فهرس الكتاب

بشر بن الحارث الحافي

261 بشر بن الحارث الحافي يكنى أبا نصر ولد في سنة خمسين ومائة.
عن أيوب العطار قال قال لي بشر بن الحارث الحافي احدثك عن بدو امري بينا أنا امشي رأيت قرطاسا على وجه الأرض فيه اسم الله تعالى فنزلت إلى النهر فغسلته وكنت لا املك من الدنيا إلا درهما فيه خمسة دوانق فاشتريت بأربعة دوانيق مسكا وبدانق ماء ورد وجعلت اتتبع اسم الله تعالى واطيبه ثم رجعت إلى منزلي فنمت فاتاني آت في منامي فقال يا بشر كما طيبت اسمي لاطيبن اسمك وكما طهرته لاطهرن قلبك.
وعن محمد بن بشار قال سمعت بشر بن الحارث يقول أنا لله عشت إلى زمان ان لم اعمل فيه بالجفاء لم يسلم ديني.
وعن الحسين بن محمد البغدادي قال سمعت أبي يقول زرت بشر بن الحارث فقعدت معه مليا فما زادني على كلمة قال ما اتقى الله من أحب الشهرة.
وعن أحمد بن نصر قال كنا قعودا قدام بشر بن الحارث نفسين قال فجاء الثالث فقام فدخل.
وعن أحمد بن الفتح قال سمعت بشرا يقول بعث إلى عاصم بن علي بأبي زكريا الصفار فقال يا أبا نصر ان أبا الحسن يقرأ عليك السلام ويقول قد اشتد شوقي إليك حتى لقد كدت ان اتيك من غر إذّن فعلمت كراهيتك لمجيء الرجال فان رأيت ان تاذن لي فاتيك لاسلم عليك فلعل الله ان ينفعني برؤيتك.
قال فقلت له قد فهمت رسالة الشيخ فابلغه السلام وقل له لا تأتني فان في مجيئك الي شهرة علي وعليك.
وعن أبي حفص عمر بن موسى قال سمعت بشر بن الحارث يقول لقد شهرني ربي في الدنيا فليته لا يفضحني في القيامة.
ما اقبح بمثلي يظن في ظن وأنا على خلافه إنما ينبغي لي ان اكون اكثر ما يظن بي اني اكره الموت وما يركه الموت إلا مريب ولولا اني مريب لاي شيء اكره الموت.
وقال أحمد بن الصلت سمعت بشر بن الحارث يقول غنيمة المؤمن غفلة الناس عنه واخاء مكانه عنهم.
أبو بكر محمد بن الفياض قال سمعت زريقا الدلال يقول سمعت بشر بن الحارث يقول اللهم استر واجعل تحت الستر ما تحب فربما سترت على ما تكره قال ثم التفت الي فقال يا أخي بادر بادر فان ساعات الليل والنهار تذهب الاعمار.
وعن محمد بن يوسف الجوهري قال سمعت بشر بن الحارث يقول يوم ماتت أخته ان العبد إذا قصر في طاعة الله سلبه الله من يؤنسه.
وعن محمد بن قدامة قال لقى بشر بن الحارث رجل سكران فجعل يقبله ويقوليا سيدي يا أبا نصر ولا يدفعه بشر عن نفسه فلما ولى تغرغرت عينا بشر وقال رجل أحب رجلا على خير توهمه لعل المحب قد نجا والمحبوب لا يدري ما حاله.
وقال رجل رأيت بشر بن الحارث وقف على أصحاب الفاكهة فجعل ينظر.
فقلت يا أبا نصر لعلك تشتهي من هذا شيئا قال لا ولكن نظرت في هذا إذا كان يطعم هذا من يعصيه فكيف من يطيعه.
وعن أبي بكر المروزي قال سمعت بعض القطانين يقول اهدى الي استاذي رطبا وكان بشر يقيل في دكاننا في الصيف فقال له استاذي يا أبا نصر هذا من وجه طيب فان رأيت ان تأكل قال فجعل يمسه بيده ثم ضرب بيده إلى لحيته وقال ينبغي ان استحي من الله اني عند الناس تارك لهذا وآكله في السر؟.
وعنه قال سمعت أبا حفص ابن أخت بشر قال سمعت بشرا يقول ما شبعت منذ خمسين سنة.
وعنه قال سمعت قرابة بشر الحافي يقول قدم بشر بن عبادان ليلا أو قال من سفر وهو متزر بحصير.
عن يحيى بن عثمان قال كان لبشر بن الحارث في كل يوم رغيف.
قال وقال لي بشر كان لي سنور فكنت إذا وضعت طعامي بين يدي جاءت فعيناها في عيني فآكل وارمي لها قال فقلت اليك عني تأكلين قوتي.
وعن أبي بكر بن عثمان قال سمعت بشر بن الحارث يقول اني لاشتهي شواء منذ أربعين سنة ما صفا لي درهمه.
