فهرس الكتاب

مالك بن دينار

522 مالك بن دينار يكنى أبا يحيى مولى لامرأة بني سامة بن لؤي.
كان يكتب المصاحف.
جعفر قال: سمعت مالك بن دينار يقول: ما تنعم المتنعمون بمثل ذكر الله تعالى.
قال: وسمعته يقول: يا حملة القرآن ماذا زرع القرآن في قلوبكم؟ فإن القرآن ربيع لامؤمن كما أن الغيث ربيع الأرض، وقد ينزل الغيث من السماء إلى الأرض فيصيب الحش فيكون فيه الحبة فلا يمنعها نتن موضعها أن تهتز وتخضر وتحسن، فيا حملة القرآن ماذا زرع القرآن في قلوبكم؟ أين أصحاب سورة أين أصحاب سورتين؟ ماذا عملتم فيهما؟.
قال: وسمعته يقول: يا هؤلاء، جهالكم كثير لولا ذلك للبست المسوح، يا هؤلاء لا تجعلوا بطونكم جرباً للشيطان يوعي فيها إبليس ما شاء.
يوسف بن عطية الصفار، عن مالك بن دينار قال: من دخل بيتي فأخذ منه شيئاً فهو له حلال، أما أنا فلا أحتاج إلى قفل ولا إلى مفتاح.
وكان يأخذ الحصاة من المسجد ويقول: لوددت أن هذه أجزأتني في الدنيا ما عشت، لا أزيد على مصها من الطعام ولا الشراب.
وكان يقول: لو صلح لي أن آكل الرماد لأكلته، ولو صلح لي أن أعمد إلى بوري فأقطعه بقطعتين فأتزر بقطعة وأرتدي بقطعة لفعلت.
جعفر بن سليمان قال: قال مالك بن دينار: لقد هممت أن آمر إذا مت أن أغل فأدفع إلى ربي مغلولاً كما يدفع الآبق إلى مولاه.
جعفر قال: سمعت مالك بن دينار يقول: ينطلق أحدكم فيتزوج ديباجة الحرم، يعني أجمل الناس، أو ينطلق إلى جارية قد سمنها أبوها كأنها زبدة، فيتزوجها فتأخذ بقلبه فيقول لها: أي شيء تريدين؟ فتقول: خمار خز، وأي شيء تريدين؟ فتقول كذا وكذا.
قال مالك: فتمرط والله دين ذلك القارئ ويدع أن يتزوجها يتيمة ضعيفة فيكسوها فيؤجر ويدهنها فيؤجر.
قال: وسمعت مالكاً يقول: كان حبر من أحبار بني إسرائيل قال: فرأى بعض بنيه يوماً غمز النساء، فقال: مهلاً يا بني.
قال: فسقط من سريره، فانقطع نخاعه فأسقطت امرأته وقتل بنوه في الجيش، وأوحى الله تعالى إلى نبيهم أن أخبر فلاناً الحبر أني لا أخرج من صلبك صديقاً أبداً ما كان غضبك لي إلا أن قلت: مهلاً يا بني مهلاً.
رياح بن عمرو القيسي قال: سمعت مالك بن دينار يقول: ما من أعمال البر شيء إلا دونه عقبة فإن صبر صاحبها أفضت به إلى روح، وإن جزع رجع.
عثمان بن إبراهيم قال: سمعت مالك بن دينار يقول لرجل من أصحابه: إني لأشتهي رغيفاً بلبن رائب.
قال: فانطلق فجاء به قال: فجعله على الرغيف.
فجعل مالك يقلبه وينظر إليه ثم قال: اشتهيتك منذ أربعين سنة فغلبتك حتى كان اليوم، وتريد أن تغلبني؟ إليك عني وأبى أن يأكله.
مسلم قال: قال مالك بن دينار: منذ عرفت الناس لم أفرح بمدحهم.
ولم أكره مذمتهم.
قيل: ولم ذاك؟ قال: لأن حامدهم مفرط وذامهم مفرط.
