فهرس الكتاب

عتبة الغلام وهو عتبة بن أبان بن صمعة

559 عتبة الغلام وهو عتبة بن أبان بن صمعة وإنما سمي بالغلام لجده واجتهاده لصغر سنه.
وكان يفتل الشريط.
سوار أبو عبيدة قال: بكى عتبة الغلام في مجلس عبد الواحد بن زيد تسع سنين لا يفتر بكاء من حين يبتدئ عبد الواحد في الموعظة إلى أن يقوم لا يكاد يسكت عتبة.
فقيل لعبد الواحد إنا لا نفهم كلامك من بكاء عتبة.
قال: فأصنع ماذا؟ يبكي عتبة على نفسه وأنهاه أنا، لبئس واعظ قوم أنا.
سليم الحنيف قال: رمقت عتبة ذات ليلة بساحل البحر فما زاد ليلته تلك حتى أصبح على هذه الكلمات وهو قائم يقول: إن تعذبني فإني لك محب وإن ترحمني فإني لك محب، فلم يزل يرددها ويبكي حتى طلع الفجر.
أبو توبة قال: كان عتبة الغلام يأكل خبزاً وملحاً ويقول: العرس في الدار الأخرى.
عبد الله بن الفرج العابد قال: كان عتبة يعجن دقيقه ويجففه في الشمس ثم يأكله ويقول: كسرة وملح حتى نهنأ في الدار الأخرى الشواء والطعام الطيب.
سلمة الفراء قال: كان عتبة الغلام من نساك أهل البصرة وكان من أصحاب الفلق.
وكان قد قوت لنفسه ستين فلقة يتعشى كل ليلة بفلقة ويتسحر بأخرى، وكان يصوم الدهر ويأتي السواحل والجبابين.
عن مخلد بن الحسين قال: كان عتبة يجالسنا فقال لنا يوماً: إنه لا يعجبني رجل لا يكون في يده حرفة.
فقلنا: ما نراك تحترف.
فقال: بلى رأس مالي طسوج أشتري به خوصاً أعمله وأبيعه بثلاثة طساسيج فطسوج رأس مالي وقيراط خبزي.
أبو عمر الضرير قال: سمعت رياحاً القيسي يقول: قال لي عتبة: يا رياح إن كنت كلما دعتني نفسي إلى الكلام تكلمت فبئس الناظر لها أنا.
يا رياح إن لي موقفاً تغتبط فيه بطول الصمت عن الفضول.
مسلمة بن عرفجة العنبري قال: سمعت عنبسة الخواص يقول: كان عتبة الغلام يزورني فربما بات عندي.
قال ذات ليلة فبكى من السحر بكاءاً شديداً فلما أصبح قلت له: قد فزعت قلبي الليلة ببكائك.
فمم ذاك يا أخي؟ قال: يا عنبسة إني والله ذكرت يوم العرض على الله.
ثم مال ليسقط فاحتضنته فجعلت أنظر إلى عينيه تتقلبان قد اشتدت حمرتهما.
قال: ثم أزبد وجعل يخور فناديته: عتبة عتبة! فأجابني بصوت خفي: قطع ذكر يوم العرض على الله أوصال المحبين.
قال: ثم جعل يحشرج بالبكاء ويردد حشرجة الموت ويقول: تراك مولاي تعذب محبيك وأنت الحي الكريم؟ قال: فلم يزل يرددها حتى والله أبكاني.
داود بن المحبر قال: سمعت عبد الواحد بن زيد يقول: ربما سهرت مفكراً في طول حزن عتبة، وقد كلمته ليرفق بنفسه فبكى وقال: إنما أبكي تقصيري.
الخليل بن عمرو البكري قال: سمعت مهدي بن ميمون يقول: خرجت في بعض الليالي إلى الجبان فإذا عتبة الغلام، فقال لي جئت؟ قد دعوت الله أن يجيء بك.
قلت: أطعمنا رطباً.
