هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
853 وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ ، وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ ، وَعَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ ، قَالُوا : حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ وَهُوَ ابْنُ جَعْفَرٍ ، عَنِ الْعَلَاءِ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : فُضِّلْتُ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ بِسِتٍّ : أُعْطِيتُ جَوَامِعَ الْكَلِمِ ، وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ ، وَأُحِلَّتْ لِيَ الْغَنَائِمُ ، وَجُعِلَتْ لِيَ الْأَرْضُ طَهُورًا وَمَسْجِدًا ، وَأُرْسِلْتُ إِلَى الْخَلْقِ كَافَّةً ، وَخُتِمَ بِيَ النَّبِيُّونَ
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
853 وحدثنا يحيى بن أيوب ، وقتيبة بن سعيد ، وعلي بن حجر ، قالوا : حدثنا إسماعيل وهو ابن جعفر ، عن العلاء ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : فضلت على الأنبياء بست : أعطيت جوامع الكلم ، ونصرت بالرعب ، وأحلت لي الغنائم ، وجعلت لي الأرض طهورا ومسجدا ، وأرسلت إلى الخلق كافة ، وختم بي النبيون
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير، 

Abu Huraira reported that the Messenger of Allah (may peace be upon hlmg) said:

I have been given superiority over the other prophets in six respects: I have been given words which are concise but comprehensive in meaning; I have been helped by terror (in the hearts of enemies): spoils have been made lawful to me: the earth has been made for me clean and a place of worship; I have been sent to all mankind and the line of prophets is closed with me.

شرح الحديث من فـــتح المــــنعم

: : هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،   

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فضلت على الأنبياء بست: أعطيت جوامع الكلم.
ونصرت بالرعب.
وأحلت لي الغنائم.
وجعلت لي الأرض طهورًا ومسجدًا.
وأرسلت إلى الخلق كافة.
وختم بي النبيون.


المعنى العام

يسوق الإمام مسلم في هذه المجموعة حديثين أحدهما في أفضلية بعض أماكن الأرض بالنسبة لعبادة اللَّه تعالى، والثاني في صلاحية الأرض عمومًا للتيمم من ترابها عند الحاجة والصلاة على أي موضع فيها.

أما الحديث الأول فيحكي إبراهيم بن زيد التيمي أنه كان يتعلم القرآن على أبيه، فكان يقرأ وأبوه يسمع، فلاحظ على أبيه أمرًا تعجب منه، رأى أباه كلما سمع من ابنه آية سجدة سجد، ويبدو أن الصبي لم يتابع أباه لأنه مع حداثته كان يظن أن الطريق العام وحوافه لا تصلح للسجود، بل الذي عهده الصبي هو السجود في المساجد أو على الفرش في أماكن الصلاة، ولما كان الصبي وأبوه في رحبة المسجد الخارجة من المسجد والمتصلة بالطريق، وهي ليس لها حكم المسجد، لما كان الأمر كذلك سأل الصبي أباه متعجبًا: أتسجد في الطريق يا أبي؟ هل هذا يصح؟ فقال له أبوه: إني سمعت أبا ذر يقول: سألت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، أي المساجد في الأرض وضعها اللَّه أولاً للناس للصلاة فيها؟ ومن الطبيعي أن يكون أول مكان وضع للعبادة وقامت فيه العبادة أفضل الأماكن - قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: أول مسجد وضع في الأرض للعبادة هو المسجد الحرام بمكة، قال أبو ذر: ثم ما هو المسجد الثاني؟ قال صلى اللَّه عليه وسلم: المسجد الأقصى ببيت المقدس، قال أبو ذر كم سنة كانت بينهما! قال صلى اللَّه عليه وسلم: أربعون سنة، وخشي صلى اللَّه عليه وسلم أن تحرص أمته على السفر إلى هذين المسجدين فأشار إلى أن الأرض كلها صالحة للصلاة عليها، ورب مصل بقلب خاشع وإخلاص في غير هذين المسجدين أفضل من بعض من يصلي فيهما بالليل والنهار.