سلام بن أبي مطيع قال: دخلنا على مالك بن دينار ليلاً وهو في بيت بغير سراج وفي يده رغيف يكدمه.
فقلنا له: أبا يحيى ألا سراج؟ ألا شيء تضع عليه خبزك؟ فقال: دعوني فوالله إني لنادم على ما مضى.
أبو حفص عمر بن أحمد قال: قال مالك بن دينار: مثل قراء هذا الزمان كمثل رجل نصب فخاً ونصب فيه برة فجاء عصفور فقال: ما غيبك في التراب؟ قال: التواضع.
قال: لأي شيء انحنيت؟ قال: من طول العبادة.
قال: فما هذه البرة المنصوبة فيك؟ قال: أعددتها للصائمين.
فقال: نعم الجار أنت.
فلما كان عند المغرب دنا العصفور ليأخذها فخنقه الفخ.
فقال العصفور: إن كان العباد يخنقون خنقك فلا خير في العباد اليوم.
جعفر بن سليمان قال: مر والي البصرة بمالك بن دينار يرفل فصاح به مالك: أقل من مشيتك هذه فهم خدمه به.
فقال: دعوه، ما أراك تعرفني.
فقال له مالك: ومن أعرف بك مني، أما أولك فنطفة مذرة وأما آخرك فجيفة قذرة، ثم أنت بين ذلك تحمل العذرة.
فنكس الوالي رأسه ومشى.
عن جعفر بن سليمان، عن مالك بن دينار أنه كان يرى يوم التروية بالبصرة ويوم عرفة بعرفات.
عون بن الحكم عن أبيه عن مالك بن دينار قال: قدمت من سفر لي فلما صرت بالجسر قام العشار فقال لا يخرجن من السفينة ولا يقوم أحد من مكانه.
فأخذت ثوبي فوضعته على عنقي ثم وثبت فإذا أنا على الأرض.
فقال لي: ما أخرجك؟ قلت: ليس معي شيء.
قال: اذهب.
فقلت في نفسي: هكذا أمر الآخرة.
محمد بن عبد العزيز بن سلمان قال: سمعت أبي يقول: سمعت مالك بن دينار يقول: عجباً لمن يعلم أن الموت مصيره والقبر مورده كيف تقر بالدنيا عينه؟ وكيف يطيب فيها عيشه؟ قال: ثم يبكي مالك حتى يسقط مغشياً عليه.
أبو سمير عن مالك قال: إن لكل شيء لقاحاً وإن الحزن لقاح العمل الصالح، إنه لا يصبر أحد على هذا الأمر إلا بحزن، فوالله ما اجتمعا في قلب عبد قط: حزن بالآخرة وفرح بالدنيا، إن أحدهما ليطرد صاحبه.
عن جعفر بن سليمان قال: قال مالك بن دينار: إذا ذكر الصالحون فأف لي وتف.
سعيد بن عصام قال: سمعت مالك بن دينار يقول: كان الأبرار يتواصون بثلاث: بسجن اللسان، وكثرة الاستغفار، والعزلة.
أبو الحسن البصري قال: دخل مالك بن دينار على رجل محبوس قد أخذ بخراج خرج عليه وقيد.
فقال: يا أبا يحيى أما ترى ما أنا فيه من هذه القيود؟ فرفع مالك رأسه فإذا سلة قال: لمن هذه السلة؟ قال: لي.
قال: فمر بها فلتنزل، فأنزلت فوضعت بين يديه فإذا دجاج وأخبصة فقال: هذه وضعت القيود في رجلك لا هم وقام عنه.
قال: وكان مالك بن دينار يطوف بالبصرة في الأسواق فينظر إلى أشياء يشتهيها فيرجع فيقول لنفسه: أبشري فوالله ما حرمتك ما رأيت إلا لكرامتك علي.
جعفر قال: سمعت مالك بن دينار يقول: إن البدن إذا سقم لا ينجع فيه طعام ولا شراب ولا نوم ولا راحة، وكذلك القلب إذا علق حب الدنيا لم ينجع فيه المواعظ.
