فهرس الكتاب

البينة على المدعي ، واليمين على من أنكر

- الحديث الأول : قال عليه السلام : - البينة على المدعي ، واليمين على من أنكر ، قلت :

أخرجه البيهقي في سننه عن ابن عباس ، قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : لو يعطى الناس بدعواهم لادعى رجال أموال قوم ودمائهم ، لكن البينة على المدعي ، واليمين على من أنكر ، انتهى . والحديث في الصحيحين بلفظ لكن اليمين على المدعى عليه ، أخرجاه عن ابن أبي مليكة عن ابن عباس ، ومعناه تقدم في حديث الأشعث بن قيس : شاهداك ، أو يمينه ، في الصحيحين ،

وأخرجه هو ، والدارقطني عن مسلم بن خالد الزنجي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال : البينة على من ادعى ، واليمين على من أنكر ، إلا في القسامة ، انتهى .

وأخرجه الدارقطني أيضًا عن مسلم بن خالد عن ابن جريج عن عطاء عن أبي هريرة أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال : البينة على من ادعى ، واليمين على من أنكر ، إلا في القسامة ، انتهى . قال في التنقيح : ومسلم بن خالد تكلم فيه غير واحد من الأئمة ، وقد اختلف عليه فيه ، فقيل عنه هكذا ، وقال بشر بن الحكم ، وغيره : عنه عن ابن جريج عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده به ، وقد رواه ابن عدي من الوجهين ، وقال : هذان الإسنادان يعرفان بمسلم بن خالد عن ابن جريج ، وفي المتن زيادة قوله : إلا في القسامة ، انتهى .

وروى الواقدي في كتاب المغازي حدثني علي بن محمد بن عبيد اللّه عن منصور الحجبي عن أمه صفية بنت شيبة عن برة بنت أبي تجزئة ، قالت : أنا أنظر إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حين خرج من البيت ، فوقف على الباب ، وأخذ بعضادتي الباب ، ثم أشرف على الناس ، وهم جلوس حول الكعبة ، وقال : الحمد للّه الذي صدق وعده ، فذكر خطبة ، وفيها : والبينة على من ادعى ، واليمين على من أنكر ، مختصر . والمصنف استدل بهذا الحديث على الشافعي في قوله : ترد اليمين على المدعي ، قال : لأنه قسم ، والقسمة تنافي الشركة ، ويبنى على هذا مسألة القضاء بشاهد ويمين ، فقال به مالك ، وأحمد ، والشافعي ، وحجتهم في ذلك حديث ابن عباس ،

