فهرس الكتاب

أبو بكر الصديق رضي الله عنه

2 أبو بكر الصديق رضي الله عنه: ذكر اسمه ونسبه: اسمه عبد الله بن عثمان بن عامر بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي.
واسم أمه: أم الخير سلمى بنت صخر بن عامر، ماتت مسلمة.
وفي تسميته بعتيق ثلاثة أقوال: أحدهما: ما روي عن عائشة انها سئلت: لِمَ سُمي أبو بكر عتيقاً؟ فقالت: نظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "هذا عتيق الله من النار".
والثاني: أنه اسم سمّته به أمه، قاله موسى بن طلحة.
والثالث: أنه سمي به لجمال وجهه قاله الليث بن سعد.
وقال ابن قتيبة لقبّه النبي صلى الله عليه وسلم بذلك لجمال وجهه سماه النبي صلى الله عليه وسلم صِدّيقاً وقال: يكون بعدي اثنا عشر خليفة، أبو بكر الصديق لا يلبث إلا قليلا.
وكان علي بن أبي طالب يحلف بالله أن الله أنزل اسم أبي بكر من السماء: "الصديق".
ذكر صفته: كان أبو بكر رضي الله عنه نحيفاً خفيف العارضين معروق الوجه ناتيء الجبهة أجنى لايستمسك، إزاره يسترخي عن حقويه، عاري الأشاجع يخضب بالحناء والكتم.
عن أنس قال: كان أبو بكر يخضب بالحناء والكتم1.
وعن قيس بن أبي حازم قال: دخلت مع أبي على أبي بكر وكان رجلاً نحيفاً خفيف اللحم، أبيض.
ذكر تقدم إسلامه1: قال حسان بن ثابت وابن عباس وأسماء بنت أبي بكر وإبراهيم النَّخعي: أول من أسلم أبو بكر.
وقال يوسف بن يعقوب الماجشون: أدركت أبي ومشيختنا، محمد بن المنكدر، وربيعة بن أبي عبد الرحمن، وصالح بن كيسان، وسعد بن إبراهيم، وعثمان بن محمد الأخنسي، وهم لا يشكّون أن أول القوم إسلاماً أبو بكر.
وعن ابن عباس قال: أول من صلّى: أبو بكر رحمه الله، ثم تمثل بأبيات حسان: إذا تذكَّرتَ شجواً من أخي ثقة ... فاذكر أخاك أبا بكر بما فعلا خير البرية أتقاها وأعدلها ... إلا النبيَّ وأوفاها بما حملا الثانيَ التالي المحمودَ مشهده ... وأول الناس حقاً صدّق الرُّسلا رواه عبد الله بن الإمام أحمد.
وعن إبراهيم قال: "أول من صلَّى: أبو بكر".
ذكر أولاده: وكان له من الولد: عبد الله، وأسماء ذات النطاقين وأمهما قتيلة، وعبد الرحمن، وعائشة أمهما أم رومان ومحمد، وأمه أسماء بنت عُميس، وأم كلثوم.
وأمها حبيبة بنت خارجة بن زيد، وكان أبو بكر لما هاجر إلى المدينة نزل على "خارجة "فتزوج ابنته.
فأما عبد الله: فانه شهد الطائف.
وأما أسماء: فتزوجها الزبير فولدت له عدةً ثم طلقها، فكانت مع ابنها عبد الله إلى أن قتل وعاشت مائة سنة.
وأما عبد الرحمن: فشهد يوم بدر مع المشركين ثم أسلم.
وأما محمد: فكان من نساك قريش، إلا أنه أعان على عثمان يوم الدار، ثم ولاه علي بن أبي طالب مصر فقتله هناك صاحب معاوية.
وأما أم كلثوم: فتزوجها طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه.
سياق أفعاله الجميلة: عن أسماء بنت أبي بكر قالت: جاء الصريخ إلى أبي بكر، فقيل له: أدرِك صاحبك.
