فهرس الكتاب

يوسف بن أسباط

793 يوسف بن أسباط من قرية يقال لها شيح عبد الله بن حبيق قال: قال لي يوسف بن أسباط: عجبت كيف تنام عين مع المخافة، أو يغفل قلب مع اليقين بالمحاسبة؟ من عرف وجوب حق الله عز وجل على عباده لم تستحل عيناه أبداً إلا بإعطاء المجهود من نفسه، خلق الله تعالى القلوب مساكن الذكر فصارت مساكن للشهوات، الشهوات مفسدة للقلوب وتلف للأموال، وإخلاق للوجوه، ولا يمحو الشهوات من القلوب إلا خوف مزعج أو شوق مقلق.
شعيب بن حرب قال: سمعت يوسف بن أسباط يقول: الزهد في الرياسة أشد من الزهد في الدنيا.
موسى بن طريف قال: سمعت يوسف بن أسباط يقول: لي أربعون سنة ما حك في صدري شيء إلا تركته.
قال ابن حبيق: وقال ابن بشار: قال لي يوسف بن أسباط: تعلموا صحة العمل من سقمه فإني تعلمته في اثنتين وعشرين سنة.
قال ابن حبيق: وقال يوسف، خرجت من شيح راجلاً حتى أتيت المصيصة، وجرابي على عنقي، فقام ذا من حانوته يسلم علي، وذا يسلم، فطرحت جرابي ودخلت المسجد أصلي ركعتين فأحدقوا بي، واطلع رجل في وجهي، فقلت في نفسي: كم بقاء قلبي على هذا؟ فأخذت جرابي ورجعت بعرقي وعنائي إلى شيح فما رجع إلي قلبي إلى سنتين.
عبد الله بن حبيق قال: قال يوسف بن أسباط: إني أخاف أن يعذب الله الناس بذنوب العلماء.
وقال: الأشياء ثلاثة، حلال بين، وحرام بين، وشبهات بين ذلك، فالمؤمن إذا لم يجد الحلال تناول من الشبهات ما يقيمه.
قال ابن حبيق: وسمعت يوسف بن أسباط يقول: كان يقال: اعمل عمل رجل لا ينجيه إلا عمله، وتوكل توكل رجل لا يصيبه إلا ما كتب له.
وسمعت يوسف يقول: لي أربعون سنة ما ملكت قميصين.
وسمعته يقول: لا يقبل الله عز وجل عملاً فيه مثقال حبة من رئاء.
وكان يوسف يقول: اللهم عرفني نفسي، ولا تقطع رجاءك من قلبي.
قال ابن حبيق: وقال أبو جعفر الحذاء: كتبت إلى يوسف بن أسباط أشاوره في التحويل إلى الحجاز.
فكتب إلي: أما ما ذكرت من تحويلك إلى الحجاز فليكن همك خبزك، وما أرى موضعك إلا أضبط للخبز من غيره، وما أحسب أحداً يفر من شر إلا وقع في أشر منه، وإنما يطيب الموضع بأهله، فقد ذهب من يؤنس به ويستراح إليه، وإذا علم الله منك الصدق رجوت أن لا يضيع لك، وإن كان الصدق قد رفع من الأرض.
