هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
6628 حَدَّثَنَا عَبْدَانُ ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ ، عَنْ يُونُسَ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ ، قَالَ : سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : مَنْ رَآنِي فِي المَنَامِ فَسَيَرَانِي فِي اليَقَظَةِ ، وَلاَ يَتَمَثَّلُ الشَّيْطَانُ بِي قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ : قَالَ ابْنُ سِيرِينَ : إِذَا رَآهُ فِي صُورَتِهِ
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
6628 حدثنا عبدان ، أخبرنا عبد الله ، عن يونس ، عن الزهري ، حدثني أبو سلمة ، أن أبا هريرة ، قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : من رآني في المنام فسيراني في اليقظة ، ولا يتمثل الشيطان بي قال أبو عبد الله : قال ابن سيرين : إذا رآه في صورته
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير، 

Narrated Abu Huraira:

I heard the Prophet (ﷺ) saying, Whoever sees me in a dream will see me in his wakefulness, and Satan cannot imitate me in shape. Abu `Abdullah said, Ibn Seereen said, 'Only if he sees the Prophet (ﷺ) in his (real) shape.'

":"ہم سے عبدان نے بیان کیا ‘ کہا ہم کو عبداللہ نے خبر دی ‘ انہیں یونس نے ‘ انہیں زہری نے ‘ کہا مجھ سے ابوسلمہ نے اور ان سے حضرت ابوہریرہ رضی اللہ عنہ نے بیان کیا کہمیں نے نبی کریم صلی اللہ علیہ وسلم سے سنا ‘ آپ نے فرمایا کہ جس نے مجھے خواب میں دیکھا تو کسی دن مجھے بیداری میں بھی دیکھے گا اور شیطان میری صورت میں نہیں آ سکتا ۔ ابوعبداللہ ( حضرت امام بخاری رحمہ اللہ ) نے کہا کہ ابن سیرین نے بیان کیا کہ جب آنحضرت صلی اللہ علیہ وسلم کو کوئی شخص آپ کی صورت میں دیکھے ۔

شرح الحديث من فتح الباري لابن حجر

: : هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،    ( قَوْله بَاب مَنْ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَنَامِ)
ذَكَرَ فِيهِ خَمْسَةَ أَحَادِيثَ الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ

[ قــ :6628 ... غــ :6993] .

     قَوْلُهُ  عَبْدُ اللَّهِ هُوَ بن الْمُبَارك وَيُونُس هُوَ بن يَزِيدَ .

     قَوْلُهُ  إِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ فِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنْ طَرِيقِ الزُّبَيْدِيِّ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ .

     قَوْلُهُ  مَنْ رَآنِي فِي الْمَنَامِ فَسَيَرَانِي فِي الْيَقَظَةِ زَادَ مُسْلِمٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ أَوْ فَكَأَنَّمَا رَآنِي فِي الْيَقَظَةِ هَكَذَا بِالشَّكِّ وَوَقَعَ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ فِي الطَّرِيقِ الْمَذْكُورَةِ فَقَدْ رَآنِي فِي الْيَقَظَةِ بَدَلَ قَوْلِهِ فَسَيَرَانِي وَمِثْلُهُ فِي حَدِيثِ بن مَسْعُود عِنْد بن مَاجَهْ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَبُو عَوَانَةَ وَوَقَعَ عِنْدَ بن مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ أَبِي جُحَيْفَةَ فَكَأَنَّمَا رَآنِي فِي الْيَقَظَةِ فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ أَلْفَاظٍ فَسَيَرَانِي فِي الْيَقَظَةِ فَكَأَنَّمَا رَآنِي فِي الْيَقَظَةِ فَقَدْ رَآنِي فِي الْيَقَظَةِ وَجُلُّ أَحَادِيثِ الْبَابِ كَالثَّالِثَةِ إِلَّا قَوْلَهُ فِي الْيَقَظَةِ .

     قَوْلُهُ  قَالَ أَبُو عَبْدِ الله قَالَ بن سِيرِينَ إِذَا رَآهُ فِي صُورَتِهِ سَقَطَ هَذَا التَّعْلِيقُ لِلنَّسَفِيِّ وَلِأَبِي ذَرٍّ وَثَبَتَ عِنْدَ غَيْرِهِمَا وَقَدْ رُوِّينَاهُ مَوْصُولًا مِنْ طَرِيقِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ الْقَاضِي عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ حَرْبٍ وَهُوَ مِنْ شُيُوخِ الْبُخَارِيِّ عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ قَالَ كَانَ مُحَمَّد يَعْنِي بن سِيرِينَ إِذَا قَصَّ عَلَيْهِ رَجُلٌ أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ صِفْ لِيَ الَّذِي رَأَيْتَهُ فَإِنْ وَصَفَ لَهُ صِفَةً لَا يَعْرِفُهَا قَالَ لَمْ تَرَهُ وَسَنَدُهُ صَحِيحٌ وَوَجَدْتُ لَهُ مَا يُؤَيِّدُهُ فَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ.

قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَنَامِ قَالَ صِفْهُ لِي قَالَ ذَكَرْتُ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ فَشَبَّهْتُهُ بِهِ قَالَ قَدْ رَأَيْتُهُ وَسَنَدُهُ جَيِّدٌ وَيُعَارِضُهُ مَا أخرجه بن أَبِي عَاصِمٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ رَآنِي فِي الْمَنَامِ فَقَدْ رَآنِي فَإِنِّي أُرَى فِي كُلِّ صُورَةٍ وَفِي سَنَدِهِ صَالِحٌ مَوْلَى التَّوْأَمَةِ وَهُوَ ضَعِيفٌ لِاخْتِلَاطِهِ وَهُوَ مِنْ رِوَايَةِ مَنْ سَمِعَ مِنْهُ بَعْدَ الِاخْتِلَاطِ وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بِمَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ رُؤْيَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِصِفَتِهِ الْمَعْلُومَةِ إِدْرَاكٌ عَلَى الْحَقِيقَةِ وَرُؤْيَتُهُ عَلَى غَيْرِ صِفَتِهِ إِدْرَاكٌ لِلْمِثَالِ فَإِنَّ الصَّوَابَ أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَا تُغَيِّرُهُمُ الْأَرْضُ وَيَكُونُ إِدْرَاكُ الذَّاتِ الْكَرِيمَةِ حَقِيقَةً وَإِدْرَاكُ الصِّفَاتِ إِدْرَاكَ الْمَثَلِ قَالَ وَشَذَّ بَعْضُ الْقَدَرِيَّةِ فَقَالَ الرُّؤْيَا لَا حَقِيقَةَ لَهَا أَصْلًا وَشَذَّ بَعْضُ الصَّالِحِينَ فَزَعَمَ أَنَّهَا تَقَعُ بِعَيْنَيِ الرَّأْسِ حَقِيقَةً.

     وَقَالَ  بَعْضُ الْمُتَكَلِّمِينَ هِيَ مُدْرَكَةٌ بِعَيْنَيْنِ فِي الْقَلْبِ قَالَ وَقَولُهُ فَسَيَرَانِي مَعْنَاهُ فَسَيَرَى تَفْسِيرَ مَا رَأَى لِأَنَّهُ حَقٌّ وَغَيْبٌ أُلْقِيَ فِيهِ وَقِيلَ مَعْنَاهُ فَسَيَرَانِي فِي الْقِيَامَةِ وَلَا فَائِدَةَ فِي هَذَا التَّخْصِيصِ.
وَأَمَّا .

