فهرس الكتاب

أبو يزيد البسطامي

ذكر المصطفين من أهل بسطام 679 أبو يزيد البسطامي واسمه طيفور بن عيسى بن سروشان وكان سروشان مجوسياً فأسلم وكان لعيسى ثلاثة أولاد: أبو يزيد وهو أوسطهم، وآدم، وهو أكبرهم، وعلي وهو أصغرهم، وكانوا كلهم عباداً زهاداً.
إبراهيم الهروي قال: سمعت أبا يزيد البسطامي يقول: غلطت في ابتدائي في أربعة أشياء: توهمت أني أذكره، وأعرفه، وأحبه، وأطلبه.
فلما انتهيت رأيت ذكره سبق ذكري، ومعرفته تقدمت معرفتي، وطلبه لي أولاً حتى طلبته.
قال منصور وسمعت أبا عمران موسى بن عيسى يقول: سمعت أبي يقول: قال أبو يزيد عملت في المجاهدة ثلاثين سنة فما وجدت شيئاً أشد علي من العلم ومتابعته، ولولا اختلاف العلماء لتعبت، واختلاف العلماء رحمة إلا في تجريد التوحيد.
وقال أبو يزيد: لا يعرف نفسه من صحبته شهوته.
إبراهيم الهروي قال: سمعت أبا يزيد البسطامي، وسئل ما علامة العارف؟ قال: أن لا يفتر من ذكره، ولا يمل من حقه، ولا يستأنس بغيره.
وقال: إن الله أمر العباد ونهاهم فأطاعوا فخلع من خلعه فاشتغلوا بالخلع عنه، وإني لا أريد من الله إلا الله.
وقال منصور: وسمعت موسى بن عيسى يقول: سمعت عمي يقول: سمعت أبا يزيد يقول: لو صفت لي تهليلة ما بليت بعدها بشيء.
إبراهيم الهروي قال: سمعت أبا يزيد يقول: هذا فلاحي بك وأنا أخافك فكيف فرحي بك إذ أمنتك؟.
وسئل بما نالوا المعرفة؟ قال: بتضييع مالهم والوقوف مع ما له.
وقال: اطلع الله على قلوب أوليائه، فمنهم من لم يكن يصلح لحمل المعرفة صرفاً، فأشغلهم بالعبادة.
العباس بن حمزة قال: صليت خلف أبي يزيد البسطامي الظهر، فلما أراد أن يرفع يديه ليكبر لم يقدر إجلالاً لاسم الله، وارتعدت فرائصه حتى كنت أسمع تقعقع عظامه، فهالني ذلك.
عن أبي موسى عن أبي يزيد البسطامي قال: ليس العجب من حبي لك وأنا عبد فقير؛ بل إنما العجب من حبك لي وأنت ملك قدير.
قال: وقال أبو يزيد: لم أزل ثلاثين سنة كلما أردت أن أذكر الله أتمضمض وأغسل لساني إجلالاً لله أن أذكره.
قال: وقال أبو يزيد: إن في الطاعات من الآفات ما لا يحتاجون إلى أن يطلبوا في المعاصي.
قال: وقال أبو يزيد: ما دام العبد يظن أن في الخلق من هو شر منه فهو متكبر.
قال: وقال أبو يزيد أشد المحجوبين عن الله ثلاثة بثلاثة، أولهم: الزاهد بزهده، والثاني: العابد بعبادته، والثالث: العالم بعلمه.
ثم قال: مسكين الزاهد، لو علم أن الله عز وجل سمى الدنيا كلها قليلاً فكم ملك من الدنيا؟ وفي كم زهد مما ملك؟ وأما العابد فلو رأى منه الله عليه في العبادة عرف عبادته في المنة، وأما العالم فلو علم أن جميع ما أبدى الله عز وجل من العلم سطر واحد من اللوح المحفوظ فكم علم هذا العالم من ذلك السطر؟ وكم عمل مما علم؟.
قال: سمعت أبا يزيد يقول: ما ذكروه إلا بالغفلة ولا خدموه إلا بالفترة.
وقال: أكثر الناس إشارة إليه أبعدهم منه.
وسأله رجل: من أصحب؟ فقال: من لا تحتاج أن تكتمه شيئاً مما علمه الله منك.
قال عبيد بن عبد القاهر: قال أبو يزيد، غبت عن الله عز وجل ثلاثين سنة وكانت غيبتي عنه ذكري إياه، فلما خنست عنه وجدته في كل حال: فقال له رجل: ما لك لا تسافر؟ قال: لأن صاحبي لا يسافر، وأنا معه مقيم.
فقال السائل: إن الماء القائم قد كره الوضوء منه.
فقال أبو يزيد: لم يروا بماء البحر بأساً، هو الطهور ماؤه الحل ميتته.
ثم قال: قد ترى الأنهارتجري لها دوي وخرير حتى إذا دنت من البحر وامتزجت به سكن خريرها وحدتها ولم يحس بها ماء البحر، ولا ظهرت فيه زيادة، ولا إن خرجت منه استبان فيه.
قاسم الحداد قال: خرج أبو يزيد البسطامي في بعض سياحته فوقف على دجلة فالتقى به الشيطان فحول وجهه ثم قال: وعزتك إنك تعلم أني ما عبدتك قط لهذا، فلا تحجبني به عنك.
