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا لِأَنَّهُ عَاشَ بَعْدَ النُّبُوَّةِ ثَلَاثًا وَعِشْرِينَ سَنَةً عَلَى الصَّحِيحِ قَالَ بن بَطَّالٍ هَذَا التَّأْوِيلُ يَفْسُدُ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ قَدِ اخْتُلِفَ فِي قَدْرِ الْمُدَّةِ الَّتِي بَعْدَ بَعَثَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى مَوْتِهِ وَالثَّانِي أَنَّهُ يَبْقَى حَدِيثُ السَّبْعِينَ جُزْءًا بِغَيْرِ مَعْنًى.

.

قُلْتُ وَيُضَافُ إِلَيْهِ بَقِيَّةُ الْأَعْدَادِ الْوَاقِعَةِ وَقَدْ سَبَقَهُ الْخَطَّابِيُّ إِلَى إِنْكَارِ هَذِهِ الْمُنَاسَبَةِ فَقَالَ كَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُ فِي تَأْوِيلِ هَذَا الْعَدَدِ قَوْلًا لَا يَكَادُ يَتَحَقَّقُ وَذَلِكَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقَامَ بَعْدَ الْوَحْيِ ثَلَاثًا وَعِشْرِينَ سَنَةً وَكَانَ يُوحَى إِلَيْهِ فِي مَنَامِهِ سِتَّةَ أَشْهُرٍ وَهِيَ نِصْفُ سَنَةٍ فَهِيَ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَهَذَا وَإِنْ كَانَ وَجْهًا تَحْتَمِلُهُ قِسْمَةُ الْحِسَابِ وَالْعَدَدِ فَأَوَّلُ مَا يَجِبُ عَلَى مَنْ قَالَهُ أَنْ يُثْبِتَ بِمَا ادَّعَاهُ خَبَرًا وَلَمْ يُسْمَعْ فِيهِ أَثَرٌ وَلَا ذَكَرَ مُدَّعِيهِ فِي ذَلِكَ خَبَرًا فَكَأَنَّهُ قَالَهُ عَلَى سَبِيلِ الظَّنِّ وَالظَّنُّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا وَلَئِنْ كَانَتْ هَذِهِ الْمدَّة محسوبة من أَجزَاء النُّبُوَّة على ماذهب إِلَيْهِ فَلْيُلْحَقْ بِهَا سَائِرُ الْأَوْقَاتِ الَّتِي كَانَ يُوحَى إِلَيْهِ فِيهَا فِي مَنَامِهِ فِي طُولِ الْمُدَّةِ كَمَا ثَبَتَ ذَلِكَ عَنْهُ فِي أَحَادِيثَ كَثِيرَةٍ جَلِيلَةِ الْقَدْرِ وَالرُّؤْيَا فِي أُحُدٍ وَفِي دُخُولِ مَكَّةَ فَإِنَّهُ يَتَلَفَّقُ مِنْ ذَلِكَ مُدَّةٌ أُخْرَى وَتُزَادُ فِي الْحِسَابِ فَتَبْطُلُ الْقِسْمَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا قَالَ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى ضَعْفِ مَا تَأَوَّلَهُ الْمَذْكُورُ وَلَيْسَ كُلُّ مَا خَفِيَ عَلَيْنَا عِلْمُهُ لَا يَلْزَمُنَا حُجَّتُهُ كَأَعْدَادِ الرَّكَعَاتِ وَأَيَّامِ الصّيام وَرمي الْجمار فانا لانصل مِنْ عِلْمِهَا إِلَى أَمْرٍ يُوجِبُ حَصْرَهَا تَحْتَ أَعْدَادِهَا وَلَمْ يَقْدَحْ ذَلِكَ فِي مُوجَبِ اعْتِقَادِنَا لِلُزُومِهَا وَهُوَ كَقَوْلِهِ فِي حَدِيثٍ آخَرَ الْهَدْيُ الصَّالِحُ وَالسَّمْتُ الصَّالِحُ جُزْءٌ مِنْ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ فَإِنَّ تَفْصِيلَ هَذَا الْعَدَدِ وَحَصْرَ النُّبُوَّةِ مُتَعَذِّرٌ وَإِنَّمَا فِيهِ أَنَّ هَاتَيْنِ الْخَصْلَتَيْنِ مِنْ جُمْلَةِ هَدْيِ الْأَنْبِيَاءِ وَسَمْتِهِمْ فَكَذَلِكَ مَعْنَى حَدِيثِ الْبَابِ الْمُرَادُ بِهِ تَحْقِيقُ أَمْرِ الرُّؤْيَا وَأَنَّهَا مِمَّا كَانَ الْأَنْبِيَاءُ عَلَيْهِ وَأَنَّهَا جُزْءٌ مِنْ أَجْزَاءِ الْعِلْمِ الَّذِي كَانَ يَأْتِيهِمْ وَالْأَنْبَاءِ الَّتِي كَانَ يَنْزِلُ بِهَا الْوَحْيُ عَلَيْهِمْ وَقَدْ قَبِلَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْأَئِمَّةِ الْمُنَاسَبَةَ الْمَذْكُورَةَ وَأَجَابُوا عَمَّا أَوْرَدَهُ الْخَطَّابِيُّ أَمَّا الدَّلِيلُ عَلَى كَوْنِ الرُّؤْيَا كَانَتْ سِتَّةَ أَشْهُرٍ فَهُوَ أَنَّ ابْتِدَاءَ الْوَحْيِ كَانَ عَلَى رَأْسِ الْأَرْبَعِينَ مِنْ عُمْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا جَزَمَ بِهِ بن إِسْحَاقَ وَغَيْرُهُ وَذَلِكَ فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ وَنُزُولُ جِبْرِيلَ إِلَيْهِ وَهُوَ بِغَارِ حِرَاءٍ كَانَ فِي رَمَضَانَ وَبَيْنَهُمَا سِتَّةُ أَشْهُرٍ وَفِي هَذَا الْجَوَابِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ تَسْلِيمِهِ لَيْسَ فِيهِ تَصْرِيحٌ بِالرُّؤْيَا وَقَدْ قَالَ النَّوَوِيُّ لَمْ يَثْبُتْ أَنَّ زَمَنَ الرُّؤْيَا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ.

.
وَأَمَّا مَا أَلْزَمَهُ بِهِ مِنْ تَلْفِيقِ أَوْقَاتِ الْمَرَائِي وَضَمِّهَا إِلَى الْمُدَّةِ فَإِنَّ الْمُرَادَ وَحْيُ الْمَنَامِ الْمُتَتَابِعُ.

.
وَأَمَّا مَا وَقَعَ مِنْهُ فِي غُضُونِ وَحْيِ الْيَقَظَةِ فَهُوَ يَسِيرٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى وَحْيِ الْيَقَظَةِ فَهُوَ مَغْمُورٌ فِي جَانِبِ وَحْيِ الْيَقَظَةِ فَلَمْ يُعْتَبَرْ بِمُدَّتِهِ وَهُوَ نَظِيرُ مَا اعْتَمَدُوهُ فِي نُزُولِ الْوَحْيِ وَقَدْ أَطْبَقُوا عَلَى تَقْسِيمِ النُّزُولِ إِلَى مَكِّيٍّ وَمَدَنِيٍّ قَطْعًا فَالْمَكِّيُّ مَا نَزَلَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ وَلَوْ وَقَعَ بِغَيْرِهَا مَثَلًا كَالطَّائِفِ وَنَخْلَةَ وَالْمَدَنِيُّ مَا نَزَلَ بَعْدَ الْهِجْرَةِ وَلَوْ وَقَعَ وَهُوَ بِغَيْرِهَا كَمَا فِي الْغَزَوَاتِ وَسَفَرِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ حَتَّى مَكَّةَ.

.

قُلْتُ وَهُوَاعْتِذَارٌ مَقْبُولٌ وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ عَنِ اخْتِلَافِ الْأَعْدَادِ أَنَّهُ وَقَعَ بِحَسَبِ الْوَقْتِ الَّذِي حَدَّثَ فِيهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ كَانَ يَكُونَ لَمَّا أَكْمَلَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً بَعْدَ مَجِيءِ الْوَحْيِ إِلَيْهِ حَدَّثَ بِأَنَّ الرُّؤْيَا جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَعِشْرِينَ إِنْ ثَبَتَ الْخَبَرُ بِذَلِكَ وَذَلِكَ وَقت الْهِجْرَة وَلما أكمل عشْرين حدث بِأَرْبَعِينَ وَلَمَّا أَكْمَلَ اثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ حَدَّثَ بِأَرْبَعَةٍ وَأَرْبَعِينَ بَعْدَهَا بِخَمْسَةٍ وَأَرْبَعِينَ ثُمَّ حَدَّثَ بِسِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ فِي آخِرِ حَيَاتِهِ.

.
وَأَمَّا مَا عَدَا ذَلِكَ مِنَ الرُّؤْيَاتِ بَعْدَ الْأَرْبَعِينَ فَضَعِيفٌ وَرِوَايَةُ الْخَمْسِينَ يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ لِجَبْرِ الْكَسْرِ وَرِوَايَةُ السَّبْعِينَ لِلْمُبَالَغَةِ وَمَا عَدَا ذَلِكَ لَمْ يَثْبُتْ وَهَذِهِ مُنَاسَبَةٌ لَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لَهَا وَوَقَعَ فِي بَعْضِ الشُّرُوحِ مُنَاسَبَةٌ لِلسَّبْعِينَ ظَاهِرَةُ التَّكَلُّفِ وَهِيَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ أَنَا بِشَارَةُ عِيسَى وَدَعْوَةُ إِبْرَاهِيمَ وَرَأَتْ أُمِّي نُورًا فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ تُضْرَبُ فِي مُدَّةِ نُبُوَّتِهِ وَهِيَ ثَلَاثَةٌ وَعِشْرُونَ سَنَةً تُضَافُ إِلَى أَصْلِ الرُّؤْيَا فَتَبْلُغُ سَبْعِينَ.

.

قُلْتُ وَيَبْقَى فِي أَصْلِ الْمُنَاسبَة إِشْكَال آخر وَهُوَ أَن الْمُتَبَادَرُ مِنَ الْحَدِيثِ إِرَادَةُ تَعْظِيمِ رُؤْيَا الْمُؤْمِنِ الصَّالِحِ وَالْمُنَاسَبَةُ الْمَذْكُورَةُ تَقْتَضِي قَصْرَ الْخَبَرِ عَلَى صُورَةِ مَا اتَّفَقَ لِنَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَأَنَّهُ قِيلَ كَانَتِ الْمُدَّةُ الَّتِي أَوْحَى اللَّهُ إِلَى نَبِيِّنَا فِيهَا فِي الْمَنَامِ جُزْءًا مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ الْمُدَّةِ الَّتِي أَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ فِيهَا فِي الْيَقَظَةِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ كُلَّ رُؤْيَا لِكُلِّ صَالِحٍ تَكُونُ كَذَلِكَ وَيُؤَيِّدُ إِرَادَةَ التَّعْمِيمِ الْحَدِيثُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْخَطَّابِيُّ فِي الْهَدْيِ وَالسَّمْتِ فَإِنَّهُ لَيْسَ خَاصًّا بِنُبُوَّةِ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْلًا وَقَدْ أَنْكَرَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ أَبِي جَمْرَةَ التَّأْوِيلَ الْمَذْكُورَ فَقَالَ لَيْسَ فِيهِ كَبِيرُ فَائِدَةٍ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُ الْمُؤَيِّدِ بِالْفَصَاحَةِ وَالْبَلَاغَةِ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى وَلَعَلَّ قَائِلَهُ أَرَادَ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَ النُّبُوَّةِ وَالرُّؤْيَا نَوْعَ مُنَاسَبَةٍ فَقَطْ وَيُعَكِّرَ عَلَيْهِ الِاخْتِلَافُ فِي عَدَدِ الْأَجْزَاءِ تَنْبِيهٌ حَدِيثُ الْهَدْيِ الصَّالِحِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْخَطَّابِيُّ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَرَخْسٍ لَكِنْ بِلَفْظِ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ جُزْءًا وَقَدْ ذَكَرَهُ الْقُرْطُبِيُّ فِي الْمُفْهِمِ بِلَفْظِ مِنْ سِتَّةٍ وَعِشْرِينَ انْتَهَى وَقَدْ أَبْدَى غَيْرُ الْخَطَّابِيِّ الْمُنَاسَبَةَ بِاخْتِلَافِ الرِّوَايَاتِ فِي الْعَدَدِ الْمَذْكُورِ وَقَدْ جَمَعَ بَيْنَهَا جَمَاعَةٌ أَوَّلُهُمُ الطَّبَرِيُّ فَقَالَ رِوَايَةُ السَّبْعِينَ عَامَّةٌ فِي كُلِّ رُؤْيَا صَادِقَةٍ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ وَرِوَايَةُ الْأَرْبَعِينَ خَاصَّةٌ بِالْمُؤْمِنِ الصَّادِقِ الصَّالِحِ.

.
وَأَمَّا مَا بَيْنَ ذَلِك فبالنسبة لأحوال الْمُؤمنِينَ.

     وَقَالَ  بن بَطَّالٍ أَمَّا الِاخْتِلَافُ فِي الْعَدَدِ قِلَّةً وَكَثْرَةً فَأَصَحُّ مَا وَرَدَ فِيهَا مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ وَمِنْ سَبْعِينَ وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ مِنْ أَحَادِيثِ الشُّيُوخِ وَقَدْ وَجَدْنَا الرُّؤْيَا تَنْقَسِمُ قِسْمَيْنِ جَلِيَّةً ظَاهِرَةً كَمَنْ رَأَى فِي الْمَنَامِ أَنَّهُ يُعْطَى تَمْرًا فَأُعْطِيَ تَمْرًا مِثْلَهُ فِي الْيَقَظَةِ فَهَذَا الْقِسْمُ لَا إِغْرَابَ فِي تَأْوِيلِهَا وَلَا رَمْزَ فِي تَفْسِيرِهَا وَمَرْمُوزَةٌ بَعِيدَةُ الْمَرَامِ فَهَذَا الْقِسْمُ لَا يَقُومُ بِهِ حَتَّى يَعْبُرَهُ إِلَّا حَاذِقٌ لِبُعْدِ ضَرْبِ الْمَثَلِ فِيهِ فَيُمْكِنُ أَنَّ هَذَا مِنَ السَّبْعِينَ وَالْأَوَّلَ مِنَ السِّتَّةِ وَالْأَرْبَعِينَ لِأَنَّهُ إِذَا قَلَّتِ الْأَجْزَاءُ كَانَتِ الرُّؤْيَا أَقْرَبَ إِلَى الصِّدْقِ وَأَسْلَمَ مِنْ وُقُوعِ الْغَلَطِ فِي تَأْوِيلِهَا بِخِلَافِ مَا إِذَا كَثُرَتْ قَالَ وَقَدْ عَرَضْتُ هَذَا الْجَوَابَ عَلَى جَمَاعَةٍ فَحَسَّنُوهُ وَزَادَنِي بَعْضُهُمْ فِيهِ أَنَّ النُّبُوَّةَ عَلَى مِثْلِ هَذَيْنِ الْوَصْفَيْنِ تَلَقَّاهَا الشَّارِعُ عَنْ جِبْرِيلَ فَقَدْ أَخْبَرَ أَنَّهُ كَانَ يَأْتِيهِ الْوَحْيُ مَرَّةً فَيُكَلِّمُهُ بِكَلَامٍ فَيَعِيهِ بِغَيْرِ كُلْفَةٍ وَمَرَّةً يُلْقِي إِلَيْهِ جُمَلًا وَجَوَامِعَ يشْتَد عَلَيْهِ حملهَا حَتَّى تَأْخُذهُ الرحضاء وَيَتَحَدَّرُ مِنْهُ الْعَرَقُ ثُمَّ يُطْلِعُهُ اللَّهُ عَلَى بَيَانِ مَا أَلْقَى عَلَيْهِ مِنْهَا وَلَخَّصَهُ الْمَازِرِيُّ فَقَالَ قِيلَ إِنَّ الْمَنَامَاتِ دَلَالَاتٌ وَالدَّلَالَاتُ مِنْهَا مَا هُوَ جَلِيٌّ وَمِنْهَا مَا هُوَ خَفِيٌّ فَالْأَقَلُّ فِي الْعَدَدِ هُوَ الْجَلِيُّ وَالْأَكْثَرُ فِي الْعَدَدِ هُوَ الْخَفِيُّ وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ.

