فهرس الكتاب

شميط بن عجلان

544 شميط بن عجلان أبو عبد الله، ويقال أبو همام.
عن سيار قال: أنبأ عبيد الله بن شميط قال: سمعت أبي يقول: بادروا بالصحة السقم وبالفراغ الشغل، وبادروا بالحياة الموت.
وسمعته يقول لي: بئس العبد عبد خلق للعاقبة فصدته العاجلة عن العاقبة فزالت عنه العاجلة وشقي في العاقبة.
وسمعته يقول: أعطيت ما يكفيك وأنت تطلب ما يطغيك؟ لا بقليل تقنع ولا بكثير تشبع، كيف يعمل للآخرة من لا تنقضي من الدنيا شهوته؟ العجب العجب كل العجب لمصدق بدار الحق وهو يسعى لدار الغرور.
وسمعته يقول: إن الله عز وجل جعل قوة المؤمن في قلبه ولم يجعلها في أعضائه.
ألا ترون أن الشيخ يكون ضعيفاً يصوم الهواجر ويقوم الليل والشاب يعجز عن ذلك.
وسمعته يقول: يعمد أحدهم فيقرأ القرآن ويطلب العلم حتى إذا علمه أخذ الدنيا فضمها إلى صدره وحملها على رأسه فنظر إليه ثلاثة ضعفاء: امرأة ضعيفة وأعرابي جاهل وأعجمي، فقالوا: هذا أعلم بالله منا لو ير في الدنيا ذخيرة ما فعل هذا.
فرغبوا في الدنيا وجمعوها.
وسمعته يقول: من رضي بالفسق فهو من أهله، ومن رضي أن يعصى الله عز وجل لم يرفع له عمل.
أبو معاوية الغلابي قال: حدثني رجل قال: قالت امرأة شميط: يا أبا همام إنا نعمل الشيء فيبرد فنشتهي أن تأكل منه معنا فلا تجيء حتى يفسد ويبرد.
فقال: والله إن أبغض ساعاتي إلي الساعة التي آكل فيها.
جعفر قال: سمعت شميطاً يقول: رأس مال المؤمن دينه حيثما زال معه لا يخلفه في الرجال ولا يأمن عليه الرجال.
جعفر بن سليمان قال: سمعت شميطاً يقول: من جعل الموت نصب عينيه لم يبال بضيق الدنيا ولا بسعتها.
إبراهيم بن عبد الملك قال: قال شميط بن عجلان: إن الله عز وجل وسم الدنيا بالوحشة ليكون أنس المطيعين به.
عبيد الله بن شميط بن عجلان، عن أبيه أنه كان يقول في مواعظه: إذا أصبحت آمناً في سربك معافى في بدنك، عندك قوت يومك فعلى الدنيا العفاء وعلى من يحزن عليها، إن المؤمن يقول لنفسه: إنما هي ثلاثة أيام فقد مضى أمس بما فيه وغداً أمل لعلك لا تدركيه، إنما هو يومك هذا فإن كنت من أهل غد برزق غد إن دون غد يوماً وليلة تخترم فيه أنفس كثيرة فلعلك المخترم فيه.
كفى كل يوم همه ثم حملت على قلبك الضعيف هم السنين والدهور والأزمنة وهم الغلاء والرخص وهم الشتاء قبل أن تجيء وهم الصيف قبل أن يجيء، فماذا أبقيت من قلبك الضعيف للآخرة؟ ما تطلب الجنة بهذا، متى تهرب من النار؟ كل يوم ينقص من أجلك ثم لا تحزن.
أعطيت ما يكفيك وأنت تطلب ما يطغيك، لا بقليل تقنع ولا من كثير تشبع، فكيف لا يستبين للعالم جهله، وقد عجز عن شكر ما هو فيه، وهو مفتن في طلب الزيادة؟ أم كيف يعمل للآخرة من لا تنقضي من الدنيا شهوته ولا تنقطع عنها رغبته فالعجب كل العجب لمن صدق بدار الحيوان كيف يسعى لدار الغرور.
وكان يقول: إن أولياء الله آثروا رضا ربهم تعالى على هوى أنفسه، فأرغموا أنفسهم كثيراً في رضا ربهم فأفلحوا والله وأنجحوا، وإن المنافق عبد هواه وعبد بطنه وعبد فرجه وعبد جلده، عبد الدنيا وعبد أهل الدنيا.
وكان يقول: الناس رجلان، فمتزود من الدنيا ومتنعم فيها فانظر أي الرجلين أنت.
إني أراك تحب طول البقاء في الدنيا فلأي شيء تحبه؟ أن تطيع الله عز وجل وتحسن عبادته وتتقرب إليه بالأعمال الصالحة؟ فطوبى لك، أم لتأكل وتشرب وتلهو تلعب وتجمع الدنيا وتثمرها وتنعم زوجتك وولدك؟ فلبئس ما أردت له البقاء.
وكان يقول إذا وصف المؤمنين: أتاهم عن الله تبارك وتعالى أمر وقذهم عن الباطل فأسهروا الأعين وأجاعوا البطون وأظمأوا الأكباد وأنفقوا الأموال واهتضموا التالد والطارف في طلب ما يقربهم إلى الله عز وجل وفي طلب النجاة مما خوفهم به.
