هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
902 حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ ، قَالَ : حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ النَّاسَ يَوْمَ الجُمُعَةِ ، فَقَالَ : أَصَلَّيْتَ يَا فُلاَنُ ؟ قَالَ : لاَ ، قَالَ : قُمْ فَارْكَعْ رَكْعَتَيْنِ
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
902 حدثنا أبو النعمان ، قال : حدثنا حماد بن زيد ، عن عمرو بن دينار ، عن جابر بن عبد الله ، قال : جاء رجل والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب الناس يوم الجمعة ، فقال : أصليت يا فلان ؟ قال : لا ، قال : قم فاركع ركعتين
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،  عن جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ النَّاسَ يَوْمَ الجُمُعَةِ ، فَقَالَ : أَصَلَّيْتَ يَا فُلاَنُ ؟ قَالَ : لاَ ، قَالَ : قُمْ فَارْكَعْ رَكْعَتَيْنِ .

Narrated Jabir bin `Abdullah:

A person entered the mosque while the Prophet (ﷺ) was delivering the Khutba on a Friday. The Prophet (ﷺ) said to him, Have you prayed? The man replied in the negative. The Prophet (ﷺ) said, Get up and pray two rak`at.

Jâbirr ben 'AbdulLâh dit: «Un homme arriva au moment où le

":"ہم سے ابو النعمان نے بیان کیا ، کہا کہ ہم سے حماد بن زید نے بیان کیا ، ان سے عمرو بن دینار نے ، ان سے جابر بن عبداللہ رضی اللہ عنہ نے بیان کیا کہایک شخص آیا نبی کریم صلی اللہ علیہ وسلم جمعہ کا خطبہ دے رہے تھے ۔ آپ صلی اللہ علیہ وسلم نے پوچھا کہ اے فلاں ! کیا تم نے ( تحیۃ المسجد کی ) نماز پڑھ لی ۔ اس نے کہا کہ نہیں ۔ آپ صلی اللہ علیہ وسلم نے فرمایا اچھا اٹھ اور دو رکعت نماز پڑھ لے ۔

Jâbirr ben 'AbdulLâh dit: «Un homme arriva au moment où le

شاهد كل الشروح المتوفرة للحديث

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [930] .

     قَوْلُهُ  عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ صَرَّحَ فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ بِسَمَاعِ عَمْرٍو لَهُ مِنْ جَابِرٍ .

     قَوْلُهُ  جَاءَ رَجُلٌ هُوَ سُلَيْكٌ بِمُهْملَة مُصَغرًا بن هَدِيَّة وَقيل بن عَمْرٍو الْغَطَفَانِيُّ بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ ثُمَّ الْمُهْمَلَةِ بَعْدَهَا فَاء من غطفان بن سعيد بْنِ قَيْسِ عَيْلَانَ وَوَقَعَ مُسَمًّى فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ عِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ بِلَفْظِ جَاءَ سُلَيْكٌ الْغَطَفَانِيُّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمٌ عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَعَدَ سُلَيْكٌ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ فَقَالَ لَهُ أَصَلَّيْتَ رَكْعَتَيْنِ فَقَالَ لَا فَقَالَ قُمْ فَارْكَعْهُمَا وَمِنْ طَرِيقِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ جَابِرٍ نَحْوُهُ وَفِيهِ فَقَالَ لَهُ يَا سُلَيْكُ قُمْ فَارْكَعْ رَكْعَتَيْنِ وَتَجَوَّزْ فِيهِمَا هَكَذَا رَوَاهُ حُفَّاظُ أَصْحَابِ الْأَعْمَشِ عَنْهُ وَوَافَقَهُ الْوَلِيدُ أَبُو بِشْرٍ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ وَالدَّارَقُطْنِيِّ وَشَذَّ مَنْصُورُ بْنُ أَبِي الْأَسْوَدِ عَنِ الْأَعْمَشِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ فَقَالَ جَاءَ النُّعْمَانُ بْنُ نَوْفَلٍ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ قَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ وَهِمَ فِيهِ مَنْصُورٌ يَعْنِي فِي تَسْمِيَةِ الْآتِي وَقَدْ رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ مِنْ طَرِيقِ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ عَنِ الْأَعْمَشِ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا صَالِحٍ يُحَدِّثُ بِحَدِيثِ سُلَيْكٍ الْغَطَفَانِيِّ ثُمَّ سَمِعْتُ أَبَا سُفْيَانَ يُحَدِّثُ بِهِ عَنْ جَابِرٍ فَتَحَرَّرَ أَنَّ هَذِهِ الْقِصَّةَ لِسُلَيْكٍ وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي ذَرٍّ أَنَّهُ أَتَى النَّبِيَّصَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَخْطُبُ فَقَالَ لِأَبِي ذَرٍّ صَلَّيْتَ رَكْعَتَيْنِ قَالَ لَا الْحَدِيثَ وَفِي إِسْنَاده بن لَهِيعَةَ وَشَذَّ بِقَوْلِهِ وَهُوَ يَخْطُبُ فَإِنَّ الْحَدِيثَ مَشْهُورٌ عَنْ أَبِي ذَرٍّ أَنَّهُ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ جَالِسٌ فِي الْمَسْجِد أخرجه بن حِبَّانَ وَغَيْرُهُ.

.
وَأَمَّا مَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ قَالَ دَخَلَ رَجُلٌ مِنْ قَيْسٍ الْمَسْجِدَ فَذَكَرَ نَحْوَ قِصَّةِ سُلَيْكٍ فَلَا يُخَالِفُ كَوْنَهُ سُلَيْكًا فَإِنَّ غَطَفَانَ مِنْ قَيْسٍ كَمَا تَقَدَّمَ وَإِنْ كَانَ بَعْضُ شُيُوخِنَا غَايَرَ بَيْنَهُمَا وَجَوَّزَ أَنْ تَكُونَ الْوَاقِعَةُ تَعَدَّدَتْ فَإِنَّهُ لَمْ يَتَبَيَّنْ لِي ذَلِكَ وَاخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى الْأَعْمَشِ اخْتِلَافًا آخَرَ رَوَاهُ الثَّوْرِيُّ عَنْهُ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ جَابِرٍ عَنْ سُلَيْكٍ فَجَعَلَ الْحَدِيثَ من مُسْند سليك قَالَ بن عَدِيٍّ لَا أَعْلَمُ أَحَدًا قَالَهُ عَنِ الثَّوْرِيِّ هَكَذَا غَيْرَ الْفِرْيَابِيِّ وَإِبْرَاهِيمَ بْنِ خَالِدٍ اه وَقَدْ قَالَهُ عَنْهُ أَيْضًا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْرَجَهُ هَكَذَا فِي مُصَنَّفِهِ وَأَحْمَدُ عَنْهُ وَأَبُو عَوَانَةَ وَالدَّارَقُطْنِيّ من طَرِيقه وَنقل بن عَدِيٍّ عَنِ النَّسَائِيِّ أَنَّهُ قَالَ هَذَا خَطَأٌ اه وَالَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّهُ مَا عَنَى أَنَّ جَابِرًا حَمَلَ الْقِصَّةَ عَنْ سُلَيْكٍ وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ أَنَّ جَابِرًا حَدَّثَهُمْ عَنْ قِصَّةِ سُلَيْكٍ وَلِهَذَا نَظِيرٌ سَأَذْكُرُهُ فِي حَدِيثِ أَبِي مَسْعُودٍ فِي قِصَّةِ أَبِي شُعَيْبٍ اللَّحَّامِ فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَمِنَ الْمُسْتَغْرَبَاتِ مَا حَكَاهُ بن بَشْكُوَالَ فِي الْمُبْهَمَاتِ أَنَّ الدَّاخِلَ الْمَذْكُورَ يُقَالُ لَهُ أَبُو هَدِيَّةَ فَإِنْ كَانَ مَحْفُوظًا فَلَعَلَّهَا كُنْيَةُ سُلَيْكٍ صَادَفَتِ اسْمَ أَبِيهِ .

     قَوْلُهُ  فَقَالَ صَلَّيْتَ كَذَا لِلْأَكْثَرِ بِحَذْفِ هَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ وَثَبَتَ فِي رِوَايَةِ الْأَصِيلِيِّ .

     قَوْلُهُ  قُمْ فَارْكَعْ زَادَ الْمُسْتَمْلِي وَالْأَصِيلِيُّ رَكْعَتَيْنِ وَكَذَا فِي رِوَايَةِ سُفْيَانَ فِي الْبَابِ الَّذِي بَعْدَهُ فَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الْخُطْبَةَ لَا تَمْنَعُ الدَّاخِلَ مِنْ صَلَاةِ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهَا وَاقِعَةُ عَيْنٍ لَا عُمُومَ لَهَا فَيَحْتَمِلُ اخْتِصَاصُهَا بِسُلَيْكٍ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ .

     قَوْلُهُ  فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الَّذِي أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ وَغَيْرُهُمْ جَاءَ رَجُلٌ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ وَالرَّجُلُ فِي هَيْئَةٍ بَذَّةٍ فَقَالَ لَهُ أَصَلَّيْتَ قَالَ لَا قَالَ صَلِّ رَكْعَتَيْنِ وَحَضَّ النَّاسَ عَلَى الصَّدَقَةِ الْحَدِيثَ فَأَمَرَهُ أَنْ يُصَلِّيَ لِيَرَاهُ بَعْضُ النَّاسِ وَهُوَ قَائِمٌ فَيَتَصَدَّقُ عَلَيْهِ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عِنْدَ أَحْمَدَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ هَذَا الرَّجُلَ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فِي هَيْئَةٍ بَذَّةٍ فَأَمَرْتُهُ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ وَأَنَا أَرْجُو أَنْ يَفْطِنَ لَهُ رَجُلٌ فَيَتَصَدَّقَ عَلَيْهِ وَعُرِفَ بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ الرَّدُّ عَلَى مَنْ طَعَنَ فِي هَذَا التَّأْوِيلِ فَقَالَ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَقَالَ لَهُمْ إِذَا رَأَيْتُمْ ذَا بَذَّةٍ فَتَصَدَّقُوا عَلَيْهِ أَوْ إِذَا كَانَ أَحَدٌ ذَا بَذَّةٍ فَلْيَقُمْ فَلْيَرْكَعْ حَتَّى يَتَصَدَّقَ النَّاسُ عَلَيْهِ وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَعْتَنِي فِي مِثْلِ هَذَا بِالْإِجْمَالِ دُونَ التَّفْصِيلِ كَمَا كَانَ يَصْنَعُ عِنْدَ الْمُعَاتَبَةِ وَمِمَّا يُضْعِفُ الِاسْتِدْلَالَ بِهِ أَيْضًا عَلَى جَوَازِ التَّحِيَّةِ فِي تِلْكَ الْحَالِ أَنَّهُمْ أَطْلَقُوا أَنَّ التَّحِيَّةَ تَفُوتُ بِالْجُلُوسِ وَوَرَدَ أَيْضًا مَا يُؤَكِّدُ الْخُصُوصِيَّةَ وَهُوَ .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِسُلَيْكٍ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ لَا تعودن لمثل هَذَا أخرجه بن حِبَّانَ انْتَهَى مَا اعْتَلَّ بِهِ مَنْ طَعَنَ فِي الِاسْتِدْلَالِ بِهَذِهِ الْقِصَّةِ عَلَى جَوَازِ التَّحِيَّةِ وَكُلُّهُ مَرْدُودٌ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْخُصُوصِيَّةِ وَالتَّعْلِيلُ بِكَوْنِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَصَدَ التَّصَدُّقِ عَلَيْهِ لَا يَمْنَعُ الْقَوْلَ بِجَوَازِ التَّحِيَّةِ فَإِنَّ الْمَانِعِينَ مِنْهَا لَا يُجِيزُونَ التَّطَوُّعَ لِعِلَّةِ التَّصَدُّقِ قَالَ بن الْمُنِيرِ فِي الْحَاشِيَةِ لَوْ سَاغَ ذَلِكَ لَسَاغَ مِثْلَهُ فِي التَّطَوُّعِ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَسَائِرِ الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ وَلَا قَائِلَ بِهِ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَمْرَهُ بِالصَّلَاةِ لَمْ يَنْحَصِرْ فِي قَصْدِ التَّصَدُّقِ مُعَاوَدَتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَمْرِهِ بِالصَّلَاةِ أَيْضًا فِي الْجُمُعَةِ الثَّانِيَةِ بَعْدَ أَنْ حَصَلَ لَهُ فِي الْجُمُعَةِ الْأُولَى ثَوْبَيْنِ فَدَخَلَ بِهِمَا فِي الثَّانِيَةِ فَتَصَدَّقَ بِأَحَدِهِمَا فَنَهَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ أخرجه النَّسَائِيّ وبن خُزَيْمَةَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ أَيْضًا وَلِأَحْمَدَ وبن حِبَّانَ أَنَّهُ كَرَّرَ أَمْرَهُ بِالصَّلَاةِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فِي ثَلَاثِ جُمَعٍ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ قَصْدَ التَّصَدُّقِ عَلَيْهِ جُزْءُ عِلَّةٍ لَا عِلَّةٌ كَامِلَةٌ.

.
وَأَمَّا إِطْلَاقُ مَنْ أَطْلَقَ أَنَّ التَّحِيَّةَ تَفُوتُ بِالْجُلُوسِ فَقَدْ حَكَى النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ عَنْ الْمُحَقِّقِينَ أَنَّ ذَلِكَ فِي حَقِّ الْعَامِدِ الْعَالِمِ أَمَّا الْجَاهِلُ أَوِ النَّاسِي فَلَا وَحَالُ هَذَا الدَّاخِلِ مَحْمُولَةٌ فِي الْأُولَى عَلَى أَحَدِهِمَا وَفِي الْمَرَّتَيْنِالْأُخْرَيَيْنِ عَلَى النِّسْيَانِ وَالْحَامِلُ لِلْمَانِعِينَ عَلَى التَّأْوِيلِ الْمَذْكُورِ أَنَّهُمْ زَعَمُوا أَنَّ ظَاهِرَهُ مُعَارِضٌ لِلْأَمْرِ بالإنصات وَالِاسْتِمَاع للخطبة قَالَ بن الْعَرَبِيِّ عَارَضَ قِصَّةَ سُلَيْكٍ مَا هُوَ أَقْوَى مِنْهَا كَقولِهِ تَعَالَى وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا وَقَولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قُلْتَ لِصَاحِبِكَ أَنْصِتْ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَقَدْ لَغَوْتَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ قَالَ فَإِذَا امْتَنَعَ الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَهُوَ أَمْرُ اللَّاغِي بِالْإِنْصَاتِ مَعَ قِصَرِ زَمَنِهِ فَمَنْعُ التَّشَاغُلِ بِالتَّحِيَّةِ مَعَ طُولِ زَمَنِهَا أَوْلَى وَعَارَضُوا أَيْضًا بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ يخْطب الَّذِي دَخَلَ يَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ اجْلِسْ فَقَدْ آذَيْتَ أخرجه أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَصَححهُ بن خُزَيْمَةَ وَغَيْرُهُ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرٍ قَالُوا فَأَمَرَهُ بِالْجُلُوسِ وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِالتَّحِيَّةِ وروى الطَّبَرَانِيّ من حَدِيث بن عُمَرَ رَفَعَهُ إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمْ وَالْإِمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ فَلَا صَلَاةَ وَلَا كَلَامَ حَتَّى يَفْرُغَ الْإِمَامُ وَالْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ أَنَّ الْمُعَارَضَةَ الَّتِي تَئُولُ إِلَى إِسْقَاطِ أَحَدِ الدَّلِيلَيْنِ إِنَّمَا يُعْمَلُ بِهَا عِنْدَ تَعَذُّرِ الْجَمْعِ وَالْجَمْعُ هُنَا مُمْكِنٌ أَمَّا الْآيَةُ فَلَيْسَتِ الْخُطْبَةُ كُلُّهَا قُرْآنًا.

.
وَأَمَّا مَا فِيهَا مِنَ الْقُرْآنِ فَالْجَوَابُ عَنْهُ كَالْجَوَابِ عَنِ الْحَدِيثِ وَهُوَ تَخْصِيصُ عُمُومِهِ بِالدَّاخِلِ وَأَيْضًا فَمُصَلِّي التَّحِيَّةِ يَجُوزُ أَنْ يُطْلَقَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مُنْصِتٌ فَقَدْ تَقَدَّمَ فِي افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ سُكُوتُكَ بَيْنَ التَّكْبِيرِ وَالْقِرَاءَةِ مَا تَقُولُ فِيهِ فَأَطْلَقَ عَلَى الْقَوْلِ سِرًّا السُّكُوتَ وَأما حَدِيث بن بِشْرٍ فَهُوَ أَيْضًا وَاقِعَةُ عَيْنٍ لَا عُمُومَ فِيهَا فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ تَرْكُ أَمْرِهِ بِالتَّحِيَّةِ قَبْلَ مَشْرُوعِيَّتِهَا وَقَدْ عَارَضَ بَعْضُهُمْ فِي قِصَّةِ سُلَيْكٍ بِمِثْلِ ذَلِكَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِأَنْ يَكُونَ .

     قَوْلُهُ  لَهُ اجْلِسْ أَيْ بِشَرْطِهِ وَقَدْ عُرِفَ .