     وَقَالَ  الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي جَمْرَةَ مَا حَاصِلُهُ إِنَّ النُّبُوَّةَ جَاءَتْ بِالْأُمُورِ الْوَاضِحَةِ وَفِي بَعْضِهَا مَا يَكُونُ فِيهِ إِجْمَالٌ مَعَ كَوْنِهِ مُبَيَّنًا فِي مَوْضِعٍ آخَرُ وَكَذَلِكَ الْمَرَائِي مِنْهَا مَا هُوَ صَرِيحٌ لَا يَحْتَاجُ إِلَى تَأْوِيلٍ وَمِنْهَا مَا يَحْتَاجُ فَالَّذِي يَفْهَمُهُ الْعَارِفُ مِنَ الْحَقِّ الَّذِي يَعْرُجُ عَلَيْهِ مِنْهَا جُزْءٌ مِنْ أَجزَاءالنُّبُوَّةِ وَذَلِكَ الْجُزْءُ يَكْثُرُ مَرَّةً وَيَقِلُّ أُخْرَى بِحَسَبِ فَهْمِهِ فَأَعْلَاهُمْ مَنْ يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ دَرَجَةِ النُّبُوَّةِ أَقَلُّ مَا وَرَدَ مِنَ الْعَدَدِ وَأَدْنَاهُمُ الْأَكْثَرُ مِنَ الْعَدَدِ وَمَنْ عَدَاهُمَا مَا بَيْنَ ذَلِكَ.

     وَقَالَ  الْقَاضِي عِيَاضٌ وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ التَّجْزِئَةُ فِي طُرُقِ الْوَحْيِ إِذْ مِنْهُ مَا سُمِعَ مِنَ اللَّهِ بِلَا وَاسِطَةٍ وَمِنْهُ مَا جَاءَ بِوَاسِطَةِ الْمَلَكِ وَمِنْهُ مَا أُلْقِيَ فِي الْقَلْبِ مِنَ الْإِلْهَامِ وَمِنْهُ مَا جَاءَ بِهِ الْمَلَكُ وَهُوَ عَلَى صُورَتِهِ أَوْ عَلَى صُورَةِ آدَمِيٍّ مَعْرُوفٍ أَوْ غَيْرِ مَعْرُوفٍ وَمِنْهُ مَا أَتَاهُ بِهِ فِي النَّوْمِ وَمِنْهُ مَا أَتَاهُ بِهِ فِي صَلْصَلَةِ الْجَرَسِ وَمِنْهُ مَا يُلْقِيهِ رُوحُ الْقُدُسِ فِي رَوْعِهِ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا وَقَفْنَا عَلَيْهِ وَمِمَّا لَمْ نَقِفْ عَلَيْهِ فَتَكُونُ تِلْكَ الْحَالَاتُ إِذَا عُدِّدَتِ انْتَهَتْ إِلَى الْعَدَدِ الْمَذْكُورِ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي الْمُفْهِمِ وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ مِنَ التَّكَلُّفِ وَالتَّسَاهُلِ فَإِنَّ تِلْكَ الْأَعْدَادَ إِنَّمَا هِيَ أَجْزَاءُ النُّبُوَّةِ وَأَكْثَرُ الَّذِي ذَكَرَهُ إِنَّمَا هِيَ أَحْوَالٌ لِغَيْرِ النُّبُوَّةِ لِكَوْنِهِ يَعْرِفُ الْمَلَكَ أَوْ لَا يَعْرِفُهُ أَوْ يَأْتِيهِ عَلَى صُورَتِهِ أَوْ عَلَى صُورَةِ آدَمِيٍّ ثُمَّ مَعَ هَذَا التَّكَلُّفِ لَمْ يَبْلُغْ عَدَدَ مَا ذَكَرَ عِشْرِينَ فَضْلًا عَنْ سَبْعِينَ.

.

قُلْتُ وَالَّذِي نَحَاهُ الْقَاضِي سَبَقَهُ إِلَيْهِ الْحَلِيمِيُّ فَقَرَأْتُ فِي مُخْتَصَرِهِ لِلشَّيْخِ عَلَاءِ الدِّينِ الْقُونَوِيِّ بِخَطِّهِ مَا نَصُّهُ ثُمَّ إِنَّ الْأَنْبِيَاءَ يَخْتَصُّونَ بِآيَاتٍ يُؤَيَّدُونَ بِهَا لِيَتَمَيَّزُوا بِهَا عَمَّنْ لَيْسَ مِثْلَهُمْ كَمَا تَمَيَّزُوا بِالْعِلْمِ الَّذِي أُوتُوهُ فَيَكُونُ لَهُمُ الْخُصُوصُ مِنْ وَجْهَيْنِ فَمَا هُوَ فِي حَيِّزِ التَّعْلِيمِ هُوَ النُّبُوَّةُ وَمَا هُوَ فِي حَيِّزِ التَّأْبِيدِ هُوَ حُجَّةُ النُّبُوَّةِ قَالَ وَقَدْ قَصَدَ الْحَلِيمِيُّ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ بَيَانَ كَوْنِ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةِ جُزْءًا مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ فَذَكَرَ وُجُوهًا مِنَ الْخَصَائِصِ الْعِلْمِيَّةِ لِلْأَنْبِيَاءِ تَكَلَّفَ فِي بَعْضِهَا حَتَّى أَنْهَاهَا إِلَى الْعَدَدِ الْمَذْكُورِ فَتَكُونُ الرُّؤْيَا وَاحِدًا مِنْ تِلْكَ الْوُجُوهِ فَأَعْلَاهَا تَكْلِيمُ اللَّهِ بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ ثَانِيهَا الْإِلْهَامُ بِلَا كَلَامٍ بَلْ يَجِدُ عِلْمَ شَيْءٍ فِي نَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ تَقَدُّمِ مَا يُوصِلُ إِلَيْهِ بِحِسٍّ أَوِ اسْتِدْلَالٍ ثَالِثُهَا الْوَحْيُ عَلَى لِسَانِ مَلَكٍ يَرَاهُ فَيُكَلِّمُهُ رَابِعُهَا نَفْثُ الْمَلَكِ فِي رَوْعِهِ وَهُوَ الْوَحْيُ الَّذِي يَخُصُّ بِهِ الْقَلْبَ دُونَ السَّمْعِ قَالَ وَقَدْ يَنْفُثُ الْمَلَكُ فِي رَوْعِ بَعْضِ أَهْلِ الصَّلَاحِ لَكِنْ بِنَحْوِ الْإِطْمَاعِ فِي الظَّفَرِ بِالْعَدُوِّ وَالتَّرْغِيبِ فِي الشَّيْءِ وَالتَّرْهِيبِ مِنَ الشَّيْءِ فَيَزُولُ عَنْهُ بِذَلِكَ وَسْوَسَةُ الشَّيْطَانِ بِحُضُورِ الْمَلَكِ لَا بِنَحْوِ نَفْيِ عِلْمِ الْأَحْكَامِ وَالْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ فَإِنَّهُ مِنْ خَصَائِصِ النُّبُوَّةِ خَامِسُهَا إِكْمَالُ عَقْلِهِ فَلَا يَعْرِضُ لَهُ فِيهِ عَارِضٌ أَصْلًا سَادِسُهَا قُوَّةُ حِفْظِهِ حَتَّى يَسْمَعَ السُّورَةَ الطَّوِيلَةَ فَيَحْفَظُهَا مِنْ مَرَّةٍ وَلَا يَنْسَى مِنْهَا حَرْفًا سَابِعُهَا عِصْمَتُهُ مِنَ الْخَطَإِ فِي اجْتِهَادِهِ ثَامِنُهَا ذَكَاءُ فَهْمِهِ حَتَّى يَتَّسِعَ لِضُرُوبٍ مِنَ الِاسْتِنْبَاطِ تَاسِعُهَا ذَكَاءُ بَصَرِهِ حَتَّى يَكَادَ يُبْصِرُ الشَّيْءَ مِنْ أَقْصَى الْأَرْضِ عَاشِرُهَا ذَكَاءُ سَمْعِهِ حَتَّى يَسْمَعَ مِنْ أَقْصَى الْأَرْضِ مَا لَا يَسْمَعُهُ غَيْرُهُ حَادِي عَشَرَهَا ذَكَاءُ شَمِّهِ كَمَا وَقَعَ لِيَعْقُوبَ فِي قَمِيصِ يُوسُفَ ثَانِي عَشَرَهَا تَقْوِيَةُ جَسَدِهِ حَتَّى سَارَ فِي لَيْلَةٍ مَسِيرَةَ ثَلَاثِينَ لَيْلَةً ثَالِثَ عَشَرَهَا عُرُوجُهُ إِلَى السَّمَاوَاتِ رَابِعَ عَشَرَهَا مَجِيءُ الْوَحْيِ لَهُ فِي مِثْلِ صَلْصَلَةِ الْجَرَسِ خَامِسَ عَشَرَهَا تَكْلِيمُ الشَّاةِ سَادِسَ عَشَرَهَا إِنْطَاقُ النَّبَاتِ سَابِعَ عَشَرَهَا إِنْطَاقُ الْجِذْعِ ثَامِنَ عَشَرَهَا إِنْطَاقُ الْحَجَرِ تَاسِعَ عَشَرَهَا إِفْهَامُهُ عُوَاءَ الذِّئْبِ أَنْ يَفْرِضَ لَهُ رِزْقًا الْعِشْرُونَ إِفْهَامُهُ رُغَاءَ الْبَعِيرِ الْحَادِي وَالْعِشْرُونَ أَنْ يَسْمَعَ الصَّوْتَ وَلَا يَرَى الْمُتَكَلِّمَ الثَّانِيَةُ وَالْعِشْرُونَ تَمْكِينُهُ مِنْ مُشَاهَدَةِ الْجِنِّ الثَّالِثَةُ وَالْعِشْرُونَ تَمْثِيلُ الْأَشْيَاءِ الْمُغَيَّبَةِ لَهُ كَمَا مُثِّلَ لَهُ بَيْتُ الْمَقْدِسِ صَبِيحَةَ الْإِسْرَاءِ الرَّابِعَةُ وَالْعِشْرُونَ حُدُوثُ أَمْرٍ يَعْلَمُ بِهِ الْعَاقِبَةَ كَمَا قَالَ فِي النَّاقَةِ لَمَّا بَرَكَتْ فِي الْحُدَيْبِيَةِ حَبَسَهَا حَابِسُ الْفِيلِ الْخَامِسَةُ وَالْعِشْرُونَ اسْتِدْلَالُهُ بِاسْمٍ عَلَى أَمْرٍ كَمَا قَالَ لَمَّا جَاءَهُمْ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو قَدْ سَهُلَ لَكُمُ الْأَمْرُ السَّادِسَةُ وَالْعِشْرُونَ أَنْ يَنْظُرَ شَيْئًا عُلْوِيًّا فَيَسْتَدِلُّ بِهِ عَلَى أَمْرٍ يَقَعُ فِي الْأَرْضِ كَمَا قَالَ إِنَّ هَذِهِ السَّحَابَةَ لَتَسْتَهِلُّ بِنَصْرِ بَنِي كَعْبٍ السَّابِعَةُ وَالْعِشْرُونَ رُؤْيَتُهُ مِنْ وَرَائِهِ الثَّامِنَةُ وَالْعِشْرُونَ اطِّلَاعُهُ عَلَى أَمْرٍ وَقَعَ لِمَنْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَكَمَا قَالَ فِي حَنْظَلَةَ رَأَيْتُ الْمَلَائِكَةَ تُغَسِّلُهُ وَكَانَ قُتِلَ وَهُوَ جُنُبٌ التَّاسِعَةُ وَالْعِشْرُونَ أَنْ يَظْهَرَ لَهُ مَا يَسْتَدِلُّ بِهِ عَلَى فُتُوحِ مُسْتَقْبَلٍ كَمَا جَاءَ ذَلِكَ يَوْمُ الْخَنْدَقِ الثَّلَاثُونَ اطِّلَاعُهُ عَلَى الْجَنَّةِ وَالنَّارِ فِي الدُّنْيَا الْحَادِيَةُ وَالثَّلَاثُونَ الْفِرَاسَةُ الثَّانِيَةُ وَالثَّلَاثُونَ طَوَاعِيَةُ الشَّجَرَةِ حَتَّى انْتَقَلَتْ بِعُرُوقِهَا وَغُصُونِهَا مِنْ مَكَانٍ إِلَى مَكَانٍ ثُمَّ رَجَعَتْ الثَّالِثَةُ وَالثَّلَاثُونَ قِصَّةُ الظَّبْيَةِ وَشَكْوَاهَا لَهُ ضَرُورَةَ خِشْفِهَا الصَّغِيرِ الرَّابِعَةُ وَالثَّلَاثُونَ تَأْوِيلُ الرُّؤْيَا بِحَيْثُ لَا تُخْطِئُ الْخَامِسَةُ وَالثَّلَاثُونَ الْحَزْرُ فِي الرُّطَبِ وَهُوَ عَلَى النَّخْلِ أَنَّهُ يَجِيءُ كَذَا وَكَذَا وَسْقًا مِنَ التَّمْرِ فَجَاءَ كَمَا قَالَ السَّادِسَةُ وَالثَّلَاثُونَ الْهِدَايَةُ إِلَى الْأَحْكَامِ السَّابِعَةُ وَالثَّلَاثُونَ الْهِدَايَةُ إِلَى سِيَاسَةِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا الثَّامِنَةُ وَالثَّلَاثُونَ الْهِدَايَةُ إِلَى هَيْئَةِ الْعَالَمِ وَتَرْكِيبِهِ التَّاسِعَةُ وَالثَّلَاثُونَ الْهِدَايَةُ إِلَى مَصَالِحِ الْبَدَنِ بِأَنْوَاعِ الطِّبِّ الْأَرْبَعُونَ الْهِدَايَةُ إِلَى وُجُوهِ الْقُرُبَاتِ الْحَادِيَةُ وَالْأَرْبَعُونَ الْهِدَايَةُ إِلَى الصِّنَاعَاتِ النَّافِعَةِ الثَّانِيَةُ وَالْأَرْبَعُونَ الِاطِّلَاعُ عَلَى مَا سَيَكُونُ الثَّالِثَةُ وَالْأَرْبَعُونَ الِاطِّلَاعُ عَلَى مَا كَانَ مِمَّا لَمْ يَنْقُلْهُ أَحَدٌ قَبْلَهُ الرَّابِعَةُ وَالْأَرْبَعُونَ التَّوْقِيفُ عَلَى أَسْرَارِ النَّاسِ وَمُخَبَّآتِهِمْ الْخَامِسَةُ وَالْأَرْبَعُونَ تَعْلِيمُ طُرُقِ الِاسْتِدْلَالِ السَّادِسَةُ وَالْأَرْبَعُونَ الِاطِّلَاعُ عَلَى طَرِيقِ التَّلَطُّفِ فِي الْمُعَاشَرَةِ قَالَ فَقَدْ بَلَغَتْ خَصَائِصُ النُّبُوَّةِ فِيمَا مَرْجِعُهُ الْعِلْمُ سِتَّةً وَأَرْبَعِينَ وَجْهًا لَيْسَ مِنْهَا وَجْهٌ إِلَّا وَهُوَ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مُقَارِبًا لِلرُّؤْيَا الصَّالِحَةِ الَّتِي أَخْبَرَ أَنَّهَا جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ وَالْكَثِيرُ مِنْهَا وَإِنْ كَانَ قَدْ يَقَعُ لِغَيْرِ النَّبِيِّ لَكِنَّهُ لِلنَّبِيِّ لَا يُخْطِئُ أَصْلًا وَلِغَيْرِهِ قَدْ يَقَعُ فِيهِ الْخَطَأُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