     قَوْلُهُ  فَكَأَنَّمَا رَآنِي فَهُوَ تَشْبِيهٌ وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ لَوْ رَآهُ فِي الْيَقَظَةِ لَطَابَقَ مَا رَآهُ فِي الْمَنَامِ فَيَكُونُ الْأَوَّلُ حَقًّا وَحَقِيقَةً وَالثَّانِي حَقًّا وَتَمْثِيلًا قَالَ وَهَذَا كُلُّهُ إِذَا رَآهُ عَلَى صُورَتِهِ الْمَعْرُوفَةِ فَإِنْ رَآهُ عَلَى خِلَافِ صِفَتِهِ فَهِيَ أَمْثَالٌ فَإِنْ رَآهُ مُقْبِلًا عَلَيْهِ مَثَلًا فَهُوَ خَيْرٌ لِلرَّائِي وَفِيهِ وَعَلَى الْعَكْسِ فَبِالْعَكْسِ.

     وَقَالَ  النَّوَوِيُّ قَالَ عِيَاضٌ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ فَقَدْ رَآنِي أَوْ فَقَدْ رَأَى الْحَقَّ أَنَّ مَنْ رَآهُ عَلَى صُورَتِهِ فِي حَيَاتِهِ كَانَتْ رُؤْيَاهُ حَقًّا وَمَنْ رَآهُ عَلَى غَيْرِ صُورَتِهِ كَانَتْ رُؤْيَا تَأْوِيلٍ.
وَتَعَقَّبَهُ فَقَالَ هَذَا ضَعِيفٌ بل الصَّحِيح أَنه يرَاهُ حَقِيقَة سَوَاء كَانَت عَلَى صِفَتِهِ الْمَعْرُوفَةِ أَوْ غَيْرِهَا انْتَهَى وَلَمْ يَظْهَرْ لِي مِنْ كَلَامِ الْقَاضِي مَا يُنَافِي ذَلِكَ بَلْ ظَاهِرُ قَوْلِهِ أَنَّهُ يَرَاهُ حَقِيقَةً فِي الْحَالَيْنِ لَكِنْ فِي الْأُولَى تَكُونُ الرُّؤْيَا مِمَّا لَا يَحْتَاجُ إِلَى تَعْبِيرٍ وَالثَّانِيَةُ مِمَّا يَحْتَاجُ إِلَى التَّعْبِيرِ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ اخْتُلِفَ فِي مَعْنَى الْحَدِيثِ فَقَالَ قَوْمٌ هُوَ عَلَى ظَاهِرِهِ فَمَنْ رَآهُ فِي النَّوْمِ رَأَى حَقِيقَتَهُ كَمَنْ رَآهُ فِي الْيَقَظَةِ سَوَاءً قَالَ وَهَذَا قَوْلٌ يُدْرَكُ فَسَادُهُ بِأَوَائِلِ الْعُقُولِ وَيَلْزَمُ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَرَاهُ أَحَدٌ إِلَّا عَلَى صُورَتِهِ الَّتِي مَاتَ عَلَيْهَا وَأَنْ لَا يَرَاهُ رَائِيَانِ فِي آنٍ وَاحِدٍ فِي مَكَانَيْنِ وَأَنْ يَحْيَا الْآنَ وَيَخْرُجَ مِنْ قَبْرِهِ وَيَمْشِيَ فِي الْأَسْوَاقِ وَيُخَاطِبَ النَّاسَ وَيُخَاطِبُوهُ وَيَلْزَمَ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَخْلُوَ قَبْرُهُ مِنْ جَسَدِهِ فَلَا يَبْقَى مِنْ قَبْرِهِ فِيهِ شَيْءٌ فَيُزَارَ مُجَرَّدَ الْقَبْرِ وَيُسَلَّمَ عَلَى غَائِبٍ لِأَنَّهُ جَائِزٌ أَنْ يُرَى فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مَعَ اتِّصَالِ الْأَوْقَاتِ عَلَى حَقِيقَتِهِ فِي غَيْرِ قَبْرِهِ وَهَذِهِ جَهَالَاتٌ لَا يَلْتَزِمُ بِهَا مَنْ لَهُ أَدْنَى مُسْكَةٍ مِنْ عَقْلٍ .

     وَقَالَتْ  طَائِفَةٌ مَعْنَاهُ أَنَّ مَنْ رَآهُ رَآهُ عَلَى صُورَتِهِ الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا وَيَلْزَمُ مِنْهُ أَنَّ مَنْ رَآهُ عَلَى غَيْرِ صِفَتِهِ أَنْ تَكُونَ رُؤْيَاهُ مِنَ الْأَضْغَاثِ وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّهُ يُرَى فِي النَّوْمِ عَلَى حَالَةٍ تُخَالِفُ حَالَتَهُ فِي الدُّنْيَا مِنَ الْأَحْوَالِ اللَّائِقَةِ بِهِ وَتَقَعُ تِلْكَ الرُّؤْيَا حَقًا كَمَا لَو رؤى مَلَأَ دَارًا بِجِسْمِهِ مَثَلًا فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى امْتِلَاءِ تِلْكَ الدَّارِ بِالْخَيْرِ وَلَوْ تَمَكَّنَ الشَّيْطَانُ مِنَ التَّمْثِيلِ بِشَيْءٍ مِمَّا كَانَ عَلَيْهِ أَوْ يُنْسَبُ إِلَيْهِ لَعَارَضَ عُمُومَ قَوْلِهِ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَتَمَثَّلُ بِي فَالْأَوْلَى أَنْ تُنَزَّهَ رُؤْيَاهُ وَكَذَا رُؤْيَا شَيْءٍ مِنْهُ أَوْ مِمَّا يُنْسَبُ إِلَيْهِ عَنْ ذَلِكَ فَهُوَ أَبْلَغُ فِي الْحُرْمَةِ وَأَلْيَقُ بِالْعِصْمَةِ كَمَا عُصِمَ مِنَ الشَّيْطَانِ فِي يَقَظَتِهِ قَالَ وَالصَّحِيحُ فِي تَأْوِيلِ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ مَقْصُودَهُ أَنَّ رُؤْيَتَهُ فِي كُلِّ حَالَةٍ لَيْسَتْ بَاطِلَةً وَلَا أَضْغَاثًا بَلْ هِيَ حَقٌّ فِي نَفسهَا وَلَو رُؤِيَ عَلَى غَيْرِ صُورَتِهِ فَتَصَوُّرُ تِلْكَ الصُّورَةِ لَيْسَ مِنَ الشَّيْطَانِ بَلْ هُوَ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ.

     وَقَالَ  وَهَذَا قَوْلُ الْقَاضِي أَبِي بَكْرِ بْنِ الطَّيِّبِ وَغَيْرِهِ وَيُؤَيِّدُهُ .

