فهرس الكتاب

سعدون المجنون

سعدون المجنون

ذكر المصطفين من عقلاء المجانين ببغداد 355 سعدون المجنون قال يحيى بن ايوب خرجت يوما إلى مقابر باب خراسان ثم جلست في موضع ارى منه من يدخل المقابر فنظرت إلى رجل دخل المقابر مقنعا فجعل يجول في المقابر كلما راى قبرا محفوراً أو منخسفاً وقف عليه وبكى.
فقمت رجاء ان انتفع به فلما صرت إليه إذا هو سعدون المعتوه وكان يكون في كوخ مقابر عبد الله بن مالك فقلت له يا سعدون أي شيء تصنع فقال يا يحيى هل لك في ان تجلس فنبكي على بلى هذه الابدان قبل ان تبلي فلا يبكي عليها باك ثم قال يا يحيى البكاء من القدوم على الله عز وجل اولى بنا من البكاء على بلى الابدان ثم قال يا يحيى {وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ} ثم صاح صيحة شديدة وقال واغوثاه بالله مما يقابلني في الصحف قال يحيى فغشي علي فافقت وهو جالس يمسح وجهي بكمه وهو يقول يا يحيى من اشرف منك لو مت؟.
قال الفتح بن شخرف كان سعدون صاحب محبة لله صام ستين سنة حتى خف دماغه فسماه الناس مجنونا لتردد قوله في المحبة فغاب عنا زمانا فبينا أنا قائم على حلقة ذي النون رايته عليه جبة صوف وعليها مكتوب لا تباع ولا تشترى فسمع كلام ذي النون فصرخ وانشا يقول: ولا خير في شكوى إلى غير مشتكي ... ولا بد من سلوى إذا لم يكن صبر احمد بن عبد الله بن ميمون قال سمعت ذا النون المصري يقول خرج الناس إلى الاستسقاء بالبصرة فخرجت فيمن خرج فبينا أنا مار بين الناس إذا بيدين قبضتا على رجلي فقلت من أنت خل عني فقال أنا سعدون المجنون اين تريد يا أبا الفيض قلت اريد المصلى ادعو الله تعالى فقال بقلب سماوي أو بقلب جاف فقلت بقلب سماوي قال انظر يا ذا النون لا تبهرج فان الناقد بصير وقال تدعو الله واؤمن على دعائك أو ادعو الله وتؤمن على دعائي فقلت تدعو أنت واؤمن عليه.
قال فصف قدميه ثم قال الهي بحق البارحة الا امطرتنا قال ذو النون لقد رأيت الغيوم قد ارتفعت عن اليمين والشمال حتى التقت فجاءنا المطر كافواه العزالي فقلت له:بحق معبودك أي شيء كان بينك وبين الله البارحة فقال لي لا تدخل بيني وبين قرة عيني قلت لا بد ان تخبرني فانشا يقول: انست به فلا ابغي سواه ... مخافة ان اضل فلا اراه فحسبك حسرة وضنى وسقما ... بطردك عن مجالس أولياه قال ذو النون رأيت سعدونا في المقبرة في يوم حار وهو يناجي ربه عز وجل بصوت عال ويقول أحد أحد فاتبعته فسلمت عليه فرد علي السلام فقلت له بحق من تناجيه الا وقفت لي وقفة فوقف وقال لي قل واوجز فقلت اوصني بوصية احفظها عنك أو تدعو لي بدعوة فقال: يا طالب العلم ههنا وهنا ... ومعدن العلم بين جنبيكا ان كنت تبغي الجنان تدخلها ... فاذرف الدمع فوق خديكا وقم إذا قام كل مجتهد ... وادع لكيما يقول لبيكا قال ثم مضى فقال يا غياث المستغيثين اغثني قلت له ارفق بنفسك فلعله يلحظك بلحظة فيغفر لك فنفض يده من يدي وعدا يقول: انست به فلا أبغي سواه ... مخافة ان اضل فلا اراه فحسبك حسرة وضنى وسقما ... بطردك عن مجالس اولياه قال الاصمعي مررت بسعدون المجنون فإذا هو جالس عند راس شيخ سكران يذب عنه فقلت له سعدون ما لي أراك جالساً عند رأس هذا الشيخ فقال انه مجنون فقلت له أنت مجنون أو هو قال لا بل هو قلت من اين قلت ذلك؟ قال لاني صليت الظهر والعصر جماعة وهو لم يصل جماعة ولا فرادى فقلت له فهل قلت في ذلك شيئا فانشأ يقول: تركت النبيذ لأهل النبيذ ... واصبحت اشرب ماء قراحا لان النبيذ يذل العزيز ... ويكسو الوجوه النضار الصباحا فان كان ذا جائزا للشباب ... فما العذر فيه إذا الشيب لاحا؟ فقلت له صدقت وانصرفت.
قال صالح المري قرات بين يدي سعدون المجنون {كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ} فصرخ ثم قال ملاح والله ثم انشا يقول:ان في الخلد جارية ... هي حسن كما هيه لو تراها على النما ... رق بالغنج ماشيه لتمنيّت أنها ... لك ما عشت باقيه كتبت في شقائق الخد ... سطراً بغاليه أنا للزاهد الذي ... عينه الدهر باكيه
