فهرس الكتاب

لما صلى الركعتين عاد إلى الحجر فاستلمه

روي أن النبي عليه السلام لما صلى الركعتين عاد إلى الحجر فاستلمه ، قلت :

في موطأ مالك أنه بلغه أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان إذا قضى طوافه وركع الركعتين ، فأراد أن يخرج إلى الصفا والمروة استلم الركن الأسود قبل أن يخرج ، انتهى . هو في حديث جابر الطويل ، ولنذكره برمّته ، فإنه عمدة في مناسك الحج ،

أخرجه مسلم عن جعفر بن محمد عن أبيه ، قال : دخلنا على جابر بن عبد اللّه فسأل عن القوم حتى انتهى إليّ ، فقلت : أنا محمد بن علي بن الحسين ، فأهوى بيده إلى رأسي فنزع زرّي الأعلى ، ثم نزع زرّي الأسفل ، ثم وضع كفه بين ثدَييَّ وأنا يومئذ غلام شاب ، فقال : مرحباً بك يا ابن أخي ، سل عما شئت ، فسألته ، وهو أعمى ، وحضر وقت الصلاة ، فقام في نساجة ملتحفاً بها ، كلما وضعها على منكبيه رجع طرفاها إليه من صغرها ، ورداؤه إلى جنبه على المشجب ، فصلى بنا ، فقلت : أخبرني عن حجة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فقال بيده ، فعقد تسعاً ، فقال : إن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم مكث تسع سنين لم يحج ، ثم أذن في الناس في العاشرة أن رسول اللّه حاج ، فقدم المدينة بشر كثير ، كلهم يلتمس أن يأتمّ برسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، ويعمل مثل عمله ، فخرجنا معه حتى أتينا ذا الحليفة ، فولدت أسماء بنت عميس محمد بن أبي بكر ، وأرسلت إلى النبي عليه السلام كيف أصنع ؟ قال : اغتسلي ، واستثفري بثوب ، وأحرمي ، فصلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في المسجد ، ثم ركب القصواء حتى إذا استوت به ناقته على البيداء نظرت إلى مد بصري بين يديه من راكب وماش ، وعن يمينه مثل ذلك ، وعن يساره مثل ذلك ، ومن خلفه مثل ذلك ، ورسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بين أظهرنا وعليه ينزل القرآن ، وهو يعرف تأويله ، وما عمل من شيء عملنا به ، فأهلّ بالتوحيد : لبيك اللّهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، إن الحمد والنعمة لك والملك ، لا شريك لك ، وأهلّ الناس بهذا الذي يهلون به ، فلم يردّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عليهم شيئاً منه ، ولزم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم تلبيته ، قال جابر : لسنا ننوي إلا الحج ، لسنا نعرف العمرة ، حتى إذا أتينا البيت معه استلم الركن ، فرمل ثلاثاً ، ومشى أربعاً ، ثم تقدم إلى مقام إبراهيم عليه السلام ، فقرأ { واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى } ، فجعل المقام بينه وبين البيت ، فكان أبي يقول : ولا أعلم ذكره إلا عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، كان يقرأ في الركعتين { قل هو اللّه أحد } و { قل يا أيها الكافرون } ، ثم رجع إلى الركن فاستلمه ، ثم خرج من الباب إلى الصفا ، فلما دنا من الصفا قرأ { إن الصفا والمروة من شعائر اللّه } أبدأ بما بدأ اللّه به ، فبدأ بالصفا ، فرقى عليه حتى رأى البيت ، فاستقبل القبلة ، فوحد اللّه وكبره ، وقال : لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد ، وهو على كل شيء قدير ، لا إله إلا اللّه وحده ، أنجز وعده ، ونصر عبده ، وهزم الأحزاب وحده ، ثم دعا بين ذلك ، قال مثل هذا ثلاث مرات ، ثم نزل إلى المروة ، حتى إذا انصبِّت قدماه في بطن الوادي رمل ، حتى إذا صعد مشى ، حتى أتى المروة ، ففعل على المروة كما فعل على الصفا ، حتى إذا كان آخر طوافه على المروة ، قال : لو أني استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي ، وجعلتها عمرة ، فمن كان منكم ليس معه هدي فليحل ، وليجعلها عمرة ، فقام سراقة بن مالك بن جعشم ، فقال : يا رسول اللّه ألعامنا هذا ، أم لأبد ؟ فشبك رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أصابعه واحدة في الأخرى ، وقال : دخلت العمرة في الحج مرتين ، لا ، بل لأبد أبد ، وقدم علي من اليمين ببدن النبي عليه السلام فوجد فاطمة رضي اللّه عنها ممن حل ، ولبست ثياباً صبيغاً ، واكتحلت ، فأنكر ذلك عليها ، فقالت : إن أبي أمرني بهذا ، قال : فكان عليّ يقول بالعراق : فذهبت إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم محرِّشاً على فاطمة ، للذي صنعت ، مستفتياً لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فيما ذكرت عنه ، فأخبرته أني أنكرت ذلك عليها ، فقال : صدقت صدقت ، ماذا قلت حين فرضت الحج ؟ قال : قلت : اللّهم إني أهلّ بما أهلّ به رسولك ، قال : فإن معي الهدي فلا تحلل ، قال : فكان جماعة الهدي الذي قدم به علي رضي اللّه عنه من اليمين ، والذي أتى به النبي عليه السلام مائة ، قال : فحل الناس كلهم وقصروا ، إلا النبي عليه السلام ، ومن كان معه هدي ، فلما كان يوم التروية توجهوا إلى منى ، فأهلوا بالحج ، وركب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فصلى بمنى الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر ، ثم مكث قليلاً حتى طلعت الشمس ، فأمر بقبة من شعر ، فضربت له بنمرة ، فسار رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ولا تشك قريش إلا أنه واقف عند المشعر الحرام ، كما كانت قريش تصنع في الجاهلية ، فأجاز رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، حتى أتى عرفة ، فوجد القبة قد ضربت له بنمرة ، فنزل بها حتى إذا زاغت الشمس أمر بالقصواء فرحلت له ، فأتى بطن الوادي ، فخطب الناس ، وقال : إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام ، كحرمة يومكم هذا ، في شهركم هذا ، في بلدكم هذا ، ألا كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع ، ودماء الجاهلية موضوعة ، وإن أول دم أضع من دمائنا دم ابن ربيعة بن الحارث ، كان مسترضعاً في بني سعد فقتلته هذيل ، وربا الجاهلية موضوع ، وأول رباً أضعه من ربانا ربا العباس بن عبد المطلب ، فإنه موضوع كله ، اتقوا اللّه في النساء ، فإنكم أخذتموهن بأمانة اللّه ، واستحللتم فروجهن بكلمة اللّه ، ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحداً تكرهونه ، فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضرباً غير مبرح ، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف ، وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به ، كتاب اللّه ، وأنتم تُسألون عني ، فما أنتم قائلون ؟ قالوا : نشهد أنك قد بلغت ، وأدّيت ، ونصحت ، ثم قال بإِصبعه السبابة ، يرفعها إلى السماء ، وينكتها إلى الناس : اللّهم اشهد ، اللّهم اشهد ، ثلاث مرات ، ثم أذن ، ثم أقام فصلى الظهر ، ثم أقام فصلى العصر ، ولم يصل بينهما شيئاً ، ثم ركب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حتى أتى الموقف ، فجعل بطن ناقته القصواء إلى الصخرات ، وجعل حبل المشاة بين يديه ، واستقبل القبلة فلم يزل واقفاً حتى غربت الشمس ، وذهبت الصفرة قليلاً ، حتى غاب القرص ، وأردف أسامة خلفه ، ودفع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، وقد شنق للقصواء الزمام ، حتى إن رأسها ليصيب مورك رحله ، ويقول بيده اليمنى : أيها الناس ، السكينة السكينة ، كلما أتى حبلاً من الحبال ، أرخى لها قليلاً حتى تصعد ، حتى أتى المزدلفة ، فصلى بها المغرب والعشاء ، بأذان واحد ، وإقامتين ، ولم يسبح بينهما شيئاً ، ثم اضطجع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حتى طلع الفجر ، فصلى الفجر حتى تبين له الصبح ، بأذان وإقامة ، ثم ركب القصواء ، حتى أتى المشعر الحرام ، فاستقبل القبلة ، فدعاه وكبره وهللّه ووحده ، فلم يزل واقفاً حتى أسفر جداً ، فدفع قبل أن تطلع الشمس ، وأردف الفضل بن العباس ، وكان رجلاً حسن الشعر ، أبيض وسيماً ، فلما دفع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم مرت به ظعن يجرين ، فطفق الفضل ينظر إليهن ، فوضع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يده على وجه الفضل ، فحول الفضل وجهه ، إلى الشق الآخر ينظر ، فحوّل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يده من الشق الآخر على وجه الفضل ، فصرف وجهه من الشق الآخر ، ينظر حتى أتي بطن محسر ، فحرك قليلاً ، ثم سلك الطريق الوسطى التي تخرج على الجمرة الكبرى ، حتى أتى الجمرة التي عند الشجرة ، فرماها # بسبع حصيات ، يكبر مع كل حصاة منها مثل حصى الخذف ، رمى من بطن الوادي ، ثم انصرف إلى المنحر ، فنحر ثلاثاً وستين بدنة بيده ، ثم أعطى علياً ، فنحر ما غبر ، وأشركه في هديه ، ثم أمر من كل بدنة ببضعة ، فجعلت في قدر فطبخت ، فأكلا من لحمها ، وشربا من مرقها ، ثم ركب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فأفاض إلى البيت ، فصلى بمكة الظهر ، فأتى بني عبد المطلب يسقون على زمزم ، فقال : انزعوا بني عبد المطلب ، فلولا أن يغلبكم الناس على سقايتكم لنزعت معكم ، فناولوه دلواً فشرب منها ، انتهى . ورواه ابن حبان في صحيحه في النوع الثاني ، من القسم الخامس ، ورواه ابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، والبزار ، والدارمي ، في مسانيدهم قال ابن حبان : والحكمة في أن النبي عليه السلام نحر بيده ثلاثاً وستين بدنة ، أنه كانت له يومئذ ثلاث وستون سنة ، فنحر لكل سنة من سنيه بدنة ، وأمر علياً بالباقي ، فنحرها ، واللّه أعلم ، انتهى . الحديث السابع والعشرون : قال عليه السلام : من أتى البيت فليحيه بالطواف ، قلت : غريب جداً . الحديث الثامن والعشرون :