     قَوْلُهُ  لِلدَّاخِلِ فَلَا تَجْلِسْ حَتَّى تُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ فَمَعْنَى قَوْلِهِ اجْلِسْ أَيْ لَا تَتَخَطَّ أَوْ تَرَكَ أَمْرَهُ بِالتَّحِيَّةِ لِبَيَانِ الْجَوَازِ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ وَاجِبَةً أَوْ لِكَوْنِ دُخُولِهِ وَقَعَ فِي أَوَاخِرِ الْخُطْبَةِ بِحَيْثُ ضَاقَ الْوَقْتُ عَنِ التَّحِيَّةِ وَقَدِ اتَّفَقُوا عَلَى اسْتِثْنَاءِ هَذِهِ الصُّورَةِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ صَلَّى التَّحِيَّةَ فِي مُؤَخَّرِ الْمَسْجِدِ ثُمَّ تَقَدَّمَ لِيَقْرَبَ مِنْ سَمَاعِ الْخُطْبَةِ فَوَقَعَ مِنْهُ التَّخَطِّي فَأَنْكَرَ عَلَيْهِ وَالْجَوَابُ عَنْ حَدِيث بن عُمَرَ بِأَنَّهُ ضَعِيفٌ فِيهِ أَيُّوبُ بْنُ نَهِيكٍ وَهُوَ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ قَالَهُ أَبُو زُرْعَةَ وَأَبُو حَاتِم وَالْأَحَادِيث الصَّحِيحَةُ لَا تُعَارَضُ بِمِثْلِهِ.

.
وَأَمَّا قِصَّةُ سُلَيْكٍ فَقَدْ ذَكَرَ التِّرْمِذِيُّ أَنَّهَا أَصَحُّ شَيْءٍ رُوِيَ فِي هَذَا الْبَابِ وَأَقْوَى وَأَجَابَ الْمَانِعُونَ أَيْضًا بِأَجْوِبَةٍ غَيْرِ مَا تَقَدَّمَ اجْتَمَعَ لَنَا مِنْهَا زِيَادَةٌ عَلَى عَشَرَةِ أَوْرَدْتُهَا مُلَخَّصَةً مَعَ الْجَوَابِ عَنْهَا لِتُسْتَفَادَ الْأَوَّلُ قَالُوا إِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا خَاطَبَ سُلَيْكًا سَكَتَ عَنْ خُطْبَتِهِ حَتَّى فَرَغَ سُلَيْكٌ مِنْ صَلَاتِهِ فَعَلَى هَذَا فَقَدْ جَمَعَ سُلَيْكٌ بَيْنَ سَمَاعِ الْخُطْبَةِ وَصَلَاةِ التَّحِيَّةِ فَلَيْسَ فِيهِ حُجَّةٌ لِمَنْ أَجَازَ التَّحِيَّةَ وَالْخَطِيبُ يَخْطُبُ وَالْجَوَابُ أَنَّ الدَّارَقُطْنِيَّ الَّذِي أَخْرَجَهُ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ قَدْ ضَعَّفَهُ.

     وَقَالَ  إِنَّ الصَّوَابَ أَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ مُرْسلا أَو معضلا وَقد تعقبه بن الْمُنِيرِ فِي الْحَاشِيَةِ بِأَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ لَمْ يَسُغْ عَلَى قَاعِدَتِهِمْ لِأَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ جَوَازَ قَطْعِ الْخُطْبَةِ لِأَجْلِ الدَّاخِلِ وَالْعَمَلُ عِنْدَهُمْ لَا يَجُوزُ قَطْعُهُ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِيهِ لَا سِيَّمَا إِذَا كَانَ وَاجِبًا الثَّانِي قِيلَ لَمَّا تَشَاغَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمُخَاطَبَةِ سُلَيْكٍ سَقَطَ فَرْضُ الِاسْتِمَاعِ عَنْهُ إِذْ لَمْ يَكُنْ مِنْهُ حِينَئِذٍ خطْبَة لأجل تِلْكَ المخاطبة قَالَه بن الْعَرَبِيِّ وَادَّعَى أَنَّهُ أَقْوَى الْأَجْوِبَةِ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ مِنْ أَضْعَفِهَا لِأَنَّ الْمُخَاطَبَةَ لَمَّا انْقَضَتْ رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى خُطْبَتِهِ وَتَشَاغَلَ سُلَيْكٌ بِامْتِثَالِ مَا أَمَرَهُ بِهِ مِنَ الصَّلَاةِ فَصَحَّ أَنَّهُ صَلَّى فِي حَالِ الْخُطْبَةِ الثَّالِثُ قِيلَ كَانَتْ هَذِهِ الْقِصَّةُ قَبْلَ شُرُوعِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْخُطْبَةِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ .

     قَوْلُهُ  فِي رِوَايَةِ اللَّيْثِ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاعِدٌ عَلَى الْمِنْبَرِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْقُعُودَ عَلَى الْمِنْبَرِ لَا يَخْتَصُّ بِالِابْتِدَاءِ بَلْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ أَيْضًا فَيَكُونُ كَلَّمَهُ بِذَلِكَ وَهُوَ قَاعِدٌ فَلَمَّا قَامَ لِيُصَلِّيَ قَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْخُطْبَةِ لِأَنَّ زَمَنَ الْقُعُودِ بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ لَا يَطُولُ وَيَحْتَمِلُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ الرَّاوِي تَجَوَّزَ فِي قَوْلِهِ قَاعِدٌلِأَنَّ الرِّوَايَاتِ الصَّحِيحَةَ كُلَّهَا مُطْبِقَةٌ عَلَى أَنَّهُ دَخَلَ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ الرَّابِعُ قِيلَ كَانَتْ هَذِهِ الْقِصَّةُ قَبْلَ تَحْرِيمِ الْكَلَامِ فِي الصَّلَاةِ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ سُلَيْكًا مُتَأَخِّرُ الْإِسْلَامِ جِدًّا وَتَحْرِيمُ الْكَلَامِ مُتَقَدِّمٌ جِدًّا كَمَا سَيَأْتِي فِي مَوْضِعِهِ فِي أَوَاخِرِ الصَّلَاةِ فَكَيْفَ يُدَّعَى نَسْخُ الْمُتَأَخِّرِ بِالْمُتَقَدِّمِ مَعَ أَنَّ النَّسْخَ لَا يَثْبُتُ بِالِاحْتِمَالِ وَقِيلَ كَانَتْ قَبْلَ الْأَمْرِ بِالْإِنْصَاتِ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْجَوَابُ عَنْهُ وَعُورِضَ هَذَا الِاحْتِمَالُ بِمِثْلِهِ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي اسْتَدَلُّوا بِهِ وَهُوَ مَا أخرجه الطَّبَرَانِيّ عَن بن عُمَرَ إِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ فَلَا صَلَاةَ وَلَا كَلَامَ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ قَبْلَ الْأَمْرِ بِصَلَاةِ التَّحِيَّةِ وَالْأَوْلَى فِي هَذَا أَنْ يُقَالَ عَلَى تَقْدِيرِ تَسْلِيمِ ثُبُوتِ رَفْعِهِ يُخَصُّ عُمُومُهُ بِحَدِيثِ الْأَمْرِ بِالتَّحِيَّةِ خَاصَّةً كَمَا تَقَدَّمَ الْخَامِسُ قِيلَ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ مَنْعَ الصَّلَاةِ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ يَسْتَوِي فِيهِ مَنْ كَانَ دَاخِلَ الْمَسْجِدِ أَوْ خَارِجَهُ وَقَدِ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ مَنْ كَانَ دَاخِلَ الْمَسْجِدِ يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ التَّنَفُّلُ حَالَ الْخُطْبَةِ فَلْيَكُنِ الْآتِي كَذَلِكَ قَالَهُ الطَّحَاوِيُّ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ قِيَاسٌ فِي مُقَابَلَةِ النَّصِّ فَهُوَ فَاسِدٌ وَمَا نَقَلَهُ مِنَ الِاتِّفَاقِ وَافَقَهُ عَلَيْهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ وَقَدْ شَذَّ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ فَقَالَ يَنْبَنِي عَلَى وُجُوبِ الْإِنْصَاتِ فَإِنْ قُلْنَا بِهِ امْتَنَعَ التَّنَفُّلِ وَإِلَّا فَلَا السَّادِسُ قِيلَ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الدَّاخِلَ وَالْإِمَامُ فِي الصَّلَاةِ تَسْقُطُ عَنْهُ التَّحِيَّةُ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْخُطْبَةَ صَلَاةٌ فَتَسْقُطُ عَنْهُ فِيهَا أَيْضًا وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الْخُطْبَةَ لَيْسَتْ صَلَاةً مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا ظَاهِرٌ مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ وَالدَّاخِلُ فِي حَالِ الْخُطْبَةِ مَأْمُورٌ بِشَغْلِ الْبُقْعَةِ بِالصَّلَاةِ قَبْلَ جُلُوسِهِ بِخِلَافِ الدَّاخِلِ فِي حَالِ الصَّلَاةِ فَإِنَّ إِتْيَانَهُ بِالصَّلَاةِ الَّتِي أُقِيمَتْ يُحَصِّلُ الْمَقْصُودَ هَذَا مَعَ تَفْرِيقِ الشَّارِعِ بَيْنَهُمَا فَقَالَ إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَلَا صَلَاةَ إِلَّا الْمَكْتُوبَةَ وَقَدْ وَقَعَ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ فَلَا صَلَاةَ إِلَّا الَّتِي أُقِيمَتْ وَلَمْ يَقُلْ ذَلِكَ فِي حَالِ الْخُطْبَةِ بَلْ أَمَرَهُمْ فِيهَا بِالصَّلَاةِ السَّابِعُ قِيلَ اتَّفَقُوا عَلَى سُقُوطِ التَّحِيَّةِ عَنِ الْإِمَامِ مَعَ كَوْنِهِ يَجْلِسُ عَلَى الْمِنْبَرِ مَعَ أَنَّ لَهُ ابْتِدَاءَ الْكَلَامِ فِي الْخُطْبَةِ دُونَ الْمَأْمُومِ فَيَكُونُ تَرْكُ الْمَأْمُومِ التَّحِيَّةَ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ أَيْضًا قِيَاسٌ فِي مُقَابَلَةِ النَّصِّ فَهُوَ فَاسِدٌ وَلِأَنَّ الْأَمْرَ وَقَعَ مُقَيَّدًا بِحَالِ الْخُطْبَةِ فَلَمْ يَتَنَاوَلِ الْخَطِيبُ.

     وَقَالَ  الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ مَنْعُ الْكَلَامِ إِنَّمَا هُوَ لِمَنْ شَهِدَ الْخُطْبَةَ لَا لِمَنْ خَطَبَ فَكَذَلِكَ الْأَمْرُ بِالْإِنْصَاتِ وَاسْتِمَاعُ الْخُطْبَةِ الثَّامِنُ قِيلَ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالرَّكْعَتَيْنِ الْمَأْمُورِ بِهِمَا تَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ بَلْ يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ صَلَاةً فَائِتَةً كَالصُّبْحِ مَثَلًا قَالَهُ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ وَقَوَّاهُ بن الْمُنِيرِ فِي الْحَاشِيَةِ.

     وَقَالَ  لَعَلَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ كُشِفَ لَهُ عَنْ ذَلِكَ وَإِنَّمَا اسْتَفْهَمَهُ مُلَاطَفَةً لَهُ فِي الْخِطَابِ قَالَ وَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ بِالصَّلَاةِ التَّحِيَّةَ لَمْ يَحْتَجْ إِلَى اسْتِفْهَامِهِ لِأَنَّهُ قَدْ رَآهُ لَمَّا دَخَلَ وَقد تولى رده بن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ فَقَالَ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَتَكَرَّرْ أَمْرُهُ لَهُ بِذَلِكَ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى وَمِنْ هَذِهِ الْمَادَّةِ .

     قَوْلُهُ مْ إِنَّمَا أَمَرَهُ بِسُنَّةِ الْجُمُعَةِ الَّتِي قَبْلَهَا وَمُسْتَنَدُهُمْ .

     قَوْلُهُ  فِي قصَّة سليك عِنْد بن مَاجَهْ أَصَلَّيْتَ قَبْلَ أَنْ تَجِيءَ لِأَنَّ ظَاهِرَهُ قَبْلَ أَنْ تَجِيءَ مِنَ الْبَيْتِ وَلِهَذَا قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ إِنْ كَانَ صَلَّى فِي الْبَيْتِ قَبْلَ أَن يَجِيء فَلَا يُصَلِّي إِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ صَلَاةِ التَّحِيَّةِ لَا يُجِيزُ التَّنَفُّلَ حَالَ الْخُطْبَةِ مُطْلَقًا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى قَبْلَ أَنْ تَجِيءَ أَيْ إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي أَنْتَ بِهِ الْآنَ وَفَائِدَةُ الِاسْتِفْهَامِ احْتِمَالُ أَنْ يَكُونَ صَلَّاهَا فِي مُؤَخَّرِ الْمَسْجِدِ ثُمَّ تَقَدَّمَ لِيَقْرَبَ مِنْ سَمَاعِ الْخُطْبَةِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي قِصَّةِ الَّذِي تَخَطَّى وَيُؤَكِّدُهُ أَنَّ فِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ أَصَلَّيْتَ الرَّكْعَتَيْنِ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ وَهُوَ لِلْعَهْدِ وَلَا عَهْدَ هُنَاكَ أَقْرَبُ مِنْ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ.

.
وَأَمَّا سُنَّةُ الْجُمُعَةِ الَّتِي قَبْلَهَا فَلَمْ يَثْبُتْ فِيهَا شَيْءٌ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِهِ التَّاسِعُ قِيلَ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْخُطْبَةَ الْمَذْكُورَةَ كَانَتْ لِلْجُمُعَةِ وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا كَانَتْ لِغَيْرِهَا .

     قَوْلُهُ  لِلدَّاخِلِ أَصَلَّيْتَ لِأَنَّ وَقْتَ الصَّلَاةِ لَمْ يَكُنْ دَخَلَ اه وَهَذَا يَنْبَنِي عَلَى أَنَّ الِاسْتِفْهَامَ وَقَعَ عَنْ صَلَاةِ الْفَرْضِ فَيَحْتَاجُ إِلَى ثُبُوتِ ذَلِكَ وَقَدْ وَقَعَ فِي حَدِيثِ الْبَابِ وَفِي الَّذِي بَعْدَهُ أَن ذَلِككَانَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَهُوَ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الْخُطْبَةَ كَانَتْ لِصَلَاةِ الْجُمُعَةِ الْعَاشِرُ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الْقُرْطُبِيُّ أَقْوَى مَا اعْتَمَدَهُ الْمَالِكِيَّةُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَمَلُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ خَلَفًا عَنْ سَلَفٍ مِنْ لَدُنْ الصَّحَابَةِ إِلَى عَهْدِ مَالِكٍ أَنَّ التَّنَفُّلَ فِي حَالِ الْخُطْبَةِ مَمْنُوعٌ مُطْلَقًا وَتُعُقِّبَ بِمَنْعِ اتِّفَاقِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ عَلَى ذَلِكَ فَقَدْ ثَبَتَ فِعْلُ التَّحِيَّةِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَهُوَ مِنْ فُقَهَاءِ الصَّحَابَةِ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَحَمَلَهُ عَنْهُ أَصْحَابُهُ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ أَيْضا فروى التِّرْمِذِيّ وبن خُزَيْمَةَ وَصَحَّحَاهُ عَنْ عِيَاضِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ دَخَلَ وَمَرْوَانُ يَخْطُبُ فَصَلَّى الرَّكْعَتَيْنِ فَأَرَادَ حَرَسُ مَرْوَانَ أَنْ يَمْنَعُوهُ فَأَبَى حَتَّى صَلَّاهُمَا ثُمَّ قَالَ مَا كُنْتُ لِأَدَعَهُمَا بَعْدَ أَنْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُ بِهِمَا انْتَهَى وَلَمْ يَثْبُتْ عَنْ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ صَرِيحًا مَا يُخَالف ذَلِك وَأما مَا نَقله بن بَطَّالٍ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَغَيْرِ وَاحِدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ مِنَ الْمَنْعِ مُطْلَقًا فَاعْتِمَادُهُ فِي ذَلِكَ عَلَى رِوَايَاتٍ عَنْهُمْ فِيهَا احْتِمَالٌ كَقَوْلِ ثَعْلَبَةَ بْنِ أَبِي مَالِكٍ أَدْرَكْتُ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَكَانَ الْإِمَامُ إِذَا خَرَجَ تَرَكْنَا الصَّلَاةَ وَوَجْهُ الِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ ثَعْلَبَةُ عَنَى بِذَلِكَ مَنْ كَانَ دَاخِلَ الْمَسْجِدِ خَاصَّةً قَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ أَبُو الْفَضْلِ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ كُلُّ مَنْ نُقِلَ عَنْهُ يَعْنِي مِنَ الصَّحَابَةِ مَنْعُ الصَّلَاةِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ كَانَ دَاخِلَ الْمَسْجِدِ لِأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمُ التَّصْرِيحُ بِمَنْعِ التَّحِيَّةِ وَقَدْ وَرَدَ فِيهَا حَدِيثٌ يَخُصُّهَا فَلَا تُتْرَكُ بِالِاحْتِمَالِ انْتَهَى وَلَمْ أَقِفْ عَلَى ذَلِكَ صَرِيحًا عَنْ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ.