وفي الحديث الآخر يسوق مسلم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: فضلت على من سبقني من الأنبياء بخصال: لا أقول ذلك فخراً وكبراً إنما أتحدث بنعمة الله تعالى لأزداد شكراً، ولتشكر أمتي ربها على تكريمها وتكريم نبيها، من هذه الخصائص: كان كل نبي يرسل إلى قوم محددين تنتهي رسالته عندهم وتنتهي بعده وبعدهم، لكن محمداً صلى الله عليه وسلم أرسل إلى أهل الأرض جميعاً من يوم بعثته إلى يوم القيامة، وكان من قبله إذا غنموا لم تحل لهم الغنائم، بل كانت تترك في العراء حتى تهلك فأحل الله له ولأمته الغنائم، وكان من قبله لا يصلون إلا في كنائسهم ومعابدهم، ولا يصح طهورهم إلا بالماء فجعل الله لمحمد وأمته الأرض كلها صالحة للصلاة عليها وترابها صالحاً للتيمم والتطهر، فأي مسلم أدركته الصلاة وحان وقتها وكاد يخرج ولم يجد ماء فعنده مسجده وطهوره فليتيمم وليصل، ومن خصوصياته صلى الله عليه وسلم أن الله كان يلقي الرعب في قلوب أعدائه، مما يسهل له النصر عليهم، وأنه أعطي الشفاعة العظمى يوم القيامة، وختم به النبيون فلا نبي بعده، وأعطي القرآن وهو جوامع الكلم، قليل اللفظ كثير المعنى، وبشره الله بأن أمته سيفتح الله عليها كنوز الأرض، فتصبح مالكة لكثير من بقاعها، مالكة لكثير من كنوزها وخيراتها، وقد وقع ما أخبر به صلى الله عليه وسلم وما بشر به.

نسأل الله أن يجعل هذه الكنوز وهذه الخيرات في خدمة الآخرة، إنه سميع مجيب.

المباحث العربية

( أي مسجد) في بعض الروايات أي بيت والمراد من البيت المسجد، كما في قوله تعالى { { إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركًا } } [آل عمران: 96] .

( وضع في الأرض) أي وضع للعبادة.

( أولا) في رواية البخاري أول بالبناء على الضم، لقطعه عن الإضافة، مثل قبل وبعد، والتقدير: أول كل شيء، وروايتنا بالنصب والتنوين، ويجوز فيه المنع من الصرف.

( المسجد الحرام) خبر مبتدأ محذوف.
أي أول مسجد وضع في الأرض المسجد الحرام بمكة.

( ثم أي) ؟ بالتنوين، وبعدم التنوين، وقيل: الصواب أنه غير منون لأن السائل ينتظر الجواب، والتنوين لا يوقف عليه، فتنوينه ووصله بما بعده خطأ، فيوقف عليه وقفة لطيفة، ثم يؤتى بما بعده، وهو مضاف تقديراً، والمضاف إليه محذوف لفظاً، والتقدير: ثم أي مسجد وضع بعد المسجد الحرام؟.

( المسجد الأقصى) قيل: سمي الأقصى لبعده عن المسجد الحرام في المسافة، وقال الزمخشري: سمي الأقصى لأنه لم يكن حينئذ وراءه مسجد، وقيل: لبعده عن الأقذار والخبث، وهو ببيت المقدس.

( كم بينهما) ؟ أي من الزمن؟ أي كم سنة بين وضعهما في الأرض؟.

( أينما أدركتك الصلاة فصل) أينما أداة شرط للمكان، وما زائدة، والمقصود إدراك وقت الصلاة، أي في أي مكان أدركك وقت الصلاة فصل.

( فهو مسجد) فالمكان مسجد.

( ثم حيثما أدركتك الصلاة فصله) الهاء في فصله هاء السكت، فهي بمعنى رواية فصل.

( كنت أقرأ على أبي القرآن في السدة) بضم السين وتشديد الدال، واحدة السدد، وهي المواضع التي تطل حول المسجد وليست منه، وليس لها حكم المسجد إذا كانت خارجة عنه.

( أعطيت خمسًا) في الرواية الرابعة فضلنا على الناس بثلاث وفي الرواية الخامسة فضلت على الأنبياء بست واختلاف الروايات في العدد مشكل عند من يرى أن مفهوم العدد حجة، وفي فقه الحديث نذكر الإجابات عن هذا الإشكال.

( لم يعطهن أحد قبلي) أي من الأنبياء، بدليل قوله كان كل نبي إلخ.

( كان كل نبي يبعث) أي كان كل رسول يبعث....
إلخ.