قال: فدعا فإذا دوخلة رطب بين أيدينا فأكلنا منه.
زيدان قال: قال عتبة الغلام: كابدت الصلاة عشرين سنة وتنعمت بها عشرين سنة.
عبد الله بن مبشر قال: دعا عتبة الغلام ربه أن يهب له ثلاث خصال في دار الدنيا: دعا الله أن يمن عليه بصوت حزين، ودمع غزير، وغذاء من غير تكلف.
قال: فكان إذا قرأ بكى وأبكى، وكانت دموعه جارية دهره، وكان يأوي إلى منزله فيصيب قوته لا يدري من أين يأتيه.
الحسن بن دعامة قال: رأيت عتبة الغلام إذا استحسن الطير دعاه فيجيء حتى يسقط على فخذه فيمسه ثم يسيبه فيطير.
عن عبد الواحد بن زيد قال: انطلقت أنا وعتبة الغلام في حاجة حتى إذا كنا برحبة القصابين جعلت أنظر إلى عتبة يعرق عرقاً شديداً حتى رشح وذلك في يوم شات شديد البرد فقلت: عتبة ترشح عرقاً في مثل هذا اليوم الشديد البرد؟ فسكت ولم يخبرني فقلت: بالذي بيني وبينك، ولم أزل به، فقال: ذكرت ذنباً أذنبته في هذا الموضع.
إبراهيم بن عبد الرحمن بن مهدي قال: سألت يوسف بن عطية فقلت له: ما كان لباس عتبة؟ قال: كان يلبس كساءين يأتزر بواحد ويرتدي بآخر، إذا رأيته قلت بعض الأكرة.
قال إبراهيم: كان عتبة عربياً شريفاً من عوذ.
قال إبراهيم: وحدثني مضر قال: قال رجل لعبد الواحد بن زيد، تعلم أحداً يمشي في الطريق مشتغلاً بنفسه؟ قال: ما أعرف إلا رجلاً واحداً الساعة يدخل عليكم.
فدخل عتبة.
قال: وطريقه على السوق فقال له: يا عتبة من تلقاك في الطريق؟ قال: ما رأيت أحداً.
قال عبد الواحد: وكان عتبة يسجد السجدة الطويلة على الحصا يوم الجمعة فما أراه يعقل بحره.
أحمد بن زهير المروزي قال: ركب عتبة في زورق مع قوم فأراد الملاح أن يعدل ببعضهمالسفينة فلم يجد أحداً منهم أحقر في عينيه من عتبة: فضرب جنبه فقال: استو فقال عتبة: الحمد لله الذي لم ير فيهم أحقر في عينه مني.
أبو عبد الله الشحام قال: كان عتبة يبيت عندي.
فقلت له: ما كانت عبادته؟ قال: كان يستقبل القبلة فلا يزال في فكر وبكاء حتى يصبح، وربما جاءني مساء فيقول: أخرج إلي شربة من ماء وتمرات أفطر عليها فيكون لك مثل أجري.
عبد الخالق العبدي قال: كان لعتبة بيت يتعبد فيه فلما خرج إلى الشام أقفله وقال: لا تفتحوه إلى أن يبلغكم موتي، فلما بلغهم قتله فتحوه فأصابوا فيه قبراً محفوراً وغلاً حديداً.
اشتغل عتبة بالعبادة عن الرواية وقتل شهيداً في بعض الغزوات.
قدامة بن أيوب، وكان من أصحاب عتبة، قال: رأيت عتبة الغلام في المنام فقلت: ما صنع الله بك؟ قال: يا قدامة دخلت الجنة بتلك الدعوات المكتوبة في بيتك، فلما أصبحت أتيت إلى بيتي فإذا خط عتبة في الحائط مكتوب: يا هادي المضلين وراحم المذنبين ومقيل عثرات العاثرين، ارحم عبدك ذا الخطر العظيم والمسلمين كلهم أجمعين، واجعلنا مع الأحياء المرزوقين، مع الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين آمين رب العالمين.