فهرس الكتاب

يحيى بن معاذ بن جعفر الرازي

674 يحيى بن معاذ بن جعفر الرازي يكنى أبا زكريا.
نزيل الري، ثم انتقل إلى نيسابور فسكنها وبها مات وكانوا ثلاثة أخوة: إسماعيل ويحيى وإبراهيم، فإسماعيل أكبرهم سناً، ويحيى أوسطهم، وإبراهيم أصغرهم، وكانوا كلهم زهاداً.
محمد بن محمود السمرقندي قال: سمعت يحيى بن معاذ الرازي يقول: الكلام الحسن حسن، وأحسن من الحسن معناه وأحسن من معناه استعماله وأحسن من استعماله ثوابه، وأحسن من ثوابه رضا من يعمل له.
قال: وسمعت يحيى يقول: إلهي حجتي حاجتي وعدتي فاقتي، وسيلتي إليك نعمتك علي، وشفيعي إليك إحسانك إلي.
طاهر بن إسماعيل قال: سمعت يحيى بن معاذ يقول: الذي حجب الناس عن التوبة طول الأمل، وعلامة التائب إسبال الدمعة، وحب الخلوة، والمحاسبة للنفس عند كل همة.
عن أبي عمران قال: سمعت يحيى بن معاذ يدعو: اللهم لا تجعلنا ممن يدعو إليك بالأبدان ويهرب منك بالقلوب، يا أكرم الأشياء علينا لا تجعلنا أهون الأشياء عليك.
الحسن بن علويه يقول: سمعت يحيى بن معاذ يقول: عمل كالسراب، وقلب من التقوى خراب، وذنوب بعدد الرمل والتراب، ثم تطمع في الكواعب الأتراب؟ هيهات، أنت سكران بغير شراب، ما أكملك لو بادرت أملك، ما أجلك لو بادرت أجلك، ما أقواك لو خالفت هواك.
محمد بن إسماعيل بن موسى قال: سمعت يحيى بن معاذ الرازي يقول: كيف أمتنع بالذنب من الدعاء ولا أراك تمتنع بذنبي من العطاء؟ أبو بكر بن طاهر قال: كان ليحيى بن معاذ أخ يقال له إسماعيل، وكان أكبر منه، فقال رجل: مع من يريد أن يعيش أخوك يحيى وقد هجر الخلق؟ قال: فذكر ذلك ليحيى فقال له يحيى: ألا قلت له: مع من هجرهم فيه؟ الحسن بن علويه الدامغاني قال: سمعت يحيى بن معاذ يقول: ذنب أفتقر به إليه أحب إلي من طاعة أفتخر بها عليه.
عبد الله بن سهل قال: سمعت يحيى بن معاذ يقول: ليكن حظ المؤمن منك ثلاثاً: إن لم تنفعه فلا تضره، وإن لم تفرحه فلا تغمه، وإن لم تمدحه فلا تذمه.
الحسن بن علويه قال: سمعت يحيى بن معاذ يقول: على قناطر الفتن جاوزوا إلى خزائن المنن.
وسمعته يقول: إلهي كيف أفرح وقد عصيتك؟ وكيف لا أفرح وقد عرفتك؟ وكيف أدعوك وأنا خاطئ؟ وكيف لا أدعوك وأنت كريم؟ جامع بن أحمد قال: سمعت يحيى بن معاذ الرازي يقول: ليكن بيتك الخلوة وطعامك الجوع، وحديثك المناجاة فإما أن تموت بدائك أو تصل إلى دوائك.
مكحول بن الفضل النسفي قال: قال يحيى بن معاذ: مصيبتان لم يسمع الأولون والآخرون بمثلهما: في ماله عند موته.
قيل ما هما؟ قال يؤخذ منه كله ويسأل عنه كله.
عبد الله بن سهل قال: قال يحيى بن معاذ الكيس من عمال الله يلهج بتقويم الفرائض والجاهل يعني بطلب الفضائل وتقويم الأعمال في تصحيح العزائم.