وكان يقول: إن المؤمن اتخذ كتاب الله عز وجل مرآة فمرة ينظر إلى ما نعت الله عز وجل به المؤمنين، ومرة ينظر إلى ما نعت الله عز وجل به المغترين، ومرة ينظر إلى الجنة وما وعد الله عز وجل فيها، ومرة ينظر إلى النار وما أعد الله عز وجل فيها.
تلقاه حزيناً كالسهم المرمى به شوقاً إلى ما شوقه الله عز وجل إليه وهرباً مما خوفه الله عز وجل منه.
وكان يقول: بلغنا أن الله تعالى أوحى إلى داود عليه السلام، يا داود ألا ترى إلى المنافق كيف يخدعني وأنا أخدعه؟ يسبحني ويوقر بلسانه وقلبه مني بعيد، يا داود قل للملأ من بني إسرائيل لا يدعوني والخطايا في أضبانهم.
ليضعوها ثم ليدعوني أستجب لهم.
وكان يقول: اللهم اجعل القليل من الدنيا يكفينا كما يكفي الكثير أهله، اللهم ارفع رغبتنا إليك واقطع رجاءنا ممن سواك، اللهم اجعل طاعتك ألذ عندنا من الطعام عند الجوع، ومن الشراب عند الظمأ، اللهم اجعل غفلة الناس لنا ذكراً ومرح الناس لنا شكراً، اللهم إذا تنعم المتنعمون بالدنيا فاجعلنا نتنعم بذكرك.
وكان يقول: بالدراهم والدنانير أزمة المنافقين تقودهم إلى السوءات.
وكان يقول: تلقى أحدهم عنده فضول يغلق بابه دون جاره وذوي رحمه، ثم يخرج على القوم يحدثهم بما أكل وشرب ولعل جاره الفقير وذا رحمه المحتاج يكون في القوم يسمع ما يقول، ويحك ما كفاك أن غلقت بابك دونه فلم تواسه ولم تذكره حتى قعدت فأخبرته بما أكلت وشربت؟ فإذا أنت قد جمعت إساءة بعد إساءة.
وكان يقول: إن المؤمن أبصر الدنيا فأنزلها فإن هي أقبلت عليه قال: لا مرحباً ولا أهلاً والله ما أراك جئت بخير وما فيك من خير إلا أن تطلب بك الجنة، ويفتدى بك من النار، فإن هي أدبرت عنه قال: عليك العفاء وعلى من يتبعك، الحمد لله الذي خار لي وصرف عني فتنتك وشغلك.
وكان يقول إذا وصف أهل الدنيا: حيارى سكارى فارسهم يركض ركضاً وراجلهم يسعى سعياً، لا غنيهم يشبع، ولا فقيرهم يقنع.
وكان يقول إذا وصف المقبل على الدنيا: دائب البطنة قليل الفطنة إنما همه بطنه وفرجه وجلده، حتى أصبح فآكل وأشر وألهو وألعب، متى أمسى فأنام، جيفة بالليل بطال بالنهار ويحك ألهذا خلقت؟ أم بهذا أمرت؟ أم بهذا تطلب الجنة وتهرب من النار؟.
وكان يقول: إن العافية سترت البر والفاجر، فإذا جاءت البلايا استبان عندها الرجلان فجاءت البلايا إلى المؤمن فأذهبت ماله وخادمه ودابته حتى جاع بعد الشبع ومشى بعد الركوب وخدم نفسه بعد أن كان مخدوماً فصبر ورضي بقضاء الله عز وجل، وقال: هذا نظر من الله عز وجل لي، هذا أهون لحسابي غداً.
وجاءت البلايا إلى الفاجر فأذهبت ماله وخادمه ودابته فجزع وهلع وقال: والله ما لي بهذا طاقة، والله لقد عودت نفسي عادة ما لي عنها صبر من الحلو والحامض والحار والبارد ولين العيش، فإن هو أصابه من الحلال وإلا طلبه من الحرام والظلم ليعود إليه ذلك العيش.
وكان يقول: إنسانان معذبان في الدنيا: غني أعطي دنيا فهو بها مشغول، وفقير زويت عنه فهو يتبعها نفسه فنفسه تقطع عليها حسرات.
وكان يقول: الناس ثلاثة: فرجل ابتكر الخير في حداثة سنه ثم داوم عليه حتى خرج من الدنيا، فهذا المقرب.
ورجل ابتكر عمره بالذنوب وطول الغفلة ثم راجع توبة، فهذا صاحب يمين، ورجل ابتكر الشر في حداثة سنه ثم لم يزل فيه حتى خرج من الدنيا، فهذا صاحب شمال.
أبو عمر الضرير قال: أنبأنا عبيد الله بن شميط قال: سمعت أبي يقول: أيها المغتر بطول صحته أما رأيت ميتاً قط من غير سقم؟ أيها المغتر بطول المهلة أما رأيت مأخوذاً قط من غير عدة، أبالصحة تغترون؟ أم بطول العافية تمرحون؟ أم بالموت تأمنون؟ أم على ملك تجترئون؟ إن ملك الموت إذا جاء لم يمنعه منك ثروة مالك ولا كثرة احتشادك.
أما علمت أن ساعة الموت ذات كرب شديد وغصص وندامة على التفريط؟ ثم يقول: رحم الله عبداً عمل لساعة الموت.
رحم الله عبداً عمل لما بعد الموت، رحم الله عبداً نظر لنفسه قبل نزول الموت.
أسند شميط عن جماعة من التابعين.