فهرس الكتاب

اقرءُوا القرآن ، ولا تأكلوا به

- الحديث الرابع : قال عليه السلام : - اقرءُوا القرآن ، ولا تأكلوا به ، قلت : روي من حديث عبد الرحمن بن شبل ، وأبي هريرة ، وعبد الرحمن بن عوف . - فحديث عبد الرحمن بن شبل :

رواه أحمد في مسنده حدثنا إسماعيل بن إبراهيم عن هشام الدستوائي حدثني يحيى بن أبي كثير عن أبي راشد الحبراني ، قال : قال عبد الرحمن بن شبل : سمعت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول : اقرءُوا القرآن ولا تأكلوا به ، ولا تجفوا عنه ، ولا تغلوا فيه . ولا تستكثروا به ، انتهى ، وكذلك رواه إسحاق بن راهويه ، وابن أبي شيبة في مصنفه - في باب التراويح حدثنا وكيع عن هشام الدستوائي به ، ورواه عبد الرزاق في مصنفه أخبرنا معمر عن يحيى بن أبي كثير عن زيد بن سلام عن جده أبي راشد الحبراني به ، ومن طريق عبد الرزاق رواه كذلك عبد بن حميد ، وإسحاق بن راهويه ، وأبو يعلى الموصلي في مسانيدهم ، وكذلك الطبراني في معجمه . - وأما حديث عبد الرحمن بن عوف : فأخرجه البزار في مسنده عن حماد بن يحيى عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبيه عبد الرحمن بن عوف مرفوعًا ، نحوه سواء ، ثم قال : هذا خطأ ، أخطأ فيه حماد بن يحيى ، والصحيح عن يحيى بن أبي كثير عن زيد بن سالم عن أبي راشد عن عبد الرحمن بن شبل عن النبي صلى الله عليه وسلم ، انتهى . - وأما حديث أبي هريرة : فأخرجه ابن عدي في الكامل عن الضحاك بن نبراس البصري عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ، نحوه سواء ، وأسند عن ابن معين أنه قال في الضحاك بن نبراس هذا : ليس بشيء ، وعن النسائي قال : متروك الحديث . - أحاديث الباب : منها حديث القوس ، وقد روي من حديث عبادة بن الصامت ، ومن حديث أبيّ بن كعب . - فحديث عبادة ، له طريقان : أحدهما :

أخرجه أبو داود في البيوع ، وابن ماجه في التجارات عن المغيرة بن زياد الموصلي عن عبادة بن نسي عن الأسود بن ثعلبة عن عبادة بن الصامت ، قال : علمت ناسًا من أهل الصفة القرآن ، فأهدى إليّ رجل منهم قوسًا ، فقلت : ليست بمال ، وأرمي بها في سبيل اللّه ، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك ، فقال : إن أردت أن يطوقك اللّه طوقًا من نار فاقبلها ، انتهى . ورواه الحاكم في المستدرك - في البيوع ، وقال : حديث صحيح الإسناد ، ولم يخرجاه ، انتهى . قال صاحب التنقيح : والحاكم قد تناقض كلامه في المغيرة بن زياد ، فإنه صحح حديثه هنا . وقال في موضع آخر : المغيرة بن زياد صاحب مناكير ، لم يختلفوا في تركه ، وهذا خطأ منه ، وتناقض ، والمغيرة يختلف فيه ، ووثقه ابن معين ، والعجلي ، وغيرهم ، وتكلم فيه أحمد ، والبخاري ، وأبو حاتم ، وغيرهم ، انتهى . وقال ابن القطان في كتابه : الأسود بن ثعلبة مجهول الحال ، ولا نعرف روى عنه غير عبادة بن نسي ، والمغيرة بن زياد مختلف فيه ، انتهى . وقال ابن حبان في كتاب الضعفاء : المغيرة بن زياد الموصلي يروي عن عطاء ، وعبادة بن نسي ، كنيته أبو هشام ، روى عنه الثوري ، ووكيع كان ينفرد عن الثقات ، بما لا يشبه حديث الأثبات لا يحتج بما خالف فيه الأثبات . وإنما يحتج بما وافق فيه الثقات ، انتهى . الطريق الثاني :