الحسن بن علويه قال: سمعت يحيى بن معاذ الرازي يقول: هلم يا ابن آدم إلى دخول جوار الله تعالى بلا عمل ولا نصب ولا عناء، أنت بين ما مضى من عمرك وما بقي، فالذي مضى تصلحه بالتوبة والندم وليس شيئاً عملته بالأركان فإذا أنت إنما هو أمر نويته وتمتنع فيما بقي من الذنوب وامتناعك إنما هو شيء نويته وليس شيئاً عملته بالأركان فإذا أنت نجوت بغير عمل مع القيام بالفرائض وهذا ليس بعمل وهو أكبر الأعمال لأنه عمل القلب والجزاء لا يكون إلا على عمل القلب.
الحسن بن علويه قال: سمعت يحيى بن معاذ يقول: دواء القلب خمسة أشياء، قراءة القرآن بالتفكر، وخلاء البطن وقيام الليل، والتضرع عند السحر، ومجالسة الصالحين.
وسمعته يقول: إذا كنت لا ترضى عن الله كيف تسأله الرضا عنك؟ الحسن بن علي بن يحيى قال: قال يحيى بن معاذ: لولا أن العفو من أحب الأشياء إليه ما ابتلى بالذنب أكرم الخلق عليه.
عبد الله بن سهل الرازي قال: سمعت يحيى بن معاذ يقول: كم من مستغفر ممقوت وساكت مرحوم.
ثم قال يحيى: هذا أستغفر الله وقلبه فاجر، وهذا سكت وقلبه ذاكر.
أحمد بن عبد الجبال المالكي قال: سمعت يحيى بن معاذ الرازي يقول: حقيقة المحبة أنها لا تزيد بالبر ولا تنقص بالجفاء.
السري بن سهل قال: سمعت يحيى بن معاذ يقول: الناس ثلاثة: رجل شغله معاده عن معاشه، ورجل شغله معاشه عن معاده ورجل مشتغل بهما جميعاً، فالأولى درجة الفائزين، والثانية درجة الهالكين، والثالثة درجة المخاطرين.
الحسن بن علويه قال: سمعت يحيى بن معاذ يقول: ليس بعارف من لم يكن غاية أمله من ربه العفو.
عبد الله بن صالح قال: قال يحيى بن معاذ: الزاهدون غرباء الدنيا والعارفون غرباء الآخرة.
محمد بن الحسين بن المعلى البلخي قال: سمعت يحيى بن معاذ يقول: يا بن آدم طلبت الدنيا طلب من لا بد له منها، وطلبت الآخرة طلب من لا حاجة له إليها، والدنيا قد كفيتها وإن لم تطلبها، والآخرة بالطلب منك تنالها فاعقل شأنك.
عبد الله بن سهل الرازي قال: سمعت يحيى بن معاذ يقول: مفاوز الدنيا تقطع بالأقدام، ومفاوز الآخرة تقطع بالقلوب وسمعته يقول: يا ابن آدم لا يزال دينك متمزقاً ما دام قلبك بحب الدنيا متعلقاً.
وسمعته يقول: وقيل له من أي شيء دوام غمك؟ قال: من شيء واحد قيل: ما هو؟ قال: خلقني ولا أدري لم خلقني.
وسمعته يقول: لا يفلح من شممت منه رائحة الرياسة.
وسمعته يقول: من سعادة المرء أن يكون خصمه فهماً وخصمي لا فهم له.
قيل له: ومن خصمك؟ قال: نفسي تبيع الجنة بما فيها من النعيم المقيم بشهوة ساعة.
وسمعته يقول: للتائب فخر لا يعادله فخر، فرح الله بتوبته.
أبو العباس بن حكمويه الرازي قال: سمعت يحيى بن معاذ الرازي يقول: لا تستبطئ الإجابة إذا دعوت وقد سددت طرقاتها بالذنوب.
وسمعته يقول: إلهي إن كانت ذنوبي عظمت في جنب نهيك فإنها قد صغرت في جنب عفوك.