     وَقَالَ  الْغَزَالِيُّ فِي كِتَابِ الْفَقْرِ وَالزُّهْدِ مِنَ الْإِحْيَاءِ لَمَّا ذَكَرَ حَدِيثَ يَدْخُلُ الْفُقَرَاءُ الْجَنَّةَ قَبْلَ الْأَغْنِيَاءِ بِخَمْسِمِائَةِ عَامٍ وَفِي رِوَايَةٍ بِأَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى تَفَاوُتِ دَرَجَاتِ الْفُقَرَاءِ فَكَانَ الْفَقِيرُ الْحَرِيصُ عَلَى جُزْءٍ مِنْ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ جُزْءًا مِنَ الْفَقِيرِ الزَّاهِدِ لِأَنَّ هَذِهِ نِسْبَةُ الْأَرْبَعِينَ إِلَى الْخَمْسمِائَةِ وَلَا يُظَنُّ أَنَّ تَقْدِيرَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم يتَجَزَّأ على لِسَانه كَيفَ مَا اتَّفَقَ بَلْ لَا يَنْطِقُ إِلَّا بِحَقِيقَةِ الْحَقِّ وَهَذَا كَقَوْلِهِ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ مِنَ الرَّجُلِ الصَّالِحِ جُزْء من سِتَّة وَأَرْبَعين جُزْءا من النُّبُوَّة فَإِنَّهُ تَقْدِيرُ تَحْقِيقٍ لَكِنْ لَيْسَ فِي قُوَّةِ غَيْرِهِ أَنْ يَعْرِفَ عِلَّةَ تِلْكَ النِّسْبَةِ إِلَّا بِتَخْمِينٍ لِأَنَّ النُّبُوَّةَ عِبَارَةٌ عَمَّا يَخْتَصُّ بِهِ النَّبِيُّ وَيُفَارِقُ بِهِ غَيْرَهُ وَهُوَ يَخْتَصُّ بِأَنْوَاعٍ مِنَ الْخَوَاصِّ مِنْهَا أَنَّهُ يَعْرِفُ حِقَاقَ الْأُمُورِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِاللَّهِ وَصِفَاتِهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَالدَّارِ الْآخِرَةِ لَا كَمَا يَعْلَمُهُ غَيْرُهُ بَلْ عِنْدَهُ مِنْ كَثْرَةِ الْمَعْلُومَاتِ وَزِيَادَةِ الْيَقِينِ وَالتَّحْقِيقِ مَا لَيْسَ عِنْدَ غَيْرِهِ وَلَهُ صِفَةٌ تَتِمُّ لَهُ بِهَا الْأَفْعَالُ الْخَارِقَةُ لِلْعَادَاتِ كَالصِّفَةِ الَّتِي بِهَا تَتِمُّ لِغَيْرِهِ الْحَرَكَاتُ الِاخْتِيَارِيَّةُ وَلَهُ صِفَةٌ يُبْصِرُ بِهَا الْمَلَائِكَةَ وَيُشَاهِدُ بِهَا الْمَلَكُوتَ كَالصِّفَةِ الَّتِي يُفَارِقُ بِهَا الْبَصِيرُ الْأَعْمَى وَلَهُ صِفَةٌ بِهَا يُدْرِكُ مَا سَيَكُونُ فِي الْغَيْبِ وَيُطَالِعُ بِهَا مَا فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ كَالصِّفَةِ الَّتِي يُفَارِقُ بِهَا الذَّكِيُّ الْبَلِيدَ فَهَذِهِ صِفَاتُ كَمَالَاتٍ ثَابِتَةٌ لِلنَّبِيِّ يُمْكِنُ إنقسام كل وَاحِدَة مِنْهَا إِلَى أَقْسَامٍ بِحَيْثُ يُمْكِنُنَا أَنْ نَقْسِمَهَا إِلَى أَرْبَعِينَ وَإِلَى خَمْسِينَ وَإِلَى أَكْثَرَ وَكَذَا يُمْكِنُنَا أَنْ نَقْسِمَهَا إِلَى سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا بِحَيْثُ تَقَعُ الرُّؤْيَا الصَّحِيحَةُ جُزْءًا مِنْ جُمْلَتِهَا لَكِنْ لَا يَرْجِعُ إِلَّا إِلَى ظَنٍّ وَتَخْمِينٍ لَا أَنَّهُ الَّذِي أَرَادَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَقِيقَةً انْتَهَى مُلَخَّصًا وَأَظُنُّهُ أَشَارَ إِلَى كَلَامِ الْحَلِيمِيِّ فَإِنَّهُ مَعَ تَكَلُّفِهِ لَيْسَ عَلَى يَقِينٍ أَنَّ الَّذِي ذَكَرَهُ هُوَ الْمُرَادُ وَالله أعلم.

     وَقَالَ  بن الْجَوْزِيِّ لَمَّا كَانَتِ النُّبُوَّةُ تَتَضَمَّنُ اطِّلَاعًا عَلَى أُمُورٍ يَظْهَرُ تَحْقِيقُهَا فِيمَا بَعْدُ وَقَعَ تَشْبِيهُ رُؤْيَا الْمُؤْمِنِ بِهَا وَقِيلَ إِنَّ جَمَاعَةً مِنَ الْأَنْبِيَاءِ كَانَتْ نُبُوَّتُهُمْ وَحْيًا فِي الْمَنَامِ فَقَطْ وَأَكْثَرُهُمُ ابْتُدِئَ بِالْوَحْيِ فِي الْمَنَامِ ثُمَّ رَقُوا إِلَى الْوَحْيِ فِي الْيَقَظَةِ فَهَذَا بَيَانُ مُنَاسَبَةِ تَشْبِيهِ الْمَنَامِ الصَّادِقِ بِالنُّبُوَّةِ.

.
وَأَمَّا خُصُوصُ الْعَدَدِ الْمَذْكُورِ فَتَكَلَّمَ فِيهِ جَمَاعَةٌ فَذَكَرَ الْمُنَاسَبَةَ الْأُولَى وَهِيَ أَنَّ مُدَّةَ وَحْيِ الْمَنَامِ إِلَى نَبِيِّنَا كَانَتْ سِتَّةَ أَشْهُرٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا فِيهِ ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ الْأَحَادِيثَ اخْتَلَفَتْ فِي الْعَدَدِ الْمَذْكُورِ قَالَ فَعَلَى هَذَا تَكُونُ رُؤْيَا الْمُؤْمِنِ مُخْتَلفَة أَعْلَاهَا سِتَّةٌ وَأَرْبَعُونَ وَأَدْنَاهَا سَبْعُونَ ثُمَّ ذَكَرَ الْمُنَاسَبَةَ الَّتِي ذَكَرَهَا الطَّبَرِيُّوَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي الْمُفْهِمِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ الْمَنَامَ الصَّادِقَ خَصْلَةٌ مِنْ خِصَالِ النُّبُوَّةِ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ التُّؤَدَةُ وَالِاقْتِصَادُ وَحُسْنُ السَّمْتِ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَعِشْرِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ أَيِ النُّبُوَّةُ مَجْمُوعُ خِصَالٍ مَبْلَغُ أَجْزَائِهَا ذَلِكَ وَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ جُزْءٌ مِنْهَا وَعَلَى مُقْتَضَى ذَلِكَ يَكُونُ كُلُّ جُزْءٍ مِنَ السِّتَّةِ وَالْعِشْرِينَ ثَلَاثَةَ أَشْيَاءَ فَإِذَا ضَرَبْنَا ثَلَاثَةً فِي سِتَّةٍ وَعِشْرِينَ انْتَهَتْ إِلَى ثَمَانِيَةٍ وَسَبْعِينَ فَيَصِحُّ لَنَا أَنَّ عَدَدَ خِصَالِ النُّبُوَّةِ مِنْ حَيْثُ آحَادُهَا ثَمَانِيَةٌ وَسَبْعُونَ قَالَ وَيَصِحُّ أَنْ يُسَمَّى كُلُّ اثْنَيْنِ مِنْهَا جُزْءًا فَيَكُونُ الْعَدَدُ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ تِسْعَةً وَثَلَاثِينَ وَيَصِحُّ أَنْ يُسَمَّى كُلُّ أَرْبَعَةٍ مِنْهَا جُزْءًا فَتَكُونُ تِسْعَةَ عَشَرَ جُزْءًا وَنِصْفَ جُزْءٍ فَيَكُونُ اخْتِلَافُ الرِّوَايَاتِ فِي الْعَدَدِ بِحَسَبِ اخْتِلَافِ اعْتِبَارِ الْأَجْزَاءِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ اضْطِرَابٌ قَالَ وَهَذَا أَشْبَهُ مَا وَقَعَ لِي فِي ذَلِكَ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَنْشَرِحْ بِهِ الصَّدْرُ وَلَا اطْمَأَنَّتْ إِلَيْهِ النَّفْسُ.

.

قُلْتُ وَتَمَامُهُ أَنْ يَقُولَ فِي الثَّمَانِيَةِ وَالسَّبْعِينَ بِالنِّسْبَةِ لِرِوَايَةِ السَّبْعِينَ أُلْغِيَ فِيهَا الْكَسْرُ وَفِي التِّسْعَةِ وَالثَّلَاثِينَ بِالنِّسْبَةِ لِرِوَايَةِ الْأَرْبَعِينَ جَبْرُ الْكَسْرِ وَلَا تَحْتَاجُ إِلَى الْعَدَدِ الْأَخِيرِ لِمَا فِيهِ مِنْ ذِكْرِ النِّصْفِ وَمَا عَدَا ذَلِكَ مِنَ الْأَعْدَادِ قَدْ أَشَارَ إِلَى أَنَّهُ يُعْتَبَرُ بِحَسَبِ مَا يُقَدَّرُ مِنَ الْخِصَالِ ثُمَّ قَالَ وَقَدْ ظَهَرَ لِي وَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ النُّبُوَّةَ مَعْنَاهَا أَنَّ اللَّهَ يُطْلِعُ مَنْ يَشَاءُ مِنْ خَلْقِهِ عَلَى مَا يَشَاءُ مِنْ أَحْكَامِهِ وَوَحْيِهِ إِمَّا بِالْمُكَالَمَةِ وَإِمَّا بِوَاسِطَةِ الْمَلَكِ وَإِمَّا بِإِلْقَاءٍ فِي الْقَلْبِ بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ لَكِنَّ هَذَا الْمَعْنَى الْمُسَمَّى بِالنُّبُوَّةِ لَا يَخُصُّ اللَّهُ بِهِ إِلَّا مَنْ خَصَّهُ بِصِفَاتِ كَمَالِ نَوْعِهِ مِنَ الْمَعَارِفِ وَالْعُلُومِ وَالْفَضَائِلِ وَالْآدَابِ مَعَ تَنَزُّهِهِ عَنِ النَّقَائِصِ أُطْلِقَ عَلَى تِلْكَ الْخِصَالِ نُبُوَّةٌ كَمَا فِي حَدِيثِ التُّؤَدَةُ وَالِاقْتِصَادُ أَيْ تِلْكَ الْخِصَالُ مِنْ خِصَالِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْأَنْبِيَاءُ مَعَ ذَلِكَ مُتَفَاضِلُونَ فِيهَا كَمَا قَالَ تَعَالَى وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بعض النَّبِيين على بعض وَمَعَ ذَلِكَ فَالصِّدْقُ أَعْظَمُ أَوْصَافِهِمْ يَقَظَةً وَمَنَامًا فَمَنْ تَأَسَّى بِهِمْ فِي الصِّدْقِ حَصَلَ مِنْ رُؤْيَاهُ عَلَى الصِّدْقِ ثُمَّ لَمَّا كَانُوا فِي مَقَامَاتِهِمْ مُتَفَاوِتِينَ كَانَ أَتْبَاعُهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ كَذَلِكَ وَكَانَ أَقَلُّ خِصَالِ الْأَنْبِيَاءِ مَا إِذَا اعْتُبِرَ كَانَ سِتَّةً وَعِشْرِينَ جُزْءًا وَأَكْثَرُهَا مَا يَبْلُغُ سَبْعِينَ وَبَيْنَ الْعَدَدَيْنِ مَرَاتِبُ مُخْتَلِفَةٌ بِحَسَبِ مَا اخْتَلَفَتْ أَلْفَاظُ الرِّوَايَاتِ وَعَلَى هَذَا فَمَنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ فِي صَلَاحِهِ وَصِدْقِهِ عَلَى رُتْبَةٍ تُنَاسِبُ حَالَ نَبِيٍّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ كَانَتْ رُؤْيَاهُ جُزْءًا مِنْ نُبُوَّةِ ذَلِكَ النَّبِيِّ وَلَمَّا كَانَتْ كَمَالَاتُهُمْ مُتَفَاوِتَةً كَانَتْ نِسْبَةُ أَجْزَاءِ مَنَامَاتِ الصَّادِقِينَ مُتَفَاوِتَةً عَلَى مَا فَصَّلْنَاهُ قَالَ وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ الِاضْطِرَابُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ وَذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ أَبِي جَمْرَةَ وَجْهًا آخَرَ مُلَخَّصُهُ أَنَّ النُّبُوَّةَ لَهَا وُجُوهٌ مِنَ الْفَوَائِدِ الدُّنْيَوِيَّةِ وَالْأُخْرَوِيَّةِ خُصُوصًا وَعُمُومًا مِنْهَا مَا يُعْلَمُ وَمِنْهَا مَا لَا يعلم وَلَيْسَ بَيْنَ النُّبُوَّةِ وَالرُّؤْيَا نِسْبَةٌ إِلَّا فِي كَوْنِهَا حَقًّا فَيَكُونُ مَقَامُ النُّبُوَّةِ بِالنِّسْبَةِ لِمَقَامِ الرُّؤْيَا بِحَسَبِ تِلْكَ الْأَعْدَادِ رَاجِعَةً إِلَى دَرَجَاتِ الْأَنْبِيَاءِ فَنِسْبَتُهَا مِنْ أَعْلَاهُمْ وَهُوَ مَنْ ضُمَّ لَهُ إِلَى النُّبُوَّةِ الرِّسَالَةُ أَكْثَرُ مَا وَرَدَ مِنَ الْعَدَدِ وَنِسْبَتُهَا إِلَى الْأَنْبِيَاءِ غَيْرِ الْمُرْسَلِينَ أَقَلُّ مَا وَرَدَ مِنَ الْعَدَدِ وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَمِنْ ثَمَّ أَطْلَقَ فِي الْخَبَرِ النُّبُوَّةَ وَلَمْ يُقَيِّدْهَا بِنُبُوَّةِ نَبِيٍّ بِعَيْنِهِ وَرَأَيْتُ فِي بَعْضِ الشُّرُوحِ أَنَّ مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ لِلْمَنَامِ شَبَهًا بِمَا حَصَلَ لِلنَّبِيِّ وَتَمَيَّزَ بِهِ عَنْ غَيْرِهِ بِجُزْءٍ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا فَهَذِهِ عِدَّةُ مُنَاسَبَاتٍ لَمْ أَرَ مَنْ جَمَعَهَا فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ فَلِلَّهِ الْحَمْدُ عَلَى مَا أَلْهَمَ وَعَلَّمَ وَلَمْ أَقِفْ فِي شَيْءٍ مِنَ الْأَخْبَارِ عَلَى كَوْنِ الْإِلْهَامِ جُزْءًا مِنْ أَجْزَاءِ النُّبُوَّةِ مَعَ أَنه من أَنْوَاع الْوَحْي إِلَّا أَن بن أَبِي جَمْرَةَ تَعَرَّضَ لِشَيْءٍ مِنْهُ كَمَا سَأَذْكُرُهُ فِي بَابِ مَنْ رَأَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنْ شَاءَ الله تَعَالَى( .

     قَوْلُهُ  بَابٌ بِالتَّنْوِينِ الرُّؤْيَا مِنَ اللَّهِ)
أَيْ مُطْلَقًا وَإِنْ قُيِّدَتْ فِي الْحَدِيثِ بِالصَّالِحَةِ فَهُوَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا لَا دُخُولَ لِلشَّيْطَانِ فِيهِ.

.
وَأَمَّا مَا لَهُ فِيهِ دَخْلٌ فَنُسِبَتْ إِلَيْهِ نِسْبَةً مَجَازِيَّةً مَعَ أَنَّ الْكُلَّ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْخَلْقِ وَالتَّقْدِيرِ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ وَإِضَافَةَ الرُّؤْيَا إِلَى اللَّهِ لِلتَّشْرِيفِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَشَارَ إِلَى مَا وَرَدَ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ كَمَا سَأُبَيِّنُهُ وَظَاهِرُ

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  ( قَولُهُ بَابُ رُؤْيَا الصَّالِحِينَ)
الْإِضَافَةُ فِيهِ لِلْفَاعِلِ لِقَوْلِهِ فِي حَدِيثِ الْبَابِ يَرَاهَا الرَّجُلُ الصَّالِحِ وَكَأَنَّهُ جَمَعَ إِشَارَةً إِلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالرَّجُلِ الْجِنْسُ .

     قَوْلُهُ  وَقَولُهُ تَعَالَى لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ إِلَى قَوْلِهِ فَتْحًا قَرِيبًا سَاقَ فِي رِوَايَةِ كَرِيمَةَ الْآيَةَ كُلَّهَا وَأَخْرَجَ الْفِرْيَابِيُّ وَعَبْدُ بْنُ حميد والطبري من طَرِيق بن أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ قَالَ أَرَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِالْحُدَيْبِيَةِ أَنَّهُ دَخَلَ مَكَّةَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ مُحَلِّقِينَ قَالَ فَلَمَّا نَحَرَ الْهَدْيَ بِالْحُدَيْبِيَةِ قَالَ أَصْحَابُهُ أَيْنَ رُؤْيَاكَ فَنَزَلَتْ وَقَولُهُ فَجَعَلَ من دون ذَلِك فتحا قَرِيبا قَالَ النَّحْرُ بِالْحُدَيْبِيَةِ فَرَجَعُوا فَفَتَحُوا خَيْبَرَ أَيِ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ ذَلِكَ النَّحْرُ وَالْمُرَادُ بِالْفَتْحِ فَتْحُ خَيْبَرَ قَالَ ثُمَّ اعْتَمَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَكَانَ تَصْدِيقُ رُؤْيَاهُ فِي السَّنَةِ الْمُقْبِلَةِ وَقَدْ أَخْرَجَ بن مرْدَوَيْه فِي التَّفْسِير بِسَنَد ضَعِيف عَن بن عَبَّاسٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ قَالَ تَأْوِيلُ رُؤْيَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي عُمْرَةِ الْقَضَاءِ وَاخْتُلِفَ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ فِي الْآيَةِ فَقِيلَ هِيَ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُ لَا يَقَعُ شَيْءٌ إِلَّا بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَقِيلَ هِيَ حِكَايَةٌ لِمَا قِيلَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَنَامِهِ وَقِيلَ هِيَ عَلَى سَبِيلِ التَّعْلِيمِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَفْعَلَ شَيْئًا مُسْتَقْبَلًا كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا إِلَّا أَن يَشَاء الله وَقِيلَ هِيَ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ عُمُومِ الْمُخَاطَبِينَ لِأَنَّ مِنْهُمْ مَنْ مَاتَ قَبْلَ ذَلِكَ أَوْ قُتِلَ

[ قــ :6618 ... غــ :6983] .