أخرجه أبو داود عن ثقة عن بشر بن عبد اللّه بن يسار حدثني عبادة بن نسي عن جنادة بن أبي أمية عن عبادة بن الصامت ، قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قدم الرجل مهاجرًا دفعه إلى رجل منا يعلمه القرآن ، فدفع إليّ رجلًا كان معي ، وكنت أقرأته القرآن ، فانصرفت يومًا إلى أهلي ، فرأى أن عليه حقًا ، فأهدى إلي قوسًا ما رأيت أجود منها عودًا ، ولا أحسن منها عطافًا ، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فاستفتيته ، فقال : جمرة بين كتفيك تقلدتها ، أو تعلقتها ، انتهى . وأخرجه الحاكم في المستدرك - في كتاب الفضائل عن أبي المغيرة عبد القدوس بن الحجاج عن بشر بن عبد اللّه بن يسار به سندًا ومتنًا ، وقال : حديث صحيح الإسناد ، ولم يخرجاه . - وأما حديث أبيّ بن كعب :

فأخرجه ابن ماجه في التجارات عن ثور بن يزيد حدثني عبد الرحمن بن سلم عن عطية الكلاعي عن أبيّ بن كعب ، قال : علمت رجلًا القرآن ، فأهدى إلي قوسًا ، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : إن أخذتها أخذت قوسًا من نار ، قال : فرددتها ، انتهى . قال البيهقي في المعرفة - في كتاب النكاح : هذا حديث اختلف فيه على عبادة بن نسي ، فقيل : عنه عن جنادة بن أبي أمية عن عبادة بن الصامت ، وقيل : عنه عن الأسود بن ثعلبة عن عبادة ، وقيل : عن عطية بن قيس عن أبيّ بن كعب ، ثم إن ظاهره متروك عندنا ، وعندهم ، فإنه لو قبل الهدية ، وكانت غير مشروطة لم يستحق هذا الوعيد ، ويشبه أن يكون منسوخًا بحديث ابن عباس ، وحديث الخدري ، وأبو سعيد الأصطخري من أصحابنا ، ذهب إلى جواز الأخذ فيه على ما لا يتعين فرضه على معلمه ، ومنعه فيما يتعين عليه تعليمه ، وحمل على ذلك اختلاف الآثار ، وقد روي عن عمر بن الخطاب أنه كان يرزق المعلمين ، ثم أسند عن إبراهيم بن سعد عن أبيه أن عمر بن الخطاب كتب إلى بعض عماله : أن أعط الناس على تعليم القرآن ، انتهى كلامه . وقال ابن القطان في كتابه : حديث أبيّ هذا روي من طرق ، وليس فيها شيء يلتفت إليه ، ذكرها بقي بن مخلد ، وغيره ، انتهى . وقال في التنقيح : عبد الرحمن بن سلم ليس بالمشهور ، روى له ابن ماجه هذا الحديث الواحد ، وذكره شيخنا المزي في الأطراف ، وبينه وبين ثور خالد بن معدان ، وهو وهم منه ، انتهى كلامه . - حديث آخر :

رواه البيهقي في شعب الإيمان في آخر الباب التاسع عشر ، من حديث علي بن قادم الخزاعي عن سفيان الثوري عن علقمة بن مرثد عن سليمان بن بريدة عن أبيه ، قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : من قرأ القرآن يتأكل به الناس جاء يوم القيامة ووجهه عظم ، ليس عليه لحم ، انتهى . وأسند عن حمزة الزيات أنه مر على باب قوم بالبصرة ، فاستسقى منهم ، فلما أخرج إليه الكوز رده ، فقيل له في ذلك ، فقال : أخشى أن يكون بعض صبيان هذه الدار قرأ عليّ فيكون ثوابي منه ، انتهى . - حديث آخر :