فخرج من عندنا وإنَّ له غدائر، فدخل المسجد وهو يقول: ويلكم {أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ} غافر: 28 قال: فلَهوا عن رسول الله وأقبلوا إلى أبي يكر، فرجع إلينا أبو بك، فجعل لا يمس شيئاً من غدائره إلا جاء معه، وهو يقول: تباركت يا ذا الحلال والإكرام.
وعن أنس، قال: لما كان ليلة الغار قال أبو بكر: يا رسول الله دعني أدخل قبلك فإن كان حية أو شيء كانت لي قبلك قال: ادخل.
فدخل أبو بكر فجعل يلتمس بيده كلما رأى جحراً قال بثوبه فشقه ثم ألقمه الجُحر، حتى فعل ذلك بثوبه أجمع.
قال: فبقي جحر فوضع عَقِبة عليه ثم أدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما أصبح قال له النبي صلى الله عليه وسلم فأين ثوبك يا أبا بكر؟ فأخبره بالذي صنع، فرفع رسول الله.
صلى الله عليه وسلم يديه وقال: "اللهم اجعل أبا بكر معي في درجتي يوم القيامة".
فأوحى الله عز وجل إليه أن الله تعالى قد استجاب لك1.
وعن الزهري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لحسان: هل قلت في أبي بكر شيئاً؟ فقال: نعم: فقال قل وانا أسمع.
فقال: وثاني اثنين في الغار المنيف وقد ... طاف العدوُّ به إذ صعَّد الجبلا وكان حبَّ رسول الله، قد علموا ... من البرية لم يعدِل به رجلا فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه، ثم قال: " صدقت يا حسان، هو كما قلت" 2.
وقال المدائني: وكان ردْفَ رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وعن عمر بن الخطاب قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتصدق ووافق ذلك مالاً عندي فقلت: اليوم أسبق أبا بكر إن سبقتُه يوماً.
قال: فجئت بنصف مالي.
قال: فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما أبقيت لأهلك؟ " قلت: مثله.
وأتى أبو بكر بكل ما عنده، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما أبقيت لأهلك؟ " فقال: أبقيت لهم الله ورسوله.
فقلتُ: لا أسابقك إلى شيْ أبداً3.
وعن قيس، قال: اشترى أبو بكر رضي الله عنه بلالاً، وهو مدفون في الحجارة، بخمس أواقٍ ذهباً، فقالوا: لو أبيت إلا أوقية لبعناك.
قال: لو أبيتم إلا مائة أوقية لأخذته1.
سياق جمل من فضائله ومناقبه رضي الله عنه: ذكر أهل العلم بالتواريخ والسير أن أبا بكر شهد مع رسول الله.
صلى الله عليه وسلم بدراً وجميع المشاهد ولم يفته منها مشهد وثبت مع رسول الله.
صلى الله عليه وسلم يوم أحد حين انهزم الناس ودفع إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم رأيته العظمى يوم تبوك وانه كان يملك يوم أسلم أربعين ألف درهم فكان يعتق منها ويقوي المسلمين وهو أول من جمع القرآن وتنزه عن شرب المسكر في الجاهلية والإسلام وهو أول من قاء تحرجا من الشبهات.
وذكر محمد بن إسحاق أنه أسلم على يده من العشرة خمسة عثمان بن عفان وطلحة بن عبيد الله والزبير وسعد بن أبي وقاص وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهم.
عن أبي سعيد قال خطب رسول الله.
صلى الله عليه وسلم الناس فقال ان الله عز وجل خير عبدا ببين الدنيا وبين ما عنده فاختار ذلك العبد ما عنده فبكى أبو بكر رحمة الله عليه فعجبنا من بكائه ان أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ن عبد خير، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم المخير وكان ابو بكر أعلمنا به.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن من أمن الناس علي في صحبته وماله أبو بكر، ولو كنت متخذاً خليلاً غير ربي عز وجل لا تخذت أبا بكر، لكن أخوة الإسلام ومودته، لا يبقى في المسجد باب إلا سد إلا باب أبي بكر، أخرجاه في الصحيحين2.