عبد الصمت بن محمد عن أبي يزيد أنه صعد ليلة سور بسطام فلم يزل يدور على السور إلى وقت طلوع الفجر، يريد أن يقول لا إله إلا الله فيغلبه ما يريد عليه من هيبة الاسم فلا يستطيع أن يطلق بها لسانه، فلما كان وقت طلوع الفجر نزل فبال الدم.
الحسن بن علويه قال: قال أبو يزيد: قعدت ليلة في محرابي فمددت رجلي فهتف بي هافت من يجالس الملوك فينبغي أن يجالسهم بحسن الأدب.
الحسن بن علي قال: قال أبو يزيد: أبعد الخلق من الله أكثرهم إشارة إليه.
عبيد قال: قال أبو يزيد طلقت الدنيا ثلاثاً بتاتاً لا رجعة لي فيها، وصرت إلى ربي وحدي فناديته بالاستغاثة: إلهي أدعوك دعاء من لم يبق له غيرك.
فلما عرف صدق العداء من قلبي، اليأس من نفسي، كان أول ما ورد علي من إجابة هذا الدعاء أن أنساني نفسي بالكلية ونصب الخلائق بين يدي مع إعراضي عنهم.
أبو الحسن المروزي قال: سمعت امرأة أبي يزيد تقول: سمعت أبا يزيد يقول: دعوت نفسي إلى الله فأبت علي واستعصت، فتركتها ومضيت إلى الله عز وجل.
أبو موسى الديبلي قال: سمعت أبا يزيد يقول: الناس كلهم يهربون من الحساب ويتجافون عنه، وأنا أسأل الله تعالى أن يحاسبني فقيل له: لم؟ قال: لعله أن يقول لي فيما بين ذلك: يا عبدي، فأقول: لبيك.
فقوله لي: عبدي أعجب إلي من الدنيا وما فيها.
ثم بعد ذلك يفعل بي ما شاء.
علي بن المثنى قال: سمعت عمي يقول: سمعت أبي يقول: سمعت أبا يزيد يقول: رأيت رب العزة تبارك وتعالى في المنام، فقلت: يا بار خدا، كيف الطريق إليك؟ قال: اترك نفسك ثم تعال.
أبو موسى الديبلي قال: سمعت رجلاً يسأل أبا يزيد فقال: دلني على عمل أتقرب به إلىربي عز وجل، فقال: أحبب أولياء الله تعالى ليحبوك فإن الله تعالى ينظر إلى قلوب أوليائه فلعله أن ينظر إلى اسمك في قلب وليه فيغفر لك.
عيسى بن آدم ابن أخي أبي يزيد قال: كان أبو يزيد يعظ نفسه فيصيح عليها فيقول: يا مأوى كل سوء، المرأة إذا حاضت طهرت بثلاثة أيام أو أكثره بعشرة، أنت يا نفس قاعدة منذ عشرين وثلاثين سنة بعد ما طهرت فمتى تطهرين؟ إن وقوفك بين يدي طاهر ينبغي أن يكون طاهراً.
أبو موسى الديبلي قال: سمعت أبا يزيد يقول: عرج قلبي إلى السماء فطاف ودار ورجع، فقلت: بأي شيء جئت معك؟ قال: المحبة والرضا.
عن أبي موسى الديبلي، عن أبي يزيد قال: نظرت فإذا الناس في الدنيا متلذذون بالنكاح والطعام والشراب، وفي الآخرة بالمنكوح والملذوذ، فجعلت لذتي في الدنيا ذكر الله عز ول وفي الآخرة النظر إلى الله عز وجل.
أبو موسى الديبلي قال: قلت لأبي يزيد: من أصحب؟ قال: من إذا مرضت عادك، وإذا أذنبت تاب عليك ومن يعلم منك ما يعلمه الله منك.
جعفر بن علي الترمذي أن أحمد بن خضرويه قال: رأيت رب العزة في منامي فقال لي: يا أحمد، كل الناس يطلبون مني غلا أبا يزيد فإنه يطلبني.
ذكر أبو نعيم الأصبهاني أنه لا يعرف لأبي يزيد حديث مسند أصلاً إلا حديث واحد رواه أبو الفتح الحمصي بإسناد له عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن من ضعف اليقين أن ترضي الناس بسخط الله" 1.
قال أبو نعيم: وهو مركب على أبي يزيد، وليس من حديثه، والحمل فيه على الحمصي فقد عثر منه على غير حديث ركبه.
قلت وهذا الحديث الذي أشار إليه أبو نعيم هو الذي ذكره له أبو عبد الرحمن السلمي، ووجدت أنا لأبي يزيد ثلاثة أحاديث أخر مسندة، منها حديثان لا يثبتان فلم أذكرهما، والثالث قريب الحال فاقتصرت عليه.
قال أبو موسى الديبلي، ابن أخت أبي يزيد البسطامي، أنبأ أبو يزيد البسطامي، يعني طيفور بن عيسى، قال: أنبأ محمد بن منصور الطوسي، قال: أخبرنا سفيان ابن عيينة عن محمد بن سوقة، عن نافع بن جبير، عم أم سلمة قالت: ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الجيش الذي يخسف بهم، فقالت أم سلمة: لعل فيهم المكره.
قال: إنهم يبعثون على نياتهم.
توفي أبو يزيد سنة إحدى وستين ومائتين، وله ثلاث وسبعون سنة.