فهرس الكتاب

أحمد بن محمد بن حنبل

262 احمد بن محمد بن حنبل ابو عبد الله الشيباني جيء به من مرو حملا فولد في ربيع الاول سنة اربع وستين ومائة.
فاما نسبه فاخبرنا ابو منصور القزاز قال انبا ابو بكر بن ثابت قال انبا احمد بن عبد الله الحافظ أنبأ احمد بن جعفر بن حمدان قال أنبأ عبد الله بن أحمد ثنا أبي أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن اسد بن ادريس بن عبد الله بن حيان بن عبد الله بن انس بن عف بن قاسط بن مازن بن شيبان بن ذهل بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل بن قاسط بن هنب بن افصى بن دعمي بن جديلة بن اسد بن ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان بن اد بن ادد بن الهميسع بن حمل بن النبت بن قيدار بن اسماعيل بن ابراهيم الخليل عليه السلام.
وعن ابي بكر المروزي قال قال ابو عفيف وذكر ابا عبد الله احمد بن حنبل فقال كان في الكتاب معنا وهو غليم يعرف فضله وكان الخليفة بالرقة فيكتب الناس الى منازلهم فيبعث نساؤهم الى المعلم ابعث الينا باحمد بن حنبل ليكتب لهم جواب كتبهم فيبعثه فكان يجيء اليهم مطاطىء الرأس فيكتب جواب كتبهم فربما املو عليه الشيء من المنكر فلا يكتبه لهم.
وعن ادريس بن عبد الكريم قال قال خلف جاءني احمد بن حنبل يستمع حديث ابي عوانة فاجتهدت ان ارفعه فابى وقال لا اجلس الا بين يديك امرنا ان نتواضع لمن نتعلم منه.
وعن ابي زرعة قال كان احمد بن حنبل يحفظ الف الف حديث فقيل له وما يدريك قال ذكارته فاخذت عليه الابواب.
ابو جعفر بن احمد بن محمد بن سليمان التستري قال قيل لابي زرعة من رأيت من المشايخ المحدثين احفظ فقال احمد بن حنبل حزرت كتبه اليوم الذي مات فيه فبلغت اثني عشر حملا وعدلا ما كان على ظهر كتاب منها حديث فلان ولا في بطنه حديث فلان وكل ذلك كان يحفظه عن ظهر قلبه.
وعن ابراهيم الحربي قال رأيت احمد بن حنبل كان الله قد جمع له علم الأولين والآخرين من كل صنف يقول ما شاء ويمسك ما شاء.
وعن احمد بن سنان قال ما رأيت يزيد بن هارون لاحد اشد تعظيما منه لاحمد بن حنبل ولا رأيته أكرم أحداً كرامته لاحمد بن حنبل وكان يقعد الى جنبه إذا حدثنا وكان يوقره ولا يمازحه ومرض احمد فركب إليه فعاده.
قال المصنف رحمه الله قلت كانت مخايل النجابة تظهر من احمد رضي الله عنه من زمان الصبا وكان حفظه للعلم من ذلك الزمان غزيرا وعمله به متوفرا.
فلذلك كان مشايخه يعظمونه فكان اسماعيل بن علية يقدمه وقت الصلاة يصلي بهم وضحك اصحابه يوما فقال اتضحكون وعندي احمد بن حنبل؟.
وقال عبد الرزاق ما رأيت افقه ولا اورع من احمد بن حنبل.
وقال وكيع وحفص بن غياث ما قدم الكوفة مثل احمد بن حنبل.
وقال ابو الوليد الطيالسي ما بالمصرين احد احب الي من احمد بن حنبل.
وكان ابن مهدي يقول ما نظرت إليه الا ذكرت به سفيان الثوري ولقد كاد هذا الغلام ان يكون إماما في بطن أمه.
وقال يحيى بن سعيد ما قدم علي مثل احمد بن حنبل.
وقال ابو عاصم النبيل وقد ذكر طلاب العلم فقال ما رأينا في القوم مثل احمد بن حنبل.
وقد ذكرنا هذه الاطراف وامثالها في كتاب فضائل الامام احمد باسانيدها فكرهنا الاعادة ههنا.
وعن ابي بكر المروزي قال كنت مع ابي عبد الله نحوا من اربعة اشهر بالعسكر لا يدع قيام الليل وقراءة النهار فما علمت بختمة ختمها كان يسر ذلك.