عن أبي الدرداء، قال: كنت جالساً عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ أقبل أبو بكر آخذاً بطرف ثوبه حتى أبدى عن ركبته، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " أما صاحبكم فقد غامر"، فسلم وقال: يا رسول الله إنه كان بيني وبين ابن الخطاب شيء فأسرعت إليه، ثم ندمت فسألته أن يغفر لي فأبى علي، فأقبلت إليك.
فقال: " يغفر الله لك يا أبا بكر"، ثلاثاً.
ثم إن عمر ندم فأتى منزل أبي بكر فسأل أثم أبو بكر فقالوا: لا فأتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسلم عليه فجعل وجه النبي صلى الله عليه وسلم يتمعر حتى أشفق أبو بكر فجثا على ركبتيه فقال: يا رسول الله، والله أنا كنت أظلم مرتين.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله بعثني إليكم فقلتم كذبت، وقال ابو بكر صدق وواساني بنفسه وماله، فهل أنتم تاركوا لي صاحبي؟ " مرتين، فما أوذي بعدها انفرد بإخراجه البخاري1.
وعن أبي قتادة قال: خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم عام حنين، فلما التقينا كانت للمسلمين جولة فرأيت رجلاً من المشركين قد علا رجلاً من المسلمين.
فضربته من ورائه على حبل عاتقه بالسيف فقطعت الدرع وأقبل علي فضمني ضمة وجدت منها ريح الموت، ثم أدركه الموت فأرسلني، فلحقت عمر فقلت: ما بال الناس؟ قال أمر الله عز وجل.
ثم رجعوا وجلس النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "من قتل قتيلاً له عليه بينة فله سلبه" فقلت من يشهد لي ثم جلست، فقال النبي صلى الله عليه وسلم مثله قال: ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم مثله فقال فقمت فقلت من يشهد لي، ثم جلست، قال ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم مثله، فقال رجل: صدق وسلبه عندي فأرضه مني.
فقال أبو بكر: لاها الله إذاً لا يعمد إلى أسد من أسد من أسد الله يقاتل عن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم فيعطيك سلبه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "صدق فأعطه" فأعطانيه فابتعت به مخرفاً في بني سلمة فإنه لأول مال تأثلته في الإسلام رواه البخاري2.
هكذا روى لنا في هذا الحديث أن أبا بكر قال: لاها الله إذاً وقد ذكر أبو حاتم السجستاني فيما تلحن فيه العامة أنهم يقولون: لاها الله إذاً، والصواب: لاها الله ذا، والمعنى لا والله لا أقسم به فأدخل اسم الله بين ها وذا، فعلى هذا يكون هذا من الرواة، لأنهم كانوا يرون بالمعنى دون اللفظ.
وهذا الحديث يتضمن فتوى أبي بكر بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم وهي من المناقب التي انفرد بها.
وعن سهل بن سعد قال: كان قتال في بني عمرو بن عوف فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فأتاهم بعد الظهر ليصلح بينهم، وقال: " يا بلال إن حضرت الصلاة ولم آت فمر أبا بكر فليصل بالناس".
فلما أن حضرت الصلاة أقام بلال العصر ثم أمر أبا بكر فتقدم بهم وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ما دخل أبو بكر في الصلاة فلما رأوه صفحوا وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم يشق الناس حتى قام خلف أبي بكر.
قال: وكان أبو بكر إذا دخل في الصلاة لم يلتفت، فلما رأى التصفيح لا يمسك عنه التفت فرأى النبي صلى الله عليه وسلم خلفه فأومأ إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده أن امضه فقالم ابو بكر على هيئته فحمد الله على ذلك ثم مشى القهقري.
قال: فمضى رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى بالناس، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة قال: " أبا بكر ما منعك إذ أومأت إليك أن لا تكون مضيت؟ " فقال أبو بكر: لم يكن لابن أبي قحافة أن يؤم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقال للناس: إذا نابكم شيء في صلاتكم فليسبح الرجل، ولتصفح النساء أخرجاه في الصحيحين1.