     قَوْلُهُ  فَقَدْ رَأَى الْحَقَّ أَيْ رَأَى الْحَقَّ الَّذِي قَصَدَ إِعْلَامَ الرَّائِي بِهِ فَإِنْ كَانَتْ عَلَى ظَاهِرِهَا وَإِلَّا سَعَى فِي تَأْوِيلِهَا وَلَا يُهْمِلُ أَمْرَهَا لِأَنَّهَا إِمَّا بُشْرَى بِخَيْرٍ أَوْ إِنْذَارٌ مِنْ شَرٍّ إِمَّا لِيُخِيفَ الرَّائِيَ وَإِمَّا لِيَنْزَجِرَ عَنْهُ وَإِمَّا لِيُنَبِّهَ عَلَى حُكْمٍ يَقَعُ لَهُ فِي دِينِهِ أَو دُنْيَاهُ.

     وَقَالَ  بن بَطَّالٍ .

     قَوْلُهُ  فَسَيَرَانِي فِي الْيَقَظَةِ يُرِيدُ تَصْدِيقَ تِلْكَ الرؤياه فِي الْيَقَظَةِ وَصِحَّتِهَا وَخُرُوجِهَا عَلَى الْحَقِّ وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ يَرَاهُ فِي الْآخِرَةِ لِأَنَّهُ سَيَرَاهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي الْيَقَظَةِ فَتَرَاهُ جَمِيعُ أُمَّتِهِ مَنْ رَآهُ فِي النَّوْمِ وَمَنْ لَمْ يَرَهُ مِنْهُم.

     وَقَالَ  بن التِّينِ الْمُرَادُ مَنْ آمَنَ بِهِ فِي حَيَاتِهِ وَلَمْ يَرَهُ لِكَوْنِهِ حِينَئِذٍ غَائِبًا عَنْهُ فَيَكُونُ بِهَذَا مُبَشِّرًا لِكُلِّ مَنْ آمَنَ بِهِ وَلَمْ يَرَهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَرَاهُ فِي الْيَقَظَةِ قَبْلَ مَوْتِهِ قَالَهُ الْقَزَّازُ.

     وَقَالَ  الْمَازِرِيُّ إِنْ كَانَ الْمَحْفُوظُ فَكَأَنَّمَا رَآنِي فِي الْيَقَظَةِ فَمَعْنَاهُ ظَاهِرٌ وَإِنْ كَانَ الْمَحْفُوظُ فَسَيَرَانِي فِي الْيَقَظَةِ احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ أَهْلَ عَصْرِهِ مِمَّنْ يُهَاجِرُ إِلَيْهِ فَإِنَّهُ إِذَا رَآهُ فِي الْمَنَام جعل ذَلِك عَلَامَةً عَلَى أَنَّهُ يَرَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْيَقَظَةِ وَأَوْحَى اللَّهُ بِذَلِكَ إِلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

     وَقَالَ  الْقَاضِي وَقِيلَ مَعْنَاهُ سَيَرَى تَأْوِيلَ تِلْكَ الرُّؤْيَا فِي الْيَقَظَةِ وَصِحَّتَهَا وَقِيلَ مَعْنَى الرُّؤْيَا فِي الْيَقَظَةِ أَنَّهُ سَيَرَاهُ فِي الْآخِرَةِ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ فِي الْآخِرَةِ يَرَاهُ جَمِيعُ أُمَّتِهِ مَنْ رَآهُ فِي الْمَنَامِ وَمَنْ لَمْ يَرَهُ يَعْنِي فَلَا يَبْقَى لِخُصُوصِ رُؤْيَتِهِ فِي الْمَنَامِ مَزِيَّةٌ وَأَجَابَ الْقَاضِي عِيَاضٌ بِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ رُؤْيَاهُ لَهُ فِي النَّوْمِ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي عُرِفَ بِهَا وَوُصِفَ عَلَيْهَا مُوجِبَةً لِتَكْرِمَتِهِ فِي الْآخِرَةِ وَأَنْ يَرَاهُ رُؤْيَةً خَاصَّةً مِنَ الْقُرْبِ مِنْهُ وَالشَّفَاعَةِ لَهُ بِعُلُوِّ الدَّرَجَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنَ الْخُصُوصِيَّاتِ قَالَ وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُعَاقِبَ اللَّهُ بَعْضَ الْمُذْنِبِينَ فِي الْقِيَامَةِ بِمَنْعِ رُؤْيَةِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُدَّةً وَحمله بن أَبِي جَمْرَةَ عَلَى مَحْمَلٍ آخَرَ فَذَكَرَ عَنِ بن عَبَّاسٍ أَوْ غَيْرِهِ أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّوْمِ فَبَقِيَ بَعْدَ أَنِ اسْتَيْقَظَ مُتَفَكِّرًا فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَدَخَلَ عَلَى بَعْضِ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ وَلَعَلَّهَا خَالَتُهُ مَيْمُونَةُ فَأَخْرَجَتْ لَهُ الْمِرْآةَ الَّتِي كَانَتْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَظَرَ فِيهَا فَرَأَى صُورَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَرَ صُورَةَ نَفْسِهِ وَنُقِلَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّالِحِينَ أَنَّهُمْ رَأَوُا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَنَامِ ثُمَّ رَأَوْهُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْيَقَظَةِ وَسَأَلُوهُ عَنْ أَشْيَاءَ كَانُوا مِنْهَا مُتَخَوِّفِينَ فَأَرْشَدَهُمْ إِلَى طَرِيقِ تَفْرِيجِهَا فَجَاءَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ.

قُلْتُ وَهَذَا مُشْكِلٌ جِدًّا وَلَوْ حُمِلَ عَلَى ظَاهِرِهِ لَكَانَ هَؤُلَاءِ صَحَابَةً وَلَأَمْكَنَ بَقَاءُ الصُّحْبَةِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَيُعَكِّرُ عَلَيْهِ أَنَّ جَمْعًا جَمًّا رَأَوْهُ فِي الْمَنَامِ ثُمَّ لَمْ يَذْكُرْ وَاحِدٌ مِنْهُمْ أَنَّهُ رَآهُ فِي الْيَقَظَةِ وَخَبَرُ الصَّادِقِ لَا يَتَخَلَّفُ وَقَدِ اشْتَدَّ إِنْكَارُ الْقُرْطُبِيِّ عَلَى مَنْ قَالَ مَنْ رَآهُ فِي الْمَنَامِ فَقَدْ رَأَى حَقِيقَتَهُ ثُمَّ يَرَاهَا كَذَلِكَ فِي الْيَقَظَة كَمَا تقدم قَرِيبا وَقد تفطن بن أَبِي جَمْرَةَ لِهَذَا فَأَحَالَ بِمَا قَالَ عَلَى كَرَامَاتِ الْأَوْلِيَاءِ فَإِنْ يَكُنْ كَذَلِكَ تَعَيَّنَ الْعُدُولُ عَنِ الْعُمُومِ فِي كُلِّ رَاءٍ ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ عَامٌّ فِي أَهْلِ التَّوْفِيقِ.
وَأَمَّا غَيْرُهُمْ فَعَلَى الِاحْتِمَالِ فَإِنَّ خَرْقَ الْعَادَةِ قَدْ يَقَعُ لِلزِّنْدِيقِ بِطَرِيقِ الْإِمْلَاءِ وَالْإِغْوَاءِ كَمَا يَقَعُ لِلصِّدِّيقِ بِطَرِيقِ الْكَرَامَةِ وَالْإِكْرَامِ وَإِنَّمَا تَحْصُلُ التَّفْرِقَةُ بَيْنَهُمَا بِاتِّبَاعِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ انْتَهَى وَالْحَاصِلُ مِنَ الْأَجْوِبَةِ سِتَّةٌ أَحَدُهَا أَنَّهُ عَلَى التَّشْبِيهِ وَالتَّمْثِيلِ وَدَلَّ عَلَيْهِ .

