فهرس الكتاب

سعيد بن جبير

411 سعيد بن جبير مولى لبني والبة.
يكنى أبا عبد الله ابن الحارثية، من بني أسد بن خزيمة.
عن عبد الله بن مسلم قال: كان سعيد بن جبير إذا قام إلى الصلاة كأنه وتد.
عن القاسم بن أبي أيوب الأعرج قال: كان سعيد بن جبير يبكي بالليل حتى عمش.
القاسم بن أبي ايوب قال: سمعت سعيد بن جبير يردد هذه الآية في الصلاة بضعاً وعشرين مرة: {وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ} الآية.
قال يزيد بن هارون: وأنبأنا عبد الملك بن أبي سليمان، عن سعيد بن جبير، أنه كان يختم القرآن في كل ليلتين.
عن هلال بن خباب قال: خرجت مع سعيد بن جبير في أيام مضين من رجب فأحرم من الكوفة بعمرة، ثم رجع من عمرته، ثم أحرم بالحج في النصف من ذي القعدة، وكان يخرج في كل سنة مرتين مرة للحج ومرة للعمرة.
عن أبي سنان، عن سعيد بن جبير، قال: لدغتني عقرب فأقسمت علي أمي أن أسترقي، فأعطيت الراقي يدي التي لم تلدغ، وكرهت أن أحنثها.
أصبغ بن زيد الواسطي قال: كان لسعيد بن جبير ديك كان يقوم الليل بصياحه، قال: فلم يصح ليلة من الليالي حتى أصبح، فلم يصل سعيد تلك الليلة، فشق عليه فقال: ما له قطع الله صوته؟ قال: فما سمع له صوت بعدها.
فقالت أمه: يا بني لا تدع على شيء بعدها.
عن عطاء بن دينار، عن سعيد بن جبير، قال: إن الخشية أن تخشى الله حتى تحول خشيته بينك وبين معصيتك، فتلك الخشية، والذكر طاعة الله فمن أطاع الله فقد ذكره ومن لم يطعه فليس بذاكر وإن أكثر التسبيح وتلاوة القرآن.
عن خصيف قال: رأيت سعيد بن جبير صلى ركعتين خلف المقام قبل صلاة الصبح.
قال: فأتيته فصليت إلى جنبه وسألته عن آية من كتاب الله فلم يجبني.
فلما صلى الصبح قال: إذا طلع الفجر فلا تتكلم إلا بذكر الله حتى تصلي الصبح.
عن يحيى بن عبد الرحمن قال: سمعت سعيد بن جبير يردد هذه الآية: {وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ} حتى يصبح.
عن معاوية بن إسحاق قال: لقيت سعيد بن جبير عند الميضأة فرأيته ثقيل اللسان؟ قال: قرأت القرآن البارحة مرتين ونصفاً.
عن حماد: أن سعيد بن جبير قرأ القرآن في ركعة في الكعبة، وقرأ في الركعة الثانية بقل هو الله أحد.
كثير بن تميم الداري قال: كنت جالساً مع سعيد بن جبير فطلع عليه ابنه عبد الله، وكان به من الفقه فقال: إني لأعلم خير حالاته قالوا: وما هو؟ قال: أن يموت فأحتسبه.
عن جعفر قال: قيل لسعيد: من أعبد الناس؟ قال: رجل اجترح من الذنوب، فكلما ذكر ذنوبه احتقر عمله.
مقتل سعيد بن جبير: قال المصنف: كان سعيد بن جبير فيمن خرج على الحجاج من القراء، وشهد دير الجماجم.
فلما انهزم أصحاب الأشعث هرب فلحق بمكة فأخذه بعد مدة طويلة خالد بن عبد الله القسري، وكان والي الوليد بن عبد الملك على مكة، فبعث به إلى الحجاج.
عن أبي حصين قال: أتيت سعيد بن جبير بمكة فقلت: إن هذا الرجل قادم، يعني خالد بن عبد الله، ولا آمنه عليك، فأطعني واخرج فقال: والله لقد قررت حتى استحييت من الله، قلت: والله إني لأراك، كما سمتك أمك، سعيداً.
قال: فقدم مكة فأرسل إليه فأخذه فأخبرني يزيد بن عبد الله قال: أتينا سعيد بن جبير حين جيء به فإذا هو طيب النفس، وبنية له في حجرة، فنظرت إلى القيد فبكت فشيعناه إلى باب الجسر، فقال له الحرس: أعطنا كفلاء فإنا نخاف أن تغرق نفسك.