وعن عائشة قالت: لما ثقل رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء بلال يؤذنه بالصلاة فقال: " مروا أبا بكر فليصل بالناس".
قالت: فقلت: يا رسول الله إن با بكر رجل أسيف وأنه متى يقم مقامك لا يسمع الناس، فلو أمرت عمر.
فقال: " مروا أبا بكر فليصل بالناس".
قالت: فقلت لحفصة: قولي له إن أبا بكر رجل أسيف، وإنه متى يقم مقامك لا يسمع الناس، فلو أمرت عمر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنكن لأنتن صواحب يوسف مروا أبا بكر فليصل بالناس".
قالت: فأمروا أبا بكر يصلي بالناس وقالت: فلما دخل في الصلاة وجد رسول الله صلى الله عليه وسلم من نفسه خفة، فقام يهادي بين رجلين ورجلاه تخطان في الأرض، فلما دخل المسجد، سمع أبو بكر حسه ذهب بتأخر، فأومأ إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم: قم مكانك فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جلس عن يسار أبي بكر قالت: فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس جالساً وأبو بكر قائماً، يقتدي أبو بكر بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم ويقتدي الناس بصلاة أبي بكر أخرجاه في الصحيحين2.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما نفعني مال قط ما نفعني مال أبي بكر" فبكى أبو بكر وقال: هل أنا ومالي إلا لك يا رسول الله؟ رواه أحمد3.
وعن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه قال أتت امرأة إلى النبي.
صلى الله عليه وسلم فأمرها أن ترجع إليه قالت أرأيت ان جئت ولم أجدك كأنها تقول الموت قال.
صلى الله عليه وسلم ان لم تجدني فائتي أبا بكر رواه البخاري4.
وعن ابن عمر قال كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم وعن ابن عمر قال: كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم وعنده أبو بكر الصديق وعليه عباءة قد خلها في صدره بخلال فنزل عليه جبريل فقال يا محمد مالي ارى أبا بكر عليه عباءة قد خلها في صدره فقال يا جبريل انفق ماله علي قبل الفتح قال فان الله عز وجل يقرأ عليك السلام ويقول لك قل له أراض أنت عني في فقرك هذا أم ساخط؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا أبا بكر، إن الله عز وجل يقرأ عليك السلام ويقول لك قل له أراض أنت عني في فقرك هذا أم ساخط فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا ابا بكر إن الله عز وجل يقرأ عليك السلام ويقول لك أراض أنت عني في فقرك هذا أم ساخط؟ فقال أبو بكر عليه السلام اسخط على ربي؟ أنا عن ربي راض عن ربي راض، أنا عن ربي راض1.
وعن أبي رجاء العطاردي قال: دخلت المدينة ف رأيت الناس مجتمعين ورأيت رجلا يقبل راس رجل ويقول: أنا فداء لك لولا أنت هلكنا فقلت: من المقبل ومن المقبل؟ قالوا ذاك عمر يقبل راس أبي بكر في قتاله أهل الردة إذ منعوا الزكاة حتى أتوا بها صاغرين.
وعن محمد بن الحنفية قال قلت لأبي أي الناس خير بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أبو بكر قلت ثم من قال ثم عمر وخشيت ان يقول عثمان قلت ثم أنت فقال أنا إلا رجل من المسلمين انفرد بإخراجه البخاري.
وعن أبي سريحة قال سمعت عليا عليه السلام يقول على المنبر إلا ان أبا بكر منيب القلب.
وعن أبي عمران الجوني قال قال أبو بكر الصديق لوددت اني شعرة في جنب عبد مؤمن رواه أحمد.
وعن الحسن قال: قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه يا ليتني شجرة تعضد ثم تؤكل.