وسمعته يقول: بقدر ما تحزن للدنيا كذلك يخرج هم الآخرة من قلبك وبقدر ما تحزن للآخرة فكذلك يخرج هم الدنيا من قلبك.
عن جعفر بن سليمان قال: جاء محمد بن واسع إلى مالك بن دينار فقال: يا أبا يحيى إن كنت من أهل الجنة فطوبى لك.
فقال: ينبغي لنا إذا ذكرنا الجنة أن نخزى.
عبد العزيز بن سلمان العابد قال: انطلقت أنا وعبد الواحد بن زيد إلى مالك بن دينار فوجدناه قد قام من مجلسه فدخل منزله وأغلق عليه باب الحجرة فجلسنا ننتظره ليخرج أو لنسمع له حركة فنستأذن عليه.
فجعل يترنم بشيء لم نفهمه.
ثم بكى حتى جعلنا نأوي له من شدة بكائه.
ثم جعل يشهق وتنفس حتى غشي عليه.
قال: فقال لي عبد الواحد: انطلق ليس لنا مع هذا اليوم عمل، هذا رجل مشغول بنفسه.
الحارث بن سعيد قال: كنا عند مالك بن دينار وعندنا قارئ يقرأ: {إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا} الزلزلة فجعل مالك ينتفض وأهل المجلس يبكون ويصرخون حتى انتهى إلى هذه الآية: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ، وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ} الزلزلة قال: فجعل مالك، والله، يبكي ويشهق حتى غشي عليه فحمل بين القوم صريعاً.
عبد الله بن مرزوق قال: بلغني أن مالك بن دينار دخل المقابر ذات يوم فإذا رجل يدفن، فجاء حتى وقف على القبر فجعل ينظر إلى الرجل وهو يدفن فجعل يقول: مالك، غداً هكذا يصير وليس له شيء يتوسده في قبره.
فلم يزل يقول: غداً مالك هكذا يصير، حتى خر مغشياً عليه في جوف القبر فحملوه فانطلقوا به إلى منزله مغشياً عليه.
مسمع بن عاصم قال: قال مالك بن دينار، ورأى إنساناً يضحك، فقال: ما أحب أن قلبي فرغ لمثل هذا وأن لي ما حوت البصرة من الأموال والعقد.
عبد الله العبدي قال: حدثنا جعفر عن مالك قال: إن في بعض الكتب أن الله عز وجل يقول: إن أهون ما أنا صانع بالعالم إذا أحب الدنيا أن أخرج حلاوة ذكري من قلبه.
عبد الملك بن قريب قال: حدثني رجل صالح من أهل البصرة قال: وقع حريق في بيت مالك بن دينار فأخذ المصحف وأخذ القطيفة فأخرجهما.
فقيل له: يا أبا يحيى، البيت.
فقال: ما فيه إلا السندانة ما أبالي أن يحترق.
قال الدورقي، وذكر عبد الله بن المبارك، قال: وقع حريق بالبصرة فأخذ مالك بن دينار بطرف كسائه وقال هلك أصحاب الأثقال.
مجالد بن عبيد الله قال: حدثني عمر عن مالك بن دينار أنه كان يقول: إن الله عز وجل إذا أحب عبداً انتقصه من دنياه وكف عنه ضيعته، ويقول: لا تبرح من بين يدي قال: فهو متفرغ لخدمة ربه عز وجل، وإذا أبغض عبداً دفع في نحره شيئاً من الدنيا ويقول: اعزب من بين يدي فلا أراك بين يدي فتراه معلق القلب بأرض كذا وبتجارة كذا.
الحسين بن زياد قال: سمعت منيعاً يقول: مر تاجر بعشار فحبسوا عليه سفينته فجاء إلى مالك بن دينار فذكر ذلك له، قال: فقام مالك فمشى إلى العشار فلما رأوه قالوا: يا أبا يحيى ألا تبعث إلينا حاجتك؟ قال: حاجتي أن تخلوا سفينة هذا الرجل.