قال في : التنقيح : قال عثمان بن سعيد الدارمي : ثنا عبد الرحمن بن يحيى بن إسماعيل بن عبد اللّه ثنا الوليد بن مسلم ثنا سعيد بن عبد العزيز عن إسماعيل بن عبيد اللّه عن أم الدرداء عن أبي الدرداء أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ، قال : من أخذ قوسًا على تعليم القرآن ، قلده اللّه قوسًا من نار ، انتهى . وقال : ليس فيه إلا عبد الرحمن هذا ، قال ابن أبي حاتم : روى عنه أبي ، وسألته عنه ، فقال : صدوق ، ما بحديثه بأس ، وقال البيهقي : ضعيف ، وبقية السند صحيح ، روى مسلم في صحيحه عن الوليد بن مسلم بهذا السند في - الصوم في السفر - ، انتهى كلامه . وذكر ابن الجوزي في الباب حديثًا آخر من رواية ابن عباس مرفوعًا : لا تستأجروا المعلمين ، وفي إسناده أحمد بن عبد اللّه الهروي ، قال : وهو دجال يضع الحديث ، وهذا من صنعه ، ووافقه صاحب التنقيح على ذلك ، واللّه أعلم . - أحاديث الخصوم في الرخصة :

أخرج البخاري ، ومسلم عن أبي المتوكل عن أبي سعيد الخدري ، قال : بعثنا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم في غزوة ، فأتينا على رجل لديغ في جبينه ، فداووه فلم ينفعه شيء ، فقال بعضهم : لو أتيتم هؤلاء الرهط الذين نزلوا بكم ، لعله يكون عندهم شيء ينفع ، فأتونا ، فقالوا : أيها الرهط إن سيدنا لديغ ، فابتغينا له كل شيء ، فلم ينفعه ، فهل عندكم من شيء ؟ فقال بعضهم : نعم ، واللّه إني لأرقي ، لكن واللّه لقد استضفناكم فلم تضيفونا ، لا نرقي حتى تجعلوا لنا جعلًا ، فصالحوهم على قطيع من الغنم ، فانطلق ، فجعل يتفل عليه ، ويقرأ : الحمد للّه رب العالمين - يعني فاتحة الكتاب - حتى برأ ، فكأنما نشط من عقال ، فقام يمشي ما به قلبة ، فوفوهم جعلهم ، فقال بعضهم : اقتسموا ، فقال الذي رقى : لا تفعلوا حتى نأتي رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ، فنذكر له الذي كان ، فننظر ما يأمرنا له ، فغدوا على رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فذكروا له ذلك ، فقال : أصبتم ، اقتسموا ، واضربوا لي معكم بسهم ، انتهى . - حديث آخر :

أخرجه البخاري في كتاب الطب عن ابن أبي مليكة عن ابن عباس أن نفرًا من أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم مرّوا بماء فيهم لديغ ، أو سليم ، فعرض لهم رجل من أهل الماء ، فقال : هل فيكم من راق ؟ فإن في الماء رجلًا لديغًا ، أو سليمًا ، فانطلق رجل منهم ، فقرأ بفاتحة الكتاب ، على شاء ، فجاء بالشاء إلى الصحابة ، فكرهوا ذلك ، وقالوا : أخذت على كتاب اللّه أجرًا ! حتى قدموا المدينة ، فقالوا : يا رسول اللّه أخذ على كتاب اللّه أجرًا ، فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : إن أحق ما أخذتم عليه أجرًا كتاب اللّه ، انتهى . ووهم ابن الجوزي في التحقيق فعزاه للصحيحين ، وهو من مفردات البخاري ، نبه عليه صاحب التنقيح ، قال ابن الجوزي : وقد أجاب أصحابنا عن هذين الحديثين بثلاثة أجوبة : أحدها : أن القوم كانوا كفارًا ، فجاز أخذ أموالهم ، والثاني أن حق الضيف واجب ، ولم يضيفوهم ، والثالث : أن الرقية ليست بقربة محضة ، فجاز أخذ الأجرة عليها ، انتهى . قال القرطبي في شرح مسلم : ولا نسلم أن جواز الأجر في الرقى ، يدل على جواز التعليم بالأجر ، والحديث إنما هو في الرقية ، واللّه أعلم .