فهرس الكتاب

عبد الله بن المبارك

ذكر المصطفين من أهل مرو 695 عبد الله بن المبارك يكنى أبا عبد الرحمن كان أبوه تركياً عند رجل من التجار من بني حنظلة، وكانت أمه تركية خوارزمية.
ولد سنة ثماني عشرة ومائة، وقيل تسع عشرة.
الحسن قال: كانت أم ابن المبارك تركية، وكان الشبه لهم بيناً فيه، وكان ربما خلع قميصه فلا أرى على صدره وجسده كثير شعر.
وأخبرني غير واحد من أهله أنه ما دخل الحمام قط.
قال: وكانت دار ابن المبارك بمرو كبيرة صحن الدار نحو خمسين ذراعاً في خمسين ذراعاً، فكنت لا تحب أن ترى في داره صاحب علم أو صاحب عبادة أو رجلاً له مروءة وقدر بمرو إلا رأيته في داره، يجتمعون في كل يوم خلقاً يتذاكرون حتى إذا خرج ابن المبارك انضموا إليه.
فلما صار ابن المبارك بالكوفة نزل في دار صغيرة وكان يخرج إلى الصلاة ثم يرجع إلى منزله لا يكاد يخرج منه ولا يأتيه كثير أحد، فقلت له: يا أبا عبد الرحمن ألا تستوحش ها هنا مع الذي كنت فيه بمرو؟ فقال: إنما فررت من مرو من الذي تراك تحبه، وأحببت ما ها هنا للذي أراك تكرهه لي، فكنت بمرو لا يكون أمر إلا أتوني فيه ولا مسألة إلا قالوا: اسألوا ابن المبارك، وأنا ها هنا في عافية من ذلك.
قال: وكنت مع ابن المبارك يوماً فأتينا على سقاية والناس يشربون منها، فدنا منها ليشرب ولم يعرفه الناس فزحموه ودفعوه فلما خرج قال لي: ما العيش إلا هكذا.
يعني حيث لم نعرف ولم نوقر.
قال: وبينا هو بالكوفة يقرأ عليه كتاب المناسك، انتهى إلى حديث وفيه: قال عبد الله وبه نأخذ.
فقال: من كتب هذا من قولي؟ قلت: الكاتب الذي كتبه.
فلم يزل يحكه بيده حتى درس.
ثم قال: ومن أنا حتى يكتب قولي؟ قال الحسن وكنا على باب سفيان بن عيينة يوماً وأصحاب الحديث وهم يرون أن عنده بعض هؤلاء الكبار يحدثه.
فقال رجل: أعياني أن أرى رجلاً يسوي بين الناس في علمه.
فقال له آخر: هذا عبد الله بن المبارك.
قال: نعم هات غيره، أتعرف غيره؟ فلما قدمت الكوفة ذكرت لابن المبارك قول الرجل وأنه فلان ولم أعلمه أنهم سموه.
فقال أفلا قالوا الفضيل ابن عياض؟ قال الحسن: ورأيت في منزل ابن المبارك حماماً طيارة.
فقال ابن المبارك: قد كنا ننتفع بفراخ هذه الحمام فليس ننتفع بها اليوم قلت: ولم ذلك؟ قال: اختلطت بها حمام غيرها فتزاوجت بها فنحن نكره أن ننتفع بشيء من فراخها من أجل ذلك.
قال الحسن: وصحبت ابن المبارك من خراسان إلى بغداد فما رأيته أكل وحده.
قال: وزوج النضر بن محمد ولده دعي بن المبارك.
فلما جاء قام ابن المبارك ليخدم الناس فأبى النضر أن يدعه وحلف عليه حتى جلس.
عبيد بن جناد قال: قال عطاء بن مسلم: يا عبيد رأيت عبد الله بن المبارك؟ قلت: نعم قال: ما رأيت مثله ولا يرى مثله.
عبد الرحمن بن مهدي قال: ما رأت عيناي مثل سفيان ولا أقدم على عبد الله بن المبارك أحداً.
عبد الرحمن بن عبيد الله قال: كنا عند الفضيل فنعي إليه ابن المبارك فقال: رحمه الله أما أنه ما خلف بعده مثله.
عبد الرحمن بن مهدي قال: ما رأت عيناي أنصح لهذه الأمة من عبد الله بن المبارك.
نعيم بن حماد قال: كان عبد الله بن المبارك يكثر الجلوس في بيته فقيل له: ألا تستوحش؟ فقال: كيف أستوحش وأنا مع النبي صلى الله عليه وسلم؟ شقيق بن إبراهيم قال: قيل لابن المبارك: إذا صليت معنا لم تجلس معنا؟ قال: أذهب أجلس مع الصحابة والتابعين.