وعن زيد بن أرقم قال كان لأبي بكر الصديق مملوك يغل عليه فأتاه ليلة بطعام فتناول منه لقمة فقال له المملوك ما لك كنت تسألني كل ليلة ولم تسألني الليلة قال حملني على ذلك الجوع من أين جئت بهذا قال مررت بقوم في الجاهلية فرقيت لهم فوعدوني فلما أن كان اليوم مررت به فإذا عرس لهم فأعطوني فقال أف لك كدت تهلكني فادخل يده في حلقه فجعل يتقيا وجعلت لا تخرج فقيل له إن هذا لا تخرج إلا بالماء فدعا بعس من ماء فجعل يشرب ويتقيا حتى رمى بها فقيل له يرحمك الله كل هذا من اجل هذه اللقمة فقال لو لم تخرج إلا مع نفسي لأخرجتها سمعت رسول الله.
صلى الله عليه وسلم يقول: "كل جسد نبت من سحت فالنار أولى به" فخشيت أن ينبت شيء من جسدي من هذه اللقمة.
وقد أخرج البخاري في أفراده من حديث عائشة طرفا من هذا الحديث.
وعن هشام عن محمد قال كان أغير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر.
وعن محمد بن سيرين قال لم يكن أحد أهيب لما يعلم بعد النبي.
صلى الله عليه وسلم من أبي بكر.
وعن قيس قال رأيت أبا بكر أخذا بطرف لسانه ويقول هذا الذي أوردني الموارد.
وعن ابن مليكة قال كان ربما سقط الخطام من يد أبي بكر الصديق قال فيضرب بذراع ناقته فينيخها فيأخذه قال فقالوا له أفلا أمرتنا نناولكه؟ قال: إن حبي.
صلى الله عليه وسلم امرني أن لا أسال الناس شيئا رواه الإمام أحمد.
ذكر خلافة أبي بكر رضي الله عنه: ذكر الواقدي عن أشياخه أن أبا بكر بويع يوم قبض رسول الله.
صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين لاثني عشرة ليلة خلت من ربيع الأول سنة إحدى عشرة من مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم: وعن ابن عباس قال: قال عمر بن الخطاب كان من خبرنا حين توفي رسول الله.
صلى الله عليه وسلم ان عليا والزبير تخلفوا في بيت فاطمة وتخلف عنا الأنصار بأجمعهم في سقيفة بني ساعدة واجتمع المهاجرون إلى أبي بكر فقلت له يا أبا بكر انطلق بنا إلى إخواننا من الأنصار فانطلقنا نؤمهم حتى لقينا رجلان صالحان فذكرا لنا الذي صنع القوم فقالا أين تريدون يا معشر المهاجرين فقلت نريد إخواننا هؤلاء من الأنصار فقالا لا عليكم أن لا تقربوهم واقضوا أمركم فقلت والله لنأتينهم فانطلقنا حتى جئناهم في سقيفة بني ساعدة فإذا هم مجتمعون وإذا بين ظهرانيهم رجل مزمل فقلت من هذا قالوا سعد بن عبادة فقلت ما له قالوا وجع فلما جلسنا قام خطيبهم فأثنى على الله عز وجل بما هو أهله وقال أما بعد فنحن أنصار الله وكتيبة الإسلام وانتم يا معشر المهاجرين رهط منا وقد دفَّت دافَّة منكم تريدون أن أن تختزلونا من أصلنا وتحضنونا من الأمر.
فلما سكت أردت أن أتكلم وكنت قد زورت مقالة أعجبتني أريد أن أقولها بين يدي أبي بكر وكنت أداري منه بعض الحد وهو كان احلم مني وأوقر فقال أبو بكر على رسلك فكرهت ان أغضبه والله ما ترك من كلمة أعجبتني في تزويري إلا قالها في بديهته وافضل حتى سكت قال أما بعد فماذا ذكرتم من خير فأنتم أهله ولم تعرف العرب هذا الأمر إلا لهذا الحي من قريش هم أوسط العرب نسبا ودارا وقد رضيت لكم أحد هذين الرجلين أيهما شئتم.
وأخذ بيدي وبيد أبي عبيدة بن الجراح فلم اكره مما قال غيرها وكان والله أن أقدم فتضرب عنقي لا يقربني ذلك إلى إثم أحب إلي من أن أتأمر على قوم فيهم أبو بكر إلا أن تغير نفسي عند الموت.
فقال قائل من الأنصار أنا جذيلها المحكك وعذيقا المرجب منا أمير ومنكم أمير فكثر اللغط وارتفعت الأصوات حتى خشيت الاختلاف فقلت ابسط يديك يا أبا بكر فبسط يده فبايعته وبايعه المهاجرون ثم بايعه الأنصار رواه الإمام أحمد.
وعن إبراهيم التيمي قال لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى عمر أبا عبيدة بن الجراح فقال ابسط يدك فلأبايعك فإنك أمين هذه الأمة على لسان رسول الله.
صلى الله عليه وسلم فقال أبو عبيدة بن الجراح لعمر ما رأيت لك فهة مثلها منذ أسلمت أتبايعني وفيكم الصديق وثاني اثنين.
وعن الحسن قال: قال علي عليه السلام لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم نظرنا في امرنا فوجدنا النبي صلى الله عليه وسلم قد قدم أبا بكر في الصلاة فرضينا لدنيانا من رضي رسول الله صلى الله عليه وسلم لديننا فقدمنا أبا بكر.
وعن عطاء بن السائب قال لما استخلف أبو بكر اصبح غاديا إلى السوق وعلى رقبته أثواب يتجر بها فلقيه عمر وأبو عبيدة فقالا له أين تريد يا خليفة رسول الله قال السوق قالا تصنع ماذا وقد وليت أمر المسلمين قال فمن أين أطعم عيالي قالا له انطلق حتى نفرض لك شيئا فانطلق معهما ففرضوا له كل يوم شطر شاة وما كسوه في الرأس والبطن.
وعن حميد بن هلال قال لما ولي أبو بكر الخلافة قال أصحاب رسول الله.
صلى الله عليه وسلم افرضوا لخليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يغنيه فقالوا نعم برداه إذا اخلقهما وضعهما وأخذ مثلهما وظهره إذا سافر ونفقته على أهله كما كان ينفق قبل أن يستخلف فقال أبو بكر رضي الله عنه رضيت.
وعن عمير بن إسحاق قال خرج أبو بكر وعلى عاتقه عباءة له فقال له رجل أرني أكفك فقال إليك عني لا تغرني أنت وابن الخطاب عن عيالي.
قال علماء السير وكان أبو بكر يحلي للحي أغنامهم فلما بويع قالت جارية من الحي الآن لا يحلب لنا منائح دارنا فسمعها فقال بلى لأحلبنها لكم وإني لأرجو أن لا يغيرني ما دخلت فيه عن خلق كنت فيه فكان يحلب لهم وانه لما ولي استعمل عمر على الحج ثم حج أبو بكر من قابل ثم اعتمر في رحب سنة اثنتي عشرة فدخل مكة ضحوة فأتى منزلهوأبو قحافة جالس على باب داره معه فتيان يحدثهم فقيل له هذا ابنك فنهض قائما وعجل أبو بكر أن ينيخ راحلته فنزل عنها وهي قائمة فجعل يقول يا أبهْ لا تقم ثم التزمه وقبّل بين عيني أبي قحافة جعل أبو قحافة يبكي فرحا بقدومه وجاء والي مكة عتاب بن أسيد وسهيل بن عمرو وعكرمة بن أبي جهل والحارث بن هشام فسلموا عليه فقالوا السلام عليك يا خليفة رسول الله وصافحوه جميعا فجعل أبو بكر يبكي حين يذكرون رسول الله.
صلى الله عليه وسلم ثم سلموا على أبي قحافة فقال أبو قحافة يا عتيق هؤلاء الملأ فاحسن صحبتهم فقال أبو بكر يا أبه لا حول ولا قوة إلا بالله طوقت عظيما من الأمر لا قوة لي به ولا يدان إلا بالله.
وقال هل من أحد يتشكى ظلامة؟ فما أتاه أحد فأثنى الناس على واليهم.