قال يزيد: فكنت فيمن كفل به.
عن داود بن أبي هند قال: لما أخذ الحجاج سعيد بن جبير قال: ما أراني إلا مقتولاً، وسأخبركم أني كنت أنا وصاحبان لي دعونا حين وجدنا حلاوة الدعاء، ثم سألنا الشهادة فكلا صاحبي رزقها وأنا أنتظرها.
فكأنه رآى أن الإجابة عند حلاوة الدعاء.
عن عمر بن سعيد قال: دعا سعيد بن جبير حين دعي ليقتل فجعل ابنه يبكي، فقال: ما يبكيك؟ ما بقاء أبيك بعد سبع وخمسين سنة.
عن الحسن قال: لما أتي الحجاج بسعيد بن جبير قال: أنت الشقي ابن كسير؟ قال: بل أنا سعيد بن جبير.
قال: بل أنت الشقي ابن كسير قال: كانت أمي أعرف باسمي منك قال: ما تقول في محمد؟ قال: تعني النبي صلى الله عليه وسلم قال: نعم.
قال: سيد ولد آدم، المصطفى، خير من بقي وخير من مضى.
قال: فما تقول في أبي بكر الصديق؟ قال: الصديق خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، مضى حميداً وعاش سعيداً، ومضى على منهاج نبيه صلى الله عليه وسلم لم يغير ولم يبدل.
قال: فما تقول في عمر؟ قال: عمر الفاروق خيرة الله وخيرة رسوله، مضى حميداً على منهاج صاحبيه لم يغير ولم يبدل.
قال: فما تقول في عثمان؟ قال: المقتول ظلماً، المجهز جيش العسرة الحافر بئر رومة، المشتري بيته في الجنة، صهر رسول الله صلى الله عليه وسلم على ابنتيه، زوجه النبي صلى الله عليه وسلم بوحي من السماء.
قال: فما تقول في علي؟ قال: ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأول من أسلم، وزوج فاطمة وأبو الحسن والحسين.
قال: فما تقول في؟ قال: أنت أعلم بنفسك.
قال: بث بعلمك قال: إذاً نسوءك ولا نسرك.
قال: بث بعلمك.
قال أعفني.
قال: لا عفا الله عني إن أعفيتك.
قال: إني لأعلم أنك مخالف لكتاب الله، ترى من نفسك أموراً تريد بها الهيبة وهي التي تقحمك الهلاك،وسترد غداً فتعلم.
قال: أما والله لأقتلنك قتلة لم أقتلها أحداً قبلك ولا أقتلها أحداً بعدك.
قال: إذاً تفسد علي دنياي وأفسد عليك آخرتك.
قال: يا غلام السيف والنطع.
فلما ولى ضحك.
قال: قد بلغني أنك تضحك.
قال: قد كان ذلك.
قال: فما أضحكك عند القتل؟ قال: من جرأتك على الله عز وجل ومن حلم الله عنك.
قال: يا غلام اقتله.
فاستقبل القبلة فقال: {وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفاً وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} فصرف وجهه عن القبلة فقال: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} قال: اضرب به الأرض.
قال: {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى} قال: اذبح عدو الله فما أنزعه لآيات القرآن منذ اليوم.
قال ابن ذكوان: إن الحجاج بن يوسف بعث إلى سعيد بن جبير فأصابه الرسول بمكة فلما سار به ثلاثة أيام رآه يصوم نهاره ويقوم ليله، فقال الرسول: والله إني لأعلم أني أذهب بك إلى من يقتلك فاذهب إلى أي طريق شئت.
فقال له سعيد: إنه سيبلغ الحجاج أنك قد أخذتني فإن خليت عني خفت أن يقتلك، ولكن اذهب بي إليه قال: فذهب به فلما دخل عليه قال له الحجاج: ما اسمك؟ قال: سعيد بن جبير.
فقال: بل شقي ابن كسير.
فقال: أمي سمتني.
قال: شقيت.
قال: الغيب يعلمه غيرك.
قال له الحجاج: أما والله لأبدلنك من دنياك ناراً تلظى.
قال سعيد: لو علمت أن ذلك إليك ما اتخذت إلهاً غيرك.
ثم قال له الحجاج: ما تقول في رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نبي مصطفى، خير الباقين وخير الماضين.