وعن ابي عصمة بن عصام البيعقي قال بت ليلة عند احمد بن حنبل فجاء بالماء فوضعه فلما اصبح نظر في الماء فاذا هو كما كان فقال سبحان الله رجل يطلب العلم لا يكون له ورد بالليل؟.
وعن ابي داود السجستاني قال لم يكن احمد بن حنبل يخوض في شيء مما يخوض فيه الناس من امر الدنيا فاذا ذكر العلم تكلم.
وعن ابي عبيد القاسم بن سلام قال جالست ابا يوسف ومحمد بن الحسن ويحيى بن سعيد وعبد الرحمن بن مهدي فما هبت احدا منهم ما هبت احمد بن حنبل ولقد دخلت عليه في السجن لاسلم عليه فسالني رجل عن مسالة فلم اجبه هيبة له.
وعن عبد الملك بن عبد الحميد الميموني قال ما اعلم اني رأيت احدا انظف ثوبا ولا اشد تعاهدا لنفسه في شاربه وشعر راسه وشعر بدنه ولا انقى ثوبا واشده بياضاً من احمد بن حنبل.
وعن علي بن المديني قال قال لي احمد بن حنبل اني لاحب ان اصحبك الى مكة وما يمنعني من ذاك الا اني اخاف من املك او تملني قال فلما ودعته قلت يا ابا عبد الله توصيني بشيء قال نعم الزم التقوى قلبك والزم الاخرة امامك.
وقال ابو داود السجستاني كانت مجالسه احمد بن حنبل مجالسه الاخرة ولا يذكر فيها شيء من امر الدنيا ما رأيت احمد بن حنبل ذكر الدنيا قط.
وعن احمد بن عتبة قال لما ماتت أم صالح قال احمد لامراة عندهم اذهبي الى فلانة ابنة عمي فاخطبيها لي من نفسها قال فاتتها فاجابته فلما رجعت إليه قال كانت اختها تسمع كلامك قال وكانت بعين واحدة قالت له نعم قال فاذهبي فاخطبي تلك التي بعين واحدة فاتتها فاجابتها وهي ام عبد الله فأقام معها سبعا ثم قالت له كيف رأيت يا ابن عم انكرت شيئا قال لا الا ان نعلك هذه تصر.
وعن إبراهيم الحربي قال كان أحمد بن حنبل يأتي العرس والختان والاملاك يجيب ويأكل.
وعن سحاق بن راهوية قال لما خرج احمد بن حنبل الى عبد الرزاق انقطعت بهالنفقة فاكرى نفسه من بعض الجمالين الى ان وافى صنعاء وقد كان إصحابه عرضوا عليه المواساة فلم يقبل من أحد شيئاً.
وعن الرمادي قال سمعت عبد الرزاق وذكر احمد بن حنبل فدمعت عيناه فقال قدم بلغني ان نفقته نفدت فأخذت عشرة دنانير واقمته خلف الباب وما معي ومعه أحد وقلت انه لا تجتمع عندنا الدنانير وقد وجدت الساعة عند النساء عشرة دنانير فخذها فارجو الا تنفقها حتى يتهيأ عندنا شيء فتبسم وقال لي يا ابا بكر لو قبلت شيئا من الناس قبلت منك ولم يقبل.
وعن صالح بن احمد قال جاءتني حسن فقالت يا مولاي قد جاء رجل بتليسة فيها فاكهة يابسة وبهذا الكتاب قال صالح فقمت فقرات الكتاب فاذا فيه: يا ابا عبد الله ابضعت لك بضاعة الى سمرقند فوقع فيها كذا وكذا ورددتها فيها كذا وكذا وقد بعثت بها اليك وهي اربعة الاف درهم وفاكهة انا لقطتها من بستاني ورثته عن ابي وابي ورثه عن ابيه.
قال فجمعت الصبيان فلما دخل دخلنا عليه فبكيت وقلت له يا ابة اما ترق لي من اكل الزكاة ثم كشفت عن راس الصبية وبكيت فقال من اين علمت دع حتى استخير الله تعالى الليلة قال فلما كان من الغد قال يا صالح صي فاني قد استخرت الله تعالى الليلة فعزم لي الا اخذها وفتح التليسة ففرقها على الصبيان وكان عنده ثوب عشاري فبعث به إليه ورد المال قال صالح فبلغني ان الرجل اتخذه كفنا.