.
وَأَمَّا مَا رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَفْوَان أَنه دخل الْمَسْجِد وبن الزُّبَيْرِ يَخْطُبُ فَاسْتَلَمَ الرُّكْنَ ثُمَّ سَلَّمَ عَلَيْهِ ثُمَّ جَلَسَ وَلَمْ يَرْكَعْ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَفْوَانَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرَ صَحَابِيَّانِ صَغِيرَانِ فَقَدْ اسْتَدَلَّ بِهِ الطَّحَاوِيُّ فَقَالَ لَمَّا لَمْ يُنكر بن الزبير على بن صَفْوَانَ وَلَا مَنْ حَضَرَهُمَا مِنَ الصَّحَابَةِ تَرْكَ التَّحِيَّةِ دَلَّ عَلَى صِحَّةِ مَا قُلْنَاهُ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ تَرْكَهُمُ النَّكِيرَ لَا يَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِهَا بَلْ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِهَا وَلَمْ يَقُلْ بِهِ مُخَالِفُوهُمْ وَسَيَأْتِي فِي أَوَاخِرِ الْكَلَامِ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ الْبَحْثُ فِي أَنَّ صَلَاةَ التَّحِيَّةِ هَلْ تَعُمُّ كُلَّ مَسْجِدٍ أَوْ يُسْتَثْنَى الْمَسْجِدُ الْحَرَام لِأَن تحيته الطّواف فَلَعَلَّ بن صَفْوَانَ كَانَ يَرَى أَنَّ تَحِيَّتَهُ اسْتِلَامُ الرُّكْنِ فَقَط وَهَذِه الْأَجْوِبَة الَّتِي قَدَّمْنَاهَا تَنْدَفِعُ مِنْ أَصْلِهَا بِعُمُومِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ الْمَسْجِدَ فَلَا يَجْلِسْ حَتَّى يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ مُتَّفَقُ عَلَيْهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ وَوَرَدَ أَخَصُّ مِنْهُ فِي حَالِ الْخُطْبَةِ فَفِي رِوَايَةِ شُعْبَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قَالَ سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَخْطُبُ إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ أَوْ قَدْ خَرَجَ فَلْيُصَلِّ رَكْعَتَيْنِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ أَيْضًا وَلِمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ جَابِرٍ أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ فِي قِصَّةِ سُلَيْكٍ وَلَفْظُهُ بَعْدَ قَوْلِهِ فَارْكَعْهُمَا وَتَجَوَّزْ فِيهِمَا ثُمَّ قَالَ إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ وَلْيَتَجَوَّزْ فِيهِمَا قَالَ النَّوَوِيُّ هَذَا نَصٌّ لَا يَتَطَرَّقُ إِلَيْهِ التَّأْوِيلُ وَلَا أَظُنُّ عَالِمًا يَبْلُغُهُ هَذَا اللَّفْظُ وَيَعْتَقِدُهُ صَحِيحًا فَيُخَالِفُهُ.

     وَقَالَ  أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ أَبِي جَمْرَةَ هَذَا الَّذِي أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ نَصٌّ فِي الْبَابِ لَا يحْتَمل التَّأْوِيل وَحكى بن دَقِيقِ الْعِيدِ أَنَّ بَعْضَهُمْ تَأَوَّلَ هَذَا الْعُمُومَ بِتَأْوِيلٍ مُسْتَكْرَهٍ وَكَأَنَّهُ يُشِيرُ إِلَى بَعْضِ مَا تَقَدَّمَ مِنِ ادِّعَاءِ النَّسْخِ أَوِ التَّخْصِيصِ وَقَدْ عَارَضَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ الشَّافِعِيَّةَ بِأَنَّهُمْ لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي قِصَّةِ سُلَيْكٍ لِأَنَّ التَّحِيَّةَ عِنْدَهُمْ تَسْقُطُ بِالْجُلُوسِ وَقَدْ تَقَدَّمَ جَوَابُهُ وَعَارَضَ بَعْضُهُمْ بِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ رَفَعَهُ لَا تُصَلُّوا وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ وَعَلَى تَقْدِيرِ ثُبُوتِهِ فَيُخَصُّ عُمُومُهُ بِالْأَمْرِ بِصَلَاةِ التَّحِيَّةِ وَبَعْضُهُمْ بِأَنَّ عُمَرَ لَمْ يَأْمُرْ عُثْمَانَ بِصَلَاةِ التَّحِيَّةِ مَعَ أَنَّهُ أَنْكَرَ عَلَيْهِ الِاقْتِصَارَ عَلَى الْوُضُوءِ وَأُجِيبَ بِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ صَلَّاهُمَا وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنَ الْفَوَائِدِ غَيْرِ مَا تَقَدَّمَ جَوَازُ صَلَاةِ التَّحِيَّةِ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ لِأَنَّهَا إِذَا لم تسْقطفِي الْخُطْبَةِ مَعَ الْأَمْرِ بِالْإِنْصَاتِ لَهَا فَغَيْرُهَا أَوْلَى وَفِيهِ أَنَّ التَّحِيَّةَ لَا تَفُوتُ بِالْقُعُودِ لَكِنْ قَيَّدَهُ بَعْضُهُمْ بِالْجَاهِلِ أَوِ النَّاسِي كَمَا تَقَدَّمَ وَأَنَّ لِلْخَطِيبِ أَنْ يَأْمُرَ فِي خُطْبَتِهِ وَيَنْهَى وَيُبَيِّنَ الْأَحْكَامَ الْمُحْتَاجَ إِلَيْهَا وَلَا يَقْطَعُ ذَلِكَ التَّوَالِي الْمُشْتَرَطَ فِيهَا بَلْ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ كُلَّ ذَلِكَ يُعَدُّ مِنَ الْخُطْبَةِ وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الْمَسْجِدَ شَرْطٌ لِلْجُمُعَةِ لِلِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّهُ لَا تُشْرَعُ التَّحِيَّةُ لِغَيْرِ الْمَسْجِدِ وَفِيهِ نَظَرٌ وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى جَوَازِ رَدِّ السَّلَامِ وَتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ فِي حَالِ الْخُطْبَةِ لِأَنَّ أَمْرَهُمَا أَخَفُّ وَزَمَنَهُمَا أَقْصَرُ وَلَا سِيَّمَا رَدُّ السَّلَامِ فَإِنَّهُ وَاجِبٌ وَسَيَأْتِي الْبَحْثُ فِي ذَلِكَ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَبْوَابٍ فَائِدَةٌ قِيلَ يُخَصُّ عُمُومُ حَدِيثِ الْبَابِ بِالدَّاخِلِ فِي آخِرِ الْخُطْبَةِ كَمَا تَقَدَّمَ قَالَ الشَّافِعِيُّ أَرَى لِلْإِمَامِ أَنْ يَأْمُرَ الْآتِيَ بِالرَّكْعَتَيْنِ وَيَزِيدَ فِي كَلَامِهِ مَا يُمْكِنُهُ الْإِتْيَانُ بِهِمَا قَبْلَ إِقَامَةِ الصَّلَاةِ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ كَرِهْتُ ذَلِكَ وَحَكَى النَّوَوِيُّ عَنِ الْمُحَقِّقِينَ أَنَّ الْمُخْتَارَ إِنْ لَمْ يَفْعَلْ أَنْ يَقِفَ حَتَّى تُقَامَ الصَّلَاةُ لِئَلَّا يَكُونَ جَالِسًا بِغَيْرِ تَحِيَّة أَو متنقلا حَالَ إِقَامَةِ الصَّلَاةِ وَاسْتَثْنَى الْمَحَامِلِيُّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ لِأَنَّ تَحِيَّتَهُ الطَّوَافُ وَفِيهِ نَظَرٌ لِطُولِ زَمَنِ الطَّوَافِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الرَّكْعَتَيْنِ وَالَّذِي يَظْهَرُ مِنْ قَوْلِهِمْ إِنَّ تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الطَّوَافُ إِنَّمَا هُوَ فِي حَقِّ الْقَادِمِ لِيَكُونَ أَوَّلُ شَيْءٍ يَفْعَلُهُ الطَّوَافَ.

.
وَأَمَّا الْمُقِيمُ فَحُكْمُ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَغَيْرِهِ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ وَلَعَلَّ قَوْلَ مَنْ أَطْلَقَ أَنَّهُ يَبْدَأُ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ بِالطَّوَافِ لِكَوْنِ الطَّوَافِ يَعْقُبهُ صَلَاةُ الرَّكْعَتَيْنِ فَيَحْصُلُ شَغْلُ الْبُقْعَةِ بِالصَّلَاةِ غَالِبًا وَهُوَ الْمَقْصُودُ وَيَخْتَصُّ الْمَسْجِدُ الْحَرَام بِزِيَادَة الطّواف وَالله أعلم ( قَولُهُ بَابُ مَنْ جَاءَ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ) قَالَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ لَمْ يَقَعْ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي ذَكَرَهُ التَّقْيِيدُ بِكَوْنِهِمَا خَفِيفَتَيْنِ.

.

قُلْتُ هُوَ كَمَا قَالَ إِلَّا أَنَّ الْمُصَنِّفَ جَرَى عَلَى عَادَتِهِ فِي الْإِشَارَةِ إِلَى مَا فِي بَعْضِ طُرُقِ الْحَدِيثِ وَهُوَ كَذَلِكَ وَقَدْ أَخْرَجَهُ أَبُو قُرَّةَ فِي السُّنَنِ عَنِ الثَّوْرِيِّ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ جَابِرٍ بِلَفْظِ قُمْ فَارْكَعْ رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ عِنْدَ مُسْلِمٍ بِلَفْظِ وَتَجَوَّزْ فِيهِمَا.

     وَقَالَ  الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ مَا مُلَخَّصُهُ فِي التَّرْجَمَةِ الْأُولَى أَنَّ الْأَمْرَ بِالرَّكْعَتَيْنِ يَتَقَيَّدُ بِرُؤْيَةِ الْإِمَامِ الدَّاخِلِ فِي حَالِ الْخُطْبَةِ بَعْدَ أَنْ يَسْتَفْسِرَهُ هَلْ صَلَّى أَمْ لَا وَذَلِكَ كُلُّهُ خَاصٌّ بِالْخَطِيبِ.

.
وَأَمَّا حُكْمُ الدَّاخِلِ فَلَا يَتَقَيَّدُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ بَلْ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ فَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إِلَى ذَلِكَ كُلِّهِ بِالتَّرْجَمَةِ الثَّانِيَةِ بَعْدَ الْأُولَى مَعَ أَنَّ الْحَدِيثَ فِيهِمَا وَاحِد

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [930] حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: "جَاءَ رَجُلٌ وَالنَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَخْطُبُ النَّاسَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَقَالَ: أَصَلَّيْتَ يَا فُلاَنُ؟ قَالَ لاَ.
قَالَ: قُمْ فَارْكَعْ".
[الحديث طرفاه في: 931، 1166] .
وبالسند قال: ( حدّثنا أبو النعمان) محمد بن الفضل السدوسي ( قال: حدّثنا حماد بن زيد، عن عمرو بن دينار، عن جابر بن عبد الله) الأنصاري، وسقط في رواية ابن عساكر: ابن عبد الله، ( قال: جاء رجل) هو: سليك، بضم السين المهملة وفتح اللام وسكون المثناة التحتية وبالكاف الغطفاني، بفتحات ( والنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يخطب الناس يوم الجمعة) سقط لفظ الناس، عند أبي ذر، وثبت عنده: لأبي الهيثم، في نسخة، وزاد مسلم، عن الليث، عن أبي الزبير عن جابر، فقعد سليك قبل أن يصلّي ( فقال) له عليه الصلاة والسلام.
( أصليت) بهمزة الاستفهام، ولأبي ذر والأصيلي، وابن عساكر.
فقال: صليت ( يا فلان) ؟ ( قال) ولأبي ذر فقال: ( لا.
قال)
: ( قم فاركع) .
زاد المستملي والأصيلي ركعتين.
وزاد في رواية الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر عند مسلم، وتجوز فيهما.
ثم قال: "إذا جاء أحدكم يوم الجمعة والإمام يخطب فليركع ركعتين وليتجوّز فيهما".
واستدلّ به الشافعية والحنابلة على أن الداخل للمسجد والخطيب يخطب على المنبر، يندب له صلاة تحية المسجد، لا في آخر الخطبة، ويخففها وجوبًا ليسمع الخطبة.
قال الزركشي: والمراد بالتخفيف، فيما ذكر، الاقتصار على الواجبات، لا الإسراع.
قال: ويدل له ما ذكروه من أنه إذا ضاق الوقت، وأراد الوضوء اقتصر على الواجبات.
اهـ.
ومنع منهما المالكية والحنفية لحديث ابن ماجة أنه عليه الصلاة والسلام قال للذي دخل المسجد يتخطى رقاب الناس: "أجلس فقد آذيت".
وأجابوا عن قصة سليك: بأنها واقعة عين لا عموم لها، فتختص بسليك؛ ويؤيد ذلك حديث أبي سعيد، المروي في السنن، أنه عليه الصلاة والسلام قال له: "صل ركعتين".
وحض علىالصدقة، الحديث، فأمره أن يصلّي ليراه بعض الناس وهو قائم، فيتصدق عليه.
ولأحمد: إن هذا الرجل دخل المسجد، في هيئة بزة، فأمرته أن يصلّي ركعتين، وأنا أرجو أن يتفطن له رجل فيتصدق عليه، وبأن تحية المسجد تفوت بالجلوس.
وأجيب، بأن الأصل عدم الخصوصية، والتعليل بقصد التصدق عليه لا يمنع القول بجواز التحية.
وقد ورد ما يدل لعدم الانحصار في قصد التصدّق، وهو أنه عليه الصلاة والسلام أمره بالصلاة في الجمعة الثانية بعد أن حصل له في الأولى ثوبين، فدخل في الثاني، فتصدّق بأحدهما، فنهاه عليه الصلاة والسلام عن ذلك، بل عند أحمد وابن حبان أنه كرّر أمره بالصلاة ثلاث جمع، وبأن التحية لا تفوت بالجلوس في حق الجاهل أو الناسي، فحال هذا الرجل الداخل محمولة في الأولى على أحدهما، وفي الأخرى على النسيان.
وبأن قوله للذي يتخطى رقاب الناس.
"أجلس" أي: لا تتخطّ.
أو ترك أمره بالتحية لبيان الجواز، فإنها ليست واجبة، أو لكون دخوله وقع في آخر الخطبة بحيث ضاق الوقت عن التحية، أو كان قد صلّى التحية في مؤخر المسجد، ثم تقدم ليقرب من سماع الخطبة، فوقع منه التخطّي، فأنكر عليه.
33 - باب مَنْ جَاءَ وَالإِمَامُ يَخْطُبُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ ( باب مَن جاء والإمام يخطب) جملة حالية، و: مَنْ.
في موضع رفع مبتدأ، وخبره قوله: ( صلى ركعتين خفيفتين) .

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  ( قَولُهُ بَابُ الِاسْتِمَاعِ أَيِ الْإِصْغَاءِ لِلسَّمَاعِ فَكُلُّ مُسْتَمِعٍ سَامِعٌ مِنْ غَيْرِ عَكْسٍ)
وَأَوْرَدَ الْمُصَنِّفُ فِيهِ حَدِيثَ كِتَابَةِ الْمَلَائِكَةِ مَنْ يُبَكِّرُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَفِيهِ فَإِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ طَوَوْا صُحُفَهُمْ وَيَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ مُسْتَوْفًى فِي بَابِ فَضْلِ الْجُمُعَةِ وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ مَنْعَ الْكَلَامِ مِنِ ابْتِدَاءِ الْإِمَامِ فِي الْخُطْبَةِ لِأَنَّ الِاسْتِمَاعَ لَا يَتَّجِهُ إِلَّا إِذَا تَكَلَّمَ.

     وَقَالَ تِ الْحَنَفِيَّةُ يَحْرُمُ الْكَلَامُ مِنِ ابْتِدَاءِ خُرُوجِ الْإِمَامِ وَوَرَدَ فِيهِ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ سَنَذْكُرُهُ فِي الْبَابِ الَّذِي بَعْدَهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَولُهُ بَابُ إِذَا رَأَى الْإِمَامُ رَجُلًا جَاءَ وَهُوَ يَخْطُبُ أَمَرَهُ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ أَيْ إِذَا كَانَ لَمْ يُصَلِّهِمَا قَبْلَ أَنْ يَرَاهُ

[ قــ :902 ... غــ :930] .

     قَوْلُهُ  عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ صَرَّحَ فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ بِسَمَاعِ عَمْرٍو لَهُ مِنْ جَابِرٍ .

     قَوْلُهُ  جَاءَ رَجُلٌ هُوَ سُلَيْكٌ بِمُهْملَة مُصَغرًا بن هَدِيَّة وَقيل بن عَمْرٍو الْغَطَفَانِيُّ بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ ثُمَّ الْمُهْمَلَةِ بَعْدَهَا فَاء من غطفان بن سعيد بْنِ قَيْسِ عَيْلَانَ وَوَقَعَ مُسَمًّى فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ عِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ بِلَفْظِ جَاءَ سُلَيْكٌ الْغَطَفَانِيُّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمٌ عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَعَدَ سُلَيْكٌ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ فَقَالَ لَهُ أَصَلَّيْتَ رَكْعَتَيْنِ فَقَالَ لَا فَقَالَ قُمْ فَارْكَعْهُمَا وَمِنْ طَرِيقِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ جَابِرٍ نَحْوُهُ وَفِيهِ فَقَالَ لَهُ يَا سُلَيْكُ قُمْ فَارْكَعْ رَكْعَتَيْنِ وَتَجَوَّزْ فِيهِمَا هَكَذَا رَوَاهُ حُفَّاظُ أَصْحَابِ الْأَعْمَشِ عَنْهُ وَوَافَقَهُ الْوَلِيدُ أَبُو بِشْرٍ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ وَالدَّارَقُطْنِيِّ وَشَذَّ مَنْصُورُ بْنُ أَبِي الْأَسْوَدِ عَنِ الْأَعْمَشِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ فَقَالَ جَاءَ النُّعْمَانُ بْنُ نَوْفَلٍ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ قَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ وَهِمَ فِيهِ مَنْصُورٌ يَعْنِي فِي تَسْمِيَةِ الْآتِي وَقَدْ رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ مِنْ طَرِيقِ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ عَنِ الْأَعْمَشِ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا صَالِحٍ يُحَدِّثُ بِحَدِيثِ سُلَيْكٍ الْغَطَفَانِيِّ ثُمَّ سَمِعْتُ أَبَا سُفْيَانَ يُحَدِّثُ بِهِ عَنْ جَابِرٍ فَتَحَرَّرَ أَنَّ هَذِهِ الْقِصَّةَ لِسُلَيْكٍ وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي ذَرٍّ أَنَّهُ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَخْطُبُ فَقَالَ لِأَبِي ذَرٍّ صَلَّيْتَ رَكْعَتَيْنِ قَالَ لَا الْحَدِيثَ وَفِي إِسْنَاده بن لَهِيعَةَ وَشَذَّ بِقَوْلِهِ وَهُوَ يَخْطُبُ فَإِنَّ الْحَدِيثَ مَشْهُورٌ عَنْ أَبِي ذَرٍّ أَنَّهُ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ جَالِسٌ فِي الْمَسْجِد أخرجه بن حِبَّانَ وَغَيْرُهُ.

