فهرس الكتاب

ذكر المصطفيات من عابدات العرب وأهل البادية

ذكر المصطفيات من عابدات العرب وأهل البادية 926 خنساء بنت عمرو النخعية عن عبد الرحمن بن مغراء الدوسي، عن رجل من خزاعة قال: لما اجتمع الناس بالقادسية دعت خنساء بنت عمرو النخعية بنيها الأربعة فقالت: يا بني إنكم أسلمتم طائعين، وهاجرتم والله ما نبت بكم الدار ولا أقحمتكم السنة، ولا أرداكم الطمع، والله الذي لا إله إلا هو، إنكم لبنو رجل واحد كما أنكم بنو امرأة واحدة، ما خنت أباكم ولا فضحت خالكم؛ ولا غيرت نسبكم ولا أوطأت حريمكم، ولا أبحت حماكم فإذا كان غداً إن شاء الله، فاغدوا لقتال عدوكم مستنصرين الله، مستبصرين، فإذا رأيتم الحرب قد أبدت ساقها وقد ضربت رواقها فتيمموا وطيسها وجالدوا خميسها، تظفروا بالمغنم والسلامة، والفوز والكرامة في دار الخلد والمقامة، فانصرف الفتية من عندها وهم لأمرها طائعون، وبنصحها عارفون فلما لقوا العدو شد أولهم وهو يقول: يا إخوتا إن العجوز الناصحة ... قد أشربتنا إذ دعتنا البارحة نصيحة ذات بيان واضحة ... فباكروا الحرب الضروس الكالحة فإنما تلقون عند الصائحة ... من آل ساسان كلاباً نابحة قد أيقنوا منكم بوقع الجائحة ... فأنتم بين حياة صالحة أو ميتة تورث غنماً رابحة ثم شد الذي يليه وهو يقول: والله لا نعصي العجوز حرفا ... قد أمرتنا حدباً وعطفا منها وبراً صادقاً ولطفاً ... فباكروا الحرب الضروس زحفا حتى تكفوا آل كسرى كفا ... وتكشفوهم عن حماكم كشفا إنا نرى التقصير عنهم ضعفا ... والقتل فيهم نجدة وعرفا ثم شد الذي يليه وهو يقول: لست لخنساء ولا للأخزم ... ولا لعمرو ذي السناء الأقدمإن لم تزر في آل جمع الأعجم ... جمع أبي ساسان جمع رستم بكل محمود اللقاء ضيغم ... ماض على الهول خضم خضرم إما لقهر عاجل أو مغنم ... أو لحياة في السبيل الأكرم نفوز فيها بالنصيب الأعظم ثم شد الذي يليه وهو يقول: إن العجوز ذات حزم وجلد ... والنظر الأوفق والرأي السدد قد أمرتنا بالصواب والرشد ... نصيحة غنها وبراً بالولد فباكروا الحرب نماء في العدد ... إما لقهر واحتياز للبلد أو ميتة تورث خلداً للأبد ... في جنة الفردوس في عيش رغد فقاتلوا جميعاً حتى فتح الله عز وجل للمسلمين، وكانوا يعطون ألفين يجيئون بها فيصبونها في حجرها فتقسم ذلك بينهم حفنة حفنة، فما يغادر واحد من عطائه درهماً.
927 منفوسة بنت زيد الفوارس الأصمعي قال: حدثني رجل من بني ثعل قال: كنت ببعض نواحي نجد فرفعت لي فيه قبة من أدم فقصدتها فإذا أصوات نساء معولات، فدنوت منهن وسألتهن عن شأنهن؟ فقلن: منفوسة بنت زيد الفوارس أصيبت بابنها، وإذا هو في حجرها وهي تقول: والله لتقدمك أمامي أحب إلي من تأخرك ورائي، ولصبري عنك أجدى من جزعي عليك، وما حظ مصيبة تحل من التلف محلك، وتورث من العطب مثل مضجعك، ولئن كان فراقك حسرة إن توقع أجرك لخيرة.
ثم قالت: لله در عمرو بن معدي كرب حيث يقول: وإنا لقوم لا تفيض دموعنا ... على هالك منا وإن قصم الظهرا 928 عاتكة المخزومية إبراهيم بن محمد المخزومي قال: بكت امرأة من بني مخزوم يقال لها عاتكة حتى ذهب بصرها.
فعوتبت في ذلك وقيل لها: ما بعد ذهاب البصر شيء؟ فقالت: ما ينبغي للمخوف بالنار أن تجف له دمعة حتى يعرف موقع الأمان من ذلك.
فلم تزل على ذلك البكاء حتى ماتت عليه.
929 منيرة السدوسية وبالإسناد حدثنا أبو بكر القرشي قال: حدثني محمد بن الحسين قال: حدثني عبد الله بن محمد بن حميد بن أبي الأسود قال: حدثني أبو سلمة، رجل من بني سدوس، قال: كانت لنا عجوز في الحي لم ندركها نحن، أدركها أشياخنا يقال لها: منيرة، فكانت تقول إذا جاء الليل: قد جاء الهول، قد جاءت الظلمة، قد جاء الخوف ما أشبه هذا بيوم القيامة.
ثم تقوم فلا تزال تصلي حتى تصبح.