قلنا له: ومن أين الصحابة والتابعون؟ قال: أذهب أنظر في علمي فأدرك آثارهم وأعمالهم، ما أصنع معكم؟ أنتم تغتابون الناس، فإذا كانت سنة مائتين فالبعد من كثير من الناس أقرب إلى الله، وفر من الناس كفرارك من أسد، وتمسك بدينك يسلم لك.
الحسين بن الحسن المروزي قال: قال عبد الله بن المبارك: كن محباً للخمول كراهيةالشهرة ولا تظهر من نفسك أنك تحب الخمول فترفع نفسك فإن دعواك الزهد من نفسك هو خروجك من الزهد لأنك تجر إلى نفسك الثناء والمدحة.
أشعث بن شعبة المصيصي قال: قدم هارون الرشيد الرقة فانجفل الناس خلف عبد الله بن المبارك وتقطعت النعال وارتفعت الغبرة وأشرفت أم ولد أمير المؤمنين من برج من قصر الخشب فلما رأيت الناس قالت: ما هذا؟ قالوا: عالم من أهل خراسان قدم الرقة يقال له عبد الله بن المبارك.
فقالت: هذا والله الملك لا ملك هارون الذي لا يجمع الناس إلا بشرط وأعوان.
سويد بن سعيد قال: رأيت عبد الله بن المبارك بمكة أتى زمزم فاستقى منها ثم استقبل الكعبة فقال: اللهم إن ابن أبي الموالي حدثنا عن محمد بن المنكدر عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ماء زمزم لما شرب له" 1 وهذا أشربه لعطش القيامة، ثم شربه.
نعيم بن حماد قال: كان ابن المبارك إذا قرأ كتاب الرقاق فكأنه بقرة منحورة، من البكاء، لا يجترئ أحد منا أن يدنو منه أو يسأله عن شيء.
قال سفيان: إني لأشتهي من عمري كله أن أكون سنة واحدة مثل عبد الله بن المبارك فما أقدر أن أكون ولا ثلاثة أيام.
عمران بن موسى الطرسوسي قال: جاء رجل فسأل سفيان الثوري عن مسألة، فقال له من أين أنت؟ قال: من أهل المشرق.
قال: أوليس عندكم أعلم أهل المشرق؟ قال: ومن هو يا أبا عبد الله؟ قال: عبد الله بن المبارك.
قال: وهو أعلم أهل المشرق؟ قال: نعم وأهل المغرب.
قال ابن عيينة: نظرت في أمر الصحابة وأمر ابن المبارك فما رأيت لهم عليه فضلاً إلا بصحبتهم النبي صلى الله عليه وسلم وغزوهم معه.
حبان بن موسى قال: عوتب ابن المبارك فيما يقري من المال في البلدان ولا يفعل في أهل بلده كذلك، فقال: إني أعرف مكان قوم لهم فضل وصدق طلبوا الحديث وأحسنوا الطلب، فاحتاجوا، فإن تركناهم ضاع علمهم وإن أعناهم بثوا العلم لأمة محمد صلى الله عليه وسلم، ولا أعلم بعد النبوة أفضل من بث العلم.
عبد الله بن ضريس قال: قيل لعبد الله بن المبارك: يا أبا عبد الرحمن إلى متى تكتب هذا الحديث؟ فقال: لعل الكلمة التي أنتفع بها ما كتبتها بعد.
الحسين بن الحسن المروزي قال: سمعت ابن المبارك يقول: أهل الدنيا خرجوا من الدنيا قبل أن يتطعموا أطيب ما فيها.
قيل له: وما أطيب ما فيها؟ قال: المعرفة بالله عز وجل.
قطن بن سعيد قال: ما أفطر ابن المبارك ولا رئي نائماً قط.
علي بن الحسن بن شقيق قال: سمعت ابن المبارك يقول: لأن أرد درهماً من شبهة أحب إلي من أن أتصدق بمائة ألف ومائة ألف، حتى بلغ ستمائة ألف.
عبد الله بن خبيق قال: قيل لابن المبارك: ما التواضع؟ قال: التكبر على الأغنياء.
عياش بن عبد الله قال: قال عبد الله بن المبارك: لو أن رجلاً أبقى مائة شيء ولم يبق شيئاً واحداً لم يكن من المتقين.
ولو تورع عن مائة شيء ولم يتورع عن شيء واحد لم يكن ورعاً ومن كان فيه خلة من الجهل كان من الجاهلين.