.
وَأَمَّا مَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ قَالَ دَخَلَ رَجُلٌ مِنْ قَيْسٍ الْمَسْجِدَ فَذَكَرَ نَحْوَ قِصَّةِ سُلَيْكٍ فَلَا يُخَالِفُ كَوْنَهُ سُلَيْكًا فَإِنَّ غَطَفَانَ مِنْ قَيْسٍ كَمَا تَقَدَّمَ وَإِنْ كَانَ بَعْضُ شُيُوخِنَا غَايَرَ بَيْنَهُمَا وَجَوَّزَ أَنْ تَكُونَ الْوَاقِعَةُ تَعَدَّدَتْ فَإِنَّهُ لَمْ يَتَبَيَّنْ لِي ذَلِكَ وَاخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى الْأَعْمَشِ اخْتِلَافًا آخَرَ رَوَاهُ الثَّوْرِيُّ عَنْهُ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ جَابِرٍ عَنْ سُلَيْكٍ فَجَعَلَ الْحَدِيثَ من مُسْند سليك قَالَ بن عَدِيٍّ لَا أَعْلَمُ أَحَدًا قَالَهُ عَنِ الثَّوْرِيِّ هَكَذَا غَيْرَ الْفِرْيَابِيِّ وَإِبْرَاهِيمَ بْنِ خَالِدٍ اه وَقَدْ قَالَهُ عَنْهُ أَيْضًا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْرَجَهُ هَكَذَا فِي مُصَنَّفِهِ وَأَحْمَدُ عَنْهُ وَأَبُو عَوَانَةَ وَالدَّارَقُطْنِيّ من طَرِيقه وَنقل بن عَدِيٍّ عَنِ النَّسَائِيِّ أَنَّهُ قَالَ هَذَا خَطَأٌ اه وَالَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّهُ مَا عَنَى أَنَّ جَابِرًا حَمَلَ الْقِصَّةَ عَنْ سُلَيْكٍ وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ أَنَّ جَابِرًا حَدَّثَهُمْ عَنْ قِصَّةِ سُلَيْكٍ وَلِهَذَا نَظِيرٌ سَأَذْكُرُهُ فِي حَدِيثِ أَبِي مَسْعُودٍ فِي قِصَّةِ أَبِي شُعَيْبٍ اللَّحَّامِ فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَمِنَ الْمُسْتَغْرَبَاتِ مَا حَكَاهُ بن بَشْكُوَالَ فِي الْمُبْهَمَاتِ أَنَّ الدَّاخِلَ الْمَذْكُورَ يُقَالُ لَهُ أَبُو هَدِيَّةَ فَإِنْ كَانَ مَحْفُوظًا فَلَعَلَّهَا كُنْيَةُ سُلَيْكٍ صَادَفَتِ اسْمَ أَبِيهِ .

     قَوْلُهُ  فَقَالَ صَلَّيْتَ كَذَا لِلْأَكْثَرِ بِحَذْفِ هَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ وَثَبَتَ فِي رِوَايَةِ الْأَصِيلِيِّ .

     قَوْلُهُ  قُمْ فَارْكَعْ زَادَ الْمُسْتَمْلِي وَالْأَصِيلِيُّ رَكْعَتَيْنِ وَكَذَا فِي رِوَايَةِ سُفْيَانَ فِي الْبَابِ الَّذِي بَعْدَهُ فَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الْخُطْبَةَ لَا تَمْنَعُ الدَّاخِلَ مِنْ صَلَاةِ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهَا وَاقِعَةُ عَيْنٍ لَا عُمُومَ لَهَا فَيَحْتَمِلُ اخْتِصَاصُهَا بِسُلَيْكٍ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ .

     قَوْلُهُ  فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الَّذِي أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ وَغَيْرُهُمْ جَاءَ رَجُلٌ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ وَالرَّجُلُ فِي هَيْئَةٍ بَذَّةٍ فَقَالَ لَهُ أَصَلَّيْتَ قَالَ لَا قَالَ صَلِّ رَكْعَتَيْنِ وَحَضَّ النَّاسَ عَلَى الصَّدَقَةِ الْحَدِيثَ فَأَمَرَهُ أَنْ يُصَلِّيَ لِيَرَاهُ بَعْضُ النَّاسِ وَهُوَ قَائِمٌ فَيَتَصَدَّقُ عَلَيْهِ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عِنْدَ أَحْمَدَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ هَذَا الرَّجُلَ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فِي هَيْئَةٍ بَذَّةٍ فَأَمَرْتُهُ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ وَأَنَا أَرْجُو أَنْ يَفْطِنَ لَهُ رَجُلٌ فَيَتَصَدَّقَ عَلَيْهِ وَعُرِفَ بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ الرَّدُّ عَلَى مَنْ طَعَنَ فِي هَذَا التَّأْوِيلِ فَقَالَ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَقَالَ لَهُمْ إِذَا رَأَيْتُمْ ذَا بَذَّةٍ فَتَصَدَّقُوا عَلَيْهِ أَوْ إِذَا كَانَ أَحَدٌ ذَا بَذَّةٍ فَلْيَقُمْ فَلْيَرْكَعْ حَتَّى يَتَصَدَّقَ النَّاسُ عَلَيْهِ وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَعْتَنِي فِي مِثْلِ هَذَا بِالْإِجْمَالِ دُونَ التَّفْصِيلِ كَمَا كَانَ يَصْنَعُ عِنْدَ الْمُعَاتَبَةِ وَمِمَّا يُضْعِفُ الِاسْتِدْلَالَ بِهِ أَيْضًا عَلَى جَوَازِ التَّحِيَّةِ فِي تِلْكَ الْحَالِ أَنَّهُمْ أَطْلَقُوا أَنَّ التَّحِيَّةَ تَفُوتُ بِالْجُلُوسِ وَوَرَدَ أَيْضًا مَا يُؤَكِّدُ الْخُصُوصِيَّةَ وَهُوَ .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِسُلَيْكٍ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ لَا تعودن لمثل هَذَا أخرجه بن حِبَّانَ انْتَهَى مَا اعْتَلَّ بِهِ مَنْ طَعَنَ فِي الِاسْتِدْلَالِ بِهَذِهِ الْقِصَّةِ عَلَى جَوَازِ التَّحِيَّةِ وَكُلُّهُ مَرْدُودٌ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْخُصُوصِيَّةِ وَالتَّعْلِيلُ بِكَوْنِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَصَدَ التَّصَدُّقِ عَلَيْهِ لَا يَمْنَعُ الْقَوْلَ بِجَوَازِ التَّحِيَّةِ فَإِنَّ الْمَانِعِينَ مِنْهَا لَا يُجِيزُونَ التَّطَوُّعَ لِعِلَّةِ التَّصَدُّقِ قَالَ بن الْمُنِيرِ فِي الْحَاشِيَةِ لَوْ سَاغَ ذَلِكَ لَسَاغَ مِثْلَهُ فِي التَّطَوُّعِ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَسَائِرِ الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ وَلَا قَائِلَ بِهِ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَمْرَهُ بِالصَّلَاةِ لَمْ يَنْحَصِرْ فِي قَصْدِ التَّصَدُّقِ مُعَاوَدَتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَمْرِهِ بِالصَّلَاةِ أَيْضًا فِي الْجُمُعَةِ الثَّانِيَةِ بَعْدَ أَنْ حَصَلَ لَهُ فِي الْجُمُعَةِ الْأُولَى ثَوْبَيْنِ فَدَخَلَ بِهِمَا فِي الثَّانِيَةِ فَتَصَدَّقَ بِأَحَدِهِمَا فَنَهَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ أخرجه النَّسَائِيّ وبن خُزَيْمَةَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ أَيْضًا وَلِأَحْمَدَ وبن حِبَّانَ أَنَّهُ كَرَّرَ أَمْرَهُ بِالصَّلَاةِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فِي ثَلَاثِ جُمَعٍ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ قَصْدَ التَّصَدُّقِ عَلَيْهِ جُزْءُ عِلَّةٍ لَا عِلَّةٌ كَامِلَةٌ.

.
وَأَمَّا إِطْلَاقُ مَنْ أَطْلَقَ أَنَّ التَّحِيَّةَ تَفُوتُ بِالْجُلُوسِ فَقَدْ حَكَى النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ عَنْ الْمُحَقِّقِينَ أَنَّ ذَلِكَ فِي حَقِّ الْعَامِدِ الْعَالِمِ أَمَّا الْجَاهِلُ أَوِ النَّاسِي فَلَا وَحَالُ هَذَا الدَّاخِلِ مَحْمُولَةٌ فِي الْأُولَى عَلَى أَحَدِهِمَا وَفِي الْمَرَّتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ عَلَى النِّسْيَانِ وَالْحَامِلُ لِلْمَانِعِينَ عَلَى التَّأْوِيلِ الْمَذْكُورِ أَنَّهُمْ زَعَمُوا أَنَّ ظَاهِرَهُ مُعَارِضٌ لِلْأَمْرِ بالإنصات وَالِاسْتِمَاع للخطبة قَالَ بن الْعَرَبِيِّ عَارَضَ قِصَّةَ سُلَيْكٍ مَا هُوَ أَقْوَى مِنْهَا كَقولِهِ تَعَالَى وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا وَقَولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قُلْتَ لِصَاحِبِكَ أَنْصِتْ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَقَدْ لَغَوْتَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ قَالَ فَإِذَا امْتَنَعَ الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَهُوَ أَمْرُ اللَّاغِي بِالْإِنْصَاتِ مَعَ قِصَرِ زَمَنِهِ فَمَنْعُ التَّشَاغُلِ بِالتَّحِيَّةِ مَعَ طُولِ زَمَنِهَا أَوْلَى وَعَارَضُوا أَيْضًا بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ يخْطب الَّذِي دَخَلَ يَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ اجْلِسْ فَقَدْ آذَيْتَ أخرجه أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَصَححهُ بن خُزَيْمَةَ وَغَيْرُهُ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرٍ قَالُوا فَأَمَرَهُ بِالْجُلُوسِ وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِالتَّحِيَّةِ وروى الطَّبَرَانِيّ من حَدِيث بن عُمَرَ رَفَعَهُ إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمْ وَالْإِمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ فَلَا صَلَاةَ وَلَا كَلَامَ حَتَّى يَفْرُغَ الْإِمَامُ وَالْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ أَنَّ الْمُعَارَضَةَ الَّتِي تَئُولُ إِلَى إِسْقَاطِ أَحَدِ الدَّلِيلَيْنِ إِنَّمَا يُعْمَلُ بِهَا عِنْدَ تَعَذُّرِ الْجَمْعِ وَالْجَمْعُ هُنَا مُمْكِنٌ أَمَّا الْآيَةُ فَلَيْسَتِ الْخُطْبَةُ كُلُّهَا قُرْآنًا.

.
وَأَمَّا مَا فِيهَا مِنَ الْقُرْآنِ فَالْجَوَابُ عَنْهُ كَالْجَوَابِ عَنِ الْحَدِيثِ وَهُوَ تَخْصِيصُ عُمُومِهِ بِالدَّاخِلِ وَأَيْضًا فَمُصَلِّي التَّحِيَّةِ يَجُوزُ أَنْ يُطْلَقَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مُنْصِتٌ فَقَدْ تَقَدَّمَ فِي افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ سُكُوتُكَ بَيْنَ التَّكْبِيرِ وَالْقِرَاءَةِ مَا تَقُولُ فِيهِ فَأَطْلَقَ عَلَى الْقَوْلِ سِرًّا السُّكُوتَ وَأما حَدِيث بن بِشْرٍ فَهُوَ أَيْضًا وَاقِعَةُ عَيْنٍ لَا عُمُومَ فِيهَا فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ تَرْكُ أَمْرِهِ بِالتَّحِيَّةِ قَبْلَ مَشْرُوعِيَّتِهَا وَقَدْ عَارَضَ بَعْضُهُمْ فِي قِصَّةِ سُلَيْكٍ بِمِثْلِ ذَلِكَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِأَنْ يَكُونَ .

     قَوْلُهُ  لَهُ اجْلِسْ أَيْ بِشَرْطِهِ وَقَدْ عُرِفَ .

     قَوْلُهُ  لِلدَّاخِلِ فَلَا تَجْلِسْ حَتَّى تُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ فَمَعْنَى قَوْلِهِ اجْلِسْ أَيْ لَا تَتَخَطَّ أَوْ تَرَكَ أَمْرَهُ بِالتَّحِيَّةِ لِبَيَانِ الْجَوَازِ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ وَاجِبَةً أَوْ لِكَوْنِ دُخُولِهِ وَقَعَ فِي أَوَاخِرِ الْخُطْبَةِ بِحَيْثُ ضَاقَ الْوَقْتُ عَنِ التَّحِيَّةِ وَقَدِ اتَّفَقُوا عَلَى اسْتِثْنَاءِ هَذِهِ الصُّورَةِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ صَلَّى التَّحِيَّةَ فِي مُؤَخَّرِ الْمَسْجِدِ ثُمَّ تَقَدَّمَ لِيَقْرَبَ مِنْ سَمَاعِ الْخُطْبَةِ فَوَقَعَ مِنْهُ التَّخَطِّي فَأَنْكَرَ عَلَيْهِ وَالْجَوَابُ عَنْ حَدِيث بن عُمَرَ بِأَنَّهُ ضَعِيفٌ فِيهِ أَيُّوبُ بْنُ نَهِيكٍ وَهُوَ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ قَالَهُ أَبُو زُرْعَةَ وَأَبُو حَاتِم وَالْأَحَادِيث الصَّحِيحَةُ لَا تُعَارَضُ بِمِثْلِهِ.

.
وَأَمَّا قِصَّةُ سُلَيْكٍ فَقَدْ ذَكَرَ التِّرْمِذِيُّ أَنَّهَا أَصَحُّ شَيْءٍ رُوِيَ فِي هَذَا الْبَابِ وَأَقْوَى وَأَجَابَ الْمَانِعُونَ أَيْضًا بِأَجْوِبَةٍ غَيْرِ مَا تَقَدَّمَ اجْتَمَعَ لَنَا مِنْهَا زِيَادَةٌ عَلَى عَشَرَةِ أَوْرَدْتُهَا مُلَخَّصَةً مَعَ الْجَوَابِ عَنْهَا لِتُسْتَفَادَ الْأَوَّلُ قَالُوا إِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا خَاطَبَ سُلَيْكًا سَكَتَ عَنْ خُطْبَتِهِ حَتَّى فَرَغَ سُلَيْكٌ مِنْ صَلَاتِهِ فَعَلَى هَذَا فَقَدْ جَمَعَ سُلَيْكٌ بَيْنَ سَمَاعِ الْخُطْبَةِ وَصَلَاةِ التَّحِيَّةِ فَلَيْسَ فِيهِ حُجَّةٌ لِمَنْ أَجَازَ التَّحِيَّةَ وَالْخَطِيبُ يَخْطُبُ وَالْجَوَابُ أَنَّ الدَّارَقُطْنِيَّ الَّذِي أَخْرَجَهُ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ قَدْ ضَعَّفَهُ.

     وَقَالَ  إِنَّ الصَّوَابَ أَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ مُرْسلا أَو معضلا وَقد تعقبه بن الْمُنِيرِ فِي الْحَاشِيَةِ بِأَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ لَمْ يَسُغْ عَلَى قَاعِدَتِهِمْ لِأَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ جَوَازَ قَطْعِ الْخُطْبَةِ لِأَجْلِ الدَّاخِلِ وَالْعَمَلُ عِنْدَهُمْ لَا يَجُوزُ قَطْعُهُ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِيهِ لَا سِيَّمَا إِذَا كَانَ وَاجِبًا الثَّانِي قِيلَ لَمَّا تَشَاغَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمُخَاطَبَةِ سُلَيْكٍ سَقَطَ فَرْضُ الِاسْتِمَاعِ عَنْهُ إِذْ لَمْ يَكُنْ مِنْهُ حِينَئِذٍ خطْبَة لأجل تِلْكَ المخاطبة قَالَه بن الْعَرَبِيِّ وَادَّعَى أَنَّهُ أَقْوَى الْأَجْوِبَةِ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ مِنْ أَضْعَفِهَا لِأَنَّ الْمُخَاطَبَةَ لَمَّا انْقَضَتْ رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى خُطْبَتِهِ وَتَشَاغَلَ سُلَيْكٌ بِامْتِثَالِ مَا أَمَرَهُ بِهِ مِنَ الصَّلَاةِ فَصَحَّ أَنَّهُ صَلَّى فِي حَالِ الْخُطْبَةِ الثَّالِثُ قِيلَ كَانَتْ هَذِهِ الْقِصَّةُ قَبْلَ شُرُوعِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْخُطْبَةِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ .

     قَوْلُهُ  فِي رِوَايَةِ اللَّيْثِ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاعِدٌ عَلَى الْمِنْبَرِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْقُعُودَ عَلَى الْمِنْبَرِ لَا يَخْتَصُّ بِالِابْتِدَاءِ بَلْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ أَيْضًا فَيَكُونُ كَلَّمَهُ بِذَلِكَ وَهُوَ قَاعِدٌ فَلَمَّا قَامَ لِيُصَلِّيَ قَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْخُطْبَةِ لِأَنَّ زَمَنَ الْقُعُودِ بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ لَا يَطُولُ وَيَحْتَمِلُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ الرَّاوِي تَجَوَّزَ فِي قَوْلِهِ قَاعِدٌ لِأَنَّ الرِّوَايَاتِ الصَّحِيحَةَ كُلَّهَا مُطْبِقَةٌ عَلَى أَنَّهُ دَخَلَ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ الرَّابِعُ قِيلَ كَانَتْ هَذِهِ الْقِصَّةُ قَبْلَ تَحْرِيمِ الْكَلَامِ فِي الصَّلَاةِ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ سُلَيْكًا مُتَأَخِّرُ الْإِسْلَامِ جِدًّا وَتَحْرِيمُ الْكَلَامِ مُتَقَدِّمٌ جِدًّا كَمَا سَيَأْتِي فِي مَوْضِعِهِ فِي أَوَاخِرِ الصَّلَاةِ فَكَيْفَ يُدَّعَى نَسْخُ الْمُتَأَخِّرِ بِالْمُتَقَدِّمِ مَعَ أَنَّ النَّسْخَ لَا يَثْبُتُ بِالِاحْتِمَالِ وَقِيلَ كَانَتْ قَبْلَ الْأَمْرِ بِالْإِنْصَاتِ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْجَوَابُ عَنْهُ وَعُورِضَ هَذَا الِاحْتِمَالُ بِمِثْلِهِ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي اسْتَدَلُّوا بِهِ وَهُوَ مَا أخرجه الطَّبَرَانِيّ عَن بن عُمَرَ إِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ فَلَا صَلَاةَ وَلَا كَلَامَ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ قَبْلَ الْأَمْرِ بِصَلَاةِ التَّحِيَّةِ وَالْأَوْلَى فِي هَذَا أَنْ يُقَالَ عَلَى تَقْدِيرِ تَسْلِيمِ ثُبُوتِ رَفْعِهِ يُخَصُّ عُمُومُهُ بِحَدِيثِ الْأَمْرِ بِالتَّحِيَّةِ خَاصَّةً كَمَا تَقَدَّمَ الْخَامِسُ قِيلَ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ مَنْعَ الصَّلَاةِ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ يَسْتَوِي فِيهِ مَنْ كَانَ دَاخِلَ الْمَسْجِدِ أَوْ خَارِجَهُ وَقَدِ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ مَنْ كَانَ دَاخِلَ الْمَسْجِدِ يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ التَّنَفُّلُ حَالَ الْخُطْبَةِ فَلْيَكُنِ الْآتِي كَذَلِكَ قَالَهُ الطَّحَاوِيُّ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ قِيَاسٌ فِي مُقَابَلَةِ النَّصِّ فَهُوَ فَاسِدٌ وَمَا نَقَلَهُ مِنَ الِاتِّفَاقِ وَافَقَهُ عَلَيْهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ وَقَدْ شَذَّ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ فَقَالَ يَنْبَنِي عَلَى وُجُوبِ الْإِنْصَاتِ فَإِنْ قُلْنَا بِهِ امْتَنَعَ التَّنَفُّلِ وَإِلَّا فَلَا السَّادِسُ قِيلَ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الدَّاخِلَ وَالْإِمَامُ فِي الصَّلَاةِ تَسْقُطُ عَنْهُ التَّحِيَّةُ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْخُطْبَةَ صَلَاةٌ فَتَسْقُطُ عَنْهُ فِيهَا أَيْضًا وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الْخُطْبَةَ لَيْسَتْ صَلَاةً مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا ظَاهِرٌ مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ وَالدَّاخِلُ فِي حَالِ الْخُطْبَةِ مَأْمُورٌ بِشَغْلِ الْبُقْعَةِ بِالصَّلَاةِ قَبْلَ جُلُوسِهِ بِخِلَافِ الدَّاخِلِ فِي حَالِ الصَّلَاةِ فَإِنَّ إِتْيَانَهُ بِالصَّلَاةِ الَّتِي أُقِيمَتْ يُحَصِّلُ الْمَقْصُودَ هَذَا مَعَ تَفْرِيقِ الشَّارِعِ بَيْنَهُمَا فَقَالَ إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَلَا صَلَاةَ إِلَّا الْمَكْتُوبَةَ وَقَدْ وَقَعَ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ فَلَا صَلَاةَ إِلَّا الَّتِي أُقِيمَتْ وَلَمْ يَقُلْ ذَلِكَ فِي حَالِ الْخُطْبَةِ بَلْ أَمَرَهُمْ فِيهَا بِالصَّلَاةِ السَّابِعُ قِيلَ اتَّفَقُوا عَلَى سُقُوطِ التَّحِيَّةِ عَنِ الْإِمَامِ مَعَ كَوْنِهِ يَجْلِسُ عَلَى الْمِنْبَرِ مَعَ أَنَّ لَهُ ابْتِدَاءَ الْكَلَامِ فِي الْخُطْبَةِ دُونَ الْمَأْمُومِ فَيَكُونُ تَرْكُ الْمَأْمُومِ التَّحِيَّةَ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ أَيْضًا قِيَاسٌ فِي مُقَابَلَةِ النَّصِّ فَهُوَ فَاسِدٌ وَلِأَنَّ الْأَمْرَ وَقَعَ مُقَيَّدًا بِحَالِ الْخُطْبَةِ فَلَمْ يَتَنَاوَلِ الْخَطِيبُ.

     وَقَالَ  الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ مَنْعُ الْكَلَامِ إِنَّمَا هُوَ لِمَنْ شَهِدَ الْخُطْبَةَ لَا لِمَنْ خَطَبَ فَكَذَلِكَ الْأَمْرُ بِالْإِنْصَاتِ وَاسْتِمَاعُ الْخُطْبَةِ الثَّامِنُ قِيلَ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالرَّكْعَتَيْنِ الْمَأْمُورِ بِهِمَا تَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ بَلْ يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ صَلَاةً فَائِتَةً كَالصُّبْحِ مَثَلًا قَالَهُ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ وَقَوَّاهُ بن الْمُنِيرِ فِي الْحَاشِيَةِ.

     وَقَالَ  لَعَلَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ كُشِفَ لَهُ عَنْ ذَلِكَ وَإِنَّمَا اسْتَفْهَمَهُ مُلَاطَفَةً لَهُ فِي الْخِطَابِ قَالَ وَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ بِالصَّلَاةِ التَّحِيَّةَ لَمْ يَحْتَجْ إِلَى اسْتِفْهَامِهِ لِأَنَّهُ قَدْ رَآهُ لَمَّا دَخَلَ وَقد تولى رده بن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ فَقَالَ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَتَكَرَّرْ أَمْرُهُ لَهُ بِذَلِكَ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى وَمِنْ هَذِهِ الْمَادَّةِ .

     قَوْلُهُ مْ إِنَّمَا أَمَرَهُ بِسُنَّةِ الْجُمُعَةِ الَّتِي قَبْلَهَا وَمُسْتَنَدُهُمْ .

     قَوْلُهُ  فِي قصَّة سليك عِنْد بن مَاجَهْ أَصَلَّيْتَ قَبْلَ أَنْ تَجِيءَ لِأَنَّ ظَاهِرَهُ قَبْلَ أَنْ تَجِيءَ مِنَ الْبَيْتِ وَلِهَذَا قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ إِنْ كَانَ صَلَّى فِي الْبَيْتِ قَبْلَ أَن يَجِيء فَلَا يُصَلِّي إِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ صَلَاةِ التَّحِيَّةِ لَا يُجِيزُ التَّنَفُّلَ حَالَ الْخُطْبَةِ مُطْلَقًا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى قَبْلَ أَنْ تَجِيءَ أَيْ إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي أَنْتَ بِهِ الْآنَ وَفَائِدَةُ الِاسْتِفْهَامِ احْتِمَالُ أَنْ يَكُونَ صَلَّاهَا فِي مُؤَخَّرِ الْمَسْجِدِ ثُمَّ تَقَدَّمَ لِيَقْرَبَ مِنْ سَمَاعِ الْخُطْبَةِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي قِصَّةِ الَّذِي تَخَطَّى وَيُؤَكِّدُهُ أَنَّ فِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ أَصَلَّيْتَ الرَّكْعَتَيْنِ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ وَهُوَ لِلْعَهْدِ وَلَا عَهْدَ هُنَاكَ أَقْرَبُ مِنْ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ.

.
وَأَمَّا سُنَّةُ الْجُمُعَةِ الَّتِي قَبْلَهَا فَلَمْ يَثْبُتْ فِيهَا شَيْءٌ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِهِ التَّاسِعُ قِيلَ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْخُطْبَةَ الْمَذْكُورَةَ كَانَتْ لِلْجُمُعَةِ وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا كَانَتْ لِغَيْرِهَا .

     قَوْلُهُ  لِلدَّاخِلِ أَصَلَّيْتَ لِأَنَّ وَقْتَ الصَّلَاةِ لَمْ يَكُنْ دَخَلَ اه وَهَذَا يَنْبَنِي عَلَى أَنَّ الِاسْتِفْهَامَ وَقَعَ عَنْ صَلَاةِ الْفَرْضِ فَيَحْتَاجُ إِلَى ثُبُوتِ ذَلِكَ وَقَدْ وَقَعَ فِي حَدِيثِ الْبَابِ وَفِي الَّذِي بَعْدَهُ أَن ذَلِك كَانَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَهُوَ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الْخُطْبَةَ كَانَتْ لِصَلَاةِ الْجُمُعَةِ الْعَاشِرُ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الْقُرْطُبِيُّ أَقْوَى مَا اعْتَمَدَهُ الْمَالِكِيَّةُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَمَلُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ خَلَفًا عَنْ سَلَفٍ مِنْ لَدُنْ الصَّحَابَةِ إِلَى عَهْدِ مَالِكٍ أَنَّ التَّنَفُّلَ فِي حَالِ الْخُطْبَةِ مَمْنُوعٌ مُطْلَقًا وَتُعُقِّبَ بِمَنْعِ اتِّفَاقِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ عَلَى ذَلِكَ فَقَدْ ثَبَتَ فِعْلُ التَّحِيَّةِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَهُوَ مِنْ فُقَهَاءِ الصَّحَابَةِ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَحَمَلَهُ عَنْهُ أَصْحَابُهُ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ أَيْضا فروى التِّرْمِذِيّ وبن خُزَيْمَةَ وَصَحَّحَاهُ عَنْ عِيَاضِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ دَخَلَ وَمَرْوَانُ يَخْطُبُ فَصَلَّى الرَّكْعَتَيْنِ فَأَرَادَ حَرَسُ مَرْوَانَ أَنْ يَمْنَعُوهُ فَأَبَى حَتَّى صَلَّاهُمَا ثُمَّ قَالَ مَا كُنْتُ لِأَدَعَهُمَا بَعْدَ أَنْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُ بِهِمَا انْتَهَى وَلَمْ يَثْبُتْ عَنْ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ صَرِيحًا مَا يُخَالف ذَلِك وَأما مَا نَقله بن بَطَّالٍ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَغَيْرِ وَاحِدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ مِنَ الْمَنْعِ مُطْلَقًا فَاعْتِمَادُهُ فِي ذَلِكَ عَلَى رِوَايَاتٍ عَنْهُمْ فِيهَا احْتِمَالٌ كَقَوْلِ ثَعْلَبَةَ بْنِ أَبِي مَالِكٍ أَدْرَكْتُ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَكَانَ الْإِمَامُ إِذَا خَرَجَ تَرَكْنَا الصَّلَاةَ وَوَجْهُ الِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ ثَعْلَبَةُ عَنَى بِذَلِكَ مَنْ كَانَ دَاخِلَ الْمَسْجِدِ خَاصَّةً قَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ أَبُو الْفَضْلِ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ كُلُّ مَنْ نُقِلَ عَنْهُ يَعْنِي مِنَ الصَّحَابَةِ مَنْعُ الصَّلَاةِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ كَانَ دَاخِلَ الْمَسْجِدِ لِأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمُ التَّصْرِيحُ بِمَنْعِ التَّحِيَّةِ وَقَدْ وَرَدَ فِيهَا حَدِيثٌ يَخُصُّهَا فَلَا تُتْرَكُ بِالِاحْتِمَالِ انْتَهَى وَلَمْ أَقِفْ عَلَى ذَلِكَ صَرِيحًا عَنْ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ.

.
وَأَمَّا مَا رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَفْوَان أَنه دخل الْمَسْجِد وبن الزُّبَيْرِ يَخْطُبُ فَاسْتَلَمَ الرُّكْنَ ثُمَّ سَلَّمَ عَلَيْهِ ثُمَّ جَلَسَ وَلَمْ يَرْكَعْ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَفْوَانَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرَ صَحَابِيَّانِ صَغِيرَانِ فَقَدْ اسْتَدَلَّ بِهِ الطَّحَاوِيُّ فَقَالَ لَمَّا لَمْ يُنكر بن الزبير على بن صَفْوَانَ وَلَا مَنْ حَضَرَهُمَا مِنَ الصَّحَابَةِ تَرْكَ التَّحِيَّةِ دَلَّ عَلَى صِحَّةِ مَا قُلْنَاهُ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ تَرْكَهُمُ النَّكِيرَ لَا يَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِهَا بَلْ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِهَا وَلَمْ يَقُلْ بِهِ مُخَالِفُوهُمْ وَسَيَأْتِي فِي أَوَاخِرِ الْكَلَامِ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ الْبَحْثُ فِي أَنَّ صَلَاةَ التَّحِيَّةِ هَلْ تَعُمُّ كُلَّ مَسْجِدٍ أَوْ يُسْتَثْنَى الْمَسْجِدُ الْحَرَام لِأَن تحيته الطّواف فَلَعَلَّ بن صَفْوَانَ كَانَ يَرَى أَنَّ تَحِيَّتَهُ اسْتِلَامُ الرُّكْنِ فَقَط وَهَذِه الْأَجْوِبَة الَّتِي قَدَّمْنَاهَا تَنْدَفِعُ مِنْ أَصْلِهَا بِعُمُومِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ الْمَسْجِدَ فَلَا يَجْلِسْ حَتَّى يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ مُتَّفَقُ عَلَيْهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ وَوَرَدَ أَخَصُّ مِنْهُ فِي حَالِ الْخُطْبَةِ فَفِي رِوَايَةِ شُعْبَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قَالَ سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَخْطُبُ إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ أَوْ قَدْ خَرَجَ فَلْيُصَلِّ رَكْعَتَيْنِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ أَيْضًا وَلِمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ جَابِرٍ أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ فِي قِصَّةِ سُلَيْكٍ وَلَفْظُهُ بَعْدَ قَوْلِهِ فَارْكَعْهُمَا وَتَجَوَّزْ فِيهِمَا ثُمَّ قَالَ إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ وَلْيَتَجَوَّزْ فِيهِمَا قَالَ النَّوَوِيُّ هَذَا نَصٌّ لَا يَتَطَرَّقُ إِلَيْهِ التَّأْوِيلُ وَلَا أَظُنُّ عَالِمًا يَبْلُغُهُ هَذَا اللَّفْظُ وَيَعْتَقِدُهُ صَحِيحًا فَيُخَالِفُهُ.

     وَقَالَ  أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ أَبِي جَمْرَةَ هَذَا الَّذِي أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ نَصٌّ فِي الْبَابِ لَا يحْتَمل التَّأْوِيل وَحكى بن دَقِيقِ الْعِيدِ أَنَّ بَعْضَهُمْ تَأَوَّلَ هَذَا الْعُمُومَ بِتَأْوِيلٍ مُسْتَكْرَهٍ وَكَأَنَّهُ يُشِيرُ إِلَى بَعْضِ مَا تَقَدَّمَ مِنِ ادِّعَاءِ النَّسْخِ أَوِ التَّخْصِيصِ وَقَدْ عَارَضَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ الشَّافِعِيَّةَ بِأَنَّهُمْ لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي قِصَّةِ سُلَيْكٍ لِأَنَّ التَّحِيَّةَ عِنْدَهُمْ تَسْقُطُ بِالْجُلُوسِ وَقَدْ تَقَدَّمَ جَوَابُهُ وَعَارَضَ بَعْضُهُمْ بِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ رَفَعَهُ لَا تُصَلُّوا وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ وَعَلَى تَقْدِيرِ ثُبُوتِهِ فَيُخَصُّ عُمُومُهُ بِالْأَمْرِ بِصَلَاةِ التَّحِيَّةِ وَبَعْضُهُمْ بِأَنَّ عُمَرَ لَمْ يَأْمُرْ عُثْمَانَ بِصَلَاةِ التَّحِيَّةِ مَعَ أَنَّهُ أَنْكَرَ عَلَيْهِ الِاقْتِصَارَ عَلَى الْوُضُوءِ وَأُجِيبَ بِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ صَلَّاهُمَا وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنَ الْفَوَائِدِ غَيْرِ مَا تَقَدَّمَ جَوَازُ صَلَاةِ التَّحِيَّةِ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ لِأَنَّهَا إِذَا لم تسْقط فِي الْخُطْبَةِ مَعَ الْأَمْرِ بِالْإِنْصَاتِ لَهَا فَغَيْرُهَا أَوْلَى وَفِيهِ أَنَّ التَّحِيَّةَ لَا تَفُوتُ بِالْقُعُودِ لَكِنْ قَيَّدَهُ بَعْضُهُمْ بِالْجَاهِلِ أَوِ النَّاسِي كَمَا تَقَدَّمَ وَأَنَّ لِلْخَطِيبِ أَنْ يَأْمُرَ فِي خُطْبَتِهِ وَيَنْهَى وَيُبَيِّنَ الْأَحْكَامَ الْمُحْتَاجَ إِلَيْهَا وَلَا يَقْطَعُ ذَلِكَ التَّوَالِي الْمُشْتَرَطَ فِيهَا بَلْ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ كُلَّ ذَلِكَ يُعَدُّ مِنَ الْخُطْبَةِ وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الْمَسْجِدَ شَرْطٌ لِلْجُمُعَةِ لِلِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّهُ لَا تُشْرَعُ التَّحِيَّةُ لِغَيْرِ الْمَسْجِدِ وَفِيهِ نَظَرٌ وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى جَوَازِ رَدِّ السَّلَامِ وَتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ فِي حَالِ الْخُطْبَةِ لِأَنَّ أَمْرَهُمَا أَخَفُّ وَزَمَنَهُمَا أَقْصَرُ وَلَا سِيَّمَا رَدُّ السَّلَامِ فَإِنَّهُ وَاجِبٌ وَسَيَأْتِي الْبَحْثُ فِي ذَلِكَ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَبْوَابٍ فَائِدَةٌ قِيلَ يُخَصُّ عُمُومُ حَدِيثِ الْبَابِ بِالدَّاخِلِ فِي آخِرِ الْخُطْبَةِ كَمَا تَقَدَّمَ قَالَ الشَّافِعِيُّ أَرَى لِلْإِمَامِ أَنْ يَأْمُرَ الْآتِيَ بِالرَّكْعَتَيْنِ وَيَزِيدَ فِي كَلَامِهِ مَا يُمْكِنُهُ الْإِتْيَانُ بِهِمَا قَبْلَ إِقَامَةِ الصَّلَاةِ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ كَرِهْتُ ذَلِكَ وَحَكَى النَّوَوِيُّ عَنِ الْمُحَقِّقِينَ أَنَّ الْمُخْتَارَ إِنْ لَمْ يَفْعَلْ أَنْ يَقِفَ حَتَّى تُقَامَ الصَّلَاةُ لِئَلَّا يَكُونَ جَالِسًا بِغَيْرِ تَحِيَّة أَو متنقلا حَالَ إِقَامَةِ الصَّلَاةِ وَاسْتَثْنَى الْمَحَامِلِيُّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ لِأَنَّ تَحِيَّتَهُ الطَّوَافُ وَفِيهِ نَظَرٌ لِطُولِ زَمَنِ الطَّوَافِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الرَّكْعَتَيْنِ وَالَّذِي يَظْهَرُ مِنْ قَوْلِهِمْ إِنَّ تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الطَّوَافُ إِنَّمَا هُوَ فِي حَقِّ الْقَادِمِ لِيَكُونَ أَوَّلُ شَيْءٍ يَفْعَلُهُ الطَّوَافَ.