     قَوْلُهُ  عَنْ أَنَسُ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ سَيَأْتِي بَعْدَ بَابٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ أَنَسٍ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ وَيَأْتِي بَيَانُهُ هُنَاكَ .

     قَوْلُهُ  الرُّؤْيَا الْحَسَنَةُ مِنَ الرَّجُلِ الصَّالِحِ هَذَا يُقَيِّدُ مَا أُطْلِقَ فِي غَيْرِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ كَقَوْلِهِ رُؤْيَا الْمُؤْمِنِ جُزْءٌ وَلَمْ يُقَيِّدْهَا بِكَوْنِهَا حَسَنَةً وَلَا بِأَنَّ رَائِيَهَا صَالِحٌ وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ وَهُوَ تَفْسِيرُ الْمُرَادِ بِالْحَسَنَةِ هُنَا قَالَ الْمُهَلَّبُ الْمُرَادُ غَالِبُ رُؤْيَا الصَّالِحِينَ وَإِلَّا فَالصَّالِحُ قَدْ يَرَى الْأَضْغَاثَ وَلَكِنَّهُ نَادِرٌ لِقِلَّةِ تَمَكُّنِ الشَّيْطَانِ مِنْهُمْ بِخِلَافِ عَكْسِهِمْ فَإِنَّ الصِّدْقَ فِيهَا نَادِرٌ لِغَلَبَةِ تَسَلُّطِ الشَّيْطَانِ عَلَيْهِمْ قَالَ فَالنَّاسُ عَلَى هَذَا ثَلَاثُ دَرَجَاتٍ الْأَنْبِيَاءُ وَرُؤْيَاهُمْ كُلُّهَا صِدْقٌ وَقَدْ يَقَعُ فِيهَا مَا يَحْتَاجُ إِلَى تَعْبِيرٍ وَالصَّالِحُونَ وَالْأَغْلَبُ عَلَى رُؤْيَاهُمُ الصِّدْقُ وَقَدْ يَقَعُ فِيهَا مَا لَا يَحْتَاجُ إِلَى تَعْبِيرٍ وَمَنْ عَدَاهُمْ يَقَعُ فِي رُؤْيَاهُمُ الصِّدْقُ وَالْأَضْغَاثُ وَهِيَ على ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ مَسْتُورُونَ فَالْغَالِبُ اسْتِوَاءُ الْحَالِ فِي حَقِّهِمْ وَفَسَقَةٌ وَالْغَالِبُ عَلَى رُؤْيَاهُمُ الْأَضْغَاثُ وَيَقِلُّ فِيهَا الصِّدْقُ وَكُفَّارٌ وَيَنْدُرُ فِي رُؤْيَاهُمُ الصِّدْقُ جِدًّا وَيُشِيرُ إِلَى ذَلِكَ .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْدَقُهُمْ رُؤْيَا أَصْدَقُهُمْ حَدِيثًا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَسَتَأْتِي الْإِشَارَةُ إِلَيْهِ فِي بَابِ الْقَيْدِ فِي الْمَنَامِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَدْ وَقَعَتِ الرُّؤْيَا الصَّادِقَةُ مِنْ بَعْضِ الْكُفَّارِ كَمَا فِي رُؤْيَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ مَعَ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَرُؤْيَا مَلِكِهِمَا وَغَيْرِ ذَلِكَ.

     وَقَالَ  الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ رُؤْيَا الْمُؤْمِنِ الصَّالِحِ هِيَ الَّتِي تُنْسَبُ إِلَى أَجْزَاءِ النُّبُوَّةِ وَمَعْنَى صَلَاحِهَا اسْتِقَامَتُهَا وَانْتِظَامُهَا قَالَ وَعِنْدِي أَنَّ رُؤْيَا الْفَاسِقِ لَا تُعَدُّ فِي أَجْزَاءِ النُّبُوَّةِ وَقِيلَ تُعَدُّ مِنْ أَقْصَى الْأَجْزَاءِ.

.
وَأَمَّا رُؤْيَا الْكَافِرِ فَلَا تُعَدُّ أَصْلًا.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيُّ الْمُسْلِمُ الصَّادِقُ الصَّالِحُ هُوَ الَّذِي يُنَاسِبُ حَالُهُ حَالَ الْأَنْبِيَاءِ فَأُكْرِمَ بِنَوْعٍ مِمَّا أُكْرِمَ بِهِ الْأَنْبِيَاءُ وَهُوَ الِاطِّلَاعُ عَلَى الْغَيْبِ.

.
وَأَمَّا الْكَافِرُ وَالْفَاسِقُ وَالْمُخَلِّطُ فَلَا وَلَوْ صَدَقَتْ رُؤْيَاهُمْ أَحْيَانًا فَذَاكَ كَمَا قَدْ يَصْدُقُ الْكَذُوبُ وَلَيْسَ كُلُّ مَنْ حَدَّثَ عَنْ غَيْبٍ يَكُونُ خَبَرُهُ مِنْ أَجْزَاءِ النُّبُوَّةِ كَالْكَاهِنِ وَالْمُنَجِّمِ وَقَولُهُ مِنَ الرَّجُلِ ذُكِرَ لِلْغَالِبِ فَلَا مَفْهُومَ لَهُ فان الْمَرْأَة الصَّالِحَة كَذَلِك قَالَه بن عَبْدِ الْبَرِّ .

     قَوْلُهُ  جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ كَذَا وَقَعَ فِي أَكْثَرِ الْأَحَادِيثِ وَلِمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ جُزْءٌ مِنْ خَمْسَةٍ وَأَرْبَعِينَ أَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقِ أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْهُ وَسَيَأْتِي لِلْمُصَنِّفِ مِنْ طَرِيقِ عَوْفٍ عَنْ مُحَمَّدٍ بِلَفْظِ سِتَّةٍ كَالْجَادَّةِ وَوَقَعَ عِنْدَ مُسْلِمٍ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ بن عُمَرَ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا وَكَذَا أَخْرَجَهُ بن أبي شيبَة عَن بن مَسْعُودٍ مَوْقُوفًا وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْهُ مَرْفُوعًا وَلَهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْهُ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَسَبْعِينَ وَسَنَدُهَا ضَعِيفٌ وَأَخْرَجَهُ بن أبي شَيْبَةَ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ حُصَيْنٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَوْقُوفًا كَذَلِكَ وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ مَرْفُوعًا لَكِنْ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ كَالْجَادَّةِ وَلِابْنِ مَاجَهْ مثل حَدِيث بن عُمَرَ مَرْفُوعًا وَسَنَدُهُ لَيِّنٌ وَعِنْدَ أَحْمَدَ وَالْبَزَّارِ عَن بن عَبَّاس بِمثلِهِ وَسَنَده جيد وَأخرج بن عَبْدِ الْبَرِّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ الْمُخْتَارِ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَعِشْرِينَ وَالْمَحْفُوظُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ كَالْجَادَّةِ وَسَيَأْتِي لِلْبُخَارِيِّ قَرِيبًا وَمِثْلُهُ لِمُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ شُعْبَةَ عَنْ ثَابِتٍ وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ وَأَبُو يَعْلَى وَالطَّبَرِيُّ فِي تَهْذِيبِ الْآثَارِ مِنْ طَرِيقِ الْأَعْرَجِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ عَرِيبٍ بِمُهْمَلَةٍ وَزْنُ عَظِيم عَن أَبِي هُرَيْرَةَ كَالْجَادَّةِ قَالَ سُلَيْمَانُ فَذَكَرْتُهُ لِابْنِ عَبَّاسٍ فَقَالَ جُزْءٌ مِنْ خَمْسِينَ فَقُلْتُ لَهُ أَنِّي سَمِعت أَبَا هُرَيْرَة فَقَالَ بن عَبَّاسٍ فَإِنِّي سَمِعْتُ الْعَبَّاسَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ مِنَ الْمُؤْمِنِ جُزْءٌ مِنْ خَمْسِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ وَلِلتِّرْمِذِيِّ وَالطَّبَرِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي رَزِينٍ الْعُقَيْلِيِّ جُزْءٌ مِنْ أَرْبَعِينَ وَأخرجه التِّرْمِذِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ كَالْجَادَّةِ وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ من وَجه آخر عَن بن عَبَّاسٍ أَرْبَعِينَ وَلِلطَّبَرِيِّ مِنْ حَدِيثِ عُبَادَةَ جُزْءٌ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَأَرْبَعِينَ وَالْمَحْفُوظُ عَنْ عُبَادَةَ كَالْجَادَّةِ كَمَا سَيَأْتِي بَعْدَ بَابٍ وَأَخْرَجَ الطَّبَرِيُّ وَأَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ جُزْءٌ مِنْ تِسْعَةٍ وَأَرْبَعِينَ وَذَكَرَهُ الْقُرْطُبِيُّ فِي الْمُفْهِمِ بِلَفْظِ سَبْعَةٍ بِتَقْدِيمِ السِّينِ فَحَصَلْنَا مِنْ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ عَلَى عَشَرَةِ أَوْجُهٍ أَقَلُّهَا جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَعِشْرِينَ وَأَكْثَرُهَا مِنْ سِتَّةٍ وَسَبْعِينَ وَبَيْنَ ذَلِكَ أَرْبَعِينَ وَأَرْبَعَةٍ وَأَرْبَعِينَ وَخَمْسَةٍ وَأَرْبَعِينَ وَسِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ وَسَبْعَةٍ وَأَرْبَعِينَ وَتِسْعَةٍ وَأَرْبَعِينَ وَخَمْسِينَ وَسَبْعِينَ أَصَحُّهَا مُطْلَقًا الْأَوَّلُ وَيَلِيهِ السَّبْعِينَ وَوَقَعَ فِي شَرْحِ النَّوَوِيِّ وَفِي رِوَايَةِ عُبَادَةَ أَرْبَعَة وَعشْرين وَفِي رِوَايَة بن عُمَرَ سِتَّةٍ وَعِشْرِينَ وَهَاتَانِ الرِّوَايَتَانِ لَا أَعْرِفُ مَنْ أَخْرَجَهُمَا إِلَّا أَنَّ بَعْضَهُمْ نَسَبَ رِوَايَةَ بن عُمَرَ هَذِهِ لِتَخْرِيجِ الطَّبَرِيِّ وَوَقَعَ فِي كَلَامِ بن أَبِي جَمْرَةَ أَنَّهُ وَرَدَ بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ فَذَكَرَ بَعْضَ مَا تَقَدَّمَ وَزَادَ فِي رِوَايَةٍ اثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ وَفِي أُخْرَى اثْنَيْنِ وَأَرْبَعِينَ وَفِي أُخْرَى سَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ وَفِي أُخْرَى خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ فَبَلَغَتْ عَلَى هَذَا خَمْسَةَ عَشَرَ لَفْظًا وَقَدْ اسْتُشْكِلَ كَوْنُ الرُّؤْيَا جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ مَعَ أَنَّ النُّبُوَّةَ انْقَطَعَتْ بِمَوْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقِيلَ فِي الْجَوَابِ إِنْ وَقَعَتِ الرُّؤْيَا مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهِيَ جُزْءٌ مِنْ أَجْزَاءِ النُّبُوَّةِ حَقِيقَةً وَإِنْ وَقَعَتْ مِنْ غَيْرِ النَّبِيِّ فَهِيَ جُزْءٌ مِنْ أَجْزَاءِ النُّبُوَّةِ عَلَى سَبِيلِ الْمَجَازِ.

     وَقَالَ  الْخَطَّابِيُّ قِيلَ مَعْنَاهُ أَنَّ الرُّؤْيَا تَجِيءُ عَلَى مُوَافَقَةِ النُّبُوَّةِ لَا أَنَّهَا جُزْءٌ بَاقٍ مِنَ النُّبُوَّةِ وَقِيلَ الْمَعْنَى أَنَّهَا جُزْءٌ مِنْ عِلْمِ النُّبُوَّةِ لِأَنَّ النُّبُوَّةَ وَإِنِ انْقَطَعَتْ فَعِلْمُهَا بَاقٍ وَتُعُقِّبَ بِقَوْلِ مَالك فِيمَا حَكَاهُ بن عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّهُ سُئِلَ أَيَعْبُرُ الرُّؤْيَا كُلُّ أَحَدٍ فَقَالَ أَبِالنُّبُوَّةِ يُلْعَبُ ثُمَّ قَالَ الرُّؤْيَا جُزْءٌ مِنَ النُّبُوَّةِ فَلَا يُلْعَبُ بِالنُّبُوَّةِ وَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ أَنَّهَا نُبُوَّةٌ بَاقِيَةٌ وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنَّهَا لَمَّا أَشْبَهَتِ النُّبُوَّةَ مِنْ جِهَةِ الِاطِّلَاعِ عَلَى بَعْضِ الْغَيْبِ لَا يَنْبَغِي أَنْ يتَكَلَّم فِيهَا بِغَيْر علم.

     وَقَالَ  بن بَطَّالٍ كَوْنُ الرُّؤْيَا جُزْءًا مِنْ أَجْزَاءِ النُّبُوَّةِ مِمَّا يُسْتَعْظَمُ وَلَوْ كَانَتْ جُزْءًا مِنْ أَلْفِ جُزْءٍ فَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إِنَّ لَفْظَ النُّبُوَّةِ مَأْخُوذٌ مِنَ الْإِنْبَاءِ وَهُوَ الْإِعْلَامُ لُغَةً فَعَلَى هَذَا فَالْمَعْنَى أَنَّ الرُّؤْيَا خَبَرٌ صَادِقٌ مِنَ اللَّهِ لَا كَذِبَ فِيهِ كَمَا أَنَّ مَعْنَى النُّبُوَّةِ نَبَأٌ صَادِقٌ مِنَ اللَّهِ لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ الْكَذِبُ فَشَابَهَتِ الرُّؤْيَا النُّبُوَّةَ فِي صِدْقِ الْخَبَرِ.

     وَقَالَ  الْمَازِرِيُّ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ بِالنُّبُوَّةِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الْخَبَرُ بِالْغَيْبِ لَا غَيْرَ وَإِنْ كَانَ يَتْبَعُ ذَاكَ إِنْذَارٌ أَوْ تَبْشِيرٌ فَالْخَبَرُ بِالْغَيْبِ أَحَدُ ثَمَرَاتِ النُّبُوَّةِ وَهُوَ غَيْرُ مَقْصُودٍ لِذَاتِهِ لِأَنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يُبْعَثَ نَبِيٌّ يُقَرِّرُ الشَّرْعَ وَيُبَيِّنُ الْأَحْكَامَ وَإِنْ لَمْ يُخْبِرْ فِي طُولِ عُمْرِهِ بِغَيْبٍ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ قَادِحًا فِي نُبُوَّتِهِ وَلَا مُبْطِلًا لِلْمَقْصُودِ مِنْهَا وَالْخَبَرُ بِالْغَيْبِ مِنَ النَّبِيِّ لَا يَكُونُ إِلَّا صِدْقًا وَلَا يَقَعُ إِلَّا حَقًّا.

.
وَأَمَّا خُصُوصُ الْعَدَدِ فَهُوَ مِمَّا أَطْلَعَ اللَّهُ عَلَيْهِ نَبِيَّهُ لِأَنَّهُ يَعْلَمُ مِنْ حَقَائِقِ النُّبُوَّةِ مَا لَا يُعلمهُ غَيْرُهُ قَالَ وَقَدْ سَبَقَ بِهَذَا الْجَوَابِ جَمَاعَةٌ لَكِنَّهُمْ لَمْ يَكْشِفُوهُ وَلَمْ يُحَقِّقُوهُ.

     وَقَالَ  الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ أَجْزَاءُ النُّبُوَّةِ لَا يَعْلَمُ حَقِيقَتَهَا إِلَّا مَلَكٌ أَوْ نَبِيٌّ وَإِنَّمَا الْقدر الَّذِي أَرَادَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُبَيِّنَ أَنَّ الرُّؤْيَا جُزْءٌ مِنْ أَجْزَاءِ النُّبُوَّةِ فِي الْجُمْلَةِ لِأَنَّ فِيهَا اطِّلَاعًا عَلَى الْغَيْبِ مِنْ وَجْهٍ مَا.

.
وَأَمَّا تَفْصِيلُ النِّسْبَةِ فَيَخْتَصُّ بِمَعْرِفَتِهِ دَرَجَةُ النُّبُوَّةِ.