أما سمعت الله تعالى قال لنوح عليه السلام لما قال: {إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي} هود: 45 فقال الله تعالى: {إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ} هود؟.
علي بن الحسن قال: سمعت عبد الله بن المبارك يقول: لا يقع الكسب على العيال شيء، ولا الجهاد في سبيل الله عز وجل.
عبد الله بن عمر السرخسي قال: قال لي ابن المبارك: ما أعياني شيء كما أعياني أني لا أجد أخاً في الله عز وجل.
سليمان بن داود قال: سألت ابن المبارك من الناس؟ قال: العلماء، قلت: فمن الملوك؟ قال: الزهاد.
قلت: فمن الغوغاء؟ قال: خزيمة وأصحابه.
قلت: فمن السفلة؟ قال: الذين يعيشون بدينهم.
فضيل بن عياض قال: سئل ابن المبارك: من الناس؟ قال: العلماء.
قال: فمن الملوك؟ قال: الزهاد.
قال: فمن السفلة: قال: الذي يأكل بدينه.
أحمد بن جميل المروزي قال: قيل لعبد الله بن المبارك: إن إسماعيل بن علية قد ولي الصدقات.
فكتب إليه ابن المبارك: يا جاعل العلم له بازيا ... يصطاد أموال المساكين احتلت للدنيا ولذاتها ... بحيلة تذهب بالدين فصرت مجنونا بها بعد ما ... كنت دواء للمجانين فصرت رواياتك في سردها ... عن ابن عون وابن سيرين؟ أين رواياتك والقول في ... لزوم أبواب السلاطين؟ إن قلت أكرهت فماذا كذا ... زل حمار العلم في الطين فلما قرأ الكتاب بكى واستعفى.
محمد بن علي بن الحسن بن شقيق قال: سمعت أبي يقول: كان ابن المبارك إذا كان وقت الحج اجتمع إليه إخوانه من أهل مرو فيقولون: نصحبك يا أبا عبد الرحمن فيقول لهم: هاتوا نفقاتكم.
فيأخذ نفقاتهم فيجعلها في صندوق ويقفل عليها ثم يكتري لهم ويخرجهم من مرو إلى بغداد، فلا يزال ينفق عليهم ويطعمهم أطيب الطعام وأطيب الحلواء.
ثم يخرجهم من بغداد بأحسن زي وأكمل مروءة، حتى يصلوا إلى مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم، فإذا صاروا إلى المدينة قال لكل رجل منهم: ما أمرك عيالك أن تشتري لهم من المدينة، من طرفها؟ فيقول: كذا.
ثم يخرجهم إلى مكة فإذا وصلوا إلى مكة فقضوا حوائجهم قال لكل رجل منهم: ما أمرك عيالك أن تشتري لهم من متاع مكة؟ فيقول: كذا وكذا.
فيشتري لهم ويخرجهم من مكة.
فلا يزال ينفق عليهم حتى يصيروا إلى مكة فإذا وصلوا إلى مرو جصص أبوابهم ودورهم.
فإذا كان بعد ثلاثة أيام صنع لهم وليمة وكساهم فإذا أكلوا وشربوا دعا بالصندوق ففتحه ودفع إلى كل رجل منهم صرته بعد أن كتب عليها اسمه.
قال أبي: أخبرني خادمه أنه عمل آخر سفرة سافرها دعوة فقدم إلى الناس خمسة وعشرين خواناً فالوذجاً.
قال: وبلغنا أنه قال للفضيل بن عياض: لولاك وأصحابك ما اتجرت.
قال أبي: وكان ينفق على الفقراء في كل سنة مائة ألف درهم.
محمد بن عيسى قال: كان عبد الله بن المبارك كثير الاختلاف إلى طرسوس، وكان ينزلالرقة في خان، فكان شاب يختلف إليه ويقوم بحوائجه ويسمع منه الحديث.
قال: فقدم عبد الله الرقة مرة فلم ير ذلك الشاب وكان مستعجلاً، فخرج في النفير فلما قفل من غزوته ورجع إلى الرقة سأل عن الشاب فقالوا: إنه محبوس لدين ركبه.
فقال عبد الله: وكم مبلغ دينه؟ قالوا عشرة آلاف درهم فلم يزل يستقصي حتى دل على صاحب المال فدعا به ليلاً ووزن له عشرة آلاف درهم وحلفه أن لا يخبر أحداً ما دام عبد الله حياً.
وقال: إذا أصبحت فأخرج الرجل من الحبس.
وأدلج عبد الله وأخرج الفتى من الحبس، وقيل له: عبد الله بن المبارك كان ها هنا وكان يذكرك، وقد خرج.