سياق طرف من خطبه ومواعظه وكلامه رضي الله عنه: عن هشام بن عروة عن أبيه قال لما ولى أبو بكر خطب الناس فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال: أما بعد أيها الناس قد وليت أمركم ولست بخيركم ولكن قد نزل القرآن وسن النبي صلى الله عليه وسلم السنن فعلمنا اعلموا أن أكيس الكيس التقوى وان أحمق الحمق الفجور إن أقواكم عندي الضعيف حتى أخذ له بحقه وان أضعفكم عندي القوي حتى أخذ منه الحق أيها الناس إنما أنا متبع ولست بمبتدع فان أحسنت فأعينوني وان زغت فقوموني"1.
وعن الحسن قال لما بويع أبو بكر قام خطيبا فلا والله ما خطب خطبته أحد بعد فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد فإني وليت هذا الأمر وأنا له كاره والله لوددت أن بعضكم كفانيه ألا وإنكم إن كلفتموني أن اعمل فيكم مثل عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم لم أقم به كان رسول الله.
صلى الله عليه وسلم عبدا أكرمه الله بالوحي وعصمه به إلا وإنما أنا بشر ولست بخير من أحد منكم فراعوني فإذا رأيتموني استقمت فاتبعوني وإذا رأيتموني زغت فقوموني واعلموا أن لي شيطانا يعتريني فإذا رأيتموني غضبت فاجتنبوني لا أوثر في أشعاركم وأبشاركم.
وعن يحيى أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه كان يقول في خطبته أين الوضاء الحسنة وجوههم المعجبون بشأنهم أين الملوك الذين بنوا المدائن وحصنوها بالحيطان أين الذين كانوا يعطون الغلبة في مواطن الحرب قد تضعضع بهم الدهر فاصبحوا في ظلمات القبور الوحا ألواحا النجاء النجاء"1.
وعن عبد الله بن عكيم قال خطبنا أبو بكر فقال: أما بعد فإني أوصيكم بتقوى الله وان تثنوا عليه بما هو أهله وان تخلطوا الرغبة بالرهبة وتجمعوا الألحاف بالمسالة إن الله أثنى على زكريا وأهل بيته فقال: {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} الأنبياء: 90 اعلموا عباد الله ان الله قد ارتهن بحقه أنفسكم وأخذ على ذلك مواثيقكم واشترى منكم القليل الفاني بالكثير الباقي وهذا كتاب الله فيكم لا تفنى عجائبه ولا يطفأ نوره فصدقوا قوله وانتصحوا كتابه واستضيئوا منه ليوم القيامة وإنما خلقكم لعبادته ووكل بكم الكرام الكاتبين يعلمون ما تفعلون ثم اعلموا عباد الله أنكم تغدون وتروحون في اجل قد غيب عنكم علمه فان استطعتم أن تنقضي الآجال وأنتم في عمل الله فافعلوا ولن تستطيعوا ذلك إلا بالله فسابقوا في مهل آجالكم قبل ان تنقضي آجالكم فتردكم إلى سوء أعمالكم فإن أقواما جعلوا آجالهم لغيرهم ونسوا أنفسهم فأنهاكم ان تكونوا أمثالهم ألوحا ألوحا النجاء النجاء إن وراءكم طالبا حثيثا مره سريع"2.
ذكر مرض أبي بكر ووفاته رضي الله عنه: عن عبد الله بن عمر قال: كان سبب موت أبي بكر وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم كمد فما زال جسمه يحري حتى مات.
وعن ابن هشام أن أبا بكر والحارث بن كلدة كانا يأكلان حريرة أهديت لأبي بكر.
فقال الحارث لأبي بكر: ارفع يا خليفة رسول الله والله ان فيها لسم سنة وأنا وأنت نموت في يوم واحد فرفع يديه فلم يزالا عليلين حتى ماتا في يوم واحد عند انقضاء السنة.
وقيل: كان بدء مرضه أنه اغتسل في يوم بارد فحمّ خمسة عشر يوماً.