قال حذيفة المرعشي: كتب إلي يوسف بن أسباط: أما بعد، فإني أوصيك بتقوى الله، والعمل بما علمك الله عز وجل، والمراقبة حيث لا يراك أحداً إلا الله عز وجل، والاستعداد لما ليس لأحد فيه حيلة، ولا تنفع الندامة عند نزوله، فاحسر عن رأسك قناع الغافلين، وانتبه من رقدة الموتى، وشمر للسباق غداً فإن الدنيا ميدا المتسابقين، ولا تغتر بمن أظهر النسك، وتشاغل بالوصف، وترك العمل بالموصوف واعلم يا أخي أنه لا بد لي ولك من المقام بين يدي الله عز وجل، يسألنا فيه عن الدقيق الخفي وعن الجليل الجافي، ولست آمن أن يسألني وإياك عن وساوس الصدور، ولحظات العيون، وإصغاء الأسماع، وما عسى أن يعجز مثلي عن صفته، واعلم أنه مما وصف به منافقو هذه الأمة أنهم خالطوا أهل الدنيا بأبدانهم وطابقوهم عليها بأهوائهم، وخضعوا لما طمعوا من نائلهم، وداهن بعضهم بعضاً في القول والفعل، فأشر وبطر قولهم، ومر خبيث فعلهم، تركوا باطن العمل بالتصحيح فحرمهم الله تعالى بذلك الثمن الربيح، واعلم يا أخي أنه لا يجزي من العمل القول، ولا من البذل العدة، ولا من التقوى ولا من التوقي التلاوم، وقد صرنا في زمان هذه صفة أهله فمن كان كذلك فقد تعرض للمقت وصد عن سواء السبيل.
وفقنا الله عز وجل وإياك لما يحب ويرضى.
عبد الله بن حبيق قال: سمعت يوسف بن أسباط يقول: يرزق الصادق ثلاث خصال: الحلاوة والملاحة والمهابة.
المسيب بن واضح قال: قدم ابن المبارك فاستأذن على يوسف فلم يأذن له، فقلت له: ما لك لم تأذن له؟ قال: إني إن أذنت له أردت أن أقوم بحقه ولا أفي به.
ابن حبيق قال: قال يوسف بن أسباط: إذا رأيت الرجل قد أشر وبطر فلا تغبطه فليس للعظة فيه موضع.
افقرقساني قال: أتى يوسف بن أسباط بباكورة ثمرة فقبلها ثم وضعها بين يديه وقال: إن الدنيا لم تخلق لينظر إليها وإنما خلقت لينظر بها إلى الآخرة.
أبو جعفر الحذاء قال: سألت شعيب بن حرب عن يوسف بن أسباط فقال: ما أقدم عليه أحداً من هذه الأمة.
البر عشرة أجزاء تسعة منها في طلب الحلال وسائر البر في جزء واحد، وقد أخذ يوسف التسعة وشرك الناس في العاشر.
تميم بن سلم قال: قلت ليوسف بن أسباط: ما غاية الزهد؟ قال: لا تفرح بما أقبل، ولا تأسف على ما أدبر، قلت: فما غاية التواضع؟ قال: أن تخرج من بيتك فلا تلقى أحداً إلا رأيت أنه خير منك.
عبد الله بن حبيق عن أبيه قال: قال لي يوسف بن أسباط: خرجت سحراً لأؤذن، فإذا علي ليل.
فقعدت فإذا أسود مقبل وفي يده حجر يريد أن يضربني ووراءه شيء أبيض، بيده حجر يريد أن يصرفه عني فصرفه.
فقلت: هذان شيطانان يريدان أن يرياني أني رجل صالح.
فقلت: كلاكما شيطانان.
فطارا.
أدرك يوسف بن أسباط حبيب بن حسان، ومحل بن خليفة، والسري بن إسماعيل، وعابد بن شريح والثوري في آخرين.
وقالت زوجته: كان يقول: أشتهي من ربي ثلاث خصال.
قلت: وما هن؟ قال: أشتهي أن أموت حين أموت وليس في ملكي درهم، ولا يكون علي دين، ولا على عظمي لحم.
قالت: فأعطي ذلك كله.
ولقد قال لي في مرضه: أبقي عندك نفقة؟ فقلت: لا.
قال: فماذا ترين؟ قلت: أخرج هذه الخابية للبيع.
فقال: يعلم الناس بحالنا ويقولون ما باعوها إلا وثم حاجة شديدة.
فأخرج إلي شيئاً كان أهداه إليه بعض إخوانه فباعه بعشرة دراهم، وقال: اعزلي منها درهماً لحنوطي وأنفقي باقيها.
فمات وما بقي غير الدرهم.
وتوفي يوسف بن أسباط قبل المائتين بسنة.