     قَوْلُهُ  فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى فَكَأَنَّمَا رَآنِي فِي الْيَقَظَةِ ثَانِيهَا أَنَّ مَعْنَاهَا سَيَرَى فِي الْيَقَظَةِ تَأْوِيلَهَا بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ أَوِ التَّعْبِيرِ ثَالِثُهَا أَنَّهُ خَاصٌّ بِأَهْلِ عَصْرِهِ مِمَّنْ آمَنَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرَاهُ رَابِعُهَا أَنَّهُ يَرَاهُ فِي الْمِرْآةِ الَّتِي كَانَتْ لَهُ إِنْ أَمْكَنَهُ ذَلِكَ وَهَذَا مِنْ أَبْعَدِ الْمَحَامِلِ خَامِسُهَا أَنَّهُ يَرَاهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِمَزِيدِ خُصُوصِيَّةٍ لَا مُطْلَقٌ مَنْ يَرَاهُ حِينَئِذٍ مِمَّنْ لَمْ يَرَهُ فِي الْمَنَامِ سَادِسُهَا أَنَّهُ يَرَاهُ فِي الدُّنْيَا حَقِيقَةً وَيُخَاطِبُهُ وَفِيهِ مَا تَقَدَّمَ مِنَ الْإِشْكَالِ.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيُّ قَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ الَّذِي يُرَى فِي الْمَنَامِ أَمْثِلَةٌ لِلْمَرْئِيَّاتِ لَا أَنْفُسُهَا غَيْرَ أَنَّ تِلْكَ الْأَمْثِلَةَ تَارَةً تَقَعُ مُطَابِقَةً وَتَارَةً يَقَعُ مَعْنَاهَا فَمِنَ الْأَوَّلِ رُؤْيَاهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَائِشَةَ وَفِيهِ فَإِذَا هِيَ أَنْتِ فَأَخْبَرَ أَنَّهُ رَأَى فِي الْيَقَظَةِ مَا رَآهُ فِي نَوْمِهِ بِعَيْنِهِ وَمِنَ الثَّانِي رُؤْيَا الْبَقَرِ الَّتِي تُنْحَرُ وَالْمَقْصُودُ بِالثَّانِي التَّنْبِيهُ عَلَى مَعَانِي تِلْكَ الْأُمُورِ وَمِنْ فَوَائِدِ رُؤْيَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَسْكِينُ شَوْقِ الرَّائِي لِكَوْنِهِ صَادِقًا فِي مَحَبَّتِهِ لِيَعْمَلَ عَلَى مُشَاهَدَتِهِ وَإِلَى ذَلِكَ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ فَسَيَرَانِي فِي الْيَقَظَةِ أَيْ مَنْ رَآنِي رُؤْيَةَ مُعظم لِحُرْمَتِي وَمُشْتَاقٍ إِلَى مُشَاهَدَتِي وَصَلَ إِلَى رُؤْيَةِ مَحْبُوبِهِ وَظَفِرَ بِكُلِّ مَطْلُوبِهِ قَالَ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَقْصُودُ تِلْكَ الرُّؤْيَا مَعْنَى صُورَتِهِ وَهُوَ دِينُهُ وَشَرِيعَتُهُ فَيُعَبِّرُ بِحَسَبِ مَا يَرَاهُ الرَّائِي مِنْ زِيَادَةٍ وَنُقْصَانٍ أَوْ إِسَاءَةٍ وَإِحْسَانٍ.

قُلْتُ وَهَذَا جَوَابٌ سَابِعٌ وَالَّذِي قَبْلَهُ لَمْ يَظْهَرْ لِي فَإِنْ ظَهَرَ فَهُوَ ثَامِنٌ .

     قَوْلُهُ  وَلَا يَتَمَثَّلُ الشَّيْطَانُ بِي فِي رِوَايَةِ أَنَسٍ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي بَعْدَهُ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَتَمَثَّلُ بِي وَمَضَى فِي كِتَابِ الْعِلْمِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مِثْلُهُ لَكِنْ قَالَ لَا يَتَمَثَّلُ فِي صُورَتِي وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ وبن مَاجَهْ إِنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِلشَّيْطَانِ أَنْ يَتَمَثَّلَ بِي وَفِي حَدِيث بن مَسْعُود عِنْد التِّرْمِذِيّ وبن مَاجَهْ إِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَتَمَثَّلَ بِي وَفِي حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ الَّذِي يَلِيهِ وَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَتَرَاءَى بِالرَّاءِ بِوَزْنِ يَتَعَاطَى وَمَعْنَاهُ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَصِيرَ مَرْئِيًّا بِصُورَتِي وَفِي رِوَايَةِ غَيْرِ أَبِي ذَرٍّ يَتَزَايَا بِزَايٍ وَبَعْدَ الْأَلِفِ تَحْتَانِيَّةٌ وَفِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ فِي آخِرِ الْبَابِ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَتَكَوَّنُنِي أَمَّا .

     قَوْلُهُ  لَا يَتَمَثَّلُ بِي فَمَعْنَاهُ لَا يَتَشَبَّهُ بِي.
وَأَمَّا .

     قَوْلُهُ  فِي صُورَتِي فَمَعْنَاهُ لَا يَصِيرُ كَائِنًا فِي مِثْلِ صُورَتِي.
وَأَمَّا .

     قَوْلُهُ  لَا يَتَرَاءَى بِي فَرَجَّحَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ رِوَايَةَ الزَّايِ عَلَيْهَا أَيْ لَا يَظْهَرُ فِي زِيِّي وَلَيْسَتِ الرِّوَايَةُ الْأُخْرَى بِبَعِيدَةٍ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى.
وَأَمَّا .

