فهرس الكتاب

من آجر أرض مكة ، فكأنما أكل الربا

- الحديث السابع والثلاثون : قال عليه السلام : - من آجر أرض مكة ، فكأنما أكل الربا ، قلت : غريب بهذا اللفظ ،

وروى محمد بن الحسن في كتاب الآثار أخبرنا أبو حنيفة عن عبيد اللّه بن أبي زياد عن أبي نجيح عن عبد اللّه بن عمرو عن النبي صلى اللّه عليه وسلم ، قال : من أكل من أجور بيوت مكة ، فإنما يأكل نارًا ، انتهى .

وتقدم عند الدارقطني عن أيمن بن نابل ثنا عبيد اللّه بن أبي زياد عن أبي نجيح عن عبد اللّه بن عمرو ، رفعه ، قال : من أكل كراء بيوت مكة فقد أكل نارًا ، انتهى . وروى عبد الرزاق في مصنفه - في الحج أخبرنا ابن جريج ، قال : كان عطاء ينهى عن الكراء في الحرم ، وأخبرني أن عمر بن الخطاب كان ينهى أن تبوب دور مكة ، لأن ينزل الحاج في عرصاتها ، فكان أول من بوّب داره سهيل بن عمرو ، فأرسل إليه عمر بن الخطاب في ذلك ، فقال : أنظرني يا أمير المؤمنين ، إني أمرؤ تاجر ، فأردت أن أتخذ بابًا يحبس لي ظهري ، قال : فذلك إذًا ، انتهى . أخبرنا معمر عن منصور عن مجاهد أن عمر بن الخطاب ، قال : يا أهل مكة لا تتخذوا لدوركم أبوابًا ، لينزل البادي حيث شاء ، قال معمر : وأخبرني بعض أهل مكة ، قال : لقد استخلف معاوية ، وما لدار بمكة باب ، قال : وأخبرني من سمع عطاء يقول : { سواء العاكف فيه والباد } ، قال : ينزلون حيث شاءوا ، انتهى . وذكر البيهقي في المعرفة - في البيوع ثنا االحاكم بسنده عن إسحاق بن راهويه ، قال : كنا بمكة ، ومعي أحمد بن حنبل فقال لي أحمد يومًا : تعال أريك رجلًا لم تر عيناك مثله - يعني الشافعي - فذهبت معه ، فرأيت من إعظام أحمد للشافعي ، فقلت له : إني أريد أن أسأله عن مسألة ، قال : هات ، فقلت للشافعي : يا أبا عبد اللّه ما تقول في أجور بيوت مكة ؟ قال : لا بأس به ، قلت ، وكيف ! وقد قال عمر : يا أهل مكة لا تجعلوا على دوركم أبوابًا ، لينزل البادي حيث شاء ، وكان سعيد بن جبير ، ومجاهد ينزلان ، ويخرجان ، ولا يعطيان أجرًا ، فقال : السنة في هذا أولى بنا ، فقلت : أو في هذا سنة ؟ قال : نعم ، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : وهل ترك لنا عقيل منزلًا ؟ لأن عقيلًا ورث أبا طالب ، ولم يرثه علي ، ولا جعفر ، لأنهما كانا مسلمين ، فلو كانت المنازل بمكة لا تملك ، كيف كان يقول : وهل ترك لنا ، وهي غير مملوكة ؟ قال : فاستحسن ذلك أحمد ، وقال : لم يقع هذا بقلبي ، فقال إسحاق للشافعي : أليس قد قال اللّه تعالى : { سواء العاكف فيه والباد } ؟ فقال له الشافعي : اقرأ أول الآية { والمسجد الحرام الذي جعلناه للناس ، سواء العاكف فيه والباد } ، إذ لو كان كما تزعم ، لما جاز لأحد أن ينشد فيها ضالة ، ولا ينحر فيها بدنة ، ولا يدع فيها الأرواث ، ولكن هذا في المسجد خاصة ، قال : فسكت إسحاق ، انتهى . وبحديث : هل ترك لنا عقيل منزلًا ، استدل ابن حبان في صحيحه على جواز إجارة بيوت مكة ، وهو متفق عليه ، أخرجه البخاري ، ومسلم من حديث أسامة بن زيد ، وروى الواقدي في كتاب المغازي حدثني معاوية بن عبد اللّه بن عبيد اللّه عن أبيه عن أبي رافع ، قال : قيل للنبي صلى اللّه عليه وسلم حين دخل مكة يوم الفتح : ألا تنزل منزلك من الشعب ؟ قال : فهل ترك لنا عقيل منزلًا ، وكان عقيل قد باع منزل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، ومنزل إخوته من الرجال ، والنساء بمكة ، فقيل له : فانزل في بعض بيوت مكة فأبى ، وقال : لا أدخل البيوت ، فلم يزل مضطربًا بالحجون ، لم يدخل بيتًا ، وكان يأتي إلى المسجد من الحجون ، انتهى . وقال السهيلي في الروض الأنف : وقد اشترى عمر بن الخطاب الدور من الناس الذين ضيقوا الكعبة ، وألصقوا دورهم بها ، ثم هدمها ، وبنى المسجد الحرام حول الكعبة ، ثم كان عثمان ، فاشترى دورًا بأغلى ثمن ، وزاد في سعة المسجد ، وفي هذا دليل على أن رباع مكة مملوكة لأهلها بيعًا وشراء ، إذا شاءوا ، انتهى . وقال أبو الفتح اليعمري في سيرته - عيون الأثر : وهذا الخلاف هنا يبتنى على خلاف آخر ، وهو أن مكة هل فتحت عنوة ، أو أخذت بالأمان ؟ فذهب الشافعي إلى أنها مؤمنة ، والأمان كالصلح يملكها أهلها ، فيجوز لهم كراؤها وبيعها وشراؤها ، لأن المؤمن يحرم دمه ، وماله ، وعياله ، وكان النبي صلى اللّه عليه وسلم عهد إلى المسلمين أن لا يقاتلوا إلا من قاتلهم ، وقال : من أغلق بابه ، فهو آمن ، ومن دخل دار أبي سفيان فهو أمن إلا الذين استثناهم النبي صلى اللّه عليه وسلم ، وأمر بقتلهم ، وإن وجدوا متعلقين بأستار الكعبة ، وذكر الطبري أن النبي صلى اللّه عليه وسلم وجه حكيم بن حزام مع أبي سفيان بعد إسلامهما إلى مكة ، وقال : من دخل دار حكيم ، فهو آمن - وهي بأسفل مكة - ومن دخل دار أبي سفيان ، فهو آمن - وهي بأعلا مكة - ، فكان هذا أمانًا منه لكل من لم يقاتل من أهل مكة ، وأكثر أهل العلم على أنها فتحت عنوة ، لأنها أخذت بالخيل والركاب ، وجاء في حديث عن عائشة من طريق إبراهيم بن مهاجر في مكة ، أنها مناخ من سبق ، ولا خلاف في أنه لم يجر فيها قسم ، ولا غنيمة ، ولا سبي من أهلها أحد لما عظم اللّه من حرمتها ، قال أبو عمر : والأصح - والله أعلم - أنها بلدة مؤمنة ، آمن أهلها على أنفسهم ، وكانت أموالهم تبعًا لهم ، انتهى كلامه . ولذلك قال ابن الجوزي في التحقيق : بيع رباع مكة مبني على أنها إن فتحت عنوة ، فتكون وقفًا على المسلمين ، فلا يجوز بيعها ، وإن فتحت صلحًا فهي باقية على أهلها فيجوز ، انتهى . وحديث : مكة مناخ من سبق ،

