فهرس الكتاب

رابعة العدوية

588 رابعة العدوية عبد الله بن عيسى قال: دخلت على رابعة العدوية بيتها فرأيت على وجهها النور وكانت كثيرة البكاء فقرأ رجل عندها آية من القرآن فيها ذكر النار فصاحت ثم سقطت.
ودخلت عليها وهي جالسة على قطعة بوري خلق فتكلم رجل عندها بشيء فجعلت أسمع وقع دموعها على البوري مثل الوكف، ثم اضطربت وصاحت فقمنا وخرجنا.
مسمع بن عاصم ورياح القيسي قالا: شهدنا رابعة وقد أتاها رجل بأربعين ديناراً فقال لها: تستعينين بها على بعض حوائجك.
فبكت ثم رفعت رأسها إلى السماء فقال: هو يعلم أني أستحيي منه أن أسأله الدنيا وهو يملكها، فكيف أريد أن آخذها ممن لا يملكها؟.
محمد بن عمرو قال: دخلت على رابعة وكانت عجوزاً كبيرة بنت ثمانين سنة كأنه الشن تكاد تسقط ورأيت في بيتها كراخة بواري ومشجب قصب فارسي طوله من الأرض قدر ذراعين، وستر البيت جلد وربما كان بورياً، وحب وكو ولبد هو فراشها وهو مصلاها.
وكان لها مشجب من قصب عليه أكفانها وكانت إذا ذكرت الموت انتفضت وأصابتها رعدة وإذا مرت بقوم عرفوا فيها العبادة.
وقال لها رجل: ادعي، فالتصقت بالحائط وقالت: من أنا يرحمك الله؟ أطع ربك وادعه فإنه يجيب المضطرين.
سجف بن منظور قال: دخلت على رابعة وهي ساجدة فلما أحست بمكاني رفعت رأسها فإذا موضع سجودها كهيئة الماء المستنقع من دموعها.
فسلمت فأقبلت علي فقالت: يا بني ألك حاجة؟ فقلت: جئت لأسلم عليك، قال: فبكت وقالت: سترك اللهم سترك ودعت بدعوات ثم قامت إلى الصلاة وانصرفت.
العباس بن الوليد قال: قالت رابعة: أستغفر الله من قلة صدقي في قولي، أستغفر الله.
أزهر بن مروان قال: دخل على رابعة رياح القيسي، وصالح بن عبد الجليل وكلاب، فتذاكروا الدنيا فأقبلوا يذمونها فقالت رابعة: إني لأرى الدنيا بترابيعها في قلوبكم.
قالوا: ومن أين توهمت علينا؟ قالت: إنكم نظرتم إلى أقرب الأشياء من قلوبكم فتكلمتم فيه.
أبو جعفر المديني، عن شيخ من قريش قال: قيل لرابعة: هل عملت عملاً ترين أنه يقبل منك؟ قالت: إن كان فمخافتي أن يرد علي.
جعفر بن سليمان قال: أخذ بيدي سفيان الثوري وقال: مر بنا إلى المؤدبة التي لا أجد من أستريح إليه إذا فارقتها.
فلما دخلنا عليها رفع سفيان يده وقال: اللهم إني أسألك السلامة فبكت رابعة.
فقال لها: ما يبكيك؟ قالت: أنت عرضتني للبكاء.
فقال: وكيف؟ قالت: أما علمت أن السلامة من الدنيا ترك ما فيها فكيف وأنت متلطخ بها؟.
وقال الثوري بين يدي رابعة: واحزناه، فقالت: لا تكذب.
قل: واقلة حزناه، لو كنت محزوناً ما هناك العيش.
جعفر بن سليمان قال: سمعت رابعة تقول لسفيان: إنما أنت أيام معدودة، فإذا ذهب يوم ذهب بعضك، ويوشك إذا ذهب البعض أن يذهب الكل وأنت تعلم، فاعمل.
عبيس بن مرحوم العطار قال: حدثتني عبدة بنت أبي شوال، وكانت من خيار إماء الله، وكانت تخدم رابعة.
قالت: كانت رابعة تصلي الليل كله فإذا طلع الفجر هجعت في مصلاها هجعة خفيفة حتى يسفر الفجر، فكنت أسمعها تقول إذا وثبت من مرقدها ذلك وهي فزعة: يا نفس كم تنامين؟ وإلى كم تقومين؟ يوشك أن تنامي نومة لا تقومين منها إلا لصرخة يوم النشور.
قالت: فكان هذا دأبها دهرها حتى ماتت.
فلما حضرتها الوفاة دعتني قالت: يا عبدة لا تؤذني بموتي أحداً وكفنيني في جبتي هذه، جبة من شعر كانت تقوم فيها إذا هدأت العيون.
قالت: فكفناها في تلك الجبة وخمار صوف كانت تلبسه.
قالت عبدة: رأيتها بعد ذلك بسنة أو نحوها في منامي عليها حلة إستبرق خضراء وخمار من سندس أخضر لم أر شيئاً قط أحسن منه.
فقلت: يا رابعة: ما فعلت الجبة التي كفناك فيها والخمار الصوف؟ قالت: إنه والله نزع عني وأبدلت به هذا الذي ترينه علي.
وطويت أكفاني وختم عليها ورفعت في عليين لكيل لي بها ثوابها يوم القيامة.
قالت: فقلت لها: لهذا كنت تعملين أيام الدنيا؟ قالت: وما هذا من كرامة الله عز وجل لأوليائه.
قالت فقلت: فما فعلت عبدة بنت أبي كلاب؟ فقالت: هيهات هيهات، سبقتنا والله إلى الدرجات العلى.
قالت قلت: وبم وقد كنت عند الناس؟ أي أكثر منها.
قالت: إنها لم تكن تبالي على أي حالة أصبحت من الدنيا وأمست.
قالت: فقلت: فما فعل أبو مالك؟ تعني ضبغماً.
قالت: يزور الله متى شاء.
قالت قلت: فما فعل بشر بن منصور؟ قالت: بخ بخ أعطي والله فوق ما كان يأمل.
قالت قلت: فمريني بأمر أتقرب به إلى الله عز وجل.
قالت عليك بكثرة ذكره، أوشك أن تغتبطي بذلك في قبرك.
قلت: اقتصرت ههنا على هذا القدر من أخبار رابعة لأني قد أفردت لها كتاباً جمعت فيه كلامها وأخبارها.