     قَوْلُهُ  لَا يَتَكَوَّنُنِي أَيْ لَا يَتَكَوَّنُ كَوْنِي فَحَذَفَ الْمُضَافَ وَوَصَلَ الْمُضَافَ إِلَيْهِ بِالْفِعْلِ وَالْمعْنَى لَا بتكون فِي صُورَتِي فَالْجَمِيعُ رَاجِعٌ إِلَى مَعْنًى وَاحِدٍ وَقَولُهُ لَا يَسْتَطِيعُ يُشِيرُ إِلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَإِنْ أَمْكَنَهُ مِنَ التَّصَوُّرِ فِي أَيِ صُورَةٍ أَرَادَ فَإِنَّهُ لَمْ يُمَكِّنْهُ مِنَ التَّصَوُّرِ فِي صُورَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ ذَهَبَ إِلَى هَذَا جَمَاعَةٌ فَقَالُوا فِي الْحَدِيثِ إِنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ إِذَا رَآهُ الرَّائِي عَلَى صُورَتِهِ الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا وَمِنْهُمْ مَنْ ضَيَّقَ الْغَرَضَ فِي ذَلِكَ حَتَّى قَالَ لَا بُدَّ أَنْ يَرَاهُ عَلَى صُورَتِهِ الَّتِي قُبِضَ عَلَيْهَا حَتَّى يُعْتَبَرَ عَدَدُ الشَّعَرَاتِ الْبِيضِ الَّتِي لَمْ تَبْلُغْ عِشْرِينَ شَعْرَةً وَالصَّوَابُ التَّعْمِيمُ فِي جَمِيعِ حَالَاتِهِ بِشَرْطِ أَنْ تَكُوَنَ صُورَتَهُ الْحَقِيقِيَّةَ فِي وَقْتٍ مَا سَوَاءٌ كَانَ فِي شَبَابِهِ أَوْ رُجُولِيَّتِهِ أَوْ كُهُولِيَّتِهِ أَوْ آخِرِ عُمْرِهِ وَقَدْ يَكُونُ لَمَّا خَالَفَ ذَلِكَ تَعْبِيرٌ يَتَعَلَّقُ بِالرَّائِي قَالَ الْمَازِرِيُّ اخْتَلَفَ الْمُحَقِّقُونَ فِي تَأْوِيلِ هَذَا الْحَدِيثِ فَذَهَبَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الطَّيِّبِ إِلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ مَنْ رَآنِي فِي الْمَنَامِ فَقَدْ رَآنِي أَنَّ رُؤْيَاهُ صَحِيحَةٌ لَا تَكُونُ أَضْغَاثًا وَلَا مِنْ تَشْبِيهَاتِ الشَّيْطَانِ قَالَ وَيُعَضِّدُهُ .

     قَوْلُهُ  فِي بَعْضِ طُرُقِهِ فَقَدْ رَأَى الْحَقَّ قَالَ وَفِي قَوْلِهِ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَتَمَثَّلُ بِي إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ رُؤْيَاهُ لَا تَكُونُ أَضْغَاثًا ثُمَّ قَالَ الْمَازِرِيُّ.

     وَقَالَ  آخَرُونَ بَلِ الْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَى ظَاهِرِهِ وَالْمُرَادُ أَنَّ مَنْ رَآهُ فَقَدْ أَدْرَكَهُ وَلَا مَانِعَ يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا عَقْلَ يُحِيلُهُ حَتَّى يَحْتَاجَ إِلَى صَرْفِ الْكَلَامِ عَنْ ظَاهِرِهِ.
وَأَمَّا كَوْنُهُ قَدْ يُرَى عَلَى غَيْرِ صِفَتِهِ أَوْ يُرَى فِي مَكَانَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ مَعًا فَإِنَّ ذَلِكَ غَلَطٌ فِي صِفَتِهِ وَتَخَيُّلٌ لَهَا عَلَى غَيْرِ مَا هِيَ عَلَيْهِ وَقَدْ يُظَنُّ بَعْضُ الْخَيَالَاتِ مَرْئِيَّاتٍ لِكَوْنِ مَا يُتَخَيَّلُ مُرْتَبِطًا بِمَا يُرَى فِي الْعَادَةِ فَتَكُونُ ذَاتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرْئِيَّةً وَصِفَاتُهُ مُتَخَيَّلَةً غَيْرَ مَرْئِيَّةٍ وَالْإِدْرَاكُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ تَحْدِيقُ الْبَصَرِ وَلَا قُرْبُ الْمَسَافَةِ وَلَا كَوْنُ الْمَرْئِيِّ ظَاهِرًا عَلَى الْأَرْضِ أَوْ مَدْفُونًا وَإِنَّمَا يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ مَوْجُودًا وَلَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ عَلَى فَنَاءِ جِسْمِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَلْ جَاءَ فِي الْخَبَرِ الصَّحِيحِ مَا يَدُلُّ عَلَى بَقَائِهِ وَتَكُونُ ثَمَرَةُ اخْتِلَافِ الصِّفَاتِ اخْتِلَافَ الدَّلَالَاتِ كَمَا قَالَ بَعْضُ عُلَمَاءِ التَّعْبِيرِ إِنَّ مَنْ رَآهُ شَيْخًا فَهُوَ عَامُ سِلْمٍ أَوْ شَابًّا فَهُوَ عَامُ حَرْبٍ وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ مَا يَتَعَلَّقُ بِأَقْوَالِهِ كَمَا لَوْ رَآهُ أَحَدٌ يَأْمُرُهُ بِقَتْلِ مَنْ لَا يَحِلُّ قَتْلُهُ فَإِنَّ ذَلِكَ يُحْمَلُ عَلَى الصِّفَةِ الْمُتَخَيَّلَةِ لَا الْمَرْئِيَّةِ.

     وَقَالَ  الْقَاضِي عِيَاضٌ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى الْحَدِيثِ إِذَا رَآهُ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا فِي حَيَاتِهِ لَا عَلَى صفة مضادة لحاله فَإِن رؤى عَلَى غَيْرِهَا كَانَتْ رُؤْيَا تَأْوِيلٍ لَا رُؤْيَا حَقِيقَةٍ فَإِنَّ مِنَ الرُّؤْيَا مَا يُخَرَّجُ عَلَى وَجْهِهِ وَمِنْهَا مَا يَحْتَاجُ إِلَى تَأْوِيلٍ.