قالوا: قد فعلنا.
قال: وكان عندهم كوز يجعلون فيه ما يأخذون من الناس من الدراهم قالوا: ادع الله لنا يا أبا يحيى.
قال: قولوا للكوز يدعو لكم، كيف أدعو لكم وألف يدعون عليكم؟ أترى يستجاب لواحد ولا يستجاب لألف؟.
محمد بن عبد الله، عن أبي قدامة الحارث بن عبيد قال: سمعت مالكاً يقول: لو أن القوم كلفوا الصحف لأقلوا المنطق.
السري بن يحيى، عن مالك بن دينار قال: والله لو وقف ملك بباب المسجد وقال: يخرج شر من في المسجد، لبادرتكم إليه.
رياح بن عمرو القيسي قال: سمعت مالك بن دينار يقول: دخل علي جابر بن زيد وأنا أكتب فقال: يا مالك ما لك عمل إلا هذا؟ تنقل كتاب الله عز وجل من ورقة إلى ورقة؟ هذا والله الكسب الحلال.
جعفر بن سليمان قال: سمعت المغيرة بن حبيب أبا صالح ختن مالك بن دينار يقول: قلت لنفي: يموت مالك بن دينار وأنا معه في الدار لا أدري ما عمله؟ قال: فصليت معه العشاء الآخر ثم جئت فلبست قطيفة في أطول ما يكون من الليل.
قال: وجاءه مالك فدخلفقرب رغيفه فأكل ثم قام إلى الصلاة فاستفتح، ثم أخذ بلحيته فجعل يقول: يا رب إذا جمعت الأولين والآخرين فحرم شيبة مالك بن دينار على النار.
قال: فوالله ما زال كذلك حتى غلبتني عيني، ثم انتبهت فإذا هو قائم على تلك الحال يقدم رجلاً ويؤخر رجلاً ويقول: يا رب إذا جمعت الأولين والآخرين فحرم شيبة مالك بن دينار على النار.
فما زال كذلك حتى طلع الفجر.
فقلت في نفسي: والله لئن خرج مالك بن دينار فرآني لا تبلني عنده بالة أبداً.
فجئت إلى المنزل وتركته.
جعفر بن سليمان قال: سمعت مالك بن دينار يقول: كفى بالمرء خيانة أن يكون أميناً للخونة، وكفى بالمرء شراً أن لا يكون صالحاً ويقع بالصالحين.
سلم الخواص قال: قال مالك بن دينار: خرج أهل الدنيا من الدنيا ولم يذوقوا أطيب شيء فيها.
قالوا: وما هو؟ قال: معرفة الله عز وجل.
قطر بن حماد بن واقد قال: أنبأ أبي قال: سمعت مالك بن دينار يقول: قولوا لمن لم يكن صادقاً لا يتعنى.
جعفر قال: سمعت مالك بن دينار يقول: إن القلب إذا لم يكن فيه حزن خرب كما أن البيت إذا لم يسكن خرب.
جعفر قال: سمعت مالكاً يقول: اتقوا السحارة، اتقوا السحارة، فإنها تسحر قلوب العلماء.
قال: وسمعته يقول: لو أعلم أن قلبي يصلح على كناسة لذهبت حتى أجلس عليها.
وسمعته يقول: وددت أن الله عز وجل أذن لي يوم القيامة إذا وقفت بين يديه أن أسجد سجدة فأعلم أنه قد رضي عني، ثم يقول لي: يا مالك كن تراباً.
وسمعته يقول: إن العالم إذا لم يعمل بعلمه زلت موعظته عن القلوب كما تزل القطرة عن الصفا.
وسمعته يقول: إنك إذا طلبت العلم لتعمل به كسرك العلم وإذا طلبته لغير العمل به لم يزدك إلا فخراً.