( وبعثت إلى كل أحمر وأسود) قيل: المراد بالأحمر وبالأسود العرب، وقيل: الأحمر الإنس والأسود الجن: والأولى جعل ذلك كناية عن الكل، كأنه قال: إلى كل لون، يؤكده رواية للبخاري إلى الناس عامة وروايتنا الخامسة، إلى الخلق كافة.

( وأحلت لي الغنائم) وفي رواية المغانم.

( فأيما رجل) أي مبتدأ فيه معنى الشرط، وما مزيد للتأكيد، وذكر الرجل للتغليب والحكم يشمل النساء.

( وجعلت لنا الأرض كلها مسجدًا) أي موضع سجود، لا يختص السجود منها بموضع، ويصح أن يراد بالمسجد المعروف، والكلام على التشبيه، أي جعلت لنا الأرض كلها كالمسجد في صحة الصلاة عليها.

( وجعلت تربتها لنا طهورًا) تربة كل مكان ما فيه من تراب أو غيره.

( وذكر خصلة أخرى) اعتبر جعل الأرض مسجدًا وتربتها طهورًا خصلة واحدة، فلم يذكر الراوي سوى ثنتين من ثلاث.
وهذه الخصلة المبهمة بينها ابن خزيمة والنسائي وهي وأعطيت هذه الآيات من آخر سورة البقرة من كنز تحت العرش.

( أتيت بمفاتيح خزائن الأرض) كناية عما فتح اللَّه لأمته من المال والدنيا.

( فوضعت في يدي) بلفظ التثنية، وهو كناية عن امتلاكها، والمراد امتلاك أمته لها.

( وأنتم تنتثلونها) أي تستخرجون ما في خزائن الأرض وتنتفعون بها.

فقه الحديث

تتناول هذه الأحاديث مسألتين أساسيتين:

الأولى: وهي المقصودة بكتاب المساجد، جعل الأرض لنا مسجدًا وطهورًا.

الثانية: خصائصه صلى اللَّه عليه وسلم وخصائص أمته.

وفيما يتعلق بالمسألة الأولى يتشعب البحث إلى أفضل بقاع الأرض من حيث العبادة، ثم صلاحية عامة الأرض للصلاة عليها وللتيمم من ترابها.

والرواية الأولى والثانية تنصان على فضل المسجد الحرام ثم المسجد الأقصى من حيث تقدم وضعهما في الأرض لعبادة الناس.

والروايتان تصرحان بأن المسجد الحرام أول مسجد وضع للناس في الأرض، وهو موافق لقوله تعالى: { { إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركًا وهدى للعالمين } } [آل عمران: 96] ولا خلاف في ذلك، وإنما الخلاف في أول من بناه، ففي بعض الآثار أن أول من بناه الملائكة، ثم آدم ثم شيث، ثم غمره طوفان وأزال معالمه، ثم بوأ اللَّه مكانه لإبراهيم وعرفه إياه فبناه.

والروايتان تصرحان بأن بين بناء المسجد الحرام والمسجد الأقصى أربعين عامًا، وهذا مشكل بالنسبة لما هو مشهور من أن باني البيت الحرام إبراهيم عليه السلام، وباني المسجد الأقصى داود ثم ابنه سليمان عليهما السلام، وبين بناء إبراهيم وبنائهما مدة تزيد على الأربعين بأمثالها، حتى قيل: إن بينهما أكثر من ألف عام، وأجيب عن هذا الإشكال بأجوبة كثيرة، منها: أن الحديث يشير إلى أول بناء المسجد الحرام والمسجد الأقصى، وأول من وضع أساسهما، وليس إبراهيم أول من بنى الكعبة، ولا سليمان أول من بنى المسجد الأقصى، يصرح بذلك القرطبي حيث يقول: إن الحديث لا يدل على أن إبراهيم وسليمان لما بنيا المسجدين ابتدآ وضعهما، بل ذلك تجديد لما كان أسسه غيرهما.

وقيل: إن إبراهيم عليه السلام هو الذي بنى المسجد الحرام والمسجد الأقصى وبين بنائه لهما أربعون سنة، وما حصل من داود وسليمان تجديد لا تأسيس، قال الحافظ ابن حجر: والأول أوجه.