930 طلحة العدوية وبالإسناد حدثنا القرشي قال: حدثنا عبد الله بن عيسى الطفاوي قال: أرسلني أبي إلى طلحة العدوية.
فدخلنا عليها وبين يديها زنبيلان أحدهما فيه زبيب ونبق وباقلي، فقيل لي: إنها تسبح به وتأكل منه أحياناً.
931 أم سالم الراسبية وبالإسناد حدثنا القرشي قال: قال محمد بن الحسين: حدثني أبو سمير، رجل من الأزد، قال: أتيت أم سالم الراسبية بين الظهر والعصر، فاستأذنت عليها فأذنت لي، فدخلت عليها وإذا هي تصلي قائمة فلم تنفتل من صلاتها ولم تلتفت إلي حتى نودي بصلاة العصر فخرجت فصليت ثم دخلت عليها فقالت: إذا كانت لك حاجة فلا تأتني في هذا الوقت فإن الذي يدع الصلاة في هذا الوقت فإنما يضيع حظ نفسه.
932 أم نهار العدوية عن عتبة بن صالح الهلالي قال: شهدت أعرابية بالجفر، جفر بني عدي، يقال لها أم نهار العدوية واقفة على قبر رجل ونحن ندفنه.
فقالت: أيها الناس إنكم من الله عز وجل في نعمة ستر، ومن الناس بمحل تزكية، فإياكم ومصاداة زخاريف الرخاء فإنها ليست من صفة الألباء فأجلوا شماذير الغفلة عن قلوبكم، وتأملوا أهل هذه العرصات الخرس والربوع الصموت وارجعوها صوراً بوهمكم: تتنسمون روح الحياة فنادوهم يسمعوا واسألوهم يخبروا.
فاحيوا بموتهم وتيقظوا لغفلاتهم وخذوا خوفكم من أمنهم، وحذركم من غرورهم، وانظروا بهم إلى أثر البلى في أجسامكم، والخراب في مساكنكم، وكيف حكم فيهم التراب إذ ولي الحكم فيهم، فأبدلهم بالنطق خرساً وبالسمع صمماً وبالحركات سكوناً.
رحم الله امرءاً أبصر فتدبر، واتعظ فاعتبر، وعمل ليوم الحساب وخشي وقت العقاب.
ثم قالت: الموت يفني ولا يبقي على أحد ... ما أحسب الموت يبقي جدة الأبد يا موت كم من كريم قد فجعت به ... من أقربيه ومن أهل ومن ولد ثم قالت: تغمدكم الله بالرحمة وبلغ بكم شرف الهمة.
933 عاتكة الغنوية وبالإسناد حدثنا القرشي قال: ذكر محمد بن الحسين قال: حدثني عبيد الله بن محمد التيمي قال: حدثني جليس لنا كان يقال له ضرار الطفاوي، قال: لقيتني امرأة من غني عابدة يقال لها عاتكة.
فقالت: يا ضرار توسل إلى مولاك بجميع ما يمكنك من الوسائل، فإنك تجد ذلك لك موفراً عند حلول الأمور الجلائل، وانقطع إليه في حوائجك لديه يأت لك عليها على غير تعب منك ولا نصب.
واعلم أنه لن ينال المطيعون في الدنيا لذة أحلى في صدورهم من الازدياد لله في طاعته بقربه، ولحلاوة ساعة من مطيع ألذ في قلوب المريدين من جميع ما أخرج إلى الدنيا من زهرة ولذة، ولن يجد المريد؟ فقد شيء تركه رجاء ثواب الله.
فجد أي أخي قبل أن لا يمكنك الجد، وبادر قبل فوات المبادرة فإن الدنيا لا تطيب لعارفها وإنما تورطها أهل الغرة وعما قليل فسوف يعلمون.
قال: أمسكت فقامت.
934 عليلة بنت الكميت أبو خالد القرشي قال: استأذنا على عليلة بنت الكميت وكانت من العابدات قال: وذلك وقت الظهر.
فقالوا: هي تصلي فلم نزل ننتظرها إلى العصر فلما صلت العصر أذنت لنا، فدخلنا عليها فقلنا: رحمك الله لم نزل عقوداً منذ الظهر ننتظرك.
قالت: سبحان الله قعوداً لم تصلوا بين الظهر والعصر؟ قلنا لا.
قالت: ما ظننت أن أحداً لا يصلي بين الظهر والعصر؟ قال: وانقبضت عنا انقباضاً شديداً.
935 هنيدة عامر بن أسلم الباهلي، عن أبيه قال: كانت لنا جارية في الحي يقال لها: هنيدة فكانت تقوم إذا مضى من الليل ثلثه أو نصفه فتوقظ ولدها وزوجها وخدمها فتقول لهم: قوموا فتوضأوا وصلوا فستغتبطون بكلامي هذا، فكان هذا دأبها معهم حتى ماتت.
فرأى زوجها فيمنامه: إن كنت تحب أن تزوجها هناك فاخلفها في أهلها بمثل فعلها، فلم يزل دأب الشيخ حتى مات، فأتى أكبر ولده في منامه فقيل له: إن كنت تحب أن تجاور أبويك في درجتهما من الجنة فاخلفهما في أهلهما بمثل عملهما.
قال: فلم يزل ذلك دأبه حتى مات.
فكانوا يدعون القوامين.