قال: وكانت الغيوم تجيء وتذهب ولا تمطر فيقول مالك: أنتم تستبطئون وإنما أستبطئ الحجارة، إن لم تمطر حجارة فنحن بخير.
جعفر قال: أنبأ مالك بن دينار قال: لما وقعت الفتنة أتيت الحسن ثلاثة أيام أسأله:يا أبا سعيد ما تأمرني، فلا يجيبني.
قال: فقلت يا أبا سعيد أتيتك ثلاثة أيام أسألك وأنت معلمي فلا تجيبني، فوالله لقد هممت أن آخذ الأرض بقدمي وأشرب من أفواه الأنهار وآكل من بقل البرية حتى يحكم الله عز وجل بين عباده.
قال: فأرسل الحسن عينيه باكياً ثم قال: يا مالك ومن يطيق ما تطيق، ولكنا والله ما نطيق هذا.
قال جعفر: وكنت عند مالك بن دينار فجاء هشام بن حسان، وكان يأتيه هشام ابن حسان وسعيد بن أبي عروبة وحوشب يطلبون قلوبهم، فجاء هشام فقال: أين أبو يحيى؟ قلنا: عند البقال.
قال: قوموا بنا إليه.
قال: فحانت منه نظرة إلى هشام فقال: يا هشام إني أعطي هذا البقال كل شهر درهماً ودانقين فآخذ منه كل شهر ستين رغيفاً كل ليلة رغيفين فإذا أصبتهما سخناً فهو أدمهما، يا هشام إني قرأت في زبور داود: إلهي رأيت همومي وأنت من فوق العلى، فانظر ما همومك يا هشام.
عن السري بن يحيى عن مالك بن دينار قال: أخذ السبع صبياً لامرأة فتصدقت بلقمة.
فألقاه، فنوديت: لقمة بلقمة.
جعفر بن سليمان عن مالك بن دينار قال: إن الله جعل الدنيا دار مفر والآخرة دار مقر فخذوا لمقركم وأخرجوا الدنيا من قلوبكم قبل أن تخرج منها أبدانكم، ولا تهتكوا أستاركم عند من يعلم أسراركم، ففي الدنيا حييتم ولغيرها خلقتم؛ إنما مثل الدنيا كالسم أكله من لا يعرفه واجتنبه من عرفه ومثل الدنيا مثل الحية مسها لين وفي جوفها السم القاتل يحذرها ذوو العقول ويهوي إليها الصبيان بأيديهم.
الحارث بن نبهان قال: قدمت من مكة فأهديت إلى مالك بن دينار ركوة.
قال: فكانت عنده فجئت يوماً فجلست في مجلسه.
فلما قضاه قال لي: يا حارث تعال خذ الركوة، فقد شغلت علي قلبي.
فقلت: يا أبا يحيى إنما اشتريتها لك تتوضأ فيها وتشرب.
فقال: يا حارث إني إذا دخلت المسجد جاءني الشيطان فقال لي: يا مالك إن الركوة قد سرقت فقد شغلت علي قلبي.
جعفر قال: قلنا لمالك بن دينار، ألا تدعو قارئاً؟ قال: إن الثكلى لا تحتاج إلى نائحة.
فقلنا له ألا تستقي؟ فقال: أنتم تستبطئون المطر لكني أستبطئ الحجارة.
جعفر قال: رأيت مالك بن دينار يتقنع بعباء، أو قال بكساء، ثم يقول: إله مالك، قد علمتساكن الجنة من ساكن النار فأي الدارين دار مالك وأي الرجلين مالك؟ ثم يبكي، وسمعته يقول: لو استطعت أن لا أنام لم أنم مخافة أن ينزل العذاب وأنا نائم، ولو وجدت أعواناً لفرقتهم ينادون في منار الدنيا كلها يا أيها الناس النار النار.
وسمعته يقول: لو كان لأحد أن يتمنى لتمنيت أن يكون لي في الآخرة خص من قصب فأروى من الماء وأنجو من النار.