وعن أبي السفر قال: مرض أبو بكر فعاده الناس، فقالوا: ألا ندعو الطبيب؟ قال قد رآني.
قالوا: فأيَّ شيءٍ قال لك؟ قال: اني فعَّال لما أريد.
وعن عبد الرحمن بن عبد الله بن سابط قال: لما حضر أبا بكر الصديق الموت دعا عمر فقال له "اتق الله يا عمر، واعلم أن لله عملا بالنهار لا يقبله بالليل، وعملاً بالليل لا يقبله بالنهار، وانه لا يقبل نافلة حتى تؤدي فريضته، وإنما ثقلت موازين من ثقلت موازينه يوم القيامة باتباعهم الحق في دار الدنيا وثقله عليهم، حق لميزان يوضع فيه الحقُ غداً أن يكون ثقيلاً، وإنما خفت موازين من خفت موازينه يوم القيامة بأتباعهم الباطل في الدنيا وخفته عليهم، وحقَّ لميزانٍ يوضع فيه الباطل غداً أن يكون خفيفاً، وان الله تعالى ذكر أهل الجنة فذكرهم بأحسن أعمالهم وتجاوز عن سيئه، فإذا ذكرتهم قلت: اني لأخاف أن لا الحق بهم وإن الله تعالى ذكر أهل النار فذكرهم بأسوأ أعمالهم ورد عليهم أحسنه فإذا ذكرتهم قالت إني لأرجو أن لا أكون مع هؤلاء ليكون العبد راغباً راهباً، لا يتمنى على الله، ولا يقنط من رحمة الله.
فإن أنت حفظت وصيتي فلا يك غائب أحب إليك من الموت وهو آتيك، وإن أنت ضيعّت وصيتي فلا يك غائب أبغض إليك من الموت، ولست تعجزه1.
وعن عائشة قالت: لما مرض أبو بكر مرضه الذي مات فيه قال: انظروا ماذا زاد في مالي منذ دخلت في الإمارة فابعثوا به إلى الخليفة من بعدي، فنظرنا فإذا عبدٌ نوبي كان يحمل صبيانه، وإذا ناضح كان يسقي بستانا له، فبعثنا بهما إلى عمر.
قالت: فأخبرني جدي أن عمر بكى وقال: رحمة الله على أبي بكر لقد أتعب من بعده تعباً شديداً.
وعنها قالت: لما حضر أبا بكر الوفاة جلس فتشهد ثم قال: "أما بعد يا بنية، فان أحب الناس غنىً إلي بعدي أنتِ، وإن أعز الناس علي فقراً بعدي أنت، وإني كنت نحلتُك جدادا عشرين وسقا من مالي فوددت والله انك حزته وإنما هو أخواك وأختاك قالت قلت هذان أخواي فمن أختاي قال ذو بطن ابنة خارجة فإني أظنها جارية وفي رواية قد القي في روعي أنها جارية فولدت أم كلثوم.
وعنها قالت لما ثقل أبو بكر قال أي يوم هذا قلنا يوم الاثنين قال فإني أرجو ما بيني وبين الليل قالت وكان عليه ثوب عليه ردع من مشق فقال إذا أنا مت فاغسلوا ثوبي هذا وضموا إليه ثوبين جديدين وكفنوني في ثلاثة أثواب فقلنا أفلا نجعلها جددا كلها قال لا إنما هو للمهلة فمات ليلة الثلاثاء أخرجه البخاري.
قال أهل السير توفي أبو بكر ليلة الثلاثاء بين المغرب والعشاء لثمان ليال بقين من جمادى الآخرة سنة ثلاث عشرة من الهجرة وهو ابن ثلاث وستين وأوصى أن تغسله أسماء زوجته فغسلته وأن يدفن إلى جنب رسول الله صلى الله عليه وسلم وصلى عليه عمر بين القبر والمنبر ونزل في حفرته ابنه عبد الرحمن وعمر وعثمان وطلحة بن عبيد الله.
رحمه الله ورضي عنه وحشرنا في زمرته أماتنا على سنته ومحبته.