وسمعته يقول: لو سمع الخلق صوت النياحة على الدنيا في الغيب من ألسنة الفناء لتساقطت القلوب منهم حزناً، ولو رأت العقول بعيون الإيمان نزهة الجنة لذابت النفوس شوقاً، ولو أدركت القلوب كنه المحبة لخالقها لانخلعت مفاصلها ولهاً، ولطارت الأرواح إليه من أبدانها دهشاً، سبحان من أغفل الخليقة عن كنه هذه الأشياء، وألهاهم بالوصف عن حقائق هذه الأنباء.
الحسن بن علي قال: سمعت يحيى بن معاذ يقول: الليل طويل فلا تقصره بمنامك، والنهار نقي فلا تدنسه بآثامك.
عبد الله بن سهل قال: سمعت يحيى بن معاذ يقول: حفت الجنة بالمكاره وأنت تكرهها، وحفت النار بالشهوات وأنت تطلبها، فما أنت إلا كالمريض الشديد الداء، إن صبر نفسه على مضض الدواء اكتسب بالصبر عافية وإن جزعت نفسه مما يلقى طالت به علة الضنا.
عبد الله بن محمد بن وهب قال: سمعت يحيى بن معاذ يقول: ألا إن العاقل المصيب من عمل ثلاثاً: ترك الدنيا قبل أن تتركه، وبنى قبره قبل أن يدخله، وأرضى ربه قبل أن يلقاه.
وسمعته يقول: الدنيا خراب، وأخرب منها قلب من يعمرها، والآخرة دار عمران، وأعمر منها قلب من يطلبها.
وسمعته يقول: أخوك من عرفك العيوب، وصديقك من حذرك من الذنوب.
وسمعته يقول: عجبت ممن يحزن على نقصان ماله كيف لا يحزن على نقصان عمره؟.
وسمعته يقول: على قدر خوفك من الله يهابك الخلق، وعلى قدر حبك لله يحبك الخلق، وعلى قدر شغلك بالله يشتغل الخلق بأمرك.
محمد بن محمود السمرقندي قال: سمعت يحيى بن معاذ يقول: إن قال لي يوم القيامة: عبدي، ما غرك بي؟ قلت: إلهي برك بي.
وسمعته يقول، وسئل: أرنا عارفاًن قال: وأين أنتم فأريكم؟ عجباً لقوم عموا عن العرفاء يطلبون الخلفاء.
وسمعته يقول: استسلم القوم عندما فهموا.
وسمعته يقول: من قوة اليقين ترك ما يرى لما لا يرى.
وسمعته يقول: أيها المريدون إن اضطررتم إلى طلب الدنيا فاطلبوها ولا تحبوها، وأشغلوا بها أبدانكم وعلقوا بغيرها قلوبكم، فإنها دار ممر وليست بدار مقر، الزاد منها والمقيل في غيرها.
وسمعته يقول: رضي الله عن قوم فغفر لهم السيئات، وغضب على قوم فلم يقبل منهم الحسنات.
وسمعته يقول: يا ابن آدم، ما لك تأسف على مفقود لا يرده عليك الفوت؟ وما لك تفرح بموجود لا يتركه في يديك الموت؟ وسمعته يقول: التوحيد في كلمة واحدة، ما تصور في الأوهام فهو بخلافه.
وسمعته يقول: طاعة لا حاجة بي إليها لا تمنعني مغفرة لا غناء بي عنها.
وسمعته يقول: هو ألقاهم في الذنب يوم سمى نفسه العفو الغفور.
وسمعته يقول: ذنب أفتقر به إليه أحب إلي من عمل أدل به عليه.
وسمعته يقول: إلهي كيف لا أرجوك تغفر لي ذنباً رجاؤك ألقاني فيه؟ وسمعته يقول: إن الحكيم يشبع من ثمار فيه.
وسمعته يقول: كيف أحب نفسي وقد عصتك؟ وكيف لا أحبها وقد عرفتك؟ وسمعته يقول: إن وضع علينا عدله لم تبق لنا حسنة، وإن أتى فضله لم تبق لنا سيئة.
وسمعته يقول: إن غفرت فخير راحم، وإن عذبت فغير ظالم.