أخرجه مسلم عن سيف بن سليمان أخبرني قيس بن سعد عن عمرو بن دينار عن ابن عباس أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قضى بيمين وشاهد ، انتهى . وأخرجه أبو داود ، والنسائي ، وابن ماجه ، وأخرجه أبو داود أيضًا عن عبد الرزاق أنا محمد بن مسلم عن عمرو بن دينار بإسناده ومعناه ، قال عمرو : في الحقوق ، انتهى . قال النسائي : وقيس بن سعد ثقة ، وسيف بن سليمان ثقة ، وأخرجه الدارقطني ، ثم البيهقي في سننيهما ووثق البيهقي سيف بن سليمان نقلًا عن يحيى القطان وأسند عن الشافعي أنه قال : حديث ابن عباس ثابت عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، لا يرد أحد من أهل العلم مثله ، لو لم يكن فيها غيره ، مع أن غيره يشهده ، قال الشافعي : واليمين مع الشاهد لا يخالف من ظاهر القرآن شيئًا ، لأنا نحكم بشاهدين ، وبشاهد ، وامرأتين ، ولا يمين ، فإذا كان شاهد حكمنا بشاهد ويمين ، وليس هذا بخلاف ظاهر القرآن ، لأنه لم يحرم أن يجوز أقل مما نص عليه في كتابه ، ورسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أعلم بمعنى ما أراد اللّه ، وقد أمرنا اللّه تعالى أن نأخذ ما آتانا ، وننتهي عما نهانا ، انتهى . وقال ابن عبد البر : هذا حديث صحيح ، لا مطعن لأحد في إسناده ، ولا خلاف بين أهل العلم في صحته ، وقد روى - القضاء باليمين ، والشاهد - عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أبي هريرة ، وعمر ، وابن عمر ، وعلي ، وابن عباس ، وزيد بن ثابت ، وجابر بن عبد اللّه ، وسعد بن عبادة ، وعبد اللّه بن عمرو بن العاص ، والمغيرة بن شعبة ، وعمارة بن حزم ، وسُرّق ، بأسانيد حسان ، انتهى والجواب عن حديث ابن عباس من وجهين : أحدهما : أنه معلول بالانقطاع ، قال الترمذي في علله الكبير : وسألت محمدًا عن هذا الحديث فقال : إن عمرو بن دينار لم يسمعه من ابن عباس ، انتهى . قلت : ويدل على ذلك ما أخرجه الدارقطني عن عبد اللّه بن محمد بن أبي ربيعة ثنا محمد بن مسلم عن عمرو بن دينار عن طاوس عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم ، فذكره ، قال الدارقطني : وخالفه عبد الرزاق ، فلم يذكر طاوسًا ، ومنهم من زاد جابر بن زيد ورواية الثقات لا تعلل برواية الضعفاء ، انتهى . وقال الطحاوي : لا أعلم قيس بن سعد يحدث عن عمرو بن دينار بشيء - يعني فيصير فيه انقطاعان - قال ابن القطان في كتابه : وهذا الحديث - وإن كان مسلم قد أخرجه في صحيحه عن قيس بن سعد عن عمرو بن دينار عن ابن عباس - فهو يرمى بالانقطاع في موضعين ، قال الترمذي : قال البخاري : عمرو بن دينار لم يسمع من ابن عباس هذا الحديث ، وقال الطحاوي : قيس بن سعد لا نعلمه يحدث عن عمرو بن دينار بشيء ، وقد أخرج الدارقطني في سننه ما يوافق قول البخاري عن عبد اللّه بن محمد بن ربيعة ثنا محمد بن مسلم عن عمرو بن دينار عن طاوس عن ابن عباس ، قال : قضى عليه السلام باليمين مع الشاهد الواحد ، ولكن هذه الرواية لا تصح من جهة عبد اللّه بن محمد بن ربيعة ، وهو القدامي ، يروى عن مالك ، وهو متروك ، قاله الدارقطني ، انتهى كلامه ، وقال البيهقي في المعرفة : قال الطحاوي : لا أعلم قيس بن سعد يحدث عن عمرو بن دينار بشيء ، وهذا مدخول ، فإن قيسًا ثقة ، أخرج له الشيخان في صحيحيهما ، وقال ابن المديني : هو أثبت ، وإذا كان الراوي ثقة وروى حديثًا عن شيخ يحتمله سنه ، ولقيه ، وكان غير معروف بالتدليس ، وجب قبوله ، وقد روى قيس ابن سعد عمن هو أكبر سنًا ، وأقدم موتًا من عمرو بن دينار ، كعطاء بن أبي رباح ، ومجاهد بن جبير ، وقد روى عن عمرو بن دينار من كان في قرن قيس ، وأقدم لقيا منه ، كأيوب السختياني ، فإنه رأى أنس بن مالك ، وروى عن سعيد بن جبير ، ثم روى عن عمرو بن دينار ، فكيف ينكر رواية قيس بن سعد عن عمرو بن دينار ؟ ! غير أنه روى ما يخالف مذهبه ، ولم يجد له مطعنًا سوى ذلك ، وقد روى جرير بن حازم - وهو ثقة - عن قيس بن سعد عن عمرو بن دينار عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أن رجلًا وقصته ناقة ، وهو محرم ، فذكر الحديث ، فقد علمنا قيسًا روى عن عمرو بن دينار غير حديث : اليمين مع الشاهد ، ثم قد تابع قيسًا على روايته هذه محمد بن مسلم الطائفي ، ثم ساقه من طريق أبي داود بسنده عن محمد بن مسلم الطائفي عن عمرو بن دينار عن ابن عباس بلفظ حديث قيس ، ثم قال : وقد روي من وجه آخر ،

