فهرس الكتاب

رياح بن عمرو القيسي

558 رياح بن عمرو القيسي يكنى أبا المعاصر.
يحيى بن راشد قال: حدثني محمد بن الحرب بن عبد ربه القيسي، وكان ذا قرابة لرياح، قال: كنت أدخل عليه المسجد وهو يبكي وأدخل عليه البيت وهو يبكي وآتيه في الجبان وهو يبكي، فقلت له يوماً: أنت دهرك في مأتم، فبكى ثم قال: يحق لأهل المصائب والذنوب أن يكونوا هكذا.
معاذ بن عون الضرير قال: كنت أكون قريباً من الجبان فكان يمر بي رياح القيسي بعد المغرب إذا خلت الطريق فكنت أسمعه وهو يتشنج بالبكاء وهو يقول: إلى كم يا ليل يا نهار تحطان من أجلي وأنا غافل عم يراد بي؟ إنا لله إن الله.
فهو كذلك حتى يغيب عن وجهه.
علي بن الحسين بن أبي مريم قال: قال رياح القيسي: لي نيف وأرعون ذنباً قد استغفرت لكل ذنب مائة ألف مرة.
عن محمد بن يحيى قال: قال رياح القيسي، كما لا تنظر الأبصار إلى شعاع الشمس، كذلك لا تنظر قلوب محبي الدنيا إلى نور الحكمة أبداً.
مالك بن ضيغم قال: جاء رياح القيسي يسال عن أبي بعد العصر فقلنا هو نائم.
فقال: أنوم في هذه الساعة؟ أهذا وقت نوم؟ ثم ولى منصرفاً.
فأتبعناه رسولاً فقلنا: قل له ألا نوقظه لك؟ قال: فأبطأ علينا الرسول.
ثم جاء وقد غربت الشمس فقلنا: أبطأ جداً.
فهل قلت له؟ قال: هو كان أشغل من أن يفهم عني شيئاً، أدركته وهو يدخل المقابر وهو يعاتب نفسه ويقول: قلت: نوم هذه الساعة؟ أفكان هذا عليك؟ ينام الرجل متى شاء.
وقلت: هذا وقت نوم؟ وما يدريك أن هذا ليس بوقت نوم؟ تسألين عما لا يعنيك وتتكلمين بما لا يعنيك، أما إن لله علي عهداً لا أنقضه أبداً.
ألا أوسدك الأرض لنوم حولاً إلا لمرض حائل أو لذهاب عقل زائل، سوءة لك سوءة لك، أما تستحيين؟ كم توبخين وعن غيك لا تنتهين.
قال وجعل يبكي وهو لا يشعر بمكاني، فلما رأيت ذلك انصرفت وتركته.
محمد بن عبد الله قال: صليت مع رياح القيسي الظهر، فصليت إلى جانبه فجعلت دموعه تقع على البواري مثل الوكف: طق طق.
قال وكان رياح ربما أخذ حفنة من تراب ثم يضعها على البوري ويسجد عليها.
وربما وجد رياح في بعض السكك، وقد غشي عليه فيحمل إلى أهله مغشياً عليه.
محمد بن مسعر قال: كان لرياح القيسي غل من حديد قد اتخذه وكان إذا جنه الليل وضعه في عنقه وجعل يتضرع ويبكي حتى يصبح.
عثمان قال: أخبرتني مخة وكانت إحدى العوابد قالت: رأيت رياح بن عمرو القيسي ليلة خلف المقام فذهبت فقمت خلفه حتى أزحفت ثم اضطجعت وهو قائم، وأنا أنظر إليه، فقلت بصوت حزين: سبقني العابدون وبقيت وحدي، والهف نفساه، فإذا رياح قد شهق وانكب على وجهه مغشياً عليه.
فامتلأ فمه رملاً، فما زال كذلك حتى أصبحنا ثم أفاق.
الحارث بن سعيد قال: أخذ بيدي رياح فقال: هلم يا أبا محمد حتى نبكي على مر الساعات ونحن على هذه الحال.
قال وخرجت معه إلى المقابر، فلما نظر إلى القبور صرخ ثم خر مغشياً عليه، قال: فجلست والله عند رأسه أبكي فأفاق فقال: ما يبكيك؟ قلت: لما أرى بك.
قال: لنفسك فابك.
ثم قال: وانفساه، وانفساه، ثم غشي عليه.
قال: فرحمته والله مما نزل به فلم أزل عند رأسه حتى أفاق فوثب وهو يقول: {تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ} {تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ} النازعات.
ومضى على وجهه وأنا أتبعه لا يكلمني حتى انتهى إلى منزله فدخل وأصفق بابه ورجعت إلى أهلي ولم يلبث بعد ذلك إلا يسيراً حتى مات.
أسند رياح عن حسان بن أبي سنان وغيره.