وعن علي بن الجهم قال كان له جار فاخرج الينا كتابا فقال اتعرفون هذا الخط قلنا هذا خط احمد بن حنبل كيف كتب لك قال كنا بمكة مقيمين عند سفيان بن عيينة ففقدنا احمد بن حنبل اياما لم نره ثم جئنا إليه لنسأل عنه فقال لنا أهل الدار التي هو فيها هو في ذلك البيت فجئنا إليه والباب مردود عليه واذا خلقان فقلنا له يا ابا عبد الله ما خبرك لم نرك منذ أيام فقال سرقت ثيابي.
فقلت له معي دنانير فان شئت فخذ قرضا وان شئت فصلة فابى أن يفعل فقلت تكتب لي باجرة قال نعم فاخرجت دينارا فابى ان ياخذه وقال اشتر لي ثوبا واقطعه بنصفين فأومأ الي أنه يأتزر بنصف ويرتدي بالنصف الاخر وقال جئني بنفقته ففعلت وجئت بورق فكتب لي وهذا خطه.
وعن صالح بن احمد بن حنبل قال دخلت على ابي في أيام الواثق والله يعلم في أيحالة نحن وخرج لصلاة العصر وكان له جلد يجلس عليه قد اتت عليه سنون كثيرة حتى قد بلي فإذا تحته كتاب فيه.
بلغني يا ابا عبد الله ما انت فيه وعن الضيق وما عليك من الدين وقد وجهت اليك بأربعة الاف درهم على يدي فلان لتقضي بها دينك وتوسع بها على عيالك وما هي من صدقة ولا زكاة انما هو شيء ورثته من ابي.
فقرات الكتاب ووضعته فلما دخل قلت له يا ابة ما هذا الكتاب فاحمر وجهه وقال رفعته منك ثم قال تذهب بجوابه الى الرجل وكتب: بسم الله الرحمن الرحيم وصل كتابك الي ونحن في عافية فاما الدين فانه لرجل لا يرهقنا واما عيالنا فهم بنعمة الله والحمد لله.
فذهبت بالكتاب الى الرجل الذي كان اوصل كتاب الرجل فقال ويحك لو ان عبد الله قبل هذا الشيء ورمي مثلا في دجلة كان مأجوراً لان هذا الرجل لا يعرف له معروف.
فلما كان بعد حين ورد كتاب الرجل بمثل ذلك فرد عليه الجواب بمثل ما رد فلما مضت سنة أو أقل أو أكثر ذكرناها فقال لو كنا قبلناها كانت قد ذهبت.
وعن محمد بن موسى بن حماد الزيدي قال حمل الى الحسن بن عبد العزيز الحروي من ميراثه من مصر مائة الف دينار فحمل إلي أحمد بن حنبل ثلاثة أكياس في كل كيس الف دينار فقال يا ابا عبد الله هذه ميراث حلال فخذها فاستعن بها على عائلتك فقال لا حاجة لي فيها انا في كفاية فردها ولم يقبل منها شيئا.
وعن السري بن محمد خال ولد صالح قال جاء احمد بن صالح يوضىء ابا عبد الله يوماً وقد بل ابو عبد الله خرقة فألقاها على رأسه فقال له احمد بن صالح يا جدي انت محموم قال ابو عبد الله وانى لي بالحمي؟ وعن رحيلة قال كنت على باب احمد بن حنبل والباب مجاف وام ولده تكلمه وتقول له انا معك في ضيق منزل بيت صالح يأكلون ويفعلون وهو يقول قولي خيرا خرج الصبي معه فبكى فقال له أي شيء تريد قال زبيب قال اذهب فخذ من البقال حبة.
وعن ابي بكر المروزي قال سمعت ابا عبد الله يقول إنما هو طعام دون طعام ولباس دون لباس وانها أيام قلائل وقال سمعت ابا عبد الله يقول أسر ايامي الي يوم اصبح وليس عندي شيء.
وعن صالح بن احمد قال ربما رأيت ابي يأخذ الكسر فيفض الغبار عنها ثم يصيرها في قصعة ثم يصب عليها ماء حتى تبتل ثم ياكلها بالملح وما رايته قط اشترى رمانا ولا سفرجلا ولا شيئا من الفاكهة الا ان يكون يشتري بطيخة فياكلها بخبز او عنبا او تمرا فاما غير ذلك فما رايته قط اشتراه وربما خبز له فيجعل في فخارة عدسا وشحما وتمرات شهريز فيخص الصبيان بقصعة فيصوت ببعضهم فيدفعه اليهم فيضحكون ولا ياكلون وكان كثيراً ما يأتدم بالخل وكان يتشرى له شحم بدرهم فكان ياكل منه شهراً فلما قدم من عند المتوكل أدمن الصوم وجعل لا يأكل الدسم فتوهمت أنه كان جعل على نفسه ان سلم ان يفعل ذلك.