.
وَأَمَّا الْمُقِيمُ فَحُكْمُ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَغَيْرِهِ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ وَلَعَلَّ قَوْلَ مَنْ أَطْلَقَ أَنَّهُ يَبْدَأُ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ بِالطَّوَافِ لِكَوْنِ الطَّوَافِ يَعْقُبهُ صَلَاةُ الرَّكْعَتَيْنِ فَيَحْصُلُ شَغْلُ الْبُقْعَةِ بِالصَّلَاةِ غَالِبًا وَهُوَ الْمَقْصُودُ وَيَخْتَصُّ الْمَسْجِدُ الْحَرَام بِزِيَادَة الطّواف وَالله أعلم

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  باب إِذَا رَأَى الإِمَامُ رَجُلاً جَاءَ وَهْوَ يَخْطُبُ أَمَرَهُ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ
هذا ( باب) بالتنوين ( إذا رأى الإمام رجلاً جاء) في محل نصب صفة، لرجلاً، ( وهو يخطب) جملة اسمية حالية وجواب، إذا، ( أمره أن يصلّي) أي بأن يصلّي، وأن مصدرية، أي أمره بصلاة ( ركعتين) .



[ قــ :902 ... غــ : 930 ]
- حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: "جَاءَ رَجُلٌ وَالنَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَخْطُبُ النَّاسَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَقَالَ: أَصَلَّيْتَ يَا فُلاَنُ؟ قَالَ لاَ.
قَالَ: قُمْ فَارْكَعْ".
[الحديث 930 - طرفاه في: 931، 1166] .

وبالسند قال: ( حدّثنا أبو النعمان) محمد بن الفضل السدوسي ( قال: حدّثنا حماد بن زيد، عن عمرو بن دينار، عن جابر بن عبد الله) الأنصاري، وسقط في رواية ابن عساكر: ابن عبد الله، ( قال: جاء رجل) هو: سليك، بضم السين المهملة وفتح اللام وسكون المثناة التحتية وبالكاف الغطفاني، بفتحات ( والنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يخطب الناس يوم الجمعة) سقط لفظ الناس، عند أبي ذر، وثبت عنده: لأبي الهيثم، في نسخة، وزاد مسلم، عن الليث، عن أبي الزبير عن جابر، فقعد سليك قبل أن يصلّي ( فقال) له عليه الصلاة والسلام.

( أصليت) بهمزة الاستفهام، ولأبي ذر والأصيلي، وابن عساكر.
فقال: صليت ( يا فلان) ؟
( قال) ولأبي ذر فقال: ( لا.
قال)
:
( قم فاركع) .
زاد المستملي والأصيلي ركعتين.

وزاد في رواية الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر عند مسلم، وتجوز فيهما.
ثم قال: "إذا جاء أحدكم يوم الجمعة والإمام يخطب فليركع ركعتين وليتجوّز فيهما".

واستدلّ به الشافعية والحنابلة على أن الداخل للمسجد والخطيب يخطب على المنبر، يندب له صلاة تحية المسجد، لا في آخر الخطبة، ويخففها وجوبًا ليسمع الخطبة.

قال الزركشي: والمراد بالتخفيف، فيما ذكر، الاقتصار على الواجبات، لا الإسراع.
قال: ويدل له ما ذكروه من أنه إذا ضاق الوقت، وأراد الوضوء اقتصر على الواجبات.
اهـ.

ومنع منهما المالكية والحنفية لحديث ابن ماجة أنه عليه الصلاة والسلام قال للذي دخل المسجد يتخطى رقاب الناس: "أجلس فقد آذيت".

وأجابوا عن قصة سليك: بأنها واقعة عين لا عموم لها، فتختص بسليك؛ ويؤيد ذلك حديث أبي سعيد، المروي في السنن، أنه عليه الصلاة والسلام قال له: "صل ركعتين".
وحض على الصدقة، الحديث، فأمره أن يصلّي ليراه بعض الناس وهو قائم، فيتصدق عليه.

ولأحمد: إن هذا الرجل دخل المسجد، في هيئة بزة، فأمرته أن يصلّي ركعتين، وأنا أرجو أن يتفطن له رجل فيتصدق عليه، وبأن تحية المسجد تفوت بالجلوس.

وأجيب، بأن الأصل عدم الخصوصية، والتعليل بقصد التصدق عليه لا يمنع القول بجواز التحية.
وقد ورد ما يدل لعدم الانحصار في قصد التصدّق، وهو أنه عليه الصلاة والسلام أمره

بالصلاة في الجمعة الثانية بعد أن حصل له في الأولى ثوبين، فدخل في الثاني، فتصدّق بأحدهما، فنهاه عليه الصلاة والسلام عن ذلك، بل عند أحمد وابن حبان أنه كرّر أمره بالصلاة ثلاث جمع، وبأن التحية لا تفوت بالجلوس في حق الجاهل أو الناسي، فحال هذا الرجل الداخل محمولة في الأولى على أحدهما، وفي الأخرى على النسيان.

وبأن قوله للذي يتخطى رقاب الناس.
"أجلس" أي: لا تتخطّ.
أو ترك أمره بالتحية لبيان الجواز، فإنها ليست واجبة، أو لكون دخوله وقع في آخر الخطبة بحيث ضاق الوقت عن التحية، أو كان قد صلّى التحية في مؤخر المسجد، ثم تقدم ليقرب من سماع الخطبة، فوقع منه التخطّي، فأنكر عليه.

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  ( بابُُ إذَا رأى الإمامُ رَجُلاً جاءَ وَهْوَ يَخْطُبُ أمَرَهُ أنْ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ)

أَي: هَذَا بابُُ تَرْجَمته: إِذا رأى الإِمَام.
.
إِلَى آخِره.
قَوْله: ( جَاءَ) جملَة فِي مَحل النصب على أَنَّهَا صفة: لرجلاً.
قَوْله: ( وَهُوَ يخْطب) جملَة إسمية وَقعت حَالا عَن الإِمَام.
قَوْله: ( أمره) جَوَاب: إِذا، وَإِنَّمَا يَأْمُرهُ إِذا كَانَ لم يصل الرَّكْعَتَيْنِ قبل أَن يرَاهُ.
قَوْله: ( أَن يُصَلِّي) أَي: بِأَن يُصَلِّي، وَكلمَة: أَن، مَصْدَرِيَّة تَقْدِيره: أمره بِصَلَاة رَكْعَتَيْنِ.



[ قــ :902 ... غــ :930 ]
- حدَّثنا أبُو النُّعْمَانِ قَالَ حدَّثنا حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ عنْ عَمْرِو بنِ دِينارٍ عنْ جابِرِ بنِ عَبْدِ الله قَالَ جاءَ رَجُلٌ والنبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَخْطُبُ الناسَ يَوْمَ الجُمُعَةِ فقالَ أصَلَّيْتَ يَا فُلاَنُ قَالَ لاَ قَالَ قُمْ فارْكعْ رَكْعَتَيْنِ.

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَرِجَاله قد ذكرُوا غير مرّة، وَأَبُو النُّعْمَان هُوَ مُحَمَّد بن الْفضل السدُوسِي.

وَأخرجه مُسلم أَيْضا فِي الصَّلَاة عَن أبي بكر بن أبي شيبَة وَيَعْقُوب الدَّوْرَقِي، وَعَن أبي الرّبيع وقتيبة.
وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن سُلَيْمَان بن حَرْب.
وَأخرجه التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ جَمِيعًا فِيهِ عَن قُتَيْبَة،.

     وَقَالَ  التِّرْمِذِيّ: حَدِيث حسن صَحِيح.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: ( جَاءَ رجل) ، هَذَا الرجل هُوَ: سليك، بِضَم السِّين الْمُهْملَة وَفتح اللَّام وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفِي آخِره كَاف: ابْن هدبة وَقيل: ابْن عمر، والغطفاني، بِفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة والطاء الْمُهْملَة وَالْفَاء: من غطفان بن سعيد بن قيس غيلَان، وَهَكَذَا وَقع فِي رِوَايَة مُسلم فِي هَذِه الْقِصَّة من رِوَايَة اللَّيْث بن سعد عَن أبي الزبير عَن جَابر وَلَفظه: ( جَاءَ سليك الْغَطَفَانِي يَوْم الْجُمُعَة وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَائِم على الْمِنْبَر، لَا فَقعدَ سليك قبل أَن يُصَلِّي فَقَالَ لَهُ: أصليت رَكْعَتَيْنِ؟ قَالَ: لَا، فَقَالَ: قُم فَارْكَعْهُمَا) .
وَمن طَرِيق الْأَعْمَش عَن أبي سُفْيَان عَن جَابر نَحوه، وَفِيه: ( فَقَالَ لَهُ: يَا سليك قُم فاركع رَكْعَتَيْنِ وَتجوز فيهمَا) .
هَكَذَا رَوَاهُ حفاظ أَصْحَاب الْأَعْمَش عَنهُ.
وروى أَبُو دَاوُد من رِوَايَة حَفْص ابْن غياث عَن الْأَعْمَش عَن أبي سُفْيَان عَن جَابر وَعَن أبي صَالح عَن أبي هُرَيْرَة قَالَا: ( جَاءَ سليك الْغَطَفَانِي وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يخْطب، فَقَالَ لَهُ: أصليت؟ قَالَ: لَا.
قَالَ: صل رَكْعَتَيْنِ تجوز فيهمَا)
.
وروى النَّسَائِيّ قَالَ: أخبرنَا قُتَيْبَة بن سعيد، قَالَ: حَدثنَا اللَّيْث عَن أبي الزبير عَن جَابر، قَالَ: ( جَاءَ سليك الْغَطَفَانِي وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَاعد على الْمِنْبَر، فَقعدَ سليك قبل أَن يُصَلِّي فَقَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أركعت رَكْعَتَيْنِ؟ قَالَ: لَا.
قَالَ: قُم فَارْكَعْهُمَا)
..
     وَقَالَ  ابْن مَاجَه: حَدثنَا هِشَام بن عمار حَدثنَا سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن عَمْرو بن دِينَار سمع جَابِرا، وَأَبُو الزبير سمع جَابِرا، قَالَ: ( دخل سليك الْغَطَفَانِي الْمَسْجِد وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يخْطب، قَالَ: أصليت؟ قَالَ: لَا.
قَالَ: فصل رَكْعَتَيْنِ)
.
وَأما عَمْرو فَلم يذكر سليكا.
وروى أَيْضا عَن أبي صَالح عَن أبي هُرَيْرَة وَعَن أبي سُفْيَان ( عَن جَابر قَالَ: جَاءَ سليك الْغَطَفَانِي.
.
)
الحَدِيث، وروى الطَّحَاوِيّ من طَرِيق حَفْص بن غياث عَن الْأَعْمَش، قَالَ: سَمِعت أَبَا صَالح يحدث بِحَدِيث سليك الْغَطَفَانِي ثمَّ سَمِعت أَبَا سُفْيَان يحدث بِهِ عَن جَابر، فَظهر من هَذِه الرِّوَايَات أَن هَذِه الْقِصَّة لسليك، وَأَن من روى بِلَفْظ: رجل، غير مُسَمّى فَالْمُرَاد مِنْهُ: سليك، فَفِي رِوَايَة البُخَارِيّ بِلَفْظ: رجل، كَمَا مر، وَكَذَلِكَ فِي رِوَايَة أبي دَاوُد كَرِوَايَة البُخَارِيّ، وَفِي رِوَايَة التِّرْمِذِيّ كَذَلِك، وَفِي رِوَايَة للنسائي كَذَلِك، وَكَذَلِكَ لِابْنِ مَاجَه فِي رِوَايَة.
وَجَاء أَيْضا فِي هَذَا الْبابُُ من غير جَابر، وَهُوَ مَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ من طَرِيق أبي صَالح: ( عَن أبي ذَر أَنه أَتَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ يخْطب فَقَالَ لأبي ذَر: صليت رَكْعَتَيْنِ؟ قَالَ: لَا.
.
)
الحَدِيث، وَفِي إِسْنَاده ابْن لَهِيعَة.
وشذ بقوله: ( وَهُوَ يخْطب) ، فَإِن الحَدِيث مَشْهُور: ( عَن أبي ذَر أَنه جَاءَ إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ جَالس فِي الْمَسْجِد.
.
)
أخرجه ابْن حبَان وَغَيره، وروى الطَّبَرَانِيّ فِي ( الْكَبِير) من رِوَايَة مَنْصُور بن الْأسود عَن الْأَعْمَش عَن أبي سُفْيَان ( عَن جَابر، قَالَ: دخل النُّعْمَان بن قوقل وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على الْمِنْبَر يخْطب يَوْم الْجُمُعَة، فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: صل رَكْعَتَيْنِ تجوز فيهمَا) .
وروى الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث مُعْتَمر عَن أَبِيه عَن قَتَادَة ( عَن أنس: دخل رجل من قيس الْمَسْجِد وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يخْطب، فَقَالَ: قُم فاركع رَكْعَتَيْنِ، وَأمْسك عَن الْخطْبَة حَتَّى فرغ من صلَاته) فَإِن قلت: كَيفَ وَجه هَذِه الرِّوَايَات؟ قلت: كَون معنى هَذِه الْأَحَادِيث وَاحِدًا لَا يمْنَع تعدد الْقَضِيَّة، وَأما حَدِيث أنس، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فَإِنَّهُ لَا يُخَالف كَون الدَّاخِل فِيهِ من قيس أَن يكون سليكا، فَإِن سليكا غطفاني، وغَطَفَان من قيس.
قَوْله: ( صليت؟) أَي: أصليت؟ وهمزة الِاسْتِفْهَام فِيهِ مقدرَة، ويروى بِإِظْهَار الْهمزَة.

ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: قَالَ النَّوَوِيّ: هَذِه الْأَحَادِيث كلهَا صَرِيحَة فِي الدّلَالَة لمَذْهَب الشَّافِعِي، وَأحمد وَإِسْحَاق وفقهاء الْمُحدثين أَنه إِذا دخل الْجَامِع يَوْم الْجُمُعَة وَالْإِمَام يخْطب يسْتَحبّ لَهُ أَن يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ تَحِيَّة الْمَسْجِد، وَيكرهُ الْجُلُوس قبل أَن يُصَلِّيهمَا.
وَأَنه يسْتَحبّ أَن يتجوز فيهمَا ليسمع الْخطْبَة.
وَحكي هَذَا الْمَذْهَب أَيْضا عَن الْحسن الْبَصْرِيّ وَغَيره من الْمُتَقَدِّمين..
     وَقَالَ  القَاضِي: قَالَ مَالك وَاللَّيْث وَأَبُو حنيفَة وَالثَّوْري وَجُمْهُور السّلف من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ: لَا يُصَلِّيهمَا، وَهُوَ مَرْوِيّ عَن عمر وَعُثْمَان وَعلي، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، وحجتهم: الْأَمر بالإنصات للْإِمَام، وتأولوا هَذِه الْأَحَادِيث أَنه كَانَ عُريَانا فَأمره رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْقيامِ ليراه النَّاس ويتصدقوا عَلَيْهِ، وَهَذَا تَأْوِيل بَاطِل يردهُ صَرِيح قَوْله: ( إِذا جَاءَ أحدكُم يَوْم الْجُمُعَة وَالْإِمَام يخْطب فليركع رَكْعَتَيْنِ وليتجوز فيهمَا) وَهَذَا نَص لَا يتَطَرَّق إِلَيْهِ تَأْوِيل، وَلَا أَظن عَالما يبلغهُ هَذَا اللَّفْظ صَحِيحا فيخالفه.
قلت: أَصْحَابنَا لم يأولوا الْأَحَادِيث الْمَذْكُورَة بِهَذَا الَّذِي ذكره حَتَّى يشنع عَلَيْهِم هَذَا التشنيع، بل أجابوا بأجوبة غير هَذَا.
الأول: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنصت لَهُ حَتَّى فرغ من صلَاته، وَالدَّلِيل عَلَيْهِ، مَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي ( سنَنه) من حَدِيث عبيد بن مُحَمَّد الْعَبْدي: حَدثنَا مُعْتَمر عَن أَبِيه عَن قَتَادَة عَن أنس، قَالَ: دخل رجل الْمَسْجِد وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يخْطب، فَقَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: قُم فاركع رَكْعَتَيْنِ، وَأمْسك عَن الْخطْبَة حَتَّى فرغ من صلَاته) فَإِن قلت: قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: أسْندهُ عبيد بن مُحَمَّد وَوهم فِيهِ.
قلت: ثمَّ أخرجه ( عَن أَحْمد بن حَنْبَل حَدثنَا مُعْتَمر عَن أَبِيه قَالَ: جَاءَ رجل وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يخْطب، فَقَالَ: يَا فلَان أصليت؟ قَالَ: لَا.
قَالَ: قُم فصل، ثمَّ انتظره حَتَّى صلى)
.
قَالَ: وَهَذَا الْمُرْسل هُوَ الصَّوَاب.
قلت: الْمُرْسل حجَّة عندنَا، وَيُؤَيّد هَذَا مَا أخرجه ابْن أبي شيبَة: حَدثنَا هشيم، قَالَ: أخبرنَا أَبُو معشر ( عَن مُحَمَّد بن قيس: أَن النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، حَيْثُ أمره أَن يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ أمسك عَن الْخطْبَة حَتَّى فرغ من ركعتيه، ثمَّ عَاد إِلَى خطبَته) .

الْجَواب الثَّانِي: أَن ذَلِك كَانَ قبل شُرُوعه، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فِي الْخطْبَة.
وَقد بوب النَّسَائِيّ فِي ( سنَنه الْكُبْرَى) على حَدِيث سليك، قَالَ: بابُُ الصَّلَاة قبل الْخطْبَة.
ثمَّ أخرج عَن أبي الزبير عَن جَابر قَالَ: ( جَاءَ سليك الْغَطَفَانِي وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَاعد على الْمِنْبَر، فَقعدَ سليك قبل أَن يُصَلِّي.
فَقَالَ لَهُ، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أركعت رَكْعَتَيْنِ؟ قَالَ: لَا.
قَالَ: قُم فَارْكَعْهُمَا)
.

الثَّالِث: أَن ذَلِك كَانَ مِنْهُ قبل أَن ينْسَخ الْكَلَام فِي الصَّلَاة، ثمَّ لما نسخ فِي الصَّلَاة نسخ أَيْضا فِي الْخطْبَة لِأَنَّهَا شطر صَلَاة الْجُمُعَة أَو شَرطهَا..
     وَقَالَ  الطَّحَاوِيّ: وَلَقَد تَوَاتَرَتْ الرِّوَايَات عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِأَن من قَالَ لصَاحبه: أنصت وَالْإِمَام يخْطب يَوْم الْجُمُعَة فقد لَغَا، فَإِذا كَانَ قَول الرجل لصَاحبه وَالْإِمَام يخْطب: أنصت، لَغوا، كَانَ قَول الإِمَام للرجل: قُم فصل لَغوا أَيْضا، فَثَبت بذلك أَن الْوَقْت الَّذِي كَانَ فِيهِ من رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، الْأَمر لسليك بِمَا أمره بِهِ إِنَّمَا كَانَ قبل النَّهْي، وَكَانَ الحكم فِيهِ فِي ذَلِك بِخِلَاف الحكم فِي الْوَقْت الَّذِي جعل مثل ذَلِك لَغوا،.

     وَقَالَ  ابْن شهَاب: خُرُوج الإِمَام يقطع الصَّلَاة، وَكَلَامه يقطع الْكَلَام،.

     وَقَالَ  ثَعْلَبَة بن أبي مَالك: كَانَ عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، إِذا خرج للخطبة أنصتنا..
     وَقَالَ  عِيَاض: كَانَ أَبُو بكر وَعمر وَعُثْمَان يمْنَعُونَ من الصَّلَاة عِنْد الْخطْبَة.

وَقَالَ ابْن الْعَرَبِيّ: الصَّلَاة حِين ذَاك حرَام من ثَلَاثَة أوجه: الأول: قَوْله تَعَالَى: { وَإِذا قرىء الْقُرْآن فَاسْتَمعُوا لَهُ} ( الْأَعْرَاف: 204) .
فَكيف يتْرك الْفَرْض الَّذِي شرع الإِمَام فِيهِ إِذا دخل عَلَيْهِ فِيهِ ويشتغل بِغَيْر فرض؟ الثَّانِي: صَحَّ عَنهُ، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَنه قَالَ: ( إِذا قلت لصاحبك أنصت فقد لغوت) .
فَإِذا كَانَ الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر الاصلان المفروضان الركنان فِي الْمَسْأَلَة يحرمان فِي حَال الْخطْبَة، فالنفل أولى أَن يحرم.
الثَّالِث: لَو دخل وَالْإِمَام فِي الصَّلَاة وَلم يرْكَع، وَالْخطْبَة صَلَاة، إِذْ يحرم فِيهَا من الْكَلَام وَالْعَمَل مَا يحرم فِي الصَّلَاة.

وَأما حَدِيث سليك فَلَا يعْتَرض على هَذِه الْأُصُول من أَرْبَعَة أوجه: الأول: هُوَ خبر وَاحِد.
الثَّانِي: يحْتَمل أَنه كَانَ فِي وَقت كَانَ الْكَلَام مُبَاحا فِي الصَّلَاة، لأَنا لَا نعلم تَارِيخه، فَكَانَ مُبَاحا فِي الْخطْبَة، فَلَمَّا حرم فِي الْخطْبَة الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر الَّذِي هُوَ آكِد فَرضِيَّة من الِاسْتِمَاع، فَأولى أَن يحرم مَا لَيْسَ بِفَرْض.
الثَّالِث: أَن النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، كلم سليكا.

     وَقَالَ  لَهُ: قُم فصل، فَلَمَّا كَلمه وَأمره سقط عَنهُ فرض الِاسْتِمَاع، إِذْ لم يكن هُنَاكَ قَول فِي ذَلِك الْوَقْت إلاّ مخاطبته لَهُ وسؤاله وَأمره.
الرَّابِع: أَن سليكا كَانَ ذَا بذاذة، فَأَرَادَ، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَن يشهره ليرى حَاله.

وَعند ابْن بزيزة: كَانَ سليك عُريَانا فَأَرَادَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَن يرَاهُ النَّاس.
وَقد قيل: إِن ترك الرُّكُوع حالتئذ سنة مَاضِيَة وَعمل مستفيض فِي زمن الْخُلَفَاء، وعولوا أَيْضا على حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، يرفعهُ: ( لَا تصلوا وَالْإِمَام يخْطب) .
وَاسْتَدَلُّوا بإنكار عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، على عُثْمَان فِي ترك الْغسْل وَلم ينْقل أَنه أمره بالركعتين، وَلَا نقل أَنه صلاهما.
وعَلى تَقْدِير التَّسْلِيم لما يَقُول الشَّافِعِي، فَحَدِيث سليك لَيْسَ فِيهِ دَلِيل لَهُ، إِذْ مذْهبه أَن الرَّكْعَتَيْنِ تسقطان بِالْجُلُوسِ.
وَفِي ( اللّبابُُ) : وروى عَليّ بن عَاصِم عَن خَالِد الْحذاء أَن أَبَا قلَابَة جَاءَ يَوْم الْجُمُعَة وَالْإِمَام يخْطب، فَجَلَسَ وَلم يصل.
وَعَن عقبَة بن عَامر.
قَالَ: ( الصَّلَاة وَالْإِمَام على الْمِنْبَر مَعْصِيّة) .
وَفِي ( كتاب الْأَسْرَار) : لنا مَا روى الشّعبِيّ عَن ابْن عمر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: ( إِذا صعد الإِمَام الْمِنْبَر فَلَا صَلَاة، وَلَا كَلَام حَتَّى يفرغ) .
وَالصَّحِيح من الرِّوَايَة: ( أذا جَاءَ أحدكُم وَالْإِمَام على الْمِنْبَر فَلَا صَلَاة وَلَا كَلَام) .
وَقد تصدى بَعضهم لرد مَا ذكر من الِاحْتِجَاج فِي منع الصَّلَاة وَالْإِمَام يخْطب يَوْم الْجُمُعَة، فَقَالَ جَمِيع مَا ذَكرُوهُ مَرْدُود، ثمَّ قَالَ: لِأَن الأَصْل عدم الخصوصية.
قُلْنَا: نعم، إِذا لم تكن قرينَة، وَهنا قرينَة على الخصوصية، وَذَلِكَ فِي حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ الَّذِي رَوَاهُ النَّسَائِيّ عَنهُ يَقُول: ( جَاءَ رجل يَوْم الْجُمُعَة وَالنَّبِيّ، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يخْطب بهيئة بذة، فَقَالَ لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أصليت؟ قَالَ: لَا، قَالَ: صل رَكْعَتَيْنِ، وحث النَّاس على الصَّدَقَة، قَالَ: فَألْقوا ثيابًا فَأعْطَاهُ مِنْهَا ثَوْبَيْنِ، فَلَمَّا كَانَت الْجُمُعَة الثَّانِيَة جَاءَ وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يخْطب، فَحَث النَّاس على الصَّدَقَة، قَالَ.
فَألْقى أحد ثوبيه، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: جَاءَ هَذَا يَوْم الْجُمُعَة بهيئة بذة فَأمرت النَّاس بِالصَّدَقَةِ فَألْقوا ثيابًا، فَأمرت لَهُ مِنْهَا بثوبين، ثمَّ جَاءَ الْآن فَأمرت النَّاس بِالصَّدَقَةِ فَألْقى أَحدهمَا، فانتهره.

     وَقَالَ : خُذ ثَوْبك)
.
انْتهى.
وَكَانَ مُرَاده بأَمْره إِيَّاه بِصَلَاة رَكْعَتَيْنِ أَن يرَاهُ النَّاس ليتصدقوا عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ كَانَ فِي ثوب خلق.
وَقد قيل: إِنَّه كَانَ عُريَانا، كَمَا ذَكرْنَاهُ، إِذْ لَو كَانَ مُرَاده إِقَامَة السّنة بِهَذِهِ الصَّلَاة لما قَالَ فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: ( إِذا قلت لصاحبك: أنصت، وَالْإِمَام يخْطب فقد لغوت) .
وَهُوَ حَدِيث مجمع على صِحَّته من غير خلاف لأحد فِيهِ، حَتَّى كَاد أَن يكون متواترا، فَإِذا مَنعه من الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ الَّذِي هُوَ فرض فِي هَذِه الْحَالة فَمَنعه من إِقَامَة السّنة، أَو الِاسْتِحْبابُُ بِالطَّرِيقِ الأولى، فَحِينَئِذٍ قَول هَذَا الْقَائِل، فَدلَّ على أَن قصَّة التَّصْدِيق عَلَيْهِ جُزْء عِلّة لَا عِلّة كَامِلَة غير موجه، لِأَنَّهُ عِلّة كَامِلَة..
     وَقَالَ  أَيْضا: وَأما إِطْلَاق من أطلق أَن التَّحِيَّة تفوت بِالْجُلُوسِ، فقد حكى النَّوَوِيّ فِي ( شرح مُسلم) عَن الْمُحَقِّقين أَن ذَلِك فِي حق الْعَامِد الْعَالم أما الْجَاهِل أَو النَّاسِي فَلَا.
قلت: هَذَا حكم بِالِاحْتِمَالِ، وَالِاحْتِمَال إِذا كَانَ غير ناشىء عَن دَلِيل فَهُوَ لَغْو لَا يعْتد بِهِ،.

     وَقَالَ  أَيْضا فِي قَوْلهم: ( إِنَّه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما خَاطب سليكا سكت عَن خطبَته حَتَّى فرغ سليك من صلَاته) رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ بِمَا حَاصله أَنه مُرْسل، والمرسل حجَّة عِنْدهم..
     وَقَالَ  أَيْضا: فِيمَا قَالَه ابْن الْعَرَبِيّ، من أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما تشاغل بمخاطبة سليك سقط فرض الِاسْتِمَاع عَنهُ، إِذْ لم يكن مِنْهُ حِينَئِذٍ خطْبَة لأجل تِلْكَ المخاطبة، وَادّعى أَنه أقوى الْأَجْوِبَة.
قَالَ: هُوَ من أَضْعَف الْأَجْوِبَة، لِأَن المخاطبة لما انْقَضتْ رَجَعَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى خطْبَة وتشاغل سليك بامتثال مَا أَمر بِهِ من الصَّلَاة.
فصح أَنه صلى فِي حَالَة الْخطْبَة.
قلت: يرد مَا قَالَه من قَوْله هَذَا مَا فِي حَدِيث أنس الَّذِي رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ الَّذِي ذكرنَا عَنهُ أَنه قَالَ: وَالصَّوَاب أَنه مُرْسل، وَفِيه: ( وَأمْسك أَي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الْخطْبَة حَتَّى فرغ من صلَاته) يَعْنِي: سليك، فَكيف يَقُول هَذَا الْقَائِل: فصح أَنه صلى فِي حَالَة الْخطْبَة، وَالْعجب مِنْهُ أَنه يصحح الْكَلَام السَّاقِط؟.

     وَقَالَ  أَيْضا: قيل: كَانَت هَذِه الْقَضِيَّة قبل شُرُوعه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْخطْبَة، وَيدل عَلَيْهِ قَوْله فِي رِوَايَة اللَّيْث عِنْد مُسلم: ( وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَاعد على الْمِنْبَر) .
وَأجِيب: بِأَن الْقعُود على الْمِنْبَر لَا يخْتَص بِالِابْتِدَاءِ، بل يحْتَمل أَن يكون بَين الْخطْبَتَيْنِ أَيْضا، قلت: الأَصْل ابْتِدَاء قعوده بَين الْخطْبَتَيْنِ، مُحْتَمل فَلَا يحكم بِهِ على الأَصْل على أَن أمره صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِيَّاه بِأَن يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، وسؤاله إِيَّاه هَل صليت؟ وَأمره للنَّاس بِالصَّدَقَةِ، يضيق عَن الْقعُود بَين الْخطْبَتَيْنِ، لِأَن زمن هَذَا الْقعُود لَا يطول..
     وَقَالَ  هَذَا الْقَائِل أَيْضا: وَيحْتَمل أَيْضا أَن يكون الرَّاوِي تجوز فِي قَوْله: ( قَاعد) .
قلت: هَذَا ترويج لكَلَامه، وَنسبَة الرَّاوِي إِلَى ارْتِكَاب الْمجَاز مَعَ عدم الْحَاجة والضرورة..
     وَقَالَ  أَيْضا: قيل: كَانَت هَذِه الْقَضِيَّة قبل تَحْرِيم الْكَلَام فِي الصَّلَاة، ثمَّ رده بقوله: إِن سليكا مُتَأَخّر الْإِسْلَام جدا، وَتَحْرِيم الْكَلَام مُتَقَدم حجدا، فَكيف يدعى نسخ الْمُتَأَخر بالمتقدم مَعَ ان النّسخ لَا يثبت بِالِاحْتِمَالِ؟ قلت: لم يقل أحد إِن قَضِيَّة سليك كَانَت قبل تَحْرِيم الْكَلَام فِي الصَّلَاة، وَإِنَّمَا قَالَ هَذَا الْقَائِل: إِن قَضِيَّة سليك كَانَت فِي حَالَة إِبَاحَة الْأَفْعَال فِي الْخطْبَة قبل أَن ينْهَى عَنْهَا، أَلا يرى أَن فِي حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فَألْقى النَّاس ثِيَابهمْ، وَقد أجمع الْمُسلمُونَ أَن نزع الرجل ثَوْبه وَالْإِمَام يخْطب مَكْرُوه، وَكَذَلِكَ مس الْحَصَى، وَقَول الرجل لصَاحبه أنصت، كل ذَلِك مَكْرُوه، فَدلَّ ذَلِك على أَن مَا أَمر بِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سليكا، وَمَا أَمر بِهِ النَّاس بِالصَّدَقَةِ عَلَيْهِ كَانَ فِي حَال إِبَاحَة الْأَفْعَال فِي الْخطْبَة.
وَلما أَمر صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بالإنصات عِنْد الْخطْبَة وَجعل حكم الْخطْبَة كَحكم الصَّلَاة، وَجعل الْكَلَام فِيهَا لَغوا كَمَا كَانَ، جعله لَغوا فِي الصَّلَاة.
ثَبت بذلك أَن الصَّلَاة فِيهَا مَكْرُوهَة، فَهَذَا وَجه قَول الْقَائِل بالنسخ، ومبنى كَلَامه هَذَا على هَذَا الْوَجْه لَا على تَحْرِيم الْكَلَام فِي الصَّلَاة..
     وَقَالَ  هَذَا الْقَائِل أَيْضا: قيل: اتَّفقُوا على أَن منع الصَّلَاة فِي الْأَوْقَات الْمَكْرُوهَة يَسْتَوِي فِيهِ من كَانَ دَاخل الْمَسْجِد أَو خَارجه، وَقد اتَّفقُوا على أَن من كَانَ دَاخل الْمَسْجِد يمْتَنع عَلَيْهِ التَّنَفُّل حَال الْخطْبَة، فَلْيَكُن الْآتِي كَذَلِك، قَالَه الطَّحَاوِيّ، وَتعقب بِأَنَّهُ قِيَاس فِي مُقَابلَة النَّص، فَهُوَ فَاسد.
قلت: لم يبنِ الطَّحَاوِيّ كَلَامه ابْتِدَاء على الْقيَاس حَتَّى يكون مَا قَالَه قِيَاسا فِي مُقَابلَة النَّص، وَإِنَّمَا مدعي الْفساد لم يحرر مَا قَالَه الطَّحَاوِيّ، فَادّعى الْفساد، فَوَقع فِي الْفساد.
وتحرير كَلَام الطَّحَاوِيّ أَنه روى أَحَادِيث عَن سُلَيْمَان وَأبي سعيد الْخُدْرِيّ، وَأبي هُرَيْرَة وَعبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ وَأَوْس بن أَوْس رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، كلهَا تَأمر بالإنصات إِذا خطب الإِمَام، فتدل كلهَا أَن مَوضِع كَلَام الإِمَام لَيْسَ بِموضع للصَّلَاة، فبالنظر إِلَى ذَلِك يَسْتَوِي الدَّاخِل والآتي وَمَعَ هَذَا الَّذِي قَالَه الطَّحَاوِيّ وَافقه عَلَيْهِ الْمَاوَرْدِيّ وَغَيره من الشَّافِعِيَّة..
     وَقَالَ  هَذَا الْقَائِل أَيْضا: قيل: اتَّفقُوا على أَن الدَّاخِل وَالْإِمَام فِي الصَّلَاة تسْقط عَنهُ التَّحِيَّة.
وَلَا شكّ أَن الْخطْبَة صَلَاة، فَتسقط عَنهُ فِيهَا أَيْضا، وَتعقب بِأَن الْخطْبَة لَيست صَلَاة من كل وَجه، والداخل فِي حَال الْخطْبَة مَأْمُور بشغل الْبقْعَة بِالصَّلَاةِ قبل جُلُوسه، بِخِلَاف الدَّاخِل فِي حَال الصَّلَاة، فَإِن إِتْيَانه بِالصَّلَاةِ الَّتِي أُقِيمَت تحصل الْمَقْصُود.
قلت: هَذَا الْقَائِل لم يدع أَن الْخطْبَة صَلَاة من كل وَجه حَتَّى يرد عَلَيْهِ مَا ذكره من التعقيب، بل قَالَ: هِيَ صَلَاة من حَيْثُ إِن الصَّلَاة قصرت لمكانها، فَمن حَيْثُ هَذَا الْوَجْه يَسْتَوِي الدَّاخِل والآتي، وَيُؤَيّد هَذَا حَدِيث أبي الزَّاهِرِيَّة: ( عَن عبد الله بن بشر، قَالَ: كنت جَالِسا إِلَى جنبه يَوْم الْجُمُعَة، فَقَالَ: جَاءَ رجل يتخطى رِقَاب النَّاس يَوْم الْجُمُعَة، فَقَالَ لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إجلس فقد آذيت وآنيت) .
أَلا ترى أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أمره بِالْجُلُوسِ وَلم يَأْمُرهُ بِالصَّلَاةِ؟ فَهَذَا خلاف حَدِيث سليك فَافْهَم..
     وَقَالَ  هَذَا الْقَائِل أَيْضا: قيل: اتَّفقُوا على سُقُوط التَّحِيَّة عَن الإِمَام مَعَ كَونه يجلس على الْمِنْبَر، مَعَ أَن لَهُ ابْتِدَاء الْكَلَام فِي الْخطْبَة دون الْمَأْمُوم، فَيكون ترك الْمَأْمُوم التَّحِيَّة بطرِيق الأولى، وَتعقب بِأَنَّهُ أَيْضا قِيَاس فِي مُقَابلَة النَّص فَهُوَ فَاسد؟ قلت: إِنَّمَا يكون الْقيَاس فِي مُقَابلَة النَّص فَاسِدا إِذا كَانَ ذَلِك النَّص سالما عَن الْمعَارض، وَلم يسلم سليك عَن أُمُور ذَكرنَاهَا، وَرُوِيَ أَيْضا عَن جمَاعَة من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، منع الصَّلَاة للداخل وَالْإِمَام يخْطب.
أما الصَّحَابَة فهم: عقبَة بن عَامر الْجُهَنِيّ وثعلبة ابْن أبي مَالك الْقرظِيّ وَعبد الله بن صَفْوَان بن أُميَّة الْمَكِّيّ وَعبد الله بن عمر وَعبد الله بن عَبَّاس.

