فهرس الكتاب

الفضيل بن عياض التميمي

218 الفضيل بن عياض التميمي ثم أحدُ بني يربوع يكنى أبا علي وُلد بخراسان بكُورة أبي ورد وقدم الكوفة وهو كبير فسمع بها الحديث ثم تعبد وانتقل إلى مكة فمات بها.
عن إبراهيم بن احمد الخزاعي قال سمعت الفضيل بن عياض يقول لو أن الدنيا كلها بحذافيرها جعلت لي حلالا لكنت أتقذّرها.
وعن أبي الفضل الخزاز قال سمعت الفضيل بن عياض يقول أصلح ما أكون أفقر ما أكون وإني لأعصِي الله فأعرف ذلك في خُلق حماري وخادمي.
وعن إسحاق بن إبراهيم قال كانت قراءة الفضيل حزينة شهية بطيئة مترسلة كأنه يخاطب إنسانا وكان إذا مر بآية فيها ذكر الجنة يرددها.
وكان يلقى له حصير بالليل في مسجده فيصلي من أول الليل ساعة حتى تغلبه عينه فيلقي نفسه على الحصير فينام قليلا ثم يقوم فإذا غلبه النوم نام ثم يقوم هكذا حتى يصبح.
قال وسمعت الفضيل يقول إذا لم تقدر على القيام الليل وصيام النهار فاعلم أنك محروم مكبل كبلتك خطيئتك.
وعن منصور بن عمار قال تكلمت يوما في المسجد الحرام فذكرت شيئا من صفة النار ف رأيت الفضيل بن عياض صاح حتى غشى عليه فطرح نفسه.
وعن أبي إسحاق قال قال الفضيل بن عياض لو خيرت بين أن أعيش كلباً أو أموت كلباً ولا أرى يوم القيامة لاخترت أن أعيش كلبا أو أموت كلبا ولا أرى يوم القيامة.
وعن مهران بن عمرو الأسدي قال سمعت الفضيل بن عياض عشية عرفة بالموقف وقد حال بينه وبين الدعاء البكاء، يقول واسوأتاه، وافضيحتاه وإن عفوت.
وعن احمد بن سهل قال قدم علينا سعد بن زنبور فأتيناه فحدثنا قال كنا على باب الفضيل بن عياض فاستأذنا عليه فلم يؤذن لنا فقيل لنا انه لا يخرج إليكم أو يسمع القرآن.
قال: وكان معنا رجل مؤذن وكان صَيّتاً فقلنا له اقرأ {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} ورفع بها صوته.
فأشرف علينا الفُضيل وقد بكى حتى بل لحيته بالدموع ومعه خرقة ينشف بها الدموع من عينيه وأنشأ يقول: بلغت الثمانين أو حزتها ... فماذا أُؤمّل أو أنتظرْ؟ أتى لي ثمانونَ من مولدي ... وبعدَ الثمانين ما يُنتظَرْ علتني السنون فأبلينني ... .......
.
قال ثم خنقته العبرة.
وكان معنا علي بن خشرم فأتمّه لنا فقال: علتني السنون فأبلينني ... فرقّت عظامي وكلَّ البصر وعن أبي جعفر الحذاء قال: سمعت فضيل بن عياض يقول أخذت بيد سفيان ابن عيينة في هذا الوادي فقلت له: إن كنت تظن انه بقي على وجه الأرض شر مني ومنك فبئس ما تظن.
وعن علي بن الحسن قال بلغ فضيلاً أن جريراً يريد أن يأتيه قال: فأقفل الباب من خارج قال: فجاء جرير فرأى الباب مقفلا فرجع قال علي فبلغني ذلك فأتيته فقلت له جرير فقال ما يصنع بي يظهر لي محاسن كلامه وأظهر له محاسن كلامي فلا يتزين لي ولا أتزين له خير له.
وعن الفيض بن إسحاق قال سمعت فضيلاً يقول لو قيل لك يا مرائي لغضبت ولشق عليك وتشكو فتقول قال لي يا مرائي عساه قال حقا من حبك للدنيا تزينت للدنيا وتصنعت للدنيا.
ثم قال اتقِِ ألاّ تكون مرائيا وأنت لا تشعر تصنّعتَ وتهيأتَ حتى عرفك الناس فقالوا هو رجل صالح فأكرموك وقضوا لك الحوائج ووسعوا لك في المجالس وإنما عرفوك بالله ولولا ذلك لهنت عليهم.
قال وسمعت الفضيل يقول تزينت لهم بالصوم فلم ترهم يرفعون بك رأساً.