وعن أبي عمران الوركاني قال تخرق ازار بشر فقالت له أخته يا أخي قد تخرق إزارك وهذا البرد فلو جئت بقطن حتى اغزل لك قال فكان يجيء بالاستارين والثلاثة قال فقالت له يا أخي ان الغزل قد اجتمع افلا تسلم ازارك قال فقال لها هاتيه قال فأخرجته الي فوزنه فأخرج ألواحه فجعل يحسب الاساتير فلما رآها قد زادت فيه قال لها كما افسدته فخذيه.
وعن الحسن بن عمرو بن الجهم قال سمعت أبا نصر التمار يوم مات بشر يقول لولا ان بشرا قد مات ما حدثتكم بهذا.
اتاني ليلة فقلت يا أبا نصر الحمد لله الذي جاء بك جاءنا قطن من خراسان فغزلتهالابنة وباعته لفلان واشترت به لحما وأشياء على ان افطر عليه فالحمد لله الذي جاء بك فقال يا أبا نصر لا تكثر علي فلو أكلت عند أحد من أهل الدنيا أكلت عندك ثم قال اني لاشتهي الباذنجان منذ ثلاثين عاماً.
قلت فإن فيها باذنجاناً.
فقال: حتى تصفو لي حبة الباذنجان من أين هي؟.
وعن إبراهيم بن هاشم قال سمعت بشر بن الحارث يقول اني لاشتهي شواء ورقاقا منذ خمسين سنة ما صفا لي درهمه.
الفتح بن شحرف قال قال عمر ابن أخت بشر سمعت خالي بشرا يقول لأمي جوفي وجع وخواصري تضرب علي فقالت له أمي ائذن لي حتى أصلح لك قليل حسا بكف دقيق عندي تتحساه يرم جوفك فقال لها ويحك أخاف ان يقول من أين لك هذا الدقيق فلا ادري أي شيء اقول له فبكت أمي وبكى معها وبكيت معهم.
قال عمر ورأت أمي ليلة ما به من شدة الجوعت وجعل يتنفس تنفسا ضعيفا فقالت له أمي يا أخي ليت امل لم تلدين فقد والله تعطع كبدي مما ارى بك.
فسمعته يقول لها وأنا فليت امك لم تلدني وإذ قد ولدتني لم يدر لها ثدي علي.
قال عمر وكانت أمي تبكي عليه الليل والنهار.
عبد الله بن خبيق قال رجل لبشر ما لي اراك مغموا قال ما لي لا اكون مغموما وأنا رجل مطلوب.
وعن أبي الحسن أحمد بن محمد الزعفراني قال سمعت أبي يحكي عن بشر انه قال ربما رفعت يدي في الدعاء فاردها أو قال فاستلها.
اقول إنما يفعل هذا من له عنده وجه.
وعن الفتح به شحرف قال كنت جالسا عند بشر إذ جاءه رجل فسأله عن مسألة فاطرق مليا ثم رفع رأسه ثم اطرق ثم رفع رأسه فقال اللهم انك تعلم اني أخاف ان أتكلم اللهم انك تعلم اني أخاف ان اسكت اللهم انك تعلم اني أخاف ان تأخذني فيما بين السكوت والكلام.
وعن زبدة أخت بشر بن الحارث قالت دخل بشر علي ليلة من الليالي فوضع إحدى رجليه داخل الدار والأخرى خارج الدار وبقي كذلك يتفكر حتى أصبح فلما أصبح قلت له في ماذا تفكرت طول الليلة قال تفكرت في بشر النصراني وبشر إليهودي وبشرالمجوسي ونفسي واسمي بشر فقلت ما الذي سبق منك حتى خصك فتفكرت في تفضله علي وحمدته علي ان جعلني من خاصته والبسني لباس أحبائه.
وعن أحمد بن نصر قال سمعت بشرا يقول يا مازني ليت لا يكون حظي من الله هذا الذي يقول الناس بشر بشر ورأيت اشفار عينيه قد ذهبت من البكاء.
وعن الحسن بن عمرو قال سمعت بشر بن الحارث يقول لو علمت ان رضاه ان اشد في رجلي حجرا ثم القي نفسي في البحر لفعلت.
وعن عباس بن دهقان قال قلت لبشر بن الحارث أحب ان اخلو معك قال إذا شئت فبكرت يوما فرأيته قد دخل قبة فصلى فيها أربع ركعات لا احسن ان أصلي مثلها فسمعته يقول في سجوده اللهم انك تعلم فوق عرشك ان الذل أحب الي من الشرف اللهم انك تعلم فوق عرشك ان الفقر أحب الي من الغنى اللهم انك تعلم فوق عرشك اني لا اوثر على حبك شيئا فلما سمعته أخذني الشهيق والبكاء فلما سمعني قال اللهم انك تعلم اني لو اعلم ان هذا ههنا لم أتكلم.
وقال أحمد بن حنبل والله ان بين اظهركم رجلا ما هو عندي بدون عامر بن عبد الله يعني بشر بن الحارث.
وعن أحمد بن عبد الله بن خالد قال سئل أحمد بن حنبل عن مسألة في الورع فقال أنا استغفر الله لا يحل لي ان أتكلم في مسألة في الورع أنا أكل من غلة بغداد.
