فهرس الكتاب

زمعة بن صالح المكي

216 زمعة بن صالح المكي روى عن سلمة بن وهرام وابن طاوس وروى عنه وكيع.
عن القاسم بن راشد الشيباني قال كان زمعة نازلا عندنا وكان له أهل وبنات وكان يقوم فيصلي ليلا طويلا فإذا كان السحر نادى بأعلى صوته: يا أيها الركب المعرسونا ... أكل هذا الليل ترقدونا ألا تقومون فترحلونا قال فيتواثبون فيسمع من ههنا باك، ومن ههنا داع، ومن ههنا قارئ، ومن ههنا متوضئ فإذا طلع الفجر نادى بأعلى صوته عند الصباح يحمد القوم السرى رحمه الله.
واصدق عنه النجاشي اربعمائة دينار وبعث بها مع شرحبيل بن حسنة.
وقيل وكلت خالد بن سعيد بن العاص فزوجها وذلك في سنة سبع من الهجرة.
قال سعيد بن العاص: قالت ام حبيبة: رأيت في النوم كأن عبيد الله بن جحش زوجي باسوأ صورةٍ واشوهه.
ففزعت فقلت: تغيّرت والله حالهُ.
فاذا هو يقول حين اصبح: يا أم حبيبة اني نظرت في الدين فلم أر دينا خيراً من النصرانية، وكنت قد دنت بها ثم دخلت في دين محمد، ثم رجعت في النصرانية.
فقلت: والله ما خير لكَ.
واخبرته بالرؤيا التي رأيتها فلم يحفل بها واكب على الخمر حتى مات: فارى في النوم كأن آتياً يقول: يا ام المؤمنين ففزعت فاولتها ان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتزوجني.
قالت: فما هو الا ان قد انقضت عِدتي فما شعرت الا برسول النجاشي على بابي يستأذن.
فإذا جارية له يقال لها ابرهة كانت تقوم على ثيابه ودهنه فدخلت عليَّ فقالت: فقالت: ان الملك يقول لك إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب الي ان ازوجه فقالت: بشَّرك الله بخير.
قالت: يقول لك الملك وكلي من يزوجك.
فارسلت خالد بن سعيد بن العاص فوكلته واعطت ابرهة سوارين من فضة وخَدَمتَين كانتا في رجليها وخواتيم فضة كانت في اصابع رجليها سروراً بما بشّرتها.
فلما كان العشى امر النجاشي جعفر بن ابي طالب ومن هناك من المسلمين فخطب النجاشي فقال: الحمد لله الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار، اشهد ان لا اله الا الله وان محمدا عبده ورسوله وانه الذي بشّر به عيسى ابن مريم اما بعد: فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب الي ان ازوجه ام حبيبة بنت ابي سفيان فاجبت الى ما دعا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أصدقْتها اربعمائة دينار.
ثم سكب الدنانير بين يدي القوم فتكلم خالد بن سعيد فقال: الحمد لله، أحمده واستعينه واستنصره وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله ارسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون اما بعد أجبت الى ما دعا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وزوّجته ام حبيبة بنت ابي سفيان فبارك الله لرسول صلى الله عليه وسلم.
ودفع الدنانير الى خالد بن سعيد العاص فقبضها.
ثم أرادوا ان يقوموا فقال: اجلسوا فان سنة الأنبياء اذا تزوجوا ان يؤكل طعامٌ على التزويج.
فدعا بطعام واكلوا ثم تفرقوا.
قالت ام حبيبة: فلما وصل الي المال ارسلت الى ابرهة التي بشرتني فقلت لها: إني كنت أعطيتك ما اعطيتك يومئذ ولا مال بيدي فهذه خمسون مثقالاً فخُذيها فاستعيني بها.
فابت واخرجت حقا فيه كل ما كنت اعطيتها فردته عليَّ وقالت: عزم عليَّ الملك ان لا ارزأك شيئاً وانا التي اقوم على ثيابه ودهنه وقد اتبعت دين محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم واسلمت لله عز وجل وقد امر الملك نساءه ان يبعثن اليك بكل ما عندهن من العطر.
قالت: فلما كان الغد جاءتني بعود وورس وعنبر وزبادٍ كثير فقدمتُ بذلك كله على رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان يراه علي وعندي فلا ينكره.
ثم قالت ابرهة: فحاجتي اليك ان تقرئي عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم مني السلام وتعلميه اني قد اتبعت دينه.
قالت: ثم لطفت بي وكانت التي جَهَّزتني، وكانت كلما دخلت عليَّ تقول لا تنسَيْ حاجتي اليك.
قالت: فلما قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم اخبرته كيف كانت الخطبة وما فعلت بي ابرهة فتبسم واقرأته منها السلام فقال: " وعليها السلام ورحمة الله وبركاته" 1.
قال الزهري: لما قدم ابو سفيان بن حرب المدينة جاء الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يريد غزو مكة، فكلَّمه ان يزيد في هدنة الحديببة فلم يُقبل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام ودخل على ابنته ام حبيبة فلما ذهب ليجلس على فراش النبي صلى الله عليه وسلم طوته دونه فقال: يا بنية ارغبت بهذا الفراش عني ام بي عنه؟ فقالت: بل هو فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم وانت امرؤ نجسً مشرك.
فقال: يا بُنيّة لقد أصابك بعدي شرّ2.
قالت عائشة رضي الله عنها: دعتني ام حبيبة عند موتها فقالت: قد كان يكون بيننا ما يكون بين الضرائر فغفر الله ولك ما كان من ذلك.
فقلت: غفر الله لك ذلك كلَّه وتجاوز وحلَّك من ذلك كله.
فقالت: سررتني سرَّك الله.
وارسلت الي أم سلمة فقالت لها مثل ذلك3.
وتوفيت سنة اربع واربعين في خلافة معاوية.