هذا من ناحية أولية الوضع والبناء، أما من ناحية الأجر وثواب العبادة فإن مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم بالمدينة أصبح في الدرجة الثانية بعد المسجد الحرام، فقد روى الإمام أحمد وصححه ابن حبان صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام، وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة صلاة في هذا وعند ابن ماجه صلاة في مسجدي أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام، وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة فيما سواه وروى البزار والطبراني الصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة، والصلاة في مسجدي بألف صلاة، والصلاة في بيت المقدس بخمسمائة صلاة.

ولأفضلية العبادة في هذه المساجد روى البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، ومسجد الأقصى وأما صلاحية الأرض عامة للصلاة عليها وللتيمم من تربتها فهي المقصود الأساسي لإيراد أحاديث الباب، وقد استدل بقوله وأينما أدركتك الصلاة فصل فهو مسجد على جواز الصلاة في جميع المواضع التي لا نتيقن نجاستها، مع مراعاة ما استثناه الشرع كالصلاة في المقابر والمزابل والمجازر، وأعطان الإبل وقارعة الطريق، والحمام، وغير ذلك مما ورد النهي بها على خلاف في المذاهب.

كما استدل المالكية والحنفية بقوله في الرواية الثالثة وجعلت لي الأرض طيبة طهوراً ومسجداً على أنه يجوز التيمم بجميع أجزاء الأرض، ولا يختص التيمم بالتراب، فالتعبير بأن الأرض طهور -أي مطهر- عام في جميع أجزائها، فإن قيل لهم: إن المراد بالطهور في هذه الرواية الطاهرة، أي صالحة للصلاة عليها، قالوا: إن معنى طيبة طاهرة، فلو كان معنى طهوراً طاهرة للزم التكرار وتحصيل الحاصل، لكن المعنى على تفسيرنا: طاهرة مطهرة، ويؤيد هذا القول رواية البيهقي فأيما رجل من أمتي أتى الصلاة فلم يجد ماء وجد الأرض طهوراً ومسجداً، وعند أحمد فعنده طهوره ومسجده وفي رواية فأينما أدركتني الصلاة تيممت وصليت فكل هذه الألفاظ في مطلق الأرض ولا خصوص التراب.

واستدل الشافعية والحنابلة بالرواية الرابعة، وفيها وجعلت لنا الأرض كلها مسجداً، وجعلت تربتها لنا طهوراً إذا لم نجد الماء فهذه الرواية مقيدة لما يطهر من الأرض، وهو التراب، ويحمل المطلق في الروايات السابقة على المقيد فإن قيل لهم: إن التعبير بالتربة لا يقتصر على التراب، فقد قيل: إن تربة كل مكان ما فيه من تراب أو غيره قالوا: بل ورد في الحديث المذكور بلفظ التراب أخرجه ابن خزيمة وغيره، وفي حديث علي أخرجه أحمد والبيهقي بإسناد حسن وجعل التراب لي طهوراً، والله أعلم.

والمتحصل من روايات الباب عشر خصال اختص بها النبي صلى الله عليه وسلم هي:

1- كان كل نبي يبعث إلى قومه خاصة، وبعثت إلى كل أحمر وأسود.

2- أحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي.

3- جعلت لي الأرض طيبة طهوراً ومسجداً.

4- نصرت بالرعب بين يدي مسيرة شهر.

5- أعطيت الشفاعة.

6- جعلت صفوفنا كصفوف الملائكة.

7- أعطيت هذه الآيات من آخر سورة البقرة من كنز تحت العرش [وهي الخصلة المبهمة في الرواية الرابعة] .

8- أعطيت جوامع الكلم.

9- ختم بي النبيون.

10- أتيت بمفاتيح خزائن الأرض.

وفي كتب أخرى روايات بها زيادات، منها:

1- وسميت أحمد [رواها أحمد] .

2- وجعلت أمتي خير الأمم [رواها أحمد] .

3- غفر لي ما تقدم من ذنبي وما تأخر [رواها البزار] .

4- وأعطيت الكوثر [رواها البزار] .

5- وإن صاحبكم لصاحب لواء الحمد يوم القيامة تحته آدم فمن دونه [رواها البزار] .

6- وكان شيطاني كافراً فأعانني الله عليه فأسلم [رواها البزار] .