لو كان بشر بن الحارث صلح ان يجيبك عنه فانه كان لا يأكل من غلة بغداد ولا من طعام السواد يصلح ان يكلم في الورع.
وعن أبي بكر أحمد بن عبد الرحمن المروزي قال سمعت بشرا يقول ان الجوع يصفي الفؤاد ويورث العلم الدقيق وسمعت بشرا يقول طوبى لمن ترك شهوة حاضرة لموعد غيب لم يره.
وعن أحمد بن الصلت قال سمعت بشر بن الحارث يقول حادثوا الامال بقرب الاجال.
وعن أبي بكر الباقلاوي قال سمعت أبي يقول سمعت بشر بن الحارث ونحن معه بباب حرب واراد الدخول إلى المقبرة فقال المةنى داخل السور اكثر منهم خارج السور.
وعن أحمد بن الصلت قال سمعت بشر بن الحارث يقول ليس من المودة ان تحب ما يبغض حبيبك.
وعن عمرو بن موسى بن فيروز قال رأيت بشرا ومعه رجل فتقدم إلى بئر ليشرب منها فجذبه بشر وقال تشرب من البئر الأخرى حتى جاوز ثلاثة ابار فقال له الرجل أبا نصر أنا عطشان فقال له بشر اسكت فهكذا ندفع الدنيا.
وعن إبراهيم الحربي قال سمعت بشر بن الحارث يقول بحسبك ان اقواما موتى تحيا القلوب بذكرهم وان أقواماً أحياء تعمى الأبصار بالنظر إليهم.
وعن عمرو بن موسى الأحول قال سمعت بشرا يقول يكون الرجل مرائيا في حياته مرائيا بعد موته قيل كيف يكون مرائيا بعد موته قال يحب ان يكثر الناس على جنازته.
وعن الحسن بن عمرو قال سمعت بشر بن الحارث يقول الصدقة أفضل من الحج والعمرة والجهاد.
ثم قال: ذاك يركب ويرجع ويراه الناس وهذا يعطي سرا لا يراه إلا الله عز وجل.
وسمعت بشرا يقول ما اقبح ان يطلب العالم فيقال هو بباب الأمير.
وعن أبي عبد الله الاسدي قال قال لي بشر الحافي يوما: قطع الليالي مع الأيام في خلق ... والنوم تحت رواق الهم والقلق أحرى واعذر لي من ان يقال غدا ... اني التمست الغنى من كف مختلق قالوا قنعت بذا قلت القنوع غنى ... ليس الغنى كثرة الاموال والورق رضيت بالله في عسري وفي يسري ... فلست اسلك إلا اوضح الطرق رحل بشر بن الحارث رضي الله عنه في طلب العلم إلى مكة والكوفة والبصرة وسمع من وكيع وعيسى بن يونس وشريك بن عبد الله وابي معاوية وابي بكر بن عياش وحفص بن غياث واسماعيل بن علية وحماد بن زيد ومالك بن انس وابي يوسف القاضي وابن المبارك وهشيم والمعافى بن عمران والفضيل بن عياض وابي نعيم في خلق كثير.
غير انه لم يتصد للراوية فلم يضبط عنه من الحديث إلا اليسير.
وقد ذكرنا ما وقع الينا من حديثه وأخباره في كتاب افردناه لمناقبه وأخباره فلذلك اقتصرنا ههنا على ما ذكرنا.
وتوفي رضي الله عنه عشية الأربعاء لعشر بقين من ربيع الاول وقيل لعشر خلون من المحرم سنة سبع وعشرين ومائتين وقد بلغ من العمر خمسا وسبعين سنة وقيل سبعاً وسبعين.
عن يحيى بن عبد الحميد الحماني قال رأيت أبا نصر التمار وعلي بن المديني في جنازة بشر بن الحارث يصيحان هذا والله شرف الدنيا قبل شرف الآخرة.
وذلك ان بشرا خرجت جنازته بعد صلاة الصبح ولم يجعل في القبر إلا في الليل وكان نهارا صائفا ولم يستقر في القبر إلى العتمة.
وعن الكندي قال رأيت بشر بن الحارث في النوم فقلت له ما فعل الله بك فقال غفر لي واقعدني على طيار من لؤلؤة بيضاء وقال لي سر في ملكي.
وعن الحسن بن مروان قال رأيت بشر بن الحارث في المنام فقلت يا أبا نصر ما فعل الله بك قال غفر لي وغفر لكل من تبع جنازتي قال قلت ففيم العمل قال افتقد الكسرة.
وقال ابن خزيمة لما مات أحمد بن حنبل بت من ليلتي فرأيته في النوم فقلت له ما فعل الله بك قال غفر لي وتوجني والبسني نعلين من ذهب وقال لي يا أحمد هذا بقولك القرآن كلامي قلت فما فعل بشر فقال لي بخ بخ من مثل بشر تركته بين يدي الجليل وبين يديه مائدة من الطعام والجليل مقبل عليه وهو يقول له كل يا من لم يأكل واشرب يا من لم يشرب وانعم يا من لم ينعم رحمه الله ورضي عنه.