ثم ساق من طريق الشافعي ثنا إبراهيم بن محمد الأسلمي عن ربيعة بن عثمان عن معاذ بن عبد الرحمن عن ابن عباس أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قضى باليمين مع الشاهد ، انتهى . الجواب الثاني : أن الحديث على تقدير صحته ، لا يفيد العموم ، قال الإمام فخر الدين : قول الصحابي نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن كذا ، وقضى بكذا ، لا يفيد العموم ، لأن الحجة في المحكي لا في الحكاية ، والمحكي قد يكون خاصًا ، وأيضًا فالقضاء له معان ، أقربها في هذا الموضع فصل الخصومات وهذا مما يتعين فيه الخصوص ، إذ لا يتأتى فيه الحكم بكل شاهد من النبي صلى الله عليه وسلم إلى قيام الساعة ، بل إنما يقضي بشاهد خاص ، وعلى هذا يكون الراوي قد اعتمد على قرينة الحال الدالة على أن المراد بالشاهد واليمين حقيقة الجنس ، لا استغراق الجنس ، ويكون معناه أنه عليه السلام قضى بجنس الشاهد ، وجنس اليمين . وقد يعترض على هذا بما وقع في الترمذي ، وسنن الدارقطني ، ثم البيهقي أنه عليه السلام قضى باليمين مع الشاهد الواحد ، وأخرج الدارقطني ، ثم البيهقي عن علي أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بشهادة شاهد واحد ، ويمين صاحب الحق ،

وأخرج الدارقطني عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد اللّه بن عمرو ، قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : قضى اللّه ورسوله في الحق بشاهدين ، فإن جاء بشاهدين أخذ حقه ، وإن جاء بشاهد واحد حلف مع شاهده . - بقية أحاديث الخصوم : فحديث أبي هريرة ،

أخرجه أبو داود في القضاء والترمذي ، وابن ماجه في الأحكام عن عبد العزيز بن محمد الدراوردي عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى باليمين مع الشاهد ، انتهى . قال الترمذي : حديث حسن غريب ، وأخرجه أبو داود أيضًا عن سليمان بن بلال عن ربيعة بإسناده نحوه ، وزاد فيه : قال سليمان : فلقيت سهيلًا فسألته عن هذا الحديث ، فقال : ما أعرفه ، فقلت : إن ربيعة أخبرني به عنك ، فقال : إن كان ربيعة أخبرك به عني ، فحدث به عن ربيعة عني ، قال : وكان سهيل أصابته علة أذهبت بعض عقله ، ونسي بعض حديثه ، فكان سهيل بعد يحدث به عن ربيعة عنه عن أبيه ، انتهى . - وحديث جابر :

فأخرجه الترمذي ، وابن ماجه عن عبد الوهاب الثقفي عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى باليمين مع الشاهد ، انتهى .

ثم أخرجه الترمذي عن إسماعيل بن جعفر عن جعفر بن محمد عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى باليمين مع الشاهد الواحد ، قال : وقضى به عليّ فيكم ، قال الترمذي : وهذا أصح ، وهكذا روى سفيان الثوري عن جعفر بن محمد عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلًا ، ورواه عبد العزيز بن أبي سلمة ، ويحيى بن سليم عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم ، انتهى . - وحديث سعد بن عبادة : رواه الترمذي حدثنا يعقوب بن إبراهيم الدورقي عن عبد العزيز بن محمد الدراوردي عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن ، قال : أخبرني ابن لسعد بن عبادة ، قال : وجدنا في - كتاب سعد - أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى باليمين مع الشاهد ، انتهى .

