فهرس الكتاب

من لا يعرف اسمه من عباد جبل اللكام

القسم الثاني: من لا يعرف اسمه من عباد جبل اللكام: 863 عابد أبو سليمان الداراني قال: مررت في جبل اللكام في جوف الليل فسمعت رجلاً يقول في دعائه: يا سيدي وأملي ومؤملي ومن به تم عملي أعوذ بك من بدن لا ينتصب بين يديك، وأعوذ بك من قلب لا يشتاق إليك، وأعوذ بك من دعاء لا يصل إليك، وأعوذ بك من عين لا تبكي عليك فعلمت أنه عارف فقلت له: يا فتى إن للعارفين مقامات، وللمشتاقين علامات.
قال: وما هي؟ قلت: كتمان المصيبات، وصيانة الكرامات، فقال لي عظني.
فقلت: اذهب فلا ترد الدنيا، واتخذ الفقر غنى، والبلاء من الله عز وجل شفاء، والتوكل معاشاً، والجوع جرفة، واتخذ الله لكل شدة عدة صعق صعقة فتركته.
864 عابد آخر جعفر بن محمد سهل السامري قال: سمعت ذا النون يقول: بينا أنا سائر في جبل اللكام مررت على واد كثير الأشجار والنبات.
فبينا أنا واقف أتعجب من حسن زهرته ومن خضرة العشب في جنباته إذ سمعت صوتاً أهطل مدامعي وهيج بلابل حزني، فاتبعت الصوت حتى وقفني بباب مغار في سفح ذلك الوادي، فإذا الكلام يخرج من جوف المغار فاطلعت فيه فإذا أنا برجل من أهل التعبد والاجتهاد.
فسعته يقول: سبحان من أخرج قلوب المشتاقين في رياض الطاعة بين يديه، سبحان من أوصل الفهم إلى عقول ذوي البصائر فهي لا تعتمد إلا عليه، سبحان من أورد حياض المودة نفوس أهل المحبة فهي لا تحن إلا إليه.
ثم أمسك فقلت: السلام عليك يا حليف الأحزان وقرين الأشجان.
فقال: وعليك السلام، ما الذي أوصلك إلي من قد أفرده خوف المسألة عن الأنام، واشتغل بمحاسبة نفسه من التنطع في الكلام؟ قلت: أوصلني إليك الرغبة في التصفح والاعتبار.
فقال: يا فتى إن لله عز وجل عباداً قدح في قلوبهم زندا الشغف نار الومق فأرواحهم لشدة الاشتياق تسرح في الملكوت، وتنظر إلى ما ذخر لها في حجب الجبروت.
قلت: صفهم لي.
قال: أولئك قوم آووا إلى كنف رحمته.
ثم قال: يا سيدي بهم فألحقني.
ولأعمالهم فوفقني.
قلت: ألا توصينيبوصية؟ قال: أحب الله عز وجل شوقاً إلى لقائه فإن له يوماً يتجلى فيه لأوليائه.
وأنشأ يقول: قد كان لي دمع فأفنيته ... وكان لي جفن فأدميته وكان لي جسم فأبليته ... وكان لي قلب فأضنيته وكان لي يا سيدي ناظر ... أرى به الجو فأعميته عبدك أضحى سيدي موثقاً ... لو شئت قبل اليوم داويته 865 عابد آخر يوسف بن الحسين قال: سمعت ذا النون يقول: مررت برجل بجبل اللكام وهو ساجد يقول في سجوده: إلهي، بك عرفتك فما حاجتي إلى غيرك.
866 عابد آخر أبو إبراهيم الزهري قال: كنت جائياً من المصيصة، فمررت باللكام فأحببت أن أراهم، يعني المتعبدين، هناك فقصدتهم ووافيت صلاة الظهر، وأحسبه رآني فيهم إنسان عرفني.
فقلت له: فيكم رجل تدلوني عليه؟ فقالوا: هذا الشيخ الذي يصلي بنا.
فحضرت معهم صلاة الظهر والعصر.
فقال له ذلك الرجل: هذا رجل من ولد عبد الرحمن بن عوف وجده أبو أمه سعد بن معاذ.
قال: فبش بي وسلم علي كأنه كان يعرفني قال: فقلت له: من أين تأكل؟ فقال لي: أنت مقيم عندنا قلت: أما الليلة فأنا عندكم.
قال: ثم مضيت معه فجعل يحدثني ويؤانسني حتى جاء إلى كهف جبل فقعدت ودخل فأخرج قعباً يسع رطلاً ونصفاً، قد أتى عليه الدهور.
فوضعه وقعد يحدثني حتى إذا كادت الشمس تغرب اجتمعت حواليه ظباء فاعتقل منها ظبية فحلبها حتى ملأ ذلك القدح، ثم أرسلها.
فلما سقط القرص حساه.
ثم قال: ما هو غير ما ترى، وربما احتجت إلى الشيء من هذا فتجتمع حولي هذه الظباء فآخذ حاجتي وأرسلها.
قلت: أبو إبراهيم اسمه أحمد بن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، معروف بالعلم والزهد، وكان أحمد بن حنبل إذا رآه قام قائماً.
867 عابد آخر أبو صالح الدمشقي قال: كنت أدور في جبل اللكام أطلب الزهاد والعباد فرأيت رجلاً عليه مرقعة جالساً على حجر مطرقاً إلى الأرض، فقلت له: يا شيخ ما تصنع ها هنا؟ قال أنظروأرعى.
فقلت له: ما أرى بين يديك إلا الحجارة، فما الذي تنظر وترعى؟ قال: فتغير لونه ثم نظر إلي مغضباً وقال: أنظر خواطر قلبي، وأرعى أوامر ربي وبحق الذي أظهرك علي إلا جزت عني.
فقلت: كلمني بشيء أنتفع به حتى أمضي.
فقال: من لزم الباب أثبت في الخدم، ومن أكثر ذكر الذنوب أكثر من الندم، ومن استغنى بالله أمن العدم.
ثم تركني ومضى.
868 عابد آخر سري السقطي قال: مكثت أربعين سنة أسأل الله عز وجل أن يريني ولياً من أوليائه، قال: فلم أر أحداً.
فخرجت إلى الثغر وصعدت جبل اللكام بينما أنا أمشي في المحجة إذ رأيت قوماً جلوساً نحو ثلاثين نفساً مرضى، عليهم ثياب خلقان، فسلمت عليهم ووقفت فقلت: لأي شيء أنتم جلوس في هذا القفر؟ قالوا: نحن من هذه المدينة التي في أسفل الجبل إذا كان رأس كل شهر في مثل هذا اليوم في مثل هذا الموضع نجلس، فإذا كان الظهر أقبل علينا رجل من هذا الموضع فنقوم إليه فيدعو الله لنا.
فقعدت معهم.
قال: فلما أن كان الظهر أقبل رجل أسمر شديد السمرة عليه مئزر صوف، فقرأ على كل واحد قال: فلحقته قلت له: قف علي يرحمك الله أكلمك.
فالتفت إلي وقال: يا سري لا تعامل غيره فتسقط من عينه.
869 عابد آخر بلغنا عن بعض السلف أنه قال: مضيت إلى جبل اللكام فما رأيت أعبد من شاب أصفر اللون، كان يصف قدميه فيصلي ركعتين من أول الليل إلى آخره فيختم فيها القرآن ثم يجلس فيعتذر إلى الصباح.