فينتظم بهذا ست عشرة خصلة، قال الحافظ ابن حجر: ويمكن أن يوجد أكثر من ذلك لمن أمعن التتبع، وقد ذكر النيسابوري في كتاب شرف المصطفى أن عدد الذي اختص به نبينا صلى الله عليه وسلم على الأنبياء ستون خصلة.
اهـ

والذي يعنينا الآن ما ورد في روايات الباب، وسأقتصر في الكلام عليه.

ولا إشكال في قوله خمساً وقوله بثلاث وقوله بست مع وصول العدد إلى ما وصل إليه، لأن بعضهم يقول: إن مفهوم العدد ليس بحجة.
والبعض يرفع الإشكال بأنه صلى الله عليه وسلم اطلع أولاً على بعض ما اختص به، فأخبر عنه، ثم اطلع على غيره فأخبر عنه.

والذي أميل إليه هو الأول، لأن قولنا: فيك عشر خصال لا يعتبر في اللغة العربية من أساليب القصر، ولا يمنع أن يكون فيك خصال أخرى، ويمكن أن أقول: خصصت بخمس فلا تمنع العبارة أن أكون خصصت بغيرها، وكل ما تدل عليه العبارة أن كل واحدة مما اختص به صلى الله عليه وسلم لم تكن لأحد قبله.
والمتمعن في الخصال العشر يرى أن بعضها خاص به صلى الله عليه وسلم، لا تشاركه فيها أمته كالخصلة الأولى والرابعة والثامنة والتاسعة، وبعضها تشترك معه فيها أمته، كحل الغنائم، وطيب الأرض، وآخر سورة البقرة، ومفاتح خزائن الأرض، وبعضها خصوصية لأمته كجعل صفوفها كصفوف الملائكة.
فإسناد الخصوصيات إليه صلى الله عليه وسلم في حالة كونها للأمة إسناد تشريف وتكريم، لأنها إنما خصت بذلك من أجله تكريماً له فهي خصوصية له صلى الله عليه وسلم، ولنعرض بشيء من التفصيل للخصوصيات العشر:

1- فعموم رسالته صلى الله عليه وسلم للناس كافة منذ بعثته إلى يوم القيامة محل إجماع المسلمين، وكونها خاصة به لم تعط لنبي قبله أمر واضح، لكنه أشكل عليه أولاً بأن نوحاً عليه السلام دعا على أهل الأرض بالهلاك بقوله { { رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارًا } } [نوح: 26] ولو لم يكن مرسلاً إليهم ما دعا عليهم، وثانيًا بأن نوحًا بعد الطوفان كان مرسلاً إلى الناجين، وهم الأحياء على الأرض، وثالثًا أنه صح أن أهل الموقف يوم القيامة يسألون نوحًا الشفاعة بقولهم أنت أول رسول إلى أهل الأرض.
إذ كل ذلك يوهم عموم رسالة نوح عليه السلام.

وأجيب عن الشبهة الأولى بجواز أن يكون غيره أرسل إليهم في أثناء مدته، وعلم نوح بأنهم لم يؤمنوا فدعا على من لم يؤمن من قومه ومن غيرهم، فأجيب، ويحتمل أن يكون دعاؤه قومه إلى التوحيد بلغ بقية الناس، فتمادوا على الشرك، فاستحقوا العقاب، ويحتمل أنه لم يكن في الأرض عند إرسال نوح إلا قوم نوح فبعثته خاصة، لكونها إلى قومه فقط، وهي عامة في الصورة، لعدم وجود غيرهم، لكن لو اتفق وجود غيرهم لم يكن مبعوثاً إليهم، ويمكن أن يكون هذا جواباً للإشكال الثاني، وهو أن نوحاً بعد الطوفان كان مرسلاً إلى الناجين، وهم الأحياء على الأرض، كما يمكن أن يكون جواباً للإشكال الثالث وهو قول أهل الموقف لنوح عليه السلام: أنت أول رسول إلى أهل الأرض على أنه يمكن أن يكون مرادهم من هذا القول إثبات أولية إرساله لا عموم بعثته.

وإذن لا دليل على عموم رسالة نوح عليه السلام، وكل ما استدل به على ذلك تطرق إليه الاحتمال فسقط به الاستدلال، على أن القرآن الكريم صرح في غير موضع على أن إرسال نوح كان إلى قومه.