فخرج الفتى في أثره فلحقه على مرحلتين أو ثلاث من الرقة، فقال: يا فتى أين كنت؟ لم أرك في الخان؟ قال: نعم يا أبا عبد الرحمن كنت محبوساً بدين.
قال: وكيف كان سبب خلاصك؟ قال: جاء رجل وقضى ديني ولم أعلم به حتى أخرجت من الحبس.
فقال له عبد الله: يا فتى احمد الله على ما وفق لك من قضاء دينك.
فلم يخبر ذلك الرجل أحداً إلا بعد موت عبد الله.
سلمة بن سليمان قال: جاء رجل إلى عبد الله بن المبارك فسأله أن يقضي ديناً عليه، فكتب إلى وكيل له، فلما ورد عليه الكتاب قال له الوكيل: كم الدين الذي سألت فيه عبد الله أن يقضيه عنك؟ قال: سبعمائة درهم، فكتب إلى عبد الله: إن هذا الرجل سألك أن تقضي سبعمائة درهم فكتبت له بسبعة آلاف، وقد فنيت الغلات.
فكتب إليه عبد الله: إن كانت الغلات قد فنيت فإن العمر أيضاً قد فني فأجر له ما سبق به قلمي.
وقد رويت لنا هذه الحكاية أبسط من هذا.
فأخبرنا المحمدان ابن ناصر وابن عبد الباقي قالا: أنبأ أحمد قال أنبأ أحمد بن عبد الله قال نبأ أبي قال: نبأ محمد بن أحمد بن إبراهيم قال: نبأ علي بن محمد بن روح قال: سمعت المسيب بن واضح يقول: كنت عند عبد الله بن المبارك جالساً إذ كلموه في رجل يقضي عنه سبعمائة درهم ديناً.
فكتب إلى وكيله: إذا جاءك كتابي هاذ وقرأته فادفع إلى صاحب هذا الكتاب سبعة آلاف درهم.
فلما ورد الكتاب على الوكيل وقرأه التفت إلى الرجل فقال: أي شيء قضيتك؟ فقال: كلموه أن يقضي عني سبعمائة درهم ديناً.
فقال: قد أصبت في الكتاب غلطاً، ولكن اقعد موضعك حتى أجري عليك من مالي وأبعث إلى صاحبي فأوامره فيك.
فكتب إلى عبد الله بن المبارك: أتاني كتابك وقرأته وفهمت ما ذكرت فيه؛ وسألت صاحب الكتاب فذكر أنه كلمه في سبع مائة درهم وها هنا سبعة آلاف.
فإن يكن منك غلط فاكتب إلي حتى أعمل على حسب ذلك.
فكتب إليه: إذا أتاك كتابي هذا وقرأته وفهمت ما ذكرت فيه فادفع إلى صاحب الكتاب أربعة عشر ألفاً.
فكتب إليه: إن كان علي هذا الفعال تفعل فما أسرع ما تبيع الضيعة، فكتب إليه عبد الله بن المبارك: إن كنت وكيلي فأنفذ ما آمرك به، وإن كنت أنا وكيلك فتعال إلى موضعي حتى أصير إلى موضعك فأنفذ ما تأمرني به.
ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من فاجأ من أخيه المسلم فرحة غفر الله له" فأحببت أن أفاجئه فرحة على فرحة.
معاذ بن خالد قال: تعرفت إلى إسماعيل بن عياش بعبد الله بن المبارك فقال إسماعل بن عياش: ما على وجه الأرض مثل عبد الله بن المبارك، ولا أعلم أن الله خلق خصلة من خصال الخير إلا وجعلها في عبد الله بن المبارك، ولقد حدثني أصحابي أنهم صحبوه من مصر إلى مكة فكان يطعمهم الخبيص، وهو الدهر صائم.
عبد الله بن حبيق قال: قال رجل لابن المبارك: أوصني، فقال: اعرف قدرك.
سعيد بن يعقوب الطالقاني قال: قال رجل لابن المبارك: هل بقي من ينصح؟ قال فقال: وهل تعرف من يقبل؟ عبدة بن سليمان قال: كنا في سرية مع عبد الله بن المبارك في بلاد الروم فصادفنا العدو فلما التقى الصفان خرج رجل من العدو فدعا إلى البراز، فخرج إليه رجل فطارده ساعة فطعنه فقتله، ثم آخر فقتله؛ ثم دعا إلى البراز فخرج إليه رجل فطارده ساعة فطعنه فقتله؛ فازدحم عليه الناس وكنت فيمن ازدحم عليه فإذا هو ملثم وجهه بكمه فأخذت بطرف كمه فمددته فإذا هو عبد الله بن المبارك فقال: وأنت يا أبا عمرو ممن يشنع علينا.
