فهرس الكتاب

لا تغلوا ، ولا تغدروا ، ولا تمثلوا

وأشار إليه البخاري بقوله : باب السفر بالمصاحف إلى أرض العدو يروى ذلك عن محمد بن بشر عن عبيد اللّه عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى اللّه عليه وسلم ، وقد سافر النبي صلى اللّه عليه وسلم وأصحابه إلى أرض العدو وهم يعلمون القرآن ، انتهى . الحديث الحادي عشر : قال عليه السلام : لا تغلوا ، ولا تغدروا ، ولا تمثلوا ، قلت : تقدم ذلك في حديث بريدة . قوله : والمثلة المروية في قصة العرنيين منسوخة بالنهي المتأخر ، قلت :

أخرج البخاري ، ومسلم حديث العرنيين في كتاب الحدود من رواية سعيد عن قتادة عن أنس أن نفراً من عكل ثمانية ، وفي لفظ أن أناساً من عرينة قدموا على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فبايعوه على الإِسلام ، فاستوخموا الأرض ، وسقمت أبدانهم ، فشكوا ذلك إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فقال : ألا تخرجون مع راعينا في إبله ، فتصيبون من أبوالها وألبانها ؟ قالوا : بلى يا رسول اللّه ، فخرجوا ، فشربوا من أبوالها وألبانها ، فصحوا ، ثم مالوا على الرعاء ، فقتلوهم ، وارتدوا عن الإِسلام ، واستاقوا ذود رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فبلغ ذلك النبي صلى اللّه عليه وسلم فبعث في إثرهم ، وأتى بهم ، فقطع أيديهم وأرجلهم ، وسمل أعينهم ، وتركهم في الحرة حتى ماتوا ، وفي لفظ : وألقوا في الحرة يستسقون فلا يسقون ، ولم يحسمهم حتى ماتوا ، وفي لفظ : فقطع أيديهم وأرجلهم ، ثم أمر بمسامير فأحميت ، ثم كحلهم بها ، وفي لفظ : وتركهم بالحرة يعضون الحجارة ، وفي آخره ، قال قتادة : وبلغنا أن النبي صلى اللّه عليه وسلم كان بعد ذلك يحث على الصدقة ، وينهى عن المثلة ، انتهى . وفي لفظ لهما ، قال قتادة : فحدثني محمد بن سيرين أن ذلك قبل أن تنزل الحدود ، انتهى . وفي لفظ للبيهقي : قال أنس : فما خطبنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بعد هذا خطبة ، إلا نهى فيها عن المثلة ، انتهى . قال في المعرفة : وحديث العرنيين إما أن يحمل على النسخ ، كما روي عن ابن سيرين ، وقتادة ، وبه قال الشافعي ، أو يحمل على أنه فعل بهم ما فعل بالرعاء ، وقد جاء مصرحاً عند مسلم عن أنس ، قال : إنما سمل النبي صلى اللّه عليه وسلم أعين أولئك لأنهم سملوا أعين الرعاء ، انتهى . وقال أبو الفتح اليعمري في سيرته : من الناس من زعم أن حديث العرنيين منسوخ بآية المائدة { إنما جزاء الذين يحاربون اللّه ورسوله } الآية ، ومن الناس من أبى ذلك ، لما وقع من الخلاف في سبب نزولها ، وقد ذكر البغوي وغيره لها قصة أخرى ، وأيضاً فليس فيها أكثر مما يشعره لفظة إنما من الاقتصار في حد الحرابة ، على ما في الآية ، وأما من زاد على الحرابة جنايات أخر ، كما فعل هؤلاء حيث زادوا بالردة ، وسمل أعين الرعاء ، وغير ذلك ، وروى ابن سعد في خبرهم أنهم قطعوا يد الراعي ورجله ، وغرزوا الشوك في لسانه وعينيه حتى مات ، فليس في الآية ما يمنع من التغليظ عليهم ، والزيادة في عقوبتهم ، فهذا ليس بمثلة ، والمثلة ما كان ابتداءً عن غير جزاء ، وقد جاء في صحيح مسلم ، إنما سمل النبي صلى اللّه عليه وسلم أعينهم لأنهم سملوا أعين الرعاء ، ولو أن شخصاً جنى على قوم جنايات في أعضاء متعددة ، فاقتص منه للمجني عليه ، لما كان التشويه الذي حصل من المثلة المنهي عنها ، وإذا اختلفت في نزول الآية الأقوال ، وتطرق إليها الاحتمال ، فلا نسخ ، انتهى كلامه . وقد تقدمت أحاديث النهي عن المثلة في كتاب الحج - في مسألة الإِشعار - من باب التمتع ، واللّه أعلم . قلت : مما يدل على نسخ حديث العرنيين بالآية