2- وأما الغنائم فقد قال الخطابي: كان من تقدم على ضربين، منهم من لم يؤذن له في الجهاد، فلم تكن لهم مغانم، ومنهم من أذن له فيه، لكن كانوا إذا غنموا شيئاً لم يحل لهم أن يأكلوه، وجاءت نار فأحرقته.

وقيل: المراد أنه خص بالتصرف في الغنيمة يصرفها كيف شاء.
قال الحافظ ابن حجر: والأول أصوب.

3- وأما الخصوصية في جعل الأرض طهوراً ومسجداً فقال ابن التيمي: قيل: المراد جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً، وجعلت لغيري مسجداً ولم تجعل له طهوراً، لأن عيسى عليه السلام كان يسيح في الأرض، ويصلي حيث أدركته الصلاة، وقيل: إنما أبيح لهم الصلاة في موضع يتيقنون طهارته، بخلاف هذه الأمة فأبيح لها في جميع الأرض إلا فيما تيقنوا نجاسته.
قال الحافظ ابن حجر: والأظهر ما قاله الخطابي، وهو أن من قبله إنما أبيحت لهم الصلوات في أماكن مخصوصة، كالبيع والصوامع، ويؤيده رواية وكان من قبلي إنما كانوا يصلون في كنائسهم وما أخرجه البزار بلفظ ولم يكن من الأنبياء أحد يصلي حتى يبلغ محرابه قال الحافظ ابن حجر: وهذا نص في موضع النزاع.

4- وأما خصوصية النصر بالرعب ففي رواية أحمد زيادة يقذف في قلوب أعدائي قال الحافظ ابن حجر مفهوم رواية نصرت بالرعب مسيرة شهر أنه لم يوجد لغيره النصر بالرعب في هذه المدة، ولا في أكثر منها، أما ما دونها فلا، لكن رواية ونصرت على العدو بالرعب ولو كان بيني وبينهم مسيرة شهر ظاهرها اختصاصه به مطلقاً، وإنما جعل الغاية شهراً لأنه لم يكن بين بلده وبين أحد من أعدائه أكثر منه.
وهذه الخصوصية حاصلة له على الإطلاق، حتى ولو كان وحده بغير عسكر، ثم قال: وهل هي حاصلة لأمته من بعده؟ فيه احتمال.
اهـ وهذا الاحتمال إنما يصح إذا كانت أمته قائمة على شريعته وسنته.
والله أعلم.

5- وأما الشفاعة فقد قال ابن دقيق العيد: الأقرب أن اللام فيها للعهد، والمراد بها الشفاعة العظمى في إراحة الناس من هول الموقف، ولا خلاف في وقوعها، وكذا جزم النووي وغيره.

وقيل: الشفاعة التي اختص بها أنه لا يرد فيما يسأل، وقيل: الشفاعة لخروج من في قلبه مثقال ذرة من إيمان، لأن شفاعة غيره تقع فيمن في قلبه أكثر من ذلك، وفيها أقوال أخرى.
والأول هو الصواب.

6- وأما صفوف الملائكة فالمقصود الصفوف في صلاة الجماعة، ووجه الشبه الاستقامة في المساجد صفًا صفًا كقوله تعالى: { { وجاء ربك والملك صفًا صفًا } } [الفجر: 22] والاستدارة حول الكعبة كقوله تعالى: { { الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم } } [غافر: 7] .

7- وخواتيم سورة البقرة إشارة إلى قوله تعالى: { { ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ربنا ولا تحمل علينا إصرًا كما حملته على الذين من قبلنا ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين } } [البقرة: 286] .

8- وأما جوامع الكلم فقيل المراد بها القرآن الكريم، لأنه قليل اللفظ كثير المعاني، وقيل: كلامه صلى الله عليه وسلم، حيث أوتي الحكمة وفصل الخطاب.

9- وأما ختمه للنبيين فهو صريح قوله تعالى: { { ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين } } [الأحزاب: 40] .

10- وأما مفاتيح خزائن الأرض فهو إخبار منه صلى الله عليه وسلم بفتح البلاد لأمته، ووقع كما أخبر، فهو علم من أعلام النبوة.
قاله النووي.

ويؤخذ من الحديث فوق ما تقدم:

1- مشروعية تعديد نعم الله.

2- وإلقاء العلم قبل السؤال.

3- واستدل به على كرامة الآدمي، لأنه خلق من ماء وتراب وكل منهما طهور كذا قيل.

والله أعلم