أبو وهب قال: مر ابن المبارك برجل أعمى فقال: أسألك أن تدعو الله أن يرد بصري.
قال: فدعا الله فرد عليه بصره وأنا أنظر.
الحسن بن عرفة قال: قال لي ابن المبارك: استعرت قلماً بأرض الشام فذهب على أن أرده إلى صاحبه فلما قدمت مرو نظرت فإذا هو معي، فرجعت يا أبا علي إلى أرض الشام حتى رددته على صاحبه.
شريح بن مسلمة قال: سمعت عبد الله بن المبارك يقول: كاد الأدب أن يكون ثلثي الدين.
أبو بكر بن عبد الله بن حسن قال: قال ابن المبارك: طلبنا العلم للدنيا فدلنا على ترك الدنيا.
أحمد بن الزبرقان قال: سمعت عبد الله بن المبارك يقول: إن الصالحين فيما مضى كانت أنفسهم تواتيهم على الخير عفواً وإن أنفسنا لا تكاد تواتينا إلا على كره فينبغي لنا أن نكرهها.
عن القاسم بن محمد قال: كنا نسافر مع ابن المبارك فكثيراً ما كان يخطر ببالي فأقول في نفسي: بأي شيء فضل هذا الرجل علينا حتى اشتهر في الناس هذه الشهرة؟ إن كان يصلي إنا نصلي، ولئن يصوم إنا لنصوم، وإن كان يغزو فإنا لنغزو، وإن كان يحج إنا لنحج.
قال: فكنا في بعض مسيرتنا في طريق الشام ليلة نتعشى في بيت إذ طفئ السراج فقام بعضنا فأخذ السراج وخرج يستصبح فمكث هينهة ثم جاء بالسراج فنظرت إلى وجه ابن المبارك ولحيته قد ابتلت من الدموع، فقلت في نفسي: بهذه الخشية فضل هذا الرجل علينا، ولعله حين فقد السراج فصار إلى الظلمة ذكر القيامة.
قال المروزي: وسمعت أبا عبد الله بن حنبل قال: ما رفع الله ابن المبارك إلا بخبيئة كانت له.
قال المروزي: وأخبرت عن داود بن رشيد قال: كان ابن المبارك عند أبي الأحوص فجاء رسول فلان الهاشمي بعض الولاة فقال: يقرئك السلام ويقول: يا أبا الأحوص هذا شهر رمضان وقد وسعنا على عيالنا وهذه ألف درهم توسع بها عليهم في هذا الشهر.
قال أبو الأحوص: فعل الله به وفعل به.
وقال: قل له يدعها عنده حتى إذا احتجنا إليها بعثنا فأخذناها.
قال: وانسل ابن المبارك إلى منزله فجاء بألف فقال: يا أبا الأحوص هذه الألف تنفقها فإني لا آمن أن يكون قد بلغ أهلك فيخاصمونك، وهذه من وجه أرجو أن تكون أطيب فقبلها.
الحسن بن الربيع قال: سمعت ابن المبارك حين حضرته الوفاة وأقبل نصير يقول له: يا أبا عبد الرحمن، قل لا إله إلا الله.
فقال له: يا نصير قد ترى شدة الكلام علي فإذا سمعتني قلتها فلا تردها علي حتى تسمعني قد أحدثت بعدها كلاماً، فإنما كانوا يستحبون أن يكون آخر كلام العبد ذلك.
أدرك ابن المبارك جماعة من التابعين منهم: هشام بن عروة، وإسماعيل بن أبي خالد،والأعمش، وسليمان التيمي، وحميد الطويل، وعبد الله بن عون، وخالد الحذاء، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وموسى بن عقبة، في آخرين.
وروى عن كبار الأئمة.
كالثوري وشعبة والأوزاعي والحمادين في نظرائهم، وكان أحد أئمة المسلمين.
وتوفي بهيت منصرفاً من الغزو لثلاث عشة خلت من رمضان سنة إحدى وثمانين ومائة، وهو ابن ثلاث وستين سنة.
محمد بن فضيل بن عياض قال: رأيت عبد الله بن المبارك في المنام فقلت: أي الأعمال وجدت أفضل؟ قال: الأمر الذي كنت فيه.
قلت: الرباط والجهاد؟ قال: نعم قلت: فأي شيء صنع بك ربك؟ قال: غفر لي مغفرة ما بعدها مغفرة وكلمتني امرأة من أهل الجنة أو امرأة من الحور العين.