     وَقَالَ  النَّوَوِيُّ هَذَا الَّذِي قَالَهُ الْقَاضِي ضَعِيفٌ بَلِ الصَّحِيح أَنه يرَاهُ حَقِيقَة سَوَاء كَانَت عَلَى صِفَتِهِ الْمَعْرُوفَةِ أَوْ غَيْرِهَا كَمَا ذَكَرَهُ الْمَازِرِيُّ وَهَذَا الَّذِي رَدَّهُ الشَّيْخُ تَقَدَّمَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ إِمَامِ الْمُعَبِّرِينَ اعْتِبَارُهُ وَالَّذِي قَالَهُ الْقَاضِي تَوَسُّطٌ حَسَنٌ وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا قَالَهُ الْمَازِرِيُّ بِأَنْ تَكُونَ رُؤْيَاهُ عَلَى الْحَالَيْنِ حَقِيقَةً لَكِنْ إِذَا كَانَ عَلَى صُورَتِهِ كَأَنْ يُرَى فِي الْمَنَامِ عَلَى ظَاهِرِهِ لَا يَحْتَاجُ إِلَى تَعْبِيرٍ وَإِذَا كَانَ عَلَى غَيْرِ صُورَتِهِ كَانَ النَّقْصُ مِنْ جِهَةِ الرَّائِي لِتَخَيُّلِهِ الصِّفَةَ عَلَى غَيْرِ مَا هِيَ عَلَيْهِ وَيَحْتَاجُ مَا يَرَاهُ فِي ذَلِكَ الْمَنَامِ إِلَى التَّعْبِيرِ وَعَلَى ذَلِكَ جَرَى عُلَمَاءُ التَّعْبِيرِ فَقَالُوا إِذَا قَالَ الْجَاهِلُ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهُ يُسْأَلُ عَنْ صِفَتِهِ فَإِنْ وَافَقَ الصِّفَةَ الْمَرْوِيَّةَ وَإِلَّا فَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ وَأَشَارُوا إِلَى مَا إِذَا رَآهُ عَلَى هَيْئَةٍ تُخَالِفُ هَيْئَتَهُ مَعَ أَنَّ الصُّورَةَ كَمَا هِيَ فَقَالَ أَبُو سَعْدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ نَصْرٍ مَنْ رَأَى نَبِيًّا عَلَى حَالِهِ وَهَيْئَتِهِ فَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى صَلَاحِ الرَّائِي وَكَمَالِ جَاهِهِ وَظَفَرِهِ بِمَنْ عَادَاهُ وَمَنْ رَآهُ مُتَغَيِّرَ الْحَالِ عَابِسًا مَثَلًا فَذَاكَ دَالٌّ عَلَى سُوءِ حَالِ الرَّائِي وَنَحَا الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ أَبِي جَمْرَةَ إِلَى مَا اخْتَارَهُ النَّوَوِيُّ فَقَالَ بَعْدَ أَنْ حَكَى الْخِلَافَ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ إِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يُتَصَوَّرُ عَلَى صُورَتِهِ أَصْلًا فَمَنْ رَآهُ فِي صُورَةٍ حَسَنَةٍ فَذَاكَ حُسْنٌ فِي دِينِ الرَّائِي وَإِنْ كَانَ فِي جَارِحَةٍ مِنْ جَوَارِحِهِ شَيْنٌ أَوْ نَقْصٌ فَذَاكَ خَلَلٌ فِي الرَّائِي مِنْ جِهَةِ الدِّينِ قَالَ وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ وَقَدْ جُرِّبَ ذَلِكَ فَوُجِدَ عَلَى هَذَا الْأُسْلُوبِ وَبِهِ تَحْصُلُ الْفَائِدَةُ الْكُبْرَى فِي رُؤْيَاهُ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لِلرَّائِي هَلْ عِنْدَهُ خَلَلٌ أَوْ لَا لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نُورَانِيٌّ مِثْلُ الْمِرْآةِ الصَّقِيلَةِ مَا كَانَ فِي النَّاظِرِ إِلَيْهَا مِنْ حُسْنٍ أَوْ غَيْرِهِ تُصُوِّرَ فِيهَا وَهِيَ فِي ذَاتِهَا عَلَى أَحْسَنِ حَالٍ لَا نقص فِيهَا وَلَا شين وَكَذَلِكَ يُقَال فِي كَلَامِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّوْمِ إِنَّهُ يُعْرَضُ عَلَى سُنَّتِهِ فَمَا وَافَقَهَا فَهُوَ حَقٌّ وَمَا خَالَفَهَا فَالْخَلَلُ فِي سَمْعِ الرَّائِي فَرُؤْيَا الذَّاتِ الْكَرِيمَةِ حَقٌّ وَالْخَلَلُ إِنَّمَا هُوَ فِي سَمْعِ الرَّائِي أَوْ بَصَرِهِ قَالَ وَهَذَا خَيْرُ مَا سَمِعْتُهُ فِي ذَلِكَ ثُمَّ حَكَى الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ بَعْضِهِمْ قَالَ خَصَّ اللَّهُ نَبِيَّهُ بِعُمُومِ رُؤْيَاهُ كُلِّهَا وَمَنَعَ الشَّيْطَانَ أَنْ يَتَصَوَّرَ فِي صُورَتِهِ لِئَلَّا يَتَذَرَّعَ بِالْكَذِبِ عَلَى لِسَانِهِ فِي النَّوْمِ وَلَمَّا خَرَقَ اللَّهُ الْعَادَةَ لِلْأَنْبِيَاءِ لِلدَّلَالَةِ عَلَى صِحَّةِ حَالِهِمْ فِي الْيَقَظَةِ وَاسْتَحَالَ تَصَوُّرُ الشَّيْطَانِ عَلَى صُورَتِهِ فِي الْيَقَظَةِ وَلَا عَلَى صِفَةٍ مُضَادَّةٍ لِحَالِهِ إِذْ لَوْ كَانَ ذَلِكَ لَدَخَلَ اللَّبْسُ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ وَلَمْ يُوثَقْ بِمَا جَاءَ مِنْ جِهَةِ النُّبُوَّةِ حَمَى اللَّهُ حِمَاهَا لِذَلِكَ مِنَ الشَّيْطَانِ وَتَصَوُّرِهِ وَإِلْقَائِهِ وَكَيْدِهِ وَكَذَلِكَ حَمَى رُؤْيَاهُمْ أَنْفُسِهِمْ وَرُؤْيَا غَيْرِ النَّبِيِّ لِلنَّبِيِّ عَنْ تَمْثِيلٍ بِذَلِكَ لِتَصِحَّ رُؤْيَاهُ فِي الْوَجْهَيْنِ وَيَكُونَ طَرِيقًا إِلَى عِلْمٍ صَحِيحٍ لَا رَيْبَ فِيهِ وَلَمْ يَخْتَلِفِ الْعُلَمَاءُ فِي جَوَازِ رُؤْيَةِ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْمَنَامِ وَسَاقَ الْكَلَامَ عَلَى ذَلِكَ.

قُلْتُ وَيَظْهَرُ لِي فِي التَّوْفِيقِ بَيْنَ جَمِيعِ مَا ذَكَرُوهُ أَنَّ مَنْ رَآهُ عَلَى صِفَةٍ أَوْ أَكْثَرَ مِمَّا يَخْتَصُّ بِهِ فَقَدْ رَآهُ وَلَوْ كَانَتْ سَائِرُ الصِّفَاتِ مُخَالِفَةً وَعَلَى ذَلِكَ فَتَتَفَاوَتُ رُؤْيَا مَنْ رَآهُ فَمَنْ رَآهُ عَلَى هَيْئَتِهِ الْكَامِلَةِ فَرُؤْيَاهُ الْحَقُّ الَّذِي لَا يَحْتَاجُ إِلَى تَعْبِيرٍ وَعَلَيْهَا يَتَنَزَّلُ .

     قَوْلُهُ  فَقَدْ رَأَى الْحَقَّ وَمَهْمَا نَقَصَ مِنْ صِفَاتِهِ فَيَدْخُلُ التَّأْوِيلُ بِحَسَبِ ذَلِكَ وَيَصِحُّ إِطْلَاقُ أَنَّ كُلَّ مَنْ رَآهُ فِي أَيِّ حَالَةٍ كَانَتْ مِنْ ذَلِكَ فَقَدْ رَآهُ حَقِيقَةً تَنْبِيهٌ جَوَّزَ أَهْلُ التَّعْبِيرِ رُؤْيَةَ الْبَارِي عَزَّ وَجَلَّ فِي الْمَنَامِ مُطْلَقًا وَلَمْ يُجْرُوا فِيهَا الْخِلَافَ فِي رُؤْيَا النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَجَابَ بَعْضُهُمْ عَنْ ذَلِكَ بِأُمُورٍ قَابِلَةٍ لِلتَّأْوِيلِ فِي جَمِيعِ وُجُوهِهَا فَتَارَةً يُعَبَّرُ بِالسُّلْطَانِ وَتَارَةً بِالْوَالِدِ وَتَارَةً بِالسَّيِّدِ وَتَارَةً بِالرَّئِيسِ فِي أَيِّ فَنٍّ كَانَ فَلَمَّا كَانَ الْوُقُوفُ عَلَى حَقِيقَةِ ذَاتِهِ مُمْتَنِعًا وَجَمِيعُ مَنْ يُعَبَّرُ بِهِ يَجُوزُ عَلَيْهِمُ الصِّدْقُ وَالْكَذِبُ كَانَتْ رُؤْيَاهُ تَحْتَاجُ إِلَى تَعْبِيرٍ دَائِمًا بِخِلَافِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِذا رؤى عَلَى صِفَتِهِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهَا وَهُوَ لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ الْكَذِبُ كَانَتْ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ حَقًّا مَحْضًا لَا يَحْتَاجُ إِلَى تَعْبِيرٍ.

