فهرس الكتاب

عطاء السليمي

538 عطاء السليمي أبو عبد الله بن أبي عبيدة قال: سمعت عفيرة تقول: لم يرفع عطاء رأسه إلى السماء ولم يضحك أربعين حجة.
فرفع رأسه مرة ففتق في بطنه فتق.
بشر بن منصور قالف: كنت أوقد بين يدي عطاء السليمي في غداة باردة.
فقلت له: يا عطاء أيسرك الساعة لو أنك أمرت أن تلقي نفسك في هذه النار ولا تبعث إلى الحساب؟ فقال لي: إي ورب الكعبة قال: والله مع ذلك لو أمرت به لخشيت أن تخرج نفسي فرحاً قبل أن أصل إليها.
نعيم بن مورع قال: كان عطاء السليمي إذا فرغ من وضوئه انتفض وارتعد وبكى بكاء شديداً فقيل له فقيل له في ذلك فقال: إني أريد أن أقدم على أمر عظيم، إني أريد أن أقوم بين يدي الله تعالى.
عن صالح المري قال: كان عطاء السليمي قد أضر بنفسه حتى ضعف قال: قلت له: إنك قد أضررت بنفسك وأنا متكلف لك شيئاً فلا ترد كرامتي، قال: افعل؛ قال: فاشتريت له سويقاً من أجود ما وجدت وسمناً فجعلت له شريبة ولينتها وحليتها وأرسلتها مع ابني وكوزاً من ماء وقلت له لا تبرح حتى يشربها.
فرجع فقال: قد شربها.
فلما كان من الغد جعلت له نحوها ثم سرحت بها مع ابني فرجع بها لم يشربها.
قال فأتيته فلمته فقلت: سبحان الله رددت علي كرامتي؟ إن هذا مما يعينك ويقويك على الصلاة وعلى ذكر الله.
قال: فلما رآني قد وجدت من ذلك قال: يا أبا بشر لا يسوءك الله قد شربتها أول ما بعثت بها فلما كان الغد راودت نفسي على أن تسيغها فما قدرت على ذلك، إذا أردت أن أشربها ذكرت هذه الآية: {يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ} إبراهيم فبكى صالح عند هذا وقال: قلت لنفسي: ألا أراني في واد وأنت في آخر؟.
العلاء بن محمد قال: دخلت على عطاء السليمي وقد غشي عليه فقلت لامرأته أم جعفر: ما شأن عطاء؟ فقالت: سجرت جارتنا التنور فنظر إليه فخر مغشياً عليه.
إبراهيم بن عبد الرحمن بن مهدي قال: حدثتني عفيرة العابدة وكانت قد ذهب بصرها من العبادة قالت: كان عطاء إذا بكى بكى ثلاثة أيام وثلاث ليال.
قالت عفيرة: وحدثني إبراهيم المحلمي قال: أتيت عطاء السليمي فلم أجده في بيته.
قال: فنظرت فإذا هو في ناحية الحجرة جالس وإذا حوله بلل، قال: فظننت أنه أثر وضوء توضأه.
فقالت: لي عجوز معه في الدار: أثر دموعه.
سوار أبو عبيدة قال: قالت لي امرأة عطاء السليمي: عاتب عطاء في كثرة البكاء، فعاتبته فقال لي: يا سوار كيف تعاتبني في شيء ليس هو إلي؟ إني إذا ذكرت أهل النار وما ينزل بهم من عذاب الله وعقابه تمثلت لي نفسي بهم فكيف لنفس تغل يدها إلى عنقها وتسحب في النار؟ ألا تصيح فتبكي؟ وكيف لنفس تعذب ألا تبكي؟ ويحك يا سوار وما أقل غناء البكاء عن أهله إن لم يرحمهم الله.
بشر بن منصور قال: قلت لعطاء السليمي: يا عطاء لماذا الحزن؟ قال: ويحك الموت في عنقي، والقبر بيتي، وفي القيامة موقفي، وعلى جسر جهنم طريقي، وربي لا أدري ما يصنعبي، ثم تنفس فغشي عليه.
فترك خمس صلوات.
فلما أفاق أخبرته فقال: ويحك إذا ذهب عقلي تخاف علي شيئاً؟ ثم تنفس فغشي عليه فترك صلاتين.
العلاء بن محمد البصري قال: شهدت عطاء السليمي خرج في جنازة فغشي عليه أربع مرات حتى صلي عليه كل ذلك يغشى عليه ثم يفيق فإذا نظر إلى الجنازة خر مغشياً عليه.
بشر بن منصور قال: كنت أسمع عطاء السليمي كل عشية بعد العصر يقول: غداً عطاء في القبر.
عن إبراهيم بن أدهم قال: كان عطاء يمس جسده بالليل خوفاً من ذنوبه مخافه أن يكون قد مسخ.
معاوية الكندي قال: كان عطاء عند حجام والمحاجم على عنقه فمر صبي معه شعلة نار فأصابت النار الريح فسمع ذلك منها فخر مغشياً عليه فحمل إلى منزله ما يعقل.