وعن النيسابوري صاحب اسحاق بن ابراهيم قال لي الامير اذا جاء افطاره ارنيه قال فجاؤوا برغيفين خبز وخيارة فاريته الامير فقال هذا لا يجيبنا اذا كان هذا يقنعه.
وعن الحسن بن خلف الصائغ قال جاءني المروزي في علة أبي عبد الله قال ابو عبد الله عليل فذهبت بالمتطبب فدخلنا عليه قال ما حالك قال احتجمت امس قال وما اكلت قال خبزا وكامخا قال يا ابا عبد الله تحتجم وتاكل خبزا وكامخا قال فما أكل؟ وعن محمد بن الحسن بن هارون قال رأيت ابا عبد الله اذا مشى في الطريق يكره ان يتبعه احد.
وقال المروزي سمعت ابا عبد الله يقول الخوف يمنعني من اكل اطعام والشراب فما اشتهيه.
قال المروزي وبال ابو عبد الله في مرضه دما فاريته عبد الرحمن المتطبب فقال هذا رجل قد فتت الغم والحزن كبده.
وعن ابراهيم بن شماس قال كنت اعرف احمد بن حنبل وهو غلام يحيى الليل.
وعن المروزي قال سمعت ابا عبد الله يقول قد وجدت البرد في اطرافي ما اراه الا من ادماني اكل الخل والملح.
وعن فوران قال كنا عند احمد بن حنبل قبل ان يموت بليليتين وكان ثم غلام اسود لابي يوسف يعني عمه اشتراه من هذا المال فذهب بروح أحمد فنهاه.
وعن سليمان بن داود الشاذكوني ان احمد رهن سطلا عند فامي فاخذ منه شيئا يتقوته فجاء فاعطاه فكاكه فاخرج إليه سطلين فقال انظر أيهما سطلك فخذه.
قال لا أدري أنت في حل منه ومما أعطيتك ولم يأخذ قال الفامي والله انه لسطله وإنما أردت ان امتحنه فيه.
وعن احمد بن محمد التستري قال ذكروا لي ان احمد بن حنبل اتي عليه ثلاثة أيام ما كان طعم فيها فبعث الى صديق له فاستقرض شيئا من الدقيق فعرفوا في البيت شدة حاجته الى الطعام فخبزوا عاجلاً فلما وضع بين يديه قال كيف خبزتم هذا بسرعة قيل له كان التنور في دار صالح ابنه مسجورا فخبزنا عاجلا.
فقال ارفعوا ولم يأكل وامر بسد بابه الى دار صالح.
وعن عبد الله بن احمد قال كان ابي اصبر الناس على الوحدة لم يره احد الا في مسجد او حضور جنازة او عيادة مريض وكان يكره المشي في الاسواق.
وعنه قال كان ابي يصلي في كل يوم وليلة ثلاث مائة ركعة فلما مرض من تلك الأسواط اضعفته فكان يصلي في كل يوم وليلة مائة وخمسين ركعة وقد كان قرب من الثمانين وكان يقرأ في كل يوم سبعا يختم في سبعة أيام وكانت له ختمة في كل سبع ليال سوى صلاة النهار وكان ساعة يصلي عشاء الاخرة ينام نومة خفيفة ثم يقوم الى الصباح يصلي ويدعو وحج ابي خمس حجات ثلاث حجج ماشيا واثنتين راكبا وانفق في بعض حجاته عشرين درهما.
وعنه قال كنت اسمع ابي كثيرا يقول في دبر الصلاة اللهم كما صنت وجهي عن السجود لغيرك صنه عن المسالة لغيرك.
وعن ابي عيسى عبد الرحمن بن زاذان قال صلينا وابو عبد الله احمد بن حنبل حاضر فسمعته يقول: اللهم من كان على هوى او على راي وهو يظن انه على الحق وليس هو الحق فرده الى الحق حتى لا يضل من هذه الامة احد اللهم لا تشغل قلوبنا بما تكفلت لنا به ولا تجعلنا في رزقك خولا لغيرك ولا تمنعنا خير ما عندك بشر ما عندنا ولا ترنا حيث نهيتنا ولا تفقدنا من حيث امرتنا اعزنا ولا تذلنا اعزنا بالطاعة ولا تذلنا بالمعصية.