     وَقَالَ  الْغَزَالِيُّ لَيْسَ مَعْنَى قَوْلِهِ رَآنِي أَنَّهُ رَأَى جِسْمِي وَبَدَنِي وَإِنَّمَا الْمُرَادُ أَنَّهُ رَأَى مِثَالًا صَارَ ذَلِكَ الْمِثَالُ آلَةً يَتَأَدَّى بِهَا الْمَعْنَى الَّذِي فِي نَفْسِي إِلَيْهِ وَكَذَلِكَ .

     قَوْلُهُ  فَسَيَرَانِي فِي الْيَقَظَةِ لَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ يَرَى جِسْمِي وَبَدَنِي قَالَ والآلة تَارَة تكون حَقِيقِيَّة وَتارَة تَكُونُ خَيَالِيَّةً وَالنَّفْسُ غَيْرُ الْمِثَالِ الْمُتَخَيَّلِ فَمَا رَآهُ مِنَ الشَّكْلِ لَيْسَ هُوَ رُوحَ الْمُصْطَفَى وَلَا شَخْصَهُ بَلْ هُوَ مِثَالٌ لَهُ عَلَى التَّحْقِيقِ قَالَ وَمِثْلُ ذَلِكَ مَنْ يَرَى اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي الْمَنَامِ فَإِنَّ ذَاتَهُ مُنَزَّهَةٌ عَنِ الشَّكْلِ وَالصُّورَةِ وَلَكِنْ تَنْتَهِي تَعْرِيفَاتُهُ إِلَى الْعَبْدِ بِوَاسِطَةِ مِثَالٍ مَحْسُوسٍ مِنْ نُورٍ أَوْ غَيْرِهِ وَيَكُونُ ذَلِكَ الْمِثَالُ حَقًّا فِي كَوْنِهِ وَاسِطَةً فِي التَّعْرِيفِ فَيَقُولُ الرَّائِي رَأَيْتُ اللَّهَ تَعَالَى فِي الْمَنَامِ لَا يَعْنِي أَنِّي رَأَيْتُ ذَاتَ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا يَقُولُ فِي حَقِّ غَيره.

     وَقَالَ  أَبُو الْقَاسِم الْقُشَيْرِيُّ مَا حَاصِلُهُ إِنَّ رُؤْيَاهُ عَلَى غَيْرِ صِفَتِهِ لَا تَسْتَلْزِمُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ هُوَ فَإِنَّهُ لَوْ رَأَى اللَّهَ عَلَى وَصْفٍ يَتَعَالَى عَنْهُ وَهُوَ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ مُنَزَّهٌ عَنْ ذَلِكَ لَا يَقْدَحُ فِي رُؤْيَتِهِ بَلْ يَكُونُ لِتِلْكَ الرُّؤْيَا ضَرْبٌ مِنَ التَّأْوِيلِ كَمَا قَالَ الْوَاسِطِيُّ مَنْ رَأَى رَبَّهُ عَلَى صُورَةِ شَيْخٍ كَانَ إِشَارَةً إِلَى وَقَارِ الرَّائِي وَغَيْرِ ذَلِكَ.

     وَقَالَ  الطِّيبِيُّ الْمَعْنَى مَنْ رَآنِي فِي الْمَنَامِ بِأَيِّ صِفَةٍ كَانَتْ فَلْيَسْتَبْشِرْ وَيَعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ رَأَى الرُّؤْيَا الْحَقَّ الَّتِي هِيَ مِنَ اللَّهِ وَهِيَ مُبَشِّرَةٌ لَا الْبَاطِلُ الَّذِي هُوَ الْحُلْمُ الْمَنْسُوبُ لِلشَّيْطَانِ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَتَمَثَّلُ بِي وَكَذَا .

     قَوْلُهُ  فَقَدْ رَأَى الْحَقَّ أَيْ رُؤْيَةَ الْحَقِّ لَا الْبَاطِلِ وَكَذَا .