ورواه الطبراني في معجمه . - وحديث سُرّق :

رواه ابن ماجه في سننه حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة عن يزيد بن هارون عن جويرية بن أسماء عن عبد اللّه بن يزيد مولى المنبعث عن رجل من أهل مصر عن سُرّق أن النبي صلى الله عليه وسلم أجاز شهادة رجل ، ويمين الطالب ، انتهى . - وحديث علي ، الذي أشار إليه الترمذي :

أخرجه الدارقطني في سننه عن عبد العزيز بن أبي سلمة عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي رضي اللّه عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بشهادة شاهد واحد ، ويمين صاحب الحق ، وقضى به علي رضي اللّه عنه بالعراق ، انتهى . وهذا إسناد منقطع ، فإن محمد بن علي بن الحسين لم يدرك جد أبيه علي بن أبي طالب ، وقد أطال الدارقطني الكلام على هذا الحديث في كتاب العلل ، قال : وكان جعفر بن محمد ربما أرسل هذا الحديث ، وربما وصله عن جابر ، لأن جماعة من الثقات حفظوه عن أبيه عن جابر ، والقول قولهم ، لأنهم زادوا ، وهم ثقات ، وزيادة الثقة مقبولة ، انتهى .

وأخرجه الدارقطني ثم البيهقي عن علي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأبا بكر ، وعمر ، وعثمان ، كانوا يقضون بشهادة الشاهد الواحد ، ويمين المدعي . - قوله : لأن الصحابة رضي اللّه عنهم أجمعوا على القضاء بالنكول ، قلت : يوجد هذا في بعض نسخ الهداية ، وروى ابن أبي شيبة في مصنفه - في الأقضية حدثنا عباد بن العوام عن يحيى بن سعيد عن سالم أن ابن عمر باع غلامًا له بثمانمائة درهم ، فوجد به المشتري عيبًا ، فخاصمه إلى عثمان ، فقال له عثمان : بعته بالبراءة ؟ فأبى أن يحلف ، فرده عثمان عليه ، انتهى . حدثنا حفص عن ابن جريج عن ابن أبي مليكة عن ابن عباس أنه أمره أن يستحلف امرأة ، فأبت أن تحلف ، فألزمها ، حدثنا شريك عن مغيرة عن الحارث ، قال : نكل رجل عند شريح عن اليمين ، فقضى شريح عليه ، فقال الرجل : أنا أحلف ، فقال شريح : قد مضى قضائي ، انتهى . حدثنا جرير عن مغيرة ، وابن شبرمة ، قالا : اشترى عبد اللّه غلامًا لامريء ، فلما ذهب إلى منزله حم الغلام ، فخاصمه إلى الشعبي ، فقال لعبد اللّه : بينتك أنه دلس عليك عيبًا ؟ فقال : ليس لي بينة ، فقال للرجل : احلف أنك لم تبعه ذا ، فأبى ، فقال الرجل : أرد اليمين على عبد اللّه ، فقضى الشعبي باليمين عليه فقال : إما أن تحلف ، وإلا جاز عليك الغلام ، انتهى . وأخرج الطحاوي في مشكل الآثار عن عبد اللّه بن عون من أهل فلسطين ، قال : أمرت امرأة وليدة لها أن تضطجع عند زوجها ، فحسب أنها جاريته ، فوقع عليها ، وهو لا يشعر ، فقال عثمان : حلفوه أنه ما شعر ، فإن أبى أن يحلف فارجموه ، وإن حلف فاجلدوه مائة جلدة ، واجلدوا امرأته مائة جلدة ، واجلدوا الوليدة الحد ، قال الطحاوي : لا نعلم له مخالفًا من الصحابة ، ولا منكرًا عليه - يعني في الحكم بالنكول - وأنه كالإقرار . باب في كيفية اليمين