وعن علي بن ابي حرارة قال كانت امي مقعدة نحو عشرين سنة فقالت لي يوما اذهب الى احمد بن حنبل فسله ان يدعو الله لي فمضيت فدققت عليه الباب فقال من هذا فقلت رجل من اهل ذلك الجانب سألتني أمي وهي زمنة مقعدة ان اسالك ان تدعو الله لها فسمعت كلامه كلام رجل مغضب وقال نحن احوج ان تدعو الله لها فسمعت كلامه كلام رجل مغضب وقال نحن احوج ان تدعو الله لنا فوليت منصرفا فخرجت عجوز من داره فقالت انت الذي كلمت ابا عبد الله قلت نعم قالت قد تركته يدعو الله لها.
قال فجئت من فوري الى البيت فدققت الباب فخرجت على رجليها تمشي حتى فتحت لي الباب وقالت قد وهب الله لي العافية.
وعن ميمون بن الاصبغ قال كنت ببغداد فسمعت ضجة فقلت ما هذا فقالوا احمد بن حنبل يمتحن فدخلت فلما ضرب سوطا قال بسم الله فلما ضرب الثاني قال لا حول ولا قوة الا بالله فلما ضرب الثالث قال القرآن كلام الله غير مخلوق فلما ضرب الرابع قال: {قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا} التوبة: 51 فضرب تسعة وعشرين سوطاً.
وكانت تكة احمد حاشية ثوب فانقطعت فنزل السراويل الى عانته فرمي احمد طرفه الى السماء وحرك شفتيه فما كان باسرع ان بقي السراويل لم ينزل.
فدخلت إليه بعد سبعة أيام فقلت يا ابا عبد الله رايتك تحرك شفتيك فاي شيء قلت قال قلت اللهم اني اسالك باسمك الذي ملات به العرش ان كنت تعلم اني على الصواب فلا تهتك لي سترا.
وعن محمد بن اسماعيل بن ابي سمينة قال سمعت شاباص النائب يقول لقد ضربت احمد بن حنبل ثمانين سوطا لو ضربته فيلا لهدته.
وقال عبد الله بن احمد بن حنبل كنت كثيرا اسمع والدي يقول رحم الله ابا الهيثم غفر الله لابي الهيثم عفا الله عن ابي الهيثم فقلت يا ابة من ابو الهيثم؟ فقال لما اخرجت للسياط ومدت يداي للعاقبين اذ انا بشاب يجذب ثوبي من ورائي ويقول لي تعرفني قلت لا قال انا ابو الهيثم العيار اللص الطرار كتوب في ديوان امير المؤمنين اني ضربت ثمانية عشر الف سوط بالتفاريق وصبرت على ذلك على طاعة الشيطان لاجل الدنيا فاصبر انت في طاعة الرحمن لاجل الدين قال فضربت ثمانية عشر سوطا بدل ما ضرب ثمانية عشر الفا وخرج الخادم فقال عفا عنه أمير المؤمنين.
وعن عبد الله بن أحمد بن حنبل قال قال لي أبي يا بني لقد اعطيت المجهود من نفسي.
قال وكتب أهل المطامير الى أحمد بن حنبل ان رجعت عن مقالتك ارتددنا عن الاسلام.
وعن احمد بن سنان قال بلغني ان احمد بن حنبل جعل المعتصم في حل في يوم فتح بابك او في فتح عمورية فقال هو في حل من ضربي.
وقال ابراهيم الحربي احل احمد بن حنبل من حضر ضربه وكل من شايع فيه والمعتصم وقال لولا ان ابن ابي داود داعية لاحللته.
وقال صالح بن احمد بن حنبل ورد كتاب علي بن الجهم ان أمير المؤمنين يعني المتوكل قد وجه اليك يعقوب المعروف بقوصرة ومعه جائزة ويأمرك بالخروج فالله الله ان تستعفي او ترد المال فيتسع القول لمن يبغضك.
فلما كان من الغد ورد يعقوب فدخل عليه فقال يا ابا عبد الله امير المؤمنين يقرئك السلام ويقول قد احببت ان انس بقربك وان اتبرك بدعائك وقد وجهت اليك عشرة الاف درهم معونة على سفرك.