تزينت لهم ب القرآن فلم ترهم يرفعون بك رأسا تزينت لهم بشيء بعد شيء إنما هو لحب الدنيا.
وعن الحسين بن زياد قال دخلت على فضيل يوما فقال عساك إن رأيت في ذلك المسجد يعني المسجد الحرام رجلا شرا منك إن كنت ترى أن فيه شرا منك فقد ابتليت بعظيم.
وعن يونس بن محمد المكي قال: قال فضيل بن عياض لرجل لأعلمنك كلمة هي خير من الدنيا وما فيها والله لئن علم الله منك إخراج الآدمين من قلبك حتى لا يكون في قلبك مكان لغيره لم تسأله شيئاً إلا أعطاك.
وعن إبراهيم بن الأشعث قال سمعت الفضيل بن عياض يقول: ما يؤمنك أن تكون بارزت الله بعمل مقتك عليه فاغلق دونك أبواب المغفرة وأنت تضحك كيف ترى تكون حالك.
وعن عبد الصمد بن يزيد قال سمعت الفضيل يقول أدركت أقواما يستحيون من الله في سواد الليل من طول الهجعة إنما هو على الجنب فإذا تحرك قال ليس لك هذا قومي خذي حظك من الآخرة.
وعن محمد بن حسان السمني قال: شهدت الفضيل بن عياض وجلس إليه سفيان بن عيينة فتكلم الفضيل فقال كنتم معشر العلماء سرج البلاد يستضاء بكم فصرتم ظَلَمَةً وكنتم نُجوماً يُهتدى بكم فصرتم حيرة، ثم لا يستحي أحدكم أن يأخذ مال هؤلاء الظلمة، ثم يسند ظهره يقول: حدثنا فلان عن فلان.
فقال سفيان: لئن كنا لسنا بصالحين فإنّا نحبّهم.
وعن بشر بن الحارث قال: قال فضيل بن عياض: لأن أطلب الدنيا بطبل ومزمار أحبَّ إليَّ من أن أطلبها بالعبادة.
وعن الفضل بن الربيع قال: حج أمير المؤمنين الرشيد فأتاني فخرجت مسرعاً فقلت يا أمير المؤمنين لو أرسلت إليَّ أتيتك فقال: ويحك قد حَكَّ في نفسي شيء فانظر لي رجلا أسأله فقلت ها هنا سفيان بن عيينة فقال امض بنا إليه.
فأتيناه فقرعت الباب فقال من ذا؟فقلت أجب أمير المؤمنين فخرج مسرعا فقال يا أمير المؤمنين لو أرسلت إلي أتيتك فقال له: خذ لما جئناك له رحمك الله.
فحدثه ساعة ثم قال له عليك دين قال نعم فقال أبا عباس اقض دينه فلما خرجنا قال: ما أغنى عني صاحبك شيئا انظر لي رجلا اسأله فقلت له هاهنا عبد الرزاق بن همام قال امض بنا إليه فأتيناه فقرعت الباب فقال من هذا؟ قلت: أجب أمير المؤمنين.
فخرج مسرعاً فقال: يا أمير المؤمنين لو أرسلت إلي أتيتك قال خذ لما جئناك له.
فحادثه ساعة ثم قال له عليك دين قال نعم قال أبا عباس اقض دينه.
فلما خرجنا قال ما أغنى صاحبك شيئا انظر لي رجلا اسأله قلت ها هنا الفضيل ابن عياض قال امض بنا إليه فأتيناه فإذا وهو قائم يصلي يتلو آية من القرآن يرددها فقال اقرع الباب فقرعت الباب فقال من هذا فقلت أجب أمير المؤمنين فقال ما لي ولأمير المؤمنين فقلت سبحان الله أما عليك طاعة؟ أليس قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال: "ليس للمؤمن أن يُذل نفسه" فنزل ففتح الباب ثم إرتقى إلى الغرفة فأطفا المصباح ثم إلتجأ إلى زواية من زوايا البيت فدخلنا فجعلنا نجول عليه بأيدينا فسبقت كف هارون قبلي إليه فقال يا لها من كف ما ألينها إن نجت غدا من عذاب الله عز وجل فقلت في نفسي ليكلمنه الليلة بكلام نقي من قلب تقي فقال له خذ لما جئناك له رحمك الله فقال إن عمر بن عبد العزيز لما ولى الخلافة دعا سألم بن عبد الله ومحمد بن كعب القرظي ورجاء ابن حيوة فقال لهم إني قد ابتليت بهذا البلاء فأشيروا عليَّ.
فعدَّ الخلافة بلاء وعددتها أنت وأصحابك نعمة.