قال: فما تقول في أبي بكر الصديق؟ قال: ثاني اثنين غذ هما في الغار أعز الله به الدين، وجمع به بعد الفرقة.
قال: فما هو عمر بن الخطاب رضي الله عنه؟ قال: فاروق وخيرة الله من خلقه، أحب الله أن يعز الدين بأحد الرجلين، فكان أحقهما بالخيرة والفضيلة، قال: فما تقول في عثمان بن عفان؟ قال: مجهز جيش العسرة، والمشتري بيتاً في الجنة والمقتول ظلماً.
قال: فما تقول في علي؟ قال: أولهم إسلاماً وأكثرهم هجرة، تزوج بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم التي هي أحب بناته إليه، قال: فما تقول في معاوية؟ قال: كاتب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال: فما تقول في الخلفاء منذ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الآن؟ قال: سيجزون بأعمالهم، فمسرور ومثبور ولست عليهم بوكيل.
قال: فما تقول في عبد الملك بن مروان؟ قال: إن يكن محسناً فعند الله ثواب إحسانه وإن يكن مسيئاً فلن يعجز الله، قال: فما تقول في؟ قال: أنت بنفسك أعلم.
قال: بث في علمك.
قال: إذاً أسوءك ولا أسرك.
قال: بث.
قال: نعم، ظهر منك جور في حد الله، وجرأة على معاصيه بقتلك أولياء الله.
قال: والله لأقطعنك قطعاً وأفرقن أعضاءك عضواً عضواً.
قال: إذاً تفسد علي دنياي وأفسد عليك آخرتك، والقصاص أمامك.
قال: الويل لك من الله.
قال: لمن زحزح عن الجنة وأدخل النار، قال: اذهبوا به، فاضربوا عنقه، قال سعيد: إني أشهدك أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أستحفظك بها حتى ألقاك يوم القيامة، فلما ذهبوا به ليقتل تبسم فقال له الحجاج: مم ضحكت؟ قال: من جرأتك على الله عز وجل.
فقال الحجاج: أضجعوه للذبح فأضجع فقال: {وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} .
فقال الحجاج: اقلبوا ظهره إلى القبلة.
فقرأ سعيد: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} فقال: كبوه على وجهه.
فقرأ سعيد: {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى} : فذبح من قفاه، قال: فبلغ ذلك الحسن بن أبي الحسن البصري فقال: اللهم يا قاصم الجبابرة اقصم الحجاج، فما بقي إلا ثلاثاً حتى وقع في جوفه الدود فمات.
عن خلف بن خليفة، عن أبيه، قال: شهدت مقتل سعيد بن جبير، فلما بان رأسه قال: لا إله إلا الله، لا إله إلا الله.
ثم قالها الثالثة فلم يتمها.
عن يحيى بن سعيد، عن كاتب الحجاج، يقال له يعلى، قال: كنت أكتب للحجاج وأنا يومئذ غلام حديث السن، فدخلت عليه يوماً بعد ما قتل سعيد بن جبير، وهو في قبة لها أربعة أبواب، فدخلت ما يلي ظهره فسمعته يقول: ما لي ولسعيد بن جبير؟ فخرجت رويداً، وعلمت أنه إن علم بي قتلني، فلم ينشب الحجاج بعد ذلك إلا يسيراً.
وفي رواية أخرى: عاش بعده خمسة عشر يوماً، وفي رواية: ثلاثة أيام وكان يقول: ما لي ولسعيد بن جبير؟ كلما أردت النوم أخذ برجلي.
عن عمرو بن ميمون، عن أبيه قال: لقد مات سعيد بن جبير وما على الأرض أحد إلا وهو يحتاج إلى علمه.
قال المؤلف: أسند سعيد بن جبير عن علي عليه السلام، وابن عمر، وابن عمرو، وأبي موسى وابنالمغفل، وعدي بن حاتم، وأبي هريرة، وغيرهم.
وأكثر رواياته عن ابن عباس، وقتل في سنة أربع وتسعين، وقيل سنة خمس وتسعين.
وفي مدة عمره ثلاثة أقوال: أحدها سبع وخمسون سنة، وقد رويناها آنفاً، والثاني: تسع وأربعون سنة.
قاله أبو نعيم الفضل بن دكين في جماعة، والثالث: اثنتان وأربعون سنة.
قاله علي بن المديني.