اخرج صرة فيها بدرة نحو مائتي دينار والباقي دراهم صحاح فلم ينظر اليها ثم شدها يعقوب وقال له اعود غدا حتى ابصر ما تعز عليه وانصرف.
فجئت باجانة خضراء فكببتها على البدرة فلما كان عند المغرب قال يا صالح خذ هذا صيره عندك فصيرتها عند راسي فوق البيت فلما كان سحرا اذا هو ينادي يا صالح فقمت فصعدت إليه فقال ما نمت ليلتي هذه فقلت لم يا ابة؟ فجعل يبكي وقال سلمت من هؤلاء حتى اذا كان في آخر عمري بليت بهم قد عزمت على ان افرق هذا الشيء اذا اصبحت فقلت ذاك اليك فلما اصبح قال جئني يا صالح بميزان وقال وجهوا الى ابناء المهاجرين والانصار ثم قال وجهه الى فلان يفرق في ناحية والى فلان فلم يزل حتى فرقها كلها ونفضت الكيس ونحن في حالة الله تعالى بها عليم.
فجاء بني لي فقال يا ابة اعطني درهما فنظر الي فاخرجت قطعة فاعطيته وكتب صاحب البريد انه قد تصدق بالدراهم من يومه حتى تصدق بالكيس.
قال علي بن الجهم فقلت يا امير المؤمنين قد علم الناس انه قد قبل منك وما يصنع احمد بالمال وانما قوته رغيف فقال لي صدقت يا علي.
قال صالح ثم اخرجنا ليلا معنا حراس معهم النفاطات فلما اضاء الفجر قال لي يا صالح معك دراهم قلت نعم قال اعطهم فاعطيتهم درهما درهما ودخلنا العسكر وابي منكس الرأس ثم انزل دار ايتاخ وجاء علي بن الجهم فقال قد امر لكم امير المؤمنين بعشرة الاف مكان التي فرقها وامر ان لا يعلم بذلك فيغتم.
ثم جاءه احمد بن معاوية فقال ان امير المؤمنين يكثر ذكرك ويشتهي قربك وتقيم ههنا تحدث فقال انا ضعيف.
ثم حمل الى دار الخلافة فاخبرني بعض الخدم ان المتوكل كان قاعدا وراء ستر فلما دخل ابي الدار قال لامه يا اماه قد انارت الدار ثم جاء خادم بمنديل فيه ثياب فالبس وهو لا يحرك يديه فلما صار الى الدار نزع الثياب عنه ثم جعل يبكي ثم قال سلمت من هؤلاء منذ ستين سنة حتى اذا كان في آخر عمري بليت بهم ثم قال يا صالح وجه هذه الثياب الى بغداد تباع وتصدق بثمنها ولا يشتري احد منكم شيئا منها.
واجريت له مائدة وثلج وضرب الخيش فلما راه تنحى فالقى نفسه على مضربة له وجعل يواصل ويفطر في كل ثلاث على تمر شهريز فمكث كذلك خمسة عشر يوما ثم جعل يفطر ليلة وليلة ولا يفطر الا على رغيف وكان اذا جيء بالمائدة توضع في الدهليز لكي لا يراها فياكل من حضر.
وامر المتوكل ان تشتري لنا دار فقال يا صالح لئن اقررت لهم بشراء دار لتكونن القطيعة بيني وبينك فلم يزل يدفع شرى الدار حتى اندفع.
ثم انحدرت الى بغداد وخلفت عبد الله عنده فاذا عبد الله قد قدم وقد جاء بثيابي التي كانت عنده فقلت له ما جاء بك فقال قال لي انحدر وقل لصالح لا تخرج فانتم كنتم افتي والله لو استقبلت من امري ما استدبرت ما اخرجت واحدا منكم معي ولولا مكانكم لمن كانت توضع هذه المائدة؟ وفي رواية اخرى ثم انه مرض فاذن له المتوكل في العود الى بغداد فعاد.
قال الشيخ وانما اقتصرنا على هذا اليسير من اخبار الامام احمد رضي الله عنه لانا قد افردنا لمناقبه وفضائله كتابا كبيرا يستوفيها فكرهنا الاعادة في التصانيف وذكرنا في ذلك الكتاب اسماء الاشياخ الذين لقيهم وروي عنهم.
وتوفي رضي الله عنه في سنة إحدى وأربعين ومائتين وقد استكمل سبعاً وسبعين سنة.
قال المروزي مرض ابوعبد الله ليلة الاربعاء لليلتين خلتا من شهر ربيع الاول سنة احدى واربعين ومائتين ومرض تسعة أيام وتسامع الناس فاقبلوا لعيادته ولزموا الباب الليل والنهار يبيتون فربما اذن للناس فيدخلون افواجا يسلمون عليه فيرد عليهم بيده.
وقال ابو عبد الله جاءني حاجب لابن طاهر فقال ان الامير يقرئك السلام وهو يشتهي ان يراك فقلت له هذا مما اكره وامير المؤمنين قد اعفاني مما اكره.
ووضأته فقال خلل الاصابع فلما كان يوم الجمعة اجتمع الناس حتى ملاوا السككوالشوارع فلما كان صدر النهار قبض رحمه الله فصاح الناس وعلت الاصوات بالبكاء حتى كان الدنيا قد ارتجت.
وعن اسحاق قال مات ابو عبد الله وما خلف الا ستة قطع او سبعة وكانت في خرقة كان يمسح بها وجهه قدر دانقين.
وعن حنبل قال اعطى بعض ولد الفضل بن الربيع ابا عبد الله وهو في الحبس ثلاث شعرات فقال هذا من شعر النبي صلى الله عليه وسلم فاوصى ابو عبد الله عند موته ان يجعل على كل عين شعرة وشعرة على لسانه ففعل ذلك به بعد موته.
وعن صالح بن أحمد قال قال لي أبي جئني بالكتاب الذي فيه حديث بن ادريس عن ليث عن طاووس انه كان يكره الانين فقراته عليه فلم يئن الا في الليلة التي مات فيها.
وعن عبد الله بن احمد بن حنبل قال لما حضرت ابي الوفاة جلست عنده وبيدي الخرقة لاشد بها لحييه فجعل يعرق ثم يفيق ثم يفتح عينيه ويقول بيده هكذا لا بعد لا بعد ففعل هذا مرة وثانية فلما كان في الثالثة قلت له يا ابة أي شيء هذا قد لهجت به فلي هذا الوقت تعرق حتى نقول قد قضيت ثم تعود فتقول لا بعد لا بعد.
فقال لي يا بني ما تدري ما قلت قلت لا فقال ابليس لعنه الله قائم حدائي عاض على انامله يقول لي يا أحمد فتني فاقول لا بعد لا بعد حتى اموت.
وعن بنان بن احمد القصباني انه حضر جنازة احمد بن حنبل فيمن حضر قال فكانت الصفوف من الميدان الى قنطرة باب القطيعة وحزر من حضرها من الرجال ثمان مائة الف ومن النساء ستين الف امرأة.
وعن موسى بن هارون قال يقال ان احمد بن حنبل لما مات مسحت الامكنة المبسوطة التي وقف الناس عليها للصلاة فحزر مقادير الناس بالمساحة على التقدير ستمائة الف واكثر سوى ما كان في الاطراف والجوالي والسطوح والمواضع المتفرقة اكثر من الف الف.
وقال ابو بكر المروزي رأيت احمد بن حنبل في النوم كانه في روضة وعليه حلتان خضراون وعلى راسه تاج من النور واذا هو يمشي مشية لم اكن اعرفها فقلت يا احمد ما هذه المشية التي لم اكن اعرفها لك فقال هذه مشية الخدام في دار السلام فقلت ما هذا التاج الذي اراه على راسك فقال ان ربي عز وجل اوقفني وحاسبني حسابا يسيرا وحباني وقربني واباحني النظر إليه وتوجني بهذا التاج وقال لي يا احمد هذا تاج الوقار توجتك به كما قلت القرآن كلامي غير مخلوق.
وعن ابي يوسف بن لحيان قال لما مات احمد بن حنبل راى رجل في منامه كان على كل قبر قنديلا فقال ما هذا فقيل له اما علمت انه نور لاهل القبور قبورهم بنزول هذا الرجل بين اظهرهم قد كان فيهم يعذب فرحم.
وعن ابي علي بن البناء قال لما ماتت ام القطيعي دفنها في جوار احمد بن حنبل فراها بعد ليال فقال ما فعل الله بك فقالت يا بني رضي الله عنك فلقد دفنتني في جوار رجل تنزل على قبره في كل ليلة او قال في كل ليلة جمعة رحمة تعم جميع اهل المقبرة وانا منهم.