     قَوْلُهُ  فَقَدْ رَآنِي فَإِنَّ الشَّرْطَ وَالْجَزَاءَ إِذَا اتَّحَدَا دَلَّ عَلَى الْغَايَةِ فِي الْكَمَالِ أَيْ فَقَدْ رَآنِي رُؤْيَا لَيْسَ بَعْدَهَا شَيْءٌ وَذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ أَبِي جَمْرَةَ مَا مُلَخَّصُهُ أَنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَتَمَثَّلُ بِي أَنَّ مَنْ تَمَثَّلَتْ صُورَتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي خَاطِرِهِ مِنْ أَرْبَابِ الْقُلُوبِ وَتَصَوَّرَتْ لَهُ فِي عَالَمِ سِرِّهِ أَنَّهُ يُكَلِّمُهُ أَنَّ ذَلِكَ يَكُونُ حَقًّا بَلْ ذَلِكَ أَصْدَقُ مِنْ مَرْأَى غَيْرِهِمْ لِمَا مَنَّ اللَّهُ بِهِ عَلَيْهِمْ مِنْ تَنْوِيرِ قُلُوبِهِمْ انْتَهَى وَهَذَا الْمَقَامُ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ هُوَ الْإِلْهَامُ وَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ أَصْنَافِ الْوَحْيِ إِلَى الْأَنْبِيَاءِ وَلَكِنْ لَمْ أَرَ فِي شَيْءٍ مِنَ الْأَحَادِيثَ وَصْفَهُ بِمَا وُصِفَتْ بِهِ الرُّؤْيَا أَنَّهُ جُزْءٌ مِنَ النُّبُوَّةِ وَقَدْ قِيلَ فِي الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا إِنَّ الْمَنَامَ يَرْجِعُ إِلَى قَوَاعِدَ مُقَرَّرَةٍ وَلَهُ تَأْوِيلَاتٌ مُخْتَلِفَةٌ وَيَقَعُ لِكُلِّ أَحَدٍ بِخِلَافِ الْإِلْهَامِ فَإِنَّهُ لَا يَقَعُ إِلَّا لِلْخَوَاصِّ وَلَا يَرْجِعُ إِلَى قَاعِدَةٍ يُمَيِّزُ بِهَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ لَمَّةِ الشَّيْطَانِ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ أَهْلَ الْمَعْرِفَةِ بِذَلِكَ ذَكَرُوا أَنَّ الْخَاطِرَ الَّذِي يَكُونُ مِنَ الْحَقِّ يَسْتَقِرُّ وَلَا يَضْطَرِبُ وَالَّذِي يَكُونُ مِنَ الشَّيْطَانِ يَضْطَرِبُ وَلَا يَسْتَقِرُّ فَهَذَا إِنْ ثَبَتَ كَانَ فَارِقًا وَاضِحًا وَمَعَ ذَلِكَ فَقَدْ صَرَّحَ الْأَئِمَّةُ بِأَنَّ الْأَحْكَامَ الشَّرْعِيَّةَ لَا تَثْبُتُ بِذَلِكَ قَالَ أَبُو الْمُظَفَّرِ بْنُ السَّمْعَانِيِّ فِي الْقَوَاطِع بَعْدَ أَنْ حَكَى عَنْ أَبِي زَيْدٍ الدَّبُوسِيِّ مِنْ أَئِمَّةِ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ الْإِلْهَامَ مَا حَرَّكَ الْقَلْبَ لِعِلْمٍ يَدْعُو إِلَى الْعَمَلِ بِهِ مِنْ غَيْرِ اسْتِدْلَالٍ وَالَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْعَمَلُ بِهِ إِلَّا عِنْدَ فَقْدِ الْحُجَجِ كُلِّهَا فِي بَابِ الْمُبَاحِ وَعَنْ بَعْضِ الْمُبْتَدِعَةِ أَنَّهُ حُجَّةٌ وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى فَأَلْهَمَهَا فجورها وتقواها وَبِقَوْلِهِ وَأوحى رَبك إِلَى النَّحْل أَيْ أَلْهَمَهَا حَتَّى عَرَفَتْ مَصَالِحَهَا فَيُؤْخَذُ مِنْهُ مِثْلُ ذَلِكَ لِلْآدَمِيِّ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَذَكَرَ فِيهِ ظَوَاهِرَ أُخْرَى وَمِنْهُ الْحَدِيثُ .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اتَّقُوا فِرَاسَةَ الْمُؤْمِنِ وَقَولُهُ لِوَابِصَةَ مَا حَاكَ فِي صَدْرِكَ فَدَعْهُ وَإِنْ أَفْتَوْكَ فَجَعَلَ شَهَادَةَ قَلْبِهِ حُجَّةً مُقَدَّمَةً عَلَى الْفَتْوَى وَقَولُهُ قَدْ كَانَ فِي الْأُمَمِ مُحَدَّثُونَ فَثَبَتَ بِهَذَا أَنَّ الْإِلْهَامَ حَقٌّ وَأَنَّهُ وَحْيٌ بَاطِنٌ وَإِنَّمَا حُرِمَهُ الْعَاصِي لِاسْتِيلَاءِ وَحْيِ الشَّيْطَانِ عَلَيْهِ قَالَ وَحُجَّةُ أَهْلِ السُّنَّةِ الْآيَاتُ الدَّالَّةُ عَلَى اعْتِبَارِ الْحُجَّةِ وَالْحَثِّ عَلَى التَّفَكُّرِ فِي الْآيَاتِ وَالِاعْتِبَارِ وَالنَّظَرِ فِي الْأَدِلَّةِ وَذَمِّ الْأَمَانِيِّ وَالْهَوَاجِسِ وَالظُّنُونِ وَهِيَ كَثِيرَةٌ مَشْهُورَةٌ وَبِأَنَّ الْخَاطِرُ قَدْ يَكُونُ مِنَ اللَّهِ وَقَدْ يَكُونُ مِنَ الشَّيْطَانِ وَقَدْ يَكُونُ مِنَ النَّفْسِ وَكُلُّ شَيْءٍ احْتَمَلَ أَنْ لَا يَكُونَ حَقًّا لَمْ يُوصَفْ بِأَنَّهُ حَقٌّ قَالَ وَالْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِ فَأَلْهَمَهَا فجورها وتقواها أَنَّ مَعْنَاهُ عَرَّفَهَا طَرِيقَ الْعِلْمِ وَهُوَ الْحُجَجُ.
وَأَمَّا الْوَحْيُ إِلَى النَّحْلِ فَنَظِيرُهُ فِي الْآدَمِيِّ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالصَّنَائِعِ وَمَا فِيهِ صَلَاحُ الْمَعَاشِ.
وَأَمَّا الْفِرَاسَةُ فَنُسَلِّمُهَا لَكِنْ لَا نَجْعَلُ شَهَادَةَ الْقَلْبِ حُجَّةً لِأَنَّا لَا نَتَحَقَّقُ كَوْنَهَا مِنَ اللَّهِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ انْتَهَى مُلَخَّصًا قَالَ بن السَّمْعَانِيِّ وَإِنْكَارُ الْإِلْهَامِ مَرْدُودٌ وَيَجُوزُ أَنْ يَفْعَلَ اللَّهُ بِعَبْدِهِ مَا يُكَرِّمُهُ بِهِ وَلَكِنَّ التَّمْيِيزَ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ فِي ذَلِكَ أَنَّ كُلَّ مَا اسْتَقَامَ عَلَى الشَّرِيعَةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ وَلَمْ يَكُنْ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مَا يَرُدُّهُ فَهُوَ مَقْبُولٌ وَإِلَّا فَمَرْدُودٌ يَقَعُ مِنْ حَدِيثِ النَّفْسِ وَوَسْوَسَةِ الشَّيْطَانِ ثُمَّ قَالَ وَنَحْنُ لَا نُنْكِرُ أَنَّ اللَّهَ يُكَرِّمُ عَبْدَهُ بِزِيَادَةِ نُورٍ مِنْهُ يَزْدَادُ بِهِ نَظَرُهُ وَيَقْوَى بِهِ رَأْيُهُ وَإِنَّمَا نُنْكِرُ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى قَلْبِهِ بِقَوْلٍ لَا يَعْرِفُ أَصْلَهُ وَلَا نَزْعُمُ أَنَّهُ حُجَّةٌ شَرْعِيَّةٌ وَإِنَّمَا هُوَ نُورٌ يَخْتَصُّ اللَّهُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ فَإِنْ وَافَقَ الشَّرْعَ كَانَ الشَّرْعُ هُوَ الْحُجَّةَ انْتَهَى وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا مَا تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ أَنَّ النَّائِمَ لَوْ رَأَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُهُ بِشَيْءٍ هَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ امْتِثَالُهُ وَلَا بُدَّ أَوْ لَا بُدَّ أَنْ يَعْرِضَهُ عَلَى الشَّرْعِ الظَّاهِرِ فَالثَّانِي هُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا تَقَدَّمَ تَنْبِيهٌ وَقَعَ فِي الْمُعْجَمِ الْأَوْسَطِ لِلطَّبَرَانِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ مِثْلُ أَوَّلِ حَدِيثٍ فِي الْبَابِ بِلَفْظِهِ لَكِنْ زَادَ فِيهِ وَلَا بِالْكَعْبَةِ.

     وَقَالَ  لَا تُحْفَظُ هَذِهِ اللَّفْظَةُ إِلَّا فِي هَذَا الْحَدِيثِ