ذكر المصطفين من عقلاء المجانين ببغداد 355 سعدون المجنون قال يحيى بن ايوب خرجت يوما إلى مقابر باب خراسان ثم جلست في موضع ارى منه من يدخل المقابر فنظرت إلى رجل دخل المقابر مقنعا فجعل يجول في المقابر كلما راى قبرا محفوراً أو منخسفاً وقف عليه وبكى.
فقمت رجاء ان انتفع به فلما صرت إليه إذا هو سعدون المعتوه وكان يكون في كوخ مقابر عبد الله بن مالك فقلت له يا سعدون أي شيء تصنع فقال يا يحيى هل لك في ان تجلس فنبكي على بلى هذه الابدان قبل ان تبلي فلا يبكي عليها باك ثم قال يا يحيى البكاء من القدوم على الله عز وجل اولى بنا من البكاء على بلى الابدان ثم قال يا يحيى {وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ} ثم صاح صيحة شديدة وقال واغوثاه بالله مما يقابلني في الصحف قال يحيى فغشي علي فافقت وهو جالس يمسح وجهي بكمه وهو يقول يا يحيى من اشرف منك لو مت؟.
قال الفتح بن شخرف كان سعدون صاحب محبة لله صام ستين سنة حتى خف دماغه فسماه الناس مجنونا لتردد قوله في المحبة فغاب عنا زمانا فبينا أنا قائم على حلقة ذي النون رايته عليه جبة صوف وعليها مكتوب لا تباع ولا تشترى فسمع كلام ذي النون فصرخ وانشا يقول: ولا خير في شكوى إلى غير مشتكي ... ولا بد من سلوى إذا لم يكن صبر احمد بن عبد الله بن ميمون قال سمعت ذا النون المصري يقول خرج الناس إلى الاستسقاء بالبصرة فخرجت فيمن خرج فبينا أنا مار بين الناس إذا بيدين قبضتا على رجلي فقلت من أنت خل عني فقال أنا سعدون المجنون اين تريد يا أبا الفيض قلت اريد المصلى ادعو الله تعالى فقال بقلب سماوي أو بقلب جاف فقلت بقلب سماوي قال انظر يا ذا النون لا تبهرج فان الناقد بصير وقال تدعو الله واؤمن على دعائك أو ادعو الله وتؤمن على دعائي فقلت تدعو أنت واؤمن عليه.
قال فصف قدميه ثم قال الهي بحق البارحة الا امطرتنا قال ذو النون لقد رأيت الغيوم قد ارتفعت عن اليمين والشمال حتى التقت فجاءنا المطر كافواه العزالي فقلت له:بحق معبودك أي شيء كان بينك وبين الله البارحة فقال لي لا تدخل بيني وبين قرة عيني قلت لا بد ان تخبرني فانشا يقول: انست به فلا ابغي سواه ... مخافة ان اضل فلا اراه فحسبك حسرة وضنى وسقما ... بطردك عن مجالس أولياه قال ذو النون رأيت سعدونا في المقبرة في يوم حار وهو يناجي ربه عز وجل بصوت عال ويقول أحد أحد فاتبعته فسلمت عليه فرد علي السلام فقلت له بحق من تناجيه الا وقفت لي وقفة فوقف وقال لي قل واوجز فقلت اوصني بوصية احفظها عنك أو تدعو لي بدعوة فقال: يا طالب العلم ههنا وهنا ... ومعدن العلم بين جنبيكا ان كنت تبغي الجنان تدخلها ... فاذرف الدمع فوق خديكا وقم إذا قام كل مجتهد ... وادع لكيما يقول لبيكا قال ثم مضى فقال يا غياث المستغيثين اغثني قلت له ارفق بنفسك فلعله يلحظك بلحظة فيغفر لك فنفض يده من يدي وعدا يقول: انست به فلا أبغي سواه ... مخافة ان اضل فلا اراه فحسبك حسرة وضنى وسقما ... بطردك عن مجالس اولياه قال الاصمعي مررت بسعدون المجنون فإذا هو جالس عند راس شيخ سكران يذب عنه فقلت له سعدون ما لي أراك جالساً عند رأس هذا الشيخ فقال انه مجنون فقلت له أنت مجنون أو هو قال لا بل هو قلت من اين قلت ذلك؟ قال لاني صليت الظهر والعصر جماعة وهو لم يصل جماعة ولا فرادى فقلت له فهل قلت في ذلك شيئا فانشأ يقول: تركت النبيذ لأهل النبيذ ... واصبحت اشرب ماء قراحا لان النبيذ يذل العزيز ... ويكسو الوجوه النضار الصباحا فان كان ذا جائزا للشباب ... فما العذر فيه إذا الشيب لاحا؟ فقلت له صدقت وانصرفت.
قال صالح المري قرات بين يدي سعدون المجنون {كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ} فصرخ ثم قال ملاح والله ثم انشا يقول:ان في الخلد جارية ... هي حسن كما هيه لو تراها على النما ... رق بالغنج ماشيه لتمنيّت أنها ... لك ما عشت باقيه كتبت في شقائق الخد ... سطراً بغاليه أنا للزاهد الذي ... عينه الدهر باكيه