عبد الخالق قال: قال رجل لعطاء يوماً: ما هذا الذي تصنع بنفسك؟ قتلت نفساً؟ أي شيء صنعت؟ قال: اصطدت حماماً لجار لي منذ أربعين سنة، قال: ثم قال: أما إني قد تصدقت بثمنه.
كأنه لم يعرفه صاحبه.
عبد الخالق بن عبد الله العبدي قال: كان عطاء إذا جن عليه الليل خرج إلى المقابر فوقف على أهل القبور ثم قال: يا أهل القبور متم فواموتاه.
ثم يبكي ويقول: يا أهل القبور عاينتم ما عملتم فواعملاه.
فلا يزال كذلك حتى يصبح.
عن حماد بن زيد قال: رجعنا من جنازة فدخلنا على عطاء السليمي فلما رآنا كأنه خائف أن يدخله شيء أي لكثرتنا.
فقال: اللهم لا تمقتنا أو اللهم لا تمقتني.
ثم قال: سمعت جعفر بن زيد يقول: مر رجل بمجلس فأثنوا عليه خيراً.
فلما جاوزهم قام وقال: اللهم إن كان هؤلاء لا يعرفونني فأنت تعرفني.
علي بن بكار قال: مكث عطاء السليمي أربعين سنة على فراشه لا يقوم من الخوف ولا يخرج.
أبو جعفر بن الطباع قال: سمعت مخلداً يقول: ما رأيت أحداً كان أفضل من عطاء السليمي، ولقد كانت الفاكهة تمر لا يعلم سعرها ولا يعرفها.
عن أبي جعفر السائح قال: كان عطاء السليمي يقول: التمسوا لي هذه الأحاديث في الرخص عسى الله أن يروح عني بعض ما أنا فيه من الغم.
محمد بن معاوية الأزرق قال: حدثني بعض أصحابنا قال: قيل لعطاء السليمي ما تشتهي؟ قال: أشتهي أن أبكي حتى لا أقدر على أن أبكي.
قال: وكان يبكي الليل والنهار وكانت دموعه الدهر سائلة على وجهه.
أبو يزيد الهدادي قال: انصرفت ذات يوم من الجمعة فإذا عطاء السليمي وعمر بن درهم يمشيان، وكان عطاء قد بكى حتى عمش، وكان عمر قد صلى حتى دبر، فقال عمر لعطاء: حتى متى نسهو ونلعب وملك الموت في طلبنا لا يكف؟ قال: فصاح عطاء صيحة خر مغشياً عليه فأنشج موضحة واجتمع الناس وعقد عمر عند رأسه فلم يزل على حاله حتى المغرب.
ثم أفاق فحمل.
سوار أبو عبيدة قال: انقطع عطاء السليمي قبل موته بثلاثين سنة.
قال: وما رأيت عطاء إلا وعيناه تفيضان.
قال: وما كنت أشبه عطاء إذا رأيته إلا بالمرأة الثكلى.
قال: وكأن عطاء لم يكن من أهل الدنيا.
عن صالح المري قال: كان عطاء السليمي لا يكاد يدعو إنما يدعو بعض أصحابه ويؤمن هو، قال: فحبس بعض أصحابه.
فقيل له: ألك حاجة؟ قال: دعوة من عطاء أن يفرج الله عني، قال صالح: فأتيته فقلت: يا أبا محمد أما تحب أن يفرج الله عنك؟ قال: بلى والله إني لأحب ذلك، قلت: فإن جليسك فلاناً قد حبس فادع الله أن يفرج عنه.
فرفع يديه وبكى وقال: إلهي قد تعلم حاجتنا قبل أن نسألكها قاقضها لنا، قال صالح: والله ما برحنا من البيت حتى دخل الرجل.
صالح المري قال: قلت لعطاء السليمي ما تشتهي؟ فبكى وقال: أشتهي والله يا أبا بشر أن أكون رماداً لا تجتمع منه سفة أبداً في الدنيا ولا في الآخرة.
قال صالح: فأبكاني والله وعلمت أنه إنما أراد النجاة من عسر الحساب.
بشر بن منصور قال: كان عطاء السليمي يقول: رب ارحم في الدنيا عربتي، وفي القبر وحدتي وطول مقامي غداً بين يديك.
أدرك عطاء السليمي أيام أنس بن مالك.
ولقي الحسن ومالك بن دينار وخلقاً من تلك الطبقة، وشغلته العبادة عن الرواية.
صالح بن بشير المري قال: لما مات عطاء السليمي حزنت عليه حزناً شديداً فرأيته في منامي فقلت: يا أبا محمد ألست في زمرة الموتى؟ قال: بلى، قلت: فماذا صرت إليه بعد الموت؟ قال: صرت والله إلى خير كثير ورب غفور شكور.
قال: فقلت أما والله لقد كنت طويل الحزن في دار الدنيا.
فتبسم فقال: أما والله يا أبا بشر لقد أعقبني ذلك راحة طويلة وفرحاً دائماً.
قلت: ففي أي الدرجات أنت؟ قال: أنا مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً.