فهرس الكتاب

أبو الخير التيناتي

806 أبو الخير التيناتي أصله من المغرب وسكن تينات، وهي قرية من قرى أنطاكية.
ويقال له الأقطع، لأنه كان مقطوع اليد.
وكان سبب ذلك أنه كان في جبال أنطاكية وحواليها يطلب المباح وينام بين الجبال وأنه عاهد الله تعالى أن لا يأكل من ثمر الجبال إلا ما طرحته الريح.
فبقي أياماً لم تطرح إليه الريح شيئاً.
فرأى يوماً شجرة كمثرى فاشتهى منها فلم يفعل.
فأمالتها الريح إليه فأخذ واحدة.
واتفق أن لصوصاً قطعوا هنالك الطريق وجلسوا يقتسمون.
فوقع عليهم السلطان فأخذهم وأخذ معهم فقطعت أيديهم وأرجلهم وقطعت يده، فلما هموا بقطع رجله عرفه رجل فقال للأمير: أهلكت نفسك، هذا أبو الخير.
فبكى الأمير وسأله أن يجعله في حل.
ففعل وقال: أنا أعرف ذنبي.
منصور بن عبد الله قال: قال أبو الخير: الدعوى رعونة لا يحتمل القلب إمساكها، فليلقها إلى اللسان فتنطق بها ألسنة الحمقى.
قال: وسمعته يقول: دخلت مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم، وأنا بفاقة فأقمت خمسة أيام ما ذقت ذوماأ فتقدمت إلى القبر فسلمت على النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وقلت أنا ضيفك الليلة يا رسول الله وتنحيت فنمت خلق المنبر فرأيت في النوم النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر عن يمينه، وعمر عن شماله، وعلي ابن أبي طالب بين يديه.
فحركني علي وقال لي: قم قد جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقمت إليه وقبلت بين عينيه، فدفع إلي رغيفاً فأكلت نصفه وانتبهت وإذا في يدي نصف رغيف.
إبراهيم بن محمد المراغي قال: سمعت أبا الخير التيناتي يقول: بقيت بمكة سنة فأصابني ضر وفاقة، فكلما أردت أن أخرج إلى المسألة هتف بي هاتف يقول: الوجه الذي يسجد لي تبذله لغيري؟.
أخبرنا المحمدان بن عبد الملك وابن ناصر قال أنبأ أحمد بن الحسن بن خيرون قال: قرأت على أبي الحسين علي بن محمود الصوفي أخبركم علي بن المثنى، وأخبرنا أبو بكر العامري قال: أنبأ علي بن أبي صادق قال: أنا ابن باكويه قال: أخبرني إبراهيم بن أحمد المراغي قالا: سمعنا أبا الخير التيناتي الأقطع يقول: ما بلغ أحد إلى حالة شريفة إلا بملازمة الموافقة ومعانقة الأدب وأداء الفرائض وصحبة الصالحين وخدمة الفقراء الصادقين.
محمد بن الفضل قال: خرجت من أنطاكية ودخلت تينات ودخلت على أبي الخير الأقطع على غفلة منه بغير إذن فإذا هو ينسج زنبيلاً بيديه، تعجبت، فنظر إلي وقال: يا عدو نفسه، ما الذي حملك على هذا؟ فقلت: هيجان الوجد لما بي من الشوق إليك.
فضحك ثم قال لي: اقعد لا تعد إلى شيء من هذا بعد اليوم.
ثم قال: استر علي في حياتي، ففعلت.
قال ابن باكويه، وسمعت إبراهيم بن محمد السباك برها يقول: كنا نطلع على أبي الخير التيناتي من الخوخة وهو يسف الخوص بيديه فإذا خرج رأيناه أقطع.
أبو الحسن البغراسي قال: قال لي أبو الخير التيناتي: إياك وكثرة السفر فإنه يقسي القلب ويذهب بالدين.
أبو بكر المصري قال: سمعت بعض أصحابنا فقيراً يعرف بالأنصاري يقول: دخلت على أبي الخير فناولني تفاحتين فجعلتهما في جيبي وقلت: لا أتناولهما وأتبرك بهما لموضع الشيخ عندي فكانت تجري علي فاقات لا أتناولهما فأجهدتني الفاقة فأخرجت واحدة أكلتها وأدخلت يدي لأخرج الثانية إذا التفاحتان مكانهما، فما زلت آكل منهما حتى دخلت الموصل فجزت على خراب وإذا بعليل ينادي من الخراب: يا ناس أشتهي تفاحة، ولم يكن وقت التفاح، فأخرجت التفاحتين فناولتهما إياه فأكل وخرجت روحه من وقته.
فعلمت أن الشيخ أعطاني من أجل ذلك العليل.
صحب أبو الخير التيناتي أبا عبد الله بن الجلاء وغيره من المشايخ.
ولا نعلمه أسند شيئاً من الحديث.
وتوفي بعد الأربعين وثلاث مائة.