وسمعته يقول: إلهي ضيعت بالذنب نفسي، فارددها بالعفو علي.
وسمعته يقول: إلهي ارحمني لقدرتك علي أو لحاجتي إليك.
وسمعته يقول: مسكين من علمه حجيجه ولسانه، وفهمه القاطع لعذره.
وسمعته يقول: ذنوب مزدحمة على عاقبة مبهمة.
ثم قال: إلهي سلامة إن لم تكن كرامة.
وسمعته يقول: وسئل ما العبادة؟ فقال: حرفة حانوتها الخلوة وربحها الجنة.
وسمعته يقول: ما من رباني في الطريق ينعمه، وأشار لي في الورود إلى كرمه معرفتي بك دليلي عليك، وحبي لك شفيعي إليك.
وسمعته يقولك ما من أعطانا خير ما في خزائنه الإيمان به قبل السؤال، لا تمنعنا عفوك مع السؤال.
وسمعته يقول: إلهي إن إبليس لك عدو وهو لنا عدو، وإنك لا تغيظه بشيء هو أنكأ له من عفوك، فاعف عنا يا أرحم الراحمين.
وسمعته يقول: يا من يغضب على من لا يسأله، لا تمنع من قد سألك.
وسمعته يقول: لا تقع للمؤمن سيئة إلا وهو خائف أن يؤخذ بها، والخوف حسنة فيرجو أن يعفى عنها والرجاء حسنة.
وسمعته يقولك إلهي لا تنس لي دلالتي عليك وإشارتي بالربوبية إليك، رفعت إليك يداً بالذنوب مغلولة، وعيناً بالرجاء مكحولة، فاقبلني لأنك ملك لطيف، وارحمني لأني عبد ضعيف.
وسمعته يقول: هذا سروري بك خائفاً، فكيف سروري بك آمناً؟ هذا سروري بك في المجالس فكيف سروري بك في تلك المجالس، هذا سروري بك في دار الفناء فكيف يكون سروري بك في دار البقاء؟عبد الله بن سهل قال: سمعت يحيى بن معاذ يقول: من أحب زينة الدنيا والآخرة فلينظر في العلم ومن أحب أن يعرف الزهد فلينظر في الحكمة، ومن أحب أن يعرف مكارم الأخلاق فلينظر في فنون الآداب، ومن أحب أن يستوثق من أسباب المعاش فليستكثر من الإخوان، ومن أحب أن لا يؤذي فلا يؤذين، ومن أحب رفعة الدنيا والآخرة فعليه بالتقوى.
وسمعته يقول: من خان الله عز وجل في السر هتك سره في العلانية.
أبو محمد الإسكاف قال: سمعت يحيى بن معاذ يقول: لست آمركم بترك الدنيا، آمركم بترك الذنوب ترك الدنيا فضيلة وترك الذنوب فريضة، وأنتم إلى إقامة الفريضة أحوج منكم إلى الحسنات والفضائل.
الحسن بن علويه يقول: سمعت يحبى بن معاذ يقول: لا تكن ممن يفضحه يوم موته ميراثه، ويوم حشره ميزانه.
الحسن بن علويه قال: سمعت يحيى بن معاذ يقول: الدنيا خمر الشيطان، من سكر منها لا يفيق إلا في عسكر الموتى نادماً بين الخاسرين.
محمد بن محمود السمرقندي قال: سمعت يحيى بن معاذ يقول، وقال له بعض الملحدين: أخبرني عن الله ما هو؟ قال: إله واحد.
قال كيف هو؟ قال: ملك قادر.
قال: أين هو؟ قال: بالمرصاد.
قال ليس عن هذا سألتك.
قال يحيى: فذاك إذاً صفة المخلوقين، وأما صفة الخالق فما أخبرتك به.
سمع يحيى بن معاذ من إسحاق بن إبراهيم الرازي ومكي بن إبراهيم البلخي وعلي بن محمد الطنافسي، وتوفي بنيسابور سنة ثمان وخمسين ومائتين والسلام.