     وَقَالَ  الْمَازِرِيُّ لَا يَلْزَمُ الْعَالِمَ أَنْ يَعْرِفَ كُلَّ شَيْءٍ جُمْلَةً وَتَفْصِيلًا فَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِلْعَالِمِ حَدًّا يَقِفُ عِنْدَهُ فَمِنْهُ مَا يَعْلَمُ الْمُرَادَ بِهِ جُمْلَةً وَتَفْصِيلًا وَمِنْهُ مَا يَعْلَمُهُ جُمْلَةً لَا تَفْصِيلًا وَهَذَا مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ وَقَدْ تَكَلَّمَ بَعْضُهُمْ عَلَى الرِّوَايَةِ الْمَشْهُورَةِ وَأَبْدَى لَهَا مُنَاسَبَةً فَنَقَلَ بن بَطَّالٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ السَّفَاقِسِيِّ أَنَّ بَعْضَ أَهْلِ الْعِلْمِ ذَكَرَ أَنَّ اللَّهَ أَوْحَى إِلَى نَبِيِّهِ فِي الْمَنَامِ سِتَّةَ أَشْهُرٍ ثُمَّ أَوْحَى إِلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْيَقَظَةِ بَقِيَّةَ مُدَّةِ حَيَاتِهِ وَنِسْبَتُهَا مِنَ الْوَحْيِ فِي الْمَنَامِ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا لِأَنَّهُ عَاشَ بَعْدَ النُّبُوَّةِ ثَلَاثًا وَعِشْرِينَ سَنَةً عَلَى الصَّحِيحِ قَالَ بن بَطَّالٍ هَذَا التَّأْوِيلُ يَفْسُدُ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ قَدِ اخْتُلِفَ فِي قَدْرِ الْمُدَّةِ الَّتِي بَعْدَ بَعَثَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى مَوْتِهِ وَالثَّانِي أَنَّهُ يَبْقَى حَدِيثُ السَّبْعِينَ جُزْءًا بِغَيْرِ مَعْنًى.

.

قُلْتُ وَيُضَافُ إِلَيْهِ بَقِيَّةُ الْأَعْدَادِ الْوَاقِعَةِ وَقَدْ سَبَقَهُ الْخَطَّابِيُّ إِلَى إِنْكَارِ هَذِهِ الْمُنَاسَبَةِ فَقَالَ كَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُ فِي تَأْوِيلِ هَذَا الْعَدَدِ قَوْلًا لَا يَكَادُ يَتَحَقَّقُ وَذَلِكَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقَامَ بَعْدَ الْوَحْيِ ثَلَاثًا وَعِشْرِينَ سَنَةً وَكَانَ يُوحَى إِلَيْهِ فِي مَنَامِهِ سِتَّةَ أَشْهُرٍ وَهِيَ نِصْفُ سَنَةٍ فَهِيَ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَهَذَا وَإِنْ كَانَ وَجْهًا تَحْتَمِلُهُ قِسْمَةُ الْحِسَابِ وَالْعَدَدِ فَأَوَّلُ مَا يَجِبُ عَلَى مَنْ قَالَهُ أَنْ يُثْبِتَ بِمَا ادَّعَاهُ خَبَرًا وَلَمْ يُسْمَعْ فِيهِ أَثَرٌ وَلَا ذَكَرَ مُدَّعِيهِ فِي ذَلِكَ خَبَرًا فَكَأَنَّهُ قَالَهُ عَلَى سَبِيلِ الظَّنِّ وَالظَّنُّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا وَلَئِنْ كَانَتْ هَذِهِ الْمدَّة محسوبة من أَجزَاء النُّبُوَّة على ماذهب إِلَيْهِ فَلْيُلْحَقْ بِهَا سَائِرُ الْأَوْقَاتِ الَّتِي كَانَ يُوحَى إِلَيْهِ فِيهَا فِي مَنَامِهِ فِي طُولِ الْمُدَّةِ كَمَا ثَبَتَ ذَلِكَ عَنْهُ فِي أَحَادِيثَ كَثِيرَةٍ جَلِيلَةِ الْقَدْرِ وَالرُّؤْيَا فِي أُحُدٍ وَفِي دُخُولِ مَكَّةَ فَإِنَّهُ يَتَلَفَّقُ مِنْ ذَلِكَ مُدَّةٌ أُخْرَى وَتُزَادُ فِي الْحِسَابِ فَتَبْطُلُ الْقِسْمَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا قَالَ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى ضَعْفِ مَا تَأَوَّلَهُ الْمَذْكُورُ وَلَيْسَ كُلُّ مَا خَفِيَ عَلَيْنَا عِلْمُهُ لَا يَلْزَمُنَا حُجَّتُهُ كَأَعْدَادِ الرَّكَعَاتِ وَأَيَّامِ الصّيام وَرمي الْجمار فانا لانصل مِنْ عِلْمِهَا إِلَى أَمْرٍ يُوجِبُ حَصْرَهَا تَحْتَ أَعْدَادِهَا وَلَمْ يَقْدَحْ ذَلِكَ فِي مُوجَبِ اعْتِقَادِنَا لِلُزُومِهَا وَهُوَ كَقَوْلِهِ فِي حَدِيثٍ آخَرَ الْهَدْيُ الصَّالِحُ وَالسَّمْتُ الصَّالِحُ جُزْءٌ مِنْ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ فَإِنَّ تَفْصِيلَ هَذَا الْعَدَدِ وَحَصْرَ النُّبُوَّةِ مُتَعَذِّرٌ وَإِنَّمَا فِيهِ أَنَّ هَاتَيْنِ الْخَصْلَتَيْنِ مِنْ جُمْلَةِ هَدْيِ الْأَنْبِيَاءِ وَسَمْتِهِمْ فَكَذَلِكَ مَعْنَى حَدِيثِ الْبَابِ الْمُرَادُ بِهِ تَحْقِيقُ أَمْرِ الرُّؤْيَا وَأَنَّهَا مِمَّا كَانَ الْأَنْبِيَاءُ عَلَيْهِ وَأَنَّهَا جُزْءٌ مِنْ أَجْزَاءِ الْعِلْمِ الَّذِي كَانَ يَأْتِيهِمْ وَالْأَنْبَاءِ الَّتِي كَانَ يَنْزِلُ بِهَا الْوَحْيُ عَلَيْهِمْ وَقَدْ قَبِلَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْأَئِمَّةِ الْمُنَاسَبَةَ الْمَذْكُورَةَ وَأَجَابُوا عَمَّا أَوْرَدَهُ الْخَطَّابِيُّ أَمَّا الدَّلِيلُ عَلَى كَوْنِ الرُّؤْيَا كَانَتْ سِتَّةَ أَشْهُرٍ فَهُوَ أَنَّ ابْتِدَاءَ الْوَحْيِ كَانَ عَلَى رَأْسِ الْأَرْبَعِينَ مِنْ عُمْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا جَزَمَ بِهِ بن إِسْحَاقَ وَغَيْرُهُ وَذَلِكَ فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ وَنُزُولُ جِبْرِيلَ إِلَيْهِ وَهُوَ بِغَارِ حِرَاءٍ كَانَ فِي رَمَضَانَ وَبَيْنَهُمَا سِتَّةُ أَشْهُرٍ وَفِي هَذَا الْجَوَابِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ تَسْلِيمِهِ لَيْسَ فِيهِ تَصْرِيحٌ بِالرُّؤْيَا وَقَدْ قَالَ النَّوَوِيُّ لَمْ يَثْبُتْ أَنَّ زَمَنَ الرُّؤْيَا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ.

.
وَأَمَّا مَا أَلْزَمَهُ بِهِ مِنْ تَلْفِيقِ أَوْقَاتِ الْمَرَائِي وَضَمِّهَا إِلَى الْمُدَّةِ فَإِنَّ الْمُرَادَ وَحْيُ الْمَنَامِ الْمُتَتَابِعُ.

.
وَأَمَّا مَا وَقَعَ مِنْهُ فِي غُضُونِ وَحْيِ الْيَقَظَةِ فَهُوَ يَسِيرٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى وَحْيِ الْيَقَظَةِ فَهُوَ مَغْمُورٌ فِي جَانِبِ وَحْيِ الْيَقَظَةِ فَلَمْ يُعْتَبَرْ بِمُدَّتِهِ وَهُوَ نَظِيرُ مَا اعْتَمَدُوهُ فِي نُزُولِ الْوَحْيِ وَقَدْ أَطْبَقُوا عَلَى تَقْسِيمِ النُّزُولِ إِلَى مَكِّيٍّ وَمَدَنِيٍّ قَطْعًا فَالْمَكِّيُّ مَا نَزَلَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ وَلَوْ وَقَعَ بِغَيْرِهَا مَثَلًا كَالطَّائِفِ وَنَخْلَةَ وَالْمَدَنِيُّ مَا نَزَلَ بَعْدَ الْهِجْرَةِ وَلَوْ وَقَعَ وَهُوَ بِغَيْرِهَا كَمَا فِي الْغَزَوَاتِ وَسَفَرِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ حَتَّى مَكَّةَ.

.

قُلْتُ وَهُوَ اعْتِذَارٌ مَقْبُولٌ وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ عَنِ اخْتِلَافِ الْأَعْدَادِ أَنَّهُ وَقَعَ بِحَسَبِ الْوَقْتِ الَّذِي حَدَّثَ فِيهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ كَانَ يَكُونَ لَمَّا أَكْمَلَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً بَعْدَ مَجِيءِ الْوَحْيِ إِلَيْهِ حَدَّثَ بِأَنَّ الرُّؤْيَا جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَعِشْرِينَ إِنْ ثَبَتَ الْخَبَرُ بِذَلِكَ وَذَلِكَ وَقت الْهِجْرَة وَلما أكمل عشْرين حدث بِأَرْبَعِينَ وَلَمَّا أَكْمَلَ اثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ حَدَّثَ بِأَرْبَعَةٍ وَأَرْبَعِينَ بَعْدَهَا بِخَمْسَةٍ وَأَرْبَعِينَ ثُمَّ حَدَّثَ بِسِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ فِي آخِرِ حَيَاتِهِ.

.
وَأَمَّا مَا عَدَا ذَلِكَ مِنَ الرُّؤْيَاتِ بَعْدَ الْأَرْبَعِينَ فَضَعِيفٌ وَرِوَايَةُ الْخَمْسِينَ يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ لِجَبْرِ الْكَسْرِ وَرِوَايَةُ السَّبْعِينَ لِلْمُبَالَغَةِ وَمَا عَدَا ذَلِكَ لَمْ يَثْبُتْ وَهَذِهِ مُنَاسَبَةٌ لَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لَهَا وَوَقَعَ فِي بَعْضِ الشُّرُوحِ مُنَاسَبَةٌ لِلسَّبْعِينَ ظَاهِرَةُ التَّكَلُّفِ وَهِيَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ أَنَا بِشَارَةُ عِيسَى وَدَعْوَةُ إِبْرَاهِيمَ وَرَأَتْ أُمِّي نُورًا فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ تُضْرَبُ فِي مُدَّةِ نُبُوَّتِهِ وَهِيَ ثَلَاثَةٌ وَعِشْرُونَ سَنَةً تُضَافُ إِلَى أَصْلِ الرُّؤْيَا فَتَبْلُغُ سَبْعِينَ.

.

قُلْتُ وَيَبْقَى فِي أَصْلِ الْمُنَاسبَة إِشْكَال آخر وَهُوَ أَن الْمُتَبَادَرُ مِنَ الْحَدِيثِ إِرَادَةُ تَعْظِيمِ رُؤْيَا الْمُؤْمِنِ الصَّالِحِ وَالْمُنَاسَبَةُ الْمَذْكُورَةُ تَقْتَضِي قَصْرَ الْخَبَرِ عَلَى صُورَةِ مَا اتَّفَقَ لِنَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَأَنَّهُ قِيلَ كَانَتِ الْمُدَّةُ الَّتِي أَوْحَى اللَّهُ إِلَى نَبِيِّنَا فِيهَا فِي الْمَنَامِ جُزْءًا مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ الْمُدَّةِ الَّتِي أَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ فِيهَا فِي الْيَقَظَةِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ كُلَّ رُؤْيَا لِكُلِّ صَالِحٍ تَكُونُ كَذَلِكَ وَيُؤَيِّدُ إِرَادَةَ التَّعْمِيمِ الْحَدِيثُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْخَطَّابِيُّ فِي الْهَدْيِ وَالسَّمْتِ فَإِنَّهُ لَيْسَ خَاصًّا بِنُبُوَّةِ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْلًا وَقَدْ أَنْكَرَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ أَبِي جَمْرَةَ التَّأْوِيلَ الْمَذْكُورَ فَقَالَ لَيْسَ فِيهِ كَبِيرُ فَائِدَةٍ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُ الْمُؤَيِّدِ بِالْفَصَاحَةِ وَالْبَلَاغَةِ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى وَلَعَلَّ قَائِلَهُ أَرَادَ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَ النُّبُوَّةِ وَالرُّؤْيَا نَوْعَ مُنَاسَبَةٍ فَقَطْ وَيُعَكِّرَ عَلَيْهِ الِاخْتِلَافُ فِي عَدَدِ الْأَجْزَاءِ تَنْبِيهٌ حَدِيثُ الْهَدْيِ الصَّالِحِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْخَطَّابِيُّ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَرَخْسٍ لَكِنْ بِلَفْظِ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ جُزْءًا وَقَدْ ذَكَرَهُ الْقُرْطُبِيُّ فِي الْمُفْهِمِ بِلَفْظِ مِنْ سِتَّةٍ وَعِشْرِينَ انْتَهَى وَقَدْ أَبْدَى غَيْرُ الْخَطَّابِيِّ الْمُنَاسَبَةَ بِاخْتِلَافِ الرِّوَايَاتِ فِي الْعَدَدِ الْمَذْكُورِ وَقَدْ جَمَعَ بَيْنَهَا جَمَاعَةٌ أَوَّلُهُمُ الطَّبَرِيُّ فَقَالَ رِوَايَةُ السَّبْعِينَ عَامَّةٌ فِي كُلِّ رُؤْيَا صَادِقَةٍ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ وَرِوَايَةُ الْأَرْبَعِينَ خَاصَّةٌ بِالْمُؤْمِنِ الصَّادِقِ الصَّالِحِ.

.
وَأَمَّا مَا بَيْنَ ذَلِك فبالنسبة لأحوال الْمُؤمنِينَ.

     وَقَالَ  بن بَطَّالٍ أَمَّا الِاخْتِلَافُ فِي الْعَدَدِ قِلَّةً وَكَثْرَةً فَأَصَحُّ مَا وَرَدَ فِيهَا مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ وَمِنْ سَبْعِينَ وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ مِنْ أَحَادِيثِ الشُّيُوخِ وَقَدْ وَجَدْنَا الرُّؤْيَا تَنْقَسِمُ قِسْمَيْنِ جَلِيَّةً ظَاهِرَةً كَمَنْ رَأَى فِي الْمَنَامِ أَنَّهُ يُعْطَى تَمْرًا فَأُعْطِيَ تَمْرًا مِثْلَهُ فِي الْيَقَظَةِ فَهَذَا الْقِسْمُ لَا إِغْرَابَ فِي تَأْوِيلِهَا وَلَا رَمْزَ فِي تَفْسِيرِهَا وَمَرْمُوزَةٌ بَعِيدَةُ الْمَرَامِ فَهَذَا الْقِسْمُ لَا يَقُومُ بِهِ حَتَّى يَعْبُرَهُ إِلَّا حَاذِقٌ لِبُعْدِ ضَرْبِ الْمَثَلِ فِيهِ فَيُمْكِنُ أَنَّ هَذَا مِنَ السَّبْعِينَ وَالْأَوَّلَ مِنَ السِّتَّةِ وَالْأَرْبَعِينَ لِأَنَّهُ إِذَا قَلَّتِ الْأَجْزَاءُ كَانَتِ الرُّؤْيَا أَقْرَبَ إِلَى الصِّدْقِ وَأَسْلَمَ مِنْ وُقُوعِ الْغَلَطِ فِي تَأْوِيلِهَا بِخِلَافِ مَا إِذَا كَثُرَتْ قَالَ وَقَدْ عَرَضْتُ هَذَا الْجَوَابَ عَلَى جَمَاعَةٍ فَحَسَّنُوهُ وَزَادَنِي بَعْضُهُمْ فِيهِ أَنَّ النُّبُوَّةَ عَلَى مِثْلِ هَذَيْنِ الْوَصْفَيْنِ تَلَقَّاهَا الشَّارِعُ عَنْ جِبْرِيلَ فَقَدْ أَخْبَرَ أَنَّهُ كَانَ يَأْتِيهِ الْوَحْيُ مَرَّةً فَيُكَلِّمُهُ بِكَلَامٍ فَيَعِيهِ بِغَيْرِ كُلْفَةٍ وَمَرَّةً يُلْقِي إِلَيْهِ جُمَلًا وَجَوَامِعَ يشْتَد عَلَيْهِ حملهَا حَتَّى تَأْخُذهُ الرحضاء وَيَتَحَدَّرُ مِنْهُ الْعَرَقُ ثُمَّ يُطْلِعُهُ اللَّهُ عَلَى بَيَانِ مَا أَلْقَى عَلَيْهِ مِنْهَا وَلَخَّصَهُ الْمَازِرِيُّ فَقَالَ قِيلَ إِنَّ الْمَنَامَاتِ دَلَالَاتٌ وَالدَّلَالَاتُ مِنْهَا مَا هُوَ جَلِيٌّ وَمِنْهَا مَا هُوَ خَفِيٌّ فَالْأَقَلُّ فِي الْعَدَدِ هُوَ الْجَلِيُّ وَالْأَكْثَرُ فِي الْعَدَدِ هُوَ الْخَفِيُّ وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ.