أما أثر عقبَة فَأخْرجهُ الطَّحَاوِيّ عَنهُ أَنه قَالَ: الصَّلَاة وَالْإِمَام على الْمِنْبَر مَعْصِيّة.
فَإِن قلت: فِي إِسْنَاده عبد الله بن لَهِيعَة وَفِيه مقَال! قلت: وَثَّقَهُ أَحْمد وَكفى بِهِ ذَلِك.

وَأما أثر ثَعْلَبَة بن مَالك فَأخْرجهُ الطَّحَاوِيّ أَيْضا بِإِسْنَاد صَحِيح: أَن جُلُوس الإِمَام على الْمِنْبَر يقطع الصَّلَاة، وَأخرج ابْن أبي شيبَة فِي ( مُصَنفه) : حَدثنَا عباد بن الْعَوام عَن يحيى بن سعيد عَن يزِيد بن عبد الله عَن ثَعْلَبَة بن أبي مَالك الْقرظِيّ قَالَ: ( أدْركْت عمر وَعُثْمَان، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، فَكَانَ الإِمَام إِذا خرج تركنَا الصَّلَاة، فَإِذا تكلم تركنَا الْكَلَام) .

وَأما أثر عبد الله بن صَفْوَان فَأخْرجهُ الطَّحَاوِيّ أَيْضا بِإِسْنَاد صَحِيح عَن هِشَام بن عُرْوَة قَالَ: ( رَأَيْت عبد الله بن صَفْوَان ابْن أُميَّة دخل الْمَسْجِد يَوْم الْجُمُعَة، وَعبد الله بن الزبير يخْطب على الْمِنْبَر.
وَعَلِيهِ ازار ورداء وَنَعْلَان وَهُوَ معتم بعمامة، فاستلم الرُّكْن ثمَّ قَالَ: السَّلَام عَلَيْك يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته، ثمَّ جلس وَلم يرْكَع.

وَأما أثر عبد الله بن عمر وَعبد الله ابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، فَأخْرجهُ الطَّحَاوِيّ أَيْضا ( عَن عَطاء قَالَ: كَانَ ابْن عمر وَابْن عَبَّاس يكرهان الْكَلَام وَالصَّلَاة إِذا خرج الإِمَام يَوْم الْجُمُعَة) .

وَأما التابعون فهم: الشّعبِيّ وَالزهْرِيّ وعلقمة وَأَبُو قلَابَة وَمُجاهد.

فأثر الشّعبِيّ عَامر بن شرَاحِيل أخرجه الطَّحَاوِيّ بِإِسْنَاد صَحِيح عَنهُ عَن شُرَيْح أَنه: إِذا جَاءَ وَقد خرج الإِمَام لم يصل.
وَأثر الزُّهْرِيّ مُحَمَّد بن مُسلم أخرجه الطَّحَاوِيّ أَيْضا بِإِسْنَاد صَحِيح عَنهُ فِي: الرجل يدْخل الْمَسْجِد يَوْم الْجُمُعَة وَالْإِمَام يخْطب، قَالَ: يجلس وَلَا يسبح.

وَأثر عَلْقَمَة فَأخْرجهُ الطَّحَاوِيّ أَيْضا بِإِسْنَاد صَحِيح عَن القَاضِي بكار عَن أبي عَاصِم النَّبِيل الضَّحَّاك بن مخلد عَن شُعْبَة عَن مَنْصُور بن الْمُعْتَمِر عَن أبراهيم قَالَ لعلقمة: أَتكَلّم وَالْإِمَام يخْطب وَقد خرج الإِمَام؟ قَالَ: لَا ... إِلَى آخِره.

وَأثر أبي قلَابَة عبد الله بن زيد الْجرْمِي أخرجه الطَّحَاوِيّ أَيْضا بِإِسْنَاد صَحِيح عَنهُ أَنه: جَاءَ يَوْم الْجُمُعَة وَالْإِمَام يخْطب فَجَلَسَ وَلم يصل.
وَأثر مُجَاهِد أخرجه الطَّحَاوِيّ أَيْضا بِإِسْنَاد صَحِيح عَنهُ: كره أَن يُصَلِّي وَالْإِمَام يخْطب.
وَأخرجه ابْن أبي شيبَة أَيْضا.

فَهَؤُلَاءِ السادات من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ الْكِبَار لم يعْمل أحد مِنْهُم بِمَا فِي حَدِيث سليك، وَلَو علمُوا أَنه يعْمل بِهِ لما تَرَكُوهُ، فَحِينَئِذٍ بَطل اعْتِرَاض هَذَا الْمُعْتَرض.

فَإِن قلت: روى الْجَمَاعَة من حَدِيث أبي قَتَادَة السّلمِيّ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: ( إِذا دخل أحدكُم الْمَسْجِد فليركع رَكْعَتَيْنِ قبل أَن يجلس) ، فَهَذَا عَام يتَنَاوَل كل دَاخل فِي الْمَسْجِد، سَوَاء كَانَ يَوْم الْجُمُعَة وَالْإِمَام يخْطب أَو غَيره.
قلت: هَذَا على من دخل الْمَسْجِد فِي حَال تحل فِيهَا الصَّلَاة لَا مُطلقًا، ألاَ يرى أَن من دخل الْمَسْجِد عِنْد طُلُوع الشَّمْس وَعند غُرُوبهَا، أَو عِنْد قِيَامهَا فِي كبد السَّمَاء، لَا يُصَلِّي فِي هَذِه الْأَوْقَات للنَّهْي الْوَارِد فِيهِ؟ فَكَذَلِك لَا يُصَلِّي وَالْإِمَام يخْطب يَوْم الْجُمُعَة، لوُرُود وجوب الْإِنْصَات فِيهِ.
وَالصَّلَاة حِينَئِذٍ مِمَّا يخل بالانصات..
     وَقَالَ  أَيْضا: قيل: لَا نسلم أَن المُرَاد بالركعتين الْمَأْمُور بهما تَحِيَّة الْمَسْجِد، بل يحْتَمل أَن تكون صَلَاة فَائِتَة كالصبح مثلا، ثمَّ قَالَ: وَقد تولى رده ابْن حبَان فِي ( صَحِيحه) فَقَالَ: لَو كَانَ كَذَلِك لم يتَكَرَّر أمره لَهُ بذلك مرّة بعد أُخْرَى.
قلت: هَذَا الْقَائِل نقل عَن ابْن الْمُنِير مَا يُقَوي القَوْل الْمَذْكُور، حَيْثُ قَالَ: لَعَلَّه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ كشف لَهُ عَن ذَلِك، وَإِنَّمَا استفهمه ملاطفة لَهُ فِي الْخطاب.
قَالَ: وَلَو كَانَ المُرَاد بِالصَّلَاةِ التَّحِيَّة لم يحْتَج إِلَى استفهامه، لِأَنَّهُ قد رَآهُ لما قد دخل، وَهَذِه تَقْوِيَة جَيِّدَة بإنصاف.
وَمَا نَقله عَن ابْن حبَان لَيْسَ بِشَيْء، لِأَن تكراره يدل على أَن الَّذِي أمره بِهِ من الصَّلَاة الْفَائِتَة، لِأَن التّكْرَار لَا يحسن فِي غير الْوَاجِب، وَمن جملَة مَا قَالَ هَذَا الْقَائِل: وَقد نقل حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَنه دخل ومروان يخْطب، فصلى الرَّكْعَتَيْنِ، فَأَرَادَ حرس مَرْوَان أَن يمنعوه فَأبى حَتَّى صلاهما، ثمَّ قَالَ: مَا كنت لأدعهما بعد أَن سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَأْمر بهما.
انْتهى.
وَلم يثبت عَن أحد من الصَّحَابَة مَا يُخَالف ذَلِك، وَنقل أَيْضا عَن شَارِح التِّرْمِذِيّ أَنه قَالَ: كل من نقل عَنهُ منع الصَّلَاة وَالْإِمَام يخْطب مَحْمُول على من كَانَ دَاخل الْمَسْجِد، لِأَنَّهُ لم يَقع عَن أحد مِنْهُم التَّصْرِيح بِمَنْع التَّحِيَّة.
انْتهى.
قلت: قد ذكرنَا أَن الطَّحَاوِيّ روى عَن عقبَة بن عَامر: الصَّلَاة وَالْإِمَام على الْمِنْبَر مَعْصِيّة، وَكَيف يَقُول هَذَا الْقَائِل وَلم يثبت عَن أحد من الصَّحَابَة مَا يُخَالف ذَلِك؟ وإي مُخَالفَة تكون أقوى من هَذَا حَيْثُ جعل الصَّلَاة وَالْإِمَام على الْمِنْبَر مَعْصِيّة؟ وَكَيف يَقُول الشَّارِح التِّرْمِذِيّ: لم يَقع عَن أحد مِنْهُم التَّصْرِيح بِمَنْع التَّحِيَّة؟ وَأي تَصْرِيح يكون أقوى من قَول عقبَة حَيْثُ أطلق على فعل هَذِه الصَّلَاة مَعْصِيّة؟ فَلَو كَانَ قَالَ: يكره أَو لَا يفعل لَكَانَ منعا صَرِيحًا، فضلا أَنه قَالَ: مَعْصِيّة وَفعل الْمعْصِيَة حرَام، وَإِنَّمَا أطلق عَلَيْهِ الْمعْصِيَة لِأَنَّهَا فِي هَذَا الْوَقْت تخل بالإنصات الْمَأْمُور بِهِ، فَيكون بِفِعْلِهَا تَارِكًا لِلْأَمْرِ، وتارك الْأَمر يُسمى عَاصِيا، وَفعله يُسمى مَعْصِيّة، وَفِي الْحَقِيقَة هَذَا الْإِطْلَاق مُبَالغَة.
فَإِن قلت: فِي سَنَد أثر عقبَة بن عبد الله بن لَهِيعَة؟ .
قلت: مَاله، وَقد قَالَ أَحْمد: من كَانَ مثل ابْن لَهِيعَة بِمصْر فِي كَثْرَة حَدِيثه وَضَبطه وإتقانه؟ وَحدث عَنهُ أَحْمد كثيرا،.

     وَقَالَ  ابْن وهب: حَدثنِي الصَّادِق الْبَار وَالله عبد الله بن لَهِيعَة،.

     وَقَالَ  أَحْمد بن صَالح: كَانَ ابْن لَهِيعَة صَحِيح الْكتاب طلابا للْعلم.

وَقَالَ هَذَا الْقَائِل أَيْضا: وَأما مَا رَوَاهُ الطَّحَاوِيّ عَن عبد الله بن صَفْوَان أَنه دخل الْمَسْجِد وَابْن الزبير يخْطب فاستلم الرُّكْن ثمَّ سلم عَلَيْهِ ثمَّ جلس وَعبد الله بن صَفْوَان وَعبد الله بن الزبير صحابيان صغيران، فقد اسْتدلَّ بِهِ الطَّحَاوِيّ، فَقَالَ: لما لم يُنكر ابْن الزبير على ابْن صَفْوَان، وَلَا من حضرهما من الصَّحَابَة ترك التَّحِيَّة، فَدلَّ على صِحَة مَا قُلْنَاهُ، وَتعقب بِأَن تَركهم النكير لَا يدل على تَحْرِيمهَا، بل يدل على عدم وُجُوبهَا، وَلم يقل بِهِ مخالفوهم.
قلت: هَذَا التعقيب متعقب لِأَنَّهُ مَا ادّعى تَحْرِيمهَا حَتَّى يرد مَا اسْتدلَّ بِهِ الطَّحَاوِيّ، وَلم يقل هُوَ وَلَا غَيره بِالْحُرْمَةِ، وَإِنَّمَا دَعوَاهُم أَن الدَّاخِل يَنْبَغِي أَن يجلس وَلَا يُصَلِّي شَيْئا، وَالْحَال أَن الإِمَام يخْطب، وَهُوَ الَّذِي ذهب إِلَيْهِ الْجُمْهُور من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ.

وَقَالَ هَذَا الْقَائِل أَيْضا: هَذِه الْأَجْوِبَة الَّتِي قدمناها تنْدَفع من أَصْلهَا بِعُمُوم قَوْله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فِي حَدِيث أبي قَتَادَة: ( إِذا دخل أحدكُم الْمَسْجِد فَلَا يجلس حَتَّى يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ) .
قلت: قد أجبنا عَن هَذَا بِأَنَّهُ مَخْصُوص،.

     وَقَالَ  النَّوَوِيّ: هَذَا نَص لَا يتَطَرَّق إِلَيْهِ التَّأْوِيل، وَلَا أَظن عَالما يبلغهُ هَذَا اللَّفْظ، ويعتقده صَحِيحا فيخالفه قلت: فرق بَين التَّأْوِيل والتخصيص وَلم يقل أحد من المانعين عَن الصَّلَاة وَالْإِمَام يخْطب: أَنه مؤول، بل قَالُوا: إِنَّه مَخْصُوص..
     وَقَالَ  الْقَائِل الْمَذْكُور: وَفِي هَذَا الحَدِيث، أَعنِي: حَدِيث هَذَا الْبابُُ جَوَاز صَلَاة التَّحِيَّة فِي الْأَوْقَات الْمَكْرُوهَة، لِأَنَّهَا إِذا لم تسْقط فِي الْخطْبَة مَعَ الْأَمر بالإنصات لَهَا فغيرها أولى.
قلت: من جملَة الْأَوْقَات الْمَكْرُوهَة وَقت طُلُوع الشَّمْس وَوقت غُرُوبهَا وَوقت استوائها، وَحَدِيث عقبَة ابْن عَامر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: ( ثَلَاث سَاعَات كَانَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، نَهَانَا أَن نصلي فِيهِنَّ أَو نقبر فِيهِنَّ مَوتَانا: حِين تطلع الشَّمْس بازعة حَتَّى ترْتَفع، وَحين يقوم قَائِم الظهيرة حَتَّى تميل الشَّمْس، وَحين تضيف الشَّمْس للغروب حَتَّى تغرب) .
رَوَاهُ مُسلم وَالْأَرْبَعَة، فَإِن هَذَا الحَدِيث بِعُمُومِهِ يمْنَع سَائِر الصَّلَوَات فِي هَذِه الْأَوْقَات من الْفَرَائِض والنوافل، وَصَلَاة التَّحِيَّة من النَّوَافِل.