فقال له سالم بن عبد الله إن أردت النجاة غدا من عذاب الله فصم عن الدنيا وليكن إفطارك من الموت.
وقال له محمد بن كعب القرظي إن أردت النجاة من عذاب الله فليكن كبير المسلمين عندك أبا وأوسطهم عندك أخا وأصغرهم عندك ولداً فوقر أباك واكرم أخاك وتحنن على ولدك.
وقال له رجاء ين حيوة إن اردت النجاة غداً من عذاب الله عز وجل فأحبَّ للمسلمين ما تُحبّ لنفسك واكره لهم ما تكرهُ لنفسك ثم مُت إذا شئت وإني أقول لك أني أخاف عليك أشد الخوف يوم تزل فيه الأقدام فهل معك رحمك الله من يشير عليك بمثل هذا؟ فبكى هارون بكاء شديدا حتى غشي عليه فقلت له أرفق بأمير المؤمنين فقال يا ابن أم الربيع تقتله أنت وأصحابك وارفق به أنا ثم أفاق فقال له: زدني رحمك الله فقال:يا أمير المؤمنين بلغني أن عاملا لعمر بن عبد العزيز شكا إليه فكتب إليه عمر يا أخي أذكرك طول سهر أهل النار في النار مع خلود الأبد وإياك أن ينصرف بك من عند الله فيكون آخر العهد وانقطاع الرجاء.
قال فلما قرأ الكتاب طوى البلاد حتى قدم على عمر بن عبد العزيز فقال له ما أقدمك قال خلعت قلبي بكتابك لا أعود إلى ولاية أبدا حتى ألقى الله عز وجل.
قال فبكى هارون بكاء شديدا ثم قال له زدني رحمك الله فقال يا أمير المؤمنين إن العباس عم المصطفى صلى الله عليه وسلم جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله أمّرني على إمارة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم "إن الإمارة حسرة وندامة يوم القيامة فإن استطعت أن لا تكون أميرا فافعل".
فبكى هارون بكاء شديدا وقال له زدني رحمك الله.
فقال يا حسن الوجه أنت الذي يسألك الله عز وجل عن هذا الخلق يوم القيامة فإن استطعت أن تقي هذا الوجه من النار فافعل وإياك أن تصبح وتمسي وفي قلبك غشّ لأحد من رعيتك فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من اصبح لهم غاشاً لم يُرح رائحة الجنة".
فبكى هارون وقال له عليك دين قال نعم دين لربي يحاسبني عليه فالويل لي إن سألني والويل لي إن ناقشني والويل لي إن لم ألْهَمْ حجتي قال إنما اعني دين العباد قال إن ربي لم يأمرني بهذا أمر ربي أن أوحده وأطيع أمره فقال عز وجل: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} الذاريات: 5658 .
فقال له هذه ألف دينار خذها فأنفقها على عيالك وتقو بها على عبادتك فقال: سبحان الله أنا أدلك على طريق النجاة وأنت تكافئني بمثل هذا؟ سلمك الله ووفقك.
ثم صمت فلم يكلمنا فخرجنا من عنده فلما صرنا على الباب قال هارون: أبا عباس إذا دللتني على رجل فدُلني على مثل هذا، هذا سيد المسلمين.
فدخلت عليه امرأة من نسائه فقالت يا هذا قد ترى ما نحن فيه من ضيق الحال فلو قبلت هذا المال فتفرجنا به فقال لها مثلي ومثلكم كمثل قوم كان لهم بعير يأكلون من كسبه فلما كبر نحروه فأكلوا لحمه.
فلما سمع هارون هذا الكلام قال ندخل فعسى أن يقبل المال فلما علم الفضيل خرج فجلس في السطح على باب الغرفة فجاء هارون فجلس إلى جنبه فجعل يكلمه فلا يجيبه فبينانحن كذلك إذ خرجت جارية سوداء فقالت يا هذا قد آذيت الشيخ منذ الليلة فانصرف رحمك الله فانصرفنا.
اقتصرنا على هذا القدر من أخبار الفضيل لانا قد أفردنا لكلامه ومناقبه كتابا فمن أراد الزيادة فلينظر في الكتاب.
وقد أسند الفضيل عن جماعة من كبار التابعين منهم الأعمش ومنصور بن المعتمر وعطاء بن السائب وحصين بن عبد الرحمن ومسلم الأعور وأبان بن أبي عياش وروى عنه خلق كثير من العلماء وقد ذكرنا جملة من رواياته في ذلك الكتاب.
وتوفي رضي الله عنه في سنة سبع وثمانين ومائة.