رواه أبو عبيد القاسم بن سلام حدثنا عبد الرحمن عن إسرائيل عن إبراهيم بن مهاجر عن يوسف بن ماهك عن أمه عن عائشة ، قلت : يا رسول اللّه ، ألا نبني لك بيتًا ؟ - يعني بمكة - قال : لا ، إنما هي مناخ لمن سبق ، انتهى . وقال الحاكم في المستدرك عقيب حديث عبد اللّه بن عمرو : وقد صحت الروايات أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم دخل مكة صلحًا ، فمنها ما حدثنا -

وأسند عن أبي هريرة - أن النبي صلى اللّه عليه وسلم حين سار إلى مكة ليفتحها ، قال لأبي هريرة : اهتف بالأنصار ، فقال : يا معشر الأنصار ، أجيبوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فجاءوا ، كأنما كانوا على ميعاد ، ثم قال : اسلكوا هذه الطريق ، فساروا ، ففتحها اللّه عليهم ، وطاف رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بالبيت ، فصلى ركعتين ، ثم خرج من الباب الذي يلي الصفا ، فصعد الصفا ، فخطب الناس ، والأنصار أسفل منه ، فقالت الأنصار بعضهم لبعض : أما الرجل فقد أخذته رأفة بقومه ، ورغبة في قريته ، قال : فمن أنا إذًا ؟ ! كلا والله ، إني عبد اللّه ورسوله حقًا ، فالمحيا محياكم ، والممات مماتكم ، قالوا : والله يا رسول اللّه ما قلنا ذلك إلا مخافة أن يعادونا ، قال : أنتم صادقون عند اللّه ورسوله ، قال : فوالله ما منهم إلا من بلّ نحره بالدموع ، انتهى .