     وَقَالَ  الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي جَمْرَةَ مَا حَاصِلُهُ إِنَّ النُّبُوَّةَ جَاءَتْ بِالْأُمُورِ الْوَاضِحَةِ وَفِي بَعْضِهَا مَا يَكُونُ فِيهِ إِجْمَالٌ مَعَ كَوْنِهِ مُبَيَّنًا فِي مَوْضِعٍ آخَرُ وَكَذَلِكَ الْمَرَائِي مِنْهَا مَا هُوَ صَرِيحٌ لَا يَحْتَاجُ إِلَى تَأْوِيلٍ وَمِنْهَا مَا يَحْتَاجُ فَالَّذِي يَفْهَمُهُ الْعَارِفُ مِنَ الْحَقِّ الَّذِي يَعْرُجُ عَلَيْهِ مِنْهَا جُزْءٌ مِنْ أَجزَاء النُّبُوَّةِ وَذَلِكَ الْجُزْءُ يَكْثُرُ مَرَّةً وَيَقِلُّ أُخْرَى بِحَسَبِ فَهْمِهِ فَأَعْلَاهُمْ مَنْ يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ دَرَجَةِ النُّبُوَّةِ أَقَلُّ مَا وَرَدَ مِنَ الْعَدَدِ وَأَدْنَاهُمُ الْأَكْثَرُ مِنَ الْعَدَدِ وَمَنْ عَدَاهُمَا مَا بَيْنَ ذَلِكَ.

     وَقَالَ  الْقَاضِي عِيَاضٌ وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ التَّجْزِئَةُ فِي طُرُقِ الْوَحْيِ إِذْ مِنْهُ مَا سُمِعَ مِنَ اللَّهِ بِلَا وَاسِطَةٍ وَمِنْهُ مَا جَاءَ بِوَاسِطَةِ الْمَلَكِ وَمِنْهُ مَا أُلْقِيَ فِي الْقَلْبِ مِنَ الْإِلْهَامِ وَمِنْهُ مَا جَاءَ بِهِ الْمَلَكُ وَهُوَ عَلَى صُورَتِهِ أَوْ عَلَى صُورَةِ آدَمِيٍّ مَعْرُوفٍ أَوْ غَيْرِ مَعْرُوفٍ وَمِنْهُ مَا أَتَاهُ بِهِ فِي النَّوْمِ وَمِنْهُ مَا أَتَاهُ بِهِ فِي صَلْصَلَةِ الْجَرَسِ وَمِنْهُ مَا يُلْقِيهِ رُوحُ الْقُدُسِ فِي رَوْعِهِ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا وَقَفْنَا عَلَيْهِ وَمِمَّا لَمْ نَقِفْ عَلَيْهِ فَتَكُونُ تِلْكَ الْحَالَاتُ إِذَا عُدِّدَتِ انْتَهَتْ إِلَى الْعَدَدِ الْمَذْكُورِ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي الْمُفْهِمِ وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ مِنَ التَّكَلُّفِ وَالتَّسَاهُلِ فَإِنَّ تِلْكَ الْأَعْدَادَ إِنَّمَا هِيَ أَجْزَاءُ النُّبُوَّةِ وَأَكْثَرُ الَّذِي ذَكَرَهُ إِنَّمَا هِيَ أَحْوَالٌ لِغَيْرِ النُّبُوَّةِ لِكَوْنِهِ يَعْرِفُ الْمَلَكَ أَوْ لَا يَعْرِفُهُ أَوْ يَأْتِيهِ عَلَى صُورَتِهِ أَوْ عَلَى صُورَةِ آدَمِيٍّ ثُمَّ مَعَ هَذَا التَّكَلُّفِ لَمْ يَبْلُغْ عَدَدَ مَا ذَكَرَ عِشْرِينَ فَضْلًا عَنْ سَبْعِينَ.

.

قُلْتُ وَالَّذِي نَحَاهُ الْقَاضِي سَبَقَهُ إِلَيْهِ الْحَلِيمِيُّ فَقَرَأْتُ فِي مُخْتَصَرِهِ لِلشَّيْخِ عَلَاءِ الدِّينِ الْقُونَوِيِّ بِخَطِّهِ مَا نَصُّهُ ثُمَّ إِنَّ الْأَنْبِيَاءَ يَخْتَصُّونَ بِآيَاتٍ يُؤَيَّدُونَ بِهَا لِيَتَمَيَّزُوا بِهَا عَمَّنْ لَيْسَ مِثْلَهُمْ كَمَا تَمَيَّزُوا بِالْعِلْمِ الَّذِي أُوتُوهُ فَيَكُونُ لَهُمُ الْخُصُوصُ مِنْ وَجْهَيْنِ فَمَا هُوَ فِي حَيِّزِ التَّعْلِيمِ هُوَ النُّبُوَّةُ وَمَا هُوَ فِي حَيِّزِ التَّأْبِيدِ هُوَ حُجَّةُ النُّبُوَّةِ قَالَ وَقَدْ قَصَدَ الْحَلِيمِيُّ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ بَيَانَ كَوْنِ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةِ جُزْءًا مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ فَذَكَرَ وُجُوهًا مِنَ الْخَصَائِصِ الْعِلْمِيَّةِ لِلْأَنْبِيَاءِ تَكَلَّفَ فِي بَعْضِهَا حَتَّى أَنْهَاهَا إِلَى الْعَدَدِ الْمَذْكُورِ فَتَكُونُ الرُّؤْيَا وَاحِدًا مِنْ تِلْكَ الْوُجُوهِ فَأَعْلَاهَا تَكْلِيمُ اللَّهِ بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ ثَانِيهَا الْإِلْهَامُ بِلَا كَلَامٍ بَلْ يَجِدُ عِلْمَ شَيْءٍ فِي نَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ تَقَدُّمِ مَا يُوصِلُ إِلَيْهِ بِحِسٍّ أَوِ اسْتِدْلَالٍ ثَالِثُهَا الْوَحْيُ عَلَى لِسَانِ مَلَكٍ يَرَاهُ فَيُكَلِّمُهُ رَابِعُهَا نَفْثُ الْمَلَكِ فِي رَوْعِهِ وَهُوَ الْوَحْيُ الَّذِي يَخُصُّ بِهِ الْقَلْبَ دُونَ السَّمْعِ قَالَ وَقَدْ يَنْفُثُ الْمَلَكُ فِي رَوْعِ بَعْضِ أَهْلِ الصَّلَاحِ لَكِنْ بِنَحْوِ الْإِطْمَاعِ فِي الظَّفَرِ بِالْعَدُوِّ وَالتَّرْغِيبِ فِي الشَّيْءِ وَالتَّرْهِيبِ مِنَ الشَّيْءِ فَيَزُولُ عَنْهُ بِذَلِكَ وَسْوَسَةُ الشَّيْطَانِ بِحُضُورِ الْمَلَكِ لَا بِنَحْوِ نَفْيِ عِلْمِ الْأَحْكَامِ وَالْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ فَإِنَّهُ مِنْ خَصَائِصِ النُّبُوَّةِ خَامِسُهَا إِكْمَالُ عَقْلِهِ فَلَا يَعْرِضُ لَهُ فِيهِ عَارِضٌ أَصْلًا سَادِسُهَا قُوَّةُ حِفْظِهِ حَتَّى يَسْمَعَ السُّورَةَ الطَّوِيلَةَ فَيَحْفَظُهَا مِنْ مَرَّةٍ وَلَا يَنْسَى مِنْهَا حَرْفًا سَابِعُهَا عِصْمَتُهُ مِنَ الْخَطَإِ فِي اجْتِهَادِهِ ثَامِنُهَا ذَكَاءُ فَهْمِهِ حَتَّى يَتَّسِعَ لِضُرُوبٍ مِنَ الِاسْتِنْبَاطِ تَاسِعُهَا ذَكَاءُ بَصَرِهِ حَتَّى يَكَادَ يُبْصِرُ الشَّيْءَ مِنْ أَقْصَى الْأَرْضِ عَاشِرُهَا ذَكَاءُ سَمْعِهِ حَتَّى يَسْمَعَ مِنْ أَقْصَى الْأَرْضِ مَا لَا يَسْمَعُهُ غَيْرُهُ حَادِي عَشَرَهَا ذَكَاءُ شَمِّهِ كَمَا وَقَعَ لِيَعْقُوبَ فِي قَمِيصِ يُوسُفَ ثَانِي عَشَرَهَا تَقْوِيَةُ جَسَدِهِ حَتَّى سَارَ فِي لَيْلَةٍ مَسِيرَةَ ثَلَاثِينَ لَيْلَةً ثَالِثَ عَشَرَهَا عُرُوجُهُ إِلَى السَّمَاوَاتِ رَابِعَ عَشَرَهَا مَجِيءُ الْوَحْيِ لَهُ فِي مِثْلِ صَلْصَلَةِ الْجَرَسِ خَامِسَ عَشَرَهَا تَكْلِيمُ الشَّاةِ سَادِسَ عَشَرَهَا إِنْطَاقُ النَّبَاتِ سَابِعَ عَشَرَهَا إِنْطَاقُ الْجِذْعِ ثَامِنَ عَشَرَهَا إِنْطَاقُ الْحَجَرِ تَاسِعَ عَشَرَهَا إِفْهَامُهُ عُوَاءَ الذِّئْبِ أَنْ يَفْرِضَ لَهُ رِزْقًا الْعِشْرُونَ إِفْهَامُهُ رُغَاءَ الْبَعِيرِ الْحَادِي وَالْعِشْرُونَ أَنْ يَسْمَعَ الصَّوْتَ وَلَا يَرَى الْمُتَكَلِّمَ الثَّانِيَةُ وَالْعِشْرُونَ تَمْكِينُهُ مِنْ مُشَاهَدَةِ الْجِنِّ الثَّالِثَةُ وَالْعِشْرُونَ تَمْثِيلُ الْأَشْيَاءِ الْمُغَيَّبَةِ لَهُ كَمَا مُثِّلَ لَهُ بَيْتُ الْمَقْدِسِ صَبِيحَةَ الْإِسْرَاءِ الرَّابِعَةُ وَالْعِشْرُونَ حُدُوثُ أَمْرٍ يَعْلَمُ بِهِ الْعَاقِبَةَ كَمَا قَالَ فِي النَّاقَةِ لَمَّا بَرَكَتْ فِي الْحُدَيْبِيَةِ حَبَسَهَا حَابِسُ الْفِيلِ الْخَامِسَةُ وَالْعِشْرُونَ اسْتِدْلَالُهُ بِاسْمٍ عَلَى أَمْرٍ كَمَا قَالَ لَمَّا جَاءَهُمْ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو قَدْ سَهُلَ لَكُمُ الْأَمْرُ السَّادِسَةُ وَالْعِشْرُونَ أَنْ يَنْظُرَ شَيْئًا عُلْوِيًّا فَيَسْتَدِلُّ بِهِ عَلَى أَمْرٍ يَقَعُ فِي الْأَرْضِ كَمَا قَالَ إِنَّ هَذِهِ السَّحَابَةَ لَتَسْتَهِلُّ بِنَصْرِ بَنِي كَعْبٍ السَّابِعَةُ وَالْعِشْرُونَ رُؤْيَتُهُ مِنْ وَرَائِهِ الثَّامِنَةُ وَالْعِشْرُونَ اطِّلَاعُهُ عَلَى أَمْرٍ وَقَعَ لِمَنْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ كَمَا قَالَ فِي حَنْظَلَةَ رَأَيْتُ الْمَلَائِكَةَ تُغَسِّلُهُ وَكَانَ قُتِلَ وَهُوَ جُنُبٌ التَّاسِعَةُ وَالْعِشْرُونَ أَنْ يَظْهَرَ لَهُ مَا يَسْتَدِلُّ بِهِ عَلَى فُتُوحِ مُسْتَقْبَلٍ كَمَا جَاءَ ذَلِكَ يَوْمُ الْخَنْدَقِ الثَّلَاثُونَ اطِّلَاعُهُ عَلَى الْجَنَّةِ وَالنَّارِ فِي الدُّنْيَا الْحَادِيَةُ وَالثَّلَاثُونَ الْفِرَاسَةُ الثَّانِيَةُ وَالثَّلَاثُونَ طَوَاعِيَةُ الشَّجَرَةِ حَتَّى انْتَقَلَتْ بِعُرُوقِهَا وَغُصُونِهَا مِنْ مَكَانٍ إِلَى مَكَانٍ ثُمَّ رَجَعَتْ الثَّالِثَةُ وَالثَّلَاثُونَ قِصَّةُ الظَّبْيَةِ وَشَكْوَاهَا لَهُ ضَرُورَةَ خِشْفِهَا الصَّغِيرِ الرَّابِعَةُ وَالثَّلَاثُونَ تَأْوِيلُ الرُّؤْيَا بِحَيْثُ لَا تُخْطِئُ الْخَامِسَةُ وَالثَّلَاثُونَ الْحَزْرُ فِي الرُّطَبِ وَهُوَ عَلَى النَّخْلِ أَنَّهُ يَجِيءُ كَذَا وَكَذَا وَسْقًا مِنَ التَّمْرِ فَجَاءَ كَمَا قَالَ السَّادِسَةُ وَالثَّلَاثُونَ الْهِدَايَةُ إِلَى الْأَحْكَامِ السَّابِعَةُ وَالثَّلَاثُونَ الْهِدَايَةُ إِلَى سِيَاسَةِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا الثَّامِنَةُ وَالثَّلَاثُونَ الْهِدَايَةُ إِلَى هَيْئَةِ الْعَالَمِ وَتَرْكِيبِهِ التَّاسِعَةُ وَالثَّلَاثُونَ الْهِدَايَةُ إِلَى مَصَالِحِ الْبَدَنِ بِأَنْوَاعِ الطِّبِّ الْأَرْبَعُونَ الْهِدَايَةُ إِلَى وُجُوهِ الْقُرُبَاتِ الْحَادِيَةُ وَالْأَرْبَعُونَ الْهِدَايَةُ إِلَى الصِّنَاعَاتِ النَّافِعَةِ الثَّانِيَةُ وَالْأَرْبَعُونَ الِاطِّلَاعُ عَلَى مَا سَيَكُونُ الثَّالِثَةُ وَالْأَرْبَعُونَ الِاطِّلَاعُ عَلَى مَا كَانَ مِمَّا لَمْ يَنْقُلْهُ أَحَدٌ قَبْلَهُ الرَّابِعَةُ وَالْأَرْبَعُونَ التَّوْقِيفُ عَلَى أَسْرَارِ النَّاسِ وَمُخَبَّآتِهِمْ الْخَامِسَةُ وَالْأَرْبَعُونَ تَعْلِيمُ طُرُقِ الِاسْتِدْلَالِ السَّادِسَةُ وَالْأَرْبَعُونَ الِاطِّلَاعُ عَلَى طَرِيقِ التَّلَطُّفِ فِي الْمُعَاشَرَةِ قَالَ فَقَدْ بَلَغَتْ خَصَائِصُ النُّبُوَّةِ فِيمَا مَرْجِعُهُ الْعِلْمُ سِتَّةً وَأَرْبَعِينَ وَجْهًا لَيْسَ مِنْهَا وَجْهٌ إِلَّا وَهُوَ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مُقَارِبًا لِلرُّؤْيَا الصَّالِحَةِ الَّتِي أَخْبَرَ أَنَّهَا جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ وَالْكَثِيرُ مِنْهَا وَإِنْ كَانَ قَدْ يَقَعُ لِغَيْرِ النَّبِيِّ لَكِنَّهُ لِلنَّبِيِّ لَا يُخْطِئُ أَصْلًا وَلِغَيْرِهِ قَدْ يَقَعُ فِيهِ الْخَطَأُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