وسمعته يقول للمغيرة بن حبيب، وكان ختنه: يا مغيرة كل أخ وجليس وصاحب لا تستفيد منه في دينك خيراً فانبذ عنك صحبته.
وسمعته يقول: يا إخوتاه بحق أقول لكم: لولا البول ما خرجت من المسجد.
وسمعته يقول: إنما العالم الذي إذا أتيته في بيته فلم تجده قص عليك بيته: رأيت حصيرة للصلاة، ومصحفه ومطهرته في جانب البيت، ترى أثر الآخرة.
وسمعته يقول: إن الأبرار لتغلي قلوبهم بأعمال البر، وإن الفجار تغلي قلوبهم بأعمال الفجور، والله يرى همومكم، فانظروا ما همومكم رحمكم الله.
وسمعته يقول: إن الصديقين إذا قرئ عليهم القرآن طربت قلوبهم إلى الآخرة.
وسمعته يقول: ما ضرب عبد بعقوبة أعظم من قسوة القلب.
وسمعته يقول: إن لله تعالى عقوبات فتعاهدوهن من أنفسكم في القلوب والأبدان وضنك في المعيشة ووهن في العبادة وسخطة في الرزق.
جعفر عن مالك بن دينار قال: خرج سليمان بن داود عليه السلام في موكبه فمر ببلبل على غصن شوك يصفر ويضرب بذنبه فقال: أتدرون ما يقول؟ قالوا: الله ورسوله أعلم.
قال: فإنه يقول: قد أصبت اليوم نصف تمرة فعلى الدنيا العفاء.
فضيل بن عياض قال: رأى مالك بن دينار رجلاً يسيء صلاته فقال: ما أرحمني لعياله.
فقيل له: يسيء هذا صلاته وترحم عياله؟ قال: إنه كبيرهم ومنه يتعلمون.
الحسن بن عمرو قال: سمعت بشر بن الحارث يقول: قال رجل لمالك بن دينار: يا مرائي، قال: متى عرفت اسمي؟ ما عرف اسمي غيرك.
الحسين بن علي الحلواني قال: دخل اللصوص إلى بيت مالك بن دينار فلم يجدوا في البيت شيئاً فأرادوا الخروج من داره فقال مالك: ما عليكم لو صليتم ركعتين.
حزم القطيعي قال: دخلنا على مالك بن دينار في مرضه الذي مات فيه وهو يكيد بنفسه فرفع رأسه إلى السماء فقال: اللهم إنك تعلم أني لم أكن أحب البقاء في الدنيا لبطن ولا لفرج.
أبو عيسى قال: دخلنا على مالك بن دينار عند الموت فجعل يقول: لمثل هذا اليوم كان دؤوب أبي يحيى.
عمارة بن زاذان قال: أن مالك بن دينار لما حضره الموت قال: لولا أني أكره أن أصنع شيئاً لم يصنعه أحد كان قبلي لأوصيت أهلي إذا أنا مت أن يقيدوني وأن يجمعوا يدي إلى عنقي فينطلقوا بي على تلك الحال حتى أدفن كما يصنع بالعبد الآبق.
وقال غير أحمد بن محمد: فإذا سألني ربي تعالى أي رب لم أرض لك نفسي طرفة عين قط.
حصين بن القاسم قال: قلت لعبد الواحد بن زيد ما كان سبب موت مالك بن دينار؟ قال: أنا كنت سببه، سألته عن رؤيا رأى فيها مسلم بن يسار فقصها علي فانتفضت فجعل يشهق ويضطرب حتى ظننت أن كبده قد تقطعت في جوفه ثم هدأ فحملناه إلى بيته فلم يزل مريضاً يعوده إخوانه حتى مات منها.
فهذا كان سبب موته.
أسند مالك بن دينار عن أنس بن مالك وعن جماعة من كبار التابعين: كالحسن وابن سيرين والقاسم بن محمد وسالم بن عبيد الله.
وتوفي قبل الطاعون بيسير.
وكان الطاعون سنة إحدى وثلاثون ومائة.