     وَقَالَ  الْغَزَالِيُّ فِي كِتَابِ الْفَقْرِ وَالزُّهْدِ مِنَ الْإِحْيَاءِ لَمَّا ذَكَرَ حَدِيثَ يَدْخُلُ الْفُقَرَاءُ الْجَنَّةَ قَبْلَ الْأَغْنِيَاءِ بِخَمْسِمِائَةِ عَامٍ وَفِي رِوَايَةٍ بِأَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى تَفَاوُتِ دَرَجَاتِ الْفُقَرَاءِ فَكَانَ الْفَقِيرُ الْحَرِيصُ عَلَى جُزْءٍ مِنْ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ جُزْءًا مِنَ الْفَقِيرِ الزَّاهِدِ لِأَنَّ هَذِهِ نِسْبَةُ الْأَرْبَعِينَ إِلَى الْخَمْسمِائَةِ وَلَا يُظَنُّ أَنَّ تَقْدِيرَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم يتَجَزَّأ على لِسَانه كَيفَ مَا اتَّفَقَ بَلْ لَا يَنْطِقُ إِلَّا بِحَقِيقَةِ الْحَقِّ وَهَذَا كَقَوْلِهِ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ مِنَ الرَّجُلِ الصَّالِحِ جُزْء من سِتَّة وَأَرْبَعين جُزْءا من النُّبُوَّة فَإِنَّهُ تَقْدِيرُ تَحْقِيقٍ لَكِنْ لَيْسَ فِي قُوَّةِ غَيْرِهِ أَنْ يَعْرِفَ عِلَّةَ تِلْكَ النِّسْبَةِ إِلَّا بِتَخْمِينٍ لِأَنَّ النُّبُوَّةَ عِبَارَةٌ عَمَّا يَخْتَصُّ بِهِ النَّبِيُّ وَيُفَارِقُ بِهِ غَيْرَهُ وَهُوَ يَخْتَصُّ بِأَنْوَاعٍ مِنَ الْخَوَاصِّ مِنْهَا أَنَّهُ يَعْرِفُ حِقَاقَ الْأُمُورِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِاللَّهِ وَصِفَاتِهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَالدَّارِ الْآخِرَةِ لَا كَمَا يَعْلَمُهُ غَيْرُهُ بَلْ عِنْدَهُ مِنْ كَثْرَةِ الْمَعْلُومَاتِ وَزِيَادَةِ الْيَقِينِ وَالتَّحْقِيقِ مَا لَيْسَ عِنْدَ غَيْرِهِ وَلَهُ صِفَةٌ تَتِمُّ لَهُ بِهَا الْأَفْعَالُ الْخَارِقَةُ لِلْعَادَاتِ كَالصِّفَةِ الَّتِي بِهَا تَتِمُّ لِغَيْرِهِ الْحَرَكَاتُ الِاخْتِيَارِيَّةُ وَلَهُ صِفَةٌ يُبْصِرُ بِهَا الْمَلَائِكَةَ وَيُشَاهِدُ بِهَا الْمَلَكُوتَ كَالصِّفَةِ الَّتِي يُفَارِقُ بِهَا الْبَصِيرُ الْأَعْمَى وَلَهُ صِفَةٌ بِهَا يُدْرِكُ مَا سَيَكُونُ فِي الْغَيْبِ وَيُطَالِعُ بِهَا مَا فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ كَالصِّفَةِ الَّتِي يُفَارِقُ بِهَا الذَّكِيُّ الْبَلِيدَ فَهَذِهِ صِفَاتُ كَمَالَاتٍ ثَابِتَةٌ لِلنَّبِيِّ يُمْكِنُ إنقسام كل وَاحِدَة مِنْهَا إِلَى أَقْسَامٍ بِحَيْثُ يُمْكِنُنَا أَنْ نَقْسِمَهَا إِلَى أَرْبَعِينَ وَإِلَى خَمْسِينَ وَإِلَى أَكْثَرَ وَكَذَا يُمْكِنُنَا أَنْ نَقْسِمَهَا إِلَى سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا بِحَيْثُ تَقَعُ الرُّؤْيَا الصَّحِيحَةُ جُزْءًا مِنْ جُمْلَتِهَا لَكِنْ لَا يَرْجِعُ إِلَّا إِلَى ظَنٍّ وَتَخْمِينٍ لَا أَنَّهُ الَّذِي أَرَادَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَقِيقَةً انْتَهَى مُلَخَّصًا وَأَظُنُّهُ أَشَارَ إِلَى كَلَامِ الْحَلِيمِيِّ فَإِنَّهُ مَعَ تَكَلُّفِهِ لَيْسَ عَلَى يَقِينٍ أَنَّ الَّذِي ذَكَرَهُ هُوَ الْمُرَادُ وَالله أعلم.

     وَقَالَ  بن الْجَوْزِيِّ لَمَّا كَانَتِ النُّبُوَّةُ تَتَضَمَّنُ اطِّلَاعًا عَلَى أُمُورٍ يَظْهَرُ تَحْقِيقُهَا فِيمَا بَعْدُ وَقَعَ تَشْبِيهُ رُؤْيَا الْمُؤْمِنِ بِهَا وَقِيلَ إِنَّ جَمَاعَةً مِنَ الْأَنْبِيَاءِ كَانَتْ نُبُوَّتُهُمْ وَحْيًا فِي الْمَنَامِ فَقَطْ وَأَكْثَرُهُمُ ابْتُدِئَ بِالْوَحْيِ فِي الْمَنَامِ ثُمَّ رَقُوا إِلَى الْوَحْيِ فِي الْيَقَظَةِ فَهَذَا بَيَانُ مُنَاسَبَةِ تَشْبِيهِ الْمَنَامِ الصَّادِقِ بِالنُّبُوَّةِ.

.
وَأَمَّا خُصُوصُ الْعَدَدِ الْمَذْكُورِ فَتَكَلَّمَ فِيهِ جَمَاعَةٌ فَذَكَرَ الْمُنَاسَبَةَ الْأُولَى وَهِيَ أَنَّ مُدَّةَ وَحْيِ الْمَنَامِ إِلَى نَبِيِّنَا كَانَتْ سِتَّةَ أَشْهُرٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا فِيهِ ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ الْأَحَادِيثَ اخْتَلَفَتْ فِي الْعَدَدِ الْمَذْكُورِ قَالَ فَعَلَى هَذَا تَكُونُ رُؤْيَا الْمُؤْمِنِ مُخْتَلفَة أَعْلَاهَا سِتَّةٌ وَأَرْبَعُونَ وَأَدْنَاهَا سَبْعُونَ ثُمَّ ذَكَرَ الْمُنَاسَبَةَ الَّتِي ذَكَرَهَا الطَّبَرِيُّ وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي الْمُفْهِمِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ الْمَنَامَ الصَّادِقَ خَصْلَةٌ مِنْ خِصَالِ النُّبُوَّةِ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ التُّؤَدَةُ وَالِاقْتِصَادُ وَحُسْنُ السَّمْتِ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَعِشْرِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ أَيِ النُّبُوَّةُ مَجْمُوعُ خِصَالٍ مَبْلَغُ أَجْزَائِهَا ذَلِكَ وَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ جُزْءٌ مِنْهَا وَعَلَى مُقْتَضَى ذَلِكَ يَكُونُ كُلُّ جُزْءٍ مِنَ السِّتَّةِ وَالْعِشْرِينَ ثَلَاثَةَ أَشْيَاءَ فَإِذَا ضَرَبْنَا ثَلَاثَةً فِي سِتَّةٍ وَعِشْرِينَ انْتَهَتْ إِلَى ثَمَانِيَةٍ وَسَبْعِينَ فَيَصِحُّ لَنَا أَنَّ عَدَدَ خِصَالِ النُّبُوَّةِ مِنْ حَيْثُ آحَادُهَا ثَمَانِيَةٌ وَسَبْعُونَ قَالَ وَيَصِحُّ أَنْ يُسَمَّى كُلُّ اثْنَيْنِ مِنْهَا جُزْءًا فَيَكُونُ الْعَدَدُ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ تِسْعَةً وَثَلَاثِينَ وَيَصِحُّ أَنْ يُسَمَّى كُلُّ أَرْبَعَةٍ مِنْهَا جُزْءًا فَتَكُونُ تِسْعَةَ عَشَرَ جُزْءًا وَنِصْفَ جُزْءٍ فَيَكُونُ اخْتِلَافُ الرِّوَايَاتِ فِي الْعَدَدِ بِحَسَبِ اخْتِلَافِ اعْتِبَارِ الْأَجْزَاءِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ اضْطِرَابٌ قَالَ وَهَذَا أَشْبَهُ مَا وَقَعَ لِي فِي ذَلِكَ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَنْشَرِحْ بِهِ الصَّدْرُ وَلَا اطْمَأَنَّتْ إِلَيْهِ النَّفْسُ.

.

قُلْتُ وَتَمَامُهُ أَنْ يَقُولَ فِي الثَّمَانِيَةِ وَالسَّبْعِينَ بِالنِّسْبَةِ لِرِوَايَةِ السَّبْعِينَ أُلْغِيَ فِيهَا الْكَسْرُ وَفِي التِّسْعَةِ وَالثَّلَاثِينَ بِالنِّسْبَةِ لِرِوَايَةِ الْأَرْبَعِينَ جَبْرُ الْكَسْرِ وَلَا تَحْتَاجُ إِلَى الْعَدَدِ الْأَخِيرِ لِمَا فِيهِ مِنْ ذِكْرِ النِّصْفِ وَمَا عَدَا ذَلِكَ مِنَ الْأَعْدَادِ قَدْ أَشَارَ إِلَى أَنَّهُ يُعْتَبَرُ بِحَسَبِ مَا يُقَدَّرُ مِنَ الْخِصَالِ ثُمَّ قَالَ وَقَدْ ظَهَرَ لِي وَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ النُّبُوَّةَ مَعْنَاهَا أَنَّ اللَّهَ يُطْلِعُ مَنْ يَشَاءُ مِنْ خَلْقِهِ عَلَى مَا يَشَاءُ مِنْ أَحْكَامِهِ وَوَحْيِهِ إِمَّا بِالْمُكَالَمَةِ وَإِمَّا بِوَاسِطَةِ الْمَلَكِ وَإِمَّا بِإِلْقَاءٍ فِي الْقَلْبِ بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ لَكِنَّ هَذَا الْمَعْنَى الْمُسَمَّى بِالنُّبُوَّةِ لَا يَخُصُّ اللَّهُ بِهِ إِلَّا مَنْ خَصَّهُ بِصِفَاتِ كَمَالِ نَوْعِهِ مِنَ الْمَعَارِفِ وَالْعُلُومِ وَالْفَضَائِلِ وَالْآدَابِ مَعَ تَنَزُّهِهِ عَنِ النَّقَائِصِ أُطْلِقَ عَلَى تِلْكَ الْخِصَالِ نُبُوَّةٌ كَمَا فِي حَدِيثِ التُّؤَدَةُ وَالِاقْتِصَادُ أَيْ تِلْكَ الْخِصَالُ مِنْ خِصَالِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْأَنْبِيَاءُ مَعَ ذَلِكَ مُتَفَاضِلُونَ فِيهَا كَمَا قَالَ تَعَالَى وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بعض النَّبِيين على بعض وَمَعَ ذَلِكَ فَالصِّدْقُ أَعْظَمُ أَوْصَافِهِمْ يَقَظَةً وَمَنَامًا فَمَنْ تَأَسَّى بِهِمْ فِي الصِّدْقِ حَصَلَ مِنْ رُؤْيَاهُ عَلَى الصِّدْقِ ثُمَّ لَمَّا كَانُوا فِي مَقَامَاتِهِمْ مُتَفَاوِتِينَ كَانَ أَتْبَاعُهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ كَذَلِكَ وَكَانَ أَقَلُّ خِصَالِ الْأَنْبِيَاءِ مَا إِذَا اعْتُبِرَ كَانَ سِتَّةً وَعِشْرِينَ جُزْءًا وَأَكْثَرُهَا مَا يَبْلُغُ سَبْعِينَ وَبَيْنَ الْعَدَدَيْنِ مَرَاتِبُ مُخْتَلِفَةٌ بِحَسَبِ مَا اخْتَلَفَتْ أَلْفَاظُ الرِّوَايَاتِ وَعَلَى هَذَا فَمَنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ فِي صَلَاحِهِ وَصِدْقِهِ عَلَى رُتْبَةٍ تُنَاسِبُ حَالَ نَبِيٍّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ كَانَتْ رُؤْيَاهُ جُزْءًا مِنْ نُبُوَّةِ ذَلِكَ النَّبِيِّ وَلَمَّا كَانَتْ كَمَالَاتُهُمْ مُتَفَاوِتَةً كَانَتْ نِسْبَةُ أَجْزَاءِ مَنَامَاتِ الصَّادِقِينَ مُتَفَاوِتَةً عَلَى مَا فَصَّلْنَاهُ قَالَ وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ الِاضْطِرَابُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ وَذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ أَبِي جَمْرَةَ وَجْهًا آخَرَ مُلَخَّصُهُ أَنَّ النُّبُوَّةَ لَهَا وُجُوهٌ مِنَ الْفَوَائِدِ الدُّنْيَوِيَّةِ وَالْأُخْرَوِيَّةِ خُصُوصًا وَعُمُومًا مِنْهَا مَا يُعْلَمُ وَمِنْهَا مَا لَا يعلم وَلَيْسَ بَيْنَ النُّبُوَّةِ وَالرُّؤْيَا نِسْبَةٌ إِلَّا فِي كَوْنِهَا حَقًّا فَيَكُونُ مَقَامُ النُّبُوَّةِ بِالنِّسْبَةِ لِمَقَامِ الرُّؤْيَا بِحَسَبِ تِلْكَ الْأَعْدَادِ رَاجِعَةً إِلَى دَرَجَاتِ الْأَنْبِيَاءِ فَنِسْبَتُهَا مِنْ أَعْلَاهُمْ وَهُوَ مَنْ ضُمَّ لَهُ إِلَى النُّبُوَّةِ الرِّسَالَةُ أَكْثَرُ مَا وَرَدَ مِنَ الْعَدَدِ وَنِسْبَتُهَا إِلَى الْأَنْبِيَاءِ غَيْرِ الْمُرْسَلِينَ أَقَلُّ مَا وَرَدَ مِنَ الْعَدَدِ وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَمِنْ ثَمَّ أَطْلَقَ فِي الْخَبَرِ النُّبُوَّةَ وَلَمْ يُقَيِّدْهَا بِنُبُوَّةِ نَبِيٍّ بِعَيْنِهِ وَرَأَيْتُ فِي بَعْضِ الشُّرُوحِ أَنَّ مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ لِلْمَنَامِ شَبَهًا بِمَا حَصَلَ لِلنَّبِيِّ وَتَمَيَّزَ بِهِ عَنْ غَيْرِهِ بِجُزْءٍ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا فَهَذِهِ عِدَّةُ مُنَاسَبَاتٍ لَمْ أَرَ مَنْ جَمَعَهَا فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ فَلِلَّهِ الْحَمْدُ عَلَى مَا أَلْهَمَ وَعَلَّمَ وَلَمْ أَقِفْ فِي شَيْءٍ مِنَ الْأَخْبَارِ عَلَى كَوْنِ الْإِلْهَامِ جُزْءًا مِنْ أَجْزَاءِ النُّبُوَّةِ مَعَ أَنه من أَنْوَاع الْوَحْي إِلَّا أَن بن أَبِي جَمْرَةَ تَعَرَّضَ لِشَيْءٍ مِنْهُ كَمَا سَأَذْكُرُهُ فِي بَابِ مَنْ رَأَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنْ شَاءَ الله تَعَالَى

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  باب رُؤْيَا الصَّالِحِينَ
وَقَوْلِهِ تَعَالَى: { لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لاَ تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا} [الفتح: 27] .

( باب رؤيا الصالحين) والإضافة للفاعل وفي نسخة الصالحة وعليها يحتمل أن يكون الرؤيا بالتعريف ( وقوله) بالجر عطفًا على السابق ولأبي ذر وقول الله ( تعالى: { لقد صدق الله رسوله الرؤيا} ) أي صدقه في رؤياه ولم يكذبه تعالى الله عن الكذب وعن كل قبيح علوًّا كبيرًا وقال في فتوح الغيب هذا صدق بالفعل وهو التحقيق أي حقق رؤيته وحذف الجار وأوصل الفعل كقوله: { صدقوا ما عاهدوا الله عليه} [الأحزاب: 23] ( { بالحق} ) متلبسًا به فإن ما رآه كائن لا محالة في وقته المقدر له وهو العام القابل ويجوز أن يكون بالحق صفة مصدر محذوف أي صدقًا متلبسًا
بالحق وهو القصد إلى التمييز بين المؤمن المخلص وبين من في قلبه مرض وأن يكون قسمًا إما بالحق الذي هو نقيض الباطل أو بالحق الذي هو من أسمائه وجوابه ( { لتدخلن المسجد الحرام} ) وعلى الأول هو جواب قسم محذوف ( { إن شاء الله} ) حكاية من الله تعالى قول رسوله لأصحابه وقصه عليهم أو تعليم لعباده أن يقولوا في غداتهم مثل ذلك متأدّبين بأدب الله ومقتدين بسنته ( { آمنين} ) حال والشرط معترض ( { محلقين} ) حال من الضمير في آمنين ( { رؤوسكم} ) أي جميع شعورها ( { ومقصرين} ) بعض شعورها ( { لا تخافون} ) حال مؤكدة ( { فعلم ما لم تعلموا} ) من الحكمة في تأخير فتح مكة إلى العام القابل ( { فجعل من دون ذلك} ) من دون فتح مكة ( { فتحًا قريبًا} ) [الفتح: 27] وهو فتح خيبر لتستروح إليه قلوب المؤمنين إلى أن يتيسر الفتح الموعود وتحققت الرؤيا في العام القابل.
وقد روي أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أري وهو بالحديبية أنه دخل مكة هو وأصحابه محلقين فلما نحر الهدي بالحديبية قال أصحابه: أين رؤياك: فنزلت رواه الفريابي وعبد بن حميد والطبري من طريق ابن أبي نجيح، وسقط لأبي ذر في روايته ( { محلقين} ) إلى آخرها وقال بعد قوله: { آمنين} إلى قوله: { فتحًا قريبًا} .


[ قــ :6618 ... غــ : 6983 ]
- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِى طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «الرُّؤْيَا الْحَسَنَةُ مِنَ الرَّجُلِ الصَّالِحِ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ» [الحديث 6983 - طرفه في: 6994] .

وبه قال: ( حدّثنا عبد الله بن مسلمة) بن قعنب القعنبي ( عن مالك) الإمام الأعظم ( عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة) الأنصاري المدني ( عن أنس بن مالك) -رضي الله عنه- ( أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال) :
( الرؤيا الحسنة) أي الصالحة ( من الرجل الصالح) وكذا المرأة الصالحة غالبًا ( جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوّة) مجازًا لا حقيقة لأن النبوّة انقطعت بموته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وجزء النبوّةِ لا يكون نبوة كما أن جزء الصلاة لا يكون صلاة.
نعم إن وقعت من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فهي جزء من أجزاء النبوّة حقيقة.
وقيل: إن وقعت من غيره عليه السلام فهي جزء من علم النبوّة لأن النبوّة وإن انقطعت فعلمها باق، وقول مالك -رحمه الله- لما سئل أيعبر الرؤيا كل أحد فقال أبالنبوة تلعب، ثم قال: الرؤيا جزء من النبوّة فلا يلعب بالنبوة أجيب عنه: بأنه لم يرد أنها نبوة باقية وإنما أراد أنها لما أشبهت النبوّة من جهة الإطلاع على بعض الغيب لا ينبغي أن يتكلم فيها بغير علم.

وأما وجه كونها ستة وأربعين جزءًا فأبدى بعضهم له مناسبة وذلك أن الله أوحى إلى نبيه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في المنام ستة أشهر ثم أوحى إليه بعد ذلك في اليقظة بقية مدة حياته، ونسبتها إلى الوحي في المنام جزء من ستة وأربعين جزءًا لأنه عاش بعد النبوة ثلاثًا وعشرين سنة على الصحيح، فالستة الأشهر نصف سنة فهي جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة، وتعقبه الخطابي بأنه قاله على سبيل
الظن إذ إنه لم يثبت في ذلك خبر ولا أثر، ولئن سلمنا أن هذه المدة محسوبة من أجزاء النبوة لكنه يلحق بها سائر الأوقات التي كان يوحى إليه فيها منامًا في طول المدة كما ثبت كالرؤيا في أحد ودخول مكة وحينئذ فيتلفق من ذلك مدة أخرى تزاد في الحساب فتبطل القسمة التي ذكرها.
وأجيب: بأن المراد وحي المنام المتتابع كما وقع في غضون وحي اليقظة فهو يسير بالنسبة إلى وحي اليقظة فهو مغمور في جانب وحي اليقظة فلم يعتبر به اهـ.

وأما حصر العدد في السنّة والأربعين فقال المازري هو مما أطلع الله عليه نبيه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقال ابن العربي: أجزاء النبوة لا يعلم حقيقتها إلا نبي أو ملك وإنما القدر الذي أراد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يبينه أن الرؤيا جزء من أجزاء النبوة في الجملة لأن فيها إطلاعًا على الغيب من وجه ما وأما تفصيل النسبة فيختص بمعرفته درجة النبوة.
وقال المازري أيضًا: لا يلزم العالم أن يعرف كل شيء جملة وتفصيلاً فقد جعل الله حدًّا يقف عنده فيه ما يعلم المراد به جملة وتفصيلاً، ومنه ما يعلمه جملة لا تفصيلاً وهذا من هذا القبيل.
وفي مسلم من حديث أبي هريرة جزء من خمسة وأربعين، وله أيضًا عن ابن عمر جزء من سبعين جزءًا، وللطبراني عنه جزء من ستة وسبعين وسنده ضعيف، وعند ابن عبد البر من طريق عبد العزيز بن المختار عن ثابت عن أنس مرفوعًا: جزء من ستة وعشرين، وعند الطبري في تهذيب الآثار عن ابن عباس جزء من خمسين، وللترمذي من طريق أبي رزين العقيلي جزء من أربعين، وللطبري من حديث عبادة جزء من أربعة وأربعين والمشهور ستة وأربعين.

قال في الفتح ويمكن الجواب عن اختلاف الأعداد أنه بحسب الوقت الذي حدث فيه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بذلك كأن يكون لما أكمل ثلاث عشرة سنة بعد مجيء الوحي إليه حدث بأن الرؤيا جزء من ستة وعشرين إن ثبت الخبر بذلك وذلك وقت الهجرة ولما أكمل عشرين حدث بأربعين ولما أكمل اثنتين وعشرين حدث بأربعة وأربعين ثم بعدها بخمسة وأربعين ثم حدث بستة وأربعين في آخر حياته، وأما ما عدا ذلك من الروايات بعد الأربعين فضعيف ورواية الخمسين تحتمل أن تكون لجبر الكسر ورواية السبعين للمبالغة وما عدا ذلك لم يثبت اهـ.

وقلما يصيب مؤوّل في حصر هذه الأجزاء، ولئن وقع له الإصابة في بعضها لما تشهد له الأحاديث المستخرج منها لم يسلم له ذلك في بقيتها والتقييد بالصالح جرى على الغالب فقد يرى الصالح الأضعاث، ولكنه نادر لقلة تمكن الشيطان منه بخلاف العكس وحينئذ فالناس على ثلاثة أقسام: الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم ورؤياهم كلها صدق وقد يكون فيها ما يحتاج إلى تعبير، والصالحون والأغلب على رؤياهم الصدق وقد يقع فيها ما لا يحتاج إلى تعبير ومن عداهم يكون في رؤياهم الصدق، والأضعاث وهم على ثلاثة مستورون فالغالب استواء الحال في حقهم وفسقة والغالب على رؤياهم الأضغاث ويقل فيها الصدق وكفار ويندر في رؤياهم الصدق جدًّا قاله المهلب فيما ذكره في الفتح.

فإن قلت: لم عبّر بلفظ النبوة دون لفظ الرسالة؟ أجيب: بأن السر فيه أن الرسالة تزيد على النبوة بالتبليغ بخلاف النبوة المجردة فإنها إطلاع على بعض المغيبات وكذلك الرؤيا.

والحديث أخرجه النسائي وابن ماجة في التعبير.

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  ( بابُُ رُؤيا الصَّالِحِينَ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان عَامَّة رُؤْيا الصَّالِحين، وَهِي الَّتِي يُرْجَى صدقهَا، لِأَنَّهُ قد يجوز على الصَّالِحين الأضغاث فِي رؤياهم لَكِن الْأَغْلَب عَلَيْهِم الصدْق وَالْخَيْر وَقلة تحكم الشَّيْطَان عَلَيْهِم فِي النّوم أَيْضا لما جعل الله عَلَيْهِم من الصّلاح، وَبَقِي سَائِر النَّاس غير الصَّالِحين تَحت تحكم الشَّيْطَان عَلَيْهِم فِي النّوم مثل تحكمه عَلَيْهِم فِي الْيَقَظَة فِي أغلب أُمُورهم، وَإِن كَانَ قد يجوز مِنْهُم الصدْق فِي الْيَقَظَة فَكَذَلِك يكون فِي رؤياهم صدق أَيْضا.

وقَوْلِهِ تَعَالَى: { لَّقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَآءَ اللَّهُءَامِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لاَ تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُواْ فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَلِكَ فَتْحاً قَرِيباً}
وَقَوله، بِالْجَرِّ عطف على الصَّالِحين، وَالتَّقْدِير: وَفِي بَيَان قَوْله، عز وَجل: { لقد صدق الله} لآيَة وسيقت هَذِه الْآيَة كلهَا فِي رِوَايَة كَرِيمَة.
وَأخرج عبد بن حميد والطبري من طَرِيق ابْن أبي نجيح عَن مُجَاهِد فِي تَفْسِير هَذِه الْآيَة قَالَ: أرِي النَّبِي وَهُوَ بِالْحُدَيْبِية أَنه دخل مَكَّة هُوَ وَأَصْحَابه مُحَلِّقِينَ، فَلَمَّا نحر الْهَدْي بِالْحُدَيْبِية قَالَ أَصْحَابه: أَيْن رُؤْيَاك؟ فَنزلت.
وَقَوله: { فَجعل من دون ذَلِك فتحا قَرِيبا} قَالَ: النَّحْر بِالْحُدَيْبِية، فَرَجَعُوا ففتحوا خَيْبَر، وَالْمرَاد بِالْفَتْح فتح خَيْبَر، قَالَ: ثمَّ اعْتَمر بعد ذَلِك فَكَانَ تَصْدِيق رُؤْيَاهُ فِي السّنة الْقَابِلَة، وَكَانَت الْحُدَيْبِيَة سنة سِتّ، وَفِي قَوْله: إِن شَاءَ الله أَقْوَال.
فَقيل: هَل هُوَ مِمَّا خُوطِبَ الْعباد أَن يقولوه مثل: الْآيَة وَالِاسْتِثْنَاء لمن مَاتَ مِنْهُم قبل ذَلِك أَو قتل، أَو هُوَ حِكَايَة لما قيل لرَسُول الله فِي مَنَامه.



[ قــ :6618 ... غــ :6983 ]
- حدّثنا عَبْدُ الله بنُ مَسْلَمَة، عنْ مالِكٍ، عنْ إسْحاقَ بنِ عَبْدِ الله بنِ أبي طَلْحَةَ، عنْ أنَسِ بنِ مالِكٍ أنَّ رسولَ الله قَالَ: الرُّؤْيا الحَسَنَةُ مِنَ الرَّجُلِ الصَّالِحِ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وأرْبَعِينَ جُزْءاً مِنَ النُبُوَّةِ
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
والْحَدِيث أخرجه النَّسَائِيّ فِي تَعْبِير الرُّؤْيَا عَن قُتَيْبَة وَغَيره.
وَأخرجه ابْن مَاجَه فِيهِ عَن هِشَام بن عمار.

قَوْله: الْحَسَنَة هِيَ إِمَّا بِاعْتِبَار حسن ظَاهرهَا أَو حسن تَأْوِيلهَا، وقسموا الرُّؤْيَا إِلَى الْحَسَنَة ظَاهرا وَبَاطنا كالتكلم مَعَ الْأَنْبِيَاء، عَلَيْهِم السَّلَام، أَو ظَاهرا لَا بَاطِنا كسماع الملاهي، وَإِلَى رَدِيئَة ظَاهرا وَبَاطنا كلدغ الْحَيَّة، أَو ظَاهرا لَا بَاطِنا كذبح الْوَلَد.
قَوْله: من الرجل ذكر للْغَالِب فَلَا مَفْهُوم لَهُ فَإِن الْمَرْأَة الصَّالِحَة كَذَلِك، قَالَه ابْن عبد الْبر.
قَوْله: جُزْء من سِتَّة وَأَرْبَعين جُزْءا من النُّبُوَّة قَالَ الْكرْمَانِي: قَوْله: من النُّبُوَّة أَي: فِي حق الْأَنْبِيَاء دون غَيرهم وَكَانَ الْأَنْبِيَاء يُوحى إِلَيْهِم فِي منامهم كَمَا يُوحى إِلَيْهِم فِي الْيَقَظَة، وَقيل: مَعْنَاهُ أَن الرُّؤْيَا تَأتي على مُوَافقَة النُّبُوَّة لَا أَنَّهَا جُزْء باقٍ من النُّبُوَّة..
     وَقَالَ  الزّجاج: تَأْوِيل قَوْله: جُزْء من سِتَّة وَأَرْبَعين جُزْءا من النُّبُوَّة أَن الْأَنْبِيَاء، عَلَيْهِم السَّلَام، يخبرون بِمَا سَيكون والرؤيا تدل على مَا يكون..
     وَقَالَ  الْخطابِيّ نَاقِلا عَن بَعضهم مَا ملخصه: إِن أول مَا بدىء بِهِ الْوَحْي إِلَى أَن توفّي ثَلَاث وَعِشْرُونَ سنة أَقَامَ بِمَكَّة ثَلَاث عشرَة سنة وبالمدينة عشرا وَكَانَ يُوحى إِلَيْهِ فِي مَنَامه فِي أول الْأَمر بِمَكَّة سِتَّة أشهر وَهِي نصف سنة فَصَارَت، هَذِه الْمدَّة جُزْءا من سِتَّة وَأَرْبَعين جُزْءا من النُّبُوَّة بنسبتها من الْوَحْي فِي الْمَنَام، ثمَّ اعْلَم أَن قَوْله: جُزْء من سِتَّة وَأَرْبَعين جُزْءا هُوَ الَّذِي وَقع فِي أَكثر الْأَحَادِيث، وَفِي رِوَايَة لمُسلم من حَدِيث أبي هُرَيْرَة: جُزْء من خَمْسَة وَأَرْبَعين، وَفِي رِوَايَة لَهُ من حَدِيث ابْن عمر جُزْء من سبعين جُزْءا، وَكَذَا أخرجه ابْن أبي شيبَة عَن ابْن مَسْعُود مَوْقُوفا.
وَأخرجه الطَّبَرَانِيّ عَنهُ من وَجه آخر مَرْفُوعا.
وللطبراني من وَجه آخر عَنهُ: من سِتَّة وَسبعين.
وَسَنَده ضَعِيف.
وَأخرجه ابْن عبد الْبر من طَرِيق عبد الْعَزِيز بن الْمُخْتَار عَن ثَابت عَن أنس مَرْفُوعا: جُزْء من سِتَّة وَعشْرين، وَأخرج أَحْمد وَأَبُو يعلى حَدِيثا فِي هَذَا الْبابُُ، وَفِيه: قَالَ ابْن عَبَّاس: إِنِّي سَمِعت الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب يَقُول: سَمِعت رَسُول الله يَقُول: الرُّؤْيَا الصَّالِحَة من الْمُؤمن جُزْء من خمسين جُزْءا من النُّبُوَّة.
وَأخرجه التِّرْمِذِيّ والطبري من حَدِيث أبي ذَر بن الْعقيلِيّ: جُزْء من أَرْبَعِينَ.
وَأخرجه الطَّبَرِيّ من وَجه آخر عَن ابْن عَبَّاس: أَرْبَعِينَ.
وَأخرج الطَّبَرِيّ أَيْضا من حَدِيث عبَادَة: جُزْء من أَرْبَعَة وَأَرْبَعين.
وَأخرج أَيْضا أَحْمد من حَدِيث عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ: جُزْء من تِسْعَة وَأَرْبَعين.
وَذكر الْقُرْطُبِيّ فِي الْمُفْهم بِلَفْظ: سَبْعَة، بِتَقْدِيم السِّين فحصلت من هَذِه عشرَة أوجه.
وَوَقع فِي شرح النَّوَوِيّ وَفِي رِوَايَة عبَادَة: أَرْبَعَة وَعِشْرُونَ، وَفِي رِوَايَة ابْن عمر: سِتَّة وَعِشْرُونَ، وَقيل: جَاءَ فِيهِ اثْنَان وَسَبْعُونَ، وَاثْنَانِ وَأَرْبَعُونَ، وَسَبْعَة وَعِشْرُونَ، وَخَمْسَة وَعِشْرُونَ فعلى هَذَا يَنْتَهِي الْعدَد إِلَى سِتَّة عشر وَجها.
وَأجَاب من تكلم فِي بَيَان وَجه الِاخْتِلَاف الْأَعْدَاد بِأَنَّهُ وَقع بِحَسب الْوَقْت الَّذِي حدث فِيهِ النَّبِي بذلك كَأَن يكون لما أكمل ثَلَاث عشرَة سنة بعد مَجِيء الْوَحْي إِلَيْهِ حدث بِأَن الرُّؤْيَا جُزْء من سِتَّة وَعشْرين إِن ثَبت الْخَبَر بذلك، وَذَلِكَ وَقت الْهِجْرَة، وَلما أكمل عشْرين حدث بِأَرْبَعِينَ وَلما أكمل اثْنَيْنِ وَعشْرين حدث بأَرْبعَة وَأَرْبَعين، ثمَّ بعْدهَا بِخَمْسَة وَأَرْبَعين، ثمَّ حدث بِسِتَّة وَأَرْبَعين فِي آخر حَيَاته.
وَأما مَا عدا ذَلِك من الرِّوَايَات بعد الْأَرْبَعين فضعيف، وَرِوَايَة الْخمسين يحْتَمل أَن تكون لجبر الْكسر، وَرِوَايَة السّبْعين للْمُبَالَغَة وَمَا عدا